أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: أولاً: القـواعد التربوية العـامة الأربعاء 12 أكتوبر 2022, 4:26 pm | |
| أولاً: القـواعد العـامة القاعدة الأولى: اخلص لله في تربيتك لأولادك: التربية عبادة، والعبادة مفتقرة للنية الصادقة، والنية الصادقة يؤجر عليها العبد وإن لم يوفق في تربية أبنائه، وتسليه عن النقص فيما فاته من صلاح ولده وذريته، وعن كثرة مخالفات ابنه وأخطائه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} أي قمتم بما وجب عليكم من الواجبات واتخذتم ما تستطيعون في ذلك من الوسائل.
وفي النية الصادقة من الاتصال بالله ما يعين العبد ويوفقه إلى حسن تربية الولد، فإياك أن تعتمد على نفسك وقوة شخصيتك، وتنسى أن تتوكل على خالقك، فليس عليك إلا بذل السبب وأما تحقق المصالح فعلى الله تعالى، إذ كم من قوي للشخصية عالم بالمهارات التربوية وُكل إلى نفسه فخذل عن تربية أبنائه تربية صحيحة، وكم من صحيح نية أصلح له الله ولده ولو بعد حين.
= ومن الأخطاء في هذا الجانب: أن تنوي بتربية ابنك أن تُمدح بحسن التربية وقوة التأثير وحُسن التعليم، أو أن تربيه لينفعك في المستقبل لا لوجه الله.
أيها الأب المبارك: ربِ ابنك لوجه الله، ليرضي الله لا لينفـعك! واعلم أنه إذا أرضى الله نفعك، قـال تـعـالـى: { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ }، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له"، فإذا صلح الولد دعا لأبيه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: السعادة في معاملة الخلق أن تعاملهم لله؛ ترجو الله فيهم ولا ترجوهم في الله، وتخاف الله فيهم ولا تخافهم في الله.
القاعدة الثانية: حدّد هـدفك من تربيـة ابنـك: وأعظم هدف تحدده تعـبيده لله تعالى، فتسعى لتكميل إيمانه وعقله وخلقه بما يحقق له العبودية الشاملة لله تعالى في كل جوانب نفسه.
يقول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، العبادة بمفهومها الشامل هي مقصد خلق الثقلين.
- ومن أمثلة هذا الجانب: أن تعليم الولد ينبغي أن يكون لأجل التقرب إلى الله تعالى بطلب هذا العلم ونفع الأمة بطلبه، لا أن يكون المقصد من تعلم الابن طلب الشهادة والسعي للوظيفة فقط، وإن كان هذا الأمر الدنيوي سيتحقق بما سبق إن شاء الله.. وقل مثل ذلك: في تعليمه الرجولة، والخلق الحسن..
= ومن الأخطاء في هذا الجانب: ما يهدف له الكثير عند تربية أبنائهم من الحرص على تسمين الابن بالغذاء والشراب؛ وكأنه يربي بهيمة في بيـتـه، أو الحرص على تعليم الولد ودراسته وتكوين مستقبله دون النظر إلى استجابته لأمر الله وطاعته لرسوله صلى الله عليه وسلم.
وليس هذا بغريب على كثير من الآباء، ومن الشواهد الظاهرة في هذا أن تجد فيهم العدد الكثير ممن ربطوا صلاة أبنائهم للفجر باستيقاظهم للمدرسة لا بوقتها الشرعي!
القاعدة الثالثة: علّقه بالله وبالرسول صلى الله عليه وسلم: ربِ في ولدك دائمًا حب الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، واعلم أن هذه المحبة من أعظم ما يحمل الولد على طاعة الله ورسوله، قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ}، وربهم أيضًا على تعظيم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأعلم أن هذا التعظيم من أجلّ ما يردعه عن ارتكاب المحرمات، قال سبحانه: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.
- ومن أمثلة ذلك: أن تعلمه أن كل جميل ونافع هو من عند الله تعالى: فالقمر، والمطر، والحديقة، وطعامه، وكساءه، وخلقته كلها من خلق الله تعالى ورزقه، وتعلمه أن كل حق وخير هو من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فالكرم، والصدق، والشجاعة، والقيادة، والوفاء، كلها من أخلاق النبي الكريم.
= ومن هنا يتضح خطأ كثير من الآباء حين يوجهون أبنائهم دائمًا بقولهم: هذا غلط، هذا عيب، مضر، أو يقول له: يع، ونحو ذلك من كلمات أو إشارات، بل قل له: هذا حلال يحبه الله، وهذا حرام يبغضه الله، وهذا من أخلاق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهذا خلقٌ من أخلاق المخالفين للأنبياء كاليهود والنصارى، وهكذا.
القاعدة الرابعة: ارسم في نفسيته قدوات من أعلام السلف رحمهم الله: ربط المتربي بمن سبق من أهل العلم والفضل منهج رباني ونبوي عظيم، فكم في أخبار القرآن والسنة من ذكر أنبياء لله وصالحين كان القصد الأكبر من ذكر قصصهم أن يتربى ويقتدي بها الناس، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}، فاحرص على الاعتناء بقصص الأنبياء والصالحين، وتراجم العلماء والعباد والقادة، لتتكون لديك حصيلة كافية لإشباع نهمة الولد إلى المحاكاة والتقليد.
- ومن الأمثلة لاستخدام هذه القاعدة: أن تذكره دائمًا بأمله وطموحه أن يكون عالمًا أو داعيةً للخير أو مجاهدًا في سبيل الله، واسأله إذا احتار كيف يفعل العالم في هذا الموقف؛ ماذا يختار؟ وإذا أخطأ هل يفعل من يريد أن يكون عالمًا هذا الفعـل؟، وهكذا.
= ومن الأخطاء في هذا الجانب: أن نترك التلفاز هو الذي يرسم القدوات لأبنائنا بما يعرضه من أبطال أفـلام الكـرتون والمسـلسـلات، ومشـاهيـر الأغاني الماجنة، ونجوم المقابلات الكروية، أو نجعل الشارع بزخمه النتن يبني في أنفسهم معالمًا لأتفه الناس وأحقرهم.
القاعدة الخامسة: ربِ ابنك على المفاهيم التربوية الشاملة: كحب الإيمان والتقوى- وتعظيم الأوامر الشرعية - والحذر من المخالفات وطريقة الوقاية منها- ومنظومة الأخلاق الحسنة- وإشباع الجانب النفسي والعاطفي عند المتربي. وأدلل على الأخير من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وأكتفي به لوضوح ما قبله، فقد كان يؤم صلى الله عليه وسلم أصحابه يومًا فأتى أحد أولاده الحسن أو الحسين فارتقى على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم، فأطال السجود، فاستبطأه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لما انصرف سألوه، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن ابني هذا ارتحلني فكرهت أن أقوم حتى يقضي حاجته) [رواه أبو يعلى في مسنده (6/150) (3428)].
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب أصحابه على المنبر، فيأتي الحسن ويتعثر فيترك خطبته، وينزل من المنبر فيحمله، ثم يعود إلى المنبر فيقول: (إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من الناس)، رواه البخاري.
فنوّع -أيها الأب المبارك- من جوانب تربيتك، وانتبه لعدم حصرها على جانب واحد.
ومما يعينك على ذلك: - التنويع بحسب نفسية الطفل ومرحلة نموه، ويأتي الحديث عنه إن شاء الله. - التنويع بحسب الحـدث الذي يربى من خلاله. - التنويع المرتب مسبقًا في كل لقاء به أو ذهاب معه. = وبهذا ننجو أيها المربون من نسيان جوانب مهمة جدًا عند التطبيق، أو التركيز على جوانب مع إهمال ما هو أهم منها.
القاعدة السادسة: علّمه الرجولة والاعتماد على النفس: حتى تربي رجلاً لا بد أن تعرف كيف يصـنع الرجال، فالتربية الجادة إحدى مظاهر تربية الرجل الجاد الواعي، قال تعالى عن قوم إبراهيم بعد أن كسّر إبراهيم عليه السلام أصنامهم: {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}، وقال سبحانه عن أهل الكهف: {إنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}.
فالفـتوة مطلب ملح لتربية الأبناء، ومن ذلك: أن تكنيهم بكنى لها وقع حسن كأبي عبد الله وأبي يوسف وأبي معاذ ونحوها، وتضع بين أيديهم الألعاب الهادفة، وتجعل أحدهم يعتمد على نفسه في لبس وخلع ملابسه بمفرده أو ينظف المكان الذي وسّخه، وتسعى لما يقوي أجسادهم ويشد عظامهم، ثم توكل لهم الأعمال المهمة وتشاركهم فيها أو تتابعهم على أدائها، والله يقول: {طَوَّافُونَ عَلَيْكُم}: أي بالخدمة ونحوها، وهذا إبراهيم عليه السلام يشرك ابنه إسماعيل عليه السلام في عملٍ من أشرف الأعمال ومن أعظمها بركة؛ وهو بناء البيت المحرم، قال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ}.
ومن هذا القبيل: ما رواه البخاريّ في صحيحه عن عمرو بن سلمة -رضي الله عنه- أنه قال: لَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ الْفَتْحِ بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلاَمِهِمْ، وَبَدَرَ أَبِى قَوْمِى بِإِسْلاَمِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ جِـئْتُكُمْ وَاللَّهِ مِنْ عِنْدِ الـنَّبـِىِّ -صلى الله عليه وسلم- حَـقـًّا، فَقَالَ «صَلُّوا صَلاَةَ كَذَا فِى حِينِ كَذَا، وَصَلُّوا كَذَا فِى حِينِ كَذَا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآناً»، فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآناً مِنِّى، لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنَ الرُّكْبَانِ، فَقَدَّمُونِى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ وَكَانَتْ عَلَىَّ بُرْدَةٌ، كُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّى، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْحَىِّ: أَلاَ تُغَطُّوا عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ، فَاشْتَرَوْا فَقَطَعُوا لِى قَمِيصاً، فَمَا فَرِحْتُ بِشَىْءٍ فَرَحِى بِذَلِكَ الْقَمِيصِ.
وروى أيضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِى مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ، وفي تأمير رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد ذي السبعة عشر ربيعاً على جيش يغزو الروم في بلاد الشام، مع وجود كبار الصحابة كأبي بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين، وبعثه معاذ بن جبل رضي الله عنه أميراً على اليمن وهو في التاسعة عشرة من العمر أكبر دلالة على هذا الجانب.
- ومن الأمثلة على ذلك: لـو كـنت تعطي ولدك كل يومٍ عشر ريالات، فأعطه 100 ريال، وقل له هذا هو مصروفك لمدة أسبوع.. انفق منه كل يوم بحسب ما تحتاج، وحاول أن تقتصد لكي تتجمع عندك بعض الريالات، وفي نهاية الأسبوع إذا وفرت 30 ريال مثلاً، سأزيدك 30 ريال أخرى على حسن إدارتك للمال وسأخرج بك إلى السوق لكي تشتري بها ما تريد من حاجاتك..
وهنا علمته العديد من الأمور: 1-حسن إدارة المال. 2- الاقتصاد مع التوفير. 3- ليس كل شيء يشتهيه يشتريه، وهكذا. - وعلى سبيل المثال أيضًا: أعطه الفلوس، وقل له اشتر هذه الحاجة من الدكان، مع ذكرك له معايير قد يحتاج إليها في شراء هذه السلعة. - وكذلك بالنسبة للأنثى.. الأم توكل إليها ترتيب سفرة الطعام أو أواني المطبخ، ومع التوجيه عند الخطأ والتشجيع عند الإصابة تكبر المسؤوليات ويكبر معها التميز في أدائها والإبداع في عملها.
= وهنا تنجو من أخطاء وسوءات التسلط في تربية الأبناء خوفًا عليهم أو احتقارًا لهم: كقتل الإبداع فيهم، وعدم قدرتهم على الحوار وإبداء الرأي، وعدم قدرتهم على تحمل المسئولية، والانطوائية، وفي المقابل مع ترك التسلط والاحتقار للمتربي ننجو أيضًا من عوامل تربية الطفل العدواني العـنيد. القاعدة السابعة: علّمه أن الحياة حقوق وواجبات: وعليه أن يقـدم العوض على ما يحب: إذا رتبت أغراضك أحبك وأقبلك، وإذا حفظت سورة كذا افتخر بك وأكرمك، وإذا انتهيت من حل واجباتك أسمح لك أن تلعب أو آخذك معي، وهكذا.
- ومن أمثلتنا الخاطئة في ذلك: أن نعلّمه أن البكاء سبب للوصول لحاجاته، فكلما بكى الرضيع ألقمته أمه الثدي؛ فيتربى الطفل أنه كلما بكى قضيت له حاجته، فيكبر على هذه العادة التي ربيناه عليها، وانظروا إلى أبنائنا اليوم كل من يريد حاجةً من أبيه، ماذا يفعل؟.. يبكي، ليست عندهم أي وسيلة للإقناع إلا البكاء الذي ربيناهم عليه.
= وبإغفال هذا الجانب تولدت العديد من الأخطاء: من مضار التدليل الزائد: كالاعتماد على الغير، والأنانية، والغرور، وغلبة الجانب المادي الذي يتربى عليه الأبناء اليوم: أسلوب هات، أريد، فإذا أخذ ما يطلب، فسرعان ما يمل ويطلب مرة أخرى.. وهكذا، لا يقتنع ولا يشبع.
القاعدة الثامنة: فرّغ لهم وقتـًا محـددًا للجلوس معهم وتربيـتهم: كل ما سبق وما يأتي لا يكون ذا جدوى إن لم نجد الوقت الكافي لتطبيقه، إن مسئولية التربية أمر خطير وكبير، وأكثرنا أو كلنا يعلم هذا، لكنا مع ذلك لا نولي هذا الأمر من جدولنا اليومي بل والأسبوعي والشهري شيئًا يُذكر، والله تعالى يقول: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}، والنبي -رضي الله عنه- يقول: "وإن لأهلك عليك حقًا"، رواه البخاري.
ومن المفيد في ذلك: اللقاء الأسبوعي الذي يعـدّه الوالدان مع الأبناء، الأب معه بعض الأبناء الصغار، والأم معها بعض البنات الصغار، والولدان الكبيران مع بعضهما، ولكلٍ أسبوع، يُعد فيه برنامج للقاء علمي وتربوي، ممتع وشيق، ومن الجميل أيضًا: أن يخصص يومًا في الشهر مثلاً للنزهة البرية مع الأبناء، ويقضى فيها وقتًا طيبًا.
= وبهذا تنجو من مشكلة سيطرة كثير من الأبناء على آبائهم في اختيارهم وطريقة شغل أوقاتهم، وسبب هذه المشكلة في الأساس كما يذكر التربويون هو إحساس الأب بالتقصير في تربية ابنه، لذا يتجه إلى إشباع رغباته سواء كانت نافعة أو ضارة أو لا فائدة منها.
= وحذارِ أخي الكريم: من سُراق الأوقات، فكم سرقت الأعمال الإضافية والعادات الاجتماعية أوقات الأبوين خارج الأسرة، وكم سرقت فتن الشارع أوقات الأبناء عن القعود في بيوتهم، وما بقي من وقت تجتمع له الأسرة سرقه التلفاز بغير رجعـة!! القاعدة التاسعة: لابد من الصـبر والاسـتمرار في تربية الأبناء ومتابعتهم. فكل وقت وجلسة مع أبناءك ينبغي أن تكون تربية لهم، ومتابعتك لهم مستمرة وليست مؤقتة ببعض الأحداث المزعجة، وتدرجك في التربية يحتاج إلى خطط زمنية طويلة المدى، وأنت في ذلك صابر، متمثل الأجر العظيم لك في ذلك، ومتمثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته"، متفق عليه، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يسترعيه الله عز وجل رعية يموت يوم يموت وهو غاش رعيته إلا حرم الله تعالى عليه الجنة"، وفي رواية: "فلم يحطها بنصحه لم يرح رائحة الجنة"، رواه البخاري ومسلم.
= والحذر من تقلب المزاج أثناء تربية الطفل، أو اختلاف الاجتهادات في تربيته، أو الملل السريع من بطء تعلمه أو كثرة أخطائه ومخالفاته، فأنت تربي، وهم أبناءك، وهذا واجبك..
واعلم أن التربية الحقـة ليست ردود أفعال، أو تأثيرات مؤقتة لما نسمعه أو نراه أو نقرأه، بل جهد متواصل إلى الممات، يقول الله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }.
القاعدة العاشرة: اعرف خصائص المرحلة التي يمر بها ابنك: الأبناء في نموهم يمرون بمراحل مختلفة، تتطلب منا تنبهًا لها أثناء تربيتنا لهم، فكما أن الفهم يختلف بحسب عمر الابن؛ فكذلك فإن نفسية الولد، واستعداداته العاطفية والعقلية تختلف أيضًا، فتعامله بما يناسب مرحلته: تعامله بالمحبة، تعامله بالثقة، تعامله بالخوف عليه، تعامله بالحوار، تعامله بالمشاورة.
وسأحاول تلخيص هذه المراحل في الآتي: 1. أول مرحلة يمر بها الولد فيما يذكره علماء النفس هي: مرحلة الاعتماد على الغير: وتبدأ من سن الولادة؛ فيكون الولد معتمدًا فيها على أمه أو أبيه، وهذه المرحلة من الطفولة هي مرحلة زرع المحبة في الابن لوالديه؛ ولذا تجد الطفل يحب أمه أكثر من حبه لأبيه؛ لأنها استولت عليه بصورة أكبر في هذه المرحلة؛ وفي المقابل تجد الطفل يبغض أمه ولا يحبها كغيرها إذا لم تشارك في تربيته في هذا السن.
وأهم معلَمين تربويين في هذه المرحلة: 1) القرب من الطفل، وفي ذلك يقول الله: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}، ومن فوائد هذا الأمر الإلهي ما يتعلق بجانب التربية في هذه المرحلة، والله أعلم، وإليك هذا المثال: يذكر أطباء الأطفال كثيرًا خطأ الأم التي ترضع ولدها بمجرد أن يبكي؛ فتدخل عليه طعامًا فوق الطعام الأول الذي لم يهضم، مع أن الفترة المناسبة لكل رضعة مشبعة ما بين الساعتين والنصف إلى الثلاث ساعات، وهنا قد نتساءل: كيف نسكت الطفل في هذه المدة؟ والجواب -أخي الفاضل- أنه بمجرد قربك من ولدك أو تربيتك على صدره أو وملاعبته يبدأ يضحك ويبتسم، إن لم يكن يبكي لعلة!! وهو يريد منك هذا في هذه المرحلة.
2) إشعار الطفل بالحنان والمحبة؛ حتى يقابلنا كذلك بنفس الشعور، وفي ذلك يقول الله: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين)، ويقول: {وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى}، فبين الله أحكام المرضع ومن يخلفها في الإرضاع، ولم يذكر اللبن البديل عن الإرضاع، لماذا؟ لأنه مع كل رضعة: يلقم الطفل الثدي، ويُضم للصدر، وقد يحمل ويقبل.
2. المرحلة الثانية: مرحلة المحاكاة والتقليد: وتبدأ طليعتها من سن الثالثة تقريبًا، ويبدأ الطفل بالتقليد والتشبه بمن يحب.
وأهم معلَمين تربويين في هذه المرحلة: 1) التربية بالقـدوة؛ فيعتني الوالدان بترسيخ المبادئ التربوية من خلال الإيماء للطفل أن يفعل مثل فعلهم ويقتدي بهم. 2) تشجيع الأفعال الحسنة منه، والحذر من الضحك من فعله واحتقاره.
= ومن الأخطاء في ذلك: أن نضحك مثلاً من أخطاء الطفل اللغوية، فتكبر معه الأخطاء، أو ينعدم عنده حب تقليد الآخرين في منطقهم.
3. المرحلة الثالثة: مرحلة الاعتماد على النفس: وتبدأ بست سنوات، وفيها يبدأ الطفل بمحاولة الاستقلال بنفسه في أكله وذهابه لقضاء الحاجة وشغل وقته..
وأهم معلَمين تربويين في هذه المرحلة: 1) تعزيز ثقته بنفسه، وتشجيعه على الإبداع والتفكير، وإكمال أعماله بمفرده، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن ابني هذا سيد؛ ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين". 2) التدرج مهم في هذه المرحلة؛ لأن الطفل يحب أن يفعل بنفسه كل شيء، وعلينا أن نتدرج معه بشكل مناسب.
= ومن الأخطاء في هذه المرحلة: السيطرة الزائدة على الطفل، وقتل التفكير والإبداع عنده في كل شيء، حتى إذا أراد أن يلعب بألعابه، هناك من يأمره وينهاه.
4. مرحلة الاعـتداد بالنفس: وهي تبدأ من بداية سن المراهقـة من حوالي سن الحادية عشرة إلى الثانية عشرة، وفيها تظهر اضطرابات كثيرة عند الولد نتيجة مروره بسيل من التغيرات العقلية والعاطفية.
وأهم معلَمين تربويين في هذه المرحلة: 1) استخدام أسلوب الموجه غير المباشر؛ لأن المتربي في هذه المرحلة غالبًا يريد أن يخرج عن التوجيه المباشر لوالديه، ويزعم أنه يستقل بشخصيته، وفي حقيقة الأمر أن هناك من يوجهه من حوله وهو لا يشعر، فيتأكد على المربي أن يوجد ويتابع بنفسه هذا الموجه غير المباشر لابنه، ونقصد بالموجه غير المباشر الوسط الذي يعيشه الابن؛ كمدرسته، وحلقته في المسجد، وأصحابه في الشارع، فيختار الأب ويتابع المحضن التربوي الجيد لابنه، يختار له حلقة للتحفيظ ممتازة، ثم مدرسة فيها مدرسون مبدعون، ثم مجلة هادفة، دورة صيفية على مستواه، ومشايخ يعتاد مجالسهم ومحاضراتهم، وهكذا..
2) مدّ وتعزيز جسور الثـقة بين الابن وأبيه؛ فالابن في هذه المرحلة تكثر مشاكله، وعلى الأب أن يحرص أن يكون قريبًا منه ويصاحبه في هذه السن، حتى يضمن أن يلجأ ابنه إليه لا إلى غيره في حل مشاكله.
= ومن الأخطاء الفظيعة في هذا الجانب: القسوة على المراهق؛ فلا يعامله أبوه كمريض بحاجة إلى العطف والشفقة والتوجيه والدعاء المستمر، بل بالعكس بالغلظة والسب والتعيير، بل قد يصل إلى الطرد من البيت؛ ليصبح لقمة سائغة لأهل الفساد.
5. مرحلة المشاركة للغير: وفيها يظهر الاتزان العقلي والعاطفي عند المتربي، وتبدأ بعد انتهاء سن المراهقة من سن العشرين أو الواحد والعشرين؛ فيبدأ الابن بمشاركة غيره في أعمالهم بحسب ما تربى عليه في المرحلة السابقة، من تربى على الخير شارك أهله، ولو ابتعد عن أهله وأصدقائه الأوائل، ومن تربى على الشر شارك أهله فيه في الغالب.
= ومن الأخطاء التي تُظهر: غفلتنا عن هذه القاعدة في فهم نفسية أولادنا الذين نربيهم، أن علماء النفس قد اتفقوا أن كثرة حركة الطفل لها علاقة مباشرة بقوة عقله، مع أن أكثرنا يراها مشاغبة وفوضى!!. |
|