أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: الرسالة السابعة الخميس 28 أبريل 2022, 12:20 am | |
| بنيتي رسائل محبة وشفقة الرسالة السابعة الزواج استقرار للنفس وراحة للقلب
بُنيَّتي: خاتمة هذه الرسالة ما قالته أُمٌّ لابنتها تُوصيها ليلة زفافها، قالت لها: "بُنية، إنكِ قد فارَقْتِ الجوَّ الذي منه خرجْتِ، والعُشَّ الذي فيه دَرَجْتِ، إلى وكْرٍ لم تَعرفيه، وقَرِينٍ لم تألفيه، فأصبح بِملكِهِ عليكِ مليكًا، فكُوني له أَمَةً يكُنْ لَكِ عَبْدًا".
بُنيَّتي: الزواج فطرة جِبِلِّيَّة مركوزة في كل نفس سويَّة من الرجال والنساء، فبه يحصُل السكن والاستقرار النفسي، وبه يحصُل التحصين والاستمتاع، وبه يُوجَد الأولاد الذين هم من زينة الحياة؛ ولهذا شرَّعه الله جلَّ جلاله لعباده؛ قال عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21].
بُنيَّتي: تتوهَّم بعض الفتيات أنها تستطيع أن تعيش دون زواج، وهي إن استطاعت أن تبقى على قيد الحياة دون زواج، فإنها لن تستطيعَ أن تعيش حياةً نفسيَّةً مستقرةً هانئةً دون زواج؛ ولهذا تُخطئ كثيرًا مَنْ ترفُض الزواج بحجَّة أنها مُكرَّمةٌ عند أهلها؛ فالمرأة بحاجة للزواج؛ قالت أُمٌّ لابنتها: أي بُنيَّة، لو استغْنَتِ المرأةُ عن زوجها بغنى أبيها، لكنتُ أغنى الناس عنه، ولكن النساء خُلِقْنَ للرجال كما لهنَّ خُلِق الرجالُ.
يقول أحد المشايخ الفضلاء رحمه الله: البنْتُ مهما بلغَتْ من المنزلة والغِنى والشُّهْرة والجاه، لا تجد أمَلَها الأكبرَ وسعادتَها إلَّا في الزواج، وفي أن تكون زوجةً صالحةً، وأُمًّا موقَّرةً، وربَّةَ بَيْتٍ، سواء في ذلك الملِكات والأميرات؛ فالزواج أقصى أماني المرأة.
بنيَّتي: الزواج المبكِّر له فوائدُ كثيرةٌ، والله قد هيَّأ المرأةَ فطريًّا للحَمْل والإنجاب، فإذا عطَّلَتْ هذه الأعضاء فترة طويلة، فإنها قد تضمُر وتفقِد وظيفتَها الحيوية، فمَنْ ترفُض الزواج المبكِّر تُعرِّض نفسَها لهذه المخاطر، كما أنها قد لا تستيقظ إلَّا مُتأخِّرًا بعد أن فاتها قِطارُ الزواج، فهذه طبيبةٌ رفضَتْ الزواجَ في بداية عمرها بحجَّة إكمال الدراسة، واستمرَّ الرفْضُ بعد انتهاء الدراسة بحجَّة العمل، قالت بعد أن تقدَّم بها العمرُ وتوقَّفَ الخُطَّابُ عن طَرْقِ بابِ بَيْتِ أهلِها: خُذُوا شهادتي وأعطوني زوجًا. بُنيَّتي: المواصفات التي ينبغي أن يكون عليها القَبُول أو الرَّدُّ في الخاطب الذي يتقدَّم: الدِّين والخُلُق؛ طاعةً لله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام؛ يقول رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم مَنْ تَرْضَون دينَه وخُلُقَه فأنْكِحُوه، إلَّا تفعلُوا تَكُنْ فِتْنةٌ وفسادٌ عريضٌ» فهذه وصية الرسول عليه الصلاة والسلام، مَنْ عَمِلَتْ بها نالَتْ كُلَّ خيرٍ، فهذه أُمُّ المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها قبل أن يتزوَّجَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم تضرِبُ أروعَ الأمثلة في امتثالها أمرَ الله ورسوله، فقد خطبها الرسول عليه الصلاة والسلام لمولاه: زيد بن حارثة رضي الله عنهما، فأبَتْ رضي الله عنها، وقالت: لست بناكحته؛ أنا خيرٌ منه حَسَبًا، فأنزل الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36]، فقالت رضي الله عنها: قد رضيتَه لي يا رسول الله مُنكِحًا؟ قال: ((نعم))، قالت: إذًا لا أعصي رسول الله، قد أنكحتُه نفسي، ثم تزوَّجَها رضي الله عنهما، فحدَث بينهما خلافاتٌ انتهَتْ بالطلاق، فتزوَّجَها بعد ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؛ فطاعة الله ورسوله فيها كلُّ الخير والبركة.
إن الفتاة المسلمة العاقلة يا بُنيَّتي عندما تريد الزواج لا يَغُرُّها جمالُ الهيئة، وأناقةُ المظهر، ورِفْعةُ المنْصِب، ومظاهرُ الثَّراء، وما إلى ذلك من صفات تستهوي عادةً غالِبَ النساء؛ وإنما تقف عند دين وخُلُق الخاطب، فهما عماد بيت الزوجية الناجح، وبهما بعد توفيق الله، تكون الحياة الزوجية المستقرة التي تُعالَج كلُّ مشكلةٍ فيها بحِكْمةٍ.
بُنيَّتي: ما يُسمَّى بالعلاقات ما قبل الزواج لمعرفة كل طرف للآخر، هذه علاقة مُحَرَّمة؛ لأنها تقوم على علاقة بين امرأة ورجل أجنبي عليها، وكم حدَث منها مِن مآسٍ ومصائبَ، فبعد أن يألَف الطرفان هذه المجالس المنفردة، يأتي الشيطان ويُزيِّن لهما ما حَرَّم الله، ولا غرابةَ في ذلك فهو ثالثهما، ثم يحدث ما لم يكن في حُسبان الفتاة وتصوُّرها أنه سيَحدُث، فتستيقظ على المأساة وعلى الكارثة العظيمة وقد حلَّتْ بها، لقد ضاعتْ وفقَدتْ أغلى شيءٍ لدى المرأة، وتزداد المأساة، وهو المتوقَّع أن ينسحب هذا الخاطب من حياتها، ويتركها تتجرَّع مأساتها وحدَها.
وهذه العلاقة بُنيَّتي لو كان فيها خيرٌ للخاطبين لأرشد إليها الإسلام، كما أرشد إلى رؤية كلِّ واحد منهما للآخر مع وجود مَحْرَم للفتاة، فهي علاقة مُحَرَّمة، لن يكون فيه بركة، وقد أثبتَتْ بعضُ الدراسات والأبحاث أن أكثر حالات الطلاق جاءتْ من حالات زواج سبقها علاقة قبل الزواج، فهذه العلاقات من وساوس الشيطان ومكْرِه فاحْذَريها، وحذِّري بنات جِنْسِكِ منها.
بُنيَّتي: كل فتاة يتقدَّم لها رجلٌ للزواج بها، بعد أن تتمَّ الموافقة عليه تتمنَّى أن تعيش معه في سعادة وراحة بال، وهي أُمنية نتمنَّى أن تتحقق لكل فتاة مؤمنة؛ لكن تُخطئ بعضُ الفتيات من حيث لا تقصِد ولا تشعُر، وذلك عندما تفتتح ليلة زواجها بمعاصٍ ومُنكرات من إسراف في الولائم، ومِن تبرُّجٍ واختلاطٍ، ومن استئجار قصور أفراح باهظة الأثمان، فهذه من أهمِّ الأسباب في عدم تحقيق السعادة والوِفاق بين الزوجين؛ فالله جل جلاله يقول: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 63].
فإذا كان الله سبحانه وتعالى هو الذي يُؤلِّفُ بين قلوب العباد، ومن ذلك قلوب الزوجين، فكيف ترجو الفتاة أن يُؤلِّف بينها وبين قلب زوجها وهي تعصيه في أول ليلة من زواجها؟! إنَّ مَنْ تبدأ زواجَها بهذه البداية قد لا يحالفها التوفيق، وقد تنتهي الحياة الزوجية بعد مدة قصيرة بالطلاق والفِراق، وإن استمرَّت الحياة فمع وجود المشاكل والخلافات، فَلْيَكُنْ الزواجُ يا بُنيَّة مختصرًا على حضور الأقارب من غير إسراف ولا تبذير ولا مُنْكرات، يُبارك الله لكِ فيه.
بُنيَّتي: من أجمل الصفات في الزوجات رعاية الأزواج، وقد مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء قريش بها؛ فقال: (( «خَيْرُ نساء ركِبْنَ الإبلَ نساءُ قريش....وأرْعاهُ على زوج في ذات يده» ))، وبقيامك بما تتطلَّبُه هذه الصفة من مهامَّ تنجحين بعد توفيق الله لكِ في حياتِكِ الزوجية، وتسعدين مع زوجك، فاجعَليها شعارًا لكِ، وابذُلي يا بُنيَّة ما تقدرين عليه؛ لاستمالة قلب زوجِكِ إليكِ، بالتودُّد والتحبُّب، والظهور بالمظهر الحَسَن، والكلمة الطيبة، والمعاشرة بالمعروف، وشارِكيه همومَه ومسرَّاتِه، وأفراحَه وأتْراحَه، احرصي على إرضائه وإدخال السرور على نفسه، وأطيعي زوجَكِ في غير معصية الله.
بُنيَّتي: اصبري واحتسبي على ما قد ينالُكِ مِنْ تَعَبٍ من عمل البيت, فسيدةُ نساء الجنة بِنْتُ أفضل البشر فاطمةُ بنت محمد صلى الله عليه وسلم, زوج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنهما كانت تشكو من الرَّحَى، وأسماء بنت أبي بكر، تقوم بخدمة زوجها الزبير رضي الله عنهم فكانت تُسوس فرسَه وتعلفُه وتعجن الخبز.
بُنيَّتي: إن كنْتِ موظَّفةً عاملةً، فلا يعني هذا إهمالَ البيت والزوج والأولاد، فلا بُدَّ من إعطاء كل ذي حَقٍّ حقَّه، يقول عليه الصلاة والسلام: «كُلُّكم راعٍ وكُلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه.... والمرأة راعية على بيت زوجها وولدها» فأنتِ بُنيَّة مسؤولةٌ عن الزوج والأولاد، لا الخادمة أو المربية، والاستغناء عنهما هو الأفضل والأكمل، وكم تسبَّب وجودُهما في مآسٍ للأطفال، وفي حوادث شائنة للكبار، وإذا لم تستطيعي الموازنة بين البيت والعمل، فقدِّمي الأهمَّ وهو البيت والزوج والأولاد.
بُنيَّتي: من أكبر الأخطاء التي تقع فيها بعضُ الزوجات العاملات: اعتقادُهنَّ أن الرابطة بينها وبين زوجها رابطةُ إنفاقٍ، فما دام أنها تُنفِق على نفسها من راتِبِها، فلا قوامة لزوجها عليها، ولا طاعة له بالمعروف، ولها أن تعمل ما تشاء أذِنَ أو لم يأذَنْ، وهذا نذيرٌ خطيرٌ بانتهاء هذه العلاقة الزوجية التي تقوم على الحُبِّ والمودَّة، فالعلاقة الزوجية ليست شركةً اقتصاديةً، لغة التعامُل فيها الأرقام والحسابات.
بُنيَّتي: بعض النساء قد يهَبَهُنَّ اللهُ جل جلاله جمالًا وبهاءً وحُسْنًا، فمنهن مَنْ يكون جمالها وَبالًا عليها، ومنهن مَنْ تعرِف نعمة الله عليها بهذا الجمال، فتشكُر الله عليه، فتزداد مع جمالها الحسِّي جمالًا معنويًّا، تقول باحثة في رسالتها لنيل شهادة الدكتوراه: سارة زوج إبراهيم عليه السلام... على الرغم من أنها كانت ذات جمال أخَّاذ... لكن جمالها لم يَقُدْها إلى الغُرور والتكبُّر والتطاوُل على زوجها، كما لم تُوقِف هذا الجمال على غير زوجها، فكانت متواضعةً، صابرةً، عفيفةً، حييَّةً... وكانت قائمةً بخدمة زوجها وضيوفه حتى بعد أن كبرت سِنُّها ورَقَّ عظمُها.
إن كثيرًا من النسوة الممتازات بالحُسْن الأخَّاذ قد يعتري نفوسَهُنَّ العُجْبُ، وقد يقودهنَّ إلى التكبُّر على أزواجهن، والترفُّع عن ابتذال أنفسهنَّ لخِدْمتِهم! وإن منهن مَنْ يقُودُها الغُرورُ إلى كشف زينتها عند مَن لا يحِلُّ له النظرُ إليها، فتضنُّ بجمالها أن يكون مقتصرًا على زوجها، فتفتِن الرجالَ، ويلَذُّ لها أن يطرق مَسْمَعَيْها عباراتُ ثنائهم وإعجابهم...وإنه لا أعظم من الإيمان يُهذِّبُ النفوس المترفِّعة، والدواخل المغرورة المتكبِّرة، فلقد كان إيمانُ سارة وتَقْواها خيرَ مُعينٍ لها على العِفَّة والتواضُع.
بُنيَّتي: لا توجد حياةً زوجيةً دون مشكلات؛ لكن العاقل مَنْ يحاول أن يُقلِّل منها ابتداءً، ثم يعالجها بالحكمة انتهاءً، ومن أهمِّ ما يُنصَح به في هذا المجال، عدم إخراج هذه المشكلات للآخرين، فكم من مشكلة بين الزوجين كان بالإمكان حلُّها؛ ولكن تدخَّلَ فيها الأقاربُ ففسَدَت العلاقة بين الزوجين، فإن كان لا بُدَّ من إخبار أحدٍ ليقُومَ بالإصلاح، فليكُنْ إنسانًا عاقلًا حكيمًا ذا تجربةٍ، قريبًا كان أو بعيدًا.
بُنيَّتي: إيَّاكِ أن تُنهي حياتَكِ الزوجية دون أن تُشاوري أحدًا؛ فالمسائلُ العِظامُ لا بُدَّ لها من استشارة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم استشار عليَّ بن أبي طالب، وأسامة بن زيد رضي الله عنهما عندما تكلَّم مَنْ في قلوبهم مرضٌ والمنافقون في عِرْضِ أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، والإنسانُ مهما بلغ ضعيفٌ بنفسه، قويٌّ برأي غيره، ومَلِكةُ بلقيس كانت لديها أسبابُ القوة المادية، ومع ذلك شاورَتْ قومَها عندما جاءها خِطابُ سليمان عليه السلام؛ قال الله سبحانه وتعالى: {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ} [النمل: 32]؛ أي: حتى تُشيرون.
وينبغي أن يكون المستشار ناصِحًا مُحِبًّا، واحذري العَجَلة في طلب الطلاق؛ فبعض النساء تأتي إلى زوجها وتُلِحُّ عليه أن يُطلِّق، فإذا طلَّقَ فهي أوَّل مَنْ يبكي في مكانها وتندم, قال أحد كِبار العلماء رحمه الله: المرأة أحيانًا تُمسِكُ الزوج, وتأخُذ بتلابيبه, حتى إنها ربما تخنقُه، تقول: طلِّقْني، فيقول: أنت طالق...ثم إذا قال ذلك: صرخَتْ وقامَتْ تُولوِلُ وتبكي حُزْنًا وهذا شيء مُشاهَدٌ ودائمًا يأتي الناس يستفتون عن هذا.
بُنيَّتي: خاتمة هذه الرسالة ما قالته أُمٌّ لابنتها تُوصيها ليلة زفافها، قالت لها: "بُنية، إنكِ قد فارَقْتِ الجوَّ الذي منه خرجْتِ، والعُشَّ الذي فيه دَرَجْتِ، إلى وكْرٍ لم تَعرفيه، وقَرِينٍ لم تألفيه، فأصبح بِملكِهِ عليكِ مليكًا، فكُوني له أَمَةً يكُنْ لَكِ عَبْدًا".
هذا وأسأل الله الكريم لَكِ يا بُنيَّة التوفيقَ والسعادةَ في حياتِكِ الزوجية وأن يرزُقَكِ الأبناءَ البَرَرة الذين تَقَرُّ بهم عينُكِ، ويسعَد بهم قلبُكِ، واللهُ يتولَّاكِ ويحفظُكِ.
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
|
|