أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: 62. لا تتكلف ما لا تطيق!! الأربعاء 14 ديسمبر 2022, 12:58 am | |
| تجربة.. الاعتذار في البداية.. خير من الاعتذار في النهاية..
62. لا تتكلف ما لا تطيق!! كان صاحبي من خيار الناس.. خلقاً.. وديناً.. وعقلاً.. كان إمام مسجد بجانب بيته.. لكني كنت أسمع ذمه على ألسنة أناس كثيرين.. كنت أتعجب من ذلك.. ولا أجد له جواباً.. حتى جاءني يوماً جاره.. قال: يا شيخ.. صاحبك.. لا يصلي بنا.. ولا معنا!! قلت: لم؟!! قال: لا أدري.. لكنه هو الإمام.. ومع ذلك يغيب كثييييراً عن المسجد.. فجعلت ألتمس له الأعذار.. فقلت: لعله مشغول بأمر ضروري.. لعله غير موجود بالبيت.. قال: يا شييييخ.. سيارته واقفة عند الباب.. وأنا متأكد أنه في بيته.. جعلت أتقصى السبب لنصح صاحبي.. حتى وجدت السبب.. الرجل بحكم إمامته للمسجد.. يأتي إليه الناس ويلتمسون منه الإعانة في حاجاتهم.. هذا عليه دين يريد أن يبحث له عمن يسدده.. وهذا متخرج من الثانوية ويريد شفاعة لدخول الجامعة.. وهذا مريض يريد إعانته على دخول المستشفى الفلاني.. وهذا عنده بنات كبار ويريد لهن أزواج.. وهذا عليه أيجار لبيته لم يسدده.. وهذا أعطاه ورقة استفتاء في طلاق ليذهب بها للمفتي العام.. وهذا.. وهو رجل عادي ليس له قدرات كبيرة ولا علاقات الواسعة.. ولا وجاهة متميّزة.. وكان المسكين يغلبه الحياء والخجل من كل أحد.. فلا يقدر أن يعتذر من أحد أبداً.. بل يأخذ معروض هذا ويعده بسداد دينه.. ويكتب رقم هاتف الثاني.. ويعده أن يقبل في الجامعة.. ويقول للثالث: تعال بعد يومين وتجد ورقة دخول المستشفى جاهزة.. وهكذا دواليك.. فيأتونه على الموعد.. ويعتذر.. ويعطيهم مواعيد أخرى.. حتى صار يتهرب منهم.. ولا يرد على هاتفه.. بل وأحياناً لا يخرج من بيته..!! وصار من يلقاه منهم.. إن وجده.. يسبه ويصرخ به.. ويردد: طيب لماذا تعدني.. لماذا تجعلني أبني الآمال عليك.. والثاني يقول: لم أكلم إلا أنت.. وتركت غيرك لما وعدتني.. لما عرفت حاله.. أيقنت أنه حفر لنفسه حفرة.. ثم تردى فيها.. سمعته مرة يعتذر من أحدهم.. ويقول: آسف.. لم أستطع أن أفعل شيئاً في موضوعك.. وذاك يقول بكل قوة: طيب أنت ضيعت الوقت عليَّ.. ليتك أخبرتني من قبل.. تذكرت عندها قول الحكيم: الاعتذار في البداية خير من الاعتذار في النهاية.. ما أجمل أن يعرف المرء قدراته.. ويتحرك في حدود الدائرة المرسومة حوله.. ولقد جربت ذلك بنفسي.. أذكر أني ألقيت محاضرة في أحد المجمعات العسكرية بالرياض.. وبعدها جاءني أحدهم وقال: يا شيخ أريدك في موضوع ضروري جداً.. قلت: تفضل.. ما هو؟ قال: لا.. ما يصلح أن أذكره الآن.. لا بدّ أن أقابلك في وقت واسع.. جعل يُعَظّم حجم الموضوع وأنا أستمع له بلطف.. لكني قد علمتني الحياة أن أكثر الناس يعطون الأمور أكبر من حجمها.. وصاحب الحاجة مجنون بها حتى تقضى.. قال لي: أظن لك محاضرة غداً في مدينة كذا.. وهي مدينة على بعد 200كم من الرياض.. قلت: صحيح.. قال: سآتي إليك هناك.. وأقابلك بعد المحاضرة.. تعجبت من حرصه.. وفعلاً.. خرجت بعد المحاضرة فخرج الرجل ورائي مسعاً حافي القدمين.. يحمل ورقة صغيرة في يده.. وقفت معه جانباً.. قلت: تفضل.. شكر الله حرصك.. ما حاجتك؟ قال: يا شيخ.. عندي أخ يحمل الشهادة الابتدائية.. وأريدك أن تدبر له وظيفة.. قلت: بس؟!! قال: بس؟!! كان الرجل متحمساً.. ومنظره يثير الشفقة.. ويبدو أن أخاه يمر بظروف صعبة فعلاً.. أيقنت أني لو وعدته سأخلف.. فنحن في زمن لا يكاد حامل البكالوريوس أن يجد وظيفة.. فضلاً عن حامل الابتدائية.. وأنا أعرف حدود قدراتي.. قلت: يا أخي.. والله أتمنى أن أساعدك.. وأخوك أخي.. وأنا أتألم له كما تتألم.. لكني لا أستطيع مساعدتك أبداً.. أتمنى أن تتكرم عليَّ وتعفيني.. قال: يا شيخ.. حاول.. قلت: لاااا أقدر.. فناولني الورقة التي في يده.. وقال: طيب.. يا شيخ خذ هذه الورقة فيها أرقام هواتفنا.. إذا وجدت له وظيفة فاتصل بنا.. أدركت أنه يريد أن يربطني بحبل أمل.. وسيظل ينتظر الاتصال.. فقلت: بل دع الورقة معك.. وخذ رقمي أنت.. وإن وجدت له وظيفة فاتصل بي.. لعلي أن أكتب لك شفاعة للمسئول فيها.. سكت الرجل قليلاً.. انتظرت أن يودعني.. لكني تفاجأت أنه قال لي: بيض الله وجهك.. والله يا شيخ.. سبق أن كلمت الأمير فلان في موضوع أخي منذ سنة.. فأخذ الورقة.. ولم يتصل بي إلى الآن.. ومرة كلمت اللواء فلان.. فأخذ الورقة أيضاً.. ولم يتصل ولم يهتم.. هؤلاء أناس ما يهتمون بالضعفاء.. الله ينتقم منهم.. الله.. وبدأ يدعو عليهم.. فقلت في نفسي.. الحمد لله.. لو أخذت الورقة لصرت ثالثهم.. نعم.. الاعتذار في البداية خير من إخلاف الوعد.. ما أجمل أن نكون صرحاء مع الآخرين.. عارفين لحدود قدراتنا.. أحياناً عند خروجك من البيت.. تصرخ بك زوجتك.. أحضر معك حليباً.. وسكراً.. وحفائظ.. وعشاء.. فانتبه.. لا تردد: طيب.. طيب.. وإنما اصرخ بها أنت أيضاً وقل: مااااااا أقدر..!! فهي خير من الاعتذار عند العودة.. ضاق وقتي.. أقفلت المحلات.. نسيت.. وكذلك مع زملائك.. وإخوانك.. أرجو أن تكون الفكرة وصلت..
|
|