أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52691 العمر : 72
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52691 العمر : 72
| موضوع: رد: إنْ فاتَك الاعْتِكافُ الكامِل، فلا تفُوتنَّك بعضُ فَضائلِه الإثنين 03 مايو 2021, 1:05 am | |
| وفي المسنَدِ عن أبي هُريرةَ -رضي الله تعالى عنه-: عن النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّمَ-، قال: (مُنتظِرُ الصَّلاةِ مِن بعْدِ الصَّلاةِ، كفارِسٍ اشتَدَّ به فرَسُه في سبيلِ الله على كَشْحِه، تُصَلِّي عليه ملائكةُ اللهِ ما لم يُحْدِثْ أو يَقومُ، وهو في الرِّباطِ الأكبَرِ). حديثٌ حسَنٌ (6).
اعتكافُ القلبِ المُتعلِّقِ بالمسجِدِ في الصَّحيحَينِ مِن حديثِ أبي هُريرةَ -رضيَ الله عنه-، عن النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّمَ-، قال: (سَبعةٌ يُظِلُّهمُ اللهُ في ظِلِّه، يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّه: الإمامُ العادلُ، وشابٌّ نَشَأ في عِبادةِ اللهِ، ورجُلٌ قلبُه مُعَلَّقٌ بالمساجدِ).
في روايةِ الموَطَّأ، وصحيحِ مسلمٍ، والتِّرمذيِّ: (ورجُلٌ مُعَلَّقٌ بالمسجِدِ، إذا خَرَج منه حتَّى يَعودَ إليه).
قال المُناويُّ في معنَى (إذا خرَج منه حتَّى يَعودَ إليه): كنَى به عن التردُّدِ إليه في جميعِ أوقاتِ الصَّلاةِ، فلا يصَلِّي صَلاةً إلَّا في المسجِدِ، ولا يخرُجُ منه إلَّا وهو يَنتظِرُ أخرى لِيَعودَ فيُصَلِّيَها فيه، فهو ملازِمٌ للمسجِدِ بقلبِه، فليس المرادُ دَوامَ الجلوسِ فيه. اهـ.
وقال النَّوويُّ: ومعناهُ: شديدُ الحُبِّ لها، والمُلازَمةِ للجماعةِ فيها، وليس معناهُ: دوامَ القعودِ في المسجدِ.
وعلى هذا فيُمكِنُ أن يُقالَ: إنَّ مَن لم يَستطِعِ المُكوثَ في المصَلَّى لعُذرٍ، فلعلَّه يُدرِكُ فضلًا كبيرًا بعُكوفِ قلبِه في مَوطنِ صَلاتِه؛ حُبًّا في صَلاتِه، وشَوقًا إليها، قال صلى الله عليه وسلم: ((إذَا مَرِضَ العَبْدُ، أوْ سَافَرَ، كُتِبَ له مِثْلُ ما كانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا)) أخرجه البخاري (2996).
كما أنَّ من كان معتادًا على الصَّلاةِ في جماعةٍ لا ينبغي له أن يَحزَنَ؛ فإنَّ أجْرَ الجماعةِ يجري عليه بإذن الله، وكذلك من كان مُداوِمًا على الاعتِكافِ في المسجد، يُرجى أن يكونَ له أجرُ اعتِكافِه، ولو مكَثَ في جَوفِ بَيتِه.
الرِّباطُ اللَّيْليُّ: وهذا يحصُلُ للمعتكِفِ بمجَرَّدِ وُجودِه في المسجدِ؛ بسببِ نيَّةِ الاعتكافِ، حتَّى لو حصَلَ منه نَومٌ، أو اشتِغالٌ بطعامٍ أو شرابٍ، كما تقدَّم.
وقد يلحَقُ به مَن مكَث في مُصَلَّاهُ بعْدَ صَلاةِ العِشاءِ، وانشغَل بالصَّلاةِ والذِّكرِ، وإنْ تخلَّلَ ذلك شَيءٌ يسيرٌ غيرُ ذلك -لكن (ما لم يُؤْذِ فيه، ما لم يُحْدِثْ فيه) كما تقدَّم- منتظِرًا صَلاةَ الفَجرِ؛ فالمأمولُ أنَّه يحصُلُ على ما لا يَكادُ يوصَفُ مِنَ الأجرِ.
فكَيف إذا حصَل له ذلك في لَيلةِ القَدْرِ؟! وهيَ اللَّيلةُ الَّتي مَن وُفِّق فيها للتعبُّدِ كانت عِبادتُه أفضَلَ مِن عبادةِ ألْفِ شهرٍ؛ قال الله جلَّ وعلا: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3]، فاللهُ تعالى قال: {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}، ولك أن تتخيَّلَ مِقدارَ هذا الأجرِ الناتجِ مِن هذا الرِّباطِ اللَّيليِّ!
ولعلَّ هذا هو السِّرُّ الذي جعَل النبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّمَ- يعطِّلُ جميعَ أعمالِه الأخرى على عِظَمِ أهمِّيَّتِها؛ حتَّى لا يَفوتَه ذلك الأجرُ الذي لا يَكادُ يَتصَوَّرُه ذِهنٌ، والذي يَكشِفُ عن عظيمِ رحمةِ الله جلَّ وعلا بهذه الأمَّةِ؛ حيث جعَل لَيلةَ القَدرِ لها، لتَستدرِكَ في أعمارِها المحدودةِ بيْنَ السِّتِّينَ والسَّبعينَ؛ حتَّى تَسبِقَ الأمَمَ الخاليةِ، فالحمدُ لله حمدًا كثيرًا كما يُحِبُّ ربُّنا ويرضى، ونسألُه جلَّ وعلا أن يَرزُقَنا شُكرَ هذه النِّعَمِ التي لا تُحصى.
وماذا عن المرأة؟ اختلَف العلماءُ في اعتكافِ المرأةِ في مَسجِدِ بَيتِها، وقد أشَرْنا إلى أنَّ اتِّخاذَه سُنَّةٌ نبَويَّةٌ، مشى عليها السلَفُ والصالِحونَ بعْدَهم.
قال البخاريُّ في كتابِ الصَّلاةِ مِن "صحيحِه": باب المساجدِ في البيوتِ، وصلَّى البراءُ بنُ عازِبٍ في مَسجِدِه في دارِه جماعةً.
وقد رَوى البخاريُّ ومسلمٌ عن عِتْبانَ بنِ مالكٍ رضيَ الله عنه: أنَّه قال لرسولِ الله -صلَّى الله عليه وسلَّمَ-: فصَلِّ يا رسولَ الله في بَيْتي مكانًا أتَّخِذُه مُصَلًّى، فجاءَه رسولُ الله، فقال: أين تُحِبُّ أن أُصَلِّيَ؟ فأشار إلى مكانٍ مِن البَيتِ، فصلَّى فيه رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّمَ-.
قال العَيْنيُّ: (فيه مِنَ الفوائدِ... اتِّخاذُ مَوضعٍ معَيَّنٍ مِن البيتِ مسجدًا وغيرَه) ...وفي قصَّةِ الهجرةِ عن عائشةَ رضيَ الله عنها عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ: أنَّه ابتَنى مسجدًا بفناءِ دارِه، وكان يُصَلِّي فيه، ويَقرأُ القرآنَ.
قال عبدُ الله بنُ مسعودٍ: وإنِّي لا أحسِبُ منكم أحدًا إلَّا له مَسجِدٌ يُصَلِّي فيه في بَيتِه. رواه أبو داودَ وغيرُه.
وأنت إذا تأمَّلْتَ ذلك بمَعزلٍ عن هذه الأسرارِ المحتملةِ للاعتكافِ، وجدْتَ أنَّ اعتكافَ المرأةِ في مَسجِدِ بَيتِها منقوضٌ ومنقوصٌ شرعًا وعقلًا؛ لقوَّةِ ما يَرِدُ عليه، فهل تعتكفُ المرأةُ وتعتزِلُ زَوْجَها؛ قياسًا على الرجُلِ في أخذِه بقولِ الله جلَّ وعلا: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187]؟!
وما حُكمُها إذا دعاها زوجُها لحاجتِه لَيلًا؟
وإن كانت بلا زَوجٍ، فهل يَجوزُ لها أن تَقبَلَ خِطبةَ النِّكاحِ حالَ الاعتكافِ؟
ولكن مَرَّ معنا ما في شروحِ الموَطَّأِ: أنَّ المرأةَ لو قعدَتْ في مُصَلَّى بَيتِها تَنتظِرُ وقتَ صلاةٍ أخرى، لم يَبعُدْ أن تَدخُلَ في معنَى الحديثِ؛ لأنَّها حبسَتْ نفْسَها عن التصرُّفِ رغبةً في الصَّلاةِ (7).
ومِنْ ثَمَّ فإنَّ هذه الفضائِلَ ستَحصُل، سواءٌ اعتبَرْنا ذلك اعتِكافًا -كما يرى الحَنَفيَّةُ- أم لا.
المُكوثُ في المصَلَّى بعْدَ صَلاةِ الفَجرِ: قد يَتيسَّرُ لكثيرٍ مِن الناسِ أداءُ صَلاةِ الفَجرِ جماعةً في بُيوتِهم، فإنْ حصَل لهم ذلك، فيَنبغي ألَّا يَفوتُهم هذا الأجرُ الواردُ في هذه الأحاديثِ.
قال التِّرمذيُّ: (بابُ ذِكرِ ما يُستحَبُّ مِنَ الجُلوسِ في المسجِدِ بعْدَ صَلاةِ الصُّبحِ حتَّى تَطلُعَ الشَّمسُ)، ثمَّ أَورد بسَندِه عن أنسِ بنِ مالكٍ رضيَ الله عنه، قال: قال رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّمَ-: (مَن صلَّى الغَداةَ في جماعةٍ، ثمَّ قعَد يَذكُرُ اللهَ حتَّى تَطلُعَ الشَّمسُ، ثمَّ صلَّى ركعتَينِ؛ كانت له كأجرِ حَجَّةٍ وعُمرةٍ)، وفي روايةٍ: (تامَّةٍ، تامَّةٍ، تامَّةٍ).
وعن أبي أُمامةَ رضيَ الله عنه: أنَّ رسولَ الله -صلَّى الله عليه وسلَّمَ- قال: (لَأنْ أقعُدَ أَذكُرُ اللهَ تعالى وأُكَبِّرُهُ، وأحمَدُهُ وأُسَبِّحُهُ، وأُهَلِّلُهُ حتَّى تَطلُعَ الشَّمسُ؛ أحَبُّ إليَّ مِن أنْ أُعتِقَ رقبتَينِ أو أكثَرَ مِن ولدِ إسماعيلَ، ومِن بعدِ العصرِ حتَّى تغرُبَ الشَّمسُ؛ أحَبُّ إليَّ مِن أنْ أُعتِقَ أربَعَ رِقابٍ مِن ولدِ إسماعيلَ).
وفى صحيحِ مسلمٍ عن سِمَاكِ بنِ حربٍ رضيَ الله عنه، قال: قلْتُ لجابرِ بنِ سَمُرةَ: أَكُنْتَ تُجالِسُ رسولَ الله -صلَّى الله عليه وسلَّمَ-؟ قال: نعَمْ، كثيرًا، كان لا يَقومُ مِن مُصَلَّاهُ الَّذي يُصَلِّي فيه الصُّبحَ أو الغَداةَ حتَّى تَطلُعَ الشَّمسُ، فإذا طلَعَتْ قامَ.
ورَوى البَغَويُّ وغيرُه: عن عَلْقَمةَ بنِ قَيسٍ -وكان أَشْبَهَ الناسِ سمتًا وهَدْيًا بعبدِ الله بنِ مسعودٍ، قال: بلَغَنا أنَّ الأرضَ تَعِجُّ إلى الله مِن نَومةِ العالِمِ بعْدَ صَلاةِ الصُّبحِ.
وماذا عن يَومِ الجُمُعةِ في العَشرِ الأواخِرِ؟ في هذه السَّنةِ -أعني: 1441- من هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- فرصةٌ نادرةُ التَّكررِ، ألَا وهي وُجودُ جمعتَينِ في العَشرِ الأواخِرِ، ويَومُ الجُمُعةِ هو أفضَلُ أيَّامِ الأُسبوعِ، وفضائلُه تجاوزَتِ السَّبعينَ!
فكيف إذا وقعَتِ الجُمُعةُ في رمضانَ؟! وكيف إذا وقعَتِ الجُمُعةُ في العَشرِ الأواخِرِ منه؟!
إنَّ مِن أعظَمِ الفُرَصِ الَّتي لا يَنبغي أن تفوتَ علينا في هاتَينِ الجُمُعتَينِ: الجُلوسَ في المصَلَّى مِن بعْدِ صَلاةِ العصرِ وحتى صَلاةِ المغرِبِ؛ فهو رِباطٌ، في يَومِ جُمُعةٍ، في العَشرِ الأواخِرِ، وفيه دعاءٌ في ساعةِ استِجابةٍ، في وقتِ صيامٍ؛ فلا تَفوتَنَّكُم مَعاشِرَ المسلِمينَ.
وهنا سِرٌّ عجيبٌ متعلِّقٌ باستجابةِ دعاءِ هذا الوَقتِ؛ فقد تقدَّم حديثُ عبدِ اللهِ بنِ سَلَامٍ، وفيه: قُلْتُ ورسولُ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّمَ- جالسٌ: (إنَّا لَنَجِدُ في كِتابِ الله في يَومِ الجُمُعةِ ساعةً لا يوافِقُها عبدٌ مؤمِنٌ يُصَلِّي يَسألُ اللهَ فيها شَيئًا، إلَّا قَضى له حاجَتَه. قال عبدُ الله: فأشارَ إلَيَّ رسولُ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّمَ-: أوْ بَعضُ ساعةٍ، فقُلْتُ: صَدَقْتَ، أوْ بعضُ ساعةٍ. قلْتُ: أيُّ ساعةٍ هيَ؟ قال: هيَ آخِرُ ساعاتِ النَّهارِ. قلْتُ: إنَّها لَيستْ ساعةَ صَلاةٍ! قال: بَلى؛ إنَّ العبدَ المؤمِنَ إذا صَلَّى ثمَّ جَلَس لا يَحبِسُه إلَّا الصَّلاةُ، فهو في صَلاةٍ).
فمَن جلَس في مُصَلَّاهُ بعْدَ العصرِ: رجلًا كان أو امرأة، صغيرًا كان أو كبيرًا، فإنَّ الملائكةَ تَستغفِرُ له، وهذا تمهيدٌ لاستجابةِ الدُّعاءِ؛ فإنَّ مِن أسبابِ استِجابةِ الدُّعاءِ: التقدُّمَ بيْنَ يدَيْه بالتَّوبةِ والاستغفارِ، فكيف إذا كان المُستغفِرُ للعبدِ هُمُ العِبادَ المُكْرمين، ملائكةَ الرَّحمنِ؟
ثمَّ إنَّ انتظارَ صَلاةِ المغربِ يَجعلُ الإنسانَ في صَلاةٍ، ودعاءُ الصَّلاةِ أرجى بالقَبولِ مِن الدُّعاءِ خارجَ الصَّلاةِ، فكيف إذا جُمِع مع ذلك كلِّه صيامٌ، يجمَعُ انكسارَ الجائعِ الظَّمآنِ، المُقبِلِ على ربِّه الرَّحيمِ الرَّحمنِ؟!
أسألُ اللهَ جلَّ وعلا ألَّا يُسَلِّطَ علينا بذُنوبِنا مَن يَحرِمُنا مِن هذه الأيَّامِ واللَّيالي المعدوداتِ؛ إنَّه الكريمُ، البَرُّ الرَّحيمُ، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِه وصَحبِه وسلَّمَ.
Haitham1234@hotmail.com الهوامش (*) تم الاستفادة في نشر هذه المادة من موقع الدرر السنية. [(1)] انظر: المبسوط (3/114)، عمدة القاري (12/140). ونسبه ابن بطال في شرح البخاري لابن المنذر. [(2)] كما ثبت ذلك في صحيح البخاري رقم 2033. [(3)] شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك (1/ 459). [(4)] أصل الكلام لابن عبد البر في الاستذكار، يُنظر: ((فتح المالك بترتيب التمهيد)) (3/208)، ((شرح الزرقاني)) (1/459). [(5)] أخرجه أحمد (6750)، وابن ماجه (801) واللفظ له. [(6)] أخرجه أحمد (8625) واللفظ له، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (8144). [(7)] أصل الكلام لابن عبد البر في الاستذكار، يُنظر: ((فتح المالك بترتيب التمهيد)) (3/208)، ((شرح الزرقاني)) (1/459).
المصدر: https://www.almoslim.net/https%3A//almoslim.net/elmy/291960
|
|