باختصار..
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع

79.    الرصيد العاطفي
تصورات الناس عنا نحن الذين نصنعها..
فلو لقيك شخص في السوق فعبس في وجهك..
ثم لقيك في بقالة.. فعبس في وجهك أيضاً..
ثم صادفته في عرس.. فلقيك عابساً.. لرسمت عنه صورة قاتمة في مخيلتك.. فإذا رأيت صورته أو سمعت اسمه في مكان تبادر إلى ذهنك ذاك الوجه العابس..
ولو لقيك شخص بابتسامة في موقف.. ثم ابتسم في لقاء آخر.. وثالث.. لانطبع في ذهنك عنه صورة مشرقة..
هذا فيمن لا يكون بينك وبينه علاقة دائمة وإنما هي لقاءات عابرة..
أما الأشخاص الذي نلقاهم دائماً كزوجة وأولاد.. وزملاء في مكتب.. وجيران في حارة.. فإن تعاملنا معهم لن يكون بأسلوب واحد دائماً.. نعم هم سيروننا ضاحكين لطيفين.. لكنهم حتماً سيروننا تارة غاضبين.. وتارة عابسين.. أو مخاصمين.. أو شاتمين.. لأننا بشر..
وبالتالي فإن محبتهم لنا تتحدد على حسب طغيان حسناتنا عندهم أو سيئاتنا.. أو قل بعبارة أخرى: تتحدد محبتهم لنا بحسب مقدار الرصيد العاطفي الذي في حسابنا عندهم..
كيف؟!
عندما يقع لك موقف جميل مع إنسان فإنك تضيف إلى سجل ذكرياته ذكرى جميلة عنك.. أو بعبارة أخرى تفتح لك في قلبه حساباً تودع فيه محبة لك واحتراماً.. ثم تتولى بعد ذلك زيادة رصيدك العاطفي أو السحب منه..
فكل ابتسامة تقابله بها.. تزيد من رصيدك العاطفي عنده..
وكل هدية.. تزيد رصيدك العاطفي..
وكل مجاملة.. تزيد رصيدك العاطفي..
وكل إهانة تقع منك له.. أو مسبة.. أو شتم.. فإنك تسحب من رصيدك العاطفي..
وبالتالي إذا كان رصيدك العاطفي عنده كثيراً.. ووقعت يوماً ما في موقف أغاظه فسحبت من رصيدك العاطفي مقداراً معيناً.. فإن هذا لن يؤثر كثيراً لأن رصيدك العاطفي عنده كثير..
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد
جاءت محاسنه بألف شفيع
أما إن لم يكن عنده لك رصيد عاطفي وجعلت تسحب من الرصيد وليس فيه شيء أصلاً.. فإن حسابك عنده سيكون بالناقص!! وبالتالي قد يقع في قلبه لك كره.. أو استثقال.. لأنك تسحب من رصيدك العاطفي ولا تودع..
ألم تسمع يوماً عن زوجة طلقها زوجها.. فإذا سئلت عن سبب الطلاق قالت: السبب تافه.. طلب مني الذهاب معه لزيارة أخته فرفضت.. فغضب وجعل يسبني ويشتمني ثم طلقني!!
ولو تأملت بذكاء في سبب الطلاق.. لما وجدت السبب هو هذا الموقف التافه.. وإنما هذا الموقف هو القشة التي قصمت ظهر البعير..
فقد ذُكر أن رجلاً كان له جمل جلد قوي.. فأراد سفراً.. فجعل يحمل متاعه عليه.. ويربطه على ظهره.. والجمل متماسك.. حتى كوم على ظهره ما يحمله أربعة جمال.. فبدأ البعير يهتز من ثقل الحمل والناس يصيحون بالرجل: يكفي ما حملت عليه.. فأخذ حزمة من تبن وقال: هذه خفيفة وهي آخر المتاع.. فلما طرحها على ظهره سقط البعير على الأرض.. فقيل: قشة قصمت ظهر بعير!!
ولو تفكرت لرأيت أن القشة مظلومة فليست هي التي قصمت ظهر البعير وإنما انقصم ظهر البعير بسبب تراكمات كبار صبر البعير على أولها.. وصبر.. وصبر.. حتى لم يطق صبراً.. فانقصم ظهره بشيء صغير..
وهكذا المرأة التي طلقها زوجها.. أجزم أن السبب ليس هو تركها زيارة أخته فحسب.. وإنما تراكمات قبله.. من عصيان لطلباته.. عدم تحقيق لرغباته.. عدم تحببها إليه.. تكبرها عليه.. عدم احترام رأيه.. فهي تسحب دوماً من رصيدها العاطفي عنده دون أن تودع فيه شيئاً.. وتجرح ولا تداوي..
وهو يحتمل ويحتمل.. حتى جاء هذا الموقف فقصم ظهر البعير..
ولو أنها اعتنت بكثرة الإيداع في رصيدها العاطفي.. من حسن لقاء له.. وتغنج ودلال.. وتحبب إليه.. وممازحة وخفة ظل.. وعناية بطعامه ولباسه.. واحترام لرأيه.. لصار رصيدها العاطفي كبيراً.. وملكت مليارات في قلبه.. وبالتالي لن يضر لو وقع موقف سحبت به من رصيدها العاطفي..
وقل مثل ذلك في الطالب المشاكس الذي يقع منه موقف صغير فيغضب المدرس غضباً شديداً.. وقد يضربه ويطرده من الفصل.. و.. ثم يقول الطالب أنا ما فعلت شيئاً هي مجرد نكتة أطلقتها من غير استئذان.. ولا ينتبه إلى أن هذه النكتة هي القشة التي قصمت ظهر البعير..
قل مثله في زملاء تخاصموا.. أو جيران تنازعوا..
إذن.. نحن نحتاج دائماً إلى نودع في قلب كل واحد نلقاه رصيداً عاطفياً..
الزوج يتحين الفرص ليودع في قلب زوجته.. ويسجل نقاطاً أكثر وأكثر..
والزوجة تحتاج أيضاً..
والولد يحتاج أن يودع في قلب والده..
والمدرس مع طلابه.. والأخ مع أخيه..
بل حتى المدير مع من هم تحت إدارته.. يحتاج إلى ذلك..