أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: لِـمَ لا نحْـتـفـلُ بليـلةِ الإسـراءِ والمِعْـراجِ؟ الثلاثاء 21 يونيو 2011, 6:05 am | |
| لِـمَ لا نحْـتـفـلُ بليـلةِ الإسـراءِ والمِعْـراجِ؟ "ولا احتفال بما تضمنته التذكرة الحمدونية أنه في رجب، وبإحيــاء المصريين ليلة السابع والعشرين منه لذلك، فإن ذلـك بـدعــةٌ مـنـضـمـة إلى جـهـلٍ" تقي الدين السبكي
بقلم: المتأمل الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد... إن حادثة الإسراء والمعراج هي من أسمى آيات الله العظيمة الدالة على صدق عبده محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلّو منزلته عند ربه جل وعلا، وفيه دلالة على قدرة الله الباهرة، وعلى علوه سبحانه على جميع خلقه، قال الله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) [الإسراء: 1].
وقد وقع لنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في تلك الليلة من الأمور الجليلة والمعجزات العظيمة شيء كثير، مثل شق صدره عليه الصلاة والسلام وغسل جوفه تهيئة للرحلة في الملكوت الأعلى، ثم الإسراء به إلى المسجد الأقصى وهكذا العروج للسماء في زمن محدود، وصلاته بالأنبياء والمرسلين في بيت المقدس، ثم صعوده إلى السماوات العلى ولقائه المرسلين فيها، ثم مجاوزته السماء السابعة إلى موضع لم يبلغه أحد من الخلق، وفرض الصلوات الخمس ورؤيته الجنة، وغير ذلك مما صحّت به الأحاديث، وقد أورد الحافظ ابن كثير -رحمه الله- طائفة طيبةً منها في فاتحة تفسير سورة الإسراء فلتُنظر.
والمتأمل لما جرى في هذه الليلة المباركة يستخلص دروساً عظيمة منها: • التعريف بمنزلة المسجد الأقصى في كيان هذه الأمة، فهو مهاجر الأنبياء ومسرى سيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وفيه دلالة على واجب المسلمين في الحفاظ على هذه الأرض المباركة وحمايتها من مطامع أعداء الإسلام.
• ربط رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم برسالة المرسلين جميعاً، وإيذان بعالمية رسالته وخلود إمامته وإنسانية تعاليمه وصلاحيتها لكل زمان ومكان.
• تنويه جليّ بمنزلة محمد صلى الله عليه وآله وسلم إذ رفعه الله تعالى إليه إلى هذه المنزلة الرفيعة التي لم يصل إليها مخلوق، حتى تجاوز سدرة المنتهى، فوصل في الاكرام غاية المنتهى، كما فيه تنويه إلى منزلة هذه الأمة إذ كل شرف للنبي صلى الله عليه وسلم يفيض عليها منه نصيب أيضاً.
• تسلية الله تعالى لقلوب أولياءه عند المحن، ولهذا جاء الإسراء إثر وفاة أبي طالب وخديجة رضي الله عنها، وإثر ما لقيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الطائف من الأذى البالغ فجاء الإسراء والمعراج ليكون تسلية له عما قاسى، وتعويضاً عما أصابه ليعلمه الله عز وجل أنه إذا كان قد أعرض عنك أهل الأرض فقد أقبل عليك أهل السماء، ولئن كان الناس قد صدّوك فإن الله يرحب بك وإن الأنبياء يقتدون بك.
• فرض الصلوات الخمس في ليلة الإسراء والمعراج دليل على أهمية هذا الركن من بين أركان الإسلام، وقد شرعت في السماء لتكون معراجاً يرقي بالناس كلما تدلت بهم شهوات النفوس وأغراض الدنيا.
إلى غير ذلك من الدروس المستفادة.
إذا كانت ليلة الإسراء والمعراج بهذه المكانة العظيمة، فلِمَ لا نحتفل جميعاً بها؟ نقول إنه ينبغي تفويض مثل هذه التساؤلات إلى أهل العلم والإيمان الذين أمرنا الله تعالى بسؤالهم عند عدم العلم بقوله: (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) [النحل:43].
وعند تفويض السؤال إلى أهل العلم نراهم يتواطئون على بدعية الإحتفال بهذه الليلة وعدم مشروعيته، علماً أن هذا القول لم يُحدثوه من عند أنفسهم إنما ركنوا إلى أصل شرعيّ أصيل عبّر عنه الحافظ الإمام أبو شامة المقدسي -رحمه الله تعالى-.
فقال ما نصّه: (ولا ينبغي تخصيص العبادات بأوقات لم يخصَّها بها الشرع، بل يكون جميع أفعال البر مرسلة في جميع الأزمان ليس لبعضها على بعض فضل إلا ما فضّله الشرع وخصّه بنوع من العبادة، فإن كان ذلك اختص بتلك الفضيلة تلك العبادة دون غيرها كصوم يوم عرفة وعاشوراء والصلاة في جوف الليل والعمرة في رمضان، ومن الأزمان ما جعله الشرع مفضلاً فيه جميع أعمال البر، كعشر ذي الحجة وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، أي: العمل فيها أفضل من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، فمثل ذلك يكون أيُّ عمل من أعمال البر حصل فيها كان له الفضل على نظيره في زمن آخر، فالحاصل أن المكلّف ليس له منصب التخصيص، بل ذلك إلى الشارع، وهذه كانت صفة عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم) ا.هـ "الباعث على إنكار البدع والحوادث" ص77.
ثم ضَمّ أهل العلم إلى هذا الأصل الشرعيّ المتين الأمور التالية: أولاً: الاختلاف الشديد في تعيين ليلة الإسراء والمعراج: يكاد الباحث المُنصف يعجز عن الوقوف على تاريخ واحد صحيح تطمئن إليه النفس ويقرّ به الفؤاد لميقات ليلة الإسراء والمعراج، وذلك لسبب بسيط هو كون هذه الليلة ليست معلومة على الوجه القطعي الجازم، ولا يوجد اتفاق معتبر على تاريخها بين جماهير أهل العلم من المؤرخين وغيرهم، فقد اختلفوا في السنة والشهر فضلاً عن الإختلاف الشديد في اليوم، فالجزم بأنها ليلة السابع والعشرين من شهر رجب مما لا أصل له من الناحية التاريخية، كيف وقد أنكر هذا التاريخ كبار الحفاظ والمؤرخين من أهل العلم..
1. قال الحافظ ابن دحية الكلبي رحمه الله تعالى: (وذكر بعض القُصّاص أن الإسراء كان في رجب، وذلك عند أهل التعديل والجرح عينُ الكذب، قال الإمام أبو إسحاق الحربي: أسري برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الأول وقد ذكرنا ما فيه من الإختلاف والإحتجاج في كتابنا المسمى بالإبتهاج في أحاديث المعراج) ا.هـ "أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعين في رجب" ص 53-54
2. نقل الحافظ أبو شامة رحمه الله تعالى كلام الحافظ ابن دحية في كتابه "الباعث على إنكار البدع والحوادث" ص 116-117 نقل إقرار من غير إنكار.
3. وقال العلامة علي بن إبراهيم بن داود بن العطّار الشافعي رحمه الله تعالى: (ورجب ليس فيه شيء من ذلك -أي الفضائل- سوى ما يشارك غيره من الشهور، وكونه من الحُرُم، وقد ذكر بعضهم أن المعراج والإسراء كان فيه ولـم يثبـت ذلك والله أعلم) ا.هـ "حكم صوم رجب وشعبان" ص 34.
4. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما نقله عنه تلميذه النجيب ابن القيم الجوزية رحمهما الله تعالى في كتابه زاد المعاد (1/57): (ولم يقم دليلٌ معلوم لا على شهرها ولا على عشرها ولا على عينها، بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة ليس فيها ما يقطع به ولا شرع للمسلمين تخصيص الليلة التي يظن أنها ليلة الإسراء بقيام ولا غيره بخلاف ليلة القدر..) ا.هـ
5. نقل الحافظ ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى كلام شيخه ابن تيمية نقل إقرار من غير إنكار.
6. وقال الحافظ المؤرخ ابن كثير الدمشقي رحمه الله تعالى في كتابه البدابة والنهاية (3 / 136 - 137) وهو يحكي الخلاف في التاريخ: (وقد أورد -أي عبدالغني المقدسي- حديثاً لا يـصـحّ سـنـــده ذكرناه في فضائل شهر رجب أن الإسراء كان ليلة السابع والعشرين من رجب والله أعلم.. ومن الناس من يزعم أن الإسراء كان أول ليلة جمعة من شهر رجب, وهي ليلة الرغائب التي أُحدثت فيها الصلاة المشهورة, ولا أصل لذلك والله أعلم) ا.هـ
7. وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى: (وقد رُوي أنه كان في شهر رجب حوادث عظيمة ولـم يصحّ شيء من ذلك، فرُوي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولد في أول ليلة منه وأنه بعث في السابع والعشرين منه وقيل في الخامس والعشرين ولا يصحّ شيء من ذلك، وروي بإسناد لا يصح عن القاسم بن محمد أن الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم كان في سابع وعشرين من رجب وأنكر ذلك إبراهيم الحربي وغيره، ورُوي عن قيس بن عباد قال: في اليوم العاشر من رجب..) ا.هـ "لطائف المعارف" ص 177.
وقال فيه أيضاً ص 140: (وأمَّا الإسراء فقيل كان في رجب وضعّفه غير واحد، وقيل: كان في ربيع الأول وهو قول إبراهيم الحربي وغيره) ا.هـ
8. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى في فتح الباري (7/203): (وقد اختلف في وقت المعراج فقيل كان قبل المبعث، وهو شاذ إلا إن حمل على أنه وقع حينئذ في المنام كما تقدم، وذهب الأكثر إلى أنه كان بعد المبعث.. ثم اختلفوا فقيل قبل الهجرة بسنة، قاله ابن سعد وغيره وبه جزم النووي، وبالغ ابن حزم فنقل الإجماع فيه، وهو مردود فإن في ذلك اختلافاً كثيراً يزيد على عشرة أقوال منها ما حكاه ابن الجوزي أنه كان قبلها بثمانية أشهر -فيكون في رجب-، وقيل بستة أشهر -فيكون في رمضان- وحكي هذا الثاني أبو الربيع بن سالم، وحكي ابن حزم مقتضى الذي قبله، لأنه قال: كان في رجب سنة اثنتي عشرة من النبوة، وقيل: بأحد عشر شهراً، جزم به إبراهيم الحربي حيث قال: كان في ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة، ورجحه ابن المنير في شرح السيرة لابن عبد البر وقيل: قبل الهجرة بسنة وشهرين، حكاه ابن عبد البر.
وقيل: بسنة وثلاثة أشهر حكاه ابن فارس.
وقيل: بسنة وخمسة أشهر قاله السدي، وأخرجه من طريقة الطبري والبيهقي، فعلى هذا كان في شوال،أو في رمضان على إلغاء الكسرين منه ومن ربيع الأول، وبه جزم الواقدي، وعلى ظاهره ينطبق ما ذكره ابن قتيبة.
وحكاه ابن عبد البر أنه كان قبلها بثمانية عشر شهراً.
وعند ابن سعد عن ابن أبي سبرة أنه كان في رمضان، قبل الهجرة بثمانية عشر شهراً.
وقيل كان في رجب حكاه ابن عبد البر، وجزم به النووي في الروضة.
وقيل قبل الهجرة بثلاث سنين حكاه ابن الأثير.
وحكي عياض وتبعه القرطبي والنووي عن الزهري أنه كان قبل الهجرة بخمس سنين، ورجحه عياض ومن تبعه) ا.هـ
وهذا ما يؤكد كلام ابن تيمية، وقد نقل الحافظ ابن حجر كلام ابن دحية السالف الذكر نقل إقرار من غير إنكار في جزئه "كتاب تبيين العجب فيما ورد في فضل رجب" ص 6.
9. وقال العلامة الألباني رحمه الله تعالى في تخريجه لكتاب "أداء ما وجب" ص 53 معلقاً على كلام الحافظ ابن دحية السابق: (نقل هذا عن المصنفِ الحافظُ ابن حجر في رسالته السابقة وأقرّه، بل الواجب تبيين هذا للناس بكل وسيلة ممكنة وفي كل مناسبة والله المستعان) ا.هـ
وقال أيضاً ص 54: (وقد ذكر الأقوال المشار إليها السيوطي في الآية الكبرى في شرح قصة الإسراء ص 34، والعلامة الآلوسي في تفسيره روح المعاني (4/469) فبلغت خمسة أقوال! وليس فيها قول مسند إلى خبر صحابي يطمئن له البال، ولذلك تناقض فيها أقوال العالم الواحد!
فهذا هو النووي رحمه الله تعالى، له في ذلك ثلاثة أقوال حكوها عنه، أحدها مثل قول الحربي الذي في الكتاب، وقد جزم به النووي في الفتاوى له ص 15! وفي ذلك ما يُشعر اللبيب أن السلف ما كانوا يحتفلون بهذه الليلة، ولا كانوا يتخذونها عيداً، لا في رجب ولا في غيره، ولو أنهم احتفلوا بها، كما يفعل الخلف اليوم، لتواتر ذلك عنهم، ولتعيّنت الليلة عند الخلف، ولم يختلفوا هذا الإختلاف العجيب!) ا.هـ
10. وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى: (وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج، لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها لا في رجب ولا غيره، وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بالحديث، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها..) ا.هـ "التحذير من البدع" ص9
11. وقال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: (ثم إننا نقول أيضاً إن ليلة المعراج لم يثبت من حيث التاريخ في أي ليلة هي بل إن أقرب الأقوال في ذلك على ما في هذا من النظر أنها في ربيع الأول وليست في رجب كما هو مشهور عند الناس اليوم، فإذن لم تصح ليلة المعراج التي يزعمها الناس أنها ليلة المعراج وهي ليلة السابع والعشرين من شهر رجب لم تصح تاريخياً كما أنها لم تصح شرعاً والمؤمن ينبغي أن يبني أموره على الحقائق دون الأوهام..) ا.هـ "فتاوى نور على الدرب"
12. وقال الشيخ محمد الشقيري رحمه الله تعالى: (الإسراء لم يقم دليل على ليلته ولا على شهره) ا.هـ "السنن والمبتدعات المتعلقة بالأذكار والصلوات" ص143.
13. وقال الشيخ القرضاوي: "ذكر أحد أئمة الحديث وهو أبو الخطاب عمر بن دحية من أئمة القرن السابع، وله كتاب اسمه "أداء ما وجب في بيان وضع الوضَّاعين في شهر رجب"، وفي هذا كتب يقول: إن بعض القُصَّاص ذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم أُسري به في رجب، قال: وهذا هو عين الكذب، أقرّ هذا الكلام خاتمة الحفاظ الحافظ بن حجر العسقلاني شارح البخاري المعروف، وأنا أعرف أن موضوع ليلة السابع والعشرين من رجب لم يأت فيها حديث صحيح، ولا قول صحيح لأحد الصحابة إنما هو قول اشتهر، وقال به بعض الأئمة ونُسب إلى الإمام النووي، اختاره الإمام النووي في فتاواه -لعله يعني الروضة-، والإمام النووي رجل كان مقبولاً عند الأمة، فاشتهر قوله هذا، على حين أن هناك مثلاً الإمام أبا إسحاق الحربي نجده يقول إن الإسراء والمعراج ليس في ليلة السابع والعشرين من رجب بل في ليلة السابع والعشرين من ربيع الأول.
وأنا أعلم أنه لم يثبت شيء في هذا، وأن هذا قول اشتهر وأصبح معروفاً عند المسلمين منذ قرون أنهم يذكرون الإسراء والمعراج في هذه الليلة.."، "من موقع إسلام أون لاين".
ثانياً: لو كان خيراً لسبقونا إليه: حتى لو ثبت تعيين ليلة الإسراء والمعراج لما شرع لأحد تخصيصها بشيء، لأنه لو كان هناك خير في تخصيصها بإحتفال لكان أولى الناس بالإحتفال هو نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، هذا إذا كان التعظيم من أجل الإسراء والمعراج.
وإن كان من أجل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وإحياء ذكره كما يفعل في مولده صلى الله عليه وآله وسلم، فأولى الناس به أبو بكر رضي الله عنه ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم ثم من بعدهم من الصحابة على قدر منازلهم عند الله ثم التابعون ومن بعدهم من أئمة الدين، ولم يعرف عن أحد منهم شيء من ذلك فيســعنا ما وسـعهـم.
كيف لا وسلفنا الصالح رضوان الله عليهم هم أحرص الناس على الخير وأكثرهم تسابقاً فيه بشهادة النصوص الشرعية والوقائع التاريخية، ولم يُنقل عنهم أنهم احتفلوا بليلة الإسراء والمعراج، ولو ثبت أنهم احتفلوا بها لنقلوه إلينا نقلاً يُعتدّ به، حيث أنهم نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم كـلّ شيء تحتاجه الأمة ولم يفرّطوا في شيء من الدين، فكل خير في اتباع من سلف.
ثالثا ً: حال المحتفليـن بها: نرى أن المحتفلين بهذه الليلة متفاوتون في نوعية الاحتفال، فبعضهم يجتمع في المساجد ويدعوا إليها ويوقد الشموع والمصابيح فيها وعلى المنارات مع الإسراف والتبذير في ذلك، فيقيم الذكر والقراءة وتلاوة قصة المعراج، وبعضهم يذكَر الاحتفالَ بليلة الإسراء والمعراج ضمنَ المواسم الشرعية وليس منها، ويورد القصص والأحاديث الضعيفة والواهية، والبعض الآخر يسرد المقالات والأشعار المحتوية على غلوّ ومبالغات ما أنزل الله بها من سلطان كما أن البعض يجمع بين ذلك كله مصداقاً لقول الله تعالى: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) [النساء: 82].
ومن العجائب والغرائب أن منهم من ينشط ويجتهد في حضور هذه المحافل البدعية، ويدافع عنها ويذب بكل ما أوتي من قوة، يينما تراه يتخلف عمّا أوجب الله عليه من حضور الجمع والجماعات، ولا يرفع بذلك رأساً، ولا يرى أنه أتى منكراَ عظيماَ، فالله المستعان.
رابعا ً: التشبه باليهود والنصارى إن في الإحتفال بليلة الإسراء والمعراج وغيرها تشبّه ظاهر جليّ باليهود والنصارى في تعظيم أيام لـم يـعـظّمــها الشـرع بالإحتفال وإقامة المراسيم، وقد أُمرنا بمخالفة سبيلهم ونُهينا عن اتباع سَننهم.
خامساً: نصوص أهل العلم في بدعية الإحتفال بهذه الليلة: قد نصّ جماعة من أهل العلم على بدعية الإحتفال بهذه الليلة: 1.قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى حينما سُئل عن رجل قال: ليلة الإسراء أفضل من ليلة القدر، وقال آخر: بل ليلة القدر أفضل فأيهما المصيب؟ (الحمد لله، أمَّا القائل بأن ليلة الإسراء أفضل من ليلة القدر، فإن أراد أن تكون الليلة التي أسري فيها بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ونظائرها من كل عام، أفضل لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم من ليلة القدر، بحيث يكون قيامها، والدعاء فيها أفضل منه في ليلة القدر فهذا باطل، لم يقله أحد من المسلمين، وهو معلوم الفساد بالاطراد من دين الإسلام، هذا إذا كانت ليلة الإسراء تعرف عينها، فكيف ولم يقم دليل معلوم لا على شهرها، ولا على عشرها، ولا على عينها، بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة، ليس فيها ما يقطع به، ولا شرع للمسلمين تخصيص الليلة التي يظن أنها ليلة الإسراء بقيام ولا غيره، بخلاف ليلة القدر فإنه قد ثبت في الصحيحين عن النبي أنه قال: (تحرُّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان)، وفي الصحيحين عنه أنه قال: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) وقد أخبر سبحانه أنها خير من ألف شهر وأنه أنزل فيها القرآن.
وإن أراد أن الليلة المعينة التي أسري فيها بالنبي وحصل له فيها ما لم يحصل له فيها ما لم يحصل له في غيرها من غير أن يُشرع تخصيصها بقيام ولا عبادة فهذا صحيح، وليس إذا أعطى الله نبيه فضيلة في مكان أو زمان يجب أن يكون ذلك الزمان والمكان أفضل من جميع الأمكنة والأزمنة، هذا إذا قدر أنه قام دليل على أن إنعام الله تعالى على نبيه ليلة الإسراء كان أعظم من إنعامه عليه بإنزال القرآن ليلة القدر وغير ذلك من النعم التي أنعم عليه بها.
والكلام في مثل هذا يحتاج إلى علم بحقائق الأمور ومقادير النعم التي لا تعرف إلا بوحي، ولا يجوز لأحد أن يتكلم فيها بلا علم، ولا يُعرف عن أحد من المسلمين أنه جعل لليلة الإسراء فضيلة على غيرها لا سيما على ليلة القدر ولا كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يقصدون تخصيص ليلة الإسراء بأمر من الأمور ولا يذكرونها، ولهذا لا يعرف أي ليلة كانت، وإن كان الإسراء من أعظم فضائله، ومع هذا فلم يشرع تخصيص ذلك الزمان ولا ذلك المكان بعبادة شرعية، بل غار حراء الذي ابتدىء فيه بنزول الوحي وكان يتحراه قبل النبوة لم يقصده هو ولا أحد من أصحابه بعد النبوة مدة مقامه بمكة ولا خص اليوم الذي أنزل فيه الوحي بعبادة ولا غيرها ولا خص المكان الذي ابتدىء فيه بالوحي ولا الزمان بشيء، ومن خص الأمكنة والأزمنة من عنده بعبادات لأجل هذا وأمثاله كان من جنس أهل الكتاب الذين جعلوا زمان أحوال المسيح مواسم وعبادات كيوم الميلاد ويوم التعميد وغير ذلك من أحواله، وقد رأى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه جماعة يتبادرون مكاناً يصلون فيه فقال ما هذا قالوا مكان صلى فيه رسول الله فقال أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد إنما هلك من كان قبلكم بهذا فمن أدركته فيه الصلاة فليصل وإلا فليمض..) ا.هـ. "زاد المعاد" لابن القيم (1/57-59).
وقال أيضاً: (وأمَّا إتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التى يقال إنها ليلة المولد أو بعض ليالي رجب أو ثامن عشر ذي الحجة أو أول جمعة من رجب أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها والله سبحانه وتعالى أعلم ) ا.هـ "مجموع الفتاوى" (25/298).
2. نقل الحافظ ابن القيم الجوزية رحمه الله كلام شيخه ابن تيمية نقل إقرار من غير إنكار
3.وقال الشيخ ابن الحاج المالكي رحمه الله تعالى: " ومن البدع التي أحدثوها فيه أعني في شهر رجب ليلة السابع والعشرين منه التي هي ليلة المعراج....."، "المدخل" (1/294).
ثم ذكر كثيراً من البدع التي أحدثوها في تلك الليلة من الاجتماع في المساجد، والاختلاط بين النساء والرجال، وزيادة وقود القناديل فيه، والخلط بين قراءة القرآن وقراءة الأشعار بألحان مختلفة، وذكر الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج ضمن المواسم التي نسبوها إلى الشرع وليست منه.
4.وقال الشيخ العلامة تقي الدين السبكي رحمه الله تعالى: (وقد تضمَّن الإسراء أنواعاً من الكرامات، والإسراء والمعراج كانا في ليلة واحدة، واختلف في تاريخه مع الإجماع على أنه كان في مكة، والذي كان يختاره شيخنا أبو محمد الدمياطي: أنه قبل الهجرة بسنة: وهو في ربيع الأول، ولا احتـفـالَ بما تضمنته التذكرة الحمدونية أنه في رجب، وبإحياء المصريين ليلة السابع والعشرين منه لذلك، فإنّ ذلك بـدْعـةٌ منضمّةٌ إلى جـهـلٍ) ا.هـ "السيف المسلول على من سب الرسول" ص 400.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 06 مارس 2022, 9:13 am عدل 1 مرات |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: رد: لِـمَ لا نحْـتـفـلُ بليـلةِ الإسـراءِ والمِعْـراجِ؟ الثلاثاء 21 يونيو 2011, 6:17 am | |
| 5. وقال الفقيه العلامة ابن النحاس رحمه الله تعالى: (ومنها -أي البدع المُحرَّمة- ما أحدثوه ليلة السابع والعشرين من رجب وهي "ليلة المعراج " الذي شرف الله به هذه الأمة، فابتدعوا في هذه الليلة وفي ليلة النصف من شعبان وهي الليلة الشريفة العظيمة كثرة وقود القناديل في المسجد الأقصى وفي غيره من الجوامع والمساجد، واجتماع النساء مع الرجال والصغار اجتماعاً يؤدي إلى الفساد وتنجيس المسجد وكثرة اللعب فيه واللغط، ودخول النساء إلى الجوامع متزينات متعطرات، ويبق في المسجد بأولادهن فربما سبق الصغير الحدث، ربما اضطرت المرأة والصبي إلى قضاء الحاجة، فإن خرجا من المسجد لم يجدا إلا طريق المسلمين في أبواب المساجد، وإن لم يخرجا حرصا على مكانهما أو حياء من الناس ربما فعلا ذلك في إناء أو ثوب أو في زاوية من زوايا المسجد، وكل ذلك حرام، مع أن الداخل في الغلس لصلاة الصبح قل أن يسلم من تلويث ذيله أو نعله بما فعلوه في باب المسجد، ويدخل بنعله وما فيه من النجاسة إلى المسجد وهو لا يشعر. إلى غير ذلك من المفاسد المشاهدة المعلومة. وكل ذلك بدعة عظيمة في الدين ومحدثات أحدثها إخوان الشياطين، مع ما في ذلك من الإسراف في الوقيد والتبذير وإضاعة المال) ا.هـ وقال أيضاً: (واعتقاد أن ذلك قربة من أعظم البدع وأقبح السيئات؛ بل لو كان في نفسه قربة وأدى إلى هذه المفاسد لكان إثماً عظيماً. فينبغي للعاجز عن إنكار هذه المنكرات ألا يحضر الجامع وأن يصلي في بيته تلك الليلة إن لم يجد مسجداً سالماً من هذه البدع لأن الصلاة في الجامع مندوب إليها وتكثير سواد أهل البدع منهي عنه وفعل الواجب متعين. هذا إن لم يكن مشهوراً بين الناس، فإن كان مشهوراً بينهم بعلم أو زهد وجب عليه أن يحضر الجامع ولا يشاهد هذه المنكرات؛ لأن في حضوره مع عدم الإنكار إيهاماً للعامة بأن هذه الأفعال مباحة أو مندوب إليها وإذا فقد من المسجد وتأخر عن عادته في الصلاة جماعة وأنكر ذلك بقلبه لعجزه لربما يسلم من الإثم، ولا يغتر به غيره، ويستشعر الناس من عدم حضوره أن هذه الأفعال غير مرضية؛ لأن حضور من يقتدي به في هذه الليلة هو الشبهة العظمى. فظن الجهال والعوام أن ذلك مستحسن شرعاً، ولو اتفق العلماء والصلحاء على إنكار ذلك لزال بل لو عجزوا عن الانكار وتركوا الصلاة في الجامع المذكور لظهر للناس أن ذلك بدعة لا يسوغها الشرع ولا يرضاها أهل الدين، وربما امتنع الناس عن ذلك أوبعضهم فحصل لهم الثواب بفعل ما يقدرون عليه من الانكار بالقلب والامتناع عن الحضور إن كانوا عاجزين عن التبيين. وإن كانوا قادرين فيسقط عنهم بعض الإثم ويخفف عنهم الوزر) ا.هـ "تنبيه الغافلين" ص 379-380. 6.وقال فضيلة الشيخ على محفوظ الأزهري رحمه الله تعالى تحت عنوان "المواسم التي نسبوها إلى الشرع وليست منه": (ومنها: "ليلة المعراج" التي شرَّف اللهُ تعالى هذه الأمة بما شرع لهم فيها.. وقد تفنن أهل هذا الزمان بما يأتونه في هذه الليلة من المنكرات، وأحدثوا فيها من أنواع البدع ضروباً كثيرة: كالاجتماع في المساجد وايقاد الشموع والمصابيح فيها وعلى المنارات مع الإسراف في ذلك واجتماعهم للذكر والقراءة وتلاوة قصة المعراج، وكان ذلك حسناً لو كان ذكراً وقراءة وتعليم علم، لكنهم يلعبون في دين الله فالذاكر على ما عرفت، والقارئ على ما سمعت فيزيد فيه ما ليس منه وينقص منه ما هو فيه. وما أحسن سير السلف فإنهم كانوا شديدي المداومة على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا يخرجون عن الثابت قيد شعرة ويعتقدون الخروج عنه ضلالة لا سيما عصر الصحابة ومن بعدهم من أهل القرون الثلاثة المشهود لهم بالخير رضي الله عنهم أجمعين) ا.هـ "الإبداع في مضار الإبتداع" ص 272-273. 7.وقال الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى في رده على دعوة وجهت لرابطة العالم الإسلام لحضور أحد الاحتفالات بذكري الإسراء والمعراج، بعد أن سئل عن ذلك: (هذا ليس بمشروع، لدلالة الكتاب والسنة والاستصحاب والعقل: أمَّا الكتاب: فقد قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً}.قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}، والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول هو الرجوع إليه في حياته، وإلى سنته بعد موته. قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} قال تعالى: {لْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. وأمَّا السُّنَّة: فالأول: ما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة- رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)). وفي رواية لمسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)). الثاني: روى الترمذي وصححه، وابن ماجه وابن حبان في صحيحه عن العرباض بن سارية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)). الثالث: روى الإمام أحمد والبزار عن غضيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السُّنَّة)) إلا أنه قال: ((ما من أمة ابتدعت بعد نبيها بدعة إلا أضاعت مثلها من السنة)). الرابع: روى ابن ماجه وابن أبي عاصم عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أبي الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته)). ورواه الطبراني إلا أنه قال: ((إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته)). وأمَّا الاستصحاب: فهو هنا استصحاب العدم الأصلي. وتقرير ذلك أن العبادات توقيفية، فلا يقال: هذه العبادة مشروعة إلا بدليل من الكتاب والسنة والإجماع، ولا يقال: إن هذا جائز من باب المصلحة المرسلة، أو الاستحسان، أو القياس، أو الاجتهاد، لأن باب العقائد والعبادات والمقدرات كالمواريث والحدود لا مجال لذلك فيها. وأمَّا المعقول: فتقريره أن يقال: لو كان هذا مشروعاً لكان أولى الناس بفعله محمد صلى الله عليه وسلم. هذا إذا كان التعظيم من أجل الإسراء والمعراج، وإن كان من أجل الرسول الله صلى الله عليه وسلم وإحياء ذكره كما يفعل في مولده صلى الله عليه وسلم فأولى الناس به أبو بكر - رضي الله عنه- ثم عمر ثم عثمان ثم علي -رضي الله عنهم- ثم من بعدهم الصحابة على قدر منازلهم عند الله، ثم التابعون ومن بعدهم من أئمة الدين، ولم يعرف عن أحد منهم شيء من ذلك فيسعنا ما وسعهم. ونسوق لك بعض كلام العلماء في ذلك، فمن ذلك ما قاله ابن النحاس في كتابه "تنبيه الغافلين": ومنها -أي البدع المحرمة- ما أحدثوه ليلة السابع والعشرين من رجب وهي "ليلة المعراج" الذي شرف الله به هذه الأمة، فابتدعوا في هذه الليلة وفي ليلة النصف من شعبان وهي الليلة الشريفة العظيمة كثرة وقود القناديل في المسجد الأقصى وفي غيره من الجوامع والمساجد، واجتماع النساء مع الرجال والصغار اجتماعاً يؤدي إلى الفساد وتنجيس المسجد وكثرة اللعب فيه واللغط، ودخول النساء إلى الجوامع متزينات متعطرات، ويبتن في المسجد بأولادهن فربما سبق الصغير الحدث، ربما اضطرت المرأة والصبي إلى قضاء الحاجة، فإن خرجا من المسجد لم يجدا إلا طريق المسلمين في أبواب المساجد وإن لم يخرجا حرصا على مكانهما أو حياء من الناس ربما فعلا ذلك في إناء أو ثوب أو في زاوية من زوايا المسجد وكل ذلك حرام، مع أن الداخل في الغلس لصلاة الصبح قل أن يسلم من تلويث ذيله أو نعله بما فعلوه في باب المسجد، ويدخل بنعله وما فيه من النجاسة إلى المسجد فينجسه وهو لا يشعر، إلى غير ذلك من المفاسد المشاهدة المعلومة. وكل ذلك بدعة عظيمة في الدين ومحدثات أحدثها إخوان الشياطين، مع ما في ذلك من الإسراف في الوقيد والتبذير وإضاعة المال. وقال أيضاً: واعتقاد أن ذلك قربة من أعظم البدع، وأقبح السيئات، بل لو كان في نفسه قربة وأدى إلى هذه المفاسد لكان إثماً عظيماً. فينبغي للعاجز عن إنكار هذه المنكرات أن لا يحضر الجامع وأن يصلي في بيته تلك الليلة إن لم يجد مسجداً سالماً من هذه البدع، لأن الصلاة في الجامع مندوب إليها وتكثير سواد أهل البدع منهي عنه، وترك المنهي عنه واجب وفعل الواجب متعين. هذا إن لم يكن مشهوراً بين الناس، فإن كان مشهوراً بينهم بعلم أو زهد وجب عليه أن لا يحضر الجامع ولا يشاهد هذه المنكرات، لأن في حضوره مع عدم الإنكار إيهاماً للعامة بأن هذه الأفعال مباحة أو مندوب إليها وإذا فقد من المسجد وتأخر عن عادته في الصلاة جماعة وأنكر ذلك بقلبه لعجزه ربما يسلم من الإثم، ولا يغتر به غيره، ويستشعر الناس من عدم حضوره أن هذه الأفعال غير مرضية، لأن حضور من يقتدى به في هذه الليلة هو الشبهة العظمى. فظن الجهال، والعوام أن ذلك مستحسن شرعاً، ولو اتفق العلماء والصلحاء على إنكار ذلك لزال بل لو عجزوا عن الانكار وتركوا الصلاة في الجامع المذكور لظهر للناس أن ذلك بدعة لا يسوغها الشرع ولا يرضاها أهل الدين، وربما امتنع الناس عن ذلك أو بعضهم فحصل لهم الثواب بفعل ما يقدرون عليه من الإنكار بالقلب والإمتناع عن الحضور إن كانوا عاجزين عن التبيين، وإن كانوا قادرين فيسقط عنهم بعض الإثم ويخفف عنهم الوزر. وقال الشيخ علي محفوظ في كتابه "الإبداع في مضار الابتداع" تحت عنوان: "المواسم التي نسبوها إلى الشرع وليست منه": ومنها "ليلة المعراج" التي شرف الله تعالى هذه الأمة بما شرع لهم فيها. وقد تفنن أهل هذا الزمان بما يأتونه في هذه الليلة من المنكرات، وأحدثوا فيها من أنواع البدع ضروباً كثيرة: كالاجتماع في المساجد وإيقاد الشموع والمصابيح فيها وعلى المنارات مع الإسراف في ذلك، واجتماعهم للذكر والقراءة وتلاوة قصة المعراج، وكان ذلك حسناً لو كان ذكراً وقراءة وتعلم علم، لكنهم لا يخرجون عن الثابت قيد شعرة ويعتقدون الخروج عنه ضلالة لاسيما عصر الصحابة ومن بعدهم من أهل القرون الثلاثة المشهود لهم بالخير. إنتهى. وإن اردتم المزيد من الكلام على الموضوع فعليكم مراجعة "الاعتصام" للشاطي و "البدع والحوادث" للطرطوشي و "البدع والنهي عنها" لابن وضاح القرطبي. هذا ونسأل الله لنا ولكم ولجميع المسلمين التوفيق والهداية إلى دين الإسلام والثبات عليه والسلام عليكم) ا.هـ. "فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم" (3/97-102). وقال في رسالته الموجهة إلى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي: (فقد اطلعت على خطابكم رقم 682 في 4/7/85هـ بصدد الدعوة الموجهة لكم من قاضي القضاة في المملكة الأردنية الهاشمية لحضور الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج، وطلبكم الإفادة برأينا تجاه ذلك. إنني أقول: الاحتفال بذكرى "الإسراء والمعراج" أمر باطل، وشيء مبتدع، وهو تشبه باليهود والنصارى في تعظيم أيام لم يعظمها الشرع.وصاحب المقام الأسمى رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي شرع الشرائع، وهو الذي وضح ما يحل وما يحرم، ثم إن خلفاءه الراشدين وأئمة الهدى من الصحابة والتابعين لم يعرف عن أحد منهم أنه احتفل بهذه الذكرى. المقصود أن الاحتفال بذكرى "الإسراء والمعراج" بدعة، فلا يجوز ولا تجوز المشاركة فيه، ولا أوافق على أن تشارك الرابطة فيه لا بإرسال أحد من موظفيها ولا بإنابة الشيخ القلقيلي أو غيره عنها في ذلك والسلام عليكم) ا.هـ "فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ" (3/103). وأفتى لمن نذرت بعدما وضعت في شعبان أن تذبح ذبيحة في اليوم السابع والعشرين من رجب من كل سنة وذلك منذ ثمان وعشرين سنة واستمرت موفية بنذرها طول هذه المدة: (هذا النذر لا ينعقد لاشتماله على معصية، وهي أن شهر رجب شهر معظم عند أهل الجاهلية، وليلة السابع والعشرين منه يعتقد بعض الناس أنها ليلة "الإسراء والمعراج" فجعلوها عيداً يجتمعون فيها، ويعملون أموراً بدعية، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوفاء بالنذر في المكان الذي يفعل فيه أهل الجاهلية أعيادهم أو يذبح فيه لغير الله فعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: نذر رجل أن ينحر إبلاً ببوانة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يُعبد. قالوا: لا قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم، قالوا: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم" رواه أبو داود وإسناده على شرط البخاري ومسلم. والسلام عليكم) ا.هـ "فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم" (3/104). 8. وقال الشيخ العلامة الألباني رحمه الله تعالى: (وقد ذكر الأقوال المشار إليها السيوطي في الآية الكبرى في شرح قصة الإسراء ص 34، والعلامة الآلوسي في تفسيره روح المعاني (4/469) فبلغت خمسة أقوال! وليس فيها قول مسند إلى خبر صحابي يطمئن له البال، ولذلك تناقض فيها أقوال العالم الواحد! فهذا هو النووي رحمه الله تعالى، له في ذلك ثلاثة أقوال حكوها عنه، أحدها مثل قول الحربي الذي في الكتاب، وقد جزم به النووي في الفتاوى له ص 15! وفي ذلك ما يُشعر اللبيب أن السلف ما كانوا يحتفلون بهذه الليلة، ولا كانوا يتخذونها عيداً، لا في رجب ولا في غيره، ولو أنهم احتفلوا بها، كما يفعل الخلف اليوم، لتواتر ذلك عنهم، ولتعيّنت الليلة عند الخلف، ولم يختلفوا هذا الإختلاف العجيب!) ا.هـ تخريج كتاب "أداء ما وجب" ص 54. 9.وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى: (الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه. أما بعد: فلا ريب أن الإسراء والمعراج من آيات الله العظيمة الدالة على صدق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى عظم منزلته عند الله عز وجل، كما أنها من الدلائل على قدرة الله الباهرة، وعلى علوه سبحانه وتعالى على جميع خلقه، قال الله سبحانه وتعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ). وتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عرج به إلى السماوات، وفتحت له أبوابها حتى جاوز السماء السابعة، فكلمه ربه سبحانه بما أراد، وفرض عليه الصلوات الخمس، وكان الله سبحانه فرضها أولا خمسين صلاة، فلم يزل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يراجعه ويسأله التخفيف، حتى جعلها خمسا، فهي خمس في الفرض، وخمسون في الأجرة لأن الحسنة بعشر أمثالها، فلله الحمد والشكر على جميع نعمه. وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج، لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها لا في رجب ولا غيره، وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بالحديث، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها، ولو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات، ولم يجز لهم أن يحتفلوا بها لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يحتفلوا بها، ولم يخصوها بشيء ولو كان الاحتفال بها أمرا مشروعا لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة، إما بالقول وإما بالفعل، ولو وقع شيء من ذلك لعرف واشتهر، ولنقله الصحابة رضي الله عنهم إلينا، فقد نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم كل شيء تحتاجه الأمة، ولم يفرطوا في شيء من الدين، بل هم السابقون إلى كل خير، فلو كان الاحتفال بهذه الليلة مشروعا لكانوا أسبق الناس إليه، والنبي صلى الله عليه وسلم هو أنصح الناس للناس، وقد بلغ الرسل غاية البلاغ، وأدى الأمانة فلو كان تعظيم هذه الليلة والاحتفال بها من دين الله لم يغفله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكتمه، فلما لم يقع شيء من ذلك، علم أن الاحتفال بها، وتعظيمها ليسا من الإسلام في شيء وقد أكمل الله لهذه الأمة دينها، وأتم عليها النعمة، وأنكر على من شرع في الدين ما لم يأذن به الله قال سبحانه وتعالى في كتابه المبين من سورة المائدة: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا )وقال عز وجل في سورة الشورى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ). وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة: التحذير من البدع، والتصريح بأنها ضلالة، تنبيها للأمة على عظم خطرها، وتنفيرا لهم من اقترافها، ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله- عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وفي رواية لمسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) وفي الصحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يوم الجمعة: (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) زاد النسائي بسند جيد: (وكل ضلالة في النار) وفي السنن عن العرباض بن سارية رضي الله عنه أنه قال: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا فقال: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي أو سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وقد ثبت عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن السلف الصالح بعدهم، التحذير من البدع والترهيب منها، وما ذاك إلا لأنها زيادة في الدين، وشرع لم يأذن به الله، وتشبه بأعداء الله من اليهود والنصارى في زيادتهم في دينهم، وابتداعهم فيه ما لم يأذن به الله، ولأن لازمها التنقص للدين الإسلامي، واتهامه بعدم الكمال، ومعلوم ما في هذا من الفساد العظيم، والمنكر الشنيع، والمصادمة لقول الله عز وجل: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) والمخالفة الصريحة لأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام المحذرة من البدع والمنفرة منها. وأرجو أن يكون فيما ذكرناه من الأدلة كفاية ومقنع لطالب الحق في إنكار هذه البدعة: أعني بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، والتحذير منها، وأنها ليست من دين الإسلام في شيء. ولما أوجب الله من النصح للمسلمين، وبيان ما شرع الله لهم من الدين، وتحريم كتمان العلم، رأيت تنبيه إخواني المسلمين على هذه البدعة،التي قد فشت في كثير من الأمصار، حتى ظنها بعض الناس من الدين، والله المسؤول أن يصلح أحوال المسلمين جميعا، ويمنحهم الفقه في الدين، ويوفقنا وإياهم للتمسك بالحق والثبات عليه، وترك ما خالفه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه) ا.هـ "التحذير من البدع" ص9. 10.وقال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: (ليس لهذا الاحتفال أصل في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا في عهد خلفاءه الراشدين رضوان الله عليهم وإنما الأصل في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يردُّ هذه البدعة لأن الله تبارك وتعالى أنكر على الذين يتخذون من يشرعون لهم ديناً سوى دين الله عز وجل وجعل ذلك من الشرك كما قال تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) والاحتفال بليلة المعراج ليس عليه أمر الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولقول النبي صلى الله عليه وسلم محذراً أمته يقوله في كل خطبة جمعة على المنبر (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) وكلمة كل بدعة هذه جملة عامة ظاهرة العموم لأنها مصدرة بكل التي هي من صيغ العموم التي هي من أقوى الصيغ (كل بدعة) ولم يستثن النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً من البدع بل قال كل بدعة ضلالة والاحتفال بليلة المعراج من البدع التي لم تكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباع سنتهم وعلى هذا فالواجب على المسلمين أن يبتعدوا عنها وأن يعتنوا باللب دون القشور إذا كانوا حقيقة معظمين لرسول صلى الله عليه وسلم فإن تعظيمه بالتزام شرعه وبالأدب معه حيث لا حيث لا يتقربون إلى الله تبارك وتعالى من طريق غير طريقه صلى الله عليه وسلم فإن من كمال الأدب وكمال الإتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلتزم المؤمن شريعته وأن لا يتقرب إلى الله بشيء لم يثبت في شريعته صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فنقول إن الاحتفال بدعة يجب التحذير منها والابتعاد عنها ثم إننا نقول أيضاً إن ليلة المعراج لم يثبت من حيث التاريخ في أي ليلة هي بل إن أقرب الأقوال في ذلك على ما في هذا من النظر أنها في ربيع الأول وليست في رجب كما هو مشهور عند الناس اليوم فإذن لم تصح ليلة المعراج التي يزعمها الناس أنها ليلة المعراج وهي ليلة السابع والعشرين من شهر رجب لم تصح تاريخياً كما أنها لم تصح شرعاً والمؤمن ينبغي أن يبني أموره على الحقائق دون الأوهام) ا.هـ "فتاوى نور على الدرب". 11.وقال الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رحمه الله تعالى: (أما الإحتفال بالنعم أو بميلاد النبي أو بالإسراء به، فإنها كلها من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، فهي من محدثات الأمور التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) لكون البدعة في اللغة هي الزيادة في الدين بعد كماله، وفسرت بأنها ما فعل على سبيل القربة مما لم يكن له أصل في الشرع، وهذا الوصف منطبق على الإحتفال بالمولد أو الإسراء أو الإحتفال للنعم. وأكثر من يشيدها وينشطها هم العلماء القاصرة أفهامهم والناقصة علومهم مما يجعل العامة يغترون بهم وينعبثون على أثرهم، وبإستمرار فعلهم لها خاصة في هذا اليوم المعين يستقر في نفوسهم فضلها أو فرضها..) ا.هـ "كلمة الحق في الإحتفال بمولد سيد الخلق" ص 491 وقال أيضاً ص 496-497: (ولم نجد في شيء من الكتب المعتمدة القول بإستحباب التجمع والإحتفال بمولده ولا في اليوم الذي أسري به..) ا.هـ وقال أيضاً ص504: (أما الإجتماع للإحتفال بمولد الرسول أو الإسراء والمعراج أو الإحتفال بالنعم فإنه من شريعة المخلوقين، (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما يأذن به الله) فكيف يقاس شرع الله الحكيم بشريعة المخلوقين الذي قام بتشريعه علماء الضلال فتبعهم العامة عليه، لظنهم أنه دين وحق وهو باطل في نفس الأمر والواقع إذ لو كان خيراً لسبقونا إليه، ثم إن أكثر هؤلاء يخدعون العاوم ويغشونهم ويلبسون عليهم باسم الدين فيجعلون لهم الباطل حقاً والبدعة سنة بسبب ما يترتب على هذا الإحتفال من المآكل الشهية..) ا.هـ وقال أيضاً ص 535: (لهذا لم يثبت عن الخلفاء الراشدين ولا عن الصحابة والتابعين ولا عن أئمة المذاهب المتبوعين مثل الإمام أحمد والشافعي ومالك وأبي حنيفة وأصحابهم، فلم يثبت عنهم تعظيم مولد الرسول ولا التجمع في يومه ولا يوم الإسراء والمعراج، ولو كان خيراً لسبقونا إليه) ا.هـ وقال أيضاً ص 536: (ومثله-أي مثل المولد-ما يفعله الناس في رجب بإسم الإسراء والمعراج، فكل هذه من البدع التي يقود بعضها إلى بعض، حتى تكون الآخرة شر من الأولى وتكون في كل عام شر من الذي قبله) ا.هـ ختاماً: مما لا ريب فيه عند من سلمت فطرته وحسنت طويته أن أمراً واحداً من هذه الأمور السابقة كافٍ لإثبات بدعية هذا الإحتفال وعدم مشروعيته، فكيف بها مجتمعة. ومن المؤسف حقاً أنه لا تزال بعض البلدان الإسلامية ترعى الإحتفال بهذه الليلة دون أن يكون لها أيّ مستند مرضيّ، ولا تسلم هذه المحافل من غلو وخرافات ما أنزل الله بها من سلطان، فالله المستعان. والله نسأل أن يجعلنا ممن يعظّمون حرماته ويلتزمون هدي نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ظاهراً وباطناً إنه ولي ذلك والقادر عليه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
|
|