سورة المؤمنون
(903)
أَمَانَاتِهِمْ وَحِّدْ وَفِي سَالَ (دَ)ارِياً صَلاَتِهِمُ (شَـ)ـافٍ وَعَظْماً (كَـ)ـذِي (صِـ)ـلاَ
يريد - والذين هم لأماناتهم - هنا وفي سورة سأل وحدهما ابن كثير وحده - والذين هم على صلاتهم يحافظون - وحده هنا حمزة والكسائي ولا خلاف في إفراد الذي في سورة سأل ولا في الأول هنا وهو قوله - الذين هم في صلاتهم خاشعون - وعلم أن موضع الخلاف هو الثاني لذكره إياه بعد أماناتهم، فالتوحيد يدل على الجنس والجمع لاختلاف الأنواع وقد اتفق على الجمع في - أن تؤدوا الأمانات - وعلى الأفراد في (إنا عرضنا الأمانة)، وعلى جمع (حافظوا على الصلوات)، وعلى الإفراد في - أقيموا الصلاة - قوله "وعظما" أي ووحد عظما يعني - فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما - وقد ذكره في البيت الآتي في قوله مع العظم وحدهما ابن عامر وأبو بكر، كما قال الراجز في خلقكم عظم وقد شجيناه أي في حلوقكم عظام والعظام بالجمع وموضع "كذي صلا" نصب على الحال من فاعل وحد وقد سبق تفسيره
(904)
مَعَ الْعَظْمِ وَاضْمُمْ وَاكْسِرِ الضَّمَّ (حَقُّـ)ـهُ بِتَنْبُتُ وَالمَفْتُوحُ سِيناَءِ (ذُ)لِّلاَ
يريد - ثنيت بالدهن - اضمم التاء واكسر الباء فيصير من أنبت وهو بمعنى نبت فيتحد معنى القراءتين أي تنبت ومعها الدهن وقيل المفعول محذوف أي ينبت زيتونها وبالدهن في موضع الحال من الشجرة على الوجه الأول، أي ملتبسة بالدهن وعلى الوجه الثاني يكون حالا إما من الشجرة أو من المفعول المحذوف وقيل الياء زائدة والمعنى تنبت الدهن كقوله - ومن يرد فيه بإلحاد بظلم - ومن قرأه من نبت فالباء للتعدية أو مع مجرورها للحال وقوله "حقه" أي هو حقه (وتنبت) متعلق باضمم أو باكسر أو بالضم وقوله والمفتوح "سيناء" أي وسيناء المفتوح فقدم الصفة ضرورة وأتى بما بعدها بيانا كالعائدات الطير ومعنى ذلك قرب وسهل أراد بفتح السين والباقون بكسرها وهو اسم أعجمي تكلمت به العرب مفتوحا ومكسورا وقالوا أيضا "سنين" والمانع له من الصرف مع العلمية العجمة وقيل "طور سينا" مركب كحضرموت على لغة الإضافة
(905)
وَضَمٌّ وَفَتْحٌ مَنْزِلاً غَيْرَ شُعْبَةٍ وَنَوَّنَ تَتْراً (حَقُّـ)ـهُ وَاكْسِرِ الْوِلاَ
التقدير غير شعبة "ذو ضم وفتح" لفظ "منزلا" فمنزلا مفعول بأحد المصدرين قبله يريد - وقل رب أنزلني منزلا - فضم الميم وفتح الزاي يجعله مصدرا أو اسم مكان من أنزل وقرأه شعبة بفتح الميم وكسر الزاي - على أنه كذلك من نزل ونظير القراءتين ما تقدم في "مدخلا"و"تترى" مصدر من المواترة فمن نونه جعل وزنه فعلا كضربا ومن لم ينون جعله فعلى كدعوى من المصادر التي لحقتها ألف التأنيث المقصورة وقد سبق ما يتعلق بإمالتها في باب الإمالة ثم قال "واكسر الولا" أي ذا الولا يعني الموالي لتترى أي الذي هو قريب منه بعده ثم بينه فقال
(906)
وَأَنَّ (ثَـ)ـوى وَالنُّونَ خَفِّفْ (كَـ)ـفَى وَتَهْجُرُونَ بِضَمٍّ وَاكْسِرِ الضَّمَّ (أَ)جْمَلاَ
يريد - وإن هذه أمتكم - الكسر على الاستئناف والفتح على تقدير ولأن هذه على ما تقدم في الأنعام في قوله تعالى (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه)، وخفف ابن عامر النون في الموضعين كما قال سبحانه (وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين)، وقرأ نافع وحده - سامرا تهجرون - بضم التاء وكسر الجيم من أهجر في منطقه إذا أفحش فيه وقرأ غيره بفتح التاء وضم الجيم من هجر إذا هذى، وقال أبو علي تهجرون آياتي مما يتلى عليكم من كتابي فلا تنقادون له وتهجرون تأتون بالهجر وهو الهذيان وما لا خير فيه من الكلام، وفي الحديث في زيارة القبور ولا تقولوا هجرا وقال أبو عبيد القراءة الأولى أحب إلينا ليكون من الصدود والهجران كقوله (فكنتم على أعقابكم تنكصون)، هذا يشبه الهجران ومن قرأها تهجرون أراد الإفحاش في المنطق، وقد فسرها بعضهم على الشرك وقول الناظم "أجملا" هو حال من فاعل اكسر أو مفعول أو نعت مصدر محذوف أي كسرا جميلا
(907)
وَفِي لاَمِ لِلهِ الأَخِيرَيْنِ حَذْفُهاَ وَفِي الْهَاءِ رَفْعُ الْجَرِّ عَنْ وَلَدِ الْعَلاَ
في هذه السورة - سيقولون لله - في ثلاثة مواضع الأول لا خلاف فيه أنه لله بإثبات لام الجر وهو جواب قوله - قل لمن الأرض ومن فيها - والخلاف في الثاني والثالث وهما جواب قوله - قل من رب السموات (قل من بيده ملكوت كل شيء) فقرأهما أبو عمرو بحذف حرف الجر فارتفع الاسم الجليل على أنه خبر مبتدأ أي هو الله فهو جواب مطابق للفظ السؤال وكذلك كتب في مصاحف البصرة وقرأهما غيره كالأول بإثبات لام الجر وكذلك كتب في مصاحفهم وهو جواب من حيث المعنى لأن قولك من مالك هذه الدار ولمن هذه الدار معناهما واحد، قال أبو عبيدة كان الكسائي يحكي عن العرب أنه يقال للرجل من رب هذه الدار فيقول لفلان بمعنى هي لفلان وقول الناظم الأخيرين هو مضاف إليه أي وفي لام هذا اللفظ ا لذي في الموضعين الأخيرين كما تقدم في قوله "وأخرتني" الإسراء وحذفها مبتدأ فهو كقولك في صدر سيد الرجلين علم والله أعلم.
(908)
وَعَالِمُ خَفْضُ الرَّفْعِ (عَـ)ـنْ (نَفَرٍ) وَفَتْحُ شِقْوَتُنَا وَامْدُدْ وَحَرِّكُهُ (شُـ)ـلْشُلاَ
يريد سبحان الله عما يصفون عالم الغيب فبالخفض هو نعت لاسم الله تعالى وبالرفع على تقدير هو عالم والشقاوة على لفظ السعادة والشقوة كالردة والفطنة لغتان أي افتح الشين وحرك القاف بالفتح ومدها وقدم ذكر المد على التحريك لضرورة الوزن ولتعين القاف لذلك فليس في حرف شقوتنا ما يقبل التحريك غير القاف لأنها ساكنة والبواقي متحرك، وقوله "عن نفر" أي منقول عن نفر وفتح شقوتنا كذلك من حيث المعنى أي عن جماعة قرءوا به والله أعلم.
(909)
وَكَسْرُكَ سُخْرِيًّا بِهاَ وَبِصَادِهاَ عَلَى ضَمِّهِ (أَ)عْطَى (شِـ)ـفَاءً وَأَكْمَلاَ
يريد فاتخذتموهم سخريا وفي ص أتخذناهم سخريا من سخرت إذا ضحكت منه وقيل الكسر في سين ذلك وضمها لغتان وقيل الضم من السخرة والعبودية والكسر من الهزؤ واللعب وأجمعوا على ضم الذي في الزخرف (ليتخذ بعضهم بعضا سخريا)، لأن المراد المعنى الأول لينتظم قوام العالم والهاء في قوله، وبصادها تعود على سور القرآن للعلم بذلك كما انه إذا قال حفصهم يعلم أنه أراد حفص القراء والهاء في على ضمه للكسر وقوله بها معمول وكسرك وعلى ضمه خبر المبتدأ ويجوز أن يكون بها خبر قوله وكسرك أي اختص ذلك بهذه السورة وبسورة ص ثم استأنف فقال على ضمه أعطى سخريا شفاء وفاعل أعطى ضمير عائد على سخريا لا على كسرك ولو عاد على كسرك لكان هو خبر المبتدأ ولزم أن يكون الرمز للكسر وليس للرمز إلا للضم وأشار بقوله وأكملا إلى إكمال الضم في مواضع سخريا الثلاثة والله أعلم.، قال أبو عبيد وكذلك هي عندنا لأنهن إنما يرجعن إلى معنى واحد وهما لغتان "سخرى وسخرى" وقد رأيناهم أجمعوا على ضم التي في الزخرف فكذلك الأخريان
(910)
وَفِي أَنَّهُمْ كَسْرٌ (شَـ)ـرِيفٌ وَتُرْجَعُونَ في الضَّمِّ فَتْحٌ وَاكْسِرِ الْجيمَ وَاكْمُلاَ
يريد "أنهم هم الفائزون" الكسر على الاستئناف والفتح على تقدير لأنهم أو بأنهم أو هو مفعول جزيتهم أي جزيتهم الفوز فحمزة والكسائي قرءا بالكسر وهما قرءا (وأنكم إلينا لا ترجعون) بفتح التاء وكسر الجيم والباقون بضم التاء وفتح الجيم ووجه القراءتين ظاهر وقد سبق له نظائر ويأتي الخلاف في حرف القصص في موضعه وحمزة والكسائي قرءا ذلك الموضع أيضا كهذا على إسناد الفعل إلى الفاعل ولعله أشار بقوله واكملا إلى هذا أي كملت قراءتهما في الموضعين فلم تختلف أي وأكمل أيها المخاطب في قراءتك لهما لما كان الكمال في قراءته جعله فيه مجازا وأراد وأكملن فأبدل من النون ألفا
(911)
وَفي قَالَ كَمْ قُلْ دُونَ (شَـ)ـكٍّ وَبَعْدَهُ (شَـ)ـفَا وَبِهاَ يَاءٌ لَعَلِّيَ عُلِّلاَ
يريد (قال كم لبثتم) قرأها ابن كثير وحمزة والكسائي "قل" على الأمر والذي بعد هذا قال "إن لبثتم" لم يقرأه على الأمر إلا حمزة والكسائي فجريا على الأمر في الموضعين وهو أمر لمن عينه الله سبحانه للسؤال وقرأ الباقون بالخبر في الموضعين أي قال الله، أو الملك وقرأ ابن كثير الأولى بالأمر والثانية بالخبر فكأنه مردود على المأمور أولا أي قل ذلك المأمور قال أبو علي وزعموا أن في مصحف الكوفة قل في الوضعين، قال أبو عبيد والقراءة عندنا على الخبر كلاهما لأن عليها مصاحف أهل الحجاز وأهل البصرة وأهل الشام ولا أعلم مصاحف مكة أيضا إلا عليها وإنما انفردت مصاحف أهل الكوفة بالأخرى قال أبو عمرو الداني وينبغي أن يكون الحرف الأول بغير ألف في مصاحف أهل مكة والثاني بالألف لأن قراءتهم كذلك ولا خبر عندنا في ذلك عن مصاحفهم إلا ما رويناه عن أبي عبيد ثم قال وبها ياء أي ياء إضافة واحدة ثم بينها بقوله لعلى أراد "لعلي أعمل صالحا" فتحها الحرميان وأبو عمرو وابن عامر وقوله "عللا" أي علل قائل هذا الكلام نفسه عند الموت بذلك، فقال علله بالشيء أي ألهاه به والله أعلم.