منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة الزمر الآيات من 66-70

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48356
العمر : 71

سورة الزمر الآيات من 66-70 Empty
مُساهمةموضوع: سورة الزمر الآيات من 66-70   سورة الزمر الآيات من 66-70 Emptyالأحد 25 أبريل 2021, 5:21 pm

بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٦)

تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)


كلمة (بل) حرف يفيد الإضراب عن الكلام السابق وإثبات ما بعدها، يعني: اعرض عن دعوتهم لك أنْ تعبد آلهتهم، وإياك أن تميلَ إليهم (بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ) (الزمر: 66) وليؤكد عبادة الله وحده حتى جاء بهذا الأسلوب (بل الله فاعبد) وقدَّم المفعول به على الفعل، وهذا يُسمَّى أسلوبَ قصر.


يعني: قصر العبادة على الله وحده دون سواه، كما في قوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) (الفاتحة: 5).


فتقديم الضمير المنفصل العائد على الحق سبحانه على الفعل نعبد يعني: نعبدك أنت فقط لا نعبد غيرك، أما لو قُلْنا: نعبدك تحتمل ونعبد غيرك.


وقوله: (وَكُن مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ) (الزمر: 66) الشاكرين الله على الهداية والتوفيق، لأنْ تعبده وحده وتشكره على ما تقدم لك من النعم، وما هذه النعم إلا (عربون) للنعيم الدائم الذي ينتظرك.


ومن عجائب لطفه تعالى بنا أنْ شرع لنا من الأحكام افعل ولا تفعل ما فيه الخير لنا في دنيانا، ثم يُثيبنا عليه في الآخرة إنْ أطعنا ويُخوِّفنا بالعذاب إنْ عصينا، فهو سبحانه لطيف بنا حريص على نجاتنا، مع أنه سبحانه لا ينتفع من ذلك بشيء، فلا تنفعه طاعة ولا تضره معصية.


واقرأ الحديث القدسي عند رب العزة سبحانه: "يا عبادي.. لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في مُلكي شيئاً، ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي إلا كما ينقص المخيط إذا أُدْخِل البحر".


فاعلم أيها العبد أن ربك يحبك ويريد لك الفوز والنجاة فأنت عبده وأنت صنعته، والصانع يريد لصنعته أنْ تكون على أحسن حال.



سورة الزمر الآيات من 66-70 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48356
العمر : 71

سورة الزمر الآيات من 66-70 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الزمر الآيات من 66-70   سورة الزمر الآيات من 66-70 Emptyالأحد 25 أبريل 2021, 5:21 pm

وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَ تعالىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٧)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

معنى (وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) (الزمر: 67) يعني: ما قدروه وما عظَّموه التعظيم المناسب له سبحانه، يعني: ما عرفوا لله قيمته، ولذلك أشركوا به، والشرك في حَدِّ ذاته عدم تقدير الله حَقَّ قدره.

وقد فعلوا ذلك والحال أن (وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) (الزمر: 67) إذن: كيف يحدث منكم ذلك؟

أغفلتم عن هذه الحقيقة؟

إنكم سوف تروْنَ عاقبة فعلكم في الآخرة.

ومعنى (وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ) (الزمر: 67) نقول: هذا الأمر في يدي يعني: أنا مُتمكن منه تمكُّناً بحيث لا يفلت منِّي، وليس من الضروري بالنسبة لله تعالى أن يكون في المسألة قبضة أو يد، فهنا كناية عن القوة والتمكُّن، كما نقول مثلاً قبضنا على المجرم يعني: أصبح في حوزتنا ولم يَعُدْ مطلق السراح في الحياة يفعل ما يشاء.

وسبق أنْ قلنا: إذا ذُكر للحق سبحانه وصفٌ له مثيل في عباده فخُذْه في إطار: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى: 11) ومن ذلك صفة السمع والبصر واليد والعلم.. إلخ.

وكلمة (وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً) (الزمر: 67) أي: أرضنا التي نعيش عليها وأمثالها من الأراضين لأن الحق سبحانه قال: (ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) (الطلاق: 12) هذا كله في مجموعتنا الشمسية، فما بالك بباقي المجموعات والمجرَّات التي تحوي الملايين مثل أرضنا: (وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ) (الشورى: 29).

وقوله: (وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) (الزمر: 67) يطويها بقدرته تعالى، واليمين عندنا هي الفاعلة في الأشياء وهي مصدر القوة؛ لذلك قال سبحانه: (قَالُوۤاْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ) (الصافات: 28) أي من جهة القوة، وفي موضع آخر قال الحق سبحانه و تعالى: (يَوْمَ نَطْوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ) (الأنبياء: 104).

لكن أيّ أرض نعني في قوله تعالى: (وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ) (الزمر: 67) قالوا: هي أرض غير الأرض التي نعرفها، لأن الأرض ستُبدل في الآخرة، كما قال تعالى: (يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ) (إبراهيم: 48) لأن أرض الدنيا أرضُ أسباب، نعيش عليها ونأكل من ثمرها ونزاول فيها حياتنا، أما في الآخرة فالحياة فيها بالمسبِّب سبحانه أرض الآخرة لا زرعَ فيها ولا حرثَ ولا حصادَ، إنما تأكل وتشرب بمجرد إرادة الأكل أو الشرب، فما يخطر على بالك تجده بين يديْكَ لا بأسباب، إنما بقدرة المسبِّب سبحانه، كذلك السماء في الدنيا سماء أسباب ينزل منها المطر وتشرق فيها الشمس، ويُنوِّرها القمر، أما في الآخرة فلا شيء من ذلك لا مطرَ ولا شمسَ ولا قمر، إنما تُنوِّر الأرض بنور ربها.

وقوله تعالى في ختام هذه الآية (سُبْحَانَهُ وَ تعالىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الزمر: 67) أمر بأن نقول سبحان الله، وأنْ ننزِّهه تعالى عن مشابهة خَلْقه في مسألة القبضة وفي طَيِّ السماء، لأنه ليس كالطَّيِّ الذي نعرفه نحن، إنما ينبغي أن نأخذ هذه الصفات في إطار: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى: 11) فنزه الله عما يقوله المشركون.



سورة الزمر الآيات من 66-70 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48356
العمر : 71

سورة الزمر الآيات من 66-70 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الزمر الآيات من 66-70   سورة الزمر الآيات من 66-70 Emptyالأحد 25 أبريل 2021, 5:22 pm

وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (٦٨)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

الحق سبحانه و تعالى بعد أنْ تكلَّم عن العقائد وذكر الوعد للطائعين والوعيد للعاصين، أراد سبحانه أنْ يُحدِّثنا عن الآخرة وهي دار الجزاء على الأعمال في الدنيا، والدنيا فيها أموات وفيها أحياء، ولن تقوم الساعة إلا إذا مات الجميع ليتحقق البعث، وإلاَّ فكيف يكون البعث في حَقِّ مَنْ لم يَمُتْ؟

لذلك يُحدِّثنا الحق سبحانه هنا عن النفْخ في الصور، هذه النفخة التي تُميت كل مَنْ هو حَيٌّ.

الفعل (نُفِخ) جاء بصيغة الفعل المبني للمجهول، الذي لم يُسَمِّ فاعله، لكن السُّنة هي التي بيَّنت الفاعل وأنه إسرافيل، و (الصُّور) بوق مثل القربة ينفخ فيه إسرافيلُ النفخةَ الأولى التي تميتُ كلَّ الأحياء، لأن القيامة ستقوم وعلى الأرض أحياء لا بد أنْ يموتوا، ليكون لهم بعث كالذين ماتوا من لدن آدم عليه السلام وحتى قيام الساعة.

والحق سبحانه يقول: (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ) (العنكبوت: 57).

لكن: هل النفخة الأولى هي التي تُميت؟

أو النفخة الثانية هي التي تحيي الموتى؟

نقول: النفخة ذاتها لا تحيي ولا تميت، إنما هي إيذانٌ لمن بيده الأمر أنْ يبدأ عمله (فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ) (الزمر: 67) كلمة صعق تأتي بمعنيين.

صعق بمعنى هلك كما في قوله تعالى: (فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ) (الطور: 45) يعني: يهلكون.

وتأتي صعق بمعنى أُغمي عليه وفقد الوعي، كما حدث لسيدنا موسى عليه السلام حين تجلَّى ربُّه للجبل، فلما دعا موسى ربه قال: (رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي) (الأعراف: 143) وليس المعنى هنا أنني لا أُرى، إنما أنا أُرى لكنك في تكوينك الحالي لا تستطيع أنْ تراني، إذن: قد يتغيَّر الحال على صورة يمكنك فيها أنْ تراني.

وإذا كان البشر قد توصَّلوا لطرق وأساليب وأسباب تُمكِّن من رؤية ما لم تقدر على رؤيته، فرأينا النظارة والنظارة المعظمة والتليسكوبات.. إلخ.

إذن: فالحق سبحانه من باب أَوْلَى قادر على أنْ يجعلك ترى ما لم تكُنْ تراه من قبل.

ثم يقول سبحانه في تمام هذه القصة: (وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي) (الأعراف: 143) الحق سبحانه يريد أنْ يؤكد لموسى عليه السلام هذه القضية لا بالقول إنما بالفعل(فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً) (الأعراف: 143).

وكأن الحق سبحانه يقول لنبيه موسى: إذا كنت صُعِقْتَ - يعني: فقدتَ الوعي - من رؤية المتجلَّى عليه وهو الجبل، فكيف بك إذا رأيتَ المتجلِّي سبحانه؟

وقوله: (إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ) (الزمر: 68) أي: شاء ألاَّ يُصعق، وهذه المشيئة مؤقتة لأن من لم يَمُتْ في هذه النفخة الأولى لابدَّ وأنْ يموت فيما بعد، وآخر مَنْ يموت هو ملك الموت حيث يقول له الحق سبحانه: مُتْ يا مَلَك الموت فيموت.

بعدها يصير الخلود بلا انتهاء.

قالوا: الذين استثناهم الله من هذه النفخة هم الملائكة الموكَّلون جبريل وميكائيل وعزرائيل وإسرافيل، وقد أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن موسى عليه السلام فيمَنْ استثنى من هذه الصعقة، فقد ورد في الحديث أنْ الصَّعْقة حدثتْ وحصل للناس غَشْيَة، وكان رسول الله أول مَنْ أفاق منها فوجد أخاه موسى عليهما السلام ممسكاً بالعرش، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يدْر أَصُعِق موسى فيمن صُعِق وأفاق قبلي، أم لم يُصعق.

وما دام أنه أفاق فوجد موسى بجوار العرش إذن هو لم يُصعق، ويدخل في هؤلاء الذين استثناهم الله في قوله (إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ) (الزمر: 68) أو أنه صُعِق لكنه أفاق من الصَّعْق قبل غيره، وهنا قال العلماء: لماذا لم يُصعَق سيدنا موسى؟

أو لماذا قَصُرَتْ مدة صَعْقته عن مدة الآخرين؟

قالوا: لأنه عليه السلام سبق أنْ صُعِقَ في الدنيا لما تجلَّى ربُّه للجبل، فشاء الله أنْ تُحتسبَ له هذه الصعقة، وأنْ تُخفَّفَ عنه صَعْقةُ القيامة.

وقوله (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ) (الزمر: 68) أي: نفخة البعث، فالنفخة الأولى أماتت مَنْ لم يكُنْ قد مات، والنفخة الثانية هي البعث والخروج من القبور: (فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ) (يس: 51) هذا تصوير لهيئة الصعقة، وكيفية الخروج من القبور (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ) (الزمر: 68).

وكلمة (ينسلون) دلَّتْ على تفرُّق بعد اجتماع، كما نقول للقماش (نسِّل) يعني: بعد أنْ كانت خيوطه مُتضَامَّة متماسكة تفككتْ، وهذا تصوير دقيق وتعبير بليغ يُصوِّر الحالة التي كانت تُوجد في القبور حين يلتقي الأموات في باطن الأرض، لأن الناس في الدنيا وهم في سَعة الحياة دائماً ما يتخاصمون ويتشاجرون وتكثر بينهم العداوات والمنافسات.

وقد عبَّر الشاعر عن هذا المعنى فقال:
رُبَّ لَحْدٍ قَدْ صَارَ لَحْداً مِرَاراً ضاَحِكٍ مِنْ تَزَاحُمِ الأَضْدَّادِ

فإذا ما ماتوا وضمتهم الأرض امتصَّتْ ما كان بينهم من أحقاد وعداوات، فخلصت عناصرهم خُلُوصاً مَكَّنهم من اللقاء والاجتماع، فيقولون: ما ألذَّ العناق قبل دقَّات الفراق.

وكأنهم يفرحون بهذا الاجتماع وبهذا العناق لأنه يُعوِّضهم ما كان بينهم من شقاق في الدنيا، فإذا ما جاءتْ النفخة الثانية تفكَّك هذا الاجتماع وتفرَّق، هذا معنى: (يَنسِلُونَ) (يس: 51) أي: كُلٌّ على حدة بمفرده وشخصه كما (ينسلّ) الخيط من مكانه في النسيج؛ ذلك لأن الجزاء أمر شخصي وكُلٌّ مُرْتهن بعمله.

ومعنى (يَنظُرُونَ) (الزمر: 68) أي: ينتظرون ما يقع بهم، أو ينظرون ما حولهم من أهوال تشخَصُ لها الأبصار، كما قال تعالى في آية أخرى حكايةً عنهم: (رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا) (السجدة: 12) قالوا: هذه هي الآية الوحيدة التي تقدم فيها البصر على السمع..  

لماذا؟

لأن الموقف هنا في الآخرة حين يُبعث الناس من القبور، وحين تحيط بهم الأهوال والكروب من كل ناحية، وهذه الحالة تسبق فيها الأبصار الأسماع فيبصرون قبل أنْ يسمعوا.

وبنفخة البعث تبدأ أهوال القيامة ويشتد الكرب على الكافرين فيرتعدون، فإذا ما صَدَق اللهُ وعده ووعيده في قيام الساعة بأول مراحلها عندها يعلمون صدق ما كذبوه وكفروا به، هؤلاء الذين طالما كذَّبوا بالبعث وقالوا: (أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ) (الصافات: 16-17).

إذن: صدق الله في البعث وفي إحياء الموتى، وسيصدق سبحانه فيما يتلو ذلك من حساب وجزاء، والويل لكم أيها الكافرون المكذِّبون.



سورة الزمر الآيات من 66-70 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48356
العمر : 71

سورة الزمر الآيات من 66-70 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الزمر الآيات من 66-70   سورة الزمر الآيات من 66-70 Emptyالأحد 25 أبريل 2021, 5:23 pm

وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٦٩) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (٧٠)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

هذه الآية تنقلنا إلى عالم آخر، إلى الآخرة حيث تُبدَّل الأرض غير الأرض والسماوات غير السماوات، كنا في الدنيا نعيش على الأرض بنور الشمس نقول: أشرقت الشمس أما وقد انتقلنا إلى الآخرة فالأرض هي نفسها تشرق، (وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا..) (الزمر: 69) وكأن النور شيء ذاتي فيها، فليس هناك شمس تشرق عليها إنما هي التي تشرق بذاتها.

ولم لا؟

وأنت الآن في عالم فيه ما لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمعتْ، ولا خطر على قلب بشر، وقال تعالى: (لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً) (الإنسان: 13) لأن الدنيا كانت بالأسباب، فالشمس تشرق لتنير الأرض بالنهار والقمر بالليل، أما في الآخرة فلا نعيش بالأسباب، إنما بالمسبِّب سبحانه حيث كل شيء فيها يكون بلا علاج، فلسنا -إذن- في حاجة إلى زراعة الأرض، ولا إلى الشمس تنير النهار، ولا إلى القمر ينير الليل.

وكما تُبدَّل الأرض غير الأرض، والسماوات غير السماوات، كذلك أنتم تُبدَّلون على هيئة أخرى تناسب الآخرة، فستأكلون ولا تتغوطون، وتعيشون ولا تهرمون.

وحين تشرق الأرضُ بنور ربها تراها مشرقةً دون أنْ ترى مصدر هذا الإشراق، وهذا ما رأينا شيئاً منه في الدنيا، ففي طرق الإضاءة الحديثة توضع الأنوار في أماكن تخفي مصدر الضوء فيأتي النور غير مباشر فلا يؤذي العين، كما يأتيك ضوء الشمس فينير لك الغرفة في حين لا ترى شعاع الشمس المباشر.

وقد ضرب لنا الحق سبحانه مثلاً لتنويره للسماء والأرض، وذلك في سورة النور، حيث قال سبحانه: (ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ..) (النور: 35) أي: مُنوِّرهما، ولما أراد سبحانه أن يعطينا مثلاً لذلك أتى بمثل من المشاهد لنا المرئي الذي ندركه فقال: (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ..) (النور: 35) أي: كيفية تنويره وأثر نوره سبحانه حتى لا نظن أن هذا المثل يوضح لنا نور الله، لا بل يوضح كيفية تنويره لخلقه وإلا فنوره تعالى لا نعرفه ولا ندرك كُنْهه.

والمشكاة هي الطاقة غير النافذة في الجدار يسمونها كُوَّة، وتوجد حتى الآن في المباني القديمة الفطرية، وهذه المشكاة هي التي يوضع فيها المصباح، وليست هي المصباح كما يظن السطحيون ويستعملونها بهذا المعنى.

وميزة المشكاة أنها غير نافذة ومحدودة المساحة، بحيث تجمع ضوء المصباح فلا يتبدد إنما يتركز لتنوير الحجرة التي توجد فيها هذه المشكاة.

ثم يصف المصباح بأنه ليس مصباحاً عادياً إنما: (ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ..) (النور: 35) والزجاجة تنقي ضوء المصباح وتمنع عنه الهواء الزائد فلا يحدث دخان يُكدِّر صَفْو ونقاء الضوء.

ثم إن هذه الزجاجة هي أيضاً غير عادية إنما: (ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ..) (النور: 35) والكوكب الدري هو الذي يضيء بنفسه، وهذا يعني أن ضوء هذا المصباح مضاعف.

ثم إن الزيت الذي يُوقد به المصباح ليس زيتاً عادياً إنما زيت مأخوذ من شجرة معتدلة المزاج: (يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ..) (النور: 35).

البعض يعترض على هذا المثل ويقول: كيف يضرب الله مثلاً لنوره بمشكاة فيها مصباح؟

قلنا: إن المثَل هنا ليس مثلاً لنور الله إنما هو مثَل لتنويره للكون.

 وقد عبَّر الشاعر أبو تمام عن هذا المعنى في قوله مادحاً:
إقْدَام عَمْرو فِي سَمَاحَةِ حَاتِم فِي حِلْم أحْنَفَ فِي ذَكاءِ إيَاسِ

فاعترض عليه أحد جلساء الممدوح.

وقال له: كيف تُسوِّي الأمير بأجلاف العرب، الأمير فوق مَنْ وصفت.

فردَّ أبو تمام بعد أنْ أطرق هنيهة:
لاَ تُنْكِروا ضَرْبِي لَهُ مَنْ دُونَهُ مثلاً شَرُودًا فِي النَّدَى وَالبَاسِ
فَاللهُ قَدْ ضَربَ الأقلَّ لِنورِهِ مَثلاً مِنَ المشْكاة وَالنِّبْراسِ

هكذا يُنوِّر الله للخَلْق النور الحسيّ الذي يصون مادتهم، ويحفظ سلامة حركتهم في الحياة، لأن الإنسان إنْ سار على غير هدى اصطدم بالأشياء من حوله، والصدام يعني أن يحطم القويُّ الضعيفَ، لذلك نحرص على وجود ضوء خافت (وناسة) مثلاً بالليل لتحمي حركتنا من الصدام.

فإذا كان الخالق سبحانه جعل لنا النور الحسيَّ لحماية مادتنا من أن تحطم أو تتحطم، فلا بدَّ أنْ يجعل لنا نوراً معنوياً يحمي فينا القيم، فلا نحطم بظلم، ولا نحطم باضطهاد، وهذا هو نور الوحي والشرع الذي تحيا به القلوب، وينظم حركتنا المعنوية في رحلة الحياة.

وكما بيَّن لنا الحق سبحانه النور الحسِّي بيَّن لنا النور المعنوي فقال خذوه من بيوت الله، فقال تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَـاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأَبْصَارُ) (النور: 36-37).

إذن: خُذ النور المعنوي من بيوت الله ففيها تلتقي بالله تعالى، فهذا اللقاء يضفي عليك نوراً من نور الله يملأ قلبك ويهدي جوارحك ويصلحك، وبيَّن سبحانه أن نور القيم أعلى من نور المادة، بدليل أن الإنسان حين يكون مكفوف البصر يمكنه أن يمشي وأنْ يزاول أعماله في الدنيا، أما فاقد النور المعنوي، أو أعمى البصيرة كما يقولون فلا يمكن أبداً أنْ يُوفَّق في حركته للصواب؛ لذلك قال تعالى في ختام آية: (ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ..) (النور: 35) قال: (نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ..) (النور: 35).

وبعد أنْ أشرقت الأرضُ بنور ربها (وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ..) (الزمر: 69) وفي موضع آخر جاء تفصيل وشرح ذلك، فقال سبحانه: (وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (الكهف: 49).

هكذا فصّل الحق سبحانه ما أجمل في (وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ..) (الزمر: 69) ومعلوم أن آيات القرآن الكريم تفسر بعضها بعضاً، والكتاب هنا كتاب خاص بكل إنسان على حدة، كما قال سبحانه: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (الإسراء: 13-14).

وهذا الكتاب الذي يُحصي عليك أعمالك كتاب صدق، لأن كاتبه مَلَك موكَّل بك: (كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) (الانفطار: 11-12) وقال: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق: 18).

فهذا الكتاب ليس في علم الله فحسب؛ لأن علم الله كلامٌ من عنده، إنما هذا كتاب بمعنى أنه مكتوب مقروء يقرؤه صاحبه ويطلع عليه، فيرى فيه عمله الصالح والطالح؛ لذلك ساعةَ يراه المجرمون يرتعدون خوفاً لأنه أحصى عليهم إجرامهم، ولم يترك منه كبيرة ولا صغيرة، عندها لا يملكون إلا أنْ يدعوا على أنفسهم بالويل والثبور.

وبعد أنْ يأخذ كلٌّ كتابه يأتي الله بالرسل (وَجِـيءَ بِٱلنَّبِيِّيْنَ وَٱلشُّهَدَآءِ..) (الزمر: 69) ليشهد كل نبي أنه بلَّغ أمته، يقول تعالى: (يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ..) (المائدة: 109).

وبعد أن يشهد الرسل يشهد الشهداء وهم مَنْ حملوا العلم بعد الرسل، كما ورد: "يحمل هذا العلمَ من كل خلف عُدُوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين".

فهؤلاء العلماء أيضاً يشهدون أنهم بلَّغوا غيرهم؛ لذلك امتازت أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- بعلمائها، لأنهم امتدادٌ لرسالته -صلى الله عليه وسلم-، لذلك فخيريتنا على الأمم بهذه المسألة.

ويشهد أيضاً الشهداء الذين قُتِلوا في سبيل الله، وهؤلاء يشهدون أيضاً لمكانتهم عند الله، هذه المكانة التي نالوها بالشهادة، ويكفي أن الشهيد يدخل المعركة وهو يعرف أنه إنْ هُزم سيقتل، فهو يتقدم إما للنصر وإما للشهادة، فهو يعلم أنه سيدفع حياته ثمناً، ولولا أنه واثق كل الثقة بما وعده الله من الجزاء ما خرج.

لذلك قال تعالى عن الشهداء: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (آل عمران: 169).

وعجيبٌ أنْ نسمع مَنْ يقول على سبيل الإنكار: يعني لو أخرجنا الشهيد من قبره سنجده حياً؟

نقول: اقرأ الآية وتدبَّر معناها، فالله يقول: (أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ..) (آل عمران: 169) لا عندك أنت، بدليل أنه جاء بعدها بمادة الطلب للحياة فقال: (يُرْزَقُونَ) ذلك لأن الشهيد لما ضحَّى بحياته ضمن له ربه حياة أخرى أفضل وأعظم وأبقى مما كان فيها في الدنيا.

 لذلك قال الشاعر في حق سيدنا حمزة سيد الشهداء:
أَحمْزَةَ عَمَّ المصْطَفى أنتَ سَيِّدٌ عَلَى شُهَداء الأرْضِ أجمعهم طُرَّا
وحَسْبُكَ مِنْ تلْكَ الشَّهادةِ عِصْمةٌ مِنَ الموْتِ، موصول الحياة إلى الأخرى

المعنى: أنك قدمتَ حياتك وضحيت بها فعُصمْتَ من الموت، لأنك بعد أنْ متَّ صِرْتَ حياً فوصلتَ حياتك في الدنيا بحياتك في الآخرة، وهبتَ الحياة فوُصِلتْ الحياة.

والشهادة على العبد يوم القيامة لا تنتهي عند هذا الحد، فبعد أنْ شهدت عليه الملائكة بالكتاب الذي سطّروه، وشهد عليه الأنبياء والشهداء ننقل الشهادة إلى ذاتك أنت، فهذا تدرّج في الشهادة من الملائكة وهم من جنس غير جنسك، إلى الأنبياء والشهداء وهم من جنسك، إلى جوارحك وهي قطعة منك: (ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) (يس: 65).

وقال سبحانه: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (النور: 24).

وقال تعالى: (حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (فصلت: 20-21).

لكن كيف تشهد الأعضاء والجوارح على صاحبها وكانت في الدنيا هي أداة الفعل، فاللسان هو الذي قال، واليد هي التي بطشتْ، والرِّجْل هي التي سعتْ.. إلخ؟

قالوا: لأن الله تعالى خلق لعبده الجوارح وسخرها لمراده، وأمرها أنْ تطيعه فيما يريد، فاللسان مُسخَّر لخدمة صاحبه إنْ أراد أن يقول لا إله إلا الله قالها.

وإنْ أراد أنْ ينطق بكلمة الكفر نطق بها، وهكذا بقية الجوارح.

إذن: طالما الإنسان في الدنيا فالولاية على الجوارح لمراد الإنسان المخيَّر، والجوارح تابعة لمراده، فإذا ما بُعثنا وعُرضنا على الخالق سبحانه انحلَّتْ هذه الإرادة وسُلبت فلا إرادةَ لأحد إلا لله: (لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ) (غافر: 16) وعندها تتحرر الأعضاء وتقف موقف الشاهد الصدق.

وقوله تعالى: (وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِٱلْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) (الزمر: 69) أي: قضى اللهُ بين الناس وأهل المشهد وحكم بين الخلائق، والذي يقضي هو الله.

إذن: فهو قضاء بالحق لا يُظلم فيه أحدٌ، فليس لأحد في هذا اليوم إرادة، وليس لأحد حكم ولا هوى، إنما الأمر كله لله إنْ شاء اقتصَّ للمظلوم من الظالم، وإنْ شاء أرضى المظلوم وعفا عن الظالم.

ثم يقول سبحانه: (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ) (الزمر: 70) أي: يجازيها بما عملت إنْ خيراً فخير، وإنْ شراً فشر.

وهذه الآية وقف عندها المستشرقون يتهمون سياقها بعدم التناسق، فالتناسق في نظرهم أن نقول: ووُفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يعملون.

وهم يقولون ذلك لأنهم لا يدركون الفرق بين الفعل والعمل، فالفعل مقابل القول، فاللسان وحده له مهمة القول وباقي الجوارح تفعل، العين ترى، والأذن تسمع، واليد تبطش، والرِّجْل تسعى.. إلخ.

كل جارحة لها مهمة وهذه كلها أفعال، أما العمل فيشمل القول والفعل، كل منهما يُسمَّى عملاً، لذلك يقول تعالى: (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ) (الصف: 2).

لكن لماذا خصَّ اللسان بالشطر وباقي الجوارح بالشطر الآخر؟

قالوا: لأن القول يتم به البلاغ والتبليغ، فاستحق أنْ يكون عمدة الجوارح.

فما نتيجة هذه التوفية للأعمال؟

نتيجة توفية الأعمال أن تنال كل نفس ما تستحقه على عملها في الدنيا، لذلك بعد أنْ تتم التوفية ويتم الحساب يُساق أهل الإيمان إلى الجنة، ويُساق أهل الكفر إلى النار: (وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً...).



سورة الزمر الآيات من 66-70 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة الزمر الآيات من 66-70
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة الزمر الآيات من 41-45
» سورة الزمر الآيات من 46-50
» سورة الزمر الآيات من 50-55
» سورة الزمر الآيات من 56-60
» سورة الزمر الآيات من 61-65

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: الزمر-
انتقل الى: