أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: الثبات الثبات ياعباد الله الأحد 05 يونيو 2011, 6:56 am | |
| الثبات الثبات ياعباد الله ولا تستسلموا لضغوط الواقع والله ناصركم !!
الحمد لله الموفق إلى ما يحب ويرضى
والصلاة والسلام على من اتَّبعناه فسوف نجدُ ما به نرضى!
وبعد,
مما يُحزن القلب ويضيق به الصدر أن نرى صاحب الحقِّ ينصاغ لبعض ضغوط الواقع الحاصلة حوله وعليه; فَيُغَيِّر ماهو من الثوابت تارة, ويميعه تارة أخرى!..
والأخطر من ذلك أن ينسلخ من الحق الذي كان عليه استسلامًا منه لضغوط الواقع!
وإلى نفسي وهؤلاء.. أسألكم وربي وأنا حزينٌ حزين = لِمَ نُغَيِّرُ اليوم بعض الذي كان عندنا من الثوابت أمس!..؟
أليس من سمات صاحب الحقِّ الثبات على المبدأ, والصلابة في الحق..؟! وعدم التنازل..؟! ورفض أي شكل من أشكال المساومات وأنصاف الحلول في قضايا الدعوة..؟!
ليت شعري أليس لنا في رسول الله إسوة حسنة..؟!
لقد ظل رسول لله -عليه الصلاة والسلام- صامدًا أمام الإغراءات والعروض, لم ينثنِ ويتراجع أمام التحديات وأساليب التهديد والترهيب التي مارسها إزاءه المشركون; فلم يساوم قط في دينه, وهو في أحرج المواقف العصيبة في مكة وهو محاصر بدعوته!... فقد اتخذت مساومة المشركين له في دعوته صورًا شتّى لمساومته على الدعوة!
فهذا أسلوب الترهيب = ما رُوي عن عقيل بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا: إن ابن أخيك هذا قد آذانا في نادينا ومسجدنا, فانهه عنّا, فقال: يا عقيل! انطلق فائتني بمحمد... فلما أتاهم قال: إن بني عمّك هؤلاء زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم ومسجدهم, فانته عن أذاهم.
فحلَّق رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- ببصره إلى السماء فقال: " ترون هذه الشمس؟!" قالوا: نعم. فقال " فما أنا بأقدر أن أدع ذلك منكم على أن تشعلوا منه بشعلة "... فقال أبو طالب: والله ما كذب ابن أخي قطّ, فارجعوا راشدين. [قال ابن حجر في المطالب: رواه أبو يعلى وإسناده صحيح...]
وهذه صورة أخرى في الثبات على الحق وإن كنتَ فردًا!!; نقلها عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- وهو شاهد عيان, قال: حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يومًا في الحِجْر, فذكروا رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط; سفَّه أحلامنا, وشتم آباءنا, وعاب ديننا, وفرق جماعتنا, وسب آلهتنا... فبينما هم كذلك, إذ طلع الرسول -عليه الصلاة والسلام-... فلما أن مرَّ بهم غمزوه ببعض ما يقول... فلما مرَّ بهم الثالثة فغمزوه بمثلها, فقال -عليه الصلاة والسلام- " تسمعون يامعشر قريش, أما والذي نفس محمد بيده! لقد جئتكم بالذبح ".
فأخذت القوم كلمته, حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع... حتى إذا كان من الغد... فبينما هم في ذلك -أي اجتماعهم من أجل ما حصل في اليوم الماضي- إذ طلع رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فوثبوا إليه وثبة رجل واحد, فأحاطوا به يقولون: أنت الذي تقول كذا وكذا؟ قال: فيقول رسول الله -عليه الصلاة والسلام- " نعم, أنا الذي أقول ذلك "...إلخ الحديث [رواه أحمد في المسند... وأخرجه البخاري مختصراً]
الله أكبر!! بأبي أنت وأمي يارسول الله! ضربتَ لنا أعلى درجات الأسوة في مثل هذا الموقف الذي يُعَلِّمَ كلَّ العاملين لهذا الدين كيف يكون تصرفهم عند مفترق الطُرُقِ وألا يُبَدِّلوا وألا يتأثروا بضغوط الواقع!.
استدراج صاحب الدعوة إلى أنصاف الحلول للتنازل عن بعض دعوته:
فإن من طرق المحاربين المعاندين للحقِّ أنهم إذا لم يستطيعوا أن يجعلوا صاحب هذا الحقِّ أن يحيد بالكلية; يحاولون أن يجعلوه أن يتنازل ولو شيئًا قليلاً!
وإليك صورة من هذا النوع من المساومات:
فيما رواه الطبري بسنده إلى سعيد مولى البَخْتَري قال: لقي الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن المطلب وأمية بن خلف رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فقالوا: يا محمد! هلم فلنعبد ما تعبد, وتعبد ما نعبد, ونشركك في أمرنا كلّه, فإن كان الذي جئت به خيرًا مما بأيدينا; كنا قد شركناك فيه, وأخذنا بحظنا منه, وإن كان الذي بأيدينا خيرًا مما في يدك; كنتَ قد شركتنا في أمرنا, وأخذت منه بحظّك; فأنزل الله -عز وجل- "قل يا أيها الكافرون..." حتى انقضت السورة. [روا الطبري في تفسيره بسند حسن]
إن ما يُستنتج من هذه الأساليب الماكرة المتنوعة:
أن محاولات الحُكّام أو الملأ مع أصحاب الدعوات لا تكاد تهدأ أو تفتر; إذ يحاولون ترهيبهم وتهديدهم لينصرفوا عن دعوتهم بالكلية.
وإذا لم يُفلحوا في هذا الجانب حاولوا إغراءهم بشتّى الوسائل لينحرفوا -ولو قليلًا- عن استقامة الدعوة وصلابتها, وليرضوا بالحلول الوسط التي يغرونهم بها.
ومن ثمَّ يطلبون منهم تعديلات طفيفة ليلتقي الطرفان في منتصف الطريق; لأن الحكام يستدرجون أصحاب الدعوات, فإذا سلَّموا جزءاً فقدوا مقاومتهم وحصانتهم, وعرف المتسلطون أن استمرار المساومة سينتهي إلى تسليم الصفقة كلِّها.
وجدير بالإشارة أن التسليم في جانب ولو ضئيل من جوانب الدعوة لِكَسْبِ الحكام إلى صفِّها هو هزيمة نفسية بالاعتماد على أصحاب السلطان في نصرة الدعوة, والله وحده هو الذي يعتمدُ عليه المؤمنون في نصرة الحقِّ.
فعلى المتأمل في النماذج الآنفة الذكر -وغيرها الكثير- من حياة النبي -عليه الصلاة والسلام- خلال دعوته; يُلاحظ مدى خطورة التحديات التي كانت تهدد الدعوة بالانسياق وراء مواقف تستدرجها إلى تنازلات قاتلة, لولا وضوح الرؤية لدى قيادتها, واستقامة منهج الحركة مع طبيعة الرسالة وحقائها وأهدافها من جهة, وسنن التغيير من جهة أخرى.
إن المفاصلة التي أمر بها الله جل ذكره رسوله -عليه الصلاة والسلام- ضرورية اليوم للدعاة!.
إنه ليس هناك ترقيع مناهج, ولا أنصاف حلول, ولا التقاء في منتصف الطريق مع أعداء الدين من الكفار والمنافقين والمرتدين.
إنما هي الدعوة إلى الدين الخالص, إلى تطبيق الإسلام وشريعته في كل نواحي الحياة, وإلا فهي البراءة الكاملة, والمفاصلة التامة, والحسم الصريح "لكم دينكم ولي دين" !.(1)
فالثبات الثبات على الحق يا أصحاب الحقِّ!
ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين!
ولا تتحركوا قيد أُنْمُلَه عنه, وتذكروا قول الله "ودُّوا لو تُدْهِنُ فيُدهِنونَ"
وكُن على يقينٍ أن بثباتك على الحق هذا سيكون به النصر والفتح بإذن الله, فقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الذي أخرجه الطبراني وحسنه الألباني في صحيح الجامع "... واستقيموا يُستقم بكم"
فاجعلوا هذا نصب أعينكم وأبشروا واصبروا على ثباتكم, فما الأمر إلا صبر ساعة وبعدها الفتح المبين -بإذن الله-
فاللهم ثبّتنا على الحق أبدًا ما حيينا, ونعوذ بك أن نبدل أو نُغَيِّرَ, واقبضنا إليك غير مفتونين ولا متسببين في فتنة أحد. والحمد لله رب العالمين. ----- (1) مستفاد من مبحث : الثبات على المبدأ ورفض المساومة عليه. لمحمد أمحزون في كتاب "منهج النبي -عليه الصلاة والسلام- في الدعوة..." وأدرجت الكثير خلاله فصَعُبَ أن أحدد وأعزو كل مقطوعة له. فاكتفيت بالتنويه على أصل المبحث.
أبو مصعب السلفي |
|