أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: سورة الذريات الآيات من 38-45 الأربعاء 01 فبراير 2023, 9:33 am | |
| وَفِي مُوسَىٰ إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ [٣٨]فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ [٣٩]فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ [٤٠] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ) بعد أنْ حدَّثتنا الآيات عن طرف من قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام تُحدثنا الآن عن سيدنا موسى عليه السلام، لماذا؟ لأن القرآن كثيراً ما يأتي بإبراهيم وموسى في قرن واحد لما بينهما من تشابه في مسيرة الدعوة إلى الله. اقرأ: { إِنَّ هَـٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ } [الأعلى: 18-19] وقال: { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ * وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } [النجم: 36-37]. فالقرآن يربط بينهما لأن سيدنا إبراهيم أول ما تعرَّض في أمر الدعوة تعرَّض للرجل الذي حاجَّه في ربه، ويبدو من سياق القصة أنه ادَّعى الألوهية بدليل قوله { أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ ..} [البقرة: 258]. وبعد ذلك كان لإبراهيم مواقف في إظهار آيات الله للناس، فهو أول مَنْ علَّمهم أنْ ينظروا في الآيات الكونية، ثم كانت له مواقف مع عبدة الأصنام، خاصة مع أبيه آزر، ثم جاءت أحداث إلقائه في النار، ثم رُزِقَ الولد، وابتُلِي بالأمر بذبحه، ثم جاءت قصة بناء البيت، إلى آخر أحداث قصته. لذلك قال الله في شأنه: { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ } [البقرة: 124] أي: أدّاها كاملة لا بالمنطق العادي في الأشياء، إنما بمنطق الإجادة والإحسان، لذلك مدحه ربُّه فقال: { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [النحل: 120] أي: يجمع من خصال الخير ما لا يتوفر إلا في أمة كاملة. كذلك مَرَّ سيدنا موسى عليه السلام بمواقف وابتلاءات مشابهة في رحلة دعوته لفرعون الذي ادَّعى الألوهية، فقال لقومه: { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي ..} [ قصص: 38]. الواو في {وَفِي مُوسَىٰ ..} [الذاريات: 38] عاطفة، فالمعنى في موسى آية من آيات الله معطوفة على قوله تعالى: { وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ } [الذاريات: 20] كذلك في موسى آيات {إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} الذاريات: 38] أي: بحجة واضحة بيِّنة. وسبق أنْ أوضحنا أن السلطان قد يكون سلطانَ قوة وقهر تخضع المقابل، أو سلطانَ برهان وحجة يقنعه. سلطان القهر يقهر القالب، وسلطان الحجة يقنع العقل ويستميل القلب، وموسى عليه السلام لم يكُنْ يملك إلا حجةَ الإقناع، ولا قوة له على فرعون يقهره بها، فأعطاه الله سلطاناً مبيناً يقنع به فرعون، وهو الآيات والمعجزات التي صاحبتْ دعوته. والمعجزة لا تؤتي ثمارها في القوم إلا إذا كانت من جنس ما نبغوا فيه وأتقنوه، ولو تحداهم بشيء لا يعرفونه ما كان للتحدي معنى، لذلك كانت معجزة سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) القرآن، لأن العرب نبغوا في البلاغة والفصاحة، فتحدَّاهم بما نبغوا فيه. أما قوم فرعون فقد نبغوا في السحر فكانوا سحرة، لكن مُكرهين على السحر بدليل أن فرعون لما استدعاهم من الآفاق لمقابلة موسى بسحرهم قالوا { أَإِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَالِبِينَ } [الشعراء: 41] لأن الأعمال التي كانوا يعملونها كانت سُخْرة بدون أجر، كما رأينا مثلاً في بناء الأهرامات. والأصل في دعوة سيدنا موسى أنه ما جاء ليدعو فرعون إنما ليأخذ منه بني إسرائيل، ولينقذهم من بطشه، هذا هو الأصل لكن جاءتْ دعوته لفرعون على هامش هذا الأصل وتابعة له، بدليل قوله تعالى: { فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ ..} [طه: 47]. فقبل أنْ يدعو موسى بني إسرائيل كان عليه أنْ يخلصهم من فرعون واستبداده بهم، ومعلوم أن فرعون اضطهد بني إسرائيل لأنهم ساعدوا الهكسوس لما أغاروا على مصر وتعاونوا معهم ضد فرعون، حتى انتصر الهكسوس وألغوا الفرعونية وجعلوها ملكية. لذلك عرفنا أن الهكسوس دخلوا مصر في عهد سيدنا يوسف عليه السلام، لأن القرآن لما تكلَّم عن حكام مصر تكلم عن فرعون، لكن لما ذكر يوسف ذكر لفظ الملك: { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ..} [يوسف: 50] ولم يأتِ بلفظ الفرعون. فلما أراد الحق سبحانه أنْ يُخلِّص بني إسرائيل من قبضة فرعون أرسل موسى لهذه المهمة. وقوله تعالى: {فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات: 39] أي: فرعون أعرض عن موسى ودعوته {بِرُكْنِهِ ..} [الذاريات: 39] أي: أعرض بسبب ركنه. أي: قوته وسلطانه وجبروته واستعلائه في الأرض. أو برُكْنه يعني بجانبه. وحين تُعرض عن إنسان تعطيه جانبك، ثم تدير له ظهرك بعد أنْ كنتَ في مواجهته، وهذا المسألة صوَّرها القرآن الكريم بقوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ..} [ التوبة: 34-35]. وبهذا الترتيب يكون الإعراض عن طالب الحاجة، حيث يُعرض أولاً بوجهه، ثم بجنبه، ثم بظهره، وهكذا يكون الكَيُّ يوم القيامة جزاءً وفاقاً، وعلى قَدْر حركات الامتناع عن الخير. وقوله: {وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات: 39] تأمل التناقض حتى في الاتهام، فالساحر له قدرة على ترتيب الأشياء، وعنده ذكاء بحيث يُخيِّل للناس رؤية الأشياء على خلاف ما هي، أما المجنون فعلى خلاف ذلك، لأنه لا يُرتِّب الأشياء، ولا قدرةَ له على السيطرة على مراداته ونزوعه، لكنه تخبُّط الباطل وإفلاسه. ثم ينتقم الحق سبحانه من فرعون {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ} [الذاريات: 40] أخذهم الله بأنْ ألقى في نفوسهم حبّ اللحاق بموسى وأغراهم بذلك حتى تبعوهم وخاضوا البحر خلفهم. فأطبق الله عليهم الماء فأغرقهم بعد أنْ نجَّى موسى وبني إسرائيل {فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ ..} [الذاريات: 40] ألقيناهم في البحر (وهو) أي فرعون {وَهُوَ مُلِيمٌ} [الذاريات: 40] أي: فعل ما يُلام عليه من عُتوه وجبروته وادعائه للألوهية. والمعنى: أن الله تعالى لم يُهلكه وجنودَه بظلم أو جبروت، إنما أهلكهم بما يستحقون من العذاب.
|
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة الذريات الآيات من 38-45 الأربعاء 01 فبراير 2023, 9:34 am | |
| وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ [٤١]مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ [٤٢] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ) أيضاً هنا الواو عاطفة تعطف {وَفِي عَادٍ ..} [الذاريات: 41] على: { وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ } [الذاريات: 20] وعلى قوله:{ وَفِي مُوسَىٰ ..} الذاريات: 38] والمعنى: وفي عاد آية لكم، فكأن القرآن يُسلِّي سيدنا رسول الله يقول له: لا تحزن من عناد قومك لك، ووقوفهم في وجه دعوتك. فالعاقبة لك، ومصيرهم سيكون مثل مصير أمثالهم من المكذِّبين للرسل السابقين، فلك فيهم عبرة. {وَفِي عَادٍ ..} [الذاريات: 41] أتى باسم القبيلة ولم يذكر النبي. وفي موضع آخر قال: { وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً ..} [ الأعراف: 65] فذكر القبيلة لأنه يتحدث عن سوء عاقبتها وما نزل بها لما كذّبتْ نبيها، وعاد عند الأحقاف. وقد قال الله فيهم: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ * ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ } [الفجر: 6-8] ثم ذكر بعدها { وفِرْعَوْنُ ذُو ٱلأَوْتَادِ } [ص: 12]. فكأن حضارة عاد كانت أقوى وأعظم من حضارة الفراعنة، لكنها مطمورة تحت التراب، لأن الله أهلكهم بالريح فدفنتهم تحت الرمال، ولا عجب في ذلك فهذه منطقة رملية إذا هبَّتْ فيها عاصفة فيمكن أنْ تطمر قافلة كاملة تبتلعها الرمال. لذلك نجد آثار هذه الأمم حفائر تحت الأرض. ومعنى {ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ} [الذاريات: 41] أي: الريح المدمرة المهلكة، لأن الريح قد تهبُّ ليِّنة سلسة رقيقة، وتسمى النسيم، وقد تشتد فتكون إعصاراً مدمراً، فهي آية من آيات الله تكون نعمة ونقمة. الريح هي الهواء الذي نتنفسه، وهو أهم عنصر في عناصر استبقاء الحياة، ولو مُنع عن الإنسان يموت ولو نَفَس واحد، والهواء عنصر أساسي في تكوين الماء وبه تسير السُّحب وينزل المطر، وبه يحيا الحيوان والنبات وهو الذي يُلقِّح الثمار والمزروعات. وسبق أنْ قلنا إن الريح تأتي في الشر وفي الهلاك، أما الرياح بالجمع فتأتي في وجوه الخير، فقال هنا {ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ} [الذاريات: 41] أي المدمِّرة، وقال: { وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ ..} [ الحجر: 22]. ووصف الريح هنا بأنها عقيم، لأنها لا فائدةَ منها ولا تأتي بخير، لا مطر ولا لقاح، إنما تأتي بالشر والخراب. وقوله تعالى: {مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ} [الذاريات: 42] معنى: (تذر) أي: تترك ومثله الفعل تدع، وكل منهما مضارع ليس له ماض في اللغة إلا في قراءة: { وَٱلضُّحَىٰ * وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ } [الضحى: 1-3] في قراءة (مَا ودَعَكَ) بفتح الدال من غير تشديد. أما الفعل (يذر) فليس له ماضٍ، فهذه الريح لا تأتي على شيء ولا تمر على شيء إلا أهلكته وتركته {كَٱلرَّمِيمِ} [الذرايات: 42] وهو الشيء الجاف الذي تفتت وصار هباءً تذروه الرياح.
|
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة الذريات الآيات من 38-45 الأربعاء 01 فبراير 2023, 9:35 am | |
| وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّىٰ حِينٍ [٤٣]فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ [٤٤]فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ [٤٥] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ) معنى {وَفِي ثَمُودَ ..} [الذاريات: 43] أي: وآية أيضاً في ثمود، وهم قوم سيدنا صالح عليه السلام {إِذْ قِيلَ لَهُمْ ..} [الذاريات: 43] أي: اذكر إذ قيل لهم {تَمَتَّعُواْ حَتَّىٰ حِينٍ} [الذاريات: 43] وهذا تهديد لهم ووعيد بعد ما فعلوه مع نبي الله صالح، يقول لهم تمتعوا إلى حين، فسوف يعاجلكم العذاب، وسيأخذكم الله أخْذَ عزيز مقتدر. ومع هذا التهديد والتوعُّد ظلوا على عنادهم {فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ ..} [الذاريات: 44] فلم يُجد معهم التهديد، والعتو يعني: مالوا عن أمر بهم وتركوه وهجروه. وهذا الفعل (عتى) عُتواً يتعدى بـ (على) كما في قوله تعالى: { أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً } [مريم: 69] وهنا تعدَّى بعن {فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ ..} [الذاريات: 44] فقد عتوا عن الأمر لا على الآمر {فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ} [الذاريات: 44] الصاعقة صوت مزعج يأتي من أعلى تصاحبه إما نار حارقة، أو ريح مدمرة. {فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مِن قِيَامٍ ..} [الذاريات: 45] أي لِهول ما نزل بهم فزعوا فزعاً أقعدهم، فلم يستطيعوا القيام ولا الهرب من باب أوْلَى، فالصاعقة صعقتهم وأفقدتهم القوى {وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ} [الذاريات: 45] يعني: لم يستطيعوا نصر أنفسهم، ولم ينصرهم أحد، ولم يدافع عنهم أحد.
|
|