أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: استحباب صيام التسع من ذي الحجة الخميس 13 مايو 2021, 12:44 am | |
| وجه الجمع بين ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من استحباب صيام التسع من ذي الحجة، وبين ما جاء عنه من عدم صيامها.
السؤال قرأت على موقعكم العديد من الفتاوى التي تحث على صيام العشر الأُول من ذي الحجة، وأن ذلك من السنة، لكني -أيضاً- قرأت حديثاً عن عائشة رضي الله عنها هذا نصه: وحدثني أبو بكر بن نافع العبدي، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة رضى الله عنها: "أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَصُمِ الْعَشْرَ" أخرجه مسلم (2847)...
فهل يعني هذا أن صيام العشر من ذي الحجة لم يكن أمراً معلوماً لدى بعض الصحابة منهم عائشة، أم إنه -صلى الله عليه وسلم- كان يصومها أحياناً، ويفطرها أحياناً؟
الجواب الحمد لله. يُستحَبُّ صيام الأيام التسعة الأولى من ذي الحجة، وعلى ذلك جماهير أهل العلم؛ لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ)، قالوا يا رسول الله: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: (وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ) رواه البخاري (969)، وأبو داود (2438) –واللفظ له–، والترمذي (757)، وابن ماجة (1727).
ولا شك أن الصيام من أفضل الأعمال وأبرّها؛ فهو داخل في العمل الصالح المستحب في هذه الأيام المباركة بنص هذا الحديث.
وأمَّا حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يصم العشر، الذي رواه مسلم، فقد عارضه ما رواه أبو داود (2437) عن هُنَيْدَةَ بن خالد رضي الله عنه عن امرأته عن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- رضي الله عن الجميع قالت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ"، قال الشيخ الألباني رحمه الله: "إسناده صحيح" في "صحيح سنن أبي داود".
وللعلماء في هذه المسألة أقوال، منها: أولاً: أن عائشة -رضي الله عنها- أخبرت بما علمت، وأخبر غيرها بخلاف خبرها، ومن علم حجة على من لم يعلم. والمثبت مقدم على النافي.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "قال الإمام أحمد رحمه الله في التعارض بين هذين الحديثين: إن المُثبت مُقَدَّمٌ على النَّافِي" انتهى من "الشرح الممتع" (6 /154).
ثانياً: أن القول مقدم على الفعل، وحديث ابن عباس من القول، وحديث عائشة من الفعل، فيقدم القول لاحتمال خصوصية الفعل، أو لحصول عذر، ونحوه.
قال الشيخ الألباني رحمه الله: "القول الصادر من الرسول عليه السلام الموجه إلى الأمة هو شريعة عامة، أمَّا الفعل الذي يفعله هو، فيمكن أن يكون شريعة عامة حينما لا يوجد معارض له، ويمكن أن يكون أمراً خاصاً به عليه الصلاة والسلام". http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=FullContent&audioid=109208
ثالثاً: يحتمل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ترك صيام هذه الأيام لعارض من سفر أو مرض أو شغل ونحوه، فحدثت عائشة رضي الله عنها بما رأته من ذلك.
قال النووي رحمه الله: "وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَتْ: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ"، وَفِي رِوَايَةٍ "لَمْ يَصُمْ الْعَشْرَ" رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ, فَقَالَ الْعُلَمَاءُ: وَهُوَ مُتَأَوِّلٌ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَرَهُ، وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ تَرْكُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ; لِأَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَكُونُ عِنْدَهَا فِي يَوْمٍ مِنْ تِسْعَةِ أَيَّامٍ, وَالْبَاقِي عِنْدَ بَاقِي أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنهن, أَوْ لَعَلَّهُ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَصُومُ بَعْضَهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَكُلَّهُ فِي بَعْضِهَا, وَيَتْرُكُهُ فِي بَعْضِهَا لِعَارِضِ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا, وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ" انتهى من "المجموع" (6/441).
وقال الشوكاني رحمه الله: "تَقَدَّمَت أَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى فَضِيلَةِ الْعَمَلِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ عَلَى الْعُمُومِ, وَالصَّوْمُ مُنْدَرِجٌ تَحْتِهَا...
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ" فَقَالَ الْعُلَمَاءُ: الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَصُمْهَا لِعَارِضِ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا, أَوْ أَنَّ عَدَمَ رُؤْيَتِهَا لَهُ صَائِمًا لَا يَسْتَلْزِمُ الْعَدَمَ, عَلَى أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ مِنْ قَوْلِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ صَوْمِهَا كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ فَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ عَدَمُ الْفِعْلُ" انتهى من "نيل الأوطار" (4/283).
رابعاً: أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يترك صيام هذه الأيام أحيانا؛ لأنه كان يحب أن يفعل العمل ويتركه خشية أن يفرض على الأمة كتركه صلاة التراويح جماعة في رمضان، وربما ترك الشيء وسهّل فيه شفقة على الأمة.
فقد روى البخاري (1128)، ومسلم (718) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ، وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا، وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ؛ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ".
قال الحافظ رحمه الله: "وَاسْتُدِلَّ بِهِ -أي بحديث ابن عباس- عَلَى فَضْلِ صِيَامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِانْدِرَاجِ الصَّوْمِ فِي الْعَمَلِ، وَلَا يَرد عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَائِمًا الْعَشْرَ قَطُّ ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ كَانَ يَتْرُكُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَى أُمَّتِهِ" انتهى من "فتح الباري" (2/460).
خامساً: قد قيل إن حديث صيام النبي -صلى الله عليه وسلم- تسع من ذي الحجة ضعيف لا يحتج به، اختُلف فيه على هنيدة: فروى عنه عَنْ امْرَأَتِهِ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ أُمَّهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مُخْتَصَرًا. راجع: " نصب الراية " (2/157).
وتبقى الحجة في مشروعية صيام هذه الأيام في عموم حديث ابن عباس.
وقد سُئِلَ الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل ورد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- صيام عشر ذي الحجة كاملة؟
فأجاب: "ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما هو أبلغ من أن يصومها، فقد حث على صيامها بقوله عليه الصلاة والسلام: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله ؛ إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء)، ومن المعلوم أن الصيام من أفضل الأعمال الصالحة.
أمَّا فعله هو بنفسه فقد جاء فيه حديثان: حديث عائشة، وحديث حفصة، أما حديث عائشة فقالت: "ما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- صام العشر قط "، وأما حديث حفصة فإنها تقول: "إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يدع صيامها"، وإذا تعارض حديثان أحدهما يثبِت والثاني ينفي، فالمثبت مقدم على النافي، ولهذا قال الإمام أحمد: حديث حفصة مثبت، وحديث عائشة نافي، والمثبت مقدم على النافي...
وأنا أريد أن أعطيك قاعدة: إذا جاءت السنة في اللفظ فخذ بما دل عليه اللفظ، أما العمل فليس في الشرط أن نعلم أن الرسول فعله أو فعله الصحابة، ولو أننا قلنا: لا نعمل بالدليل إلا إذا علمنا أن الصحابة عملوا به، لفات علينا كثير من العبادات، ولكن أمامنا لفظ وهو حجة بالغة واصل إلينا، يجب علينا أن نعمل بمدلوله، سواء علمنا أن الناس عملوا به فيما سبق، أم لم يعملوا به" انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (92 /12).
راجع للفائدة جواب السؤال رقم: (145046). والله أعلم. المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب |
|