وجهة نظر..
تفاءل وأحسن الظن بالناس.. وشجعهم.. لينطلقوا أكثر
84. انظر بعينين..
نحن نبدع في أحيان كثيرة في رؤية أخطاء الناس وملاحظتها.. وربما في تنبيههم عليها..
ولكننا قلما نبدع في رؤية الخير الذي عندهم.. والانتباه إلى الصواب الذي يمارسونه.. لنمدحهم به..
قل ذلك في المدرس مع طلابه.. فكل المدرسين يذمون الطالب البليد المهمل في واجباته.. الكسول المتأخر في الحضور دائماً.. لكن قليلاً منهم من يمدح الطالب المجد.. الذي يحضر مبكراً وخطه حسن وكلامه جيد..
كثيراً ما ننبه أولادنا إلى أخطائهم.. لكنهم يحسنون ولا ننتبه إلا قليلاً..
مما يجعلنا أحياناً نفوت فرصاً كثيرة كنا من خلالها نستطيع أن ننفذ إلى قلوب الناس..
فمن أبدع مهارات الكلام.. أن تمتدح الخير الذي عند الناس..
كان قوم أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- لهم اهتمام بتلاوة القرآن وحفظه.. وربما فاقوا كثيراً من الصحابة في كثرة تلاوته وتحسين الصوت به..
فرافقوا النبي -صلى الله عليه وسلم- يوماً في سفر..
فلما أصبح الناس.. واجتمعوا قال عليه الصلاة والسلام:
إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل.. وأعرف منازلهم.. من أصواتهم بالقرآن بالليل.. وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار....
فكأنك بالأشعريين وهم يستمعون هذا الأثناء أمام الناس يتوقدون حرصاً بعدها على الخير..
وفي ذات صباح.. لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا موسى.. فقال له:
لو رأيتني البارحة وأنا أستمع لقراءتك.. لقد أوتيت من مزامير آل داود..
فقال أبو موسى: لو علمت أنك تستمع لقراءتي.. لحبرتها لك تحبيراً ..
وكان عمرو بن تغلب -رضي الله عنه- رجلاً من عامة الصحابة.. لم يتميز بعلم كما تميز أبو بكر.. ولا بشجاعة كما تميز عمر.. ولا بقوة حفظ كأبي هريرة.. لكن قلبه كان مملوءاً إيماناً.. وكان -صلى الله عليه وسلم- يلحظ ذلك فيه..
فبينما النبي -صلى الله عليه وسلم- جالساً يوماً..
إذ جيء إليه بمال فجعل يقسمه بين بعض أصحابه..
فأعطى رجالاً.. وترك رجالاً..
فكأن الذين تركهم وجدوا في أنفسهم.. وعتبوا.. لماذا لم يعطنا..
فلما علم -صلى الله عليه وسلم- بذلك.. قام أمام الناس.. فحمد الله تعالى ثم أثنى عليه.. ثم قال:
أما بعد.. فوالله إني لأعطي الرجل.. وأدع الرجل.. والذي أدع أحبُّ إليَّ من الذي أُعطي..
ولكني أعطي أقواماً لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع..
وأَكِلُ أقواماً إلى ما جعل الله في قلوبهم من الخير.. منهم: عمرو بن تغلب..
فلما سمع عمرو بن تغلب هذا الثناء على الملأ.. طار فرحاً..
وكان يحدث بهذا الحديث بعدها.. ويقول: فوالله ما أحب أن لي بكلمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حمر النعم ..
وفي يوم آخر..
أقبل أبو هريرة -رضي الله عنه-.. فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم-.. قائلاً: من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة..
فقال -صلى الله عليه وسلم- - مشجعاً –: لقد كنت أظن أن لا أحد يسأل عن هذا قبلك.. لما رأيت من حرصك على العلم..
أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة.. من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه..
وسلمان الفارسي.. كان من خيار الصحابة..
لم يكن من العرب.. بل كان ابناً لأحد كبار فارس.. وكان أبوه يحبه ويقربه.. لدرجة أنه كان يحبسه في البيت خوفاً عليه..
أدخل الله الإيمان في قلب سلمان -رضي الله عنه-..
خرج من بيت أبيه..
سافر إلى الشام باحثاً عن الحق.. احتال بعض الناس عليه وباعوه إلى يهودي على أنه عبد مملوك..
وحصلت له قصة طوييييلة.. حتى وصل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-..
فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقدر له ذلك..
فبينما كان -صلى الله عليه وسلم- جالساً بين أصحابه يوماً.. إذا أنزلت عليه سورة الجمعة..
فجعل -صلى الله عليه وسلم- يقرؤها على أصحابه.. وهم يستمعون..
وهو يقرأ: " هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ "
فلما قرأ: "وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ "..
قال رجل من الصحابة: من هؤلاء يا رسول الله؟
فسكت النبي -صلى الله عليه وسلم-..
فأعاد الرجل السؤال.. من هؤلاء يا رسول الله؟
فلم يرد عليه..
فأعاد.. من هؤلاء يا رسول الله؟
فلتفت النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى سلمان..
ثم وضع يده عليه وقال: لو كان الإيمان عند الثريا.. لناله رجال من هؤلاء..