من سورة ن إلى سورة القيامة
(1078)
وَضَمُّهُمْ فِي يَزْلِقُونَكَ (خَـ)ـالِدٌ وَمَنْ قَبْلَهُ فَاكْسِرْ وَحَرِّكْ (رِ)وًى (حَـ)ـلاَ
أي ضمهم في ياء - ليزلقونك بأبصارهم - خالد أي مقيم ونافع وحده فتح الياء يقال إذا أزال قدمه ويقال زلقه أيضا فزلق هو والمعنى إنهم لعدوانهم له ينظرون إليه نظرا يكاد يهلكه، وأما - وجاء فرعون ومن قبله - بفتح القاف وسكون الياء فمعناه والطغاة الذين قبله ومعناه بكسر القاف وفتح الباء والذين معه من أشياعه وأتباعه وقوله ومن قبله مفعول فاكسروا الفاء زائدة وروى حال منه أو من الفاعل أي ذا روى حلو أي اكسر من قبله وحركه مرويا له بالحركات التي يستحقها وبالاحتجاج له بما يوافقه
(1079)
وَيَخْفَى (شِـ)ـفَاءً مَالِيَهْ مَاهِيَهْ فَصِلْ وَسُلْطَانِيَهْ مِنْ دُونِ هَاءٍ (فَـ)ـتُوصلاَ
يعني - لا تخفى منكم خافية - تذكير تخفى وتأنيثه ظاهران وحذف حمزة هاء السكت من قوله - ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانية خذوه - إذا وصل الكلام بعضه ببعض وكذلك - ماهية نار حامية - في سورة القارعة وهذا نظير ما فعل هو والكسائي في - يتسنه - واقتده أو أثبتها الباقون لثباتها في خط المصحف فهو وصل بنية الوقف وكلهم أثبتها وقفا وفي سورة الحاقة أربع أخر كتابيه مرتين - وحسابيه مرتين أثبت حمزة هاء هن كالجماعة جمعا بين الأمرين ويعقوب الحضرمي حذف الجميع وصلا وحذف الكسائي في يتسنه واقتده لخفاء هاء السكت فيهما لأنهما فعلا جزم وقد قيل ليسا للسكت وترك الحذف هنا لوضوح الأمر
(1080)
وَيَذَّكَّرُونَ يُؤْمِنُونَ (مَـ)ـقاَلُهُ بِخُلْفٍ (لَـ)ـهُ (دَ)اعٍ وَيَعْرُجُ (رُ)تِّلاَ
يعني - قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون - الغيب فيهما لمن رمز له والخطاب للباقين و - يعرج الملائكة - بالتذكير للكسائي والباقون بالتأنيث ووجه القراءتين في الحرفين ظاهر وقد سبق لهن نظائر
(1081)
وَسَالَ بِهَمْزٍ (غُـ)ـصْنُ (دَ)انٍ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْهَمْزِ أَوْ مِنْ وَاوٍ أوْ يَاءٍ ابْدَلاَ
أي غصن ثمر دان يعني همز - سأل سائل - جعله لظهور أمره كغصن ثمر داني من يد من يجنيه ونافع وابن عامر قرءا بالألف من غير همز وتلك الألف تحتمل ثلاثة أوجه أحدها أن يكون بدلا من الهمز وهو الظاهر وهو من البدل السماعي - قال حسان، (سألت هذيل رسول الله فاحشة ضلت هذيل بما سالت ولم تصب)، فيكون بمعنى قراءة الهمز، الوجه الثاني أن تكون الألف منقلبة عن واو فيكون من سأل يسأل وأصله سول كخول قال أبو زيد سمعت من يقول هما يتساولان وقال المبرد يقال سلت أسأل مثل خفت أخاف وهما يتساولان وقال الزجاج يقال سألت أسأل وسلت أسال والرجلان يتساولان ويتساءلان بمعنى واحد، والوجه الثالث أن تكون الألف منقلبة عن ياء من سال يسيل أي سال عليهم واد يهلكهم روى ذلك عن ابن عباس فهو من باب باع يبيع فتقدير البيت سال همز ألفها غصن دان وغيرهم أبدل هذه الألف من الهمز الذي قرأ به غصن دان أبو أبدلها من واو أو من ياء وقد تبين كل ذلك
(1082)
وَنَزَّاعَةً فَارْفعْ سِوى حَفْصِهِمْ وَقُلْ شَهَادَاتِهِمْ بِالْجَمْعِ حَفْصٌ تَقَبَّلاَ
ذكر الزجاج في توجيه كل قراءة من الرفع والنصب ثلاثة أوجه، أما الرفع فعلى أن - نزاعة - خبر لأن بعد خبر أو هي خبر لظى والضمير في أنها ضمير القصة أو خبر مبتدأ محذوف أي هي نزاعة، وأما النصب فعلى الاختصاص أو على تقدير تتلظى نزاعة أو على الحال المؤكدة قال يكون نزاعة منصوبا مؤكدا لأمر النار وجوز الزمخشري أن تكون نزاعة بالرفع صفة لظى أن أريد به اللهب ولم يكن علما على النار إلا أن هذا القول باطل بدليل أنه لم يصرف، وأما - والذين هم بشهاداتهم قائمون - فالإفراد فيه والجمع كما سبق في نظائره والإفراد أنسب لقوله بعده - والذين هم على صلاتهم يحافظون - وهو مجمع عليه
(1083)
إِلى نُصُبٍ فَاضُمُمْ وَحَرِّكْ بِهِ (عُـ)ـلاَ (كِـ)ـرَامٍ وَقُلْ وُداًّ بِهِ الضَّمُّ (أُ)عْمِلاَ
أي اضمم النون وحرك بالضم الصاد وهو اسم مفرد وجمعه أنصاب وكذلك النصب بفتح النون وسكون الصاد وهو قراءة الباقين وهو ما نصب ليعبد من دون الله تعالى وقيل نصب جمع نصب مثل سقف في جمع سقف وقيل هو جمع نصاب وقيل النصب العلم وقيل الغاية وقيل شبكة الصائد، وقال أبو علي يمكن أن يكون النصب والنصب لغتين كالضعف والضعف ويكون التثقيل كشغل وشغل وطنب وطنب ودا اسم الصنم بفتح الواو وضمها لغتان واختار أبو عبيد الفتح وقال كانوا يتسمون بعبد ود وأما الود فالغالب عليه المودة
(1084)
دُعَائِي وَإِنِّي ثُمَّ بَيْتِي مُضَافُها مَعَ الْوَاوِ فَافْتَحْ إِنْ (كَـ)ـمْ (شَـ)ـرَفاً (عـ)ـلاَ
يريد - دعائي إلا فرارا - أسكنها الكوفيون - ثم إني أعلنت لهم - فتحها الحرميان وأبو عمرو - وبيني مؤمنا - فتحها حفص وهشام ثم شرع في سورة الجن فقال افتح إن مع الواو يعني مهما جاء وإن فالخلاف في فتحها وكسرها احترز بذلك عن أن يأتي مع الفاء نحو - فإن له نار جهنم - فهو متفق على كسره وعن أن المجردة عن الواو نحو - وأنه استمع - فهو متفق على فتحه - فقالوا إنا سمعنا - متفق على كسره فإن كانت مع الواو ليست مشددة فمتفق أيضا على فتحها نحو - وإن لو استقاموا - فضابط مواضع الخلاف أن تكون أن مشددة بعد واو وذلك في اثنى عشر حرفا متوالية أوائل الآي جميعها لا يخرج عن أنه إنا أنهم، وهي - وأنه تعالى جد ربنا - وإنه كان يقول - وأنا ظننا أن لن تقول - وأنه كان رجال - وأنهم ظنوا - وأنا لمسنا - وإنا كنا نقعد - وأنا لا ندري - وأنا منا الصالحون - وأنا ظننا أن لن نعجز - وأنا لما سمعنا الهدى - وأنا منا المسلمون - وأما - وأن المساجد - وأنه لما قام فسيأتي ذكرهما فهذه الاثنا عشر فتحها ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص وهم نصف القراء وكسرها الباقون ومضى معنى قوله كم شرفا علا في أول سورة الأعراف فوجه الكسر العطف على - أنا سمعنا - فالكل في حيز القول أي - فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا - وقالوا إنه تعالى جد ربنا - وأنه كان يقول - وأنا ظننا - إلى آخر ذلك، وقيل إن قوله - وأنه كان رجال - وأنهم ظنوا - آيتان معترضتان في كلام الله تعالى في أثناء الكلام المحكي عن الجن وقيل بل هما أيضا من كلامهم يقوله بعضهم لبعض وأما الفتح فقيل عطف على أنه استمع فيلزم من ذلك أن يكون الجميع داخلا في حيز أوحى أي أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن وأنه تعالى جد ربنا فهذا وإن استقام معناه في هذا فلا يستقيم في - وأنه كان يقول سفيهنا - وأنا لمسنا - وأنا كنا - إذ قياسه سفيههم ولمسوا وكانوا، وقال الزجاج ذكر بعض النحويين أنه معطوف على الهاء المعنى عنده فآمنا به وبأنه تعالى جد ربنا وكذلك ما بعدها، قال وهذا رديء في القياس لا يعطف على الهاء المكنية المخفوضة إلا بإظهار الخافض، قال مكي وهو في أن أجود منه مع غيرها لكثرة حذف حرف الجر مع أن، ثم قال الزجاج لكن وجهه أن بكون محمولا على معنى آمنا به لأن معنى آمنا به صدقناه وعلمناه فيكون المعنى وصدقنا أنه تعالى جد ربنا قال الفراء فتحت أن لوقوع الإيمان عليها وأنت مع ذلك تجد الإيمان يحسن في بعض ما فتح دون بعض فلا يمنعك ذلك من إمضائهن على الفتح فإنه يحسن منه فعل مضارع الإيمان فوجب فتح أن نحو صدقنا وألهمنا وشهدنا كما قالت العرب، وزججن الحواجب والعيونا فنصب العيون لاتباعها والحواجب وهي لا تزجج إنما تكحل فأضمر لها الكحل
(1085)
وَعَنْ كُلِّهِمْ أَنَّ المَسَاجِدَ فَتْحُهُ وَفِي أَنّهُ لَمَّا بِكَسْرٍ (صُـ)ـوَى (ا)لعُلاَ
فتحه بدل من المساجد نحو أعجبني زيد حسنه وعن كل القراء افتح - وأن المساجد لله - لأنه معطوف على أنه استمع وكذا - وإن لو استقاموا - وقيل تقديره ولأن المساجد لله فلا تدعوا كما سبق - وأن هذا صراطي مستقيما - وأن الله ربي وربكم - وأن هذه أمتكم - وإنما نص الناظم على هذا المجمع عليه لئلا يظن أن فيه خلافا لأنه يشمله قوله مع الواو فافتح أن، وأما قوله - وأنه لما قام عبد الله - فلم يكسره إلا أبو بكر ونافع على الاستئناف والباقون فتحوا عطفا على - أنه استمع - وهذا مما يقوى أن فتح - وأن المساجد - على ذلك وقيل إن فتح - وإنه لما قام - وكسره على ما سبق في الاثنى عشر وأنه من تمام كلام الجن المحكي ويشكل عليه - كادوا يكونون - لأن قياسه كدنا نكون إلا أن يقال أخبر بعضهم عن فعل بعض وقوله صوى العلا مبتدأ تقدم عليه خبره أي وصوى العلا في  - أنه لما - أي في هذا اللفظ المكسور والصوى العلا بالصاد المهملة المضمومة وفتح الواو الربى ونحوها وهي أيضا أعلام من حجارة منصوبة في الفيافي المجهولة يستدل بها على الطريق الواحدة صوة مثل قوة وقوى أي أعلام العلا في هذا، قال الشيخ وفي قراءة الكسر ارتفاع كارتفاع الصوى ودلالة كدلالتها لظهور المعنى فيها والله أعلم.، وقرأت في حاشية النسخة المقروءة على الناظم رحمه الله قال نبه بهذا على أن الكسر فصيح بالغ لقوة دلالته على الاستئناف قال وانظر فصاحة القراءة واهتمامهم في نقلهم حين أجمعوا على فتح - وإن المساجد - ليبينوا أنه غير معطوف وأن معناه واعلموا أو نحوه من الإضمار لما دل عليه - فلا تدعوا - فيكون - وأنه لما قام - معطوفا عليه قال ويكاد الفتح والكسر يتقابلان في الحسن
(1086)
وَنَسْلُكْهُ يَا كُوفٍ وَفِي قَالَ إِنَّماَ هُنَا قُلْ (فَـ)ـشاَ (نَـ)ـصًّا وَطَابَ تَقَبُّلاَ
الياء والنون في نسلكه ظاهران وقال - إنما ادعوا ربي - يعني عبد الله قراءة حمزة وعاصم قل على الأمر مثل الذي بعده - قل إني لا أملك لكم - وقوله نصا وتقبلا منصوبان على التمييز
(1087)
وَقُلْ لِبَداً فِي كَسْرِهِ الضَّمُّ (لَـ)ـلازِمٌ بِخُلْفٍ وَياَ رَبِّي مُضَافٌ تَجَمَّلاَ
لم يذكر في التيسير عن هشام سوى الضم وقال في غيره وروى عنه كسرها وبالضم آخذ، قال الفراء المعنى فيها واحد لبده ولبده أي كادوا يركبون النبي -صلى الله عليه وسلم- رغبة في القرآن وشهوة له يعني الجن، وقال الزجاج المعنى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما صلى الصبح ببطن نخلة كاد الجن لما سمعوا القرآن وتعجبوا منه أن يسقطوا على النبي -صلى الله عليه وسلم- وقيل - كادوا - يعني به جميع الملل تظاهرات على النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال ومعنى لبدا يركب بعضهم بعضا وكل شيء ألصقته لشيء إلصاقا شديدا فقد لبدته ومن هذا اشتقاق هذه اللبود التي تفرش ثم ذكر أن كسر اللام وضمها في معنى واحد وكذا قال الزمخشري وقال هو ما يلبد بعضه على بعض ومنه لبدة الأسد وحكى أبو علي عن أبي عبيد لبدا بالكسر أي جماعات واحدها لبدة قال قتادة تلبد الجن والإنس على هذا الأمر ليطفئوه فأبى الله إلا أن ينصره ويمضيه ويظهره على من ناوأه قال واللبد بالضم الكثير من قوله - أهلكت مالا لبدا - وكأنه قيل له لبد لركوب بعضه على بعض ولصوق بعضه ببعض لكثرته فكأنه أراد كادوا يلصقون به من شدة دنوهم للاستماع مع كثرتهم فيكون على هذا قريب المعنى من قوله لبدا إلا أن لبدا أعرف بهذا المعنى وأكثر ثم قال ويا ربي أي وياء ربي فقصره ضرورة أي هذه ياء الإضافة في سورة الجن يريد - ربي أمدا - فتحها الحرميان وأبو عمرو
(1088)
وَوَطْئاً وِطَاءً فَاكْسِرُوهُ (كَـ)ـمَا (حَـ)ـكَوْا وَرَبُّ بِخَفْضِ الرَّفْعِ (صُحْبَتُـ)ـهُ (كَـ)ـلاَ
لم تكن له حاجة إلى قوله فاكسروه فإنه قد لفظ بالقراءتين فهو مثل خشعا خاشعا وقل قال وما أشبه ذلك فالرمز فيه للفظ الثاني ولكنه قال فاكسروه زيادة في البيان مثل ما ذكرناه في قوله تمارونه تمرونه وافتحوا ولو قال هنا واكسروه بالواو كان أولى من الفاء كما قال ثم وافتحوا، وسببه أن الفاء تشعر بأن هذه مواضع الخلاف وليس ذلك كله بل هو جزء منه فإن لفظ وطاء يشتمل على كسر الواو وفتح الطاء والمد بعدها وإذا قاله بالواو بعد الإشعار بذلك وصار من باب التخصيص بعد التعميم للاهتمام بالمخصص نحو وجبرئيل وميكائيل ونخل ورمان، بيانه أن لفظ وطاء يغني عن قيوده لأنه كالمصرح بالقيو الثلاثة فإذا نص بعد ذلك على قيد منها كان من ذلك الباب ولو قال موضع فاكسروه فاقرءوه لكان رمزا لحمزة فعدل إلى لفظ يفهم قيدا من قيود القراءة وكان له أن يقول ووطأ كضرب قل وطاء كما حكوا كقوله إذا قل إذ ويحصل له تقييد القراءة الأولى ومعنى القراءة بالكسر والمد أن عمل - ناشئة الليل أشد - مواطأة أي موافقة لأنه يواطأ فيها السمع القلب للفراغ من الأشغال بخلاف أوقات النهار وقوله - وطأ - بفتح الواو وسكون الطاء والقصر بمعنى الشغل أي هو أشق على الإنسان من القيام بالنهار وفي الحديث، اللهم اشدد وطئتك على مضر، وهو - أقوم قيلا - أي أشد استقامة وصوابا لفراغ البال والمعنى أشد ثبات قدم في العبادة من قولهم وطأ على الأرض وطاء والناشئة القيام بعد النوم فهو مصدر بمعنى النشأة وقيل هي الجماعة الناشئة أي القائمون بالليل لأنها تنشأ من مضجعها إلى العبادة أي تنهض وترتفع وقيل هي ساعات الليل والكلام في خفض - رب المشرق - ورفعه كما سبق في سورة الدخان الخفض على البدل من ربك في قوله - واذكر اسم ربك - والرفع على أنه خبر أي هو رب المشرق وكلا بمعنى حفظ وحرس وأفرده على لفظ صحبة وسبق مثله
(1089)
وَثَاثُلْثِهْ فَانْصِبْ وَفَا نِصْفِهِ (ظُـ)ـبىً وَثُلْثَىْ سُكُونُ الضَّمِّ (لَـ)ـلاحَ وَجَمَّلاَ
يجوز وثا ثلثه بإسكان اللام وصلة الهاء ويجوز ثلثه بضم اللام وسكون الهاء وكلاهما لضرورة الوزن وفي كل وجه منها إخلال بلفظ الكلمة في القرآن من جهة إسكان اللام في الأول وإسكان الهاء في الثاني إلا أن الوجه الثاني أقرب فإنه لفظ الوقف على هذه الكلمة فهو واصل بنية الوقف، وأما إسكان اللام من ثلثه فلم ينقل في هذه القراءات المشهورة وقد حكاه أبو عبيد ثم الأهوازي بعده عن ابن كثير ووجهه ظاهر كما قرأ هشام بإسكان اللام من ثلثي الليل للتخفيف، فكلاهما سواء فلو كانت هذه القراءة مما ذكر في هذه القصيدة لكان الاختيار وثا ثلثه بإسكان اللام وقصر لفظ ثا ضرورة وكذا لفظ فانصفه وظبى جمع ظبة السيف وهو حده أي ذا ظبا أي صاحب حجج تحميه عن الطعن والاختيان عليه فإن أبا عبيد قال قراءتنا التي نختار الخفض كقوله سبحانه - علم أن لن تحصوه - فكيف يقدرون على أن يعرفوا نصفه وثلثه وهم لا يحصونه ووجه النصب في ونصفه وثلثه العطف على محل أدنى أي تقوم أقل من الثلثين وتقول نصفه وتقوم ثلثه والخفض عطف على ثلثي الليل أي وأقل من نصفه وثلثه ومجموع القراءتين محمول على اختلاف الأحوال لتكرر الليالي واختلافها فمرة يقوم نصف الليل محررا ومرة أقل منه وكذلك الثلث وتارة أقل من الثلثين أي إن ربك يعلم أنكم تأتون بالواجب مرة وبدونه أخرى، لكن الثلثين ما تكملون لطوله فيقع منكم الغلط فيه وجعل الفراء والزجاج قوله - ونصفه وثلثه - على قراءة النصب تفسيرا للأدنى المذكور وهو مشكل من جهة أن واو العطف تمنع من ذلك وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مخيرين بين هذه التقديرات الثلاثة في قيام الليل على اختلاف مراتبها في الأجر وأقرب شيء لهذا الحكم التخيير بين خصال كفارة اليمين على تفاوت مراتبها والتخيير بين نفري الحجج وقيل إنما وقع التخيير بين هذه الثلاثة باعتبار تفاوت الأزمان فالنصف عند الاعتدال وما قاربه وقيام الثلثين أو الأدنى من ثلثي الليل عند الطول وقيام الثلث عند قصر الليل والدليل على التخيير قوله تعالى في أول السورة - قم الليل إلا قليلا نصفه - وللعلماء في إعراب نصفه قولان مشكلان، أحدهما أنه بدل من الليل ويلزم منه التكرير فإن قوله قم نصف الليل إلا قليلا هو الثلث فأي حاجة إلى قوله - أو انقص منه قليلا - وإن كان البدل بعد الاستثناء كأنه قال قم أكثر الليل نصفه أي نصف أكثر الليل أو انقص منه كان ذلك ردا إلى تنصيف مجهول فقوله قم ثلث الليل كان أخصر فأولى، الوجه الثاني أن نصف بدل من قليلا وهو مشكل من جهة استثناء النصف وتسميته قليلا فكيف يكون نصف الشيء قليلا بالنسبة إلى الباقي وهما متساويان فإن كان الباقي كثيرا فالآخر مثله وإن كان المستثنى قليلا فالآخر مثله فلا يستقيم في إعراب نصفه إلا أن يكون مفعول فعل مضمر دل عليه ما تقدم أي قم نصفه أو انقص أو زد، ويكون في فائدة الآية التي قبلها وجهان، أحدهما أنه إرشاد إلى المرتبة العليا وهي قيام أكثر الليل ثم خير بينه وبين ما دونه تخفيفا لأنه تكليف في ابتداء أمر لم يعتادوه ومنه ما جاء في صفة عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- لما سمع قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حقه، نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل، قال نافع فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلا وهذا موافق لما دلت عليه آية أخرى في سورة والذاريات في صفة المؤمنين - كانوا قليلا من الليل ما يهجعون - وذلك أن الموفقين إذا أخذوا أنفسهم بقيام الليل واعتادوه صار أشهى إليهم من راحة النوم لولا حظ الطباع البشرية من ذلك القدر القليل، الوجه الثاني أن يكون المراد من الليل جنس الليالي لا كل ليلة بانفرادها على الصفة التي بينت في الآية الأخرى وهذا كما يوصى بعض المسافرين لخوف الحر فيقال سر الليل ثم يبين له فيقال ارحل من نصف الليل أو ثلثه أو أوله ويكون قوله تعالى - إلا قليلا - استثناء لليالي الأعذار من مرض أو غلبة نوم أو نحو من ذلك ثم انتقل إلى سورة المدثر فقال
(1090)
وَوالرِّجْزَ ضَمَّ الْكَسْرَ حَفْصٌ إِذَا قُلِ إذْ وَأَدْبَرَ فَاهْمِزْهُ وَسَكِّنْ (عَـ)ـنِ (ا)جْتِلاَ
يعني راء - والرجز فاهجر - وفسر المضموم بالأوثان والمكسور بالعذاب، وقال الفراء إنهما لغتان وإن المعنى فيهما واحد وقال أبو عبيد الكسر أفشى اللغتين وأكثرهما، وقال الزجاج معناهما واحد وتأويلهما اهجر عبادة الأوثان والرجز في اللغة العذاب قال لله تعالى - فلما وقع عليهم الرجز - فالمعنى ما يؤدي إلى عذاب الله - فاهجر - قال أبو علي المعنى وذا العذاب فاهجر وقوله إذا قل إذ يعني اجعل موضع إذا بالألف إذ بغير ألف واهمز أدبر وسكن الدال لحفص ونافع وحمزة ورمزه في أول البيت الآتي يعني - والليل إذا أدبر - كتب في المصحف بألف واحدة بين الذال والدال فجعلها هؤلاء صورة الهمزة من أدبر وجعلوا إذ ظرفا لما مضى وجعل باقي القراء الألف من تمام كلمة إذ وهي ظرف لما يستقبل وقرءوا دبر بفتح الدال على وزن رفع، قال الفراء هما لغتان يقال أدبر النهار ودبر ودبر الصيف وأدبر وكذلك قبل وأقبل فإذا قالوا أقبل الراكب أو أدبر لم يقولوه إلا بألف، قال وإنهما عندي في المعنى لواحد لا أبعد أن يأتي في الرجال ما يأتي في الأزمنة، وقال الزجاج كلاهما جيد في العربية يقال دبر الليل وأدبر، وفي كتاب أبي علي عن يونس دبر انقضى وأدبر تولى وقالوا كأمس الدابر وكأمس المدبر قال والوجهان حسنان، وقال أبو عبيد كان أبو عمرو ويقول هي لغة قريش قد دبر الليل، حدثنا حجاج عن هارون أخبرني حنظلة السدوسي عن شهر بن حوشب عن ابن عباس أنه قرأها - والليل إذا أدبر - بجعل الألف مع إذا، قال حنظلة وسألت الحسن عنها فقال إذا أدبر فقلت يا أبا سعيد إنما هي ألف واحدة فقال فهي إذا والليل إذا دبر، قال أبو عبيد جعل الألف مع أدبر وبالقراءة الأولى نأخذ إذا بالألف دبر بغير ألف لكثرة قرائها ولأنها أشد موافقة للحرف الذي يليه ألا تراه قال - والصحيح إذا أسفر - فكيف يكون في أحدهما إذا وفي الآخر إذ، قال وفي حرف عبد الله وأبي حجة لمن جعلها إذا ولمن جعلها أدبر جميعا حدثنا حجاج عن هرون قال في حرف أبي وابن مسعود - إذا أدبر - قال أبو عبيد بألفين، قلت هذه القراءة هي الموافقة لقوله - إذا أسفر - موافقة تامة بلفظ إذا والإتيان بالفعل بعدها على وزن أفعل وأما كل واحدة من القراءتين المشهورتين فموافقة له من وجه دون وجه والموافقة بلفظ إذا أولى من الموافقة بلفظ أفعل فإن أفعل وفعل قد ثبت أنهما لغتان بمعنى واحد فكانا سواء وأما إذ وإذا فمتغايران ولا يعرف بعد القسم في القرآن إلا مجيء إذا دون إذ - نحو والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى - وإذ وإذا في كل ذلك لمجرد الزمان مع قطع النظر عن مضى واستقبال فهو مثل - وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب - فسوف يعلمون، إذ الأغلال في أعناقهم - وقد حكى الأهوازي عن عاصم وأبي عمرو رواية - إذا أدبر - بألفين والله أعلم.، وقول الناظم قل إذ بكسر اللام على إلقاء حركة همزة إذ عليها بخلاف كسرة النون في قوله عن اجتلا فإنها كسرت لأجل الساكن بعدها والمعنى عن اجتلاء أي عن كشف وظهور من توجيهه وهو ممدود فلما وقف عليه سكنت الهمزة فأبدلت ألفا فاجتمع ألفان فحذفت إحداهما وقد سبق ذكر ذلك في شرح أول الخطبة في قوله أجذم العلا والفاء في قوله فاهمز زائدة
(1091)
فَبَادِرْ وَفَا مُسْتَنْفِرَهُ (عَمَّ) فَتْحُهُ وَمَا يَذْكُرُونَ الْغَيْبَ (خُـ)ـصَّ وَخُلِّلاَ
فبادر من تتمة رمز القراءة السابقة أي فبادر إليه وقصر لفظ وفا ضرورة - ومستنفرة - بكسر الفاء بمعنى نافرة وبالفتح نفرها غيرها، قال أبو علي قال أبو الحسن الكسر في مستنفرة أولى ألا ترى أنه قال - فرت من قسورة - فهذا يدل على أنها هي استنفرت ويقال نفر واستنفر مثل سخر واستسخر وعجب واستعجب ومن قال مستنفرة فكأن القسورة استنفرها أو الرامي قال أبو عبيد مستنفرة ومستنفرة مذعورة قال والقسورة الأسد وقالوا الرماة، قال ابن سلام سألت أبا سوار العنبري وكان أعرابيا فصيحا قارئا للقرآن فقلت - كأنهم حمر - ماذا فقال كأنهم حمر مستنفرة طردها قسورة فقلت إنما هو فرت من قسورة فقال أفرت فقلت نعم قال فمستنفرة، والخلاف في - وما يذكرون - بالياء والتاء ظاهر وقد سبق في أول آل عمران معنى قوله خص وخللا يقال عم بدعوته وخلل أي خص فجمع الناظم بينهما لاختلاف اللفظين.