أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: سورة الأحزاب الآيات من 701-73 الأربعاء 09 ديسمبر 2020, 2:34 pm | |
| يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (٧١) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ) ثم يذكر لنا الحق سبحانه نتيجة القول السديد (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب: 71) أي: في الآخرة، ووصف الفوز بأنه عظيم؛ لأنك في الدنيا تأخذ عطاء الله بأسباب الله، أما في الآخرة فتأخذ عطاء الله من ذات الله، وليس هناك أعظم من هذا.
ثم يقول الحق سبحانه: (إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ...).
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 09 ديسمبر 2020, 2:41 pm عدل 1 مرات |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة الأحزاب الآيات من 701-73 الأربعاء 09 ديسمبر 2020, 2:39 pm | |
| إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (٧٢) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
العَرْض: إدارة معروض على معروض عليه، كما نرى مثلاً في العرض العسكري، حيث تمر نماذج من الجيوش والأسلحة أمام القائد، ومنه قوله تعالى في قصة سيدنا سليمان عليه السلام: (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِيِّ ٱلصَّافِنَاتُ ٱلْجِيَادُ) (ص: 31).
ومنه قولك: عرضتُ على فلان الأمر يعني: أطلعتُه عليه، ليرى فيه رأيه يقبل أو لا يقبل، فالعرض تخيير لا إلزامَ فيهِ.
فالحق سبحانه يقول: عرضت الأمانة على خَلْقي كلّ خَلْقي، ومنه الإنسان والحيوان والجماد والنبات لأرى مَنْ منهم سيقبل تحمُّلها، ومَنْ سيرفض، إذن: معنى العَرْض أن هناك مَنْ سيقبل، وهناك مَنْ سيرفض.
لذلك قًلْنا: من الخطأ: أن نقول: إن الأرض والسماء والجبال.. إلخ مُسَيَّرة مقهورة، بل يجب أن نُعدِّل العبارة فنقول هي مقهورة باختيارها؛ لأن الله حين عرض عليهن الأمانة أبينْ أن يحملنها وأشفقْنَ منها، وقالت: نخرج من باب الجمال، فاختارتْ ألاَّ تكون مختارة.
ومعنى الأمانة في عُرْفنا هي المال، أو الأشياء النفيسة التى تخشى عليها الضياع، فتُودعها عند مَنْ تلتمس فيه أنه يحافظ عليها لحين حاجتك لها، وليس لك أنْ تأخذ ممَّنْ ائتمنته صَكاً، ولا أنْ تُحضر شهوداً، وإلا ما أصبحت أمانة، إذن: ليس عليها إثبات إلا أمانة مَنْ أخذها، فإنْ شاء أقرَّ بها وأدَّاها، وإنْ شاء أنكرها.
فالأمانة إيعاد النفس بأن تكون مختارة في الفعل وغيره، فإنْ كانت مقهورة بصَكٍّ، أو بشهادة شهود لم تَعُدْ أمانة.
والأمانة التي عرضها الحق سبحانه على خَلْقه هي أمانة الاختيار في أنْ يكون مختاراً في أنْ يؤمن أو يكفر، في أنْ يطيع أو يعصي، فكل ما عدا الإنسان رفض التحمُّل؛ لأنه لم تأخذه الحمية وقت العَرْض والتحمُّل، مخافة أنْ يأتي وقت الأداء، فلا يجد له ذمة.
وفَرْق بين وقت التحمُّل ووقت الأداء، فمَنْ يلاحظ وقت التحمل فقط يُقدِم عليها ويقبلها، لكن مَنْ يلاحظ مع التحمُّل الأداءَ يرفض، فربما مع حُسْن النية والرغبة في الأداء تتغير الظروف، أو تتغير الذمة، أو يطرأ عليك ما يُحوجك لها، فتمتد إليها يدك، فيأتي وقت الأداء، فلا تستطيع.
كل أجناس الوجود ما عدا الإنسان أبَوْا، أن يحملوا الأمانة واختاروا القهر والتسيير للخالق عز وجل؛ لأن الإنسان كما وصفه ربه (كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب: 72).
كذلك وصل عباد الله الصالحين إلى منزلة العبودية لله حين وجَّهوا اختيارهم حَسْب مراد ربِّهم، فالله أعطاهم الاختيار في الإيمان أو الكفر فآمنوا، وأعطاهم الاختيار في الطاعة وفي المعصية فأطاعوا، فوجَّهوا اختيارهم إلى ما أحبَّ ربهم، فصاروا من عباده المقربين.
فكأنك إذن تنازلتَ عن اختيار نفسك في حرية الحركة، فصِرْتَ كالسماوات والأرض والجبال حين تنازلن عن اختيارهن لاختيار ربها ووصلْتَ -مع أنك مختار- إلى أنْ لا تختار إلا ما وضعه الله لك منهجاً.
هنا يحلو للبعض أنْ يقول: كيف عُرِضَتْ الأمانة على السماوات والأرض والجبال، وهي جمادات، وكيف لها أنْ تأبى؟... إلخ.
نقول: أنت أدخلتَ نفسك في متاهة، وهل كان العرض منك أنت حتى لا تفهمك الجمادات؟
أم كان العرض من ربها وخالقها؟
ساعة ترى فِعْلاً يحدث منك ويحدث من الله، إياك أنْ تعزل الحدث عن فاعله، والله يقول: (أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ) (الملك: 14).
فهو سبحانه خالقها، وهو الذي يخاطبها، ولم تنكر ذلك، وقد علَّم الله بعض رسله مثلاً لغة الطير فعرفها وتفاهم معها، كما قال سبحانه عن نبيه سليمان أنه قال: (عُلِّمْنَا مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ..) (النمل: 16).
وقال: (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا..) (النمل: 19).
وقال عن تسبيح الجبال مع سيدنا داود عليه السلام: (يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ..) (سبأ: 10) فالجبال، نعم تُسبِّح في كل حال، لكن الذي امتاز به سيدنا داود أنْ يوافق تسبيحُه تسبيحَ الملائكة، وكأنهم جميعاً فرقة ينشدون نشيداً واحداً.
إذن: الخالق سبحانه هو الذي يخاطب ما يشاء من خَلْقه، ولو علَّمك أنْ تخاطب الجمادات لخاطبتها، وتأمل مثلاً قصة الهدهد وسيدنا سليمان حين ذهب إلى أهل سبأ، ووجدهم يعبدون الشمس من دون الله، وكيف أنه كان على فقه تام بقضية التوحيد.
فأَرِحْ نفسك وانْسِبْ الفعل إلى فاعله وأنت تستريح، ولك في تصرفات حياتك أُسْوَةٌ، فأنت مثلاً لو دخل عليك ولدك مُمزق الثياب، يسيل منه الدم، قبل أن تسأله عن شيء تسأله: مَنْ فعل بك هذا؟
لابُدَّ أن تحدد الفاعل أولاً، فعليه ستبني حكمك وقرارك، فإنْ كان الفاعل ابن الجيران مثلاً تقيم الدنيا ولا تُقعدها، وإنْ قال لك: عمِّي فلان ضربني تهدأ أعصابك، وتقول للولد: لابُدَّ أنك فعلتَ شيئاً استحق العقاب، ولو ذهبتَ إلى عمه لعرفتَ فعلاً أن الولد ارتكب خطأ، إذن: الفعل الواحد يمكن أنْ يكون سيئاً، ويمكن أن يكون حسناً، المهم مَن الفاعل؟
وآياتُ القرآن يساند بعضها بعضاً، وتسعفنا في هذه المسألة، فالذي قال (إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ..) (الأحزاب: 72) قال(وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ..) (الإسراء: 44).
فكل شيء في الوجود كله مُسبِّح، فدلَّ هذا على أن الموجودات لها دلالة عن ذاتها، وتستطيع أن تبين عما في مرادها، ونعجب من بعض العلماء حين يقول: هذه دلالة حال، لا دلالة مقال، وهذا القول يرده قوله تعالى: (وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ..) (الإسراء: 44).
ونحن نفهم تسبيح الدلالة، ونراه في انسجام جزئيات الكون ونظامه البديع، والحق يقرر أننا لن نفهم هذا التسبيح.
إذن: هو تسبيح مَقال على الحقيقة لا يعرفه إلا مَنْ عرّفه الله.
ولِمَ نستبعد تسبيح الكائنات، ونحن نرى لبعض الطوائف والمهن (شفرات) وإشارات لا يفهمها غيرهم، وفي اللغة الواحدة يمكن أن تسمع كلمات لا تعرف معناها، فضلاً عن اختلاف اللغات بين الجنسيات المختلفة.
فإذا كنتَ لا تعرف بعض المعاني في لغتك، وإذا كنت لا تعرف لغات الآخرين وهم من بني جنسك، فلماذا تنكر أنْ يكون للأجناس الأخرى في الوجود لغات يتعارفون عليها، ويُعبِّرون بها؟
ثم أكُلّ اللغات ووسائل الفهم منطوقة؟
أليستْ هناك مثلاً لغة الإشارة، يتعارف عليها البعض، ويفهم بها؟
ومع ذلك هناك قَدْر مشترك ومنطق في الدلالة يتفق عليه الجميع في كل اللغات ويتفاهمون به، كما يتفاهم الخُرْس مثلاً، كما أن هناك أشياءً تتفق فيها كل الطباع كالضحك والبكاء، فليس هناك ضحك عربي، ولا بكاء فرنسي مثلاً.
ومعنى حَمْل الأمانة أي: القيام بها وتطبيقها، كما جاء في قوله تعالى في معنى الحَمْل: (مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً..) (الجمعة: 5).
فقد حملوها كمنهج وحفظوا ما فيها، لكن لم يحملوها بمعنى: لم يُطبِّقوا هذا المنهج، فصار مثَلهم عند الله كمثل الحمار الذي يحمل الكتب، وهو لا يستفيد مما فيها، وهذا في حَدِّ ذاته ليس ذمّاً للحمار، وليس اتهاماً له بالغباء كما يدَّعي البعض، فالحمار ليس شغله الفهم إنما الحَمل.
فحسب، فمَنْ حمل منهجاً دون أنْ يستفيد به فهو شبه الحمار في هذه المسألة، وهذه خصوصية للحمار - أنه يحمل ما لا يفهم.
والحمار في أمور أخرى يفهم ويؤدي مهمته على الوجه الذي ربما عجز عنه الإنسان، فمن المعروف عن الحمار أنه إذا ذهب إلى مكان فإنه لا ينساه ولا يضل عنه ولو بعد فترة، وربما يضلّ الإنسان طريقه الذي سار فيه منذ فترة، أما الحمار فلو تركتَ له حرية الحركة لذهبَ بك إلى نفس المكان.
إذن: مَنِ الغبي؟
لذلك فالبعض يسأل: إذن لماذا يتهمون الحمار بالغباء؟
قالوا: لأنهم كلَّفوه بما لم يُكلِّفه الله به، فالحمار خُلِق للحمل، وأنت تريده على درجة من الفهم ربما تفقدها في الإنسان العاقل.
وسبق أن قُلْنا: إنك إذا أردتَ من الحمار أنْ يقفز فوق قناة مثلاً أوسع من إمكاناته، فإنه لا يطاوعك أبداً فمهما ضربته لا يُقدِم على القفز، فإنْ كانت في مقدوره نظر إليها وكأنه يُقدِّر اتساعها بالضبط، ثم يقفز دون أنْ تجبره، وهذا التصرف تصرف مَنْ يحسب العواقب جيداً، ويفهم ما يفعل.
إذن: الشيء لا ينفصل عن مهمته، ولا يطلب منه فوق ما هُيِّىء له، ومثَّلنا لذلك بعود الحديد ترى جماله في استقامته، فإن أردته خُطَّافاً مثلاً فجماله وأداؤه لمهمته لا يتم إلا بِعوَجه، وساعتها لا تستطيع أنْ تقول عنه إنه مُعْوج؛ لأن هذا العوج هو عَيْن الاستقامة لمهمته.
لذلك قلنا في قوله تعالى: (إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ) (لقمان: 19) ليس ذماً لصوت الحمار؛ لأن صوت الحمار جعله الله عالياً هكذا؛ لأنه يعيش في بادية، وغالباً ما يستتر خلف مرتفع أو حجر أو شجرة أو يبتعد مسافة طويلة عن صاحبه، فجاء صوته بهذه الهيئة ليدل عليه ويُرشد صاحبه إلى مكانه.
إذن: فالصوت العالي يكون مُنكراً إذا لم يكُنْ له مهمة، وإذا استُعمل في غير موضعه، والشيء قد يكون مختلفاً، لكن مهمته تكون متحدة.
مثلاً، الدم الذي به حياة الإنسان إذا تجلط داخل أوعيته يؤدي إلى شلل العضو، ويحتاج إلى أدوية تعيد له سيولته، وفي المقابل إذا زادت سيولة الدم أدى ذلك إلى نزيف، وإذا حدث جُرْح مثلاً لا يندمل؛ لأن الدم لا يتجلط ولا يسدّ أماكن خروجه، إذن: تجلُّط الدم مطلوب خارج الأوعية، وسيولة الدم مطلوبة داخل الأوعية.
إذن: لكل منهما حكمة في مكانه.
ومعنى: (وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا..) (الأحزاب: 72) أي: خِفْنَ وقت التحمل مخافة أنْ يأتي وقت الأداء فلا يؤدي (وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ..) (الأحزاب: 72) لما عنده من فكر واختيار ومحاولة، لكن قد يأتي فكره بالضرر.
وقلنا: إن الإنسان يأكل مثلاً حتى يشبع، ثم يُعرض عليه الحلو والبارد، فتمتلئ بطنه حتى التخمة وحتى المرض، في حين أن الحمار أو الجاموسة مثلاً لا تأكل عوداً واحداً فوق الشِّبع؛ لأنها محكومة بالغريزة التي لا تعرف التصرف في الأشياء، وميزة الحيوان في هذه الغريزة وفي عدم تصرفه.
لذلك وصف الإنسان هنا بأنه (كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب: 72) وهذه صيغة فَعُول الدالة على المبالغة في الظلم والمبالغة في الجهل.
وقد يُعقل الظلم للغير؛ لأن الظالم يظن أنه يستفيد منه، أمّا أنْ يظلم المرءُ نفسه بأنْ يمنعها خيراً، أو يجلب لها ضُرًّا، فهذا ما لا يُعقل ودليل الغباء.
فحين يتكاسل عن الطاعة لشهوة نفس موقوتة يمنعها خيراً باقياً، ومتعة لا حدودَ لها، فهو عدو لنفسه؛ لذلك قال العلماء: إن نفس الإنسان هي أعدى أعدائه؛ لأن العدو إنْ كان من خارجك تستطيع أنْ تراه، وأنْ تحتاط له، أمّا إنْ كان من داخلك فأمره شاقّ.
وقد بيَّن الحق سبحانه أن أعظم الظلم الشرك بالله، فقال سبحانه: (إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان: 13) وهذا الظلم أيضاً لا يعود ضرره على الله تعالى، إنما يعود على المشرك بالله؛ لذلك وصف الإنسانَ بعد الظلم بأنه جهول؛ لأنه يظلم نفسه، وهذا يدل على الجهل وعدم العلم، والجهول هو الذي يقع في الخطأ ويعدل عن الحق عن جهل، فالوصف هنا يدل على الحكمة الأدائية (إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب: 72).
ثم يقول الحق سبحانه: (لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ...). |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة الأحزاب الآيات من 701-73 الأربعاء 09 ديسمبر 2020, 2:39 pm | |
| لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (٧٣) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
أولاً: يلفت أنظارنا أن الآية السابقة ذُيِّلَتْ بقوله تعالى(إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب: 72) وذُيِّلَتْ هذه الآية بقوله سبحانه (وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) (الأحزاب: 73) فكأن وصف (ظَلُومَاً) قابله (غَفُورَاً)، و (جَهُولاً) قابله (رَحيماً).
فالحق سبحانه غفور لمن ظلم، ورحيم لمن جهل، فالنسق القرآني مظهر من مظاهر رحمة الله، والله سبحانه و تعالى عُلم عنه مِمَّنْ آمن به أنه غفور رحيم، لكن لا ينبغي أنْ تغرَّك صفات الجمال في ربك -عز وجل- فتُقدِم على الذنب وتظلم، اعتماداً على أنَّ ربك سيغفر وسيرحم.
لذلك قالوا في قوله تعالى: (يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ) (الانفطار: 6) أن الذي غَرَّ الإنسان بربه فعصاه أو كفر به اعتماده على أن ربه كريم، فصفة الكرم في الله هي التي أغرَتْ بعصيانه.
وكأن الحق سبحانه لقَّنَ الإنسان الجواب عن هذه المسألة، فإنْ سُئِل: ما غرَّك بربك؟
يقول: كرمه، وعندنا في الفلاحين يسأل أحدهم الآخر: لماذا لا تطمئن في صلاتك، وتنقرها هكذا أرأيتَ لو كان عليك (شلن) لواحد هل يصلح أن تعطيه (شلناً ممسوحاً) ؟
فردَّ عليه الرجل: والله لو كان كريماً لقَبِله.
وفي الآية دقيقة أخرى في قوله تعالى: (لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ..) (الأحزاب: 73) فهل كان عَرْضُ الأمانة والتكليف للناس ليُعذبهم؟
هل التعذيب مقصود لله في الحكم؟
قالوا: لا؛ لأن اللام هنا (لِّيُعَذِّبَ..) (الأحزاب: 73) لام العاقبة، فالحق سبحانه جعل التكليف ليتبعه الناس ولا يعذبون، فاللام دلَّت على النتيجة كما في قوله تعالى: (فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً) (القصص: 8).
فساعة التقطه آل فرعون التقطوه عليه السلام ليكون قُرَّة عَيْن لهم، لا ليكون عدواً، لكن الذي حدث أنه صار عدواً وحَزَناً، فاللام ليست للتعليل، إنما لام النتيجة والعاقبة، وهي أن تفعل الشيء لمراد عندك، ثم تأتي العاقبة لتدلّ على غباء الذي فعل.
وقوله: (ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ..) (الأحزاب: 73) سبق أن عرَّفنا النفاق، وقلنا: إن النفاق أشدُّ من الكفر؛ لأن الكافر كان منطقياً مع نفسه؛ لأنه كفر بقلبه وبلسانه.
يعني: وافق لسانه ما في قلبه، أما المنافق فغير منطقي مع نفسه؛ لأنه اعتقد شيئاً ونطق بخلافه: أخفى الكفرَ وأظهر الإيمانَ فهو مُشتَّت الفكر؛ لذلك استحق أنْ يكون أعدى الأعداء، وأن يكون في الدَّرْك الأسفل من النار، ويكفي ما فيه من خداع وتمويه، فهو بظاهره معك، وفي حقيقته هو عدوك.
ونلحظ أيضاً في هذه الآية أن الحق سبحانه أراد أنْ يفصل فصلاً تاماً بين جزاء المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات، وبين جزاء المؤمنين والمؤمنات، فالأسلوب البشري يقتضي أن يقول بعدها: (لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ..) (الأحزاب: 73) ويتوب على المؤمنين والمؤمنات.
لكن السياق القرآني هنا لم يعطف التوبة على العذاب وفصل الفعلين بتكرار الفاعل الصريح، وهو لفظ الجلالة فقال (لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ..) (الأحزاب: 73) وقال: (وَيَتُوبَ ٱللَّهُ..) (الأحزاب: 73) ليفصل هذا عن هذا، ويعزله بحكم خاص به؛ لأن لله تعالى -كما ذكرنا- صفات جلال، تختص بالكافرين والمنافقين، وصفات جمال تختص بالمؤمنين، ولكل من النوعين سياق خاص مستقل. |
|