ملخص أحكام الأضحية
لَمَّا كانت الأضحية من شعائر الإسلام العظيمة نتذكَّرُ فيها توحيد الله ونعمته علينا وطاعة أبينا إبراهيم لربه وفيها خير وبركة كان لا بدّ للمسلم أن يهتمَّ بأمرها ويُعَظِّمَ شأنها وفيما يلي ملخص لأحكام الأضحية.
ملخص أحكام الأضحية Untit414
تعريف الأضحية:
الأضحية هي ما يُذبح من بهيمة الأنعام (الإبل والبقر والغنم) تقرُّباً إلى الله تعالى في البلد الذي يُقيم فيه المُضَحِّي من بعد صلاة عيد النَّحر إلى آخر أيام التشريق (وهو يوم الثالث عشر من ذي الحجة) بنية الأضحية، قال تعالى: "فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ" سورة الكوثر.

وقال تعالى: "قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ" سورة الأنعام: 162.

ونُسُكِي أي ذبح، وقال تعالى: "ولكل أمَّةٍ جعلنا مَنسَكًا ليذكروا اسمَ اللهِ على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إلهٌ واحدٌ فله أسْلِمُوا" سورة الحج: 34.

والأضحية سُنَّةٌ مؤكدة في قول أكثر أهل العلم، "وقال بعض العلماء بوجوبها وسيأتي تفصيل ذلك" والأصل أنها مطلوبة في وقتها من الحي عن نفسه وأهل بيته، وله أن يُشْرك في ثوابها مَنْ شاء من الأحياء والأموات، أمَّا الأضحية عن الميت فإن كان أوصى بها في ثلث ماله أو جعلها في وقف له وَجَبَ إنفاذ ذلك، وإن لم يوص أو لم يوقف وأحَبَّ الإنسانُ أن يُضَحِّي عن مَنْ شاء من الأموات فهو حَسَنٌ ويُعتبر هذا من أنواع الصَّدقة عن الميت، ولكن السُّنَّة أن يُشرك الإنسان أهل بيته من الأحياء والأموات في أضحيته ويقول عند ذبحها اللهم هذا عني وعن آل بيت فلان، ولا يحتاج أن يُفرد لكل ميت أضحية مستقلة.

ولقد اتفق العلماء على أن ذبح الأضحية والتصدُّق بلحمها أفضل من التصدُّق بقيمتها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحَّى ولا يفعل إلا ما هو أولى وأفضل، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد.

وتُجزئ الشاة عن الواحد وأهل بيته وعياله لحديث أبي أيوب: "كان الرجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويُطعمون" رواه ابن ماجة والترمذي وصححه.

والمنصوص عليه في الأضاحي هي الإبل والبقر والغنم، وقال بعض العلماء بأن أفضل الأضاحي البدنة (الإبل) ثم البقرة ثم الشاة ثم شرك في بدنة ناقة أو بقرة لقوله صلى الله عليه وسلم في الجمعة: ومن راح في الساعة الأولى فكـأنما قرب بدنة وبه قال الأئمة الثلاثة أبو حنيفة والشافعي وأحمد، وعلى هذا فالشاة أفضل من سُبع بدنة أو بقرة، وقال مالك الأفضل الجذع من الضأن ثم البقرة ثم البدنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحَّى بكبشين وهو صلى الله عليه وسلم لا يفعل إلا الأفضل، والجواب عن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم قد يختار الأولى رفقاً بالأمَّة لأنهم يتأسُّون به ولا يُحِبُّ أن يَشُقَّ عليهم. من فتاوى الشيخ عبد العزيز ابن باز.

وتُجزئ البدنة والبقرة عن سبعة، لِمَا روى جابر رضي الله عنه قال: "نحرنا بالحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة".. وفي لفظ: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة في واحد منها".. وفي لفظ: "فتذبح البقرة عن سبعة نشترك فيها" رواه مسلم.

حكم الأضحية:
الأضحية شعيرة من شعائر الإسلام، ذكر في جواهر الإكليل شرح مختصر خليل، أنها إذا تركها أهل بلد قوتلوا عليها لأنها من شعائر الإسلام. رسائل فقهية للشيخ ابن عثيمين ص .46

وقد انقسم العلماء في حكمها إلى قسمين:
1- أنها واجبة، قاله الأوزاعي والليث وأبو حنيفة وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد، قال به شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو أحد القولين في مذهب مالك أو ظاهر مذهب مالك واستدل أصحاب هذا القول بما يلي:
1- قوله تعالى: "فصل لربك وانحر" الكوثر، وهذا فعل أمر والأمر يقتضي الوجوب.
2- حديث جندب رضي الله عنه في الصحيحين وغيرهما قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى ومن لم يكن ذبح فليذبح باسم الله" رواه مسلم .3621
3- قوله صلى الله عليه وسلم: "من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا" رواه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال في فتح الباري ورجاله ثقات.


2- أنها سُنَّةٌ مؤكَّدة، قاله الجمهور وهو مذهب الشافعي ومالك وأحمد في المشهور عنهما لكن صرح كثير من أرباب هذا القول بأن تركها للقادر يُكره واستدل أصحاب هذا القول بما يلي:
 -1حديث جابر رضي الله عنه في سنن أبي داود حيث قال: "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيد الأضحى فلما انصرف أتى بكبشين فذبحه فقال: بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي" سنن أبي داود. شرح محمد شمس الحق أبادي، .7/486

 -2ما رواه الجماعة إلا البخاري من حديث: "من أراد منكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره وأظافره". قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بعدما انتهى من سرد القائلين بالوجوب والقائلين بأنها سنة مؤكدة والأدلة تكاد تكون مكافئة، وسلوك سبيل الاحتياط ألا يدعها مع القدرة عليها لما فيها من تعظيم الله وذكره وبراءة الذمة بيقين. رسائل فقهية ص .50

شروط الأضحية:
 .1بلوغها السن المطلوبة، والسن المطلوبة ستة أشهر في الضأن وفي المعز سنة وفي البقر سنتان وفي الإبل خمس سنين.

 .2سلامتها من العيوب، لقوله صلى الله عليه وسلم: "أربع لا يجزين في الأضاحي"، العوراء البين عورها، المريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والعجفاء التي لا تنقي صحيح"، صحيح الجامع رقم 886 وهناك عيوب أخف من هذه لا تمنع الأجزاء ولكن يكره ذبحها كالعضباء: أي مقطوعة القرن والأذن والمشقوقة الأذن… الخ، والأضحية قربة إلى الله، والله طيب لا يقبل إلا طيباً، ومَنْ يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب.
 
.3حرمة بيعها: إذا تعيَّنت الأضحية لم يجز بيعها ولا هبتها إلا أن يبدلها بخير منها، وإن ولدت ضحَّى بولدها معها، كما يجوز ركوبها عند الحاجة، والدليل على ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسوق بدنة فقال اركبها، قال إنها بدنة، فقال اركبها في الثانية أو في الثالثة".

 .4ذبحها في وقتها المُحَدَّدْ، وهذا الوقت هو من بعد صلاة العيد والخطبة، وليس من بعد دخول وقتهما. إلى قبل مغيب شمس آخر أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من أيام ذي الحجة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان ذبح قبل الصلاة فليعد" أخرجه البخاري ومسلم، ولقول علي رضي الله عنه: "أيام النحر يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده" وهو مذهب الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح والأوزاعي والشافعي واختاره ابن المنذر عليهم جميعاً رحمة الله.

كيف توزَّع الأضحية؟
يُستحب لمن له أضحية أن يأكل أول ما يأكل منها إذا تيسر له ذلك لحديث: "ليأكل كل رجل من أضحيته"، صححه في صحيح الجامع 5349 وأن يكون هذا الأكل بعد صلاة العيد والخطبة وهذا قول أهل العلم منهم علي وابن عباس ومالك والشافعي وغيرهم.

ويدل على ما تقدّم حديث بريدة رضي الله عنه: "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم النحر حتى يذبح". قال الألباني: إسناده صحيح: المشكاة 1/452.

والأفضل أن يذبحها بيده، فإن لم يفعل استحب له أن يحضر ذبحها.

يُستحب تقسيم لحمها أثلاثاً، ثلثاً للأكل وثلثاً للهدية وثلثاً للصدقة، قاله ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم، كما اتفق العلماء على أنه لا يجوز بيع شيء من لحمها أو شحمها أو جلدها وفي الحديث الصحيح: "من باع جلد أضحيته فلا أضحية له" حسَّنه في صحيح الجامع 6118 وأن لا يعطي الجزَّار منها شيئاً من ذلك على سبيل الأجرة لقول علي رضي الله عنه: "أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنة وأن أتصدَّق بلحومها وجلودها وأجلتها وألا أعطي الجزَّار منها شيئاً"، وقال: "نحن نعطيه من عندنا". متفق عليه.

وقيل يجوز دفع ذلك إليه على سبيل الهدية، ويجوز أن يعطى الكافر منها لفقره أو قرابته أو جواره أو تأليف قلبه. من فتاوى الشيخ عبد العزيز ابن باز.

ماذا يجب على المسلم أن يجتنب في العشر إذا أراد الأضحية؟
دلَّت السنة على أن مَنْ أراد الضحية وجب عليه أن يُمسك عن الأخذ من شعره وأظفاره وبشرته من دخول العشر إلى أن يذبح أضحيته.

لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يُضَحِّي فليُمسك عن شعره وأظفاره حتى يُضَحِّي" وفي رواية: "فلا يمس من شعره وبشرته شيئاً" أخرجه مسلم من أربعة طرق.

وهذا أمر للوجوب ونهي للتحريم على أرجح الأقوال.

لأنه أمر مطلق ونهي مجرد لا صارف لهما.

لكن لو تعمَّد وأخذ فعليه أن يستغفر الله ولا فدية عليه وأضحيته صحيحة.

ومن احتاج إلى أخذ شيء من ذلك لتضرره ببقائه كانكسار ظفر أو جرح عليه شعر يتعين أخذه فلا بأس.

لأنه ليس أعظم من المحرم الذي أبيح له الحلق للأذى، ولا حرج في غسل الرأس للرجل والمرأة أيام العشر لأنه صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن الأخذ.

ولأن المحرم أذن له أن يغسل رأسه.

والحكمة من النهي عن أخذ ذلك للمُضَحِّي أنه لَمَّا كان مشابهاً للمُحرم في بعض أعمال النسك وهو التقرب إلى الله بذبح القربان اعطي بعض أحكامه، وكذلك يوفّر شعره وأظفاره إلى حين ذبح أضحيته رجاء أن يعتقه الله كلّه من النار. والله أعلم.

ومَنْ أخذ من شعره أو ظفره أول العشر لعدم إرادته الأضحية ثم أرادها في أثناء العشْر أمسك من حين الإرادة.

ومن النساء من تُوَكِّلُ أخاها أو ابنها في الأضحية لتأخذ من شعرها أثناء العشر وهذا غير صحيح، لأن الحكم متعلق بالمضحي سواء وكَّل غيره أم لا.

والوكيل لا يتعلق به نهي،فإن النهي خاص بمَنْ أراد أن يُضَحِّي عن نفسه كما دَلَّ عليه الحديث، وأمَّا مَنْ يُضَحِّي عن غيره بوصية أو وكالة فهذا لا يشمله النهي.

ثم إن هذا النهي ظاهره أنه يخص صاحب الأضحية ولا يعم الزوجة ولا الأولاد إلا إذا كان لأحدهم أضحية تخصه، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يُضَحِّي عن آل محمد ولم ينقل أنه نهاهم عن الأخذ.

ومَنْ كان له أضحية ثم عزم على الحج فإنه لا يأخذ من شعره وظفره إذا أراد الإحرام لأن هذا سُنَّةٌ عند الحاجة.

لكن إن كان متمتعاً قَصَّرَ من شعره عند الانتهاء من عمرته لأن ذلك نسك.

والأمور المذكورة من المحظورات على المضحي هي الواردة في الحديث السابق فلا يحرم على المضحي مس الطّيب ولا جماع الزوجة ولا لبس المخيط ونحو ذلك.
والله تعالى أعلى وأعلم.