أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51866 العمر : 72
| موضوع: إبراهيم (عليه السلام) الخميس 09 ديسمبر 2021, 9:29 am | |
|
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الخميس 09 ديسمبر 2021, 9:49 am عدل 1 مرات |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51866 العمر : 72
| موضوع: رد: إبراهيم (عليه السلام) الخميس 09 ديسمبر 2021, 9:43 am | |
| ثانياً: ضيف إبراهيم المكرمين قال تعالى: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) (الذاريات: الآية24) هم ثلاثة من الملائكة منهم جبريل (عليه السلام)، وكان إبراهيم (عليه السلام) كريما يكرم ضيفه ويزيد، فلما دخلوا عليه وسلموا عليه، سلم عليهم، واستقبلهم في بيته ضيوفاً مكرمين، وصنع لهم طعاماً بعد أن عمد إلى عجل سمين، فذبحه وسواه في النار وجاء به حنيذاً ، أثرت فيه النار، وجعلت لونه أحمر شهياً، فقربه إبراهيم (عليه السلام) إليهم، لكن أيديهم لم تصل إليه، فارتاب منهم وأوجس في نفسه خيفة، قال تعالى يخبرنا عن قصتهم: (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) (الذاريات: الآيات25 - 30).
وبعد أن اطمأن إبراهيم (عليه السلام) بعد البشارة، سمعتهم امرأته فضحكت من قولهم وتعجبت!!، وقالت: أألد وأنا عجوز عقيم، وهذا بعلي شيخاً؟، فأخبرتها الملائكة أن هذا هو أمر الله فلا تعجبي، ثم أخبروهما أنهم رسل من عند الله جاءوا ليبشروهما بإسحاق ويعقوب، بشروهما بتلك البشرى العجيبة بعد هذا العمر المديد، وهذا العقم الأكيد، قال تعالى: (فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَا ءَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) (هود: الآيات 71-73).
ولما سأل إبراهيم (عليه السلام) ضيوفه من الملائكة عن مقصدهم، علم أنهم ذاهبون لإهلاك قوم لوط في سدوم وعامورة مكان البحر الميت حاليا، حيث قال إبراهيم (عليه السلام): (فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ(31)قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ(32)لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ(33)مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ(34)) (الذاريات: الآيات31 – 34).
ثالثاً. مجادلة إبراهيم عليه السلام في قوم لوط بعد أن علم إبراهيم (عليه السلام) من الملائكة أنهم ذاهبون لإهلاك قوم لوط، خاف أن يمس ابن أخيه لوطاً (عليه السلام) من هذا العذاب، فقال لهم: إن فيها لوطاً، قالوا: نحن أعلم بمن فيها، فلا تخش عليه من شيء، إنا سننجيه وأهله، إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين، قال تعالى: (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُواْ أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ (32)) (العنكبوت: الآيتان 31، 32).
كان إبراهيم (عليه السلام) رقيق القلب، فلما علم أن قوم لوط هالكون, وأن الملائكة ذاهبون لاستئصالهم، أخذته الشفقة عليهم، فأخذ يجادلهم، ويرجو الله أن يرحمهم، قال تعالى: (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ(74)إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) (هود: الآيتان 75,74)، وهذه المجادلة لم تُفصل في القرآن الكريم، ولكن أوردها العهد القديم ، وأوردتها بعض كتب التفسير، حيث بينت أن الملائكة لما قالوا لإبراهيم (عليه السلام) إنا مهلكو هذه القرية قال: أتهلكون قرية فيها ثلاثمائة مؤمن؟.
قالوا لا، قال أفتهلكون قرية فيها مائتا مؤمن؟ قالوا لا، قال أرأيتكم إن كان فيها... وأخذ يضع من العدد حتى بلغ خمسة، فقالوا لا، عندئذ قال إن فيها لوطاً، قالوا نحن أعلم بمن فيها، لننجينه وأهله إلا أمرآته، فسكت إبراهيم (عليه السلام) عنهم واطمأنت نفسه، وقد أمر الله إبراهيم (عليه السلام) بوقف هذا الجدل مع ملائكته بشأن تلك القرية، فقد نفذ فيها قضاء الله، وحقت عليهم كلمته، فلا راد لحكم الله بعدها، قال تعالى: (يَاإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ ءاَتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) (هود: الآية 76).
رابعاً: سؤال إبراهيم عليه السلام لربه (كيف يحى الله الموتى؟) إن إبراهيم (عليه السلام) هو خليل الله، ويُحِبُّ اللهَ حُباً جماً، ويعلم أن الله سوف يُحيي الموتى يوم القيامة، لكنه كان يريد أن يطمئن قلبه لشيءٍ، فهذا الشيء يعرفه حق المعرفة لكنه لم يُعاينه، فهو من الموقنين المتأكدين من حُدوثه، لكنه يسأل عن كيفيته، إن قلبه كان يحدثه دائماً عن كيفية الإحياء، وليس عن الإحياء نفسه، فكيف تتجمَّع أجزاء الناس مرة أخرى ليكونوا بعدها على صورتهم التي كانوا عليها من قبل؟، كيف تعود الروح إلى الجسد، كانت تلك الأسئلة تدور في ذهنه على الرغم من إيمانه العميق بحدوثها، فقال إبراهيم لربه: (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى) (البقرة: الآية 260)، قال تعالى: (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) (البقرة: الآية 260).
إن إبراهيم (عليه السلام) يؤمن تمام الإيمان بالإحياء من بعد الموت، ولكن قلبه هو الذي لم يهدأ، إن قلبه يريد أن يسكن، وأن يهدأ من التفكير في الصورة التي يكون الناس عليها يوم القيامة، بعد أن بليت عظامهم وأجسادهم، وبعد أن تفرَّقت أجزاؤهم، ثم كيف تكون صورتهم، وهم يتحولون تدريجياً من مرحلة الموت إلى مرحله الحياة مرة، والتفكر في صورة إحياء الموتى غير محظور على أحد، كما أن الإنسان لا يسيطر على قلبه ولا فكره، لذلك أجاب إبراهيم (عليه السلام) ربه وقال: (بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (البقرة: الآية 260).
أمر الله إبراهيم (عليه السلام) أن يأخذ أربعة من الطير فيذبحها, وأن يفرق أجزاءها على الجبال، ثم يدعوها بإذن الله، فتأتيه سعياً، وحينئذ يكون قد رأى كيفية إحياء الموتى بعينه، قال تعالى لإبراهيم (عليه السلام): (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة: الآية 260).
ففعل إبراهيم (عليه السلام) ما أمره الله به، ودعا الطيور فعادت إليه صحيحة، كأنها لم تذق للموت طعماً، فسبحان الله القادر الخالق، الحي القيوم، فعلى الرغم من علم إبراهيم (عليه السلام) بقدرة الله تعالى على إحياء الموتى علماً يقينياً، إلا أنه أحب أن يشاهد ذلك عياناً, ويترقى من علم اليقين إلى عين اليقين، فأجابه الله إلى سؤاله وأعطاه غاية مأمولة.
خامساً: صحف إبراهيم عليه السلام نزلت صحف من الله تعالى على إبراهيم وموسى عليهما السلام، قال تعالى: (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) (الأعلى: الآيتان 18، 19).
وعن توقيت نزول صحف إبراهيم يروي واثلة بن الأسقع: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ) (مسند احمد: 16370).
وقيل عن صحف إبراهيم (عليه السلام) إنها كانت كلها أمثالاً، منها: أيها الملك السلطان المُبتلى المغرور، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض، ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم، فإني أردها ولو كانت من كافر، فالله سبحانه وتعالى يجيب دعوة المظلوم ولو كان كافراً.
ومن أمثالها أيضاً: على العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله أن يكون له ساعات (يُقسم فيها وقته): 1. ساعة يناجي فيها ربه (المناجاة أن تخاطب الله وتحاوره وحدك). 2. ساعة يفكر فيها في صنع الله عز وجل (عبادة التفكر والتأمل). قال تعالى: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (آل عمران: الآية 191). ففيها المناجاة وفيها عبادة التفكر والتأمل. 3. ساعة يُحاسب الإنسان فيها نفسه فيما قدم وأخر (عبادة المحاسبة لنفسه عن أفعاله التي فعلها في يومه). 4. ساعة يقضي فيها حاجته من حلال (مطعم ومشرب وغيره).
وعلى العاقل ألا يكون طاعناً إلا في ثلاث: 1. تزوده لميعاده (بذله الجهد لأجل الآخرة). 2. ورغبة لمعاشه (بذله الجهد لأجل الرزق). 3. ولذة في غير مُحرم.
وعلى العاقل أن يكون بصيراً بزمانه (بتعلم أمر الواقع والزمان بكل جوانبه) مقبلاً على شأنه (غير كَسِل)، حافظاً للسانه (لا يتكلم إلا فيما يفيد)، هذا الكلام جزء من الحكم التي قالها ابن إسحاق عن صحف إبراهيم عليه السلام.
سادساً: صفات إبراهيم (عليه السلام) وهيئته 1. إماماً للناس جعله الله للناس إماماً يقتدون به، ويتأسون به: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ) (الممتحنة: الآية 4)، لما وفَّى إبراهيم (عليه السلام) ما أمره الله به من التكاليف العظيمة, وسأل الله أن تكون هذه الإمامة متصلة بسببه وباقية في نسبه، وخالدة في عقبه، أجابه الله إلى ما سأل ورام، وسلمت إليه الإمامة بزمام، ولكن الله استثنى من نيلها الظالمين واختص بها من ذريته العلماء العاملين, قال الله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة: ألآية 124).
فكل كتاب أنزل من السماء على نبي من الأنبياء بعد إبراهيم الخليل (عليه السلام) كان لمن هم من ذريته وشيعته، وذلك أنه ولد لصلبه ولدان ذكران عظيمان: إسماعيل من هاجر، ثم إسحاق من سارة، وولد لإسحاق يعقوب (عليه السلام) الذي يُنسب إليه سائر أسباطهم حتى ختموا بعيسى بن مريم (عليه السلام).
وأمَّا إسماعيل (عليه السلام) فكانت منه العرب على اختلاف قبائلها، ولم يوجد في سلالته من الأنبياء سوى خاتمهم (صلى الله عليه وسلم) على الإطلاق، وسيدهم، وفخر بني آدم في الدنيا والآخرة، محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم القرشي الهاشمي صلوات الله عليه وسلامه عليه، وهو السيد الذي يفتخر به أهل الجمع، ويغبطه الأولون والآخرون يوم القيامة, عن أبى بن كعب قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأُمَّتِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأُمَّتِي، وَأَخَّرْتُ الثَّالِثَةَ لِيَوْمٍ يَرْغَبُ إِلَيَّ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ حَتَّى إِبْرَاهِيمُ (صلى الله عليه وسلم)) (صحيح مسلم: 1356)، فدل كلامه على أنه أفضل الخلائق عند الخلاق في هذه الحياة الدنيا، ويوم يُكشف عن ساق.
2. حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين كما نزَّهَ اللهُ عز وجل خليله (عليه السلام) أن يكون يهودياً أو نصرانياً، بين أنه إنما كان حنيفاً مسلماً ولم يكن من المشركين، قال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (65) هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (66) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران: الآيات 65-68)، فبيَّن أنه كان على دين الله الحنيف, وهو القصد إلى الإخلاص، والإعراض عمداً عن الباطل إلى الحق، الذي هو مخالف لليهودية والنصرانية والشرك بالله.
3. خليلاً لله عز وجل: وقال تعالى في الترغيب إلى إتباع ملة إبراهيم (عليه السلام), لأنه كان على الدين القويم والصراط المستقيم: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) (النساء: الآية 125)، ولهذا ألقى الله في قلبه الوجل والرقة، حتى كان خفقان قلبه ليُسمع من بعد، ولقد اتخذ الله إبراهيم (عليه السلام) خليلاً.
4. أول من يُكسى من الخلائق يوم القيامة: هو أول من يُكسى يوم القيامة من الخلائق، فعن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً ثُمَّ قَرَأَ (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ) (صحيح البخاري:3100).
5. هو خير البرية: هو خير البرية كما جاء في الأحاديث فعن المختار بن فلفل قال:(سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ قَالَ ذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ) (سنن الترمذي: 3275).
6. وعن هيئته: عن جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عُرِضَ عَلَيَّ الأَنْبِيَاءُ وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ صَلَوَات اللَّهِ عَلَيْهِ فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا صَاحِبُكُمْ يَعْنِي نَفْسَهُ) (صحيح مسلم: 244).
وعن سمرة بن جندب بن هلال قَالَ:(قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ طَوِيلٍ لاَ أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولاَ وَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ (صلى الله عليه وسلم)َ) (صحيح البخاري: 3105).
7. وعن وقاره: قال سعيد بن المسيب: ( كَانَ إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ النَّاسِ ضَيَّفَ الضَّيْفَ وَأَوَّلَ النَّاسِ اخْتَتَنَ وَأَوَّلَ النَّاسِ قَصَّ الشَّارِبَ وَأَوَّلَ النَّاسِ رَأَى الشَّيْبَ فَقَالَ يَا رَبِّ مَا هَذَا فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَقَارٌ يَا إِبْرَاهِيمُ فَقَالَ يَا رَبِّ زِدْنِي وَقَارًا) (موطأ مالك: 1437).
سابعاً: أولاد إبراهيم (عليه السلام) أول من وُلد له من هاجر المصرية إسماعيل (عليه السلام)، ثم وُلد له من سارة بنت عمه إسحاق (عليه السلام)، وسيأتي تفصيل ذلك في أنبياء الله إسماعيل وإسحاق ويعقوب عليهم السلام، وقيل إن إبراهيم (عليه السلام) تزوَّج "قنطورة" فولدت له زمران، ويقشان، ومادان، ومدين، وشياق، وشوح، والله أعلم.
ثامناً: وفاة إبراهيم (خليل الله) (عليه السلام) مات إبراهيم (عليه السلام) وعمره مائتا سنة وهو الأرجح، وقد توفت سارة قبله، ودفن في المغارة التي دفنت فيها سارة بمزرعة عفرون الحيثي، وتولى دفنه إسماعيل وإسحاق عليهما السلام، وكان إبراهيم (عليه السلام) قد اشترى من رجل من بني "حيث" واسمه "عفرون بن صخر" مغارة بأربعمائة مثقال، وهي المعروفة اليوم ببلدة الخليل وفيها الحرم الإبراهيمي بفلسطين.
وقد جعل الله لإبراهيم (عليه السلام) قصراً في الجنة، فعن عبد الله بن عمرو قال: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَنِي خَلِيلاً كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاَ فَمَنْزِلِي وَمَنْزِلُ إِبْرَاهِيمَ فِي الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُجَاهَيْنِ وَالْعَبَّاسُ بَيْنَنَا مُؤْمِنٌ بَيْنَ خَلِيلَيْنِ) (سنن ابن ماجة: 138).
تاسعاً: بعض النقاط المهمة في قصة إبراهيم عليه السلام 1. إن ثورة إبراهيم (عليه السلام) على الأصنام وعلى عبادتها لم تكن ثورة كلامية، بل كانت ثورة عملية، إذ جعل أصنامهم جذاذاً إلا كبيراً لهم، وجعله وسيلة لمُحاجتهم حتى أفحمهم, فلجأوا إلى مناقشته، فلمَّا غلبهم ألقوه في النار, فكانت عليه من الله برداً وسلاماً.
2. تدرج إبراهيم (عليه السلام) في إظهار حُجَّته أمام قومه، فتارة يلجأ إلى النجوم ليبين لهم أنها لا تصلح آلهة، وتارة يكسر لهم أصنامهم لعل كبيرهم يجيبهم عن الفاعل، فيعلموا أن تماثيلهم التي اتخذوها آلهة لهم لا تستطيع دفع الضر عن أنفسها، فكيف تكون آلهة لهم, ولم يلجأ إلى إعلان تبرئه من آلهتهم إلا بعد أن نفدت معهم كل الحُجج، قال: (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام: الآية 79).
3. إن إبراهيم (عليه السلام) كان رقيق القلب, فحين قال له أبوه: (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) (مريم: الآية 46)، قال له إبراهيم (عليه السلام): (سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا) (مريم: الآية 47)، وطلب من الله أن يغفر لأبيه: (وَاغْفِرْ لأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ) (الشعراء: الآية 86)، ولم يدع على العاصين بالهلاك، بل طلب من الله المغفرة لهم والعفو والسماح، تدبر قوله (عليه السلام): (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (إبراهيم: الآية 36)، هكذا ينبغي أن يكون الداعي إلى الحق حليماً، واسع الصدر, عظيم الأناة، طويل البال.
4. الامتثال لأمر الله دون تردد، فإن إبراهيم (عليه السلام) لما رأى في المنام أنه يذبح ابنه الذي ليس له سواه، امتثل لذلك الأمر، مقدماً رضا الله تعالى على رضا نفسه، دون تردد، وشرع في تقديم ابنه قرباناً لله إلى أن فداه الله بذبح عظيم، وكذلك لما قال له ربه أسلم، لم يتردد لحظة واحدة، بل قال أسلمت لله رب العالمين.
5. كان إبراهيم (عليه السلام) مضيافاً، فقد قدم لضيوفه عجلاً سميناَ، وقربه إليهم، وقال ألا تأكلون؟, ولا يفعل ذلك إلا كريم.
6. كان إبراهيم (عليه السلام) ذا نفس طلقة, يحب استكشاف الحقائق والوقوف على الدقائق، ولذلك طلب من الله أن يريه صنعه في كيفية إحياء الأموات، حتى يطمئن قلبه.
7. روح التضحية في سبيل الله بالنفس والولد، تتمثل التضحية بالنفس في شخص إسماعيل (عليه السلام)، حيث لم يتردد لحظة واحدة في التضحية بنفسه فما إن عرض عليه أبوه ما آمر به من ذبحٍ حتى قال: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (الصافات: الآية 102)، وتتمثَّل التضحية بالولد في فعل إبراهيم (عليه السلام) إذ لم يتردَّد في ذبح ابنه حينما أسلم رأسه إليه تنفيذاً للرؤية التي رآها من الله، قال تعالى: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّءُيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)) (الصافات: الآيات 102 – 107).
المصدر: http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Denia9/Prophets/sec08.doc_cvt.htm |
|