أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الحَرَمُ المَكِّيُّ ومُضاعَفةُ الأجرِ فـيه الخميس 25 فبراير 2021, 9:53 pm | |
| وأجيبَ عن هذا القَولِ بأجوبةٍ؛ منها: 1 – لا مانِعَ من إبقاءِ الحديثِ على عُمومِه، فتكونُ صلاةُ النافلةِ في بيتٍ بالمدينةِ أو مكَّةَ تضاعَفُ على صلاتِها في البيتِ بغيرِهما، وكذا في المسجِدَينِ. 2 – أنَّ الصَّلاةَ في البيوتِ تَعظُمُ ولا تضاعَفُ؛ لعَدَمِ وجودِ نَصٍّ يفيدُ ذلك.
وجملةُ القَولِ: أنَّ صلاةَ الفريضةِ والنافلةِ تضاعَفُ في المسجِدِ الحرامِ، وعليه إطلاقُ الأحاديثِ الصحيحةِ، كما أنَّ صلاةَ النافلةِ في البيتِ خيرٌ مِن صلاتِها في المسجِدِ، وحتى ولو كان المسجِدُ من المساجِدِ الثلاثةِ الفاضلةِ. (انظر نيل الأوطار 3/73).
مُضاعَفةُ الصَّلاةِ في الحَرَمِ المكِّيِّ: اختلف العُلَماءُ في المُرادِ بالمسجِدِ الحرامِ الذي تضاعَفُ فيه الصلاةُ؛ على أقوالٍ: القولُ الأوَّلُ: أنَّ المسجِدَ الحرامَ يرادُ به الكعبةُ: واستدلُّوا بقَولِه تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (البقرة: من الآية 144)، والمقصودُ أنَّ الاستقبالَ في هذه الآيةِ للكعبةِ فقط، وأُجيب بأنَّ إطلاقَ لفظِ المسجدِ الحرامِ هنا من بابِ التغليبِ.
واستدلُّوا بقَولِه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: ((صلاةٌ في مسجدي هذا أفضَلُ من ألفِ صلاةٍ فيما سِواه من المساجدِ إلَّا الكعبةَ)). (أخرجه أحمد 2/386، وأخرجه ابن أبي شيبة 2/371).
وأُجيبَ بأنَّ المقصودَ هنا مسجِدُ الكعبةِ، بدلالةِ حديثِ ميمونةَ -رضي الله عنها-، قالت: سمعتُ رسولَ الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يقولُ: ((الصلاةُ فيه أفضَلُ من ألفِ صلاةٍ فيما سِواه إلَّا مَسجِدَ الكعبةِ)). (أخرجه مسلم 1/1014).
واختار هذا القولَ بعضُ المتأخِّرين من الشَّافعيَّةِ. (أعلام الساجد ص 121).
القولُ الثَّاني: أنَّ المسجِدَ الحرامَ يُرادُ به المسجِدُ حولَ الكعبةِ، وهو قولُ الحنابلةِ. (الفروع 1/600).
ورَجَّحَهُ بعضُ الشَّافعيَّةِ. (المجموع 3/190).
واختاره مِن المتأخِّرين ابنُ عُثَيمين -رحمه الله-. (الفتاوى المكية ص 37).
واستدلَّ أصحابُ هذا القولِ بأدِلَّةٍ؛ منها: 1 – قَولُه تعالى: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (البقرة: من الآية 191).
وقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} (التوبة: من الآية 28).
وقالوا: إنَّ المقصودَ في هاتينِ الآيتينِ مسجِدُ الجماعةِ الذي حولَ الكعبةِ.
2 – قولُه سبحانه وتعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} (الإسراء: من الآية 1).
والنبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أُسرِيَ به من الحِجْرِ عند البيتِ، وقيل: أُسرِيَ به من بيتِ أمِّ هانيءٍ، وهو خارجَ المسجِدِ؛ ولذلك استدَلَّ به مَنْ يَرَى أنَّ المُضاعفةَ تشمَلُ جميعَ الحَرَمِ.
ومسألةُ مِن أين أُسرِيَ بالرَّسولِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- مسألةٌ خلافيَّةٌ.
ولكِنَّ الثَّابِتَ في البخاريِّ عن أنَسِ بنِ مالكِ بنِ صَعصعةَ -رَضِيَ الله عنه- أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- حَدَّثهم عن ليلةِ أُسرِيَ به، قال: ((بينما أنا في الحَطِيمِ -ورُبَّما قال: في الحِجْرِ..)) الحديث... (أخرجه البخاري 7/201).
3 – ما رواه مسلمٌ عن ميمونةَ -رضي الله عنها- قالت: ((مَنْ صلَّى في مسجِدِ رَسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فإنِّي سمعتُ رَسولَ الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يقولُ: الصَّلاةُ فيه أفضَلُ من ألفِ صلاةٍ فيما سواه إلَّا مسجِدَ الكعبةِ)) (سبق تخريجه).
ومفهومُ الحديثِ: أنَّ المُضاعفةَ مختصَّةٌ بمسجِدِ الكعبةِ.
4 – أنَّ الرِّحَالَ لا تُشَدُّ إلَّا إلى ثلاثةِ مساجِدَ، كما جاء في حديثِ أبي هُرَيرةَ -رَضِيَ اللهُ عنه-، أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قال: ((لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلَّا إلى ثلاثِة مساجِدَ: مسجدي هذا، ومَسجِدُ الحرامِ، ومَسجِدُ الأقصى)). (أخرجه البخاري 3/63، ومسلم 1/1014).
ومعلومٌ أنَّنا لو شَدَدْنا الرِّحالَ إلى مسجِدٍ مِن مساجِدِ مَكَّةَ غيرِ المسجِدِ الحرامِ، لم يكُنْ هذا مشروعًا، بل كان منهيًّا عنه، فما يُشَدُّ الرَّحلُ إليه هو الذي فيه المضاعفةُ. (انظر الفتاوى المكية لابن عثيمين ص 31).
5 – ما تقرَّر من أنَّ الجُنُبَ لا يجوزُ له اللُّبثُ في المسجدِ الحرامِ كبقيَّةِ المساجدِ، ومع ذلك يجوزُ له اللُّبثُ في بقيَّةِ الحَرَمِ؛ ممَّا يدُلُّ على أنَّ المقصودَ بالمسجِدِ الحرامِ مَسجِدُ الجماعةِ لا كُلُّ الحَرَمِ.
القَولُ الثالثُ: أنَّ المسجِدَ الحرامَ يُطلَقُ على الحَرَمِ كُلِّه، وهو قولُ الأحنافِ. (بدائع الصنائع 2/301)، والمالكيَّةِ (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 3/1275)، والشافعيَّةِ (مغني المحتاج 6/67)، ورجَّحه ابنُ تيميَّةَ (الفتاوى 22/207)، وابن القيم (زاد المعاد 3/303)، وابن باز (مجموع فتاوى ومقالات 17/198).
واستدلُّوا بأدِلَّةٍ؛ منها: 1 – قَولُه تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} (التوبة: من الآية 28).
فهذه الآيةُ تدُلُّ على أنَّ المقصودَ بالمسجِدِ الحرامِ هو الحَرَمُ كُلُّه، وليس المسجِدَ فقط، قال ابنُ حَزمٍ: بلا خِلافٍ. (المحلى 4/243).
ونوقِشَ هذا الاستدلالُ بأنَّ اللهَ تعالى قال: {فَلا يَقْرَبُوا} ولم يقُلْ: فلا يدخُلوا، فالمُشرِكُ عندما يأتي إلى حُدودِ الحَرَمِ فإنَّه يُصبِحُ قريبًا من المسجِدِ مما يدُلُّ على أنَّ المقصودَ بالمسجدِ الحرامِ في هذه الآيةِ عينُ المسجِدِ، ويُجَابُ عن ذلك بأنَّه ليس من المسلَّمِ أنَّ مقصودَه: فلا يَقْرَبوا المسجِدَ الحرامَ، أي: عَينَ المسجِدِ؛ لأنَّه قُرْبَ الكافِرِ من الحَرَم لا يلزَمُ منه قُربُه من ذات المسجِدِ، وخاصةً في العهدِ القديمِ وانعدامِ الوسائِلِ الحديثةِ، فبعضُ حُدود الحَرَم تبعدُ عن المسجِدِ أكثَرَ من واحد وعشرين كيلو؛ ممَّا يدُلُّ على أنَّ القُربَ من الحَرَمِ لا يلزمُ منه القربُ من عينِ المسجِدِ الذي هو مكانٌ للطَّوافِ.
2 – قولُه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (الحج: 25).
والمقصودُ بالمسجِدِ الحرامِ هنا الحَرَمُ كُلُّه، ونوقِشَ هذا الاستدلالُ بأنَّ المُرادَ بالمسجِدِ الحرامِ في هذه الآيةِ هو المسجِدُ حولَ الكعبةِ، وهو ظاهِرُ القرآنِ، وقال به النووي. (تهذيب الأسماء واللغات 9/250)، وابن القيم (أحكام أهل الذمة 1/189).
وثبت أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، كما سيأتي... أنَّه كان يُصَلِّي في الحَرَمِ، فعُلِمَ من ذلك أنَّ رَسولَ الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- لم يكُنْ صُدَّ عن الحَرَمِ.
3 – أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- عندما كان في صُلحِ الحُدَيبيةِ -(أخرجه أحمد مطولًا 4/323)- كان يصَلِّي في الحَرَمِ، مع أنَّ إقامتَه في الحُدَيبيَةِ بالحِلِّ، وذَكَر الشَّافعيُّ أنَّ الحُدَيبيَةَ بَعْضُها في الحِلِّ وبَعْضُها في الحَرَمِ. (الأم 2/341).
وهذا من أصرَحِ الأدِلَّةِ على أنَّ مُضاعفة الصَّلاةِ تتعَلَّقُ بجميعِ الحَرَمِ، وليس مسجِدَ الجماعةِ فقط.
قال ابن القيم -رحمه الله-: "وفي هذا دلالةٌ على أنَّ مُضاعفةَ الصَّلاةِ بمكَّةَ تتعَلَّقُ بجميعِ الحَرَمِ، لا يُخَصُّ بها المسجِدُ الذي هو مكانُ الطَّوافِ". (زاد المعاد 3/303).
ونوقِشَ هذا الاستدلالُ بأنَّ غايةَ ما يدُلُّ عليه الحديثُ فضيلةُ الصلاةِ في الحَرَمِ مقارنةً بالحِلِّ، وهذا لا شَكَّ فيه؛ قال الرحيباني: وهذا لا يستريبُ به عاقِلٌ". (مطالب أولي النهى 2/384).
وأمَّا المضاعفةُ فهي خاصَّةٌ بالمسجِدِ.
وأجيبَ بأنَّ أفضليَّةَ الصَّلاةِ في الحَرَمِ إنَّما كانت بالمضاعَفةِ المتعَلِّقةِ بجميعِ الحَرَمِ، وإلَّا لَمَا كان للحَرَمِ مَزِيَّةٌ في الصَّلاةِ فيه عن باقي الأماكِنِ.
وورد عن ابنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَولُه: الحَرَمُ كُلُّه هو المسجِدُ الحرامُ. (أخرجه الفاكهي 2/106 وفيه مقالٌ).
كما ورد ذلك عن عطاءٍ. (مصنف عبد الرزاق 5/151، وابن أبي شيبة 1/4/392)، ومجاهد (مصنف عبد الرزاق 4/345، وابن أبي شيبة 1/4/392)، وقتادة (تفسير الطبري 3/359).
مُضاعفةُ أعمالِ البِرِّ الأخرى في الحَرَمِ: اختلف العُلَماءُ: هل التضعيفُ خاصٌّ بالصَّلاةِ أم يشمَلُ جميعَ الأعمالِ الصَّالحةِ؛ كالصَّومِ، والصَّدَقةِ، والتسبيحِ؟
على قولين... القولُ الأوَّلُ: أنَّ الأعمالَ الصَّالحةَ لا تُضاعَفُ في الحَرَمِ كالصَّلاةِ، واستدلُّوا بأنَّ الأدِلَّةَ الثابتةَ في التضعيفِ مختَصَّةٌ بالصَّلاةِ فقط، والقَولُ بمضاعفةِ الطَّاعاتِ الأخرى يحتاجُ إلى دليلٍ ثابتٍ.
وهذا هو قَولُ الجُمهورِ.
القولُ الثَّاني: أنَّ الأعمالَ الصَّالحةَ تُضاعَفُ كالصَّلاةِ، وقال به الحسَنُ البَصريُّ، فذكَرَ أنَّ مَنْ صام في الحَرَمِ كُتِب له صومُ مئةِ ألفِ يومٍ، ومَنْ تصَدَّق فيها بدِرهمٍ كتُبِ له مئةُ ألفِ دِرهَمٍ صَدَقةً! (أخبار مكة للفاكهي 2/292).
واستدلَّ أصحابُ هذا القَولِ بما رواه ابنُ ماجَهْ عن ابنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنها- قال: قال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: ((مَنْ أدرك رمضانَ بمكَّةَ فصام وقام منه ما تيسَّرَ له، كَتَب اللهُ له مئةَ ألفِ شَهرِ رمَضانَ فيما سِواه...)). (أخرجه ابنُ ماجه 3117، وفي إسناده عبد الرحيم بن زيد العَمي: متروكُ الحديثِ). قال الألباني في (الضعيفة 2/232): "الحديثُ موضوعٌ".
ونوقِشَ الاستدلالُ بأنَّ الحديثَ لا يَثبُتُ.
واستدَلُّوا ببعضِ الأحاديثِ والآثارِ، ولكِنْ كُلُّها لا ترقى لدَرَجةِ الاحتجاجِ.
وخلاصةُ الكلامِ: أنَّه لم يثبُتْ دليلٌ ينُصُّ على مُضاعفاتِ الطَّاعاتِ في المسجِدِ الحرامِ كمُضاعفةِ الصَّلاةِ، أي: بمئةِ ألفٍ.
ولكِنْ تبقى الأعمالُ الصَّالحةُ في الحَرَمِ لها تعظيمٌ ومَزِيَّةٌ عن غيرِها؛ وذلك لفضيلةِ الحَرَمِ على الحِلِّ. (انظر الفروع 1/600).
وقال ابنُ باز رحمه الله: وبقيَّةُ الأعمالِ الصَّالحةِ تضاعَفُ -أي: في الحَرَمِ- ولكِنْ لم يَرِدْ فيها حَدٌّ محدودٌ، إنَّما جاء الحَدُّ والبيانُ في الصَّلاةِ، أمَّا بقيَّةُ الأعمالِ الصَّالحةِ كالصَّومِ والأذكارِ وقِراءةِ القُرآنِ والصَّدَقاتِ، فلا أعلَمُ فيها نصًّا ثابتًا يدُلُّ على تضعيفٍ محَدَّدٍ. (مجموع فتاوى ومقالات 17/198).
وفي الختامِ: نسألُ اللهَ لنا ولكم التوفيقَ والسدادَ، وصلَّى اللهُ على محمَّدٍ وعلى آلِه وصَحْبِه أجمعين.
المصدر: https://dorar.net/article/335/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%83%D9%8A-%D9%88%D9%85%D8%B6%D8%A7%D8%B9%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AC%D8%B1-%D9%81%D9%8A%D9%87 |
|