أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: 24. اهتم بالآخرين.. الثلاثاء 13 ديسمبر 2022, 4:20 pm | |
| تجربة.. الناس كلما أشعرتهم بقيمتهم وأظهرت الاهتمام بهم.. ملكت قلوبهم.. وأحبوك..
24. اهتم بالآخرين.. الناس عموماً يحبون أن يشعروا بقيمتهم.. لذا تجدهم أحياناً يقومون ببعض التصرفات ليلفتوا النظر إليهم..! وقد يخترعون قصصاً وبطولات لأجل أن يهتم الناس بهم أو يعجبوا بهم أكثر.. لو رجع رجل إلى بيته قادماً من عمله متعباً.. فلما دخل صالة البيت رأى أولاده الأربعة كل منهم على حال.. أكبرهم عمره أحدى عشرة سنة.. يتابع برنامجاً في التلفاز.. والثاني يأكل طعاماً بين يديه.. والثالث يعبث بألعابه.. والرابع يكتب في دفاتره.. فسلم الأب بصوت مسموع.. السلام عليكم.. فلم يلتفت إليه أحد.. ذاك منهمك مع برنامجه.. والثاني مأخوذ بألعابه.. والثالث مشغول بطعامه.. إلا الرابع.. فإنه لما التفت فرأى أباه.. نفض يده من دفاتره وأقبل مرحباً ضاحكاً.. وقبل يد أبيه.. ثم رجع إلى دفاتره.. أي هؤلاء الأربعة سيكون أحب إلى الأب؟ أجزم أن جوابنا سيكون واحداً: أحبهم إليه الرابع.. ليس لأنه يفوقهم جمالاً أو ذكاءً.. وإنما لأنه أشعر أباه بأنه إنسان مهم عنده.. كلما أظهرت الاهتمام بالناس أكثر.. كلما ازدادوا لك حياً وتقديراً.. كان سيد الخلق -صلى الله عليه وسلم- يراعي ذلك في الناس.. يشعر كل إنسان أن قضيته قضيته.. وهمه همه.. قام -صلى الله عليه وسلم- على منبره يوماً يخطب الناس.. فدخل رجل من باب المسجد.. ونظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: يا رسول الله.. رجل يسأل عن دينه.. ما يدري ما دينه؟! فالتفت -صلى الله عليه وسلم- إليه.. فإذا رجل أعرابي.. قد لا يكون مستعداً أن ينتظر حتى تنتهي الخطبة.. ويتفرغ له النبي -صلى الله عليه وسلم- ليحدثه عن دينه.. وقد يخرج الرجل من المسجد ولا يعود إليه.. وقد بلغ الأمر عند الرجل أهمية عالية.. لدرجة أنه يقطع الخطبة ليسأل عن أحكام الدين!! كان -صلى الله عليه وسلم- يفكر من وجهة نظر الآخر لا من وجهة نظره هو فقط.. نزل من على منبره الشريف.. ودعا بكرسي فجلس أمام الرجل.. وجعل يلقنه ويفهمه أحكام الدين.. حتى فهم.. ثم قام من عنده.. ورجع إلى منبره وأكمل خطبته.. آآآه ما أعظمه وأحلمه.. تربى أصحابة في مدرسته.. فكانوا يظهرون الاهتمام بالآخرين.. والاحتفاء بهم.. ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم.. ومن ذلك ما فعله طلحة مع كعب ?.. كعب بن مالك ? شيخ كبير.. نجلس إليه.. بعدما كبر سنه.. ورق عظمه.. وكف بصره.. وهو يحكي ذكريات شبابه.. في تخلفه عن غزوة تبوك.. وكانت آخر غزوة غزاها النبي -صلى الله عليه وسلم- .. آذن النبي -صلى الله عليه وسلم- الناس بالرحيل وأراد أن يتأهبوا أهبة غزوهم.. وجمع منهم النفقات لتجهيز الجيش.. حتى بلغ عدد الجيش ثلاثين ألفاً.. وذلك حين طابت الظلال الثمار.. في حر شديد.. وسفر بعيد.. وعدو قوي عنيد.. كان عدد المسلمين كثيراً.. ولم تكن أسماؤهم مجموعة في كتاب.. قال كعب: وأنا أيسر ما كنت.. قد جمعت راحلتين.. وأنا أقدر شيء في نفسي على الجهاد.. وأنا في ذلك أصغي إلى الظلال.. وطيب الثمار.. فلم أزل كذلك.. حتى قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غادياً بالغداة.. فقلت: أنطلق غدا إلى السوق فأشتري جهازي.. ثم ألحق بهم.. فانطلقت إلى السوق من الغد.. فعسر علي بعض شأني.. فرجعت.. فقلت: أرجع غدا إن شاء الله فألحق بهم.. فعسر عليَّ بعض شأني أيضاً.. فقلت: أرجع غدا إن شاء الله.. فلم أزل كذلك.. حتى مضت الأيام.. وتخلفت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.. فجعلت أمشي في الأسواق.. وأطوف بالمدينة.. فلا أرى إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق.. أو رجلاً قد عذره الله.. نعم تخلف كعب في المدينة.. أما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد مضى بأصحابه الثلاثين ألفاً.. حتى إذا وصل تبوك.. نظر في وجوه أصحابه.. فإذا هو يفقد رجلاً صالحاً ممن شهدوا بيعة العقبة.. فيقول -صلى الله عليه وسلم-: ما فعل كعب بن مالك؟! فقال رجل: يا رسول الله.. خلّفه برداه والنظر في عطفيه.. فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت.. والله يا نبي الله ما علمنا عليه إلا خيراً.. فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .. قال كعب: فلما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- غزوة تبوك.. وأقبل راجعاً إلى المدينة.. جعلت أتذكر.. بماذا أخرج به من سخطه.. وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي.. حتى إذا وصل المدينة.. عرفتُ أني لا أنجو إلا بالصدق.. فدخل النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة.. فبدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين.. ثم جلس للناس.. فجاءه المخلفون.. فطفقوا يعتذرون إليه.. ويحلفون له.. وكانوا بضعة وثمانين رجلاً.. فقبل منهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علانيتهم.. واستغفر لهم.. ووكل سرائرهم إلى الله.. وجاءه كعب بن مالك.. فلما سلم عليه.. نظر إليه النبي -صلى الله عليه وسلم-.. ثم تبسَّم تبسُّم المغضب.. أقبل كعب يمشي إليه -صلى الله عليه وسلم-.. فلما جلس بين يديه.. فقال له -صلى الله عليه وسلم-: ما خلفك.. ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ يعني اشتريت دابتك.. قال: بلى.. قال: فما خلفك؟! فقال كعب: يا رسول الله.. إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا.. لرأيت أني أخرج من سخطه بعذر.. ولقد أعطيت جدلاً.. ولكني والله لقد علمت.. أني إن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به علي.. ليوشكن الله أن يسخطك علي.. ولئن حدثتك حديث صدق.. تجد عليَّ فيه.. إني لأرجو فيه عفوَ الله عني.. يا رسول الله.. والله ما كان لي من عذر.. والله ما كنت قط أقوى.. ولا أيسر مني حين تخلفت عنك.. ثم سكت كعب.. فالتفت النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أصحابه.. وقال: أما هذا.. فقد صدقكم الحديث.. فقم.. حتى يقضي الله فيك.. قام كعب يجر خطاه.. وخرج من المسجد.. مهموماً مكروباً.. لا يدري ما يقضي الله فيه.. فلما رأى قومه ذلك.. تبعه رجال منهم.. وأخذوا يلومونه.. ويقولون: والله ما نعلمك أذنبت ذنباً قط قبل هذا.. إنك رجل شاعر أعجزت ألا تكون اعتذرت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما اعتذر إليه المخلفون!.. هلا اعتذرت بعذر يرضى عنك فيه.. ثم يستغفر لك.. فيغفر الله لك.. قال كعب: فلم يزالوا يؤنبونني.. حتى هممت أن أرجع فأكذب نفسي.. فقلت: هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا: نعم.. رجلان قالا مثل ما قلت.. فقيل لهما مثل ما قيل لك.. قلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع.. وهلال بن أمية.. فإذا هما رجلان صالحان قد شهدا بدراً.. لي فيهما أسوة.. فقلت: والله لا أرجع إليه في هذا أبداً.. ولا أكذب نفسي.. * * * * * * * * * ثم مضى كعب -رضي الله عنه-.. يسير حزيناً.. كسير النفس.. وقعد في بيته.. فلم يمضِ وقت.. حتى نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- الناس عن كلام كعب وصاحبيه.. قال كعب: فاجتنبنا الناس.. وتغيروا لنا.. فجعلت أخرج إلى السوق.. فلا يكلمني أحد.. وتنكر لنا الناس.. حتى ما هم بالذين نعرف.. وتنكرت لنا الحيطان.. حتى ما هي بالحيطان التي نعرف.. وتنكرت لنا الأرض.. حتى ما هي بالأرض التي نعرف.. فأما صاحباي فجلسا في بيوتهما يبكيان.. جعلا يبكيان الليل والنهار.. ولا يطلعان رؤوسهما.. ويتعبدان كأنهما الرهبان.. وأما أنا فكنت أشَبَّ القوم وأجلدَهم.. فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين.. وأطوف في الأسواق.. ولا يكلمني أحد.. وآتي المسجد فأدخل.. وآتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلم عليه.. فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا؟ ثم أصلي قريباً منه.. فأسارقه النظر.. فإذا أقبلت على صلاتي.. أقبل إلي.. وإذا التفتُّ نحوه.. أعرض عني.. * * * * * * * * * ومضت على كعب الأيام.. والآلام تلد الآلام.. وهو الرجل الشريف في قومه.. بل هو من أبلغ الشعراء.. عرفه الملوك والأمراء.. وسارت أشعاره عند العظماء.. حتى تمنوا لقياه.. ثم هو اليوم.. في المدينة.. بين قومه.. لا أحد يكلمه.. ولا ينظر إليه.. حتى.. إذا اشتدت عليه الغربة.. وضاقت عليه الكربة.. نزل به امتحان آخر: فبينما هو يطوف في السوق يوماً.. إذا رجل نصراني جاء من الشام.. فإذا هو يقول: من يدلني على كعب بن مالك..؟ فطفق الناس يشيرون له إلى كعب.. فأتاه.. فناوله صحيفة من ملك غسان.. عجباً!! من ملك غسان..!! إذن قد وصل خبره إلى بلاد الشام.. واهتم به ملك الغساسنة.. عجباً!! فماذا يريد الملك؟!! فتح كعب الرسالة فإذا فيها: " أما بعد.. يا كعب بن مالك.. إنه بلغني أن صاحبك قد جفاك وأقصاك.. ولست بدار مضيعة ولا هوان.. فالحق بنا نواسك ".. فلما أتم قراءة الرسالة.. قال -رضي الله عنه-: إنا لله.. قد طمع فيَّ أهل الكفر..!! هذا أيضاً من البلاء والشر.. ثم مضى بالرسالة فوراً إلى التنور.. فأشعله ثم أحرقها فيه.. ولم يلتفت كعب إلى إغراء الملك.. نعم فُتح له باب إلى بلاط الملوك.. وقصور العظماء.. يدعونه إلى الكرامة والصحبة.. والمدينة من حوله تتجهمه.. والوجوه تعبس في وجهه.. يسلم فلا يرد عليه السلام.. ويسأل فلا يسمع الجواب.. ومع ذلك لم يلتفت إلى الكفار.. ولم يفلح الشيطان في زعزعته.. أو تعبيده لشهوته.. ألقى الرسالة في النار.. وأحرقها.. * * * * * * * * * ومضت الأيام تتلوها الأيام.. وانقضى شهر كامل.. وكعب على هذا الحال.. والحصار يشتد خناقه.. والضيق يزداد ثقله.. فلا الرسول -صلى الله عليه وسلم- يُمضي.. ولا الوحي بالحكم يقضي.. فلما اكتملت أربعون يوماً.. فإذا رسول من النبي -صلى الله عليه وسلم- يأتي إلى كعب.. فيطرق عليه الباب.. فيخرج كعب إليه.. لعله جاء بالفرج.. فإذا الرسول يقول له: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرك أن تعتزل امرأتك.. قال: أُطَلِّقها.. أم ماذا؟ قال: لا.. ولكن اعتزلها ولا تقربها.. فدخل كعب على امرأته وقال: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر.. وأرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى صاحبي كعب بمثل ذلك.. فجاءت امرأة هلال بن أمية.. فقالت: يا رسول الله.. إن هلال بن أمية شيخ كبير ضعيف.. فهل تأذن لي أن أخدمه..؟ قال: نعم.. ولكن لا يقربنك.. فقالت المرأة: يا نبي الله.. والله ما به من حركة لشيء.. ما زال مكتئباً.. يبكي الليل والنهار.. منذ كان من أمره ما كان.. * * * * * * * * * ومرت الأيام ثقيلة على كعب..واشتدت الجفوة عليه..حتى صار يراجع إيمانه.. يكلم المسلمين ولا يكلمونه.. ويسلم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا يرد عليه.. فإلى أين يذهب..!! ومن يستشير!؟ قال كعب -رضي الله عنه-: فلما طال عليَّ البلاء.. ذهبت إلى أبي قتادة.. وهو ابن عمي.. وأحب الناس إليَّ.. فإذا هو في حائط بستانه.. فتسورت الجدار عليه.. ودخلت.. فسلمت عليه.. فوالله ما رد علي السلام.. فقلت: أنشدك الله.. يا أبا قتادة.. أتعلم أني أحب الله ورسوله؟ فسكت.. فقلت: يا أبا قتادة.. أتعلم أني أحب الله ورسوله؟ فسكت.. فقلت: أنشدك الله.. يا أبا قتادة.. أتعلم أني أحب الله ورسوله؟ فقال: الله ورسوله أعلم.. سمع كعب هذا الجواب.. من ابن عمه وأحب الناس إليه.. لا يدري أهو مؤمن أم لا؟ فلم يستطع أن يتجلد لما سمعه.. وفاضت عيناه بالدموع.. ثم اقتحم الحائط خارجاً.. وذهب إلى منزله.. وجلس فيه.. يقلب طرفه بين جدرانه.. لا زوجة تجالسه.. ولا قريب يؤانسه.. وقد مضت عليهم خمسون ليلة.. من حين نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- الناس عن كلامهم.. * * * * * * * * * وفي الليلة الخمسين.. نزلت توبتهم على النبي -صلى الله عليه وسلم- في ثلث الليل.. وكان -صلى الله عليه وسلم- في بيت أم سلمة.. فتلا الآيات.. فقالت أم سلمة -رضي الله عنه-: يا نبي الله.. ألا نبشر كعب بن مالك.. قال: إذاً يحطمكم الناس.. ويمنعونكم النوم سائر الليلة.. فلما صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- الفجر.. آذن الناس بتوبة الله عليهم.. فانطلق الناس يبشرونهم.. قال كعب: وكنت قد صليت الفجر على سطح بيت من بيوتنا.. فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله تعالى.. قد ضاقت علي نفسي.. وضاقت عليَّ الأرض بما رحبت.. وما من شيء أهم إليّ.. من أن أموت.. فلا يصلي عليَّ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-.. أو يموت.. فأكون من الناس بتلك المنزلة.. فلا يكلمني أحد منهم.. ولا يصلي عليَّ.. فبينما أنا على ذلك.. إذ سمعت صوت صارخ.. على جبل سلع بأعلى صوته يقول: ياااااا كعب بن مالك!.. أبشر.. فخررت ساجداً.. وعرفت أن قد جاء فرج من الله.. وأقبل إليَّ رجل على فرس.. والآخر صاح من فوق جبل.. وكان الصوت أسرع من الفرس.. فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني.. نزعت له ثوبيَّ فكسوته إياهما ببشراه.. والله ما أملك غيرهما.. واستعرت ثوبين.. فلسبتهما.. وانطلقت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.. فتلقاني الناس فوجاً.. فوجاً.. يهنئوني بالتوبة.. يقولون: ليهنك توبة الله عليك.. حتى دخلت المسجد.. فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس بين أصحابه.. فلما رأوني والله ما قام منهم إليَّ إلا طلحة بن عبيد الله.. قام فاعتنقني وهنأني.. ثم رجع إلى مجلسه.. فوالله ما أنساها لطلحة.. فمشيت حتى وقف على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسلمت عليه .. وهو يبرق وجهه من السرور.. وكان إذا سُرَّ استنار وجهه.. حتى كأنه قطعة قمر.. فلما رآني قال: أبشر بخير يوم مرَّ عليك منذ ولدتك أمك.. قلت: أمن عندك يا رسول الله.. أم من عند الله؟ قال: لا.. بل من عند الله.. ثم تلا الآيات.. فجلست بين يديه.. فقلت: يا رسول الله! إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله.. وإلى رسوله.. فقال: أمسك عليك بعض مالك.. فهو خير لك.. فقلت: يا رسول الله! إن الله إنما نجاني بالصدق.. وإن من توبتي ألا أحدث إلا صدقاً ما بقيت.. نعم.. تاب الله على كعب وصاحبيه.. وأنزل في ذلك قرءاناً يتلى.. فقال عز وجل: ] لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ *وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [.. والشاهد من هذه القصة.. أن طلحة -رضي الله عنه- لما رأى كعباً قام إليه واعتنقه وهنأه.. فزادت محبة كعب له.. حتى كان يقول بعد موت طلحة.. وهو يحكي القصة بعدها بسنين: فوالله لا أنساها لطلحة.. وماذا فعل طلحة حتى يأسر قلب كعب؟ فعل مهارة رائدة.. اهتمَّ به.. شاركه فرحته.. فصار له عنده حظوة.. الاهتمام بالناس ومشاركتهم في مشاعرهم يأسر قلوبهم.. لو كنت في زحمة الامتحانات.. ووصلت إلى هاتفك المحمول رسالة مكتوب فيها.. بشرني عن امتحاناتك والله إن بالي مشغول عليك وأدعو لك، صديقك: إبراهيم.. أليس ستزداد محبتك لهذا الصديق؟ بلى.. ولو كان أبوك مريضاً في المستشفى.. فبقيت معه في غرفته وأنت مشغول البال عليه.. واتصل بك صديق وسألك عنه.. وقال: تحتاج مساعدة؟ نحن في خدمتك.. فشكرته.. ثم في المساء اتصل وقال: إذا الأهل يحتاجون أي شيء أشتريه لهم.. فأخبرني.. فشكرته ودعوت له.. ألا تشعر أن قلبك ينجذب إليه أكثر..؟ بينما لو اتصل بك آخر وقال: فلان.. نحن خارجون إلى نزهة في البحر.. هاه تذهب معنا؟ فقلت: والله والدي مريض ولا أستطيع.. فبدل أن يدعو له ويعتذر أن لم يسأل عن حاله.. قال لك: أدري أنه مريض لكن هو في المستشفى وعنده ممرضون ولن يستفيد من بقائك تعال معنا استمتع واسبح و.. قالها وهو يمازحك ضاحكاً.. وكأن مرض والدك لا يعنيه.. كيف ستكون نظرتك إليه؟ بلا شك أن قدره في قلبك ينخفض لأنه لم يهتم بهمومك.. من أحرج ما وقع لي من مواقف.. أني كنت مسافراً إلى جدة لعدة أيام.. كنت مشغولاً جداً.. وصلتني رسالة خلالها على هاتفي من أخي سعود كتب فيها: أحسن الله عزاءك في ابن عمنا فلان توفي في ألمانيا.. اتصلت بأخي فأخبرني أن ابن عمنا هذا -وهو شيخ كبير- ذهب قبل يومين لعلاج القلب في ألمانيا وتوفي أثناء إجراء العملية.. وأن جثمانه سيصل قريباً إلى مطار الرياض.. دعوت له وترحمت عليه.. وأنهيت المكالمة.. بعدها بيومين انتهت أعمالي في جدة وذهبت إلى المطار أنتظر وقت إقلاع رحلتي للرياض.. في هذه الأثناء كان يمر بي عدد من الشباب فإذا رأوني عرفوني وأقبلوا مسلمين وكانوا أحياناً من الشباب المراهقين لهم قصات شعر غريبة.. ومع ذلك كنت أمازحهم وأطلق التعليقات عليهم تحبباً وتلطفاً.. انشغلت بمكالمة هاتفية.. فلما أنهيتها فإذا شاب يلبس بنطالاً وقميصاً.. يراني فيقبل مسَلّماً مصافحاً.. رحبت به وقلت مازحاً: ما هذه الأناقة.. أنت اليوم كأنك عريس.. ونحو هذه العبارات.. سكت الشاب قليلاً ثم قال: ما عرفتني.. أنا فلان.. الآن وصلت من ألمانيا معي جثمان أبي.. وأنا متوجه إلى الرياض الآن على أقرب رحلة.. في الحقيقة.. كأنما صب علي برميل ماء بارد.. صرت محرجاً جداً.. أبوه مات.. وجثمانه معه في الطائرة وأنا أمازحه وأضحك.. إن هذا لشيء عجاب!! سكتُّ قليلاً ثم قلت: آآآآسف.. والله ما انتبهت إليك.. فأنا هنا منذ أيام.. فأحسن الله عزاءك وغفر لوالدك.. وإن كنتُ في الحقيقة معذوراً في عدم انتباهي إلى شخصه.. فقد كنت لا أقابله إلا قليلاً.. وأراه بثوبه وغترته.. فلما لبس البنطال وجاءني فجأة في زحمة شباب من جدة.. لم يقع في نفسي أنه فلان.. فمن الاهتمام بالناس مشاركتهم في مشاعرهم وإشعارهم أن همهم هو همك.. وأنك تحب الخير لهم.. ومن هذا المنطلق تجد أن الشركات المتطورة يكون عندها إدارة للعلاقات العامة.. مهمتها إرسال التهاني والتبريكات في المناسبات.. وتقديم الهدايا.. ونحو ذلك.. الناس كلما أشعرتهم بقيمتهم وأظهرت الاهتمام بهم ملكت قلوبهم وأحبوك.. خذ أمثلة سريعة من الواقع: لو دخل شخص إلى مكان مليء بالناس فلم يجد مكاناً يجلس فيه.. فتفسحت قليلاً.. وأوسعت له مكاناً وقلت: تفضل يا فلان.. تعال هنا.. لشعر باهتمامك وأحبك.. أو لو كنتم في حفل عشاء.. وأقبل يحمل طعامه يتلفت يبحث عن طاولة فيها مكان فارغ.. فجهزت له كرسياً وقلت: حياك اله يا فلان.. تفضل هنا.. لشعر باهتمامك أيضاً.. عموماً أشعر الناس بقيمتهم.. يحبوك.. كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحرص على ذلك أيما حرص.. انظر إليه وقد قام يخطب على منبره يوم جمعة.. وفجأة فإذا بأعرابي يدخل إلى المسجد ويتخطى الصفوف.. وينظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.. ويصيح قائلاً: يا رسول الله.. رجل لا يدري ما دينه! فعلمه دينه.. فنزل النبي -صلى الله عليه وسلم- من منبره.. وتوجه إلى الرجل وطلب كرسياً فجلس عليه.. ثم جعل يتحدث مع الرجل ويشرح له الدين إلى أن فهم.. ثم عاد إلى منبره.. قمة الاهتمام بالناس.. ومن يدري ربما لو أهمله لخرج الرجل وبقي جاهلاً بدينه إلى أن يموت.. ولو نظرت في شمائله -صلى الله عليه وسلم-.. لوجدت من بينها أنه كان إذا صافحه أحد لم ينزع -صلى الله عليه وسلم- يده من يد المصافح.. حتى ينزع ذاك يده أولاً.. وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا كلمه أحد التفت إليه جميعاً.. أي التفت بوجهه وجسمه إليه يستمع وينصت.. |
|