أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52691 العمر : 72
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52691 العمر : 72
| موضوع: رد: هل الوباءُ مؤامرةٌ؟ الجمعة 26 فبراير 2021, 7:26 am | |
| هل يؤثِّرُ الخلافُ العَقَديُّ والسياسيُّ على تقييمِنا للموقفِ؟ روى مسلم في صحيحِه أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قال: ((لقد هممتُ أن أنهى عن الغِيلةِ، فذكرتُ أنَّ فارسَ والرومَ يصنعون ذلك ولا يَضُرُّ أولادَهم)).
كان الاعتقادُ السائد عند العرب أن جِماعَ الزَّوجةِ في فترة الرَّضاعةِ يضُرُّ بالطفل الرضيع ويُسَمُّونه الغيلةَ، فأراد النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أن ينهى الصحابةَ عن ذلك؛ خوفًا على الأطفالِ، وهو من الاجتهادات الدنيويَّة التي يستشيرُ فيها النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أصحابَه، وينظرُ في خبرات الآخَرينَ، فأخذ بفِعلِ فارسَ والرومِ، مع أنَّ الوحيَ كان يتنزَّلُ بالدعوة إلى التوحيدِ، والتحذيرِ من عقائد المجوس والنصارى المُحرَّفة، كما أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- بَشَّر المسلمين بالنصر على مملكتي فارسَ والرومِ في معارِكَ فاصلة.
وروى مسلِمٌ في صحيحه أيضًا عن المسْتَوردِ القُرشيِّ -رضي الله عنه- أنَّه قال عند عمرِو بنِ العاصِ: سمعتُ رَسولَ الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يقولُ: ((تقومُ الساعةُ والرُّومُ أكثَرُ النَّاسِ)) فقال عمرٌو: انظُرْ ما تقولُ! (يعني: هل أنت متأكِّدٌ) قال: ما أقولُ إلَّا ما سمعتُه من النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، فقال عمرٌو: أمَا وقد قلتَ ذلك فإنَّ فيهم خِصالًا أربعًا (يعني: فيهم خصالٌ سَبَبٌ لبقائهم وكثرتِهم وانتشارِهم إلى قيام السَّاعةِ) وذكر منها: (وخيرُهم لفقيرٍ ويتيمٍ وضَعيفٍ) (يعني: أنَّهم من خير النَّاسِ لفُقرائِهم وأيتامِهم وضعفائِهم).
هذا الكلامُ يقوله عمرُو بن العاص -رضي الله عنه- وقد حارب الرومَ وعايشَهم، وعرف كيدَهم السياسيَّ والعسكريَّ.
تأمَّلوا الحديثينِ السَّابقينِ إذا جاءتكم رسالةٌ تحذِّرُكم من اللِّقاحاتِ، وتحاوِلُ إقناعَكم أنَّ الدُّولَ الغربيَّةَ تستعمِلُ التطعيماتِ مع أنَّها ضارةٌ نتيجة مؤامرة بين صنَّاع القرار وشركات الأدوية، وتأمَّلوا قول عمرِو بن العاص: (وخيرُهم لفقيرٍ ويتيمٍ وضعيفٍ)، إذا جاءتكم رسالة مفادُها أنَّ الدول الأوروبيَّة أهملت علاجَ المسنِّين أثناء وباء كورونا الحاليِّ للتخَلُّصِ منهم، وحاولوا البحثَ بشكلٍ موضوعيٍّ عِلميٍّ: ماذا يجب فعلُه إذا تزاحم مريضان على جهاز التنفُّس الصناعي: شخصٌ مُسِنٌّ احتمالُ شِفائِه ضعيفٌ، والآخرُ شابٌّ احتمال شفائه أكبر؟
ولمزيد من الموضوعيَّة تواصَلوا مع مَنْ تعرفون ممَّن يعيش في تلك الدُّولِ، واسألوهم عن الأنظمةِ والخِدْماتِ المقَدَّمة للأطفال والمسنِّين وغيرِهم من الضُّعَفاء.
ألَا يمكِنُ أن يكونَ الوباءُ حَربًا بيولوجيَّةً؟ الحربُ البيولوجيَّةُ أمرٌ تخاف منه كافةُ الدُّولِ؛ لصعوبةِ السيطرة على الميكروبات؛ فهي لا تفَرِّق بين العدُوِّ والصديق، ولا تلتزم بالحدودِ السياسيَّة، واستخدامُها من قِبَل أيِّ دولة مخاطرةٌ ومجازفة؛ لأن الميكروب المستخدَم قد يعود للانتشارِ في نفس الدولة، أو في دُوَل صديقة، بل وتتخوَّفُ الدُّولُ مِن سوء استخدامِ الأسلحة البيولوجيَّة في داخلِ الدولة نفسِها لو وقع في يد أطرافِ النِّزاعاتِ الداخليَّة؛ ولذلك وقَّعت أغلبُ الدُّول على إيقافِ تطوير هذا النوعِ من الأسلحة، لكنها ما زالت تتوجَّسُ عند ظهور الأوبئة من احتماليَّةِ التصنيع والتطوير المعمَليِّ والأخطاء العلميَّة، فتبادِرُ المراكِزُ البحثيَّةُ المتخصِّصة إلى دراسة الميكروب، كما حصل في الوباء الحاليِّ.
وثبت أنَّ الفيروس لا يمكِنُ أن يكونَ مُصَنَّعًا، فالذي بادر إلى الاعتقادِ بأنَّ وباء كورونا الحاليَّ أوَّل ظهوره كان مؤامرةً أمريكيَّة لضرب اقتصاد الصينِ، أو كان صناعة صينيَّة لبيع اللِّقاح والأدوية: يحتاجُ إلى معرفة المزيد عن الحرب البيولوجيَّة من كتاباتِ المتخصِّصين لا من مقالات أنصار المؤامرة؛ ليكونَ أكثرَ موضوعيَّةً في حال ظهر وباءٌ آخَرُ مُستقبَلًا.
الحربُ النفسيَّةُ والدِّعايةُ السَّوداءُ: الذي يعتَقِدُ أنَّه بنَشرِه لرسائل المؤامرة يشَوِّهُ صورةَ العدُوِّ، أو أنَّه أكثَرُ نُصحًا للنَّاسِ وحرصًا على سلامتهم؛ فالاحتمالُ الآخَرُ أنَّه يساهم في الدِّعايةِ السوداءِ لخصمِه ويزيدُ من قوَّتِه وهو لا يشعرُ، وينشُرُ الرُّعبَ في قلوب الذين يريد نُصحَهم وسلامتَهم.
الحربُ النفسيَّةُ وسيلةٌ فتَّاكةٌ لتخويف الخصم وهزيمته، ومن أخطر أساليبها الدِّعايةُ السوداءُ، وهي أسلوبٌ خَفِيٌّ ومراوِغٌ؛ لإظهار القوَّةِ وتخويف الخَصمِ، ومن صُوَرِها أن تقومَ دولةٌ أو منظَّمةٌ ما (بشكلٍ خفيٍّ) بتبنِّي فردٍ أو حزبٍ أو وسيلةٍ إعلاميَّةٍ غيرِ رسميَّةِ تنشُرُ بشكلٍ مدروسٍ ما يظهر للنَّاسِ على أنَّه معارضةٌ وتشويهٌ وفَضحٌ للدولة أو المنظَّمة التي أسَّسَته، لكِنْ محتوى الفضائح والتَّشويه يغرِسُ صورةً ذهنيَّة مُخيفةً ومُرعِبةً لدى الخصومِ الذين يصَدِّقون الرِّسالةَ الإعلاميَّةَ بسبب لباسِ المعارضة الذي تلبَسُه، وتقومُ تلك الدولةُ أو المنظَّمةُ بالنفي أو السُّكوت، ولا يمكِنُ محاكمتُها؛ لأنَّ الدِّعايةَ لا تمثِّلُها رسميًّا.
استخدمت عدَّةُ دول الإذاعاتِ السريَّةَ والمطبوعاتِ الورقيَّةَ للدِّعاية السوداء أثناء الحرب العالميَّة الثانية، وزاد استخدامُها بعد ذلك نظرًا لنجاحها، أمَّا اليومَ فإنَّ الفضاء الإلكترونيِّ ومواقع التواصل صارت أرضًا خِصبةً لطوفان الدِّعاية السوداء، يمثِّلُ بعض الكتَّاب للدعاية السوداء بـ (بروتوكولات حُكَماء صهيون)؛ منشورٌ غيرُ رسميٍّ، ومثيرٌ للجَدَلِ حول حقيقته ومصدره، لكِنَّ المؤكَّدَ أنَّه (والموادَّ الإعلاميَّةَ المشابِهةَ عن الماسونيَّةِ) زرعت في قلوب الكثيرين خوفًا مُفرِطًا من النفوذِ الصهيوني والماسوني، وأشعرتهم أنَّ دسائِسَ الصهاينة تَبيتُ معهم في فرشِهم! وزرعت الشَّكَّ بين الأفراد والمؤسَّسات، وهو مكسَبٌ لصالح الصهيونيَّة والماسونيَّة، بغَضِّ النظر عن المصدر الفِعليِّ للمنشور ونواياه..
في حينِ أنَّ الله سبحانه وتعالى أخبَرَنا ووعَدَنا، وهو أصدق القائلين: (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)، أخبرنا بخُبثِهم وفسادِهم، وأنَّه لا يحِبُّ مَن هذه صفتُه، ووعَدَنا أنَّه يَكبِتُ مَكرَهم وكَيدَهم، ويُطفِئُ نيرانَ الفِتنِ والحروبِ التي يُشعلونَها: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) إنَّما المُخوِّفُ لكم الشَّيطانُ، يُرهِبُكم بأنصارِه وأعوانِه؛ فلا تجبُنوا عنهم، فإنَّهم لا حولَ لهم ولا قوَّةَ، وخافُوا اللهَ وحده بالتزامِ طاعتِه، إن كنتُم مؤمنينَ به حقًّا. (المختصر في التفسير).
والسُّؤالُ: أيُّهما أكثرُ اتزانًا، وأقدَرُ على العمَلِ الإيجابيِّ القاهِرِ للنَّوايا المعاديَةِ لأهلِ الحقِّ والخيرِ؛ الذي يعملُ تحت تأثير الآياتِ الكريمةِ، أم الذي يعمل تحت تأثير البروتوكولات المنشورة؟
الرُّوحُ المعنويَّةُ في الأزَماتِ: لَمَّا انتهى خبَرُ غَدرِ بني قُريظةَ أثناءَ غزوةِ الأحزابِ إلى رسول الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- وإلى المسلمين، بادر إلى التحقُّق منه، فبعث نفرًا من الصَّحابةِ، وقال: ((انطَلِقوا حتى تنظُروا أحَقٌّ ما بلَغَنا عن هؤلاء القومِ أم لا؟ فإنْ كان حقًّا فالحنُوا لي لحنًا أعرِفُه (أي: استعمِلوا الرُّموزَ في الكلامِ، ولا تصَرِّحوا)، ولا تفتُّوا في أعضادِ النَّاسِ (أي: لا تتسَبَّبوا في إحباطِهم وإضعافِ عزائمِهم)، وإن كانوا على الوفاءِ فاجهَروا به للنَّاسِ)) رجَعوا بخبر الغَدْرِ، ومع محاولة إخفائِه إلَّا أنه ظهر للنَّاسِ؛ فاشتدَّ خَوفُهم، أمَّا رسولُ الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فتقَنَّع بثوبه، فاضطجعَ ومكَث طويلًا، حتى اشتَدَّ على النَّاسِ البلاءُ، ثم غلبَتْه رُوحُ الأملِ، فنهض يقولُ: ((اللهُ أكبَرُ، أبشِروا -يا معشَرَ المسلِمينَ- بفَتحِ اللهِ ونَصْرِه!)). (الرحيق المختوم).
يعتقدُ بعضُ ناشري رسائلِ المؤامرة أنَّهم يَفضَحونَ الأعداءَ والمجرِمين، وقد فاتهم أمرانِ: الأول: التثبُّتُ من محتوى الرسالةِ كي لا يتَّهموا إخوانَهم المختصِّين والمسؤولين في بلدانِهم، وهو أمٌر متوقَّعٌ إذا بالغ المرءُ في تصديق فكرة المؤامرة، وتزدادُ أهميَّة التثَبُّت إذا كان مصدرُ فكرة المؤامرة وناشِرُها لم تثبُتْ مصداقيَّتُهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات ٦).
يا أيُّها الذين صدَّقوا اللهَ ورسولَه وعَمِلوا بشَرعِه، إن جاءكم فاسقٌ بخبرٍ فتثبَّتوا مِن خبرِه قبل تصديقِه ونَقْلِه؛ حتى تعرِفوا صِحَّته؛ خشيَة أن تصيبوا قومًا بُرآءَ بجنايةٍ منكم، فتَندَموا على ذلك (التفسير الميسر).
الثاني: التأكُّدُ من فائدة نشرها لعموم الناسِ فقد يكون ضررُ النشر أكبرَ، والأَولى هو مدارسةُ الأمر مع أهل الرأيِ والحَلِّ والعَقدِ (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) أي: يُبَيِّنُ ما بَدَّلوه وحَرَّفوه وأَوَّلوه، وافْتَرَوا على اللهِ فيه، ويَسكُتُ عن كَثيرٍ مِمَّا غَيَّروه، ولا فائِدةَ في بيانِه. (تفسير ابن كثير).
فإذا كان النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- سكت عن فَضْحِ أهل الكتابِ في بعض ما حرَّفوه؛ لعدم الفائدة في بيانه، فما بالُك إذا كانت فضيحةُ المؤامرة الوبائيَّة لا دليلَ عليها، ونَشرُها يَزيدُ من الخوف والهَلَع في صفوف المجتمع المسلم؟!
فِكرةُ المؤامرةِ والإحباطُ: المتأثِّرون نفسيًّا وفِكريًّا بفكرة المؤامرة يقعون فريسةً للشُّعور بالعَجزِ، أو الاندفاع والمجازفة، وهما وجهانِ لعُملةِ الإحباط؛ الشُّعورُ بالعجز؛ لأنَّهم يرون كلَّ ما حولهم تحت تدبير خصومِهم، ولا طائِلَ من المقاومة، فيَحبِسون أنفُسَهم في قفصِ الاستكانة لدور الضحيَّة، وترى عَجزَهم عند انتشار الوباء عن تقديم النصائح العَمَليَّة والمشاركة الإيجابيَّة، وبالمقابل قد يظهر الإحباطُ في شكلٍ فِكريٍّ أو عاطفيٍّ مندفع، فيميلون لازدراء الجهود الميدانيَّة والتوجيهاتِ والفتاوى الشرعيَّة التي تتعاملُ مع الوباء، بل قد يصِلُ بهم الأمر لإصدار أحكامٍ خطيرة -كالنِّفاقِ، والعمالةِ- على مخالفيهم، وإذا كانوا يعتقدون أنَّهم أكثَرُ فِطنةً وحَصافةً، فالاحتمال الآخَرُ أنَّهم ساروا (وهم لا يشعرون) على طريقةِ "المذيعين" للأمنِ والخوفِ دون مدارسة المختصِّين، ومشاورةِ أهل الحَلِّ والعقدِ (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) (النساء ٨٣).
وإذا جاء هؤلاء الذين لم يستقِرَّ الإيمانُ في قلوبهم أمْرٌ يجبُ كتمانُه متعلقًا بالأمن الذي يعود خيرُه على الإسلام والمسلمين، أو بالخوفِ الذي يُلقي في قلوبهم عدمَ الاطمئنانِ؛ أفشَوْه وأذاعوا به في النَّاسِ، ولو ردَّ هؤلاء ما جاءهم إلى رسولِ الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، وإلى أهل العلمِ والِفقهِ، لَعَلِمَ حقيقةَ معناه أهلُ الاستنباط منهم، ولولا أنْ تفضَّلَ اللهُ عليكم ورَحِمَكم لاتَّبعْتُم الشيطانَ ووساوِسَه إلَّا قليلًا منكم. (التفسير الميسَّر).
مُلَخَّص أضرار تبنِّي فكرة المؤامرة في الأوبئة بدون دليلٍ، والتعويلِ عليها باستمرار: ضعفُ توحيد الربوبيَّة في القلبِ، بنسبة الأحداثِ الكِبارِ للبشَرِ، والاعتقادِ بنفاذِ مَشيئتِهم. إهمالُ الأسباب المشروعة للوقايةِ، كاللِّقاحاتِ. التشكيكُ في المسؤولين. احتقارُ الفتاوى الفقهيَّة إذا لم تنسجِمْ مع فكرة المؤامرةِ. استدامةُ القلق النَّفسيِّ والإحباطِ، ونَشرُه في النَّاسِ. العجزُ عن العمل الإيجابيِّ، وتراجُعُ الإنتاجيَّةِ.
الطُّمَأنينةُ الفعَّالةُ: قيل: انتَشَر الوباءُ! قال: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.. (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) ولنختَبِرَنَّكم بشيءٍ يسيرٍ من الخوفِ، ومِنَ الجُوعِ، وبنَقصٍ مِن الأموالِ بتعَسُّرِ الحُصولِ عليها، أو ذَهابِها، ومِنَ الأنفُسِ: بالموتِ، أو الشَّهادةِ في سبيل الله، وبنَقصٍ من ثمراتِ النَّخيلِ والأعنابِ والحُبوبِ، بقلَّةِ ناتجها، أو فَسادِها.
وبشِّر -أيُّها النبيُّ- الصابرين على هذا وأمثالِه بما يُفرِحُهم ويَسُرُّهم من حُسنِ العاقبةِ في الدُّنيا والآخرةِ.
(الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) من صفةِ هؤلاء الصَّابرين أنَّهم إذا أصابهم شيءٌ يكرهونه قالوا: إنَّا عبيدٌ مملوكون لله، مُدَبَّرون بأمرِه وتصريفِه، يفعَلُ بنا ما يشاء، وإنَّا إليه راجعون بالموت، ثمَّ بالبعثِ للحِسابِ والجزاء.
(أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) أولئك الصَّابرون لهم ثناءٌ من رَبِّهم، ورحمةٌ عظيمةٌ منه سبحانه، وأولئك هم المهتَدُونَ إلى الرَّشادِ. (التفسير الميسَّر).
قيل: قد يكونُ الأمرُ مُصطَنعًا أو حقيقيًّا، خفيفًا أو شديدًا، تأثيرُه على الصِّحَّة فقط، أو يتأثَّرُ الاقتصادُ كذلك! قال: اسألوا أهلَ الاختصاصِ ممَّن نثِقُ برأيهم، وسيروا على توجيهاتِهم متوكِّلين على الله، واثقين به، لا تنفَرِدوا عن رأي الجماعة، التفِتوا للضعفاءِ، بَشِّروا ولا تُنَفِّروا، أكثِروا الاستغفارَ، واصْدُقوا التَّوبةَ..
(فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ * وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ).
هذا شروعٌ في بيانِ صفاتِ الكمال في المسلِمِ، التي يستوجِبُ بها نعيمَ الآخرة ضِمنَ التعريض بزينة الحياةِ الدُّنيا الفانيَة، فقال تعالى (فَمَا أُوتِيتُمْ) -أيُّها النَّاسُ؛ مِن مؤمنٍ وكافرٍ- من شيءٍ في هذه الحياة الدنيا؛ من لذيذِ الطعامِ والشَّرابِ، وجميلِ اللِّباسِ، وفاخِرِ المساكنِ، وأجمل المناكِحِ، وأفرَهِ المراكِبِ؛ كُلُّ ذلك متاعُ الحياة الدنيا يزولُ ويفنى، أمَّا ما عند الله -أي: ما أعدَّه الله لأوليائه في الدَّارِ الآخرةِ- فهو خيرٌ وأبقى، ولكِنْ لِمن أعَدَّه؟ والجوابُ: للَّذين آمنوا -أي: بالله، وآياته، ولقائِه، ورسولِه، وبكلِّ ما جاء به-، والذين على رَبِّهم -لا على سِواه- يتوكَّلون؛ ثقةً في كفايتِه، واعتمادًا عليه، والذين يجتَنِبون -أي: يترُكونَ- كبائرَ الإثمِ -كالشِّركِ، والقتلِ، والظُّلم، وشُربِ الخَمرِ، وأكلِ الحرامِ-، والفواحِشَ، كالزِّنا واللِّواط.والذين إذا غَضِبوا يتجاوزون عمَّن أغضبَهم، ويغفِرونَ له زَلَّتَه أو إساءتَه إليهم، والذين استجابوا لرَبِّهم عندما ناداهم ودعاهم لكُلِّ ما طلبه منهم، والذين أقاموا الصَّلاةَ فأدَّوها على وجهِها المطلوبِ لها من خشوعٍ مُراعينَ شرائِطَها وأركانَها وواجباتِها وسُنَنَها وآدابَها، والذين أمرُهم شُورى بينهم، أي: أمرُهم الذي يُهِمُّهم في حياتِهم أفرادًا وجماعاتٍ وأممًا وشُعوبًا يجتَمِعونَ عليه، ويتشاورون فيه، ويأخُذونَ بما يُلهِمُهم ربُّهم بوجهِ الصوابِ فيه.
والذين ممَّا رزقهم اللهُ -من مالٍ، وعلمٍ، وجاهٍ، وصِحَّةِ بدنٍ- ينفِقونَ؛ شُكرًا للهِ على ما رزقَهم، واستزادةً للثوابِ يومَ الحِسابِ.
والذين إذا أصابهم البَغيُ، أي: إذا بَغى عليهم البُغاةُ الظَّلَمةُ مِن الكافرين، ينتصِرونَ لأنفُسِهم؛ إعذارًا لها وإكرامًا؛ لأنَّها أنفُسٌ اللهُ وَلِيُّها، فالعزَّةُ واجبةٌ لها.
هذه عَشرُ صفاتٍ متى اتَّصَف بها العبدُ لا يَضُرُّه شيءٌ لو عاش الدَّهرَ كُلَّه فقيرًا نقيًّا، محرومًا من لذيذ الطَّعامِ والشَّرابِ، ومن جميلِ اللِّباسِ والسَّكَنِ والمركَبِ؛ إذ ما عندَ الله تعالى له خيرٌ وأبقى، مع العِلمِ أنَّ أهلَ تلك الصفاتِ سوف لا يحرَمونَ من طيباتِ الحياةِ الدُّنيا؛ هم أَولى بها من غيرِهم، إلَّا أنَّها ليست شيئًا يُذكَرُ إلى جانب ما عندَ الله يومَ يَلقَونَه ويعيشونَ في جِوارِه. (أيسر التفاسير).
قيل: لو كان مؤامرةً وكيدًا للإضرارِ بنا! قال: مشيئةُ الله فوق مشيئتِهم، لن يصيبَنا إلَّا ما كتب اللُه لنا، إن تحقَّق ما أرادوه فقد أذِنَ الله به؛ استدراجًا لهم، وتطهيرًا لنا، وإنْ حَفِظَنا الله ونجَّانا فذلك فَضْلُه ورحمتُه، وفي كلِّ الأحوال سينقلِبُ كَيدُهم عليهم حسرةً وندامةً (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (التوبة: ٥١).
قُلْ -أيُّها النَّبيُّ- لهؤلاء المتخاذِلينَ؛ زجرًا لهم وتوبيخًا: لن يصيبَنا إلَّا ما قدَّره اللهُ علينا، وكَتَبه في اللَّوحِ المحفوظ، هو ناصِرُنا على أعدائنا، وعلى الله وَحْدَه فليعتَمِدِ المؤمِنونَ به. (التفسير الميسر).
(وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران: ١٦٦).
وما حَدَث لكم من القَتْلِ والجِراح والهزيمةِ يومَ أُحُدٍ حين التقى جمعُكم وجَمْعُ المشركين، فهو بإذنِ الله وقَدَرِه؛ لحكمةٍ بالغةٍ؛ حتى يظهر المؤمنون الصَّادقون. (المختصر في التفسير).
(وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) (آل عمران ١٧٨)، أي: ولا يَظُنَّ الذين كفَروا برَبِّهم ونابَذوا ديَنه، وحارَبوا رسولَه أنَّ تَرْكَنا إيَّاهم في هذه الدُّنيا، وعدمَ استئصالِنا لهم، وإملاءَنا لهم: خيرٌ لأنفُسِهم، ومحبَّةٌ مِنَّا لهم، كلَّا! ليس الأمرُ كما زعموا، وإنَّما ذلك لشَرٍّ يريدُه اللهُ بهم، وزيادة عذاب وعقوبة إلى عذابهم؛ ولهذا قال: (إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) فاللهُ تعالى يُمْلي للظَّالم؛ حتى يزدادَ طغيانُه، ويترادَفَ كُفرانُه، حتى إذا أخذه أخذه أخْذَ عزيزٍ مُقتدِرٍ؛ فلْيحذَرِ الظَّالمونَ من الإمهالِ، ولا يظُنُّوا أن يَفُوتوا الكبيرَ المتعال. (تفسير السعدي).
(وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) إخبارٌ منه تعالى بحقيقةٍ يجهَلُها النَّاسُ، وهي: أنَّ عاقبةَ المكرِ السَّيِّئ تعودُ على الماكرينَ بأسْوأِ العقابِ وأشَدِّ العذابِ. (أيسر التفاسير).
قيل: زال الوباءُ! قال: الحمدُ لله الذي بنعمتِه تَتِمُّ الصَّالحاتُ، من اعترف بالفَضلِ لله وشَكَره بلسانِه وجوارحِه بالأعمالِ الصَّالحةِ؛ فإنَّ نِعمةَ الله عليه بالتوفيقِ للشُّكرِ أعظَمُ من نعمة سلامتِه من الوباء، ومَن نَسَب الفَضلَ لنَفسِه وجُهدِه وارتكَسَ في الذُّنوبِ والمعاصي، فمصيبتُه أعظَمُ من مصيبة الوباءِ! (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا) (النساء: ١٤٧)، لا حاجةَ لله في تعذيبِكم إن شكرْتُم له وآمنُتم به؛ فهو تعالى البَرُّ الرحيمُ، وإنَّما يعَذِّبُكم بذنوبِكم، فإن أصلحتُم العمَلَ، وشَكرتُموه على نِعَمِه، وآمنْتُم به ظاهرًا وباطنًا؛ فلن يُعَذِّبَكم، وكان اللهُ شاكرًا لمن اعترف بنِعَمِه، فيُجزِلُ لهم الثَّوابَ عليها، عليمًا بإيمانِ خَلْقِه، وسيُجازي كلًّا بعَمَلِه. (المختصر في التفسير).
(فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (يونس: ٢٣)، فلمَّا استجاب دُعاءَهم، وأنقذهم من تلك المحنةِ؛ إذا هم يُفسِدونَ في الأرضِ بارتكابِ الكُفرِ والمعاصي والآثامِ؛ أفيقُوا -أيُّها النَّاسُ- إنَّما عاقبةُ بَغْيِكم السَّيئةُ على أنفُسِكم، فاللهُ لا يَضُرُّه بَغْيُكُم، تتمتَّعونَ به في الحياةِ الدُّنيا، وهي فانيةٌ، ثمَّ إلينا رجوعُكم يومَ القيامةِ، فنُخبِرُكم بما كنتم تعمَلونَ من المعاصي، ونجازيكم عليها. (المختصر في التفسير).
قيل: ما الدَّرسُ الذي سنُعَلِّمُه لأولادِنا وتلاميذِنا؟ قال: قال النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- لابنِ عبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: ((احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْك، احْفَظِ اللهَ تَجِدهُ تُجَاهَك، إذا سَأَلْتَ فاسأَلِ اللهَ، وإذا استَعنْتَ فاستَعِنْ باللهِ، واعلَمْ أنَّ الأُمَّةَ لو اجتَمعَتْ على أن يَنْفَعوك بشَيءٍ لم ينْفَعوك إلَّا بشَيءٍ قد كتَبه اللهُ لك، ولو اجتَمَعوا على أن يَضُرُّوك بشَيءٍ لم يضُرُّوك إلَّا بشَيءٍ قد كتَبَه اللهُ عليك، رُفِعَتِ الأَقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفُ)).
وقال -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: ((المؤمِنُ القويُّ خيرٌ وأحَبُّ إلى اللهِ من المؤمِنِ الضَّعيفِ، وفي كُلِّ خيرٌ، احرِصْ على ما ينفَعُك، واستعِنْ باللهِ ولا تَعجِزْ، وإن أصابك شيءٌ فلا تقُلْ: لو أنِّي فعلْتُ كان كذا وكذا، ولكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وما شاء فَعَل؛ فإنَّ لو تفتَحُ عَمَلَ الشَّيطانِ)).
اللَّهُمَّ اهدِنا وسَدِّدنا، وعافِنا واعْفُ عنَّا، وآخِرُ دَعوانا أنِ الحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ.
المصدر: https://dorar.net/article/2038/%D9%87%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%A1-%D9%85%D8%A4%D8%A7%D9%85%D8%B1%D8%A9%D8%9F |
|