باب الإظهار و الإدغام
(255)
سأَذْكُرُ أَلْفَاظًا تَلِيهَا حُرُوفُهَا بالإظْهَارِ وَالإدْغَامِ تُرْوىَ وَتُجْتَلاَ
أراد بالألفاظ كلمات تدغم أواخرها السواكن وهي لفظ إذ وقد وبل وهل ونفس تاء التأنيث وقوله تليها حروفها أي يتبع كل لفظ منها ذكر الحروف التي تدغم أواخر هذه الألفاظ فيها وتظهر على اختلاف القراء في ذلك وإنما يذكر تلك الحروف في أوائل كلمات على حد ما مضى في شفا لم تضق وللدال كلم ترب سهل ونحو ذلك والله أعلم.
(256)
فَدُونَكَ إِذْ فِي بَيْتهَا وَحُرُوفُهَا وَمَا بَعْدُ بالتَقْييدِ قُدْهُ مُذَلَّلاَ
إذ منصوب المحل على الإغراء كقوله ودونك الإدغام أي خذ من تلك الألفاظ كلمة إذ فهي السابقة في الذكر في بيتها أي تفرد لذكرها بيت مستقل تذكر فيه هي والحروف التي تدغم الذال منها فيها فقوله وحروفها بالنصب عطف على إذ وما بعد معطوف أيضا أي وخذ ما أذكره بعد ذلك وسنبينه في البيت الآتي ويجوز أن يكون مبتدأ وما بعده خبره أي وما يأتي بعد ذلك قده مذللا أي خذه سهلا بسبب التقييد الذي أبينه به أي لا أدع فيه إلباسا وهو من قولهم بعير مذلل إذا كان سهل القياد وهو الذي خزم أنفه ليطاوع قائده ثم بين ذلك فقال
(257)
سَأُسْمِي وَبَعْدَ الْوَاوِ تَسْمُو حُرُوفُ مَنْ تَسمَّى عَلَى سِيمَا تَرُوقُ مُقَبَّلاَ
يعني أسمى القراء إما بأسمائهم أو بالرمز الدال عليهم ثم آتي بواو فاصلة بعد الرمز وآتي بعد الواو الفاصلة بحروف من سميت من القراء يعني الذي يظهر ذلك القارئ ذال إذ عندها أو يدغم وهذا في غير القراء الذين اطرد أصلهم في إظهار واحدة من الألفاظ المذكورة عند جميع حروفها وإدغامها فإنه يقول في هذا أظهرها فلان وأدغمها فلان ثم يذكر من انقسم مذهبه إلى إظهار وإدغام فيقول وأظهر فلان كذا وأدغم فلان كذا، وحكمة الواو الفاصلة أن لا تختلط الحروف الدالة على القراء بالحروف المدغم فيها ولهذا إذا صرح باسم القارئ لا يأتي بالواو كقوله وأدغم ورش ضر - ظمآن - وأدغم ورش ظافرا وإن رمز أتى بالواو كقوله وأظهر - ريا - قوله واصف جلا فالواو في واصف فاصلة بين رمز القراء والحرف المدغم فيه ولولا الواو لم تعرف كلمة رمز القراء من كلمة رمز الحروف ومثله وأدغم مرو واكف ضير وأدغم كهف وافر سيب لولا الواو لكانت الضاد من ضير والسين من سيب محتملة أن تكون رمز القارئ ورمز الحرف المدغم فيه وإذا صرح بالاسم لم يكن إلباس لأنه قد تمهد من معرفة اصطلاحه أنه لا يجمع بين رمز ومصرح باسمه والسمو الارتفاع والعلو كنى به عن ذكر الحروف على وجه ظاهر لا إلباس فيه بسبب أنه قد فصل بالواو بينها وبين رمز القارئ، والسيما العلامة وراق الشي صفا أي أذكر ذلك على طريقة واضحة مستحسنة والمقبل التقبيل أو نفس الثغر وهو منصوب على التمييز أو عبر به عن نفس الفم لأن الفم منه يخرج الكلام فأشار إلى ما يحصل بالإثبات من العلم كأنها خاطبتك به فيحصل منها ما يشفيك ويروقك أي يقوم بما تريده منها وكل هذه الألفاظ استعارات حسنة المعنى متجانسة الألفاظ نبه بها على حسن ذكره لاختلاف القراء في هذا الباب لأنه احتاج فيه إلى زيادة لم يكن محتاجها في غيره ثم ذكر أن هذا الصنيع يصنعه أيضا في غير إذ من باقي الألفاظ فقال
(258)
وَفِي دَالِ قَدْ أَيْضًا وَتَاءٍ مُؤَنَثِ وَفِي هَلْ وَبَلْ فَاحْتَلْ بِذِهْنِكَ أَحْيَلاَ
أي أذكر ذلك أيضا في باقي الألفاظ، وقوله احتل من الحوالة أو من الحيلة وأحيلا من الحيلة يقال هو أحيل منك وأحول منك أي أكبر حيلة وهو منصوب على الحال والذهن الفطنة والحفظ أي احتل بذهنك على ما وعدتك به أو احتل في استخراجه، وهذه الأبيات الأربعة غير وافية بالتعريف بما صنعه في هذه الأبواب على ما ستراه وتهيأ لي مكانها أربعة أبيات لعلها تفي بأكثر الغرض فقلت سأذكر ألفاظا أخيرا حروفها البيت أي الحرف الأخير من كل لفظ منها هو الذي يروى بالإظهار والإدغام فهو أولى من نسبة ذلك إلى اللفظ بكماله ثم ذكرت الألفاظ فقلت، (فدونك إذ قد بل وهل تا مؤنث لدي أحرف من قبل واو تحصلا)، أي أذكر كل واحد منها وحروفها التي عندها يختلف في إظهارها وإدغامها فإذا تمت الحروف جاءت كلمة أولها واو دليلا على انفصالها، (وقراءها المستوعبين وبعدهم أسمى الذي في أحرف اللفظ فصلا)، أي ودونك القراء الذين استوعبوا الإظهار عند الحروف والإدغام أي أول ما أبدأ أن أقول أظهر هذا الحرف عند جميع الحروف أو أدغم فلان وفلان وبعد ذلك أذكر من فصل فأدغم في بعض وأظهر في بعض فإذا فرغ ذكر من فصل علمت أن باقي القراء استوعبوا الإدغام في الجميع إن كان الأولون أظهروا والإظهار إن كان المستوعبون الأولون أدغموا ثم ذكرت كيفية نظمه لمن استوعب أو فصل من القراء فقلت، (ويرمز مع واو وبعد حروفه أوائل كلم بعدها الواو فيصلا)، أي بعد الفراغ من الرمز للقراء تأتي الواو الفاصلة فهي بعد المستوعبين فاصلة بين المسائل على ما جرت به العادة في سائل المسائل ففصل بها هنا بين المستوعبين والمفصلين كقوله فإظهارها أجرى دوام نسيمها وأظهر قالوا وفي أظهر مثال ما ذكرناه والواو الآتية بعد رمز المفصلين فاصلة بين القراء وحروفهم التي أدغموا عندها أو أظهروا فإذا تمت حروف ذلك الرمز جاءت واو أخرى فاصلة بين المسائل وهي التي تجري في سائر المواضع، فحاصل الأمر أنه احتاج في هذا الباب إذا ذكر القارئ المفصل بالرمز إلى واوين فاصلتين، الأولى بين القارئ والحروف والثانية بين المسائل، وتأتي أمثلة ذلك في استعماله وقوله أوائل كلم بيان لكيفية ذكر الحروف ثم ذكر ذال إذ فقال
ذكر ذال إذ
(259)
نعم (إ)ذ (تـ)مشت (ز)ينب (صـ)ـال (د)لُّهَا (سـ)مِيَّ (جـ)مال واصلا من توصلا
كأنه قدر أن مستدعيا طلب منه الوفاء بما وعد في قوله سأذكر فقال مجيبا نعم وهو على عادته في تضمين الكلمات المأخوذ حروف أوائلها إما تغزل كما تقدم في شفا لم تضق وإما بثناء على صالح كقوله ترب سهل وحيث تغزل عني واحدة من نساء أهل الجنة على ما هو لائق بحاله -رضي الله عنه-، وصال بمعنى استطال ووثب والدل الدلال وسمي جمال وإصلاحا لأن من الدل والسمي الرفيع ومعنى واصلا من توصلا أي يصل من توصلا إليه أي الحروف التي تدغم فيها ذال إذ هي هذه الستة من التاء إلى الجيم وواو واصلا فاصلة وأمثلة ذلك (إذ تبرأ الذين) - (وإذ زين) - (وإذ صرفنا) - (إذ دخلوا عليه) - (لولا إذ سمعتموه) - (إذ جاءكم من فوقكم)، ثم ذكر من أظهرها في الكل فقال
(260)
فإِظْهَارُهَا (أ)جْرى (د)وَامَ (نُـ)سَيمِهَا وَأَظْهَرَ (رُ)يَا (قـ)وْلِهِ وَاصِفٌ جَلاَ
أي أظهر ذال إذ عند جميع حروفها الستة نافع وابن كثير وعاصم وتابعهم الكسائي وخلاد عند الجيم فقط وأدغما عند البواقي والإظهار في جميع هذه الأبواب هو الأصل ووجه الإدغام التخفيف لقرب المخارج ومن فرق جمع بين اللغتين وقيل ليست الجيم كالبواقي في القرب من الذال والواو في وأظهر وفي واصف للفصل، والنسيم الريح الطيبة والريا بالقصر الرائحة الطيبة والهاء في قوله لواصف وريا مفعول أظهر أي أظهر واصفها طيب رائحة قوله أي لما وصفها واصف وجلا وصفها أي كشفه، أظهر بقوله ثناء عطرا وما أظهرته من الجمال والزينة أجرى دوام نسيمها ثم ذكر باقي المفصلين الذين أدغموا في بعض وأظهروا في بعض فقال
(261)
وَادْغَمَ (ضَـ)ـنْكاً وَاصِلٌ تُومَ (دُ)رّه وَادْغَمْ (مُـ)ـوْلَى وُجْدُهُ (د)ائمٌ وَلاَ
أي أدغم خلف عند التاء والدال وأظهر عند الأربعة الباقية وأدغم ابن ذكوان عند الدال وحدها وأظهر عند الخمسة الباقية وباقي القراء وهم أبو عمرو وهشام فقط على الإدغام عند الستة والواو في وأدغم في الموضعين وفي ولا للفصل بين المسائل والواو في واصل وفي وجده للفصل بين الرمز والحرف والضنك الضيف والتوم جمع تومة وهي الحبة تعمل من الفضة كالدر أي أدغم الضيق رجل وصل توم دره والمولى هنا هو الولي المحب والوجد بضم الواو الغني ومولى فاعل أدغم، وقوله وجده دائم جملة إبتدائية في موضع الصفة لمولى أي غناه بها دائم ستر أمره وكتم ضره والولا بالكسر المتابعة ويكون صفة لمولى أيضا على تقدير ذو ولا أو يكون محله نصبا على التمييز أي متابعة دائمة ولو كان ولا بالفتح بمعنى الموالاة لكان حسنا وكان مفعول أدغم الثاني أي أدغم المولى ولاه ومحبته ويكون موافقا لأدغم الأول فإن ضنكا مفعوله والله أعلم.