منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة سبأ الآيات من 46-50

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة سبأ الآيات من 46-50 Empty
مُساهمةموضوع: سورة سبأ الآيات من 46-50   سورة سبأ الآيات من 46-50 Emptyالأربعاء 30 ديسمبر 2020, 7:29 am

قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (٤٦)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

بعد أنْ أعطاهم الحق سبحانه درساً وعبرة بمَنْ سبقهم من المكذبين يعود ليخاطبهم من جديد، فيقول لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (قُلْ) يعني: لهم (إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ) (سبأ: 46) الوعظ ليس إنشاءَ حكم، إنما هو تذكير بحكم سبق ونسيه الناس، فالواعظ يُبيِّن للناس أموراً يعرفونها ويؤمنون بها من الدين، لكم أَنْستهم الشهوات والغفلة هذه الأمور، فهو مُذكِّر بها، والعِظَة لا تكون إلا من مُحبٍّ لك حريص على مصلحتك.

لذلك فالحق -تبارك و تعالى- يعطينا نموذجاً للوعظ في قصة لقمان حين يعِظ ولده: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يٰبُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ..) (لقمان: 13).

ومعنى (بِوَاحِدَةٍ) (سبأ: 46) يعني: موعظة واحدة فيها كل الآحاد، واستخدم السياق (إِنَّمَآ) (سبأ: 46) الدالة على القصر يعني: لا أعظكم إلا بواحدة، ما هي؟

(أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ) (سبأ: 46) يعني: إياك أنْ تقوم لشهوة نفسك، أو لسيادة تحافظ عليها، إياك أنْ تقوم وأنت تريد الاستعلاء على هذا النبي، إنما يكون قيامك لله، يعني: تتجرد عن هواك، وتتجرَّد عن شهواتك وعن تعصُّبك.

وما دُمْتَ تتودد إليهم أنْ يقوموا لله فلابُدَّ أن لله تعالى مكانة في قلوبهم، وهو سبحانه في بالهم بدليل: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ) (لقمان: 25).

(وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ) (الزخرف: 87).

إذن: كانوا يؤمنون بأن الله تعالى هو خالقهم، وهو خالق السماوات والأرض؛ لأن هذه المسألة من الوضوح بحيث لا ينكرها منكر، مهما بلغ من الكفر والإلحاد..

لماذا؟

لأن مسألة الخَلْق لم يدَّعها أحد لنفسه؛ لأن الدعوى إنما تكون عند وقوع ليس بباطل يمكن أن يكون له رواج، لكن هذه المسألة واضحة، لا لَبْسَ فيها، ومهما بحثوا فلن يجدوا خالقاً لهم وللكون من حولهم إلا الله؛ لذلك يجادلهم بالمنطق في هذه المسألة فيقول: أنتم أمام أمرين: إما إنكم خلقتم هذا الخَلْق، أو أنكم خُلِقْتم من غير خالق.

فالأولى مردودة؛ لأن أحداً لم يَدَّع الخَلْق، والأخرى مردودة؛ لأن أتفه من السماء والأرض، وأتفه من الإنسان لابُدَّ له من صانع يصنعه، فالحذاء الذي تلبسه في قدميك، أليس له صانع؟

إذن: السماء والأرض والإنسان لابُدَّ أن لهم صانعاً على قدر عِظمهم، وكيف ينكرون هذه المسألة وهم يعترفون بعضهم لبعض بأبسط الأمور، ويعرفون صاحبها ويفخرون به، ففلان كان يئد البنات، وفلان كان عنده جفنة طعام يأكل منها كذا وكذا من الضِّيفان، وفلان كان أشجع العرب.. إلخ وكَثُر في شعرهم قولهم: أنا ابن فلان، وأنا ابن فلان.

إذن: مسألة الخَلْق هذه لا يجرؤ أحد منهم على أنْ ينكرها، وما داموا يعترفون لله تعالى بالخَلْق، فعليهم أنْ يقوموا لهذا الإله الذي أقروا له بالخلق، وأنْ يُخلِصوا في قيامهم له، فلا يكون في بالهم أحد سواه، وعندها ثِقُوا تماماً أنكم ستصلون بهذا القيام إلى الحق؛ لأنه لا يُضَبِّبُ الحق في عقول الباحثين فيه إلا هوى النفس، كما قاله سبحانه: (وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ) (المؤمنون: 71).

والقيام المراد هنا لا يشترط فيه الجماعة ولا الجماهيرية؛ لأنه قيام للتفكُّر، فينبغي أنْ يكون (مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ..) (سبأ: 46) مثنى: يعنى: اثنين اثنين، وفرادى: واحداً واحداً.

بحيث يختلي كُلٌّ مع نفسه ليفكر في أمر محمد بواقعية وتجرُّد: كيف كان بينكم، وكيف كانت سيرته وأخلاقه، وهل جرَّبتم عليه كذباً، أو سحراً، أو كهانة؟

وهل سبق له أنْ ادَّعَى ما ليس له؟

هل رأيتم عليه قبل بعثته علامة من علامات الجنون؟

(ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ) (سبأ: 46).

وهذا التفكُّر في حال رسول الله يحتاج إلى موضوعية؛ لذلك اختار أنْ ينفردوا به، إما مثنى مثنى، وإما فرادى، فالإنسان حين يكون بمفرده، فلا يوجد له نظير ينهزم أمامه، ولا نظير يهيجه على غير الحق، فرأيه في هذه الحالة يكون أقرب للصواب.

والمنفرد إنْ تفكَّر وصل إلى الحق؛ لأنه لن يغشَّ نفسه، ولن يخدعها، ولن يستكبر أنْ يعود للحق، إما أن كانوا جماعة فلابُدَّ أن يحاول كل منهم أنْ يثبت حجته، ولو اضطر للكذب وللخداع كما نراهم في مثل هذه المواقف، كُلٌّ يحلف أنه على الحق وغيره على الباطل.

فكأن الحق بهذه الطريقة في التفكير يحمينا ويعصمنا من غوغائية الجماهيرية في الحكم، هذه الغوغائية التي نشاهدها مثلاً في المظاهرات، حيث يهتف كُلٌّ بما يريد، فتختلط الأصوات، وتتداخل الهتافات، فلا تستطيع أنْ تميزها.

لذلك لما تكلم شوقي رحمه الله عن موقعة (اكتيوم) بين كليوباترا وخصومها وقد هُزِمَتْ فيها، إلا أن أبواقهم صوَّرَتْ الهزيمة على أنها نصر، وأخذتْ الجماهير الغوغائية تُردِّد ما يقولون..

فقال شوقي:
اسْمِعِ الشعْبَ دُيُونُ كَيْفَ يُوحُون إليْه مَلأَ الجوَّ هِتَافاً بحياتَىْ قَاتِلَيْه
أَثَّر البهتانُ فيهِ وانطَلى الزُّور عليْه يَا لَهُ من بَبْغاءٍ عقلُه في أُذُنيْه!!

فالحق يُعلِّمنا كيفية التفكُّر مثنى أو فرادى، ويحمينا من الغوغائية.

وهذه المسألة تأخذنا إلى اعتراض المستشرقين على قوله تعالى: (يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ) (الأنبياء: 110).

ووجه اعتراضهم: إذا كان الله تعالى يمتنُّ علينا بعلم ما نكتم، فما الميزة في علم الجهر، وكلنا يعلم الجهر؟

ونقول: الخطاب هنا للجماعة، فالحق سبحانه يعلم ما تكتمون جميعاً وما تعلنون، إنِ اختلطت أصواتكم وتداخلت فهو يعلمها، ويرد كلَّ صوتٍ إلى صاحبه، وعِلْم الجهر المختلط أعظم من علم المكتوم؛ لأن المكتوم يمكن أنْ تكونَ له أمارات تدل عليه، أمّا علم الجهر المختلط، فيصعب أنْ تُميِّز بعضه من بعض.

كذلك إنْ كانوا مثنى مثنى، فالاثنان كما نقول: الرأي والرأي الآخر، ولو انهزم أحدهما أمام الآخر فهزيمته مستورة؛ لذلك دائماً ما نسمع من يقول لخصمه: أريد أن أجلس أنا وأنت على انفراد؟

لأنكما طرفا المسألة ولا يوجد طرف ثالث يُسبِّب لواحد منكما إحراجاً، أو إذلالاً، يتسبب في تغيُّر مسلكك أمامه.

ومعنى: (أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ) (سبأ: 46) ليس القيام الذي يقابله القعود، إنما مَنْ قام بالأمر يعني: فعله وأدَّاه، وإنْ كان قاعداً، ومن ذلك نقول: فلان يقوم بأمر فلان، أو فلان يؤدي وظيفة فلان.

أي: يقوم بها.

ومعنى (مَا بِصَاحِبِكُمْ) (سبأ: 46) يعني: رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (مِّن جِنَّةٍ) (سبأ: 46) جنون؛ لأنهم قالوا على رسول الله أنه مجنون، وعجيب منهم وهم أعرف الناس به، أنْ يصفوه بالجنون، وهم لم يَرواْ عليه علامة من علامات الجنون، ولم يصنع شيئاً مخالفاً لمجتمعه الذي عاش فيه، بل كانوا قبل البعثة يقولون عنه: الصادق الأمين، فكما ظهر كذبهم في قولهم (ساحر)، كذلك ظهر كذبهم في قولهم (مجنون).

ولو خَلاَ الواحد منهم إلى نفسه، ثم تفكَّر في شخص رسول الله لوصل بنفسه إلى الحق، ولو أدار في عقله هذه الاتهامات لوجد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برئ منها، وما دام منفرداً في هذا التفكُّر، فلن يخجل أبداً أنْ يعود إلى الحق؛ لأنه لن ينهزم أمام أحد.

وقد تناول القرآن الكريم كل افتراءاتهم على رسول الله، وأظهر بطلانها، فقال تعالى: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ * وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ) (الحاقة: 40-42).

وقال: (وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) (التكوير: 22).

والحق -سبحانه و تعالى- هنا لم يذكر لنا نتيجة التفكُّر والبحث مثنى وفرادى؛ لأنه معلوم وواضح، إلا أنه قال عنه -صلى الله عليه وسلم-: (إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) (سبأ: 46).

شيء آخر: هل آمن الناس كلهم برسول الله بعد أن سمعوا منه قرآناً مُعْجزاً لنقول: إن القرآن هو المعجزة التي تثبت صِدْق الرسول؟

نقول: لا.

إنما منهم مَنْ لم يؤمن بعد أن سمع القرآن، ومنهم مَنْ آمن قبل نزول القرآن، وبمجرد أنْ قال محمد: إني رسول الله.

وأولهم السيدة خديجة، والصِّدِّيق أبو بكر، فما حيثية إيمانهم برسول الله؟

وما المعجزة التي عرفوا بها صِدْقه؟

حيثيته ومعجزته عند هؤلاء سيرته -صلى الله عليه وسلم- فيهم أولاً، فهي كافية لأنْ يؤمنوا به إنْ قال: أنا رسول الله إليكم.

أما القرآن فهو معجزة وتحدٍّ لمن جحد.

لذلك نرى سيدنا رسول الله يُذكِّر قومه بهذه السيرة بينهم ويتخذها حجة له، فلما بُعِث صعد إلى الصفا، ونادى في القوم، فلما اجتمعوا حوله قال: "أرأيتم لو حدثتكم أن خيلاً وراء هذا الوادي جاءت لتُغير عليكم، أكنتم مُصَدِّقي؟" قالوا: ما جرَّبنا عليك مِنْ كذب، فقال: "أنا رسول الله إليكم" فقالوا لِتَوِّهم: أنت كذاب تباً لك، أَلهذا جمعتنا؟

ورُوِي في إسلام سيدنا عبد الله بن سلام، وكان أحد أحبار اليهود أنه لما اطمأنَّ قلبه للإيمان بعد ما رأى من أوصاف رسول الله التي ذُكِرت في كتبهم، وتأكَّد أنه رسول الله ذهب إليه وقال: يا رسول الله لقد شرح الله صدري للإيمان، وتعلم يا رسول الله أن اليهود قوم بُهْتٌ، فإذا أسلمتُ قالوا فيَّ ما ليس فيَّ، فادْعُهُمْ يا رسول الله، واسألهم عني، وسوف أعلن إسلامي أمامهم بعد أنْ تسمع رأيهم فيَّ، وفعلاً دعاهم سيدنا رسول الله وسألهم: ما تقولون في ابن سلام؟

قالوا: سيدنا وابن سيدنا، وحَبْرنا وابن حَبْرنا، وجمعوا له كل أوصاف المدح، عندها قال ابن سلام: أما وقد قالوا فيَّ ما قالوا: أشهد أنك رسول الله، فقالوا: بل أنت شرُّنا وابن شرِّنا.

فقال: ألم أَقُلْ لك يا رسول الله أنهم قوم بُهْت؟

وتلحظ أن الذين صادموا رسول الله في أول البعثة، والذين اتهموه بالكذب من أهله وأقرب للناس إليه، وعمه هو الذي قال له: تباً لك ألهذا جمعتنا؟

وهنا موطن حكمة وحجة في بعثة سيدنا رسول الله، جعلها الله ليعلم الناس أن مكانة قريش وسيادتها في الجزيرة العربية لم تكن هي التي صنعت رسالة محمد ليسودوا بها العالم، فأعدى أعدائه كانوا من قريش، ولم يجد رسول الله نُصْرة في مكة، إنما كانت نصرته في يثرب.

لذلك سبق أن قلنا: إن الإيمان بمحمد هو الذي خلق العصبية لمحمد، لا أن العصبية لمحمد هي التي خلقتْ الإيمان به -صلى الله عليه وسلم-.

ثم يقول الحق سبحانه: (قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ...).



سورة سبأ الآيات من 46-50 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة سبأ الآيات من 46-50 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة سبأ الآيات من 46-50   سورة سبأ الآيات من 46-50 Emptyالأربعاء 30 ديسمبر 2020, 7:31 am

قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٤٧)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

الأجر: هو الجُعل مقابل عمل، وهذه العبارة قالها كل الرسل، فقد علَّمهم الله أنْ يقول الواحد منهم لقومه: (وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ) (الشعراء: 109) كأنه في طيّ هذا الأسلوب، أنه لو كان هناك تقييم منصف لكنتُ أستحق أجراً على رسالتي ودعوتي؛ لأنني أجلب لكم بالهداية نفعاً كبيرا؛ لأنه ليس صفقة في هذه الدنيا الفانية، إنما نفعاً باقياً في حياة خالدة باقية.

لكن الواقع أنني لا آخذ أجري منكم، إنما آخذه من الله؛ لأن العمل الذي أقوم به أكبر من أنْ تُقوِّموه بثمن، والحق -سبحانه و تعالى- هو الذي يُقوِّم عملي، وأنا واثق أنه سبحانه سيعطيني: (إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ) (سبأ: 47).

ومعنى: (فَهُوَ لَكُمْ) (سبأ: 47) يعني: إنْ كنتُ أخذتُ منكم أجراً، فسوف أعمل لكم بهذا الأجر، أو سيعود جزاؤه عليكم.

وسبق أنْ قلنا: إن كل الرسل قالوا هذه العبارة إلا رسولين اثنين لم تَأْتِ هذه العبارة في سياق كَلامهما، هما: سيدنا إبراهيم، وسيدنا موسى عليهما السلام، مما يدل على أن هذه المسألة مبنية بحكمة كبيرة عالية، فلماذا إبراهيم وموسى بالذات من بين كل الرسل؟

قالوا: لأن سيدنا إبراهيم عليه السلام أول ما واجه المخالفين واجههم في عمه، فلما صادمه عمه، ورفض دعوته اعتزله، واكتفى بأن يدعو له، وليس من المعقول أنْ ينتظر أجراً من عمه؛ لذلك لم تأْتِ في كلامه مسألة الأجر هذه.

كذلك موسى -عليه السلام- كانت أول دعوته لفرعون، الذي قال له: (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) (الشعراء: 18) يعني: إنْ كان يستحق أجراً على دعوته لفرعون، فسوف يستحي أن يطلب منه الأجر، وقد تربَّى في بيته، وفي رعايته.

وكلمة (قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ) (سبأ: 47) تحتمل معنيين: أنني أخذتُ أجراً وأعطيته لكم، أو أنا من الأصل لم أسألكم أجراً، ثم تختم الآية بقوله تعالى: (وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (سبأ: 47) يعني شاهد علينا جميعاً، ويعلم ما قاسيته في سبيل دعوتكم إلى الحق، ويعلم ما فعلتموه معي من عناد وتعنُّت، وهو سبحانه سيُغلى أجري على قدر معاناتي وما تحملتُه في سبيل هدايتكم، والأخذ بأيديكم إلى ساحته.

وإذا كان الإنسان إنْ عمل عملاً لابُدَّ أنْ يكون له حَظٌّ منه ومَغْنم ومنفعة، فرسول الله لم يسألكم حتى الأجر على العمل، فبأيِّ شيء تتهمونه بعد ذلك؟

بعد ذلك أراد الحق سبحانه أنْ يُوضِّح لنا أمراً يتعلق بالحق الذي جاء به رسول الله، فالكفار كانوا يعترضون على شخص رسول الله، بدليل قولهم: (أَءُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا..) (ص: 8)، وقالوا: (لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (الزخرف: 31).

فهم يعترفون بالقرآن ويعلمون أنه ذِكْر، وأنه لا غبارَ عليه، المشكلة أنه نزل على هذا الرجل بالذات، ولم ينزل على واحد منهم من عظماء القوم؛ لذلك أراد الحق سبحانه أنْ يقول إن إنزال مناهج الله للأرض لابُدَّ أن تنزل على مصطفًى يصطفيه الله، لا مصطفًى يصطفيه الخَلْق، فلا معنى لقولهم: (لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (الزخرف: 31).

لذلك يردُّ الحق سبحانه عليهم بالحجة: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ) (الزخرف: 32).

وقال سبحانه: (ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) (الأنعام: 124).

ورحمة الله هي ما ينتفع به الناس، إما في الدنيا، وهذه رحمة تشمل المؤمن والكافر، وإما رحمة في الآخرة، وهذه للمؤمن دون الكافر، وهذه الرحمة الأخروية دائمة باقية في نعيم لا يفوتك ولا تفوته، فإذا كنتُ أقسم لكم أرزاقكم ومعيشتكم في الحياة الدنيا، فكيف أَكِلُ إليكم اختيار مَنْ يرحمكم في الآخرة؟

هل أقسم لكم الرحمة الموقوتة.

وأترك لكم الرحمة الباقية؟

ثم ينحو القرآن معهم منحىً آخر بعد أنْ وعظهم وتودَّد إليهم، فيقول سبحانه: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ...).



سورة سبأ الآيات من 46-50 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة سبأ الآيات من 46-50 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة سبأ الآيات من 46-50   سورة سبأ الآيات من 46-50 Emptyالأربعاء 30 ديسمبر 2020, 7:32 am

قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (٤٨) قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (٤٩)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

لك أنْ تلحظ هنا حدة الأسلوب، خلافاً للآيات السابقة التي كانت تعظهم وتتودد إليهم، وكأن الحق سبحانه يقول لهم: لا تظنّوا أننا سنظل نتودد إليكم، أو أنكم الذين ستسيِّرون المراكب، فالدين سيُظهِره الله رغم عنادكم، والحق سيعلو رغم كفركم.

فقال سبحانه: (قُلْ) أي: ردًّا عليهم (إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ) (سبأ: 48) فبعد أنْ أعطاكم الفرصة، وبعد أنْ طال تمردكم، فالآن ربي سيقذف بالحق، كما قال سبحانه في موضع آخر: (بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) (الأنبياء: 18).

والقذف: الرمي بشدة، وهي كلمة تُوحِي بالعنف والقوة، إنْ جاءت من البشر، فما بالك إنْ كان القذف من الله، والمقذوف من الله هو الحق، والحق كما قلنا هو الشيء الثابت الذي لا يتغير.

والقذف لابُدَّ أنْ له غرضاً وغاية، ومَنْ أراد أنْ يقذف شيئاً عليه أنْ يُحدِّد المسافة لقريب أم لبعيد، فإن كان لقريب فقلَّما يخطىء القاذفُ المقذوفَ، وإنْ كان القذف لهدف بعيد فاحتمال الخطأ أكثر، وهكذا كلما بَعُدَتْ المسافة؛ لأن معنى القذف تحديد موضع لتصل القذيفةُ إليه، وتصيب الغايةَ المقصودة منها.

وعندما يكون الموضع قريباً، فالتغيرات التي ستطرأ عليه قليلة؛ لأن زمن وصول القذيفة إليه قصير، على خلاف الهدف إنْ كان بعيداً فهو عُرْضة لأنْ يتغير، فتختلف مثلاً زاويته بسبب الريح، أو الأعاصير أو خلافه؛ لذلك نحتاج في هذه الحالة إلى أجهزة وحسابات دقيقة تحسب بُعْد الهدف وقوة المقذوف، وقوة الريح أي: تتصادم معه وغير ذلك من حسابات السرعة والزمن، كالذي يرمي الطير مثلاً وهو في الهواء، لابُدَّ أنْ يغير نقطة التنشين لتناسب حركةَ واتجاه الطائر.

ولا أَقْدَر على هذه العملية من علاَّم الغيوب سبحانه، الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض؛ لذلك جاء الحق سبحانه بالصفة التي تناسب الدقة في هذه العملية، فقال: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ) (سبأ: 48) فهو سبحانه أولاً يقذف بالحق، وقذيفته سبحانه لا تخطىء هدفاً؛ لأنه تعالى علاَّم الغيوب.

والحق الذي يقذف الله به هو المنهج الذي أنزله من السماء يقذفه لغاية وهي الرسالة، كما قال سبحانه: (ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) (الأنعام: 124).

إذن: القاذف هو الله، والمقذوف الحق، وهو الشيء الثابت الذي لا يتغير، والغاية المقصودة هي وصول الرسالة إلى مَن اختاره الله لها، وهذه العملية لا تخطىء؛ لأن القاذف عالم بكلِّ غيب يؤثر على مسار المقذوف، فالحق لابُدَّ أنْ يصل إلى صاحبه المختار له والمصطفى لحمله، لا إلى سواه.

لذلك هذه الآية تردُّ على هؤلاء الذين يقولون: إن الرسالة أو الوحي أخطأ، فنزل على محمد بدل أنْ ينزل على فلان، فهذا تخبُّط لا سند له.

وكلمة (ٱلْغُيُوبِ) (سبأ: 48) هنا تدل على كثرة المؤثرات التي يمكن أن تعترض القذيفة، فتُحول بينها وبين هدفها، وهذه المؤثرات لا يعلمها إلا الله.

فإنْ قلت: الفعل يقذف جاء في صيغة المضارع الدال على الحال والاستقبال، يعني: أن الحق سبحانه عمله أنه يقذف بالحق إلى الرسل، فهل قذفه إلى رسول الله؟

تأتي الإجابة في قوله تعالى في الآية بعدها: (قُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ..) (سبأ: 49) يعني: قذفه بالفعل في صورة القرآن الذي نزل على محمد الذي اختاره الله للرسالة ولحمل منهجه إلى خَلْقه لينظم به حركة حياتهم، وإذا كان الحق الواضح الثابت قد جاء وظهر، والذي قذفه علام الغيوب، فما موقف الباطل المقابل له؟

لابُدَّ أنه يتراجع، ولا يستطيع الصمود أمام قوة الحق.

(وَمَا يُبْدِىءُ ٱلْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ) (سبأ: 49) فلا يبدىء في الأولى، ولا يعيد في الأخرى، يعنى: كما نقول: لا في العير ولا في النفير (لا يهش ولا ينش)، هذا إذا كان للباطل وجود أو ثبات، إنما الباطل ما هو إلا خيال بعيد في أذهان أصحابه لا وجودَ له.

والحق -سبحانه و تعالى- يعطينا صورة حسِّية للحق والباطل، فيقول سبحانه: (أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا..) (الرعد: 17) يعني: كل وادٍ يحوي من الماء على قدر اتساعه(فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً) (الرعد: 17).

والزَّبَد هو القشّ والفتات الذي يحمله الماء، وهو تافه لا نفعَ فيه، يأتي الهواء فيزيحه هنا وهناك، وتبقى صفحة الماء نقية لينتفع الناس به.

ومعنى رابياً: طافياً على السطح، وفي هذا إشارة إلى أن الباطل لا نفعَ فيه، ولا بقاءَ له مهما علا، وأن وجوده كوجود هذا الغثاء، الذي لا قيمةَ له، ولا فائدة منه.

ثم يقول الحق سبحانه: (قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَآ أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِي...).



سورة سبأ الآيات من 46-50 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة سبأ الآيات من 46-50 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة سبأ الآيات من 46-50   سورة سبأ الآيات من 46-50 Emptyالأربعاء 30 ديسمبر 2020, 7:33 am

قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (٥٠)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

نلحظ أنه -صلى الله عليه وسلم- نسب الضلال إنْ حدث إلى النفس، ولكنه -صلى الله عليه وسلم- نسب الهداية إلى الله وإلى الوحي المنزَّل عليه؛ لأن الله إذا أنزل منهجاً هادياً لإنسان مختار، ومجال الاختيار أنْ تُوجد بدائل يختار العقل منها؛ لأن العقل لا مهمة له في الأمر الواحد الذي ليس له بديل، فمثلاً: تقول أريد أنْ أسافر إلى الفيوم، فلا تجد إلا طريقاً واحداً، فلا عملَ للعقل والاختيار هنا، لكن تقول: أريد أنْ أسافر إلى الإسكندرية، فتجد طريقين: الزراعي وصفته كذا وكذا ومميزاته كذا وكذا، والصحراوي وصفته كذا ومميزاته كذا.

والله تعالى خلق كونه كله مختاراً، إلا في الأمور القضائية القدرية، فقد جعلها الله قهريةً لا اختيارَ للإنسان فيها؛ لأن تدخُّلَه فيها يفسدها.

ولا تظن أنك وحدك مختار في الكون، فكُلُّ ما حولك من السماء والأرض مختار أيضاً، إلا أن السماء والأرض والجبال اختاروا مرة واحدة، ثم سحبوا اختيارهم الكليّ على كل الجزئيات التي تأتي بعد، واقرأ في ذلك قوله تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب: 72).

فالجمادات اختارت من البداية أنْ تكون مقهورة لله عز وجل، وأبَتْ تحمُّل هذه الأمانة، أما الإنسان فتحملها وقال: أستطيع بعقلي أن أختار بين البدائل، وفاته أنه أدرك وقت التحمُّل، ولم يدرك وقت الأداء، وما يطرأ عليه من عوارض وشهوات ووسوسة شيطان.. إلخ؛ لذلك وصفه الحق سبحانه بأنه كان ظلوماً جهولاً، يعني: ظلُوماً لنفسه، جهولاً بالعواقب.

والمنهج الذي وضعه الحق سبحانه منهج عام، وُضع للمؤمن وللكافر، فالله هدى ودلَّ الجميع إلى طريق الخير، وترك الجميع مختاراً، فمنهم مَن اختار شهوات نفسه في الدنيا، ورأى أنْ يتمتع بها، ويحدث ما يحدث بعد ذلك، ومنهم مَنْ تأمل هذا المنهج، فوجده من مُطاع بمعجزة، وهذه المعجزة خرقت نواميس الكون، فهو -إذن- منهج من عليم قادر وإله أعلى، اختار هذا المنهج لصلاح الخَلْق.

والإنسان عموماً يحب الخير لنفسه، لكن يختلف الناس في فهمهم للخير؛ لذلك يقول سبحانه: (وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً) (الإسراء: 11).

ويقول سبحانه: (سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ) (الأنبياء: 37).

وكأن الحق سبحانه يقول للإنسان: لا تعجل في دعائك، وارْضَ بما اختاره لك؛ لأن حكمك وفَهْمك للخير على قَدْر علمك بالخير، لكن أعلم منك به، وأعلم منك باستقبالك لهذا الخير وأثره فيك.

لذلك قلنا: إننا نسمع كثيراً مَنْ يقول: أنا أصلي وأسير على منهج الله، ومع ذلك دعوتُ فلم يُسْتَجب لي، نقول: لأنك دعوتَ بالخير بفهمك أنت للخير، لكن ربك أعلم منك بالخير لك؛ لذلك لم يُجِبْ دعاءك.

وكثيراً أيضاً ما نسمع أمَّا تدعو على ولدها الوحيد في ساعة غضب تقول: (إلهي أشرب نارك، إلهي يجيينى خبرك) بالله، لو أن الله أجاب دعاءها، ماذا كانت تقول في ربها؟

إذن: عدم إجابة الله لك فيما تدعو أحياناً هو عين الخير لك، لأنه يعلم حمق دعائك، وهو رب لا يرضى لك بآثار هذا الحمق؛ لذلك يُعدِّل لك ما أخطأتَ فيه.

أمر آخر في هذه المسألة، فقد يكون الدعاء بخير حقيقي، لكن جاء هذا الدعاء من غير مضطر، إنما جاء كما نقول (بغددة)، والحق -تبارك و تعالى- وعد بإجابة المضطر إذا دعاه، فقال سبحانه: (أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ) (النمل: 62) فلو كنتَ مضطراً لأجابك؛ لأن المضطر استنفد كل الأسباب الموهوبة له من الله، وعجزَتْ قوته، فلجأ إلى الله المسبِّب سبحانه، وأغلبنا يدعو الله عن غير اضطرار.

إذن: حين لا يُجاب دعاؤك، فاعلم أنه دعاء بشرٍّ تظنه أنت خيراً، والخير في ألاَّ يجيبك الله، أو أن دعاءك عن غير اضطرار.

نعود إلى كلامنا عن المنهج الذي وضعه الله لهداية الناس جميعاً، ونقول: الذي آمن بهذا المنهج واهتدى به يعينه الله ويزيده هداية، كما قال سبحانه: (وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) (محمد: 17) والذي انصرف عنه وضلَّ كذلك يزيده الله من الضلال، ويختم على قلبه، بحيث لا يدخله إيمان، ولا يخرج منه كفر، ذلك لأنه تعالى رب يعين عبده على ما أحب، ويزيده مما يريد.

إذن: طالما هناك اختيار في قبول المنهج فلابُدَّ أن توجد هداية، ويوجد ضلال، الهداية تجلب الخير والثواب، والضلال يجلب الشر والعقاب، هنا الحق سبحانه يُوضِّح لنا أن الضلال يُنسب إلى النفس، أما الهداية فتُنسب إلى الله وإلى منهجه، وقد قال سبحانه في موضع آخر: (مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ) (النساء: 79).

وقال سبحانه قبلها: (قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ) (النساء: 78).

لماذا؟

لأنه سبحانه جعل الطريقين ودلَّ الجميع، فإنْ نظرتَ إلى الفعل فالله هو الذي أمدَّك، كما قال سبحانه: (كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) (الإسراء: 20).

فالله أعطاك مثلاً اللسان تنطق به كلمة التوحيد، أو تنطق به كلمة الكفر والعياذ بالله، فاللسان لم يَعْصِك، لا في هذه ولا في تلك، فمَنِ الذي أعطاك حرية الاختيار؟

الله، لذلك قلنا: لم يكفر كافر قهراً عن الله، أما عدم رضائه عنه، فهذا موضوع آخر.

لذلك قلنا: الرجل الذي أعطى لابنه جنيهاً مثلاً -وهو قوة شرائية- وقال له: اذهب إلى السوق واشترِ به ما تريد، لكن يُرضينى أنْ تنفقه في شيء نافع، فالذي أعطاه القوة الشرائية أبوه، والذي ترك له الخيار أبوه، وهو قادر أنْ يحجر عليه ويسلبه هذه القوة، وهذا هو الاختيار.

كذلك الحق -تبار ك و تعالى- يريد أن يذهب الإنسانُ إليه وهو مختار، وهو قادر ألاَّ يذهب، يريد أن يذهب العباد إليه عن حب، وعن رغبة، وعن إيمان، لا عن قهر وجبروت؛ لأنه سبحانه -كما سبق أنْ قُلْنا- يريد قلوباً تخشع، لا قوالب تخضع.

فقوله تعالى: (قُلْ إِن ضَلَلْتُ) (سبأ: 50) يعني: أنا وأنتم سواء في هذه المسألة؛ لأن الضلال نتيجة للسيئات التي تقترفها النفس، فهي سبب الضلال (قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَآ أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِي) (سبأ: 50) أم ا الهداية فمن الله؛ لأنها بسبب منهج الله (وَإِنِ ٱهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي) (سبأ: 50).

لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- متفق وأمته في نسبة الضلال إلى النفس، لكن يختلف عنهم في الهداية (وَإِنِ ٱهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي) (سبأ: 50) فالهداية جاءته -صلى الله عليه وسلم- من الله مباشرة قبل أنْ يبعث له رسولاً بالرسالة، وقبل أنْ ينزل عليه وحتى السماء، أما هداية الأمة فبواسطة الرسول الذي يُبلِّغ منهج الله ويأتي بالمعجزة.

فهداية رسول الله كانت بداية لما اختاره الله رسولاً على هذا الوضع من الهداية، ثم أنزل عليه المنهج لهداية الأمة.

وقوله تعالى: (إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ) (سبأ: 50) سميع أي: يعرف مطلوبي، ويسمع مني كل نَفَس، وهو سبحانه مع سمعه قريب مني لا يبطىء عليّ في الإجابة؛ لأن الفعل من الله تعالى لا يحتاج إلى علاج ومزاولة، إنما الفعل من الله بكُنْ.

ثم يرجع الحق سبحانه إلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- ليُسلِّيه: (وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ...).



سورة سبأ الآيات من 46-50 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة سبأ الآيات من 46-50
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: سبأ-
انتقل الى: