|
| كتاب "اِخْتِصَارُ عُلُومِ اَلْحَدِيثِ" | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: كتاب "اِخْتِصَارُ عُلُومِ اَلْحَدِيثِ" الأحد 05 يونيو 2011, 4:45 am | |
| "اِخْتِصَارُ عُلُومِ اَلْحَدِيثِ" الحافظ ابن كثير مُقَدِّمَةٌ قَالَ شَيْخُنَا اَلْإِمَامُ اَلْعَلَّامَةُ, مُفْتِي اَلْإِسْلَامِ, قُدْوَةُ اَلْعُلَمَاءِ, شَيْخُ اَلْمُحَدِّثِينَ, اَلْحَافِظُ اَلْمُفَسِّرُ, بَقِيَّةُ اَلسَّلَفِ اَلصَّالِحِينَ, عِمَادُ اَلدِّينِ, أَبُو اَلْفِدَاءِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ كَثِيرٍ اَلْقُرَشِيُّ اَلشَّافِعِيُّ, إِمَامُ أَئِمَّةِ اَلْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ بِالشَّامِ اَلْمَحْرُوسِ, -فَسَّحَ اَللَّهُ لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ فِي أَيَّامِهِ, وَبَلَّغَهُ فِي اَلدَّارَيْنِ أَعْلَى قَصْدِهِ وَمُرَامِهِ-. اَلْحَمْدُ لِلَّهِ, وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ اَلَّذِينَ اِصْطَفَى. (أَمَّا بَعْدُ) فَإِنَّ عِلْمَ اَلْحَدِيثِ اَلنَّبَوِيِّ -عَلَى قَائِلِهِ أَفْضَلُ اَلصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ- قَدْ اِعْتَنَى بِالْكَلَامِ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنَ اَلْحُفَّاظِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا, كَالْحَاكِمِ وَالْخَطِيبِ, وَمَنْ قَبْلَهُمَا مِنَ اَلْأَئِمَّةِ وَمَنْ بَعْدَهُمَا مِنْ حُفَّاظِ اَلْأُمَّةِ. وَلَمَّا كَانَ مِنْ أَهَمِّ اَلْعُلُومِ وَأَنْفَعِهَا أَحْبَبْتَ أَنْ أُعَلِّقَ فِيهِ مُخْتَصَرًا نَافِعًا جَامِعًا لِمَقَاصِد اَلْفَوَائِدِ, وَمَانِعًا مِنْ مُشْكِلَاتِ اَلْمَسَائِلِ اَلْفَرَائِد وَكَانَ اَلْكِتَابُ اَلَّذِي اِعْتَنَى بِتَهْذِيبِهِ اَلشَّيْخُ اَلْإِمَامُ اَلْعَلَّامَةُ, أَبُو عُمَرَ بْنُ اَلصَّلَاحِ -تَغَمَّدَهُ اَللَّهُ بِرَحْمَتِهِ- مِنْ مَشَاهِيرِ اَلْمُصَنَّفَاتِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ اَلطَّلَبَةِ لِهَذَا اَلشَّأْنِ, وَرُبَّمَا عُنِيَ بِحِفْظِهِ بَعْضُ اَلْمَهَرَةِ مِنْ اَلشُّبَّانِ سَلَكْتُ وَرَاءَهُ, وَاحْتَذَيْت حِذَاءَهُ, وَاخْتَصَرْتُ مَا بَسَطَهُ, وَنَظَّمْتُ مَا فَرَطَهُ. وَقَدْ ذَكَرَ مِنْ أَنْوَاعِ اَلْحَدِيثِ خَمْسَةً وَسِتِّينَ, وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ اَلْحَاكِمَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ اَلْحَافِظَ اَلنَّيْسَابُورِيَّ, شَيْخَ اَلْمُحَدِّثِينَ وَأَنَا -بِعَوْنِ اَللَّهِ- أَذْكُرُ جَمِيعَ ذَلِكَ, مَعَ مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ مِنَ اَلْفَوَائِدِ اَلْمُلْتَقَطَةِ مِنْ كِتَابِ اَلْحَافِظِ اَلْكَبِيرِ أَبِي بَكْرٍ اَلْبَيْهَقِيِّ, اَلْمُسَمَّى (بِالْمَدْخَلِ إِلَى كِتَابِ اَلسُّنَنِ) وَقَدْ اِخْتَصَرْتُهُ أَيْضًا بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا اَلنَّمَطِ, مِنْ غَيْرِ وَكْسٍ وَلَا شَطَطٍ, وَاَللَّهُ اَلْمُسْتَعَانُ, وَعَلَيْهِ اَلِاتِّكَالُ. ذِكْرُ تَعْدَادِ أَنْوَاعِ اَلْحَدِيثِ: صَحِيحٌ, حَسَنٌ, ضَعِيفٌ, مُسْنَدٌ, مَرْفُوعٌ, مَوْقُوفٌ, مَقْطُوعٌ, مُرْسَلٌ, مُنْقَطِعٌ, مُعْضَلٌ. مُدَلَّسٌ, شَاذٌّ, مُنْكَرٌ, مَا لَهُ شَاهِدٌ, زِيَادَةُ اَلثِّقَةِ, اَلْأَفْرَادُ. اَلْمُعَلَّلُ, اَلْمُضْطَرِبُ, اَلْمُدْرَجُ, اَلْمَوْضُوعُ, اَلْمَقْلُوبُ. مَعْرِفَةُ مَنْ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ, مَعْرِفَةُ كَيْفِيَّةِ سَمَاعِ اَلْحَدِيثِ وَإِسْمَاعِهِ, وَأَنْوَاعِ اَلتَّحَمُّلِ مِنْ إِجَازَةٍ وَغَيْرِهَا. مَعْرِفَةُ كِتَابَةِ اَلْحَدِيثِ وَضَبْطِهِ, كَيْفِيَّةُ رِوَايَةِ اَلْحَدِيثِ وَشَرْطُ أَدَائِهِ. آدَابُ اَلْمُحَدِّثِ, آدَابُ اَلطَّالِبِ, مَعْرِفَةُ اَلْعَالِي وَالنَّازِلِ. اَلْمَشْهُورُ, اَلْغَرِيبُ, اَلْعَزِيزُ, غَرِيبُ اَلْحَدِيثِ وَلُغَتُهُ, اَلْمُسَلْسَلُ, نَاسِخُ اَلْحَدِيثِ وَمَنْسُوخُهُ. اَلْمُصَحَّفُ إِسْنَادًا وَمَتْنًا, مُخْتَلِفُ اَلْحَدِيثِ, اَلْمَزِيدُ فِي اَلْأَسَانِيدِ. اَلْمُرْسَلُ, مَعْرِفَةُ اَلصَّحَابَةِ, مَعْرِفَةُ اَلتَّابِعِينَ, مَعْرِفَةُ أَكَابِرِ اَلرُّوَاةِ عَنْ اَلْأَصَاغِرِ. اَلْمُدَبَّجُ وَرِوَايَةُ اَلْأَقْرَانِ, مَعْرِفَةُ اَلْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ, رِوَايَةُ اَلْآبَاءِ عَنْ اَلْأَبْنَاءِ, عَكْسُهُ. مَنْ رَوَى عَنْهُ اِثْنَانِ مُتَقَدِّمٌ وَمُتَأَخِّرٌ, مَنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا وَاحِدٌ. مَنْ لَهُ أَسْمَاءٌ وَنُعُوتٌ مُتَعَدِّدَةٌ, اَلْمُفْرَدَاتُ مِنَ اَلْأَسْمَاءِ, مَعْرِفَةُ اَلْأَسْمَاءِ وَالْكُنَى, مَنْ عُرِفَ بِاسْمِهِ دُونَ كُنْيَتِهِ. مَعْرِفَةُ اَلْأَلْقَابِ, اَلْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ, اَلْمُتَّفِقِ وَالْمُفْتَرِقِ, نَوْعٌ مُرَكَّبٌ مِنْ اَلَّذَيْنِ قَبْلَهُ, نَوْعٌ آخَرُ مِنْ ذَلِكَ. مَنْ نُسِبَ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ, اَلْأَنْسَابُ اَلَّتِي يَخْتَلِفُ ظَاهِرُهَا وَبَاطِنُهَا, مَعْرِفَةُ اَلْمُبْهَمَاتِ, تَوَارِيخُ اَلْوَفَيَاتِ. مَعْرِفَةُ اَلثِّقَاتِ وَالضُّعَفَاءِ, مَنْ خَلَطَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ, اَلطَّبَقَاتُ. مَعْرِفَةُ اَلْمَوَالِي مِنَ اَلْعُلَمَاءِ وَالرُّوَاةِ, مَعْرِفَةُ بُلْدَانِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ. وَهَذَا تَنْوِيعٌ مِنْ اَلشَّيْخِ أَبِي عَمْرٍو وَتَرْتِيبُهُ -رَحِمَهُ اَللَّهُ-, قَالَ وَلَيْسَ بِآخِرِ اَلْمُمْكِنِ فِي ذَلِكَ, فَإِنَّهُ قَابِلٌ لِلتَّنْوِيعِ إِلَى مَا لَا يُحْصَى, إِذْ لَا تَنْحَصِرُ أَحْوَالُ اَلرُّوَاةِ وَصِفَاتُهُمْ, وَأَحْوَالُ مُتُونِ اَلْحَدِيثِ وَصِفَاتُهَا. (قُلْتُ) وَفِي هَذَا كُلِّهِ نَظَرٌ, بَلْ فِي بَسْطِهِ هَذِهِ اَلْأَنْوَاعَ إِلَى هَذَا اَلْعَدَدِ نَظَرٌ إِذْ يُمْكِنُ إِدْمَاجُ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ, وَكَانَ أَلْيَقَ مِمَّا ذَكَرَهُ ثُمَّ إِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ مُتَمَاثِلَاتٍ مِنْهَا بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ, وَكَانَ اَللَّائِقُ ذِكْرَ كُلِّ نَوْعٍ إِلَى جَانِبِ مَا يُنَاسِبُهُ. وَنَحْنُ نُرَتِّبُ مَا نَذْكُرُهُ عَلَى مَا هُوَ اَلْأَنْسَبُ, وَرُبَّمَا أَدْمَجْنَا بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ, طَلَبًا لِلِاخْتِصَارِ وَالْمُنَاسَبَةِ وَنُنَبِّهُ عَلَى مُنَاقَشَاتٍ لَا بُدَّ مِنْهَا, إِنْ شَاءَ اَللَّهُ -تَعَالَى-. اَلنَّوْعُ اَلْأَوَّلُ اَلصَّحِيحُ: تَقْسِيمُ اَلْحَدِيثِ إِلَى أَنْوَاعِهِ صِحَّةً وَضَعْفًا: قَالَ اِعْلَمْ -عَلَّمَكَ اَللَّهُ وَإِيَّايَ- أَنَّ اَلْحَدِيثَ عِنْدَ أَهْلِهِ يَنْقَسِمُ إِلَى صَحِيحٍ وَحَسَنٍ وَضَعِيفٍ (قُلْتُ) هَذَا اَلتَّقْسِيمُ إِنْ كَانَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا فِي نَفْسِ اَلْأَمْرِ, فَلَيْسَ إِلَّا صَحِيحٌ أَوْ ضَعِيفٌ, وَإِنْ كَانَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اِصْطِلَاحِ اَلْمُحَدِّثِينَ, فَالْحَدِيثُ يَنْقَسِمُ عِنْدَهُمْ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ, كَمَا قَدْ ذَكَرَهُ آنِفًا هُوَ وَغَيْرُهُ أَيْضًا. تَعْرِيفُ اَلْحَدِيثِ اَلصَّحِيحِ: قَالَ أَمَّا اَلْحَدِيثُ اَلصَّحِيحُ فَهُوَ اَلْحَدِيثُ اَلْمُسْنَدُ اَلَّذِي يَتَّصِلُ إِسْنَادُهُ بِنَقْلِ اَلْعَدْلِ اَلضَّابِطِ عَنْ اَلْعَدْلِ اَلضَّابِطِ إِلَى مُنْتَهَاهُ, وَلَا يَكُونَ شَاذًّا وَلَا مُعَلَّلًا. ثُمَّ أَخَذَ يُبَيِّنُ فَوَائِدَهُ, وَمَا اِحْتَرَزَ بِهَا عَنْ اَلْمُرْسَلِ وَالْمُنْقَطِعِ وَالْمُعْضَلِ وَالشَّاذِّ, وَمَا فِيهِ عِلَّةٌ قَادِحَةٌ وَمَا فِي رَاوِيهِ مِنْ نَوْعِ جَرْحٍ. قَالَ وَهَذَا هُوَ اَلْحَدِيثُ اَلَّذِي يُحْكَمُ لَهُ بِالصِّحَّةِ, بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ اَلْحَدِيثِ وَقَدْ يَخْتَلِفُونَ فِي بَعْضِ اَلْأَحَادِيثِ, لِاخْتِلَافِهِمْ فِي وُجُودِ هَذِهِ اَلْأَوْصَافِ, أَوْ فِي اِشْتِرَاطِ بَعْضِهَا, كَمَا فِي اَلْمُرْسَلِ. (قُلْتُ) فَحَاصِلُ حَدِّ اَلصَّحِيحِ أَنَّهُ اَلْمُتَّصِلُ سَنَدُهُ بِنَقْلِ اَلْعَدْلِ اَلضَّابِطِ عَنْ مِثْلِهِ, حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَوْ إِلَى مُنْتَهَاهُ, مِنْ صَحَابِيٍّ أَوْ مَنْ دُونَهُ, وَلَا يَكُونُ شَاذًّا, وَلَا مَرْدُودًا, وَلَا مُعَلَّلًا بِعِلَّةٍ قَادِحَةٍ, وَقَدْ يَكُونُ مَشْهُورًا أَوْ غَرِيبًا. وَهُوَ مُتَفَاوِتٌ فِي نَظَرِ اَلْحُفَّاظِ فِي مَحَالِّهِ, وَلِهَذَا أَطْلَقَ بَعْضُهُمْ أَصَحَّ اَلْأَسَانِيدِ عَلَى بَعْضِهَا فَعَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ أَصَحُّهَا اَلزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ اَلْمَدِينِيِّ والفَلَّاسُ أَصَحُّهَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَصَحُّهَا اَلْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ اَلْبُخَارِيِّ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَزَادَ بَعْضُهُمْ اَلشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ, إِذْ هُوَ أَجَلُّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ. أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ صِحَاحَ اَلْحَدِيثِ: (فَائِدَةٌ) أَوَّلُ مَنْ اِعْتَنَى بِجَمْعِ اَلصَّحِيحِ أَبُو عُبَيْدَةَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ اَلْبُخَارِيُّ, وَتَلَاهُ صَاحِبُهُ وَتِلْمِيذُهُ أَبُو اَلْحَسَنِ مُسْلِمُ بْنُ اَلْحَجَّاجِ اَلنَّيْسَابُورِيُّ فَهُمَا أَصَحُّ كُتُبِ اَلْحَدِيثِ وَالْبُخَارِيُّ أَرْجَحُ; لِأَنَّهُ اِشْتَرَطَ فِي إِخْرَاجِهِ اَلْحَدِيثَ فِي كِتَابِهِ هَذَا أَنْ يَكُونَ اَلرَّاوِي قَدْ عَاصَرَ شَيْخَهُ وَثَبَتَ عِنْدَهُ سَمَاعُهُ مِنْهُ, وَلَمْ يَشْتَرِطْ مُسْلِمٌ اَلثَّانِيَ, بَلْ اِكْتَفَى بِمُجَرَّدِ اَلْمُعَاصَرَةِ وَمِنْ هَاهُنَا يَنْفَصِلُ لَكَ اَلنِّزَاعُ فِي تَرْجِيحِ تَصْحِيحِ اَلْبُخَارِيِّ عَلَى مُسْلِمٍ, كَمَا هُوَ قَوْلُ اَلْجُمْهُورِ, خِلَافًا لِأَبِي عَلِيٍّ اَلنَّيْسَابُورِيِّ شَيْخِ اَلْحَاكِمِ, وَطَائِفَةٍ مِنْ عُلَمَاءِ اَلْمَغْرِبِ. ثُمَّ إِنَّ اَلْبُخَارِيَّ وَمُسْلِمًا لَمْ يَلْتَزِمَا بِإِخْرَاجِ جَمِيعِ مَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ مِنَ اَلْأَحَادِيثِ, فَإِنَّهُمَا قَدْ صَحَّحَا أَحَادِيثَ لَيْسَتْ فِي كِتَابَيْهِمَا, كَمَا يَنْقُلُ اَلتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ اَلْبُخَارِيِّ تَصْحِيحَ أَحَادِيثَ لَيْسَتْ عِنْدَهُ, بَلْ فِي اَلسُّنَنِ وَغَيْرِهَا. عَدَدُ مَا فِي اَلصَّحِيحَيْنِ مِنَ اَلْحَدِيثِ: قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ فَجَمِيعُ مَا فِي اَلْبُخَارِيِّ, بِالْمُكَرَّرِ سَبْعَةُ آلَافِ حَدِيثٍ وَمِائَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ حَدِيثًا وَبِغَيْرِ اَلْمُكَرَّرِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَجَمِيعُ مَا فِي صَحِيحٍ مُسْلِمٍ بِلَا تَكْرَارٍ نَحْوُ أَرْبَعَةِ آلَافٍ. اَلزِّيَادَاتُ عَلَى اَلصَّحِيحَيْنِ: وَقَدْ قَالَ اَلْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ اَلْأَخْرَمِ قَلَّ مَا يَفُوتُ اَلْبُخَارِيَّ وَمُسْلِمًا مِنَ اَلْأَحَادِيثِ اَلصَّحِيحَةِ. وَقَدْ نَاقَشَهُ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ فِي ذَلِكَ, فَإِنَّ اَلْحَاكِمَ قَدْ اِسْتَدْرَكَ عَلَيْهِمَا أَحَادِيثَ كَثِيرَةً, وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِهَا مَقَالٌ, إِلَّا أَنَّهُ يَصْفُو لَهُ شَيْءٌ كَثِيرٌ. (قُلْتُ) فِي هَذَا نَظَرٌ, فَإِنَّهُ يُلْزِمُهُمَا بِإِخْرَاجِ أَحَادِيثَ لَا تَلْزَمُهُمَا, لِضَعْفِ رُوَاتِهِمَا عِنْدَهُمَا, أَوْ لِتَعْلِيلِهِمَا ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ خُرِّجَتْ كُتُبٌ كَثِيرَةٌ عَلَى اَلصَّحِيحَيْنِ, يُؤْخَذُ مِنْهَا زِيَادَاتٌ مُفِيدَةٌ, وَأَسَانِيدُ جَيِّدَةٌ, كَصَحِيحِ أَبِي عَوَانَةَ, وَأَبِي بَكْرٍ اَلْإِسْمَاعِيلِيِّ وَالْبُرْقَانِيِّ, وَأَبِي نُعَيْمٍ اَلْأَصْبَهَانِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَكُتُبٌ أُخَرُ اِلْتَزَمَ أَصْحَابُهَا صِحَّتَهَا, كَابْنِ خُزَيْمَةَ, وَابْنِ حِبَّانَ البُسْتِيِّ, وَهُمَا خَيْرٌ مِنَ اَلْمُسْتَدْرَكِ بِكَثِيرٍ, وَأَنْظَفُ أَسَانِيدَ وَمُتُونًا. وَكَذَلِكَ يُوجَدُ فِي مُسْنَدِ اَلْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنَ اَلْأَسَانِيدِ وَالْمُتُونِ شَيْءٌ كَثِيرٌ مِمَّا يُوَازِي كَثِيرًا مِنْ أَحَادِيثِ مُسْلِمٍ, بَلْ وَالْبُخَارِيِّ أَيْضًا, وَلَيْسَتْ عِنْدَهُمَا, وَلَا عِنْدَ أَحَدِهِمَا, بَلْ وَلَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ اَلْكُتُبِ اَلْأَرْبَعَةِ, وَهُمْ أَبُو دَاوُدَ, وَاَلتِّرْمِذِيُّ, وَالنَّسَائِيُّ, وَابْنُ مَاجَهْ. وَكَذَلِكَ يُوجَدُ فِي مُعْجَمَيْ اَلطَّبَرَانِيِّ اَلْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ, وَمَسْنَدَيْ أَبِي يَعْلَى وَالْبَزَّارِ, وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ اَلْمَسَانِيدِ وَالْمَعَاجِمِ وَالْفَوَائِدِ وَالْأَجْزَاءِ مَا يَتَمَكَّنُ اَلْمُتَبَحِّرُ فِي هَذَا اَلشَّأْنِ مِنَ اَلْحُكْمِ بِصِحَّةِ كَثِيرٍ مِنْهُ, بَعْدَ اَلنَّظَرِ فِي حَالِ رِجَالِهِ, وَسَلَامَتِهِ مِنْ اَلتَّعْلِيلِ اَلْمُفْسِدِ وَيَجُوزُ لَهُ اَلْإِقْدَامُ عَلَى ذَلِكَ, وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى صِحَّتِهِ حَافِظٌ قَبْلَهُ, مُوَافَقَةً لِلشَّيْخِ أَبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى اَلنَّوَوِيِّ, وَخِلَافًا لِلشَّيْخِ أَبِي عَمْرٍو. وَقَدْ جَمَعَ اَلشَّيْخُ ضِيَاءُ اَلدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَلْوَاحِدِ اَلْمَقْدِسِيُّ فِي ذَلِكَ كِتَابًا سَمَّاهُ (اَلْمُخْتَارَةَ) وَلَمْ يَتِمَّ, كَانَ بَعْضُ اَلْحُفَّاظِ مِنْ مَشَايِخِنَا يُرَجِّحُهُ عَلَى مُسْتَدْرَكِ اَلْحَاكِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ جَمَعَ اَلشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو ابْنُ اَلصَّلَاحِ عَلَى اَلْحَاكِمِ فِي مُسْتَدْرَكِهِ فَقَالَ وَهُوَ وَاسِعُ اَلْخَطْوِ فِي شَرْحِ اَلصَّحِيحِ, مُتَسَاهِلٌ بِالْقَضَاءِ بِهِ, فَالْأَوْلَى أَنْ يَتَوَسَّطَ فِي أَمْرِهِ, فَمَا لَمْ نَجِدْ فِيهِ تَصْحِيحًا لِغَيْرِهِ مِنَ اَلْأَئِمَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا, فَهُوَ حَسَنٌ يُحْتَجُّ بِهِ, إِلَّا أَنْ تَظْهَرَ فِيهِ عِلَّةٌ تُوجِبُ ضَعْفَهُ . (قُلْتُ) فِي هَذَا اَلْكِتَابِ أَنْوَاعٌ مِنَ اَلْحَدِيثِ كَثِيرَةٌ, فِيهِ اَلصَّحِيحُ اَلْمُسْتَدْرَكُ, وَهُوَ قَلِيلٌ, وَفِيهِ صَحِيحٌ قَدْ خَرَّجَهُ اَلْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَوْ أَحَدُهُمَا, لَمْ يَعْلَمْ بِهِ اَلْحَاكِمُ وَفِيهِ اَلْحَسَنُ وَالضَّعِيفُ وَالْمَوْضُوعُ أَيْضًا وَقَدْ اِخْتَصَرَهُ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ اَلذَّهَبِيُّ, وَبَيَّنَ هَذَا كُلَّهُ, وَجَمَعَ فِيهِ جُزْءًا كَبِيرًا مِمَّا وَقَعَ فِيهِ مِنَ اَلْمَوْضُوعَاتِ, وَذَلِكَ يُقَارِبُ مِائَةَ حَدِيثٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . مَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِالْحَدِيثِ اَلصَّحِيحِ مُوَطَّأُ مَالِكٍ (تَنْبِيهٌ) قَوْلُ اَلْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ اَلشَّافِعِيِّ -رَحِمَهُ اَللَّهُ- "لَا أَعْلَمُ كِتَابًا فِي اَلْعِلْمِ أَكْثَرَ صَوَابًا مِنْ كِتَابِ مَالِكٍ", إِنَّمَا قَالَهُ قَبْلَ اَلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَقَدْ كَانَتْ كُتُبٌ كَثِيرَةٌ مُصَنَّفَةٌ فِي ذَلِكَ اَلْوَقْتِ فِي اَلسُّنَنِ, لِابْنِ جُرَيْحٍ, وَابْنِ إِسْحَاقَ -غَيْرَ اَلسِّيرَةِ- وَلِأَبِي قُرَّةَ مُوسَى بْنِ طَارِقٍ اَلزَّبِيدِيِّ, وَمُصَنَّفُ عَبْدِ اَلرَّازِقِ بْنِ هَمَّامٍ, وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَكَانَ كِتَابُ مَالِكٍ, وَهُوَ (اَلْمُوَطَّأُ) أَجَلُّهَا وَأَعْظَمُهَا نَفْعًا, وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَكْبَرَ حَجْمًا مِنْهُ وَأَكْثَرَ أَحَادِيثَ وَقَدْ طَلَبَ اَلْمَنْصُورُ مِنَ اَلْإِمَامِ مَالِكٍ أَنْ يَجْمَعَ اَلنَّاسَ عَلَى كِتَابِهِ, فَلَمْ يُجِبْهُ إِلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ مِنْ تَمَامِ عِلْمِهِ وَاتِّصَافِهِ بِالْإِنْصَافِ, وَقَالَ "إِنَّ اَلنَّاسَ قَدْ جَمَعُوا وَاطَّلَعُوا عَلَى أَشْيَاءَ لَمْ نَطَّلِعْ عَلَيْهَا". وَقَدْ اِعْتَنَى اَلنَّاسُ بِكِتَابِهِ (اَلْمُوَطَّأِ) وَعَلَّقُوا عَلَيْهِ كُتُبًا جَمَّةً وَمِنْ أَجْوَدِ ذَلِكَ كِتَابَا (اَلتَّمْهِيدِ), وَ(اَلِاسْتِذْكَارِ), لِلشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ ابْنِ عَبْدِ اَلْبَرِّ اَلنَّمْرِيِّ اَلْقُرْطُبِيِّ, -رَحِمَهُ اَللَّهُ- هَذَا مَعَ مَا فِيهِ مِنَ اَلْأَحَادِيثِ اَلْمُتَّصِلَةِ اَلصَّحِيحَةِ وَالْمُرْسَلَةِ وَالْمُنْقَطِعَةِ, وَالْبَلَاغَاتِ اَللَّاتِي لَا تَكَادُ تُوجَدُ مُسْنَدَةً إِلَّا عَلَى نُدُورٍ. إِطْلَاقُ اِسْمِ "اَلصَّحِيحِ" عَلَى اَلتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ: وَكَانَ اَلْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَالْخَطِيبُ اَلْبَغْدَادِيُّ يُسَمِّيَانِ كِتَابَ اَلتِّرْمِذِيِّ "اَلْجَامِعَ اَلصَّحِيحَ" وَهَذَا تَسَاهُلٌ مِنْهُمَا فَإِنَّ فِيهِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً مُنْكَرَةً وَقَوْلُ اَلْحَافِظِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ اَلسَّكَنِ, وَكَذَا اَلْخَطِيبُ اَلْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِ اَلسُّنَنِ لِلنَّسَائِيِّ إِنَّهُ صَحِيحٌ, فِيهِ نَظَرٌ وَإِنَّ لَهُ شَرْطًا فِي اَلرِّجَالِ أَشَدُّ مِنْ شَرْطِ مُسْلِمٍ غَيْرَ مُسَلَّمٍ, فَإِنَّ فِيهِ رِجَالًا مَجْهُولِينَ إِمَّا عَيْنًا أَوْ حَالًا, وَفِيهِمْ اَلْمَجْرُوحُ, وَفِيهِ أَحَادِيثُ ضَعِيفَةٌ وَمُعَلَّلَةٌ وَمُنْكَرَةٌ, كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِي (اَلْأَحْكَامِ اَلْكَبِيرِ). مُسْنَدُ اَلْإِمَامِ أَحْمَدَ: وَأَمَّا قَوْلُ اَلْحَافِظِ أَبِي مُوسَى مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ اَلْمَدِينِيِّ عَنْ مُسْنَدِ اَلْإِمَامِ أَحْمَدَ إِنَّهُ صَحِيحٌ, فَقَوْلٌ ضَعِيفٌ, فَإِنَّ فِيهِ أَحَادِيثَ ضَعِيفَةً, بَلْ وَمَوْضُوعَةً, كَأَحَادِيثِ فَضَائِلِ مَرْوٍ, وَعَسْقَلَانَ, وَالْبَرْثِ اَلْأَحْمَرِ عِنْدَ حِمْصٍ, وَغَيْرِ ذَلِكَ, كَمَا قَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنَ اَلْحُفَّاظِ. ثُمَّ إِنَّ اَلْإِمَامَ أَحْمَدَ قَدْ فَاتَهُ فِي كِتَابِهِ هَذَا -مَعَ أَنَّهُ لَا يُوَازِيهِ مُسْنَدٌ فِي كَثْرَتِهِ وَحُسْنِ سِيَاقَتِهِ- أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ جِدًّا, بَلْ قَدْ قِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَقَعْ لَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ اَلصَّحَابَةِ اَلَّذِينَ فِي اَلصَّحِيحَيْنِ قَرِيبًا مِنْ مِائَتَيْنِ. (اَلْكُتُبُ اَلْخَمْسَةُ وَغَيْرُهَا) وَهَكَذَا قَوْلُ اَلْحَافِظِ أَبِي طَاهِرٍ اَلسَّلَفِيِّ فِي اَلْأُصُولِ اَلْخَمْسَةِ, يَعْنِي اَلْبُخَارِيَّ وَمُسْلِمًا وَسُنَنَ أَبِي دَاوُدَ وَاَلتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ إِنَّهُ اِتَّفَقَ عَلَى صِحَّتِهَا عُلَمَاءُ اَلْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ تَسَاهُلٌ مِنْهُ وَقَدْ أَنْكَرَهُ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ وَهِيَ ذَلِكَ أَعْلَى رُتْبَةً مِنْ كُتُبِ اَلْمَسَانِيدِ كَمُسْنَدِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ, وَالدَّارِمِيِّ, وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ, وَأَبِي يَعْلَى, وَالْبَزَّارِ, وَأَبِي دَاوُدَ اَلطَّيَالِسِيِّ, وَالْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ, وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ, وَعُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ مُوسَى, وَغَيْرِهِمْ; لِأَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ عَنْ كُلِّ صَحَابِيٍّ مَا يَقَعُ لَهُمْ مِنْ حَدِيثِهِ. اَلتَّعْلِيقَاتُ اَلَّتِي فِي اَلصَّحِيحَيْنِ: وَتَكَلَّمَ اَلشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو عَلَى اَلتَّعْلِيقَاتِ اَلْوَاقِعَةِ فِي صَحِيحِ اَلْبُخَارِيِّ, وَفِي مُسْلِمٍ أَيْضًا, لَكِنَّهَا قَلِيلَةٌ, قِيلَ إِنَّهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَوْضُوعًا. وَحَاصِلُ اَلْأَمْرِ: أَنَّ مَا عَلَّقَهُ اَلْبُخَارِيُّ بِصِيغَةِ اَلْجَزْمِ فَصَحِيحٌ إِلَى مَنْ عَلَّقَهُ عَنْهُ, ثُمَّ اَلنَّظَرُ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ مِنْهَا بِصِيغَةِ اَلتَّمْرِيضِ فَلَا يُسْتَفَادُ مِنْهَا صِحَّةٌ وَلَا تُنَافِيهَا أَيْضًا; لِأَنَّهُ وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَهُوَ صَحِيحٌ, وَرُبَّمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَمَا كَانَ مِنْ اَلتَّعْلِيقَاتِ صَحِيحًا فَلَيْسَ مِنْ نَمَطِ اَلصَّحِيحِ اَلْمُسْنَدِ فِيهِ, لِأَنَّهُ قَدْ وَسَمَ كِتَابَهُ (بِالْجَامِعِ اَلْمُسْنَدِ اَلصَّحِيحِ اَلْمُخْتَصَرِ فِي أُمُورِ رَسُولِ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَسُنَنِهِ وَأَيَّامِهِ). فَأَمَّا إِذَا قَالَ اَلْبُخَارِيُّ "قَالَ لَنَا" أَوْ "قَالَ لِي فُلَانٌ كَذَا", أَوْ "زَادَنِي" وَنَحْوَ ذَلِكَ, فَهُوَ مُتَّصِلٌ عِنْدَ اَلْأَكْثَرِ. وَحَكَى اِبْنُ اَلصَّلَاحِ عَنْ بَعْضِ اَلْمَغَارِبَةِ أَنَّهُ تَعْلِيقٌ أَيْضًا, يَذْكُرُهُ لِلِاسْتِشْهَادِ لَا لِلِاعْتِمَادِ, وَيَكُونُ قَدْ سَمِعَهُ فِي اَلْمُذَاكَرَةِ. وَقَدْ رَدَّهَا اِبْنُ اَلصَّلَاحِ, فَإِنَّ اَلْحَافِظَ أَبَا جَعْفَرٍ بْنَ حَمْدَانَ قَالَ إِذَا قَالَ اَلْبُخَارِيُّ "وَقَالَ لِي فُلَانٌ" فَهُوَ مِمَّا سَمِعَهُ عَرَضًا وَمُنَاوَلَةً. وَأَنْكَرَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ عَلَى اِبْنٍ حَزْمٍ رَدَّهُ حَدِيثَ اَلْمَلَاهِي حَيْثُ قَالَ فِيهِ اَلْبُخَارِيُّ "وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ" وَقَالَ أَخْطَأَ اِبْنُ حَزْمٍ مِنْ وُجُوهٍ, فَإِنَّهُ ثَابِتٌ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ. (قُلْتُ) وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ, وَأَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ وَخَرَّجَهُ البُرْقَانِيُّ فِي صَحِيحِهِ, وَغَيْرُ وَاحِدٍ, مُسْنَدًا مُتَّصِلًا إِلَى هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ وَشَيْخِهِ أَيْضًا, كَمَا بَيَّنَاهُ فِي كِتَابِ (اَلْأَحْكَامِ), وَلِلَّهِ اَلْحَمْدُ. ثُمَّ حَكَى أَنَّ اَلْأَئِمَّةَ تَلَقَّتْ هَذَيْنِ اَلْكِتَابَيْنِ بِالْقَبُولِ, سِوَى أَحْرُفٍ يَسِيرَةٍ, اِنْتَقَدَهَا بَعْضُ اَلْحُفَّاظِ, كَاَلدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِ, ثُمَّ اِسْتُنْبِطَ مِنْ ذَلِكَ اَلْقَطْعُ بِصِحَّةِ مَا فِيهِمَا مِنَ اَلْأَحَادِيثِ; لِأَنَّ اَلْأُمَّةَ مَعْصُومَةٌ عَنْ اَلْخَطَأِ, فَمَا ظَنَّتْ صِحَّتَهُ وَوَجَبَ عَلَيْهَا اَلْعَمَلُ بِهِ, لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ صَحِيحًا فِي نَفْسِ اَلْأَمْرِ وَهَذَا جَيِّدٌ. وَقَدْ خَالَفَ فِي هَذِهِ اَلْمَسْأَلَةِ اَلشَّيْخُ مُحْيِي اَلدِّينِ اَلنَّوَوِيُّ, وَقَالَ لَا يُسْتَفَادُ اَلْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ مِنْ ذَلِكَ. (قُلْتُ) وَأَنَا مَعَ اِبْنِ اَلصَّلَاحِ فِيمَا عَوَّلَ عَلَيْهِ وَأَرْشَدَ إِلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ "حَاشِيَةٌ" ثُمَّ وَقَفْتُ بَعْدَ هَذَا عَلَى كَلَامٍ لِشَيْخِنَا اَلْعَلَّامَةِ اِبْنِ تَيْمِيَّةَ, مَضْمُونُهُ أَنَّهُ نَقَلَ اَلْقَطْعَ بِالْحَدِيثِ اَلَّذِي تَلَقَّتْهُ اَلْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنَ اَلْأَئِمَّةِ مِنْهُمْ اَلْقَاضِي عَبْدُ اَلْوَهَّابِ اَلْمَالِكِيُّ, وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو اَلطَّيِّبِ اَلطَّبَرِيُّ, وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ اَلشِّيرَازِيُّ مِنْ اَلشَّافِعِيَّةِ, وَابْنُ حَامِدٍ, وَأَبُو يَعْلَى بْنُ اَلْفَرَّاءِ, وَأَبُو اَلْخَطَّابِ, وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ, وَأَمْثَالُهُمْ مِنَ اَلْحَنَابِلَةِ, وَشَمْسُ اَلْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ مِنَ اَلْحَنَفِيَّةِ قَالَ "وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ اَلْكَلَامِ مِنَ اَلْأَشْعَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ كَأَبِي إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِينِيِّ, وَابْنِ فُورَكٍ قَالَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ اَلْحَدِيثِ قَاطِبَةً وَمَذْهَبُ اَلسَّلَفِ عَامَّةً". وَهُوَ مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ اِسْتِنْبَاطًا فَوَافَقَ فِيهِ هَؤُلَاءِ اَلْأَئِمَّةُ. اَلنَّوْعُ اَلثَّانِي اَلْحَسَنُ وَهُوَ فِي اَلِاحْتِجَاجِ بِهِ كَالصَّحِيحِ عِنْدَ اَلْجُمْهُورِ وَهَذَا اَلنَّوْعُ لَمَّا كَانَ وَسَطًا بَيْنَ اَلصَّحِيحِ وَالضَّعِيفِ فِي نَظَرِ اَلنَّاظِرِ, لَا فِي نَفْسِ اَلْأَمْرِ، عَسُرَ اَلتَّعْبِيرُ عَنْهُ وَضَبْطُهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ اَلصِّنَاعَةِ وَذَلِكَ; لِأَنَّهُ نِسْبِيٌّ, شَيْءٌ يَنْقَدِحُ عِنْهُ اَلْحَافِظِ, رُبَّمَا تَقْصُرُ عِبَارَتُهُ عَنْهُ. وَقَدْ تَجَشَّمَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ حَدَّهُ فَقَالَ اَلْخَطَّابِيُّ هُوَ مَا عُرِفَ مَخْرَجُهُ وَاشْتُهِرَ رِجَالُهُ, قَالَ وَعَلَيْهِ مَدَارُ أَكْثَرِ اَلْحَدِيثِ, وَهُوَ اَلَّذِي يَقْبَلُهُ أَكْثَرُ اَلْعُلَمَاءِ, وَيَسْتَعْمِلُهُ عَامَّةُ اَلْفُقَهَاءِ. (قُلْتُ) فَإِنْ كَانَ اَلْمُعَرِّفُ هُوَ قَوْلُهُ: "مَا عُرِفَ مَخْرَجُهُ وَاشْتُهِرَ رِجَالُهُ, فَالْحَدِيثُ اَلصَّحِيحُ كَذَلِكَ, بَلْ وَالضَّعِيفُ وَإِنْ كَانَ بَقِيَّةُ اَلْكَلَامِ مِنْ تَمَامِ اَلْحَدِّ, فَلَيْسَ هَذَا اَلَّذِي ذَكَرَهُ مُسَلَّمًا لَهُ أَنَّ أَكْثَرَ اَلْحَدِيثِ مِنَ قَبِيلِ اَلْحِسَانِ, وَلَا هُوَ اَلَّذِي يَقْبَلُهُ أَكْثَرُ اَلْعُلَمَاءِ وَيَسْتَعْمِلُهُ عَامَّةُ اَلْفُقَهَاءِ. تَعْرِيفُ اَلتِّرْمِذِيِّ لِلْحَدِيثِ اَلْحَسَنِ: قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ وَرُوِّينَا عَنْ اَلتِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ يُرِيدُ بِالْحَسَنِ أَنْ يَكُونَ فِي إِسْنَادِهِ مَنْ يُتَّهَمُ بِالْكَذِبِ, وَلَا يَكُونَ حَدِيثًا شَاذًّا, وَيُرْوَى مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ نَحْوُ ذَلِكَ. وَهَذَا إِذَا كَانَ قَدْ رُوِيَ عَنْ اَلتِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ قَالَهُ, فَفِي أَيِّ كِتَابٍ لَهُ قَالَهُ؟ وَأَيْنَ إِسْنَادُهُ عَنْهُ؟ وَإِنْ كَانَ قَدْ فُهِمَ مِنْ اِصْطِلَاحِهِ فِي كِتَابِهِ "اَلْجَامِعِ" فَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ, فَإِنَّهُ يَقُولُ فِي كَثِيرٍ مِنَ اَلْأَحَادِيثِ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ, لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا اَلْوَجْهِ. (تَعْرِيفَاتٌ أُخْرَى لِلْحَسَنِ) قَالَ اَلشَّيْخُ عَمْرُو بْنُ اَلصَّلَاحِ -رَحِمَهُ اَللَّهُ- وَقَالَ بَعْضُ اَلْمُتَأَخِّرِينَ اَلْحَدِيثُ اَلَّذِي فِيهِ ضَعْفٌ قَرِيبٌ مُحْتَمَلٌ, هُوَ اَلْحَدِيثُ اَلْحَسَنُ, وَيَصْلُحُ لِلْعَمَلِ بِهِ. ثُمَّ قَالَ اَلشَّيْخُ وَكُلُّ هَذَا مُسْتَبْهِمٌ لَا يَشْفِي اَلْغَلِيلَ, وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ مَا يَفْصِلُ اَلْحَسَنَ عَنْ اَلصَّحِيحِ, وَقَدْ أَمْعَنْتُ اَلنَّظَرَ فِي ذَلِكَ وَالْبَحْثَ, فَتَنَقَّحَ لِي وَاتَّضَحَ أَنَّ اَلْحَدِيثَ اَلْحَسَنَ قِسْمَانِ: (أَحَدُهُمَا) اَلْحَدِيثُ اَلَّذِي لَا يَخْلُو رِجَالُ إِسْنَادِهِ مِنْ مَسْتُورٍ لَمْ تَتَحَقَّقْ أَهْلِيَّتُهُ, غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ مُغَفَّلًا كَثِيرَ اَلْخَطَأِ, وَلَا هُوَ مُتَّهَمٌ بِالْكَذِبِ, وَيَكُونُ مَتْنُ اَلْحَدِيثِ قَدْ رُوِيَ مِثْلُهُ أَوْ نَحْوُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ, فَيَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ شَاذًّا أَوْ مُنْكَرًا ثُمَّ قَالَ وَكَلَامُ اَلتِّرْمِذِيِّ عَلَى هَذَا اَلْقِسْمِ يُتَنَزَّلُ. (قُلْتُ) لَا يُمْكِنُ تَنْزِيلُهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (اَلْقِسْمُ اَلثَّانِي) أَنْ يَكُونَ رَاوِيهِ مِنَ اَلْمَشْهُورِينَ بِالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ وَلَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ رِجَالِ اَلصَّحِيحِ فِي اَلْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ, وَلَا يُعَدُّ مَا يَنْفَرِدُ بِهِ مُنْكَرًا, وَلَا يَكُونُ اَلْمَتْنُ شَاذًّا وَلَا مُعَلَّلًا قَالَ وَعَلَى هَذَا يُتَنَزَّلُ كَلَامُ اَلْخَطَّابِيِّ, قَالَ وَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَجْمَعُ بَيْنَ كَلَامَيْهِمَا. قَالَ اَلشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو لَا يَلْزَمُ مِنْ وُرُودِ اَلْحَدِيثِ مِنْ طُرُقِ مُتَعَدِّدَةٍ كَحَدِيث: "اَلْأُذُنَانِ مِنْ اَلرَّأْسِ" أَنْ يَكُونَ حَسَنًا; لِأَنَّ اَلضَّعْفَ يَتَفَاوَتُ, فَمِنْهُ مَا لَا يَزُولُ بِالْمُتَابَعَاتِ, يَعْنِي لَا يُؤَثِّرُ كَوْنُهُ تَابِعًا أَوْ مَتْبُوعًا, كَرِوَايَةِ اَلْكَذَّابِينَ وَالْمَتْرُوكِينَ, وَمِنْهُ ضَعْفٌ يَزُولُ بِالْمُتَابَعَةِ, كَمَا إِذَا كَانَ رَاوِيهِ سَيِّئَ اَلْحِفْظِ, أَوْ رَوَى اَلْحَدِيثَ مُرْسَلًا, فَإِنَّ اَلْمُتَابَعَةَ تَنْفَعُ حِينَئِذٍ, وَيُرْفَعُ اَلْحَدِيثُ عَنْ حَضِيضِ اَلضَّعْفِ إِلَى أَوْجِ اَلْحُسْنِ أَوْ اَلصِّحَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (اَلتِّرْمِذِيُّ أَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ اَلْحَدِيثِ اَلْحَسَنِ) قَالَ وَكِتَابُ اَلتِّرْمِذِيِّ أَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ اَلْحَدِيثِ اَلْحَسَنِ, وَهُوَ اَلَّذِي نَوَّهَ بِذِكْرِهِ, وَيُوجَدُ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ مِنْ مَشَايِخِهِ, كَأَحْمَدَ, وَالْبُخَارِيِّ, وَكَذَا مَنْ بَعْدَهُ, كَاَلدَّارَقُطْنِيِّ. (أَبُو دَاوُدَ مِنْ مَظَانِّ اَلْحَدِيثِ اَلْحَسَنِ) قَالَ وَمِنْ مَظَانِّهِ سُنَنُ أَبِي دَاوُدَ, رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ ذَكَرْتُ اَلصَّحِيحَ وَمَا يُشْبِهُهُ وَيُقَارِبُهُ, وَمَا كَانَ فِيهِ وَهَنٌ شَدِيدٌ بَيَّنْتُهُ, وَمَا لَمْ أَذْكُرْ فِيهِ شَيْئًا فَهُوَ صَالِحٌ, وَبَعْضُهَا أَصَحُّ مِنْ بَعْضٍ قَالَ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَذْكُرُ فِي كُلِّ بَابٍ أَصَحَّ مَا عَرَفَهُ فِيهِ. (قُلْتُ) وَيُرْوَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ هُوَ حَسَنٌ. قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ: فَمَا وَجَدْنَاهُ فِي كِتَابِهِ مَذْكُورًا مُطْلَقًا وَلَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْ اَلصَّحِيحَيْنِ, وَلَا نَصَّ عَلَى صِحَّتِهِ أَحَدٌ, فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ. (قُلْتُ) اَلرِّوَايَاتُ عَنْ أَبِي دَاوُدَ بِكِتَابِهِ (اَلسُّنَنِ) كَثِيرَةٌ جِدًّا, وَيُوجَدُ فِي بَعْضِهَا مِنَ اَلْكَلَامِ, بَلْ وَالْأَحَادِيثِ, مَا لَيْسَ فِي اَلْأُخْرَى وَلِأَبِي عُبَيْدٍ الْآجُرِّيِّ عَنْهُ أَسْئِلَةٌ فِي اَلْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ, وَالتَّصْحِيحِ وَالتَّعْلِيلِ, كِتَابٌ مُفِيدٌ وَمِنْ ذَلِكَ أَحَادِيثُ وَرِجَالٌ قَدْ ذَكَرَهَا فِي سُنَنِهِ فَقَوْلُهُ وَمَا سَكَتَ عَلَيْهِ فَهُوَ حَسَنٌ, مَا سَكَتَ عَلَيْهِ فِي سُنَنِهِ فَقَطْ؟ أَوْ مُطْلَقًا؟ هَذَا مِمَّا يَنْبَغِي اَلتَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَالتَّيَقُّظُ لَهُ. كِتَابُ اَلْمَصَابِيحٍ لِلْبَغَوِيِّ: قَالَ وَمَا يَذْكُرُهُ اَلْبَغَوِيُّ فِي كِتَابِهِ (اَلْمَصَابِيحِ) مِنْ أَنَّ اَلصَّحِيحَ مَا أَخْرَجَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا, وَأَنَّ اَلْحَسَنَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَاَلتِّرْمِذِيُّ وَأَشْبَاهُهُمَا, فَهُوَ اِصْطِلَاحٌ خَاصٌّ, لَا يُعْرَفُ إِلَّا لَهُ وَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ اَلنَّوَوِيُّ ذَلِكَ لِمَا فِي بَعْضِهِمَا مِنَ اَلْأَحَادِيثِ اَلْمُنْكَرَةِ. صِحَّةُ اَلْإِسْنَادِ لَا يَلْزَمُ مِنْهَا صِحَّةُ اَلْحَدِيثِ: قَالَ وَالْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ أَوْ اَلْحُسْنِ عَلَى اَلْإِسْنَادِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ اَلْحُكْمُ بِذَلِكَ عَلَى اَلْمَتْنِ, إِذْ قَدْ يَكُونُ شَاذًّا أَوْ مُعَلَّلًا. قَوْلُ اَلتِّرْمِذِيِّ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ وَأَمَّا قَوْلُ اَلتِّرْمِذِيِّ "هَذَا حَسَنٌ صَحِيحٌ" فَمُشْكِلٌ; لِأَنَّ اَلْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ كَالْمُتَعَذِّرِ, فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ إِسْنَادَيْنِ حَسَنٍ وَصَحِيحٍ. (قُلْتُ) وَهَذَا يَرُدُّهُ أَنَّهُ يَقُولُ فِي بَعْضِ اَلْأَحَادِيثِ "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ, لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا اَلْوَجْهِ". وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هُوَ حَسَنٌ بِاعْتِبَارِ اَلْمَتْنِ, صَحِيحٌ بِاعْتِبَارِ الْإِسْنَادِ وَفِي هَذَا نَظَرٌ أَيْضًا, فَإِنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ فِي أَحَادِيثَ مَرْوِيَّةٍ فِي صِفَةِ جَهَنَّمَ, وَفِي اَلْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ, وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يُشَرِّبُ اَلْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ عَلَى اَلْحَدِيثِ كَمَا يُشَرِّبُ اَلْحُسْنَ بِالصِّحَّةِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَا يَقُولُ فِيهِ "حَسَنٌ صَحِيحٌ" أَعْلَى رُتْبَةً عِنْدَهُ مِنَ اَلْحَسَنِ, وَدُونَ اَلصَّحِيحِ, وَيَكُونُ حُكْمُهُ عَلَى اَلْحَدِيثِ بِالصِّحَّةِ اَلْمَحْضَةِ أَقْوَى مِنْ حُكْمِهِ عَلَيْهِ بِالصِّحَّةِ مَعَ اَلْحُسْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اَلنَّوْعُ الثَّالِثُ اَلْحَدِيثُ اَلضَّعِيفُ قَالَ وَهُوَ مَا لَمْ يَجْتَمِعْ فِيهِ صِفَاتُ اَلصَّحِيحِ, وَلَا صِفَاتُ اَلْحَسَنِ اَلْمَذْكُورَةُ كَمَا تَقَدَّمَ. ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى تَعْدَادِهِ وَتَنَوُّعِهِ بِاعْتِبَارِ فَقْدِهِ وَاحِدَةً مِنْ صِفَاتِ اَلصِّحَّةِ أَوْ أَكْثَرَ, أَوْ جَمِيعَهَا. فَيَنْقَسِمُ جِنْسُهُ إِلَى اَلْمَوْضُوعِ, وَالْمَقْلُوبِ, وَالشَّاذِّ, وَالْمُعَلَّلِ, وَالْمُضْطَرِبِ, وَالْمُرْسَلِ, وَالْمُنْقَطِعِ, وَالْمُعْضَلِ, وَغَيْرِ ذَلِكَ. اَلنَّوْعُ اَلرَّابِعُ اَلْمُسْنَدُ قَالَ اَلْحَاكِمُ هُوَ مَا اِتَّصَلَ إِسْنَادُهُ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. وَقَالَ اَلْخَطِيبُ هُوَ مَا اِتَّصَلَ إِلَى مُنْتَهَاهُ. وَحَكَى اِبْنُ عَبْدِ اَلْبَرِّ أَنَّهُ اَلْمَرْوِيُّ عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سَوَاءٌ كَانَ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْقَطِعًا. فَهَذِهِ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ. اَلنَّوْعُ اَلْخَامِسُ اَلْمُتَّصِلُ وَيُقَالُ لَهُ: "اَلْمَوْصُولُ" أَيْضًا, وَهُوَ يَنْفِي اَلْإِرْسَالَ وَالِانْقِطَاعَ, وَيَشْمَلُ اَلْمَرْفُوعَ إِلَى اَلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَالْمَوْقُوفَ عَلَى اَلصَّحَابِيِّ أَوْ مَنْ دُونَهُ. اَلنَّوْعُ اَلسَّادِسُ: اَلْمَرْفُوعُ هُوَ مَا أُضِيفَ إِلَى اَلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَوْلًا أَوْ فِعْلًا عَنْهُ, وَسَوَاءٌ كَانَ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْقَطِعًا أَوْ مُرْسَلًا, وَنَفَى اَلْخَطِيبُ أَنْ يَكُونَ مُرْسَلًا فَقَالَ هُوَ مَا أَخْبَرَ فِيهِ اَلصَّحَابِيُّ عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. اَلنَّوْعُ اَلسَّابِعُ: اَلْمَوْقُوفُ وَمُطْلَقُهُ يَخْتَصُّ بِالصَّحَابِيِّ, وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَنْ دُونَهُ إِلَّا مُقَيَّدًا وَقَدْ يَكُونُ إِسْنَادُهُ مُتَّصِلًا وَغَيْرَ مُتَّصِلٍ, وَهُوَ اَلَّذِي يُسَمِّيهِ كَثِيرٌ مِنَ اَلْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ أَيْضًا أَثَرًا وَعَزَاهُ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ إِلَى اَلْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ اَلْمَوْقُوفَ أَثَرًا. (قَالَ) وَبَلَغَنَا عَنْ أَبِي اَلْقَاسِمِ الفُورَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ اَلْخَبَرُ مَا كَانَ عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَالْأَثَرُ مَا كَانَ عَنْ اَلصَّحَابِيِّ. (قُلْتُ) وَمِنْ هَذَا يُسَمِّي كَثِيرٌ مِنَ اَلْعُلَمَاءِ اَلْكِتَابَ اَلْجَامِعَ لِهَذَا وَهَذَا (بِالسُّنَنِ وَالْآثَارِ) كَكِتَابَيْ (اَلسُّنَنِ وَالْآثَارِ) لِلطَّحَاوِيِّ, وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اَلنَّوْعُ اَلثَّامِنُ اَلْمَقْطُوعُ وَهُوَ اَلْمَوْقُوفُ عَلَى اَلتَّابِعِينَ قَوْلًا وَفِعْلًا, وَهُوَ غَيْرُ اَلْمُنْقَطِعِ وَقَدْ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ اَلشَّافِعِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ إِطْلَاقُ "اَلْمَقْطُوعِ" عَلَى مُنْقَطِعِ اَلْإِسْنَادِ غَيْرِ اَلْمَوْصُولِ. وَقَدْ تَكَلَّمَ اَلشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو عَلَى قَوْلِ اَلصَّحَابِيِّ "كُنَّا نَفْعَلُ", أَوْ "نَقُولُ كَذَا", إِنْ لَمْ يُضِفْهُ إِلَى زَمَانِ اَلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ البُرْقَانِيُّ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي بَكْرٍ اَلْإِسْمَاعِيلِيِّ إِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ اَلْمَوْقُوفِ وَحَكَمَ اَلنَّيْسَابُورِيُّ بِرَفْعِهِ; لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى اَلتَّقْرِيرِ, وَرَجَّحَهُ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ. قَالَ وَمِنْ هَذَا اَلْقَبِيلِ قَوْلُ اَلصَّحَابِيِّ "كُنَّا لَا نَرَى بَأْسًا بِكَذَا", أَوْ "كَانُوا يَفْعَلُونَ أَوْ يَقُولُونَ", أَوْ "يُقَالُ كَذَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اَللَّهِ -صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" إِنَّهُ مِنَ قَبِيلِ اَلْمَرْفُوعِ. وَقَوْلُ اَلصَّحَابِيِّ "أُمِرْنَا بِكَذَا" أَوْ "نُهِينَا عَنْ كَذَا" مَرْفُوعٌ مُسْنَدٌ عِنْدَ أَصْحَابِ اَلْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ اَلْعِلْمِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ فَرِيقٌ, مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ اَلْإِسْمَاعِيلِيُّ وَكَذَا اَلْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ "مِنْ اَلسُّنَّةِ كَذَا", وَقَوْلِ أَنَسٍ "أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ اَلْأَذَانَ وَيُوتِرَ اَلْإِقَامَةَ". قَالَ وَمَا قِيلَ مِنْ تَفْسِيرِ اَلصَّحَابِيِّ فِي حُكْمِ اَلْمَرْفُوعِ, فَإِنَّمَا ذَلِكَ فِيمَا كَانَ سَبَبَ نُزُولٍ, أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. أَمَّا إِذَا قَالَ اَلرَّاوِي عَنْ اَلصَّحَابِيِّ "يَرْفَعُ اَلْحَدِيثَ" أَوْ "يَنْمِيهِ" أَوْ "يَبْلُغُ بِهِ اَلنَّبِيَّ -صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-", فَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ اَلْحَدِيثِ مِنْ قَبِيلِ اَلْمَرْفُوعِ اَلصَّرِيحِ فِي اَلرَّفْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 11:52 pm عدل 1 مرات |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: كتاب "اِخْتِصَارُ عُلُومِ اَلْحَدِيثِ" الأحد 05 يونيو 2011, 4:54 am | |
| اَلنَّوْعُ اَلتَّاسِعُ اَلْمُرْسَلُ قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ وَصُورَتُهُ اَلَّتِي لَا خِلَافَ فِيهَا حَدِيثُ اَلتَّابِعِيِّ اَلْكَبِيرِ اَلَّذِي قَدْ أَدْرَكَ جَمَاعَةً مِنْ اَلصَّحَابَةِ وَجَالَسَهُمْ, كَعُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ اَلْخِيَارِ, ثُمَّ سَعِيدِ بْنِ اَلْمُسَيَّبِ, وَأَمْثَالِهِمَا, إِذَا قَالَ "قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وَالْمَشْهُورُ اَلتَّسْوِيَةُ بَيْنَ اَلتَّابِعِينَ أَجْمَعِينَ فِي ذَلِكَ وَحَكَى اِبْنُ عَبْدِ اَلْبَرِّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَا يُعَدُّ إِرْسَالُ صِغَارِ اَلتَّابِعِينَ مُرْسَلًا. ثُمَّ إِنَّ اَلْحَاكِمَ يَخُصُّ اَلْمُرْسَلَ بِالتَّابِعِينَ وَالْجُمْهُورُ مِنَ اَلْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ يُعَمِّمُونَ اَلتَّابِعِينَ وَغَيْرَهُمْ. (قُلْتُ) قَالَ أَبُو عَمْرٍو بْنُ اَلْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي أُصُولِ اَلْفِقْهِ اَلْمُرْسَلُ قَوْلُ غَيْرِ اَلصَّحَابِيِّ "قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِتَصْوِيرِهِ عِنْدَ اَلْمُحَدِّثِينَ. وَأَمَّا كَوْنُهُ حُجَّةً فِي اَلدِّينِ, فَذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِعِلْمِ اَلْأُصُولِ, وَقَدْ أَشْبَعْنَا اَلْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِنَا "اَلْمُقَدِّمَاتِ". وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ "أَنَّ اَلْمُرْسَلَ فِي أَصْلِ قَوْلِنَا وَقَوْلِ أَهْلِ اَلْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ" وَكَذَا حَكَاهُ اِبْنُ عَبْدِ اَلْبَرِّ عَنْ جَمَاعَةِ أَصْحَابِ اَلْحَدِيثِ. وَقَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ سُقُوطِ اَلِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسَلِ وَالْحُكْمِ بِضَعْفِهِ, هُوَ اَلَّذِي اِسْتَقَرَّ عَلَيْهِ آرَاءُ جَمَاعَةِ حُفَّاظِ اَلْحَدِيثِ وَنُقَّادِ اَلْأَثَرِ, وَتَدَاوَلُوهُ فِي تَصَانِيفِهِمْ. قَالَ وَالِاحْتِجَاجُ بِهِ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمَا فِي طَائِفَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قُلْتُ) وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ اَلْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ, فِي رِوَايَةٍ. وَأَمَّا اَلشَّافِعِيُّ فَنَصَّ عَلَى أَنَّ مُرْسَلَاتِ سَعِيدِ بْنِ اَلْمُسَيَّبِ حِسَانٌ, قَالُوا لِأَنَّهُ تَتَبَّعَهَا فَوَجَدَهَا مُسْنَدَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاَلَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ كَلَامَهُ فِي اَلرِّسَالَةِ "أَنَّ مَرَاسِيلَ كِبَارِ اَلتَّابِعِينَ حُجَّةٌ إِنْ جَاءَتْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ, وَلَوْ مُرْسَلَةً, أَوْ اِعْتَضَدَتْ بِقَوْلِ صَحَابِيٍّ أَوْ أَكْثَرِ اَلْعُلَمَاءِ, أَوْ كَانَ اَلْمُرْسِلُ لَوْ سَمَّى لَا يُسَمِّي إِلَّا ثِقَةً, فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُرْسَلُهُ حُجَّةً, وَلَا يَنْتَهِضُ إِلَى رُتْبَةِ اَلْمُتَّصِلِ". قَالَ اَلشَّافِعِيُّ وَأَمَّا مَرَاسِيلُ غَيْرِ كِبَارِ اَلتَّابِعِينَ فَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَبِلَهَا. قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ وَأَمَّا مَرَاسِيلُ اَلصَّحَابَةِ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَمْثَالِهِ, فَفِي حُكْمِ اَلْمَوْصُولِ; لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَرْوُونَ عَنْ اَلصَّحَابَةِ, وَكُلُّهُمْ عُدُولٌ, فَجَهَالَتُهُمْ لَا تَضُرُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قُلْتُ) وَقَدْ حَكَى بَعْضُهُمْ اَلْإِجْمَاعَ عَلَى قَبُولِ مَرَاسِيلِ اَلصَّحَابَةِ وَذَكَرَ اِبْنُ اَلْأَثِيرِ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَيُحْكَى هَذَا اَلْمَذْهَبُ عَنْ اَلْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِينِيِّ, لِاحْتِمَالِ تَلَقِّيهِمْ عَنْ بَعْضِ اَلتَّابِعِينَ. وَقَدْ وَقَعَ رِوَايَةُ اَلْأَكَابِرِ عَنْ اَلْأَصَاغِرِ, وَالْآبَاءِ عَنْ اَلْأَبْنَاءِ, كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اَللَّهُ -تَعَالَى-. "تَنْبِيهٌ" وَالْحَافِظُ اَلْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ (اَلسُّنَنِ اَلْكَبِيرِ) وَغَيْرِهِ يُسَمِّي مَا رَوَاهُ اَلتَّابِعِيُّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ اَلصَّحَابَةِ "مُرْسَلًا" فَإِنْ كَانَ يَذْهَبُ مَعَ هَذَا إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ مُرْسَلُ اَلصَّحَابَةِ أَيْضًا لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اَلنَّوْعُ اَلْعَاشِرُ: اَلْمُنْقَطِعُ قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ وَفِيهِ وَفِي اَلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اَلْمُرْسَلِ مَذَاهِبُ. (قُلْتُ) فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ أَنْ يَسْقُطَ مِنَ اَلْإِسْنَادِ رَجُلٌ, أَوْ يُذْكَرُ فِيهِ رَجُلٌ مُبْهَمٌ. وَمَثَّلَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ لِلْأَوَّلِ بِمَا رَوَاهُ عَبْدُ اَلرَّزَّاقِ عَنْ اَلثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ زَيْدِ بْنِ يُثَيْعٍ عَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا: "إِنْ وَلَّيْتُمُوهَا أَبَا بَكْرٍ فَقَوِيٌّ أَمِينٌ" اَلْحَدِيثَ قَالَ فَفِيهِ اِنْقِطَاعٌ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ عَبْدَ اَلرَّزَّاقِ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ اَلثَّوْرِيِّ, إِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ اَلنُّعْمَانِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ اَلْجَنَدِيِّ عَنْهُ وَالثَّانِي أَنَّ اَلثَّوْرِيَّ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ, إِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ شَرِيكٍ عَنْهُ. وَمَثَّلَ اَلثَّانِيَ بِمَا رَوَاهُ أَبُو اَلْعَلَاءِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ رَجُلَيْنِ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ, حَدِيثُ "اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ اَلثَّبَاتَ فِي اَلْأَمْرِ". وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ اَلْمُنْقَطِعُ مِثْلُ اَلْمُرْسَلِ, وَهُوَ كُلُّ مَا لَا يَتَّصِلُ إِسْنَادُهُ, غَيْرَ أَنَّ اَلْمُرْسَلَ أَكْثَرُ مَا يُطْلَقُ عَلَى مَا رَوَاهُ اَلتَّابِعِيُّ عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ وَهَذَا أَقْرَبُ, وَهُوَ اَلَّذِي صَارَ إِلَيْهِ طَوَائِفُ مِنَ اَلْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ, وَهُوَ اَلَّذِي ذَكَرَهُ اَلْخَطِيبُ اَلْبَغْدَادِيُّ فِي كِفَايَتِهِ. قَالَ وَحَكَى اَلْخَطِيبُ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ اَلْمُنْقَطِعَ مَا رُوِيَ عَنْ اَلتَّابِعِيِّ فَمَنْ دُونَهُ, مَوْقُوفًا عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ فِعْلِهِ وَهَذَا بَعِيدٌ غَرِيبٌ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
اَلنَّوْعُ اَلْحَادِي عَشَرَ اَلْمُعْضَلُ وَهُوَ مَا سَقَطَ مِنْ إِسْنَادِهِ اِثْنَانِ فَصَاعِدًا, وَمِنْهُ مَا يُرْسِلُهُ تَابِعُ اَلتَّابِعِيِّ قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ وَمِنْهُ قَوْلُ اَلْمُصَنِّفِينَ مِنَ اَلْفُقَهَاءِ "قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" وَقَدْ سَمَّاهُ اَلْخَطِيبُ فِي بَعْضِ مُصَنَّفَاتِهِ "مُرْسَلًا" وَذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُسَمِّي كُلَّ مَا لَا يَتَّصِلُ إِسْنَادُهُ "مُرْسَلًا" .
قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ وَقَدْ رَوَى اَلْأَعْمَشُ عَنْ اَلشَّعْبِيِّ قَالَ وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا; فَيَقُولُ لَا, فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ اَلْحَدِيثَ قَالَ فَقَدْ أَعْضَلَهُ اَلْأَعْمَشُ; لِأَنَّ اَلشَّعْبِيَّ يَرْوِيهِ عَنْ أَنَسٍ عَنْ اَلنَّبِيِّ قَالَ فَقَدْ أَسْقَطَ مِنْهُ اَلْأَعْمَشُ أَنَسًا وَالنَّبِيَّ فَتَنَاسَبَ أَنْ يُسَمَّى مُعْضَلًا .
قَالَ وَقَدْ حَاوَلَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُطْلِقَ عَلَى اَلْإِسْنَادِ المُعَنْعَنِ اِسْمَ "اَلْإِرْسَالِ" أَوْ "اَلِانْقِطَاعِ" . قَالَ وَالصَّحِيحُ اَلَّذِي عَلَيْهِ اَلْعَمَلُ أَنَّهُ مُتَّصِلٌ مَحْمُولٌ عَلَى اَلسَّمَاعِ, إِذَا تَعَاصَرُوا, مَعَ اَلْبَرَاءَةِ مِنْ وَصْمَةِ اَلتَّدْلِيسِ .
وَقَدْ اِدَّعَى اَلشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو اَلدَّانِيُّ اَلْمُقْرِئُ إِجْمَاعَ أَهْلِ اَلنَّقْلِ عَلَى ذَلِكَ, وَكَادَ اِبْنُ عَبْدِ اَلْبَرِّ أَنْ يَدَّعِيَ ذَلِكَ أَيْضًا .
(قُلْتُ) وَهَذَا هُوَ اَلَّذِي اِعْتَمَدَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَشَنَّعَ فِي خُطْبَتِهِ عَلَى مَنْ يَشْتَرِطُ مَعَ اَلْمُعَاصَرَةِ اَللُّقْيَ, حَتَّى قِيلَ إِنَّهُ يُرِيدُ اَلْبُخَارِيَّ, وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرِيدُ عَلِيَّ بْنَ اَلْمَدِينِيِّ, فَإِنَّهُ يَشْتَرِطُ ذَلِكَ فِي أَصْلِ صِحَّةِ اَلْحَدِيثِ, وَأَمَّا اَلْبُخَارِيُّ فَإِنَّهُ لَا يَشْتَرِطُهُ فِي أَصْلِ اَلصِّحَّةِ, وَلَكِنْ اِلْتَزَمَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ "اَلصَّحِيحِ" وَقَدْ اِشْتَرَطَ أَبُو اَلْمُظَفَّرِ السَّمْعَانِيُّ مَعَ اَللِّقَاءِ طُولَ اَلصَّحَابَةِ وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو اَلدَّانِيُّ إِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ قُبِلَتْ اَلْعَنْعَنَةُ وَقَالَ اَلْقَابِسِيُّ إِنْ أَدْرَكَهُ إِدْرَاكًا بَيِّنًا .
وَقَدْ اِخْتَلَفَ اَلْأَئِمَّةُ فِيمَا إِذَا قَالَ اَلرَّاوِي "إِنَّ فُلَانًا قَالَ" هَلْ هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ "عَنْ فُلَانٍ", فَيَكُونُ مَحْمُولًا عَلَى اَلِاتِّصَالِ, حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ؟ أَوْ يَكُونَ قَوْلُهُ "إِنَّ فُلَانًا قَالَ" دُونَ قَوْلِهِ "عَنْ فُلَانٍ"؟ كَمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو بَكْرٍ الْبَرْدِيجِيُّ, فَجَعَلُوا "عَنْ" صِيغَةَ اِتِّصَالٍ, وَقَوْلُهُ "إِنَّ فُلَانًا قَالَ كَذَا" فِي حُكْمِ اَلِانْقِطَاعِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ وَذَهَبَ اَلْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي كَوْنِهِمَا مُتَّصِلَيْنِ, قَالَهُ اِبْنُ عَبْدِ اَلْبَرِّ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ .
وَقَدْ حَكَى اِبْنُ عَبْدِ اَلْبَرِّ اَلْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ اَلْإِسْنَادَ اَلْمُتَّصِلَ بِالصَّحَابِيِّ, سَوَاءٌ فِيهِ أَنْ يَقُولَ "عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ -صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-", أَوْ "قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" أَوْ "سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ -صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" .
وَبَحَثَ اَلشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو هَهُنَا فِيمَا إِذَا أَسْنَدَ اَلرَّاوِي مَا أَرْسَلَهُ غَيْرُهُ, فَمِنْهُمْ مَنْ قَدَحَ فِي عَدَالَتِهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ, إِذَا كَانَ اَلْمُخَالِفُ لَهُ أَحْفَظَ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ عَدَدًا, وَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ بِالْكَثْرَةِ أَوْ اَلْحِفْظِ, وَمِنْهُمْ مَنْ قَبِلَ اَلْمُسْنَدَ مُطْلَقًا, إِذَا كَانَ عَدْلًا ضَابِطًا وَصَحَّحَهُ اَلْخَطِيبُ وَابْنُ اَلصَّلَاحِ, وَعَزَاهُ إِلَى اَلْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ, وَحُكِيَ عَنْ اَلْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: اَلزِّيَادَةُ مِنَ اَلثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ .
اَلنَّوْعُ اَلثَّانِيَ عَشَرَ: اَلْمُدَلِّسُ وَالتَّدْلِيسُ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَرْوِيَ عَمَّنْ لَقِيَهُ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ, أَوْ عَمَّنْ عَاصَرَهُ وَلَمْ يَلْقَهُ, مُوهِمًا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ . وَمِنَ اَلْأَوَّلِ قَوْلُ اِبْنُ خَشْرَمٍ كُنَّا عِنْدَ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ, فَقَالَ "قَالَ اَلزُّهْرِيُّ كَذَا" فَقِيلَ لَهُ أَسَمِعْتَ مِنْهُ هَذَا؟ قَالَ "حَدَّثَنِي بِهِ عَبْدُ اَلرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْهُ" .
وَقَدْ كَرِهَ هَذَا اَلْقِسْمَ مِنْ اَلتَّدْلِيسِ جَمَاعَةٌ مِنَ اَلْعُلَمَاءِ وَذَمُّوهُ وَكَانَ شُعْبَةُ أَشَدَّ اَلنَّاسِ إِنْكَارًا لِذَلِكَ, وَيُرْوَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِأَنْ أَزْنِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُدَلِّسَ .
قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ : وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى اَلْمُبَالَغَةِ وَالزَّجْرِ .
وَقَالَ اَلشَّافِعِيُّ اَلتَّدْلِيسُ أَخُو اَلْكَذِبِ .
وَمِنَ اَلْحُفَّاظِ مَنْ جَرَّحَ مَنْ عُرِفَ بِهَذَا اَلتَّدْلِيسِ مِنْ اَلرُّوَاةِ, فَرَدَّ رِوَايَتَهُ مُطْلَقًا, وَإِنْ أَتَى بِلَفْظِ اَلِاتِّصَالِ, وَلَوْ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّهُ دَلَّسَ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً, كَمَا قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ اَلشَّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اَللَّهُ- .
قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ : وَالصَّحِيحُ اَلتَّفْصِيلُ بَيْنَ مَا صُرِّحَ فِيهِ بِالسَّمَاعِ, فَيُقْبَلُ, وَبَيْنَ مَا أُتِيَ فِيهِ بِلَفْظٍ مُحْتَمَلٍ, فَيُرَدُّ .
قَالَ وَفِي اَلصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ جَمَاعَةٍ مِنْ هَذَا اَلضَّرْبِ, كَالسُّفْيَانَيْنِ وَالْأَعْمَشِ وَقَتَادَةَ وَهُشَيْمٍ وَغَيْرِهِمْ .
(قُلْتُ) وَغَايَةُ اَلتَّدْلِيسِ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنَ اَلْإِرْسَالِ لِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ, وَهُوَ يَخْشَى أَنْ يُصَرِّحَ بِشَيْخِهِ فَيُرَدُّ مِنْ أَجْلِهِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا اَلْقِسْمُ اَلثَّانِي مِنْ اَلتَّدْلِيسِ فَهُوَ اَلْإِتْيَانُ بِاسْمِ اَلشَّيْخِ أَوْ كُنْيَتِهِ عَلَى خِلَافِ اَلْمَشْهُورِ بِهِ, تَعْمِيَةً لِأَمْرِهِ, وَتَوْعِيرًا لِلْوُقُوفِ عَلَى حَالِهِ, وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ اَلْمَقَاصِدِ, فَتَارَةً يُكْرَهُ, كَمَا إِذَا كَانَ أَصْغَرَ سِنًّا مِنْهُ, أَوْ نَازِلَ اَلرِّوَايَةِ, وَنَحْوَ ذَلِكَ, وَتَارَةً يَحْرُمُ, كَمَا إِذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ فَدَلَّسَهُ لِئَلَّا يُعْرَفَ حَالُهُ, أَوْ أَوْهَمَ أَنَّهُ رَجُلٌ آخَرُ مِنَ اَلثِّقَاتِ عَلَى وَفْقِ اِسْمِهِ أَوْ كُنْيَتِهِ .
وَقَدْ رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ اَلْمُقْرِئُ عَنْ أَبِيهِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي دَاوُدَ فَقَالَ "حَدَّثَنَا عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ", وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَنٍ اَلنَّقَّاشِ اَلْمُفَسِّرِ فَقَالَ "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَنَدٍ" نَسَبُهُ إِلَى جَدٍّ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ اَلشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو بْنُ اَلصَّلَاحِ : وَقَدْ كَانَ اَلْخَطِيبُ لَهَجَ بِهَذَا اَلْقِسْمِ فِي مُصَنَّفَاتِهِ.
اَلنَّوْعُ اَلثَّالِثَ عَشَرَ اَلشَّاذُّ قَالَ اَلشَّافِعِيُّ وَهُوَ أَنْ يَرْوِيَ اَلثِّقَةُ حَدِيثًا يُخَالِفُ مَا رَوَى اَلنَّاسُ, وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَرْوِيَ مَا لَمْ يَرْوِ غَيْرُهُ .
وَقَدْ حَكَاهُ اَلْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى اَلْخَلِيلِيُّ اَلْقَزْوِينِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ اَلْحِجَازِيِّينَ أَيْضًا .
قَالَ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ حُفَّاظُ اَلْحَدِيثِ أَنَّ اَلشَّاذَّ مَا لَيْسَ لَهُ إِلَّا إِسْنَادٌ وَاحِدٌ, يَشِذُّ بِهِ ثِقَةٌ أَوْ غَيْرُ ثِقَةٍ, فَيُتَوَقَّفُ فِيمَا شَذَّ بِهِ اَلثِّقَةُ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ, وَيُرَدُّ مَا شَذَّ بِهِ غَيْرُ اَلثِّقَةِ .
وَقَالَ اَلْحَاكِمُ اَلنَّيْسَابُورِيُّ هُوَ اَلَّذِي يَنْفَرِدُ بِهِ اَلثِّقَةُ, وَلَيْسَ لَهُ مُتَابِعٌ قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ وَيُشْكِلُ عَلَى هَذَا حَدِيثُ اَلْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ فَإِنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ عُمَرُ, وَعَنْهُ عَلْقَمَةُ, وَعَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ, وَعَنْهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ اَلْأَنْصَارِيُّ .
(قُلْتُ) ثُمَّ تَوَاتَرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ هَذَا, فَيُقَالُ إِنَّهُ رَوَاهُ عَنْهُ نَحْوٌ مِنْ مِائَتَيْنِ, وَقِيلَ أَزْيَدُ مِنْ ذَلِكَ, وَقَدْ ذَكَرَ لَهُ اِبْنُ مَنْدَهْ مُتَابَعَاتٍ غَرَائِبَ, وَلَا تَصِحُّ, كَمَا بَسَطْنَاهُ فِي مُسْنَدِ عُمَرَ, وَفِي اَلْأَحْكَامِ اَلْكَبِيرِ .
قَالَ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عُمَرَ "أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ بَيْعِ اَلْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ" .
وَتَفَرَّدَ مَالِكٌ عَنْ اَلزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ مَكَّةَ, وَعَلَى رَأْسِهِ اَلْمِغْفَرُ . وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ اَلْأَحَادِيثِ اَلثَّلَاثَةِ فِي اَلصَّحِيحَيْنِ مِنْ هَذِهِ اَلْوُجُوهِ اَلْمَذْكُورَةِ فَقَطْ .
وَقَدْ قَالَ مُسْلِمٌ لِلزُّهْرِيِّ تِسْعُونَ حَرْفًا لَا يَرْوِيهَا غَيْرُهُ .
وَهَذَا اَلَّذِي قَالَهُ مُسْلِمٌ عَنْ اَلزُّهْرِيِّ, مِنْ تَفَرُّدِهِ بِأَشْيَاءَ لَا يَرْوِيهَا غَيْرُهُ يُشَارِكُهُ فِي نَظِيرِهَا جَمَاعَةٌ مِنْ اَلرُّوَاةِ .
فَإِذَنْ اَلَّذِي قَالَهُ اَلشَّافِعِيُّ أَوَّلًا هُوَ اَلصَّوَابُ أَنَّهُ إِذَا رَوَى اَلثِّقَةُ شَيْئًا قَدْ خَالَفَهُ فِيهِ اَلنَّاسُ فَهُوَ اَلشَّاذُّ, يَعْنِي اَلْمَرْدُودَ, وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَرْوِيَ اَلثِّقَةُ مَا لَمْ يَرْوِ غَيْرُهُ, بَلْ هُوَ مَقْبُولٌ إِذَا كَانَ عَدْلًا ضَابِطًا حَافِظًا .
فَإِنَّ هَذَا لَوْ رُدَّ لَرُدَّتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْ هَذَا اَلنَّمَطِ, وَتَعَطَّلَتْ كَثِيرٌ مِنَ اَلْمَسَائِلِ عَنْ اَلدَّلَائِلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا إِنْ كَانَ اَلْمُنْفَرِدُ بِهِ غَيْرَ حَافِظٍ, وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ عَدْلٌ ضَابِطٌ فَحَدِيثُهُ حَسَنٌ فَإِنْ فَقَدَ ذَلِكَ فَمَرْدُودٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
اَلنَّوْعُ اَلرَّابِعَ عَشَرَ اَلْمُنْكَرُ وَهُوَ كَالشَّاذِّ إِنْ خَالَفَ رَاوِيهِ اَلثِّقَاتِ فَمُنْكَرٌ مَرْدُودٌ, وَكَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا ضَابِطًا, وَإِنْ لَمْ يُخَالِفْ, فَمُنْكَرٌ مَرْدُودٌ .
وَأَمَّا إِنْ كَانَ اَلَّذِي تَفَرَّدَ بِهِ عَدْلٌ ضَابِطٌ حَافِظٌ قُبِلَ شَرْعًا, وَلَا يُقَالُ لَهُ "مُنْكَرٌ", وَإِنْ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ لُغَةً .
اَلنَّوْعُ اَلْخَامِسَ عَشَرَ فِي اَلِاعْتِبَارَاتِ وَالْمُتَابَعَاتِ وَالشَّوَاهِدِ مِثَالُهُ: أَنْ يَرْوِيَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ اَلنَّبِيِّ حَدِيثًا, فَإِنْ رَوَاهُ غَيْرُ حَمَّادٍ عَنْ أَيُّوبَ أَوْ غَيْرُ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَوْ غَيْرُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَوْ غَيْرُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ اَلنَّبِيِّ فَهَذِهِ مُتَابَعَاتٌ .
فَإِنَّ مَا رُوِيَ مَعْنَاهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ صَحَابِيٍّ آخَرَ سُمِّيَ شَاهِدًا لِمَعْنَاهُ .
وَإِنْ لَمْ يُرْوَ بِمَعْنَاهُ حَدِيثٌ آخَرُ فَهُوَ فَرْدٌ مِنَ اَلْأَفْرَادِ .
وَيُغْتَفَرُ فِي بَابِ " اَلشَّوَاهِدِ وَالْمُتَابَعَاتِ " مِنْ اَلرِّوَايَةِ عَنْ اَلضَّعِيفِ اَلْقَرِيبِ اَلضَّعْفُ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي اَلْأُصُولِ, كَمَا يَقَعُ فِي اَلصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِثْلُ ذَلِكَ وَلِهَذَا يَقُولُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ فِي بَعْضِ اَلضُّعَفَاءِ "يَصْلُحُ لِلِاعْتِبَارِ", أَوْ "لَا يَصْلُحُ أَنْ يُعْتَبَرَ بِهِ" وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
اَلنَّوْعُ اَلسَّادِسَ عَشَرَ فِي اَلْأَفْرَادِ وَهُوَ أَقْسَامٌ تَارَةً يَنْفَرِدُ بِهِ اَلرَّاوِي عَنْ شَيْخِهِ, كَمَا تَقَدَّمَ, أَوْ يَنْفَرِدُ بِهِ أَهْلُ قُطْرٍ, كَمَا يُقَالُ "تَفَرَّدَ بِهِ أَهْلُ اَلشَّامِ" أَوْ "اَلْعِرَاقِ" أَوْ "اَلْحِجَازِ" أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَقَدْ يَتَفَرَّدُ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ, فَيَجْتَمِعُ فِيهِ اَلْوَصْفَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلِلْحَافِظِ اَلدَّارَقُطْنِيِّ كِتَابٌ فِي اَلْأَفْرَادِ فِي مِائَةِ جُزْءٍ, وَلَمْ يُسْبَقْ إِلَى نَظِيرِهِ وَقَدْ جَمَعَهُ اَلْحَافِظُ مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ فِي أَطْرَافٍ رَتَّبَهُ فِيهَا .
اَلنَّوْعُ اَلسَّابِعَ عَشَرَ فِي زِيَادَةِ اَلثِّقَةِ إِذَا تَفَرَّدَ اَلرَّاوِي بِزِيَادَةٍ فِي اَلْحَدِيثِ عَنْ بَقِيَّةِ اَلرُّوَاةِ عَنْ شَيْخٍ لَهُمْ, وَهَذَا اَلَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ بِزِيَادَةِ اَلثِّقَةِ, فَهَلْ هِيَ مَقْبُولَةٌ أَمْ لَا؟ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ فَحَكَى اَلْخَطِيبُ عَنْ أَكْثَرِ اَلْفُقَهَاءِ قَبُولَهَا, وَرَدَّهَا أَكْثَرُ اَلْمُحَدِّثِينَ .
وَمِنْ اَلنَّاسِ مَنْ قَالَ إِنْ اِتَّحَدَ مَجْلِسُ اَلسَّمَاعِ لَمْ تُقْبَلْ, وَإِنْ تَعَدَّدَ قُبِلَتْ .
اَلنَّوْعُ اَلثَّامِنَ عَشَرَ اَلْمُعَلَّلُ مِنَ اَلْحَدِيثِ وَهُوَ فَنٌّ خَفِيَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عُلَمَاءِ اَلْحَدِيثِ, حَتَّى قَالَ بَعْضُ حُفَّاظِهِمْ مَعْرِفَتُنَا بِهَذَا كِهَانَةٌ عِنْدَ اَلْجَاهِلِ .
وَإِنَّمَا يَهْتَدِي إِلَى تَحْقِيقِ هَذَا اَلْفَنِّ اَلْجَهَابِذَةُ اَلنُّقَّادُ مِنْهُمْ, يُمَيِّزُونَ بَيْنَ صَحِيحِ اَلْحَدِيثِ وَسَقِيمِهِ, وَمُعْوَجِّهِ وَمُسْتَقِيمِهِ, كَمَا يُمَيِّزُ اَلصَّيْرَفِيُّ اَلْبَصِيرُ بِصِنَاعَتِهِ بَيْنَ اَلْجِيَادِ وَالزُّيُوفِ, وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ فَكَمَا لَا يَتَمَارَى هَذَا, كَذَلِكَ يَقْطَعُ ذَاكَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ, وَمِنْهُمْ مَنْ يَظُنُّ, وَمِنْهُمْ مَنْ يَقِفُ, بِحَسَبِ مَرَاتِبِ عُلُومِهِمْ وَحِذْقَتِهِمْ وَاطِّلَاعِهِمْ عَلَى طُرُقِ اَلْحَدِيثِ, وَذَوْقِهِمْ حَلَاوَةَ عِبَارَةِ اَلرَّسُولِ اَلَّتِي لَا يُشْبِهُهَا غَيْرُهَا مِنْ أَلْفَاظِ اَلنَّاسِ .
فَمِنَ اَلْأَحَادِيثِ اَلْمَرْوِيَّةِ مَا عَلَيْهِ أَنْوَارُ اَلنُّبُوَّةِ, وَمِنْهَا مَا وَقَعَ فِيهِ تَغْيِيرُ لَفْظٍ أَوْ زِيَادَةٌ بَاطِلَةٌ أَوْ مُجَازَفَةٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ, يُدْرِكُهَا اَلْبَصِيرُ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ اَلصِّنَاعَةِ .
وَقَدْ يَكُونُ اَلتَّعْلِيلُ مُسْتَفَادًا مِنَ اَلْإِسْنَادِ, وَبَسْطُ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ يَطُولُ جِدًّا, وَإِنَّمَا يَظْهَرُ بِالْعَمَلِ .
وَمِنْ أَحْسَنِ كِتَابٍ وُضِعَ فِي ذَلِكَ وَأَجَلِّهِ وَأَفْحَلِهِ (كِتَابُ اَلْعِلَلِ) لِعَلِيِّ بْنِ اَلْمَدِينِيِّ شَيْخِ اَلْبُخَارِيِّ وَسَائِرِ اَلْمُحَدِّثِينَ بَعْدَهُ, فِي هَذَا اَلشَّأْنِ
اَلنَّوْعُ اَلتَّاسِعَ عَشَرَ اَلْمُضْطَرِبُ وَهُوَ أَنْ يَخْتَلِفَ اَلرُّوَاةُ فِيهِ عَلَى شَيْخٍ بِعَيْنِهِ, أَوْ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ مُتَعَادِلَةٍ لَا يَتَرَجَّحُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ وَقَدْ يَكُونُ تَارَةً فِي اَلْإِسْنَادِ, وَقَدْ يَكُونُ فِي اَلْمَتْنِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ يَطُولُ ذِكْرُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
اَلنَّوْعُ اَلْعِشْرُونَ مَعْرِفَةُ اَلْمُدْرَجِ وَهُوَ أَنْ تُزَادَ لَفْظَةٌ فِي مَتْنِ اَلْحَدِيثِ مِنْ كَلَامِ اَلرَّاوِي, فَيَحْسَبُهَا مَنْ يَسْمَعُهَا مَرْفُوعَةً فِي اَلْحَدِيثِ, فَيَرْوِيهَا كَذَلِكَ وَقَدْ وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ كَثِيرٌ فِي اَلصِّحَاحِ وَالْحِسَانِ وَالْمَسَانِيدِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ لَا يَقَعُ اَلْإِدْرَاجُ فِي اَلْإِسْنَادِ, وَلِذَلِكَ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ .
وَقَدْ صَنَّفَ اَلْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ اَلْخَطِيبُ فِي ذَلِكَ كِتَابًا حَافِلًا سَمَّاهُ (فَصْلَ اَلْوَصْلِ, لِمَا أُدْرِجَ فِي اَلنَّقْلِ) وَهُوَ مُفِيدٌ جِدًّا .
اَلنَّوْعُ اَلْحَادِي وَالْعِشْرُونَ مَعْرِفَةُ اَلْمَوْضُوعِ اَلْمُخْتَلَقِ اَلْمَصْنُوعِ وَعَلَى ذَلِكَ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا إِقْرَارُ وَضْعِهِ عَلَى نَفْسِهِ, قَالًا أَوْ حَالًا, وَمِنْ ذَلِكَ رَكَاكَةُ أَلْفَاظِهِ, وَفَسَادُ مَعْنَاهُ, أَوْ مُجَازَفَةٌ فَاحِشَةٌ, أَوْ مُخَالَفَةٌ لِمَا ثَبَتَ فِي اَلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ اَلصَّحِيحَةِ فَلَا تَجُوزُ رِوَايَتُهُ لِأَحَدٍ مِنْ اَلنَّاسِ, إِلَّا عَلَى سَبِيلِ اَلْقَدْحِ فِيهِ, لِيَحْذَرَهُ مَنْ يَغْتَرُّ بِهِ مِنَ اَلْجَهَلَةِ وَالْعَوَامِّ والرِّعَاعِ .
وَالْوَاضِعُونَ أَقْسَامٌ كَثِيرَةٌ مِنْهُمْ زَنَادِقَةٌ وَمِنْهُمْ مُتَعَبِّدُونَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا, يَضَعُونَ أَحَادِيثَ فِيهَا تَرْغِيبٌ وَتَرْهِيبٌ, وَفِي فَضَائِلِ اَلْأَعْمَالِ, لِيُعْمَلَ بِهَا .
اَلنَّوْعُ اَلثَّانِي وَالْعِشْرُونَ اَلْمَقْلُوبُ وَقَدْ يَكُونُ فِي اَلْإِسْنَادِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ فَالْأَوَّلُ كَمَا رَكَّبَ مَهَرَةُ مُحَدِّثِي بَغْدَادَ لِلْبُخَارِيِّ, حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِمْ, إِسْنَادَ هَذَا اَلْحَدِيثِ عَلَى مَتْنٍ آخَرَ, وَرَكَّبُوا مَتْنَ هَذَا اَلْحَدِيثِ عَلَى إِسْنَادٍ آخَرَ, وَقَلَبُوا عَلَيْهِ مَا هُوَ مِنْ حَدِيثِ سَالِمٍ عَنْ نَافِعٍ, وَمَا هُوَ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ عَنْ سَالِمٍ, وَهُوَ مِنَ اَلْقَبِيلِ اَلثَّانِي وَصَنَعُوا ذَلِكَ فِي نَحْوِ مِائَةِ حَدِيثٍ أَوْ أَزْيَدَ, فَلَمَّا قَرَأَهَا رَدَّ كُلَّ حَدِيثٍ إِلَى إِسْنَادِهِ, وَكُلَّ إِسْنَادٍ إِلَى مَتْنِهِ, وَلَمْ يَرُجْ عَلَيْهِ مَوْضِعٌ وَاحِدٌ مِمَّا قَلَبُوهُ وَرَكَّبُوهُ, فَعَظُمَ عِنْدَهُمْ جِدًّا, وَعَرَفُوا مَنْزِلَتَهُ مِنْ هَذَا اَلشَّأْنِ, -فَرَحِمَهُ اَللَّهُ وَأَدْخَلَهُ اَلْجِنَانَ- .
وَقَدْ نَبَّهَ اَلشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو هَهُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ اَلْحُكْمِ بِضَعْفِ سَنَدِ اَلْحَدِيثِ اَلْمُعَيَّنِ اَلْحُكْمُ بِضَعْفِهِ فِي نَفْسِهِ; إِذْ قَدْ يَكُونُ لَهُ إِسْنَادٌ آخَرُ, إِلَّا أَنْ يَنُصَّ إِمَامٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرْوَى إِلَّا مِنْ هَذَا اَلْوَجْهِ .
اَلنَّوْعُ اَلثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ مَعْرِفَةُ مَنْ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ وَبَيَانُ اَلْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ اَلْمَقْبُولُ اَلثِّقَةُ اَلضَّابِطُ لِمَا يَرْوِيهِ وَهُوَ اَلْمُسْلِمُ اَلْعَاقِلُ اَلْبَالِغُ, سَالِمًا مِنْ أَسْبَابِ اَلْفِسْقِ وَخَوَارِمِ اَلْمُرُوءَةِ, وَأَنْ يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ مُتَيَقِّظًا غَيْرَ مُغَفَّلٍ, حَافِظًا إِنْ حَدَّثَ (مِنْ حِفْظِهِ), فَاهِمًا إِنْ حَدَّثَ عَلَى اَلْمَعْنَى, فَإِنْ اِخْتَلَّ شَرْطٌ مِمَّا ذَكَرْنَا رُدَّتْ رِوَايَتُهُ .
وَتَثْبُتُ عَدَالَةُ اَلرَّاوِي بِاشْتِهَارِهِ بِالْخَيْرِ وَالثَّنَاءِ اَلْجَمِيلِ عَلَيْهِ, أَوْ بِتَعْدِيلِ اَلْأَئِمَّةِ, أَوْ اِثْنَيْنِ مِنْهُمْ لَهُ, أَوْ وَاحِدٍ عَلَى اَلصَّحِيحِ, وَلَوْ بِرِوَايَتِهِ عَنْهُ فِي قَوْلٍ .
قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ وَتَوَسَّعَ اِبْنُ عَبْدِ اَلْبَرِّ, فَقَالَ كُلُّ حَامِلِ عِلْمٍ
مَسَائِلُ "مَسْأَلَةٌ" اَلتَّائِبُ مِنَ اَلْكَذِبِ فِي حَدِيثِ اَلنَّاسِ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ خِلَافًا لِأَبِي بَكْرٍ اَلصَّيْرَفِيِّ, فَأَمَّا إِنْ كَانَ قَدْ كَذَبَ فِي اَلْحَدِيثِ مُتَعَمِّدًا, فَنَقَلَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي بَكْرٍ الْحُمَيْدِيِّ شَيْخِ اَلْبُخَارِيِّ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ أَبَدًا, وَقَالَ أَبُو اَلْمُظَفَّرِ السَّمْعَانِيُّ مَنْ كَذَبَ فِي خَبَرٍ وَاحِدٍ وَجَبَ إِسْقَاطُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِهِ .
(قُلْتُ) وَمِنَ اَلْعُلَمَاءِ مَنْ كَفَّرَ مُتَعَمِّدَ اَلْكَذِبِ فِي اَلْحَدِيثِ اَلنَّبَوِيِّ, وَمِنْهُمْ مَنْ يُحَتِّمُ قَتْلَهُ، وَقَدْ حَرَّرْتُ ذَلِكَ فِي اَلْمُقَدِّمَاتِ .
وَأَمَّا مَنْ غَلِطَ فِي حَدِيثٍ فَبُيِّنَ لَهُ اَلصَّوَابُ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ فَقَالَ اِبْنُ اَلْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْحُمَيْدِيُّ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ أَيْضًا, وَتَوَسَّطَ بَعْضُهُمْ, فَقَالَ إِنْ كَانَ عَدَمُ رُجُوعِهِ إِلَى اَلصَّوَابِ عِنَادًا, فَهَذَا يَلْتَحِقُ بِمَنْ كَذَبَ عَمْدًا, وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَمِنْ هَاهُنَا يَنْبَغِي اَلتَّحَرُّزُ مِنَ اَلْكَذِبِ كُلَّمَا أَمْكَنَ, فَلَا يُحَدِّثُ إِلَّا مِنْ أَصْلٍ مُعْتَمَدٍ, وَيَجْتَنِبُ اَلشَّوَاذَّ وَالْمُنْكَرَاتِ, فَقَدْ قَالَ اَلْقَاضِي أَبُو وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ يَعْسُرُ ضَبْطُهَا, وَقَدْ تَكَلَّمَ اَلشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو عَلَى مَرَاتِبَ مِنْهَا ( ) وَثَمَّ اِصْطِلَاحَاتٌ لِأَشْخَاصٍ, يَنْبَغِي اَلتَّوْقِيفُ عَلَيْهَا .
مِنْ ذَلِكَ أَنَّ اَلْبُخَارِيَّ إِذَا قَالَ, فِي اَلرَّجُلِ "سَكَتُوا عَنْهُ" أَوْ "فِيهِ نَظَرٌ" فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي أَدْنَى اَلْمَنَازِلِ وَأَرْدَئِهَا عِنْدَهُ, وَلَكِنَّهُ لَطِيفُ اَلْعِبَارَةِ فِي اَلتَّجْرِيحِ, فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ .
وَقَالَ اِبْنُ مَعِينٍ : إِذَا قُلْتُ "لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ" فَهُوَ ثِقَةٌ قَالَ اِبْنُ أَبِي حَاتِمٍ إِذَا قِيلَ "صَدُوقٌ" أَوْ "مَحَلُّهُ اَلصِّدْقُ" أَوْ "لَا بَأْسَ بِهِ" فَهُوَ مِمَّنْ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ وَيَنْظُرُ فِيهِ .
وَرَوَى اِبْنُ اَلصَّلَاحِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ اَلْمِصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يُتْرَكُ اَلرَّجُلُ حَتَّى يَجْتَمِعَ اَلْجَمِيعُ عَلَى تَرْكِ حَدِيثِهِ .
وَقَدْ بَسَطَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ اَلْكَلَامَ فِي ذَلِكَ وَالْوَاقِفُ عَلَى عِبَارَاتِ اَلْقَوْمِ يَفْهَمُ مَقَاصِدَهُمْ بِمَا عَرَفَ مِنْ عِبَارَتِهِمْ فِي غَالِبِ اَلْأَحْوَالِ, وَبِقَرَائِنِ تُرْشِدُ إِلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ اَلْمُوَفِّقُ .
قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ : وَقَدْ فُقِدَتْ شُرُوطُ اَلْأَهْلِيَّةِ فِي غَالِبِ أَهْلِ زَمَانِنَا, وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مُرَاعَاةُ اِتِّصَالِ اَلسِّلْسِلَةِ فِي اَلْإِسْنَادِ, فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مَشْهُورًا بِفِسْقٍ وَنَحْوِهِ, وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَأْخُوذًا عَنْ ضَبْطِ سَمَاعِهِ مِنْ مَشَايِخِهِ مِنْ أَهْلِ اَلْخِبْرَةِ بِهَذَا اَلشَّأْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
اَلنَّوْعُ اَلرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ كَيْفِيَّةُ سَمَاعِ اَلْحَدِيثِ وَتَحَمُّلِهِ وَضَبْطِهِ يَصِحُّ تَحَمُّلُ اَلصِّغَارِ اَلشَّهَادَةَ وَالْأَخْبَارَ, وَكَذَلِكَ اَلْكُفَّارُ إِذَا أَدَّوْا مَا حَمَلُوهُ فِي حَالِ كَمَالِهِمْ, وَهُوَ اَلِاحْتِلَامُ وَالْإِسْلَامُ .
وَيَنْبَغِي اَلْمُبَارَاةُ إِلَى إِسْمَاعِ اَلْوِلْدَانِ اَلْحَدِيثَ اَلنَّبَوِيَّ وَالْعَادَةُ اَلْمُطَّرِدَةُ فِي أَهْلِ هَذِهِ اَلْأَعْصَارِ وَمَا قَبْلَهَا بِمُدَدٍ مُتَطَاوِلَةٍ أَنَّ اَلصَّغِيرَ يُكْتَبُ لَهُ حُضُورٌ إِلَى تَمَامِ خَمْسِ سِنِينَ مِنْ عُمْرِهِ, ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُسَمَّى سَمَاعًا, وَاسْتَأْنَسُوا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ اَلرَّبِيعِ أَنَّهُ عَقَلَ مَجَّةً مَجَّهَا رَسُولُ اَللَّهِ فِي وَجْهِهِ مِنْ دَلْوٍ فِي دَارِهِمْ وَهُوَ اِبْنُ خَمْسِ سِنِينَ رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ فَجَعَلُوهُ فَرْقًا بَيْنَ اَلسَّمَاعِ وَالْحُضُورِ, وَفِي رِوَايَةٍ وَهُوَ اِبْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ .
وَضَبَطَهُ بَعْضُ اَلْحُفَّاظِ بِسِنِّ اَلتَّمْيِيزِ, وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ اَلدَّابَّةِ وَالْحِمَارِ, وَقَالَ بَعْضُ اَلنَّاسِ لَا يَنْبَغِي اَلسَّمَاعُ إِلَّا بَعْدَ اَلْعِشْرِينَ سَنَةً وَقَالَ بَعْضُ عَشْرٌ, وَقَالَ آخَرُونَ ثَلَاثُونَ وَالْمَدَارُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى اَلتَّمْيِيزِ, فَمَتَى كَانَ اَلصَّبِيُّ يَعْقِلُ كُتِبَ لَهُ سَمَاعٌ .
قَالَ اَلشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو وَبَلَغَنَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ اَلْجَوْهَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْتُ صَبِيًّا اِبْنَ أَرْبَعِ سِنِينَ قَدْ حُمِلَ إِلَى اَلْمَأْمُونِ قَدْ قَرَأَ اَلْقُرْآنَ وَنَظَرَ فِي اَلرَّأْيِ, غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا جَاعَ يَبْكِي .
وَأَنْوَاعُ تَحَمُّلِ اَلْحَدِيثِ ثَمَانِيَةٌ: اَلْقِسْمُ اَلْأَوَّلُ: اَلسَّمَاعُ اَلنَّوْعُ اَلْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ كِتَابَةُ اَلْحَدِيثِ وَضَبْطُهُ وَتَقْيِيدُهُ قَدْ وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا مَنْ كَتَبَ عَنِّي شَيْئًا سِوَى اَلْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ. قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ وَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ كَرَاهَةُ ذَلِكَ عُمَرُ, وَابْنُ مَسْعُودٍ, وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ, وَأَبُو مُوسَى, وَأَبُو سَعِيدٍ, فِي جَمَاعَةٍ آخَرِينَ مِنْ اَلصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ .
قَالَ وَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ إِبَاحَةُ ذَلِكَ أَوْ فِعْلُهُ عَلِيٌّ, وَابْنُهُ اَلْحَسَنُ, وَأَنَسٌ, وَعَبْدُ اَللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ, فِي جَمْعٍ مِنْ اَلصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ .
(قُلْتُ) وَثَبَتَ فِي اَلصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ "اُكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ", وَقَدْ تَحَرَّرَ هَذَا اَلْفَصْلُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِنَا اَلْمُقَدِّمَاتِ, وَلِلَّهِ اَلْحَمْدُ .
قَالَ اَلْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ اَلصَّلَاحِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ لَعَلَّ اَلنَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ حِينَ يُخَافُ اِلْتِبَاسُهُ بِالْقُرْآنِ, وَالْإِذْنُ فِيهِ حِينَ أُمِنَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَدْ حُكِيَ إِجْمَاعُ اَلْعُلَمَاءِ فِي اَلْأَعْصَارِ اَلْمُتَأَخِّرَةِ عَلَى تَسْوِيغِ كِتَابَةِ اَلْحَدِيثِ, وَهَذَا أَمْرٌ مُسْتَفِيضٌ, شَائِعٌ ذَائِعٌ, مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ .
فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا, فَيَنْبَغِي لِكَاتِبِ اَلْحَدِيثِ, أَوْ غَيْرِهِ مِنَ اَلْعُلُومِ أَنْ يَضْبِطَ مَا يُشْكِلُ مِنْهُ, أَوْ قَدْ يُشْكِلُ عَلَى بَعْضِ اَلطَّلَبَةِ, فِي أَصْلِ اَلْكِتَابِ نَقْطًا وَشَكْلًا وَإِعْرَابًا, عَلَى مَا هُوَ اَلْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ بَيْنَ اَلنَّاسِ, وَلَوْ قَيَّدَ فِي اَلْحَاشِيَةِ لَكَانَ حَسَنًا .
وَيَنْبَغِي تَوْضِيحُهُ, وَيُكْرَهُ اَلتَّدْقِيقُ وَالتَّعْلِيلُ فِي اَلْكِتَابِ لِغَيْرِ عُذْرٍ قَالَ اَلْإِمَامُ أَحْمَدُ لِابْنِ عَمِّهِ حَنْبَلٌ -وَقَدْ رَآهُ يَكْتُبُ دَقِيقًا- لَا تَفْعَلْ, فَإِنَّهُ يَخُونُكَ أَحْوَجُ مَا تَكُونُ إِلَيْهِ .
قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ بَيْنَ كُلِّ حَدِيثَيْنِ دَائِرَةٌ وَمِمَّنْ بَلَغَنَا عَنْهُ ذَلِكَ أَبُو اَلزِّنَادِ, وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ, وَإِبْرَاهِيمُ اَلْحَرْبِيُّ, وَابْنُ جَرِيرٍ اَلطَّبَرِيُّ .
(قُلْتُ) قَدْ رَأَيْتُهُ فِي خَطِّ اَلْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ -رَحِمَهُ اَللَّهُ تَعَالَى- .
قَالَ اَلْخَطِيبُ اَلْبَغْدَادِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ اَلدَّائِرَةَ غَفَلًا, فَإِذَا قَابَلَهَا نَقَطَ فِيهَا اَلنُّقْطَةَ .
قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ : وَيُكْرَهُ أَنْ يُكْتَبَ "عَبْدُ اَللَّهِ فُلَانٌ, فَيَجْعَلُ "عَبْدُ" آخِرَ سَطْرٍ وَالْجَلَالَةَ فِي أَوَّلِ سَطْرٍ, بَلْ يَكْتُبُهُ فِي سَطْرٍ وَاحِدٍ .
قَالَ وَلْيُحَافِظْ عَلَى اَلثَّنَاءِ عَلَى اَللَّهِ, وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى رَسُولِهِ, وَإِنْ تَكَرَّرَ فَلَا يَسْأَمُ, فَإِنَّ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا .
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 11:58 pm عدل 1 مرات |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: كتاب "اِخْتِصَارُ عُلُومِ اَلْحَدِيثِ" الأحد 05 يونيو 2011, 5:10 am | |
| قَالَ وَمَا وُجِدَ مِنْ خَطِّ اَلْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ اَلرِّوَايَةَ قَالَ اَلْخَطِيبُ وَبَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى اَلنَّبِيِّ نُطْقًا لَا خَطًّا .
قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ وَلْيَكْتُبْ اَلصَّلَاةَ وَالتَّسْلِيمَ مُجَلَّسَةً لَا رَمْزًا قَالَ وَلَا يُقْتَصَرُ عَلَى قَوْلِهِ "عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ", يَعْنِي وَلْيَكْتُبْ وَاضِحَةً كَامِلَةً .
قَالَ وَلْيُقَابِلْ أَصْلَهُ بِأَصْلٍ مُعْتَمَدٍ, وَمَعَ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ مَوْثُوقٍ بِهِ ضَابِطٍ قَالَ وَمِنْ اَلنَّاسِ مَنْ شَدَّدَ وَقَالَ لَا يُقَابِلُ إِلَّا مَعَ نَفْسِهِ قَالَ وَهَذَا مَرْفُوضٌ مَرْدُودٌ .
وَقَدْ تَكَلَّمَ اَلشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّخْرِيجِ وَالتَّضْبِيبِ وَالتَّصْحِيحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ اَلِاصْطِلَاحَاتِ اَلْمُطَّرِدَةِ وَالْخَاصَّةِ مَا أَطَالَ اَلْكَلَامَ فِيهِ جِدًّا .
وَتَكَلَّمَ عَلَى كِتَابَةِ "ح" بَيْنَ الْإِسْنَادَيْنِ, وَأَنَّهَا "ح" مُهْمَلَةٌ, مِنْ اَلتَّحْوِيلِ أَوْ اَلْحَائِلُ بَيْنَ الْإِسْنَادَيْنِ, أَوْ عِبَارَةً عَنْ قَوْلِهِ "اَلْحَدِيثَ" .
(قُلْتُ) وَمِنْ اَلنَّاسِ مَنْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهَا "خَاءٌ" مُعْجَمَةٌ, أَيْ إِسْنَادٌ آخَرُ وَالْمَشْهُورُ اَلْأَوَّلُ, وَحَكَى بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ .
اَلنَّوْعُ اَلسَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ صِفَةُ رِوَايَةِ اَلْحَدِيثِ قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ : شَدَّدَ قَوْمٌ فِي اَلرِّوَايَةِ, فَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ أَنْ تَكُونَ اَلرِّوَايَةُ مِنْ حِفْظِ اَلرَّاوِي أَوْ تَذَكُّرِهِ, وَحَكَاهُ عَنْ مَالِكٍ, وَأَبِي حَنِيفَةَ, وَأَبِي بَكْرٍ اَلصَّيْدَلَانِيِّ المَرْوَزِيِّ (اَلشَّافِعِيِّ) . وَاكْتَفَى آخَرُونَ, وَهُمْ اَلْجُمْهُورُ, بِثُبُوتِ سَمَاعِ اَلرَّاوِي لِذَلِكَ اَلَّذِي يَسْمَعُ عَلَيْهِ, وَإِنْ كَانَ بِخَطِّ غَيْرِهِ, وَإِنْ غَابَتْ عَنْهُ اَلنُّسْخَةُ, إِذَا كَانَ اَلْغَالِبُ عَلَى اَلظَّنِّ سَلَامَتَهَا مِنْ اَلتَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ .
وَتَسَاهَلَ آخَرُونَ فِي اَلرِّوَايَةِ مِنْ نُسَخٍ لَمْ تُقَابَلْ, بِمُجَرَّدِ قَوْلِ اَلطَّالِبِ "هَذَا مِنْ رِوَايَتِكَ" مِنْ غَيْرِ تَثَبُّتٍ, وَلَا نَظَرٍ فِي اَلنُّسْخَةِ, وَلَا تَفَقُّدِ طَبَقَةِ سَمَاعِهِ .
قَالَ وَقَدْ عَدَّهُمْ اَلْحَاكِمُ فِي طَبَقَاتِ اَلْمَجْرُوحِينَ .
(فَرْعٌ) قَالَ اَلْخَطِيبُ اَلْبَغْدَادِيُّ وَالسَّمَاعُ عَلَى اَلضَّرِيرِ أَوْ اَلْبَصِيرِ اَلْأُمِّيِّ, إِذَا كَانَ مُثْبَتًا بِخَطِّ غَيْرِهِ أَوْ قَوْلِهِ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ اَلنَّاس . (فَرْعٌ آخَرُ) وَإِذَا رُوِيَ اَلْحَدِيثُ عَنْ شَيْخَيْنِ فَأَكْثَرَ, وَبَيْنَ أَلْفَاظِهِمْ تَبَايُنٌ فَإِنْ رَكَّبَ اَلسِّيَاقَ مِنَ اَلْجَمِيعِ, كَمَا فَعَلَ اَلزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِ اَلْإِفْكِ, حِينَ رَوَاهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ اَلْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ وَغَيْرِهِمَا عَنْ عَائِشَةَ, وَقَالَ "كُلُّ حَدَّثَنِي طَائِفَةٌ مِنَ اَلْحَدِيثِ, فَدَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ" وَسَاقَهُ بِتَمَامِهِ, فَهَذَا سَائِغٌ, فَإِنَّ اَلْأَئِمَّةَ قَدْ تَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ, وَخَرَّجُوهُ فِي كُتُبِهِمْ اَلصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا .
وَلِلرَّاوِي أَنْ يُبَيِّنَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا عَنْ اَلْأُخْرَى, وَيَذْكُرَ مَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ, وَتَحْدِيثٍ وَإِخْبَارٍ وَإِنْبَاءٍ وَهَذَا مِمَّا يُعْنَى بِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ, وَيُبَالِغُ فِيهِ, وَأَمَّا اَلْبُخَارِيُّ فَلَا يُعَرِّجُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ, وَرُبَّمَا تَعَاطَاهُ فِي بَعْضِ اَلْأَحَايِينِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ, وَهُوَ نَادِرٌ .
(فَرْعٌ آخَرُ) وَتَجُوزُ اَلزِّيَادَةُ فِي نَسَبِ اَلرَّاوِي, إِذَا بَيَّنَ أَنَّ اَلزِّيَادَةَ مِنْ عِنْدِهِ وَهَذَا مَحْكِيٌّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَجُمْهُورِ اَلْمُحَدِّثِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
(فَرْعٌ آخَرُ) جَرَتْ عَادَةُ اَلْمُحَدِّثِينَ إِذَا قَرَءُوا يَقُولُونَ أَخْبَرَنَا فُلَانٌ, قَالَ أَخْبَرَنَا فُلَانٌ, قَالَ أَخْبَرَنَا فُلَانٌ", وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْذِفُ لَفْظَةَ "قَالَ", وَهُوَ سَائِغٌ عِنْدَ اَلْأَكْثَرِينَ . وَمَا كَانَ مِنَ اَلْأَحَادِيثِ بِإِسْنَادٍ وَاحِدٍ, كَنُسْخَةِ عَبْدِ اَلرَّزَّاقِ
اَلنَّوْعُ اَلسَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ آدَابُ اَلْمُحَدِّثِ وَقَدْ أَلَّفَ اَلْخَطِيبُ اَلْبَغْدَادِيُّ فِي ذَلِكَ كِتَابًا سَمَّاهُ "اَلْجَامِعُ لِآدَابِ اَلشَّيْخِ وَالسَّامِعِ" .
وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ ذَلِكَ مُهِمَّاتٌ فِي عُيُونِ اَلْأَنْوَاعِ اَلْمَذْكُورَةِ .
قَالَ اِبْنُ خَلَّادٍ وَغَيْرُهُ يَنْبَغِي لِلشَّيْخِ أَنْ لَا يَتَصَدَّى لِلْحَدِيثِ إِلَّا بَعْدَ اِسْتِكْمَالِ خَمْسِينَ سَنَةً, وَقَالَ غَيْرُهُ أَرْبَعِينَ سَنَةً, وَقَدْ أَنْكَرَ اَلْقَاضِي عِيَاضٌ ذَلِكَ, بِأَنَّ أَقْوَامًا حَدَّثُوا قَبْلَ اَلْأَرْبَعِينَ, بَلْ قَبْلَ اَلثَّلَاثِينَ مِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ, اِزْدَحَمَ اَلنَّاسُ عَلَيْهِ, وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِهِ أَحْيَاءٌ .
قَالَ اِبْنُ خَلَّادٍ فَإِذَا بَلَغَ اَلثَّمَانِينَ أَحْبَبْتَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ قَدْ اِخْتَلَطَ .
وَقَدْ اِسْتَدْرَكُوا عَلَيْهِ بِأَنْ جَمَاعَةً مِنْ اَلصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ حَدَّثُوا بَعْدَ هَذَا اَلسِّنِّ, مِنْهُمْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ, وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ, وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى, وَخَلْقٌ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ, وَقَدْ حَدَّثَ آخَرُونَ بَعْدَ اِسْتِكْمَالِ مِائَةِ سَنَةٍ, مِنْهُمْ اَلْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ, وَأَبُو اَلْقَاسِمِ اَلْبَغَوِيُّ, وَأَبُو إِسْحَاقَ الهُجَيْمِيُّ, وَالْقَاضِي أَبُو اَلطَّيِّبِ اَلطَّبَرِيُّ -أَحَدُ اَلْأَئِمَّةِ اَلشَّافِعِيَّةِ-, وَجَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ .
لَكِنْ إِذَا كَانَ اَلِاعْتِمَادِ عَلَى حِفْظِ اَلشَّيْخِ اَلرَّاوِي, فَيَنْبَغِي اَلِاحْتِرَازُ مِنْ اِخْتِلَاطِهِ إِذَا طَعَنَ فِي اَلسِّنِّ .
اَلنَّوْعُ اَلثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ آدَابُ طَالِبِ اَلْحَدِيثِ يَنْبَغِي لَهُ, بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ, إِخْلَاصُ اَلنِّيَّةِ لِلَّهِ فِيمَا يُحَاوِلُهُ مِنْ ذَلِكَ, وَلَا يَكُنْ قَصْدُهُ عَرَضًا مِنَ اَلدُّنْيَا, فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي اَلْمُهِمَّاتِ اَلزَّجْرِ اَلشَّدِيدِ وَالتَّهْدِيدِ اَلْأَكِيدِ عَلَى ذَلِكَ .
وَلْيُبَادِرْ إِلَى سَمَاعِ اَلْعَالِي فِي بَلَدِهِ, فَإِذَا اِسْتَوْعَبَ ذَلِكَ اِنْتَقَلَ إِلَى أَقْرَبِ اَلْبِلَادِ إِلَيْهِ, أَوْ إِلَى أَعْلَى مَا يُوجَدُ فِي اَلْبُلْدَانِ, وَهُوَ اَلرِّحْلَةُ .
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي اَلْمُهِمَّاتِ مَشْرُوعِيَّةَ ذَلِكَ, قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ -رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهِ- إِنَّ اَللَّهَ لَيَدْفَعُ اَلْبَلَاءَ عَنْ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ بِرِحْلَةِ أَصْحَابِ اَلْحَدِيثِ .
قَالُوا وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَا يُمْكِنُهُ مِنْ فَضَائِلِ اَلْأَعْمَالِ اَلْوَارِدَةِ فِي اَلْأَحَادِيثِ .
اَلنَّوْعُ اَلتَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ مَعْرِفَةُ اَلْإِسْنَادِ اَلْعَالِي وَالنَّازِلِ وَلَمَّا كَانَ مَعْرِفَةُ اَلْإِسْنَادِ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ, وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أُمَّةٍ مِنَ اَلْأُمَمِ يُمْكِنُهَا أَنْ تُسْنِدَ عَنْ نَبِيِّهَا إِسْنَادًا مُتَّصِلًا غَيْرُ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ .
فَلِهَذَا كَانَ طَلَبُ اَلْإِسْنَادِ اَلْعَالِي مُرَغَّبًا فِيهِ, كَمَا قَالَ اَلْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ اَلْإِسْنَادُ اَلْعَالِي سُنَّةٌ عَمَّنْ سَلَفَ .
وَقِيلَ لِيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ مَا تَشْتَهِي؟ قَالَ بَيْتٌ خَالِي, وَإِسْنَادٌ عَالِي .
وَلِهَذَا تَدَاعَتْ رَغَبَاتُ كَثِيرٍ مِنَ اَلْأَئِمَّةِ اَلنُّقَّادِ, وَالْجَهَابِذَةِ اَلْحُفَّاظِ إِلَى اَلرِّحْلَةِ إِلَى أَقْطَارِ اَلْبِلَادِ, طَلَبًا لِعُلُوِّ اَلْإِسْنَادِ, وَإِنْ كَانَ قَدْ مَنَعَ مِنْ جَوَازِ اَلرِّحْلَةِ بَعْضُ اَلْجَهَلَةِ مِنَ اَلْعُبَّادِ, فِيمَا حَكَاهُ الرَّامَهُرْمَزِيُّ فِي كِتَابِهِ اَلْفَاصِلِ .
ثُمَّ إِنَّ عُلُوَّ اَلْإِسْنَادِ أَبَعْدُ مِنَ اَلْخَطَأِ وَالْعِلَّةِ مِنْ نُزُولِهِ .
وَقَالَ بَعْضُ اَلْمُتَكَلِّمِينَ كُلَّمَا طَالَ اَلْإِسْنَادُ كَانَ اَلنَّظَرُ فِي اَلتَّرَاجِمِ وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ أَكْثَرَ, فَيَكُونُ اَلْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ اَلْمَشَقَّةِ, وَهَذَا لَا يُقَابِلُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَشْرَفُ أَنْوَاعِ اَلْعُلُوِّ مَا كَانَ قَرِيبًا إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-.
اَلنَّوْعُ اَلثَّلَاثُونَ مَعْرِفَةُ اَلْمَشْهُورِ وَالشُّهْرَةُ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ, فَقَدْ يَشْتَهِرُ عِنْدَ أَهْلِ اَلْحَدِيثِ أَوْ يَتَوَاتَرُ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ بِالْكُلِّيَّةِ .
ثُمَّ قَدْ يَكُونُ اَلْمَشْهُورُ مُتَوَاتِرًا أَوْ مُسْتَفِيضًا, وَهُوَ مَا زَادَ نَقَلَتَهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ .
وَعَنْ اَلْقَاضِي الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ اَلْمُسْتَفِيضَ أَقْوَى مِنَ اَلْمُتَوَاتِرِ وَهَذَا اِصْطِلَاحٌ مِنْهُ .
وَقَدْ يَكُونُ اَلْمَشْهُورُ صَحِيحًا, كَحَدِيثِ "اَلْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَحَسَنًا .
وَقَدْ يَشْتَهِرُ بَيْنَ اَلنَّاسِ أَحَادِيثُ لَا أَصْلَ لَهَا, أَوْ هِيَ مَوْضُوعَةٌ بِالْكُلِّيَّةِ وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا, وَمَنْ نَظَرَ فِي كِتَابِ اَلْمَوْضُوعَاتِ لِأَبِي اَلْفَرَجِ بْنِ اَلْجَوْزِيِّ عَرَفَ ذَلِكَ, وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اَلْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ أَرْبَعَةُ أَحَادِيثَ تَدُورُ بَيْنَ اَلنَّاسِ فِي اَلْأَسْوَاقِ لَا أَصْلَ لَهَا "مَنْ بَشَّرَنِي بِخُرُوجِ آذَارَ بَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ" وَ "مَنْ آذَى ذِمِّيًّا فَأَنَا خَصْمُهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ" وَ "نَحْرُكُمْ يَوْمَ صَوْمِكُمْ" وَ "لِلسَّائِلِ حَقٌّ, وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ" .
اَلنَّوْعُ اَلْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ مَعْرِفَةُ اَلْغَرِيبِ مِنَ اَلْعَزِيزِ أَمَّا اَلْغَرَابَةُ فَقَدْ تَكُونُ فِي اَلْمَتْنِ, بِأَنْ يَتَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ رَاوٍ وَاحِدٌ, أَوْ فِي بَعْضِهِ, كَمَا إِذَا زَادَ فِيهِ وَاحِدٌ زِيَادَةً لَمْ يَقُلْهَا غَيْرُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ فِي زِيَادَةِ اَلثِّقَةِ .
وَقَدْ تَكُونُ اَلْغَرَابَةُ فِي اَلْإِسْنَادِ, كَمَا إِذَا كَانَ أَصْلُ اَلْحَدِيثِ مَحْفُوظًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَوْ وُجُوهٍ, وَلَكِنَّهُ بِهَذَا اَلْإِسْنَادِ غَرِيبٌ .
فَالْغَرِيبُ مَا تَفَرَّدَ بِهِ وَاحِدٌ, وَقَدْ يَكُونُ ثِقَةً, وَقَدْ يَكُونُ ضَعِيفًا, وَلِكُلٍّ حُكْمُهُ .
فَإِنْ اِشْتَرَكَ اِثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ اَلشَّيْخِ, سُمِّيَ "عَزِيزًا", فَإِنْ رَوَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ, سُمِّيَ "مَشْهُورًا", كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
اَلنَّوْعُ اَلثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ مَعْرِفَةُ غَرِيبِ أَلْفَاظِ اَلْحَدِيثِ وَهُوَ مِنَ اَلْمُهِمَّاتِ اَلْمُتَعَلِّقَةِ بِفَهْمِ اَلْحَدِيثِ وَالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ بِهِ, لَا بِمَعْرِفَةِ صِنَاعَةِ اَلْإِسْنَادِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ .
قَالَ اَلْحَاكِمُ أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ فِي ذَلِكَ اَلنَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ, وَقَالَ غَيْرُهُ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ اَلْمُثَنَّى .
وَأَحْسَنُ شَيْءٍ وُضِعَ فِي ذَلِكَ كِتَابُ أَبِي عُبَيْدٍ اَلْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ, وَقَدْ اِسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ اِبْنُ قُتَيْبَةَ أَشْيَاءَ, وَتَعَقَّبَهُمَا اَلْخَطَّابِيُّ, فَأَوْرَدَ زِيَادَاتٍ .
اَلنَّوْعُ اَلثَّالِثُ وَاَلثَّلَاثُونَ مَعْرِفَةُ اَلْمُسَلْسَلِ وَقَدْ يَكُونُ فِي صِفَةِ اَلرِّوَايَةِ, كَمَا إِذَا قَالَ كُلٌّ مِنْهُمْ "سَمِعْتُ", أَوْ "حَدَّثَنَا", أَوْ "أَخْبَرَنَا", وَنَحْوَ ذَلِكَ أَوْ فِي صِفَةِ اَلرَّاوِي, بِأَنْ يَقُولَ حَالَةَ اَلرِّوَايَةِ قَوْلًا قَدْ قَالَهُ شَيْخُهُ لَهُ, أَوْ يَفْعَلُ فِعْلًا فَعَلَ شَيْخُهُ مِثْلَهُ .
ثُمَّ قَدْ يَتَسَلْسَلُ اَلْحَدِيثُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ, وَقَدْ يَنْقَطِعُ بَعْضُهُ مِنْ أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ . وَفَائِدَةُ اَلتَّسَلْسُلِ بُعْدُهُ مِنْ اَلتَّدْلِيسِ وَالِانْقِطَاعِ وَمَعَ هَذَا قَلَّمَا يَصِحُّ حَدِيثٌ بِطَرِيقٍ مُسَلْسَلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
اَلنَّوْعُ اَلرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ مَعْرِفَةُ نَاسِخِ اَلْحَدِيثِ وَمَنْسُوخِهِ وَهَذَا اَلْفَنُّ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِ هَذَا اَلْكِتَابِ, بَلْ هُوَ بِأُصُول اَلْفِقْهِ أَشْبَهُ . وَقَدْ صَنَّفَ اَلنَّاسُ فِي ذَلِكَ كُتُبًا كَثِيرَةً مُفِيدَةً, مِنْ أَجَلِّهَا كِتَابُ اَلْحَافِظِ اَلْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ اَلْحَازِمِيِّ -رَحِمَهُ اَللَّهُ- .
وَقَدْ كَانَتْ لِلشَّافِعِيِّ -رَحِمَهُ اَللَّهُ- فِي ذَلِكَ اَلْيَدُ الطُولى, كَمَا وَصَفَهُ بِهِ
اَلنَّوْعُ اَلْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ مَعْرِفَةُ ضَبْطِ أَلْفَاظِ اَلْحَدِيثِ مَتْنًا وَإِسْنَادًا وَالِاحْتِرَازُ مِنْ اَلتَّصْحِيفِ فِيهَا فَقَدْ وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ كَثِيرٌ لِجَمَاعَةٍ مِنَ اَلْحُفَّاظِ وَغَيْرِهِمْ, مِمَّنْ تَرَسَّمَ بِصِنَاعَةِ اَلْحَدِيثِ وَلَيْسَ مِنْهُمْ, وَقَدْ صَنَّفَ اَلْعَسْكَرِيُّ فِي ذَلِكَ مُجَلَّدًا كَبِيرًا .
وَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ ذَلِكَ لِمَنْ أَخَذَ مِنْ اَلصُّحُفِ, وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْخٌ حَافِظٌ يُوقِفُهُ عَلَى ذَلِكَ .
وَمَا يَنْقُلُهُ كَثِيرٌ مِنْ اَلنَّاسِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّهُ كَانَ يُصَحِّفُ قِرَاءَةَ اَلْقُرْآنِ فَغَرِيبٌ جِدًّا; لِأَنَّ لَهُ كِتَابًا فِي اَلتَّفْسِيرِ, وَقَدْ نُقِلَ عَنْهُ
اَلنَّوْعُ اَلسَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ مَعْرِفَةُ مُخْتَلِفِ اَلْحَدِيثِ وَقَدْ صَنَّفَ فِيهِ اَلشَّافِعِيُّ فَصْلًا طَوِيلًا مِنْ كِتَابِهِ "اَلْأُمِّ" نَحْوًا
اَلنَّوْعُ اَلسَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ مَعْرِفَةُ اَلْمَزِيدِ فِي (مُتَّصِلِ) اَلْأَسَانِيدِ وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ رَاوٍ فِي اَلْإِسْنَادِ رَجُلًا لَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُ وَهَذَا يَقَعُ كَثِيرًا فِي أَحَادِيثَ مُتَعَدِّدَةٍ وَقَدْ صَنَّفَ اَلْحَافِظُ اَلْخَطِيبُ اَلْبَغْدَادِيُّ فِي ذَلِكَ كِتَابًا حَافِلًا قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ وَفِي بَعْضِ مَا ذَكَرَهُ نَظَرٌ .
اَلنَّوْعُ اَلثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ مَعْرِفَةُ اَلْخَفِيِّ مِنَ اَلْمَرَاسِيلِ وَهُوَ يَعُمُّ اَلْمُنْقَطِعَ وَالْمُعْضَلَ أَيْضًا وَقَدْ صَنَّفَ اَلْبَغْدَادِيُّ فِي ذَلِكَ كِتَابَهُ اَلْمُسَمَّى (بِالتَّفْصِيلِ لِمُبْهَمِ اَلْمَرَاسِيلِ) وَهَذَا اَلنَّوْعُ إِنَّمَا يُدْرِكُهُ نُقَّادُ اَلْحَدِيثِ وَجَهَابِذَتُهُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا, وَقَدْ كَانَ شَيْخُنَا اَلْحَافِظُ اَلْمِزِّيُّ إِمَامًا فِي ذَلِكَ, وَعَجَبًا مِنَ اَلْعَجَبِ, -فَرَحِمَهُ اَللَّهُ وَبَلَّ بِالْمَغْفِرَةِ ثَرَاهُ- .
فَإِنَّ اَلْإِسْنَادَ إِذَا عُرِضَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ اَلْعُلَمَاءِ, مِمَّنْ لَمْ يُدْرِكْ ثِقَاتِ اَلرِّجَالِ وَضُعَفَاءَهُمْ, قَدْ يَغْتَرُّ بِظَاهِرِهِ, وَيَرَى رِجَالَهُ ثِقَاتٍ, فَيَحْكُمُ بِصِحَّتِهِ, وَلَا يَهْتَدِي لِمَا فِيهِ مِنْ اَلِانْقِطَاعِ, أَوْ اَلْإِعْضَالِ, أَوْ اَلْإِرْسَالِ; لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُمَيِّزُ اَلصَّحَابِيَّ مِنْ اَلتَّابِعِيِّ وَاَللَّهُ اَلْمُلْهِمُ لِلصَّوَابِ .
اَلنَّوْعُ اَلتَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ مَعْرِفَةُ اَلصَّحَابَةِ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَالصَّحَابِيُّ مَنْ رَأَى رَسُولَ اَللَّهِ فِي حَالِ إِسْلَامِ الرَّائِي, وَإِنْ لَمْ تَطُلْ صُحْبَتُهُ لَهُ, وَإِنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ شَيْئًا هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ اَلْعُلَمَاءِ, خَلَفًا وَسَلَفًا .
وَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ اَلرُّؤْيَةِ كَافٍ فِي إِطْلَاقِ اَلصُّحْبَةِ اَلْبُخَارِيُّ وَأَبُو زُرْعَةَ, وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ صَنَّفَ فِي أَسْمَاءِ اَلصَّحَابَةِ, كَابْنِ عَبْدِ اَلْبَرِّ, وَابْنُ مَنْدَهْ وَأَبِي مُوسَى اَلْمَدِينِيِّ, وَابْنُ اَلْأَثِيرِ فِي كِتَابِهِ "اَلْغَابَةُ فِي مَعْرِفَةِ اَلصَّحَابَةِ", وَهُوَ أَجْمَعُهَا وَأَكْثَرُهَا فَوَائِدَ وَأَوْسَعُهَا -أَثَابَهُمْ اَللَّهُ أَجْمَعِينَ-. قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ : وَقَدْ شَانَ اِبْنُ عَبْدِ اَلْبَرِّ كِتَابَهُ "اَلِاسْتِيعَابُ" بِذِكْرِ مَا شَجَرَ بَيْنَ اَلصَّحَابَةِ مِمَّا تَلَقَّاهُ مِنْ كُتُبِ الْأَخْبَارِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ .
وَقَالَ آخَرُونَ لَا بُدَّ مِنْ إِطْلَاقِ اَلصُّحْبَةِ مَعَ اَلرُّؤْيَةِ أَنْ يَرْوِيَ حَدِيثًا أَوْ حَدِيثَيْنِ .
فَسَمَّاهُمْ "مُؤْمِنِينَ" مَعَ اَلِاقْتِتَالِ .
وَمَنْ كَانَ مِنْ اَلصَّحَابَةِ مَعَ مُعَاوِيَةَ? يُقَالُ لَمْ يَكُنْ فِي اَلْفَرِيقِ مِائَةٌ مِنْ اَلصَّحَابَةِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَجَمِيعُهُمْ صَحَابَةٌ, فَهُمْ عُدُولٌ كُلُّهُمْ .
وَأَمَّا طَوَائِفُ اَلرَّوَافِضِ وَجَهْلُهُمْ وَقِلَّةُ عَقْلِهِمْ, وَدَعَاوِيهِمْ أَنَّ اَلصَّحَابَةَ كَفَرُوا إِلَّا سَبْعَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا, وَسَمَّوْهُمْ فَهُوَ مِنَ اَلْهَذَيَانِ بِلَا دَلِيلٍ
اَلنَّوْعُ اَلْمُوفِي أَرْبَعِينَ : مَعْرِفَةُ اَلتَّابِعِينَ قَالَ اَلْخَطِيبُ اَلْبَغْدَادِيُّ اَلتَّابِعِيُّ : مَنْ صَحِبَ اَلصَّحَابِيَّ وَفِي كَلَامِ اَلْحَاكِمِ مَا يَقْتَضِي إِطْلَاقَ اَلتَّابِعِيِّ عَلَى مَنْ لَقِيَ اَلصَّحَابِيَّ وَرَوَى عَنْهُ, وَإِنْ لَمْ يَصْحَبْهُ .
(قُلْتُ) لَمْ يَكْتَفُوا بِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهِ اَلصَّحَابِيَّ, كَمَا اِكْتَفَوْا فِي إِطْلَاقِ اِسْمِ اَلصَّحَابِيِّ عَلَى مَنْ رَآهُ -عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ- وَالْفَرْقُ عَظَمَةُ وَشَرَفُ رُؤْيَتِهِ -عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ- .
وَقَدْ قَسَّمَ اَلْحَاكِمُ طَبَقَاتِ اَلتَّابِعِينَ إِلَى خَمْسَ عَشْرَةَ طَبَقَةً فَذَكَرَ أَنَّ:
اَلنَّوْعُ اَلْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ مَعْرِفَةُ رِوَايَةِ اَلْأَكَابِرِ عَنْ اَلْأَصَاغِرِ قَدْ يَرْوِي اَلْكَبِيرُ اَلْقَدْرِ أَوْ اَلسِّنِّ أَوْ هُمَا عَمَّنْ دُونَهُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ فِيهِمَا .
وَمِنْ أَجَلِّ مَا يُذْكَرُ فِي هَذَا اَلْبَابِ مَا ذَكَرَهُ رَسُولُ اَللَّهِ فِي خُطْبَتِهِ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ مِمَّا أَخْبَرَهُ بِهِ عَنْ رُؤْيَةِ اَلدَّجَّالِ فِي تِلْكَ اَلْجَزِيرَةِ اَلَّتِي فِي اَلْبَحْرِ وَالْحَدِيثُ فِي اَلصَّحِيحِ .
وَكَذَلِكَ فِي صَحِيحِ اَلْبُخَارِيِّ رِوَايَةُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ مَالِكِ بْنِ يُخَامِرَ عَنْ مُعَاذٍ, وَهُمْ بِالشَّامِ, فِي حَدِيثِ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى اَلْحَقِّ .
قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ : وَقَدْ رَوَى اَلْعَبَادِلَةُ عَنْ كَعْبِ اَلْأَحْبَارِ .
(قُلْتُ) وَقَدْ حَكَى عَنْهُ عُمَرُ, وَعَلِيٌّ, وَجَمَاعَةٌ مِنْ اَلصَّحَابَةِ .
اَلنَّوْعُ اَلثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ مَعْرِفَةُ اَلْمُدَبَّجِ وَهُوَ رِوَايَةُ اَلْأَقْرَانِ سِنًّا وَسَنَدًا وَاكْتَفَى اَلْحَاكِمُ بِالْمُقَارَنَةِ فِي السَنَدِ, وَإِنْ تَفَاوَتَتْ اَلْأَسْنَانُ فَمَتَى رَوَى كُلٌّ مِنْهُمْ عَنْ اَلْآخَرِ سُمِّيَ "مُدَبَّجًا" كَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ, وَالزُّهْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ اَلْعَزِيزِ, وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ, وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَعَلِيِّ بْنِ اَلْمَدِينِيِّ, فَمَا لَمْ يَرْوِ عَنْ اَلْآخَرِ لَا يُسَمَّى "مُدَبَّجًا" وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
اَلنَّوْعُ اَلثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ مَعْرِفَةُ اَلْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنْ اَلرُّوَاةِ وَقَدْ صَنَّفَ فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ اَلْمَدِينِيِّ, وَأَبُو عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ اَلنَّسَائِيُّ .
فَمِنْ أَمْثِلَةِ اَلْأَخَوَيْنِ : . عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأَخُوهُ عُتْبَةُ, عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَأَخُوهُ هِشَامٌ; وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَخُوهُ يَزِيدُ .
اَلنَّوْعُ اَلرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ مَعْرِفَةُ رِوَايَةِ اَلْآبَاءِ عَنْ اَلْأَبْنَاءِ وَقَدْ صَنَّفَ فِيهِ اَلْخَطِيبُ كِتَابًا . وَقَدْ ذَكَرَ اَلشَّيْخُ أَبُو اَلْفَرَجِ بْنُ اَلْجَوْزِيِّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اَلصِّدِّيقَ رَوَى عَنِ ابْنَتِهِ عَائِشَةَ وَرَوَتْ عَنْهَا أُمُّهَا أَمُّ رُومَانٍ أَيْضًا .
قَالَ رَوَى اَلْعَبَّاسُ عَنِ ابْنَيْهِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْفَضْلِ .
قَالَ وَرَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ طَرْخَانَ التَّيْمِيُّ عَنِ ابْنِهِ اَلْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِهِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ اَلشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو بْنُ اَلصَّلَاحِ وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ
اَلنَّوْعُ اَلْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ رِوَايَةُ اَلْأَبْنَاءِ عَنْ اَلْآبَاءِ وَذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا وَأَمَّا رِوَايَةُ اَلِابْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ, فَكَثِيرَةٌ أَيْضًا, وَلَكِنَّهَا دُونَ اَلْأَوَّلِ, وَهَذَا كَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ, وَهُوَ شُعَيْبٌ, عَنْ جَدِّهِ, عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ, هَذَا هُوَ اَلصَّوَابُ, لَا مَا عَدَاهُ, وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ فِي كِتَابِنَا اَلتَّكْمِيلِ, وَفِي اَلْأَحْكَامِ اَلْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ .
وَمِثْلُ بَهْزِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ اَلْقُشَيْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مُعَاوِيَةَ وَمِثْلُ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ, وَهُوَ عَمْرُو بْنُ كَعْبٍ وَقِيلَ كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو وَاسْتِقْصَاءُ ذَلِكَ يَطُولُ .
وَقَدْ صَنَّفَ فِيهِ اَلْحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ الْوَائِلِيُّ كِتَابًا حَافِلًا, وَزَادَ عَلَيْهِ بَعْضُ اَلْمُتَأَخِّرِينَ أَشْيَاءَ مُهِمَّةً نَفِيسَةً .
اَلنَّوْعُ اَلسَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ مَعْرِفَةُ رِوَايَةِ اَلسَّابِقِ وَاللَّاحِقِ وَقَدْ أَفْرَدَ لَهُ اَلْخَطِيبُ كِتَابًا وَهَذَا إِنَّمَا يَقَعُ عِنْدَ رِوَايَةِ اَلْأَكَابِرِ عَنْ اَلْأَصَاغِرِ ثُمَّ يَرْوِي عَنْ اَلْمَرْوِيِّ عَنْهُ مُتَأَخِّرٌ .
كَمَا رَوَى اَلزُّهْرِيُّ عَنْ تِلْمِيذِهِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ, وَقَدْ تُوُفِّيَ اَلزُّهْرِيُّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ, وَمِمَّنْ رَوَى عَنْ مَالِكٍ زَكَرِيَّا بْنُ دُوَيْدٍ اَلْكِنْدِيُّ, وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بَعْدَ وَفَاةِ اَلزُّهْرِيِّ بِمِائَةٍ وَسَبْعٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ قَالَهُ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ .
وَهَكَذَا رَوَى اَلْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ اَلسَّرَّاجِ, وَرَوَى عَنْ اَلسَّرَّاجِ أَبُو اَلْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْخَفَّافُ اَلنَّيْسَابُورِيُّ, وَبَيْنَ وَفَاتَيْهِمَا مِائَةٌ وَسَبْعٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً, فَإِنَّ اَلْبُخَارِيَّ تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ, وَتُوُفِّيَ اَلْخَفَّافُ سَنَةَ أَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ كَذَا قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ .
(قُلْتُ) وَقَدْ أَكْثَرَ مِنْ اَلتَّعَرُّضِ لِذَلِكَ شَيْخُنَا اَلْحَافِظُ اَلْكَبِيرُ أَبُو اَلْحَجَّاجِ اَلْمِزِّيُّ فِي كِتَابِهِ "اَلتَّهْذِيبِ" وَهُوَ مِمَّا يَتَحَلَّى بِهِ كَثِيرٌ مِنَ اَلْمُحَدِّثِينَ, وَلَيْسَ مِنَ اَلْمُهِمَّاتِ فِيهِ .
اَلنَّوْعُ اَلسَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ مَعْرِفَةُ مَنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا رَاوٍ وَاحِدٌ مِنْ صَحَابِيٍّ وَتَابِعِيٍّ وَغَيْرِهِمْ وَلِمُسْلِمِ بْنِ اَلْحَجَّاجِ تَصْنِيفٌ فِي ذَلِكَ . تَفَرَّدَ عَامِرٌ اَلشَّعْبِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ اَلصَّحَابَةِ, مِنْهُمْ عَامِرُ بْنُ شَهْرٍ, وَعُرْوَةُ بْنُ مُضَرِّسٍ, وَمُحَمَّدُ بْنُ صَفْوَانَ اَلْأَنْصَارِيُّ, وَمُحَمَّدُ بْنُ صَيْفِيٍّ اَلْأَنْصَارِيُّ, وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُمَا وَاحِدٌ, وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا اِثْنَانِ, وَوَهْبُ بْنُ خَنْبَشٍ, وَيُقَالُ هَرَمُ بْنُ خَنْبَشٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَتَفَرَّدَ سَعِيدُ بْنُ اَلْمُسَيَّبِ بْنِ حَزْنٍ بِالرِّوَايَةِ عَنْ أَبِيهِ وَكَذَلِكَ حَكِيمُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ عَنْ (أَبِيهِ) وَكَذَلِكَ شُتَيْرُ بْنُ شَكَلِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ .
وَكَذَلِكَ قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ, تَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْ أَبِيهِ, وَعَنْ دُكَيْنِ بْنِ سَعْدٍ الْمُزَنِيِّ, وصُنَابِحِ بْنِ اَلْأَعْسَرِ, وَمِرْدَاسِ بْنِ مَالِكٍ الْأَسْلَمِيِّ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ صَحَابَةٌ .
قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ وَقَدْ اِدَّعَى اَلْحَاكِمُ فِي اَلْإِكْلِيلِ أَنَّ اَلْبُخَارِيَّ وَمُسْلِمًا لَمْ يُخَرِّجَا فِي صَحِيحَيْهِمَا شَيْئًا مِنْ هَذَا اَلْقَبِيلِ .
قَالَ وَقَدْ أُنْكِرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ, وَنُقِضَ بِمَا رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ اَلْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ, وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ غَيْرُهُ, فِي وَفَاةِ أَبِي طَالِبٍ وَرَوَى اَلْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ مِرْدَاسٍ الْأَسْلَمِيِّ حَدِيثَ "يَذْهَبُ اَلصَّالِحُونَ اَلْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ" وَبِرِوَايَةِ اَلْحَسَنِ عَنْ عَمْرِو
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 13 يونيو 2021, 12:03 am عدل 1 مرات |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: كتاب "اِخْتِصَارُ عُلُومِ اَلْحَدِيثِ" الأحد 05 يونيو 2011, 5:20 am | |
| اَلنَّوْعُ اَلثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ مَعْرِفَةُ مَنْ لَهُ أَسْمَاءٌ مُتَعَدِّدَةٌ فَيَظُنُّ بَعْضُ اَلنَّاسِ أَنَّهُمْ (أَشْخَاصٌ) مُتَعَدِّدَةٌ, أَوْ يُذْكَرُ بِبَعْضِهَا, أَوْ بِكُنْيَتِهِ, فَيَعْتَقِدُ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ أَنَّهُ غَيْرُهُ . وَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ ذَلِكَ مِنَ اَلْمُدَلِّسِينَ, (يُغَرِّبُونَ بِهِ عَلَى اَلنَّاسِ), فَيَذْكُرُونَ اَلرَّجُلَ بِاسْمٍ لَيْسَ هُوَ مَشْهُورًا بِهِ, أَوْ يُكَنُّونَهُ, لِيُبْهِمُوهُ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُهَا, وَذَلِكَ كَثِيرٌ . وَقَدْ صَنَّفَ اَلْحَافِظُ عَبْدُ اَلْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ اَلْمِصْرِيُّ فِي ذَلِكَ كِتَابًا, وَصَنَّفَ اَلنَّاسُ كُتُبَ اَلْكُنَى, وَفِيهَا إِرْشَادٌ إِلَى (إِظْهَارِ تَدْلِيسِ اَلْمُدَلِّسِينَ) . وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ اَلسَّائِبِ اَلْكَلْبِيُّ, وَهُوَ ضَعِيفٌ, لَكِنَّهُ عَالِمٌ (بِالتَّفْسِيرِ) وَبِالْأَخْبَارِ فَمِنْهُمْ مَنْ يُصَرِّحُ بِاسْمِهِ هَذَا, وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ حَمَّادُ بْنُ اَلسَّائِبِ, وَمِنْهُمْ مَنْ يُكَنِّيهِ بِأَبِي اَلنَّضْرِ, وَمِنْهُمْ مَنْ يُكَنِّيهِ بِأَبِي سَعِيدٍ, قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ وَهُوَ اَلَّذِي يَرْوِي عَنْهُ عَطِيَّةُ اَلْعَوْفِيُّ اَلتَّفْسِيرَ, مُوهِمًا أَنَّهُ أَبُو سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيُّ . وَكَذَلِكَ سَالِمٌ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ اَلْمَدَنِيُّ اَلْمَعْرُوفُ بِسَبَلَانَ, اَلَّذِي يَرْوِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, يَنْسُبُونَهُ فِي وَلَائِهِ إِلَى جِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا, وَالتَّدْلِيسُ أَقْسَامٌ كَثِيرَةٌ, كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . اَلنَّوْعُ اَلتَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ مَعْرِفَةُ اَلْأَسْمَاءِ اَلْمُفْرَدَةِ وَالْكُنَى اَلَّتِي لَا يَكُونُ مِنْهَا فِي كُلِّ حَرْفٍ سِوَاهُ وَقَدْ صَنَّفَ فِي ذَلِكَ اَلْحَافِظُ أَحْمَدُ بْنُ هَارُونَ الْبَرْدِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُوجَدُ ذَلِكَ كَثِيرًا فِي كِتَابِ اَلْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ لِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ, وَغَيْرِهِ, وَفِي كِتَابِ اَلْإِكْمَالِ لِأَبِي نَصْرٍ بْنٍ مَاكُولَا كَثِيرًا . وَقَدْ ذَكَرَ اَلشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو بْنُ اَلصَّلَاحِ طَائِفَةً مِنَ اَلْأَسْمَاءِ اَلْمُفْرَدَةِ, مِنْهُمْ "أَجْمَدُ" بِالْجِيمِ "بْنُ عُجَيَّانَ" عَلَى وَزْنِ "عُلَيَّانَ" قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ وَرَأَيْتُهُ بِخَطِّ اِبْنِ اَلْفُرَاتِ مُخَفَّفًا عَلَى وَزْنِ "سُفْيَانَ", ذَكَرَهُ اِبْنُ يُونُسَ فِي اَلصَّحَابَةِ "أَوْسَطُ بْنُ عَمْرٍو البَجَلِيُّ" تَابِعِيٌّ "تَدُومُ بْنُ صُبَيْحٍ الْكُلَاعِيُّ" عَنْ تُبَيْعٍ اَلْحِمْيَرِيِّ اِبْنِ اِمْرَأَةِ كَعْبِ اَلْأَحْبَارِ "حَبِيبُ بْنُ اَلْحَارِثِ" صَحَابِيٌّ "جِيلَانُ بْنُ فَرْوَةَ أَبُو اَلْجَلَدِ اَلْأَخْبَارِيُّ" تَابِعِيٌّ "الدُّجَيْنُ بْنُ ثَابِتٍ أَبُو اَلْغُصْنِ", يُقَالُ إِنَّهُ جُحَا . قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ : وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ غَيْرُهُ "زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ" سُعَيْرُ بْنُ اَلْخِمْسِ" "سَنْدَرٌ اَلْخَصِيُّ", مَوْلَى زِنْبَاعٍ الجُذَامِيِّ, لَهُ صُحْبَةٌ "شَكَلُ بْنُ حُمَيْدٍ" صَحَابِيٌّ "شَمْغُونُ" بِالشِّينِ وَالْغَيْنِ اَلْمُعْجَمَتَيْنِ "بْنُ زَيْدٍ أَبُو رَيْحَانَةَ" صَحَابِيٌّ, وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِالْعَيْنِ اَلْمُهْمَلَةِ "صُدَيُّ بْنُ عَجْلَانَ أَبُو أُمَامَةَ" صَحَابِيٌّ "صُنَابِحُ بْنُ اَلْأَعْسَرِ" "ضُرَيْبُ بْنُ نُقَيْرِ بْنِ سُمَيْرٍ" كُلُّهَا بِالتَّصْغِيرِ "أَبُو اَلسَّلِيلِ اَلْقَيْسِيُّ اَلْبَصْرِيُّ", يَرْوِي عَنْ مُعَاذٍ . "عَزْوَانُ" بِالْعَيْنِ اَلْمُهْمَلَةِ اِبْنُ زَيْدٍ الرُّقَاشِيُّ", أَحَدُ اَلزُّهَّادِ, تَابِعِيٌّ "كَلَدَةُ بْنُ حَنْبَلٍ" صَحَابِيٌّ اَلنَّوْعُ اَلْمُوفِي خَمْسِينَ : مَعْرِفَةُ اَلْأَسْمَاءِ وَالْكُنَى وَقَدْ صَنَّفَ فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ اَلْحُفَّاظِ, مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ اَلْمَدِينِيُّ, وَمُسْلِمٌ, وَالنَّسَائِيُّ, وَالدُّولَابِيُّ, وَابْنُ مَنْدَهْ, وَالْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ اَلْحَافِظُ, وَكِتَابُهُ فِي ذَلِكَ مُفِيدٌ جِدًّا كَثِيرُ اَلنَّفْعِ . وَطَرِيقَتُهُمْ أَنْ يَذْكُرُوا اَلْكُنْيَةَ وَيُنَبِّهُوا عَلَى صَاحِبِهَا, وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُعْرَفُ اِسْمُهُ, وَمِنْهُمْ مَنْ يُخْتَلَفُ فِيهِ . وَقَدْ قَسَّمَهُمْ اَلشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو بْنُ اَلصَّلَاحِ إِلَى أَقْسَامٍ عِدَّةٍ: (أَحَدُهَا) مَنْ لَيْسَ لَهُ اِسْمٌ سِوَى اَلْكُنْيَةِ, كَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ اَلْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ اَلْمَخْزُومِيِّ اَلْمَدَنِيِّ, أَحَدِ اَلْفُقَهَاءِ اَلسَّبْعَةِ, وَيُكَنَّى بِأَبِي عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ أَيْضًا وَهَكَذَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ اَلْمَدَنِيُّ, يُكَنَّى بِأَبِي مُحَمَّدٍ أَيْضًا قَالَ اَلْخَطِيبُ اَلْبَغْدَادِيُّ وَلَا نَظِيرَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ, وَقِيلَ لَا كُنْيَةَ لِابْنِ حَزْمٍ هَذَا . اَلنَّوْعُ اَلْحَادِي وَالْخَمْسُونَ : مَعْرِفَةُ مَنْ اُشْتُهِرَ بِالِاسْمِ دُونَ اَلْكُنْيَةِ وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا, وَقَدْ ذَكَرَ اَلشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو مِمَّنْ يُكَنَّى بِأَبِي مُحَمَّدٍ جَمَاعَةً مِنْ اَلصَّحَابَةِ, مِنْهُمْ اَلْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ, وَثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ, وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ, وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ, وَحُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ اَلْعُزَّى, وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اَللَّهِ, وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُحَيْنَةَ, وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ, وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ, وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ صَاحِبُ اَلْأَذَانِ, وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو, وَعَبْدُ اَلرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ, وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ, وَمَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ . وَذَكَرَ مَنْ يُكَنَّى مِنْهُمْ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَبِأَبِي عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ . وَلَوْ تَقَصَّيْنَا ذَلِكَ لَطَالَ اَلْفَصْلُ جِدًّا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا اَلنَّوْعُ قِسْمًا عَاشِرًا مِنَ اَلْأَقْسَامِ اَلْمُتَقَدِّمَةِ فِي اَلنَّوْعِ قَبْلَهُ . اَلنَّوْعُ اَلثَّانِي وَالْخَمْسُونَ : مَعْرِفَةُ اَلْأَلْقَابِ وَقَدْ صَنَّفَ فِي ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ, مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ اَلشِّيرَازِيُّ, وَكِتَابُهُ فِي ذَلِكَ مُفِيدٌ كَثِيرُ اَلنَّفْعِ ثُمَّ أَبُو اَلْفَضْلِ اِبْنُ اَلْفَلَكِيِّ اَلْحَافِظُ . وَفَائِدَةُ اَلتَّنْبِيهِ عَلَى ذَلِكَ أَنْ لَا يُظَنَّ أَنَّ هَذَا اَللَّقَبَ لِغَيْرِ صَاحِبِ اَلِاسْمِ . وَإِذَا كَانَ اَللَّقَبُ مَكْرُوهًا إِلَى صَاحِبِهِ فَإِنَّمَا يَذْكُرُهُ أَئِمَّةُ اَلْحَدِيثِ عَلَى سَبِيلِ اَلتَّعْرِيفِ وَالتَّمْيِيزِ, لَا عَلَى وَجْهِ اَلذَّمِّ وَاللَّمْزِ وَالتَّنَابُزِ وَاَللَّهُ اَلْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ . قَالَ اَلْحَافِظُ عَبْدُ اَلْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ اَلْمِصْرِيُّ رَجُلَانِ جَلِيلَانِ لَزِمَهُمَا لَقَبَانِ قَبِيحَانِ مُعَاوِيَةُ بْنُ عَبْدِ اَلْكَرِيمِ "اَلضَّالُّ", وَإِنَّمَا ضَلَّ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ "اَلضَّعِيفُ", وَإِنَّمَا كَانَ ضَعِيفًا فِي جِسْمِهِ, لَا فِي حَدِيثِهِ . قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ : وَثَالِثٌ, وَهُوَ "عَارِمٌ" أَبُو اَلنُّعْمَانِ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْفَضْلِ السَّدُوسِيُّ, وَكَانَ عَبْدًا صَالِحًا بَعِيدًا عَنْ اَلْعِرَامَةِ, وَالْعَارِمُ اَلشِّرِّيرُ اَلْفَاسِدُ . (غُنْدَرٌ) لَقَبٌ لِمُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ اَلْبَصْرِيِّ اَلرَّاوِي عَنْ شُعْبَةَ, وَلِمُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ اَلرَّازِيِّ, رَوَى عَنْ أَبِي حَاتِمٍ اَلرَّازِيِّ, وَلِمُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ اَلْبَغْدَادِيِّ اَلْحَافِظِ اَلْجَوَّالِ شَيْخِ اَلْحَافِظِ أَبِي نُعَيْمٍ اَلْأَصْبَهَانِيِّ وَغَيْرِهِ اَلنَّوْعُ اَلثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ : مَعْرِفَةُ اَلْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ فِي اَلْأَسْمَاءِ وَالْأَنْسَابِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَمِنْهُ مَا تَتَّفِقُ فِي اَلْخَطِّ صُورَتُهُ, وَتَفْتَرِقُ فِي اَللَّفْظِ صِيغَتُهُ . اَلنَّوْعُ اَلرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ : مَعْرِفَةُ اَلْمُتَّفِقِ وَالْمُفْتَرِقِ مِنَ اَلْأَسْمَاءِ وَالْأَنْسَابِ وَقَدْ صَنَّفَ فِيهِ الْخَطِيبُ كِتَابًا حَافِلًا . وَقَدْ ذَكَرَهُ اَلشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو أَقْسَامًا أَحَدُهَا أَنْ يَتَّفِقَ اِثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ فِي اَلِاسْمِ وَاسْمِ اَلْأَبِ مِثَالُهُ "اَلْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ" سِتَّةٌ, : أَحَدُهُمْ اَلنَّحْوِيُّ اَلْبَصْرِيُّ, وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ وَضَعَ عِلْمَ اَلْعَرُوضِ, قَالُوا وَلَمْ يُسَمَّ أَحَدٌ بَعْدَ اَلنَّبِيِّ بِأَحْمَدَ قَبْلَ أَبِي اَلْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ, إِلَّا أَبَا اَلسَّفَرِ سَعِيدِ بْنِ أَحْمَدَ, فِي قَوْلِ اِبْنِ مَعِينٍ, وَقَالَ غَيْرُهُ سَعِيدُ بْنُ يُحْمِدَ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ . اَلثَّانِي أَبُو بِشْرٍ اَلْمُزَنِيُّ, بَصْرِيٌّ أَيْضًا, رَوَى عَنْ اَلْمُسْتَنِيرِ بْنِ أَخْضَرَ عَنْ مُعَاوِيَةَ (بْنِ قُرَّةَ), وَعَنْهُ عَبَّاسٌ اَلْعَنْبَرِيُّ وَجَمَاعَةٌ وَالثَّالِثُ أَصْبَهَانِيٌّ, رَوَى عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ وَغَيْرِهِ . وَالرَّابِعُ أَبُو سَعِيدٍ السِّجْزِيُّ, اَلْقَاضِي اَلْفَقِيهُ اَلْحَنَفِيُّ اَلْمَشْهُورُ بِخُرَاسَانَ رَوَى عَنِ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَطَبَقَتِهِ . اَلْخَامِسُ أَبُو سَعِيدٍ البُسْتِيُّ اَلْقَاضِي, حَدَّثَ عَنْ اَلَّذِي قَبْلَهُ, وَرَوَى عَنْهُ اَلْبَيْهَقِيُّ . اَلسَّادِسُ أَبُو سَعِيدٍ الْبُسْتِيُّ أَيْضًا, شَافِعِيٌّ, أَخَذَ عَنْ اَلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ, دَخَلَ بِلَادَ اَلْأَنْدَلُسِ . اَلْقِسْمُ اَلثَّانِي "أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ" أَرْبَعَةٌ القَطِيعِيُّ, اَلنَّوْعُ اَلْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ : نَوْعٌ يَتَرَكَّبُ مِنْ اَلنَّوْعَيْنِ قَبْلَهُ وَلِلْخَطِيبِ اَلْبَغْدَادِيِّ فِيهِ كِتَابُهُ اَلَّذِي وَسَمَهُ بِتَلْخِيصِ اَلْمُتَشَابِهِ فِي اَلرَّسْمِ مِثَالُهُ "مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ" بِفَتْحِ اَلْعَيْنِ, جَمَاعَةٌ, (مُوسَى بْنُ عُلَيٍّ) بِضَمِّهَا, مِصْرِيٌّ يَرْوِي عَنْ اَلتَّابِعِينَ . اَلنَّوْعُ اَلسَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ : فِي صِنْفٍ آخَرَ مِمَّا تَقَدَّمَ وَمَضْمُونُهُ فِي اَلْمُتَشَابِهِينَ فِي اَلِاسْمِ وَاسْمِ اَلْأَبِ أَوْ اَلنِّسْبَةِ, مَعَ اَلْمُفَارَقَةِ فِي اَلْمُقَارَنَةِ, هَذَا مُتَقَدِّمٌ وَهَذَا مُتَأَخِّرٌ . مِثَالُهُ (يَزِيدُ بْنُ اَلْأَسْوَدِ) خُزَاعِيٌّ صَحَابِيٌّ, وَ(يَزِيدُ بْنُ اَلْأَسْوَدِ) الْجُرْشِيُّ, أَدْرَكَ اَلْجَاهِلِيَّةَ وَسَكَنَ اَلشَّامِ, وَهُوَ اَلَّذِي اِسْتَسْقَى بِهِ مُعَاوِيَةُ . وَأَمَّا (اَلْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ), فَذَاكَ تَابِعِيٌّ مِنْ أَصْحَابِ اِبْنِ مَسْعُودٍ . (اَلْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ) اَلدِّمَشْقِيُّ, تِلْمِيذُ اَلْأَوْزَاعِيِّ, وَشَيْخُ اَلْإِمَامِ أَحْمَدَ, وَلَهُمْ آخَرُ بَصْرِيٌّ تَابِعِيٌّ . فَأَمَّا (مُسْلِمُ بْنُ اَلْوَلِيدِ رَبَاحٌ) فَذَاكَ مَدَنِيٌّ, يَرْوِي عَنْهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ وَهِمَ اَلْبُخَارِيُّ فِي تَسْمِيَتِهِ لَهُ فِي تَارِيخِهِ (بِالْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . اَلنَّوْعُ اَلسَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ مَعْرِفَةُ اَلْمَنْسُوبِينَ إِلَى غَيْرِ آبَائِهِمْ وَهُمْ أَقْسَامٍ (أَحَدُهَا) اَلْمَنْسُوبُونَ إِلَى أُمَّهَاتِهِمْ كَمُعَاذٍ وَمُعَوِّذٍ, اِبْنَيْ (عَفْرَاءَ), وَهُمَا اَللَّذَانِ أَثْبَتَا أَبَا جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ, وَأُمُّهُمْ هَذِهِ عَفْرَاءُ بِنْتُ عُبَيْدٍ, وَأَبُوهُمْ اَلْحَارِثُ بْنُ رِفَاعَةَ اَلْأَنْصَارِيُّ وَلَهُمْ آخَرُ شَقِيقٌ لَهُمَا (عَوْذٌ), وَيُقَالُ (عَوْنٌ) وَقِيلَ (عَوْفٌ) فَاَللَّهُ أَعْلَمُ . بِلَالُ اِبْنُ (حَمَامَةَ) اَلْمُؤَذِّنُ, أَبُوهُ رَبَاحٌ . ابْنُ (أُمِّ مَكْتُومٍ) اَلْأَعْمَى اَلْمُؤَذِّنُ أَيْضًا, وَقَدْ كَانَ يَؤُمُّ أَحْيَانًا عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ فِي غَيْبَتِهِ, قِيلَ اِسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَائِدَةَ, وَقِيلَ عَمْرُو اِبْنُ قَيْسٍ, وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ . عَبْدُ اللَّهِ اِبْنُ (اللُّتَبِيِّةِ) وَقِيلَ (الْأُتْبِيَّةِ) صَحَابِيٌّ . سُهَيْلُ اِبْنُ (بَيْضَاءَ) وَأَخَوَاهُ مِنْهَا سَهْلٌ وَصَفْوَانُ, وَاسْمُ بَيْضَاءَ (دَعْدٌ) وَاسْمُ أَبِيهِمْ وَهْبٌ . شُرَحْبِيلُ اِبْنُ (حَسَنَةَ) أَحَدُ أُمَرَاءِ اَلصَّحَابَةِ عَلَى اَلشَّأْمِ, هِيَ أُمُّهُ, وَأَبُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ اَلْمُطَاعِ اَلْكِنْدِيُّ . اَلنَّوْعُ اَلثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ فِي اَلنَّسَبِ اَلَّتِي عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهَا وَذَلِكَ كَأَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو "اَلْبَدْرِيِّ" زَعَمَ اَلْبُخَارِيُّ أَنَّهُ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا, وَخَالَفَهُ اَلْجُمْهُورُ, قَالُوا إِنَّمَا سَكَنَ بَدْرًا فَنُسِبَ إِلَيْهَا . سُلَيْمَانُ بْنُ طَرْخَانَ "التَّيْمِيُّ" لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ, وَإِنَّمَا نَزَلَ فِيهِمْ, فَنُسِبَ إِلَيْهِمْ, وَقَدْ كَانَ مِنْ مَوَالِي بَنِي مُرَّةَ . أَبُو خَالِدٍ "اَلدَّالَانِيُّ" بَطْنٌ مِنْ هَمَدَانَ, نَزَلَ فِيهِمْ أَيْضًا, وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ مَوَالِي بَنِي أَسَدٍ . إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ "الْخُوزِيُّ" : إِنَّمَا نَزَلَ شِعْبَ الْخُوزِ بِمَكَّةَ . عَبْدُ اَلْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ "العَرْزَمِيُّ" وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ فَزَارَةَ, نَزَلَ فِي جَبَّانَتِهِمْ بِالْكُوفَةِ . مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ "العَوَقيُّ" ": بَطْنٌ مِنْ عَبْدِ اَلْقَيْسِ, وَهُوَ بَاهِلِيٌّ, لَكِنَّهُ نَزَلَ عِنْدَهُمْ بِالْبَصْرَةِ . أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ اَلسُّلَمِيُّ" : شَيْخُ مُسْلِمٍ, هُوَ أَزْدِيٌّ, وَلَكِنَّهُ نُسِبَ إِلَى قَبِيلَةِ أُمِّهِ وَكَذَلِكَ حَفِيدُهُ أَبُو عَمْرٍو إِسْمَاعِيلُ بْنُ نُجَيْدٍ "السُّلَمِيُّ" حَفِيدُ هَذَا أَبُو عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ "السُّلَمِيُّ" اَلصُّوفِيُّ . اَلنَّوْعُ اَلتَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ فِي مَعْرِفَةِ اَلْمُبْهَمَاتِ مِنْ أَسْمَاءِ اَلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَقَدْ صَنَّفَ فِي ذَلِكَ اَلْحَافِظُ عَبْدُ اَلْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ اَلْمِصْرِيُّ, وَالْخَطِيبُ اَلْبَغْدَادِيُّ, وَغَيْرُهُمَا . وَهَذَا إِنَّمَا يُسْتَفَادُ مِنْ رِوَايَةٍ أُخْرَى مِنْ طُرُقِ اَلْحَدِيثِ, كَحَدِيثِ اِبْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ, اَلْحَجُّ كُلَّ عَامٍ? هُوَ اَلْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ, كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى, وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُمْ مَرُّوا بِحَيٍّ قَدْ لُدِغَ سَيِّدُهُمْ, فَرَقَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ وَهُوَ أَبُو سَعِيدٍ نَفْسُهُ فِي أَشْبَاهٍ لِهَذَا كَثِيرَةٍ يَطُولُ ذِكْرُهَا . وَقَدْ اِعْتَنَى اِبْنُ اَلْأَثِيرِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِهِ "جَامِعِ اَلْأُصُولِ" بِتَحْرِيرِهَا, وَاخْتَصَرَ اَلشَّيْخُ مُحْيِي اَلدِّينِ اَلنَّوَوِيُّ كِتَابَ اَلْخَطِيبِ فِي ذَلِكَ . وَهُوَ فَنُّ قَلِيلُ اَلْجَدْوَى بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَعْرِفَةِ اَلْحُكْمِ مِنَ اَلْحَدِيثِ, وَلَكِنَّهُ شَيْءٌ يَتَحَلَّى بِهِ كَثِيرٌ مِنَ اَلْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ . وَأَهَمُّ مَا فِيهِ مَا رَفَعَ إِبْهَامًا فِي إِسْنَادٍ كَمَا إِذَا وَرَدَ فِي سَنَدٍ عَنْ فُلَانِ اِبْنِ فُلَانٍ, أَوْ عَنْ أَبِيهِ, أَوْ عَمِّهِ, أَوْ أُمِّهِ فَوَرَدَتْ تَسْمِيَةُ هَذَا اَلْمُبْهَمِ اَلنَّوْعُ اَلْمُوفِي اَلسِّتِّينَ مَعْرِفَةُ وَفَيَاتِ اَلرُّوَاةِ وَمَوَالِيدِهِمْ وَمِقْدَارِ أَعْمَارِهِمْ لِيُعْرَفَ مَنْ أَدْرَكَهُمْ مِمَّنْ لَمْ يُدْرِكْهُمْ مِنْ كَذَّابٍ أَوْ مُدَلِّسٍ, فَيَتَحَرَّرُ اَلْمُتَّصِلُ وَالْمُنْقَطِعُ وَغَيْرُ ذَلِكَ . قَالَ سُفْيَانُ اَلثَّوْرِيُّ لَمَّا اِسْتَعْمَلَ اَلرُّوَاةُ اَلْكَذِبَ اِسْتَعْمَلْنَا لَهُمْ اَلتَّأْرِيخَ . وَقَالَ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ : إِذَا اِتَّهَمْتُمْ اَلشَّيْخَ فَحَاسِبُوهُ بِالسِّنِينَ . وَقَالَ اَلْحَاكِمُ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْكَشِّيُّ فَحَدَّثَ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ, سَأَلْتُهُ عَنْ مَوْلِدِهِ؟ فَذَكَرَ أَنَّهُ وُلِدَ سَنَةً سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ, فَقُلْتُ لِأَصْحَابِنَا إِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً . قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ شَخْصَانِ مِنْ اَلصَّحَابَةِ عَاشَ كُلٌّ مِنْهُمَا سِتِّينَ سَنَةً فِي اَلْجَاهِلِيَّةِ وَسِتِّينَ فِي اَلْإِسْلَامِ, وَهُمَا حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ, وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ, -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا- وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتِ بْنِ اَلْمُنْذِرِ بْنِ حَرَامٍ عَاشَ كُلٌّ مِنْهُمْ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً قَالَ اَلْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ وَلَا يُعْرَفُ هَذَا لِغَيْرِهِمْ مِنَ اَلْعَرَبِ . (قُلْتُ) قَدْ عَمَّرَ جَمَاعَةٌ مِنَ اَلْعَرَبِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا, وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ أَرْبَعَةَ نَسَقًا يَعِيشُ كُلٌّ مِنْهُمْ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً, لَمْ يَتَّفِقْ هَذَا فِي غَيْرِهِمْ . اَلنَّوْعُ اَلْحَادِي وَالسِّتُّونَ مَعْرِفَةُ الثِّقَاةِ وَالضُّعَفَاءِ مِنْ اَلرُّوَاةِ وَغَيْرِهِمْ وَهَذَا اَلْفَنُّ مِنْ أَهَمِّ اَلْعُلُومِ وَأَعْلَاهَا وَأَنْفَعِهَا, إِذْ بِهِ تُعْرَفُ صِحَّةُ سَنَدِ اَلْحَدِيثِ مِنْ ضَعْفِهِ . وَقَدْ صَنَّفَ اَلنَّاسُ فِي ذَلِكَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا كُتُبًا كَثِيرَةً مِنْ أَنْفَعِهَا كِتَابُ اِبْنِ حَاتِمٍ وَلِابْنِ حِبَّانَ كِتَابَانِ نَافِعَانِ أَحَدُهُمَا فِي الثِّقَاةِ, وَالْآخَرُ فِي اَلضُّعَفَاءِ وَكِتَابُ اَلْكَامِلِ لِابْنِ عَدِيٍّ . وَالتَّوَارِيخُ اَلْمَشْهُورَةُ, وَمِنْ أَجَلِّهَا تَارِيخُ بَغْدَادَ لِلْحَافِظِ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ اَلْخَطِيبِ وَتَارِيخُ دِمَشْقَ لِلْحَافِظِ أَبِي اَلْقَاسِمِ بْنِ عَسَاكِرَ اَلنَّوْعُ اَلثَّانِي وَالسِّتُّونَ مَعْرِفَةُ مَنْ اِخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ إِمَّا لِخَوْفٍ أَوْ ضَرَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ عَرَضٍ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ, لَمَّا ذَهَبَتْ كُتُبُهُ اِخْتَلَطَ فِي عَقْلِهِ, فَمَنْ سَمِعَ مِنْ هَؤُلَاءِ قَبْلَ اِخْتِلَاطِهِمْ قُبِلَتْ رِوَايَتُهُمْ, وَمَنْ سَمِعَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ . وَمِمَّنْ اِخْتَلَطَ بِأَخَرَةٍ عَطَاءُ بْنُ اَلسَّائِبِ, وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ, قَالَ اَلْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى اَلْخَلِيلِيُّ وَإِنَّمَا سَمِعَ اِبْنُ عُيَيْنَةَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ, وَكَانَ سَمَاعُ وَكِيعٍ وَالْمُعَافَى بْنِ عِمْرَانَ مِنْهُ بَعْدَ اِخْتِلَاطِهِ وَالْمَسْعُودِيُّ, وَرَبِيعَةُ, وَصَالِحٌ مَوْلَى اَلتَّوْأَمَةِ, وَحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ, قَالَهُ النَّسَائِيُّ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَتَيْنِ, قَالَهُ يَحْيَى اَلْقَطَّانُ وَعَبْدُ اَلْوَهَّابِ اَلثَّقَفِيُّ, قَالَهُ اِبْنُ مَعِينٍ وَعَبْدُ اَلرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ, قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ اِخْتَلَطَ بَعْدَمَا عَمِيَ, فَكَانَ يُلَقَّنُ, فَيَتَلَقَّنُ فَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ بَعْدَمَا عَمِيَ فَلَا شَيْءَ . قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ وَقَدْ وَجَدْتُ فِيمَا رَوَاهُ اَلطَّبَرَانِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ
اَلنَّوْعُ اَلثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ مَعْرِفَةُ اَلطَّبَقَاتِ وَذَلِكَ أَمْرٌ اِصْطِلَاحِيٌّ فَمِنْ اَلنَّاسِ مَنْ يَرَى اَلصَّحَابَةَ كُلَّهُمْ طَبَقَةً وَاحِدَةً, ثُمَّ اَلتَّابِعُونَ بَعْدَهُمْ كَذَلِكَ وَيَسْتَشْهِدُ عَلَى هَذَا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ خَيْرُ اَلْقُرُونِ قَرْنِي, ثُمَّ اَلَّذِينَ يَلُونَهُمْ, ثُمَّ اَلَّذِينَ يَلُونَهُمْ فَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً . وَمِنْ اَلنَّاسِ مَنْ يُقَسِّمُ اَلصَّحَابَةَ إِلَى طَبَقَاتٍ, وَكَذَلِكَ اَلتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ كُلَّ قَرْنٍ أَرْبَعِينَ سَنَةً . وَمِنْ أَجَلِّ اَلْكُتُبِ فِي هَذَا طَبَقَاتُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ كَاتِبِ اَلْوَاقِدِيِّ وَكَذَلِكَ كِتَابُ اَلتَّارِيخِ لِشَيْخِنَا اَلْعَلَّامَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ اَلذَّهَبِيِّ -رَحِمَهُ اَللَّهُ- وَلَهُ كِتَابُ طَبَقَاتِ اَلْحُفَّاظِ, مُفِيدٌ أَيْضًا جِدًّا .
اَلنَّوْعُ اَلرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ مَعْرِفَةُ اَلْمَوَالِي مِنْ اَلرُّوَاةِ وَالْعُلَمَاءِ وَهُوَ مِنَ اَلْمُهِمَّاتِ, فَرُبَّمَا نُسِبَ أَحَدُهُمْ إِلَى اَلْقَبِيلَةِ, فَيَعْتَقِدُ اَلسَّامِعُ أَنَّهُ مِنْهُمْ صَلِيبَةٌ, وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ مَوَالِيهِمْ فَيُمَيِّزُ ذَلِكَ لِيُعْلَمَ, وَإِنْ كَانَ قَدْ وَرَدَ فِي اَلْحَدِيثِ مَوْلَى اَلْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ . وَمِنْ ذَلِكَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ "اَلطَّائِيُّ" وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ فَيْرُوزَ, وَهُوَ مَوْلَاهُمْ وَكَذَلِكَ أَبُو اَلْعَالِيَةِ "اَلرِّيَاحِيُّ" وَكَذَلِكَ اَللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ "اَلْفَهْمِيُّ" وَكَذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ "اَلْقُرَشِيُّ", وَهُوَ مَوْلَى لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ كَاتِبِ اَللَّيْثِ وَهَذَا كَثِيرٌ . فَأَمَّا مَا يُذْكَرُ فِي تَرْجَمَةِ اَلْبُخَارِيِّ أَنَّهُ "مَوْلَى الْجُعْفِيِّينَ" فَلِإِسْلَامِ جَدِّهِ اَلْأَعْلَى عَلَى يَدِ بَعْضِ الْجُعْفِيِّينَ . وَكَذَلِكَ اَلْحَسَنُ بْنُ عِيسَى الْمَاسَرْجَسِيُّ يُنْسَبُ إِلَى وَلَاءِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ اَلْمُبَارَكِ, بِأَنَّهُ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ, وَكَانَ نَصْرَانِيًّا . وَقَدْ يَكُونُ بِالْحَلِفِ, كَمَا يُقَالُ فِي نَسَبِ اَلْإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ "مَوْلَى التَّيْمِيِّينَ", وَهُوَ حِمْيَرِيٌّ أَصْبُحِيٌّ صَلِيبَةٌ, وَلَكِنْ كَانَ جَدُّهُ مَالِكُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ حَلِيفًا لَهُمْ, وَقَدْ كَانَ عَسِيفًا عِنْدَ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ أَيْضًا, فَنُسِبَ إِلَيْهِمْ كَذَلِكَ . وَقَدْ كَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ سَادَاتِ اَلْعُلَمَاءِ فِي زَمَنِ اَلسَّلَفِ مِنَ اَلْمَوَالِي, وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ اَلْخَطَّابِ لَمَّا تَلَقَّاهُ نَائِبُ مَكَّةَ أَثْنَاءَ اَلطَّرِيقِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ, قَالَ لَهُ مَنْ اِسْتَخْلَفْتَ مِنْ أَهْلِ اَلْوَادِي؟ قَالَ اِبْنُ أَبْزَى, قَالَ وَمَنْ اِبْنُ أَبْزَى؟ قَالَ رَجُلٌ مِنَ اَلْمَوَالِي, فَقَالَ أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ يَقُولُ إِنَّ اَللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا اَلْعِلْمِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ . وَذَكَرَ اَلزُّهْرِيُّ أَنَّ هِشَامَ بْنَ عَبْدِ اَلْمَلِكِ قَالَ لَهُ مَنْ يَسُودُ مَكَّةَ؟ فَقُلْتُ عَطَاءٌ, قَالَ فَأَهْلُ اَلْيَمَنِ؟ قُلْتُ طَاوُسٌ, قَالَ فَأَهْلُ اَلشَّامِ؟ فَقُلْتُ مَكْحُولٌ, قَالَ فَأَهْلُ مِصْرَ؟ قُلْتُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ, قَالَ فَأَهْلُ اَلْجَزِيرَةِ؟ فَقُلْتُ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ, قَالَ فَأَهْلُ خُرَاسَانَ؟ قُلْتُ اَلضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ, قَالَ فَأَهْلُ اَلْبَصْرَةِ؟ فَقُلْتُ اَلْحَسَنُ بْنُ أَبِي اَلْحَسَنِ, قَالَ فَأَهْلُ اَلْكُوفَةِ؟ فَقُلْتُ إِبْرَاهِيمُ اَلنَّخَعِيُّ, وَذَكَرَ أَنَّهُ يَقُولُ لَهُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ أَمِنَ اَلْعَرَبِ أَمْ مِنَ اَلْمَوَالِي؟ فَيَقُولُ مِنَ اَلْمَوَالِي, فَلَمَّا اِنْتَهَى قَالَ يَا زُهْرِيُّ, وَاَللَّهِ لِتَسُودَنَّ اَلْمَوَالِي عَلَى اَلْعَرَبِ حَتَّى يُخْطَبَ لَهَا عَلَى اَلْمَنَابِرِ وَالْعَرَبُ تَحْتَهَا, فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ, إِنَّمَا هُوَ أَمْرُ اَللَّهِ وَدِينُهُ, فَمَنْ حَفِظَهُ سَادَ, وَمَنْ ضَيَّعَهُ سَقَطَ . (قُلْتُ) وَسَأَلَ بَعْضُ اَلْأَعْرَابِ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ, فَقَالَ مَنْ هُوَ سَيِّدُ هَذِهِ اَلْبَلْدَةِ؟ قَالَ اَلْحَسَنُ بْنُ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلْبَصْرِيُّ, قَالَ أَمَوْلَى هُوَ؟ قَالَ نَعَمْ, قَالَ فَبِمَ سَادَهُمْ؟ فَقَالَ بِحَاجَتِهِمْ إِلَى عِلْمِهِ وَعَدَمِ اِحْتِيَاجِهِ إِلَى دُنْيَاهُمْ, فَقَالَ اَلْأَعْرَابِيُّ هَذَا لَعَمْرُ أَبِيكَ هُوَ اَلسُّؤْدُدُ .
اَلنَّوْعُ اَلْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ: مَعْرِفَةُ أَوْطَانِ اَلرُّوَاةِ وَبُلْدَانِهِمْ وَهُوَ مِمَّا يَعْتَنِي بِهِ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَاءِ اَلْحَدِيثِ, وَرُبَّمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ فَوَائِدُ مُهِمَّةٌ . مِنْهَا مَعْرِفَةُ شَيْخِ اَلرَّاوِي, فَرُبَّمَا اِشْتَبَهَ بِغَيْرِهِ, فَإِذَا عَرَفْنَا بَلَدَهُ تَعَيَّنَ بَلَدِيُّهُ غَالِبًا, وَهَذَا مُهِمٌّ جَلِيلٌ . وَقَدْ كَانَتْ اَلْعَرَبُ إِنَّمَا يُنْسَبُونَ إِلَى اَلْقَبَائِلِ وَالْعَمَائِرِ وَالْعَشَائِرِ وَالْبُيُوتِ, وَالْعَجَمُ إِلَى شُعُوبِهَا وَرَسَاتِيقِهَا وَبُلْدَانِهَا, وَبَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى أَسْبَاطِهَا فَلَمَّا جَاءَ اَلْإِسْلَامُ وَانْتَشَرَ اَلنَّاسُ فِي اَلْأَقَالِيمِ, نُسِبُوا إِلَيْهَا, أَوْ إِلَى مُدُنِهَا أَوْ قُرَاهَا . فَمَنْ كَانَ مِنْ قَرْيَةٍ فَلَهُ اَلِانْتِسَابُ إِلَيْهَا بِعَيْنِهَا, وَإِلَى مَدِينَتِهَا -إِنْ شَاءَ اَللَّهُ-, أَوْ إِقْلِيمِهَا, وَمَنْ كَانَ مِنْ بَلْدَةٍ ثُمَّ اِنْتَقَلَ مِنْهَا إِلَى غَيْرِهَا فَلَهُ اَلِانْتِسَابُ إِلَى أَيِّهِمَا شَاءَ, وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَذْكُرَهُمَا, فَيَقُولَ مَثَلاً اَلشَّامِيُّ ثُمَّ اَلْعِرَاقِيُّ, أَوْ اَلدِّمَشْقِيُّ ثُمَّ اَلْمِصْرِيُّ, وَنَحْوَ ذَلِكَ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا يَسُوغُ اَلِانْتِسَابُ إِلَى اَلْبَلَدِ إِذَا أَقَامَ فِيهِ أَرْبَعَ سِنِينَ فَأَكْثَرَ, وَفِي هَذَا نَظَرٌ وَاَللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ . وَهَذَا آخِرُ مَا يَسَّرَهُ اَللَّهُ -تَعَالَى- مِنْ "اِخْتِصَارُ عُلُومِ اَلْحَدِيثِ" وَلَهُ اَلْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ . وَصَلَّى اَللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ .
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 13 يونيو 2021, 12:05 am عدل 1 مرات |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: كتاب "اِخْتِصَارُ عُلُومِ اَلْحَدِيثِ" الأحد 05 يونيو 2011, 5:35 am | |
| الهامش - سيأتي ذِكر المرسل والمنقطع والمعضل والشاذ والمعلل في الصفحات التالية. - جاء في تدريب الراوي ص 56 ما يلي: "وموضوع المستخرج كما قال العِراقي: أن يأتي المصنف إلى الكتاب فيخرِّج أحاديثه بأسانيد لنفسه من غير طريق صاحب الكتاب، فيجتمع معه في شيخه أو من فوقه. قال شيخ الإسلام: وشرطه أن لا يصل إلى شيخ أبعد حتى يفقد سندا يوصله إلى الأقرب إلا لعذر من علو أو زيادة مهمة. قال: ولذلك يقول أبو عوانة في مستخرَجه على مسلم بعد أن يسوق طرق مسلم كلها: من هنا لمخرجه، ثم يسوق أسانيد يجتمع فيها مع مسلم فيمن فوق ذلك، وربما قال: من هنا لم يخرِّجاه، قال: ولا يُظن أنه يعني البخاري ومسلما، فإني استقربت صنيعه في ذلك فوجدته إنما يعني مسلما، وأبا الفضل أحمد بن سلمة، فإنه كان قرين مسلم، وصنف مثل مسلم، وربما أسقط المستخرج أحاديث لم يجد له بها سندا يرتضيه، وربما ذكرها من طريق صاحب الكتاب، ثم إن المستخرجات المذكورة (لم يلتزم فيها موافقتهما) أي: الصحيحين (في الألفاظ)؛ لأنهم إنما يرون بالألفاظ التي وقعت لهم عن شيوخهم (فحصل فيها تفاوت) قليل (في اللفظ و) في (المعنى) أقل". - جَمَعَ الحافظ الهَيْثمي (المتوفى سنة 807) زوائد ستة كتب، وهي مسند أحمد وأبي يَعْلى والبزار ومعاجم الطبراني الثلاثة: الكبير والأوسط والصغير على الكتب الستة، أي: ما رواه هؤلاء الأئمة الأربعة في كتبهم زائدا على ما في الكتب الستة المعروفة، وهي الصحيحان والسنن الأربعة. فكان كتابا حافلا نافعا، سماه (مَجمع الزوائد)، وقد طُبع بمصر سنة 1352 في 10مجلدات كبار. وتكلم فيه على إسناد كل حديث، مع نسبته إلى من رواه منهم. - قال السيوطي في تدريب الراوي ص53: "قال البدر بن جماعة: والصواب أنه يُتَتَبّع ويحكم عليه بما يليق بحاله من الحُسن أو الصحة أو الضعف، ووافقه العراقي وقال: إن حكمه عليه بالحُسن فقط تحكُّم، قال إلا أن ابن الصلاح قال ذلك بناء على رأيه، أنه قد انقطع التصحيح في هذه الأعصار, فليس لأحد أن يصححه، فلهذا قطع النظر عن الكشف عليه. - قال السيوطي في تدريب الراوي ص52. "قال شيخ الإسلام: وإنما وقع للحاكم التساهل؛ لأنه سوّد الكتاب لينقِّحه فأعجلته المَنية، قال: وقد وجدت في قريب نصف الجزء الثاني من تجزئة ستة من المستدرك، إلى هنا. انتهى إملاء الحاكم، ثم قال: وما عدا ذلك من الكتاب لا يؤخذ عنه إلا بطريق الإجازة. فمن أكبر أصحابه وأكثر الناس له ملازمة البيهقي، وهو إذا ساق عنه في غير المُمْلى شيئا لا يذكره إلا بالإجازة قال: والتساهل في القدر المُمْلى قليل جدا بالنسبة إلى ما بعده. - قال السيوطي في تدريب الراوي ص60-61: "(ما رَوَيَاه) أي: الشيخان (بالإسناد المتصل فهو المحكوم بصحته، وأما ما حذف من مبتدأ إسناده واحد أو أكثر) وهو المعلق، وهو في البخاري كثير جدا، كما تقدم عدده، وفي مسلم في موضوع واحد في التيمم، حيث قال: وروى الليث بن سعد، فذكر حديث أبي الجهم بن الصِّمة: أقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من نحو بئر جمل … …الحديث. وفيه أيضا موضوعان في الحدود والبيوع رواهما بالتعليق عن الليث بعد روايتهما بالاتصال، وفيه بعد ذلك أربعة عشر موضوعا كل حديث منها رواه متصلا ثم عقّبه بقوله: ورواه فلان. وأكثر ما في البخاري من ذلك موصول في موضوع آخر من كتابه، وإنما أورده معلقا اختصارا ومجانبة للتكرار، والذي لم يوصله في موضوع آخر مائة وستون حديثا، وصلها شيخ الإسلام في تأليف لطيف سمّاه "التوفيق" وله في جميع التعليق والمتابعات والموقوفات كتاب جليل بالأسانيد سماه "تعليق التعليق" واختصره بلا أسانيد في كتاب آخر سماه "التشويق إلى وصل المهم من التعليق" (فما كان منه بصيغة الجزم كقال وفعل وأمر وروى وذكر فلان فهو حكم بصحته عن المضاف إليه)؛ لأنه لا يستجيز أن يجزم بذلك عنه إلا وقد صح عنده عنه، لكن لا يحكم بصحته الحديث مطلقا، بل يتوقف على النظر فيمن أبرز من رجاله، وذلك أقسام: أحدها: ما يلتحق بشرطه، والسبب في عدم إيصاله إما الاستغناء بغيره عنه، مع إفادة الإشارة إليه وعدم إهماله بإيراده معلقا اختصارا، وإما كونه لم يسمعه من شيخه، أو سمعه مذاكرة، أو شك في سماعه، فما رأى أنه يسوقه مساق الأصول، ومن أمثلة ذلك قوله في الوَكالة: قال عثمان بن الهيثم: حدثنا عون حديثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: وكّلني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بزكاة رمضان. …الحديث، وأورده في فضائل القرآن وذكر إبليس، ولم يقل في موضع منها حدثنا عثمان، فالظاهر عدم سماعه له منه. قال شيخ الإسلام: وقد استعمل هذه الصيغة فيما لم يسمعه من مشايخه في عدة أحاديث، فيوردها منهم بصيغة قال فلان، ثم يوردها في موضع آخر بواسطة بينه وبينهم، كما قال في التاريخ: قال إبراهيم بن موسى: حدثنا هشام بن يوسف فذكر حديثا، ثم يقول: حدثوني بهذا عن إبراهيم قال: ولكن ليس ذلك مطّردا في كل ما أورد بهذه الصيغة، لكن مع هذا الاحتمال لا يجمُل حمل ما أورده بهذه الصيغة على أنه سمعه من شيوخه". - قال السيوطي في تدريب الراوي ص126: "وفي الصحيحين من ذلك ما لا يحصى؛ لأن أكثر رواياتهم عن الصحابة، وكلهم عُدول، ورواياتهم عن غيرهم نادرة، وإذا رووها بينوها، بل أكثر ما رواه الصحابة عن التابعين ليس أحاديث مرفوعة بل إسرائيليات أو حكايات أو موقوفات. - قال العراقي ص67 من شرح مقدمة ابن الصلاح: ولا حاجة إلى قوله: وكاد، فقد ادعاه، فقال في مقدمة التمهيد: اعلم وفقك الله أني تأملت أقاويل أئمة الحديث، ونظرت في كتب من اشترط الصحيح في النقل منهم ومن لم يشترطه، فوجدتهم أجمعوا على قبول الإسناد المعنعن، لا خلاف بينهم في ذلك؛ إذ جمع شروطا ثلاثة، وهي: عدالة المحدثين، ولقاء بعضهم بعضا، ومجالسة ومشاهدة، وأن يكونوا برآء من التدليس، ثم قال: وهو قول مالك وعامة أهل العلم. - قال السيوطي في تدريب الراوي ص140 "(وربما لم يسقط شيخه أو أسقط غيره)، أي: شيخ شيخه أو أعلى منه لكونه (ضعيفا) وشيخه ثقة (أو صغيرا) وأتى فيه بلفظ محتمل عن الثقة الثاني (تحسينا للحديث) وهذا من زوائد المصنف -يعني النووي- على ابن الصلاح، وهو قسم آخر من التدليس يسمى تدليس التسوية سماه بذلك ابن القطان وهو شر أقسامه؛ لأن الثقة الأول قد لا يكون معروفا بالتدليس ويجده الواقف على السند كذلك بعد التسوية قد رواه عن ثقة آخر فيحكم له بالصحة، وفيه تغرير شديد. وممن عرف به الوليد بن مسلم، قال أبو مُسْهِر: كان يحدث بأحاديث الأوزاعي من الكذابين ثم يدلسها عنهم، وقال صالح جزرة: سمعت الهيثم بن خارجة يقول: قلت للوليد: قد أفسدت حديث الأوزاعي، قال: كيف؟ قلت: تروي عن الأوزاعي عن نافع وعن الأوزاعي عن الزهري وعن الأوزاعي عن يحيى بن سعيد، وغيرك يُدخل بين الأوزاعي وبين نافع عبد الله بن عامر الأسلمي، وبينه وبين الزهري أبا الهيثم بن مرة. قال: أنبّل الاوزاعي أن يروي عن مثل هؤلاء. قلت: فإذا روى عن هؤلاء وهم ضعفاء أحاديث مناكير فأسقطتهم أنت وصيرتها من رواية الأوزاعي عن الثقات، ضعف الأوزاعي، فلم يتلفت إلى قولي. قال الخطيب: وكان الأعمش وسفيان الثوري يفعلون مثل هذا، قال العلائي: وبالجملة فهذا النوع أفحش أنواع التدليس مطلقا وشرها". - ومثال الاضطراب في الإسناد ما ذكر السيوطي في التدريب ص172-173 قال: "والمثال الصحيح حديث أبي بكر أنه قال: يا رسول الله أراك شِبت قال: شيّبتني هود وأخواتها.. قال الدراقطني: هذا مضطرب فإنه لم يُرو إلا من طريق أبي إسحق، وقد اختُلف عليه فيه على نحو عشرة أوجه: فمنهم من رواه عنه مرسلا، ومنهم من رواه موصولا، ومنهم من جعله من مسند أبي بكر، ومنهم من جعله من مسند سعد، ومنهم من جعله من مسند عائشة وغير ذلك، ورواته ثقات لا يمكن ترجيح بعضهم على بعض، والجمع متعذر. قلت: ومثله حديث مجاهد عن الحكم بن سفيان عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في نضح الفرج بعد الوضوء، قد اختلف فيه على عشرة أقوال، فقيل: عن مجاهد عن الحكم أو ابن الحكم عن أبيه، وقيل: عن مجاهد عن الحكم بن سفيان عن أبيه، وقيل: عن مجاهد عن الحكم -غير منسوب- عن أبيه. وقيل: عن مجاهد عن رجل من ثقيف عن أبيه، وقيل: عن مجاهد عن سفيان بن الحكم أو الحكم بن سفيان، وقيل: عن مجاهد عن الحكم بن سفيان بلا شك، وقيل: عن مجاهد عن رجل من ثقيف يقال له: الحكم أو أبو الحكم، وقيل: عنه مجاهد عن ابن الحكم أو أبي الحكم بن سفيان، وقيل: عن مجاهد عن الحكم ابن سفيان أو أبي سفيان، وقيل: عن مجاهد عن رجل من ثقيف عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. ومثال الاضطراب في المتن، فيما أورده العراقي: حديث فاطمة بنت قيس قالت: سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الزكاة، فقال: إن في المال لَحقا سِوى الزكاة رواه الترمذي هكذا من رواية شريك عن أبي حمزة عن الشعبي عن فاطمة، ورواه ابن ماجه من هذا الوجه بلفظ: ليس في المال حق سوى الزكاة؛ قال: فهذا اضطراب لا يحتمل التأويل، قيل: وهذا أيضا لا يصلح مثالا، فإن شيخ شريك ضعيف فهو مردود من قَبيل ضعف راويه، لا من قَبيل اضطرابه، وأيضا فيمكن تأويله بأنها روت كلا من اللفظين عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأن المراد بالحق المثبت المستحب، وبالمنفي الواجب. والمثال الصحيح ما وقع في حديث الواهبة نفسها من الاختلاف في اللفظة الواقعة منه -صلى الله عليه وسلم-. ففي رواية: زوجتكها، وفي رواية: زوجناكها، وفي رواية أمكناكها، وفي رواية ملكتكها. فهذه الألفاظ لا يمكن الاحتجاج بواحد منها، حتى لو احتج حنفي مثلا على أن التمليك من ألفاظ النكاح لم يسُغ له ذلك. قلت: وفي التمثيل بهذا نَظر أوضح من الأول، فإن الحديث صحيح ثابت، وتأويل هذه الألفاظ سهل. فإنها راجعة إلى معنى واحد بخلاف الحديث السابق. وعندي أن أحسن مثال لذلك حديث البسملة السابق. فإن ابن عبد البر أعله بالاضطراب كما تقدم. والمضطرب يُجامع المعلل؛ لأنه قد تكون علته ذلك. - قال ابن حَجر في تقريب التهذيب ص4: فأما المراتب، فأولها: الصحابة؛ فأصرح بذلك لشرفهم. الثانية: من أُكِّد مدحه إما بأفعل كأوْثق الناس، أو بتكرير الصفة لفظا كثقة ثقة أو معنى كثقة حافظ. الثالثة: من أُفرد بصفة كثقة أو متقن أو ثَبْت أو عدل. الرابعة: من قصر عن درجة الثالثة قليلا، وإليه الإشارة بصدوق، أو لا بأس به، أو ليس به بأس. الخامسة: من قصر عن درجة الرابعة قليلا، وإليه الإشارة بصدوق سيئ الحفظ، أو صدوق يَهِم، أو له أوهام، أو يخطئ، أو تغير بأخرة، ويلتحق بذلك من رُمي بنوع من البدعة كالتَّشَيُّع، والقَدَر، والنصب، والإرجاء، والتجهُّم مع بيان الداعية من غيره. السادسة: من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يُترك حديثه من أجله وإليه الإشارة بلفظ مقبول حيث يُتابع وإلا فليّن الحديث. السابعة: من روى عنه أكثر من واحد، ولم يوثَّق، وإليه الإشارة بلفظ مستور، أو مجهول الحال. الثامنة: من لم يوجد فيه توثيق مُعْتَبَر ووجد فيه إطلاق الضعف، ولو لم يفسَّر، وإليه الإشارة بلفظ ضعيف. 52 التاسعة: من لم يروِ عنه غير واحد ولم يوثَّق، وإليه الإشارة بلفظ مجهول. العاشرة: من لم يُوَثَّق أَلْبَتَّةَ وضعِّف مع ذلك بقادح، وإليه الإشارة بمتروك أو متروك الحديث، أو واهي الحديث، أو ساقط. الحادية عشرة: من اتُّهِمَ بالكذب. الثانية عشرة: من أُطْلِقَ عليه اسم الكذب والوضع. وقال ابن حجر في شرح نُخْبة الفِكَر ص (30): ثم الطعن يكون بعشرة أشياء بعضها أشد في القدح من بعض، خمسة منها تتعلق بالعدالة، وخمسة تتعلق بالضبط، ولم يحصل الاعتناء بتمييز أحد القِسمين من الآخر لمصلحة اقتضت ذلك وهي ترتيبها على الأشد، فالأشد في موجب الرد على سبيل التدلي؛ لأن الطعن إما أن يكون: لكذب الراوي في الحديث النبوي بأن يروي عنه -صلى الله عليه وسلم- ما لم يقله متعمدا لذلك، أو تهمته بذلك بأن لا يُروى ذلك الحديث إلا من جهته، ويكون مخالفا للقواعد المعلومة، وكذا من عرف بالكذب في كلامه، وإن لم يظهر منه وقوع ذلك في الحديث النبوي، وهذا دون الأول. أو فُحْش غلطه أي: كثرته. أو غفلته عن الإتقان. أو فسقه أي: بالفعل والقول مما لا يبلغ الكفر، وبينه وبين الأول عموم، وإنما أفرد الأول؛ لكون القدْح به أشد في هذا الفن، وأما الفسق بالمعتقَد فسيأتي بيانه. أو وَهْمه بأن يروي على سبيل التَّوهُّم. أو مخالفته أي: للثقات. أو جهالته بأن لا يُعرف فيه تعديل ولا تجريح معين. أو بدعته، وهي اعتقاد ما أَحْدَثَ على خلاف المعروف عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا بمعاندة، بل بنوع شبهة. أو سوء حفظه، وهو عبارة عن ألا يكون غلطه أقل من إصابته. فالسبب الأول: وهو الطعن بكذب الراوي في الحديث النبوي هو الموضوع والحكم عليه بطريق الظَّن الغالب لا بالقطع. والسبب الثاني: من أقسام المردود وهو ما يكون بسبب تهمة الراوي بالكذب هو المتروك. 53 والسبب الثالث: المُنْكَر على رأي من لا يشترط في المنكر قيد المخالفة. وكذا السبب الرابع والخامس: فمن فحش غلطه أو كثرت غفلته أو ظهر فسقه فحديثه منكر. والسبب السادس: هو الوهم إن اطلع عليه بالقرائن الدالة على وهم الراوي من وصل مرسل أو منقطع، أو إدخال حديث في حديث، أو نحو ذلك من الأشياء القادحة، وتحصل معرفة ذلك بكثرة التَّتَبّع، وجمع الطرق هو المعلل. والسبب السابع: المخالفة، فإن كانت واقعة بسبب تغيير سياق الإسناد، فالواقع فيه ذلك التغيير هو مُدْرَج الإسناد. وأما مدرج المتن فهو أن يقع في المتن كلام ليس منه، فتارة يكون في أوله وتارة في أثنائه، وتارة في آخره وهو الأكثر، وقد تكون المخالَفة بدمج موقوف من كلام الصحابة أو مِن مَن بعدهم بموضوع من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير فصلٍ. وقد تكون المخالفة بتقديم أو تأخير في الأسماء كمُرة بن كعب، وكعب بن مُرة وهذا هو المقلوب. أو تكون بزيادة راوٍ، وهذا هو المزيد في متصل الأسانيد. أو بإبدال الراوي ولا مُرَجِّح لإحدى الروايتين على الأخرى، فهذا هو المضطّرب. السبب الثامن: الجهالة بالراوي، وسببها أمران أن الراوي قد تكثر نعوته من اسم أو كنية أو لقب أو صفة أو حِرفة أو نسب فيُشتهر بشيء منها، فيُذكر بغير ما اشتهر به لغرض من الأغراض، فيُظن أنه آخر فيحصل الجهل بحاله، وقد يكون مُقِلًّا من الحديث فلا يكثر الأخذ عنه، أو لا يُسَمَّى اختصارا، فإن سمي الراوي وانفرد راوٍ واحد بالرواية عنه فهو مجهول العين كالمبهم فلا يقبل حديثه، وإن روى عنه اثنان فصاعدا، ولم يوثّق فهو مجهول الحال، وهو المستور، وقد قبل روايته جماعة وردها الجمهور. السبب التاسع: البدعة وهي إما أن تكون بمكفِّر أو بمفسِّق، فالأول لا يَقبل صاحبها الجمهور، والثاني اختُلف في قبوله ورَدّه، وقيل: يُقبل من لم يكن داعية إلى بدعته في الأصح إلا إن روى ما يقوّي بدعته فيُرد على المذهب المختار. السبب العاشر: سوء الحفظ إن كان لازما فهو الشاذّ على رأي بعض أهل 54 الحديث، وإن كان طارئا إما لكبر الراوي أو ذهاب بصره أو احتراق كتبه، فهو المختلِط، والحكم فيه أن ما حدث به قبل الاختلاط إذا تَمَيّز قُبِلَ وإذا لم يتميز تُوُقِّفَ فيه، وكذا من اشتبه الأمر فيه، وإنما يُعرف ذلك باعتبار الآخذين عنه. ومتى تُوبع السيِّئ الحفظ بمعتبَر، كأن يكون فوقه أو مثله لا دونه، وكذا المختلط الذي لم يتميز، والمستور والإسناد المرسل، وكذا المدلس إذا لم يعرف المحذوف منه صار حديثهم حسنا لا لذاته بل باعتبار المجموع من المتابِع والمتابَع. - سورة البقرة آية : 220. |
| | | | كتاب "اِخْتِصَارُ عُلُومِ اَلْحَدِيثِ" | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |