اقتل برفق..
إن الله كتب الإحسان على كل شيء.. فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة.. وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح.. وليحد أحدكم شفرته.. وليرح ذبيحته.. حديث رواه مسلم

40.    اجلدني برفق!!
لا يعني ما تقدم من كلام عدمُ اللوم أبداً..
بلى.. فقد تحتاج في أحيان متكررة أن تلوم الآخرين.. ولدك.. زوجتك.. صديقك..
لكن يمكن تأجيله قليلاً.. أو استخدام أساليب أخف..
دع الملوم يحتفظ بماء وجهه..
بعدما فتح -صلى الله عليه وسلم- مكة.. وقد قوي شأنه عند العرب..
وكثر الداخلون في الإسلام..
غزا -صلى الله عليه وسلم- بالناس حنيناً.. فجاء المشركون بأحسن صفوف.. فصفت الخيل..
ثم صفت المقاتلة.. ثم صفت النساء من وراء ذلك..
ثم صفت الغنم.. ثم النعم..
والمسلمون بشر كثير.. قد بلغوا اثني عشر ألفاً..
وكان المشركون قد سبقوا إلى وادي حنين.. واختبأت كتائب منهم في جانبيه بين الصخور..
فما هو إلا أن ابتدأ القتال.. ودخلت جموع المسلمين في الوادي..
حتى تفجر عليهم الكفار من كل جانب.. واضطرب الناس..
وجعلت خيل المسلمين.. تلوذ خلف ظهورهم.. فلم يلبثوا أن انكشفت خيلهم.. وكان أولُ من فرَّ الأعراب.. وتسلط الكفار وظهروا..
فالتفت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .. فإذا الجموع تفر.. والدماء تسيل.. والخيل يضرب بعضها في بعض..
فجعل يأمر العباس بأن ينادي: يا للمهاجرين يا للأنصار؟
فرجعوا حتى ثبت -صلى الله عليه وسلم- في ثمانين أو مائة رجل..
ثم نصر الله المسلمين.. وانتهى القتال..
وجمعت الغنائم بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم-..
فإذا الذين فروا من القتال.. وخافوا من الرماح والنبال..
هم أول من اجتمع على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.. يريد الغنائم..
تعلقت الأعراب.. برسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقولون له:
اقسم علينا فيئنا.. اقسم علينا فيئنا.. يريدون الغنائم..
عجباً..!! يقسم فيئكم.. متى صار فيؤكم وأنتم لم تقاتلوا..
كيف تطلبون من الغنيمة.. وهو الذي كان يصرخ بكم لتعودوا وأنتم لا تستجيبون..!!
لكنه -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يدقق على مثل هذا.. فالدنيا لا تساوي عنده شيئاً..
جعلوا يتبعونه ويرددون: اقسم علينا فيئنا..
حتى تزاحموا عليه.. وضيقوا الطريق بين يديه..
واضطروه إلى شجرة.. فمرّ من شدة الزحام ملاصقاً لها..
فتعلق رداؤه بأغصانها.. حتى سقط عن منكبيه.. وصار بطنه وظهره مكشوفاً..
فلم يغضب.. وإنما التفت إليهم وقال.. بكل هدووووء:
أيها الناس.. ردوا علي ردائي.. فوالذي نفسي بيده لو كان لي عدد شجر تهامة.. نَعماً لقسمته عليكم..
ثم لا تجدوني بخيلا.. ولا جباناً.. ولا كذاباً..
نعم.. لأنه لو كان بخيلاً لأمسك الأموال لنفسه..
ولو كان جباناً لفرّ مع الفارين..
ولو كان كذاباً لما نصره رب العالمين..
مواقفه -صلى الله عليه وسلم- الرائعة كثيرة..
كان -صلى الله عليه وسلم- يمشي مع بعض أصحابه.. فمر بامرأة تبكي عند قبر.. على صبي لها..
فقال لها -صلى الله عليه وسلم-: اتقي الله واصبري..
وكانت المرأة باكية مهمومة.. فلم تعرف النبي -صلى الله عليه وسلم-.. فقالت: إليك عني.. وما تبالي أنت بمصيبتي..؟!
فسكت النبي -صلى الله عليه وسلم-.. وذهب وتركها.. فقد أدى ما عليه..
وأدرك أن المرأة الآن في وضع نفسي قد لا يناسب أن يزاد عليها في النصح أكثر مما سمعت..
التفت بعض الصحابة إليها وقالوا: هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-..!!
فندمت المرأة على ما قالت.. وقامت تحاول أن تلحق بالنبي -صلى الله عليه وسلم-.. حتى وصلت بيته..
فلم تجد على بابه بوابين..
فقالت معتذرة: يا رسول الله.. لم أعرفك.. الآن أصبر..
فقال إنما الصبر عند الصدمة الأولى..