منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة الأحزاب الآيات من 51-55

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الأحزاب الآيات من 51-55 Empty
مُساهمةموضوع: سورة الأحزاب الآيات من 51-55   سورة الأحزاب الآيات من 51-55 Emptyالأربعاء 09 ديسمبر 2020, 1:14 pm

تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (٥١)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

قوله (تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ..) (الأحزاب: 51) أي: تؤخر مَنْ تشاء من زوجاتك عن ليلتها (وَتُؤْوِيۤ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ..) (الأحزاب: 51) أي: تضم إليك، وتضاجع مَنْ تشاء منهن (وَمَنِ ٱبْتَغَيْتَ..) (الأحزاب: 51) من طلبتَ من زوجاتك وقرَّبت (مِمَّنْ عَزَلْتَ..) (الأحزاب: 51) أي: اجتنبتَ بالإرجاء والتأخير (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ..) (الأحزاب: 51) أي: لا إثم ولا حرج.

(ذَلِكَ أَدْنَىٰ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ..) (الأحزاب: 51) أي: أنهُنَّ جميعاً سيفرَحْنَ، التي تضمّها إليك، والتي تُرجئها وتؤخّرها، وسوف يرضيْنَ بذلك؛ لأنهن يعلَمنَ أن مشيئتك في ذلك بأمر الله، فالتي ضمَّها رسول الله إليه تفرح بحب رسول الله ولقائه، والتي أُخِّرَتْ تفرح؛ لأن رسول الله أبقى عليها، ثم عاد إليها مرة أخرى وضمَّها إليه وقرَّبها، وهذا يدل على أن لها دوراً ومنزلة، وأيضاً حين يكون ذلك من تشريع رب محمد لمحمد، فإنه لا يعني أنه كرهها أو زهد فيها، فإنْ فعلْتَ ذلك يا محمد -مع أن فيه مشقة- فإنما فعلْتَه طاعة لأمر مَنْ؟

لأمر الله، فتأخذ ثواب الله عليه.

وحين نتأمل كلمة (تَقَرَّ..) (الأحزاب: 51) تجد أنها كعامة كلمات القرآن (كالألماس)، لكل ذرة تكوينية فيه بريق خاص وإشعاع؛ لذلك يقولون عنه: (دا بيلالي) ومع كثرة بريقه لا يطمس شعاعٌ فيه شعاعاً آخر، كذلك كلمات القرآن.

(قرَّ) وردتْ كثيراً في القرآن كما في: (قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ..) (القصص: 9).

كلمة قرَّ معناها سكن، نقول: قَرَّ بالمكان أي: استقر فيه وسكن، والقرّ هو البرد، وقُرَّة العين تأتي بالمعنيين، فالعين تسكن عند شيء ما، ولا تنتقل إلى غيره إنْ كان جميلاً يأسرها فلا تفارقه، يقولون: فلان قيْد النظر.

وفي المقابل يقولون: فلان عينه زائغة يعني: لا تستقر على شيء أو (عينه دشْعَة) عند إخواننا الذين ينطقون الجيم دالاً مثل (دِرْدَة) يقصدون جرجاً، والعين الجشعة بنفس المعنى، وفي المعنى السياسي يقولون: فلان له تطلُّعات يعني: كلما وصل إلى منصب نظر إلى الأعلى منه.

أما القُرُّ بمعنى البرودة، فَقُرَّة العين تعني: برودتها، وهي كناية عن سرورها؛ لأن العين لا تسخُن إلا في الحزن والألم؛ لذلك ثبت أخيراً أن حبة العين (ترمومتر) دقيق لحالة الجسم كله، وميزان لصحته أو مرضه.

ولأهمية العين نقول في التوكيد: جاءني فلان عينه، وسبق أن تحدثنا عن ظاهرة الاستطراق الحراري في جسم الإنسان وقلنا: إن من المعجزات في تكوين الإنسان أن الاستطراق الحراري في جسمه يتم بنظام خاص، بحيث يحتفظ كل عضو في الجسم بحرارة تناسبه، فإن كانت حرارة الجسم العامة والمثالية 37 - ومن العجيب أنها كذلك عند سكان القطب الشمالي، وهي كذلك عند سكان خط الاستواء - فإن حرارة الكبد مثلاً لا تقل عن 40 مئوية، أما العين فإذا زادت حرارتها عن عشر درجات تنفجر.

إذن: فقُرَّة عَيْن زوجات النبي وسُرورهن في مشيئته، حين يُقرِّب إليه مَنْ يُقرِّب، أو يؤخر من يؤخر؛ لأن مشيئته نابعة من أمر الله له.

وقوله تعالى: (وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ..) (الأحزاب: 51) أي: في أيِّ الحالات، ثم جاء قوله تعالى: (وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قلُوبِكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً) (الأحزاب: 51) ليشير إلى أن الرضا هنا ليس هو رضا القوالب، إنما يراد رضا القلب بتنفيذ أوامر الله دون أنْ يكون في النفوس دخائل أو اعتراض.

فالله سبحانه (وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً..) (الأحزاب: 51) يعلم ما في القلوب (حَلِيماً) (الأحزاب: 51) لا يجازيكم على ما يعلم من قلوبكم، ولو جازاكم على قَدْر ما يعلم لأتعبكم ذلك.

وتأمل حِلْم الله علينا ورحمته بنا في مسألة البدء ببسم الله، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يُعلِّمنا أن كل عمل لا يبدأ ببسم الله فهو أبتر أي: مقطوع البركة، فالإنسان حين يبدأ في الفعل لا يفعله بقدرته عليه، ولكن بتسخير مَنْ خلقه له، فحين تقول: بسم الله أفعل كذا وكذا، فإنك تفعل باسم الذي سخَّر لك هذا الشيء.

لذلك يقول الحق سبحانه و تعالى: (وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) (الزخرف: 12-13).

فعليك أنْ تبدأ ببسم الله حتى إنْ كنتَ عاصياً لله، إياك أن تظنَّ أنك لسْتَ أهلاً لهذه الكلمة؛ لأن ربك حليم، ورحمن رحيم.

ثم يقول الحق سبحانه: (لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ...).



سورة الأحزاب الآيات من 51-55 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الأحزاب الآيات من 51-55 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الأحزاب الآيات من 51-55   سورة الأحزاب الآيات من 51-55 Emptyالأربعاء 09 ديسمبر 2020, 1:15 pm

لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (٥٢)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

سبق أن تناولنا تفسير هذه الآية في إطار سياق الآيات السابقة، ونلخصها هنا في أن الحق سبحانه بدأ رسوله أولاً بأن أحلَّ له في قوله: (يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ..) (الأحزاب: 50) ثم قيد هذا التحليل هنا، فقال: (لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ..) (الأحزاب: 52).

فالحق سبحانه يأتي بالمُخَفَّف في أشياء، ثم يأتي بالمُثَقّل؛ ليعلم القوم أن الله تعالى بدأ رسوله بالعطف والرحمة والحنان، ويُبيِّن فضله عليه، كما قال له سبحانه: (عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ..) (التوبة: 43) قبل أنْ يعاتبه بقوله: (لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ..) (التوبة: 43).

وهذه الآية (لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ..) (الأحزاب: 52) توضح أنّ ما شُرِع لرسول الله في مسألة تعدُّد الزوجات غير ما شُرِع لأمته، فرسول الله استثناه الله تعالى في المعدود لا في العدد، والفرق بين الاستثناء في العدد والاستثناء في المعدود أن العدد يُدَار في أشياء متعددة، فلو أنه أباح له عدد تسع ثم تُوفِّين لَكَان له أن يتزوج بتسع أُخَر، وإنْ ماتت واحدة منهن له أن يتزوج بواحدة بدلاً منها.

لكن الاستثناء لم يكُنْ لرسول الله في العدد كأمته، إنما في المعدود، بحيث يقتصر على هؤلاء بخصوصهن، والحكمة في ذلك أن التي يفارقها زوجها من عامة نساء المؤمنين لها أنْ تتزوج بغيره، على خلاف زوجات رسول الله، فإنهن أمهات للمؤمنين، فلا يحل لهُنَّ الزواج بعد رسول الله.

ثم أوضحنا أن مسألة مِلْك اليمين ليستْ سُبَّة في جبين الإسلام، إنما هي ميزة من ميزاته، فالله مَلَك الرقبة ليحميها من القتل، والمقارنة هنا ليستْ بين رق وحرية، إنما بين رق وقتل كما أوضحنا، والذي يتأمل حال المملوك أو المملوكة في ظل الإسلام لا يسعه إلا الاعتراف بحكمة الشرع في هذه المسألة.

ثم يقول الحق سبحانه: (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ...).



سورة الأحزاب الآيات من 51-55 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الأحزاب الآيات من 51-55 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الأحزاب الآيات من 51-55   سورة الأحزاب الآيات من 51-55 Emptyالأربعاء 09 ديسمبر 2020, 1:17 pm

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (٥٣)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

الحق -سبحانه و تعالى- وزَّع الأمر بين رسول الله وبين أمته، فكما قال للرسول في أول السورة: (يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ..) (الأحزاب: 1) أمر أمته بذكْره وطاعته، وكما تكلَّم عن أمر يتعلَّق برسول الله تكلَّم كذلك عن أمر يتعلق بأمته في قوله: (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ..) (الأحزاب: 49).

بعد ذلك قال لرسول الله: (يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً) (الأحزاب: 45) ليُبيِّن عموم نَفْعه لأمته، فجازاه عن الأمة بأن يُصلُّوا عليه، وأنْ يتأدبوا حين دخولهم بيته -صلى الله عليه وسلم-، فقال هنا: (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ..) (الأحزاب: 53) لأن التكليف لابُدَّ أن يكون لمن آمن بالله.

وقلنا: إن الحق سبحانه رب وإله، ومعنى (رب) أنه سبحانه خلق وربَّى وأنعم وتفضَّل، والخَلْق والتربية والإنعام والتفضُّل ليس خاصاً بالمؤمنين، بل لكل مَن استدعاه الله للوجود من مؤمنين وكافرين.

فالشمس تشرق على الجميع، والمطر يروي أرض المؤمن والكافر، والأرض تستجيب للكل، فالذي يُحسِن أَخْذ أسباب الله من عطاء الربوبية يأخذ النتيجة، وينال نصيبه موقَوتاً بمدى الربوبية في الدنيا: (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ) (الشورى: 20) والله لا يضيع أجر مَنْ أحسن عملاً.

فالمؤمن الذي لا يأخذ يد الله الممدودة له بالأسباب ويهملها يعيش مُتخلِّفاً عالةً على غيره، يعيش شحاذاً يستجدي قُوتَه حتى من الكافر، فإذا ما خَلَتْ الساحة للكافر، وأخذ هو بالأسباب، وأعطاها حقوقها أخذ هو عطاء الرب، وكان أَوْلَى بالمؤمن ألاَّ يترك عطاء ربه، يأخذه مَنْ لا يؤمن بالله، ثم يتخلف هو عن رَكْب الحضارة، وإنْ كانت الحضارة التي وصل إليها الكفار اليوم حضارة في الماديات فحسب.

أما القيم والأخلاقيات فقد انحدرتْ في هذه المجتمعات، بدليل أنك حين تذهب إلى هذه البلاد وتنزل مثلاً في فندق -كما نزلنا- تجد مكتوباً على باب الحجرة: إذا دخل عليك اللصوص فلا تقاوم، فإن حياتك أثمن مما معك، إذا خرجتَ إلى الشارع فلا تحمل من المال إلا بقدر ضرورياتك.

إذن: ارتقوا في شيء، وانحدروا في أشياء.

وإذا كان مظهر ارتقائهم في الناحية الاقتصادية، فانظر إلى أعلى دَخْلٍ للفرد في العالم تجده في السويد، ومع ذلك تكثر عندهم الأمراض النفسية والعصبية والانتحار والجنون والشذوذ وغيرها من الأمراض الاجتماعية.

لقد تحضَّرتْ هذه البلاد حضارة مادية؛ لأنهم أخذوا بأسبابها، فأتقن كُلٌّ عمله، وأعطى وقت العمل للعمل، فما بين الثامنة إلى الثانية عشرة لا تجد إنساناً في الشارع، ولا تجد أحداً يجلس على (القهوة) مثلاً أو يضيع وقت العمل، وفي وقت الراحة يذهب الجميع إلى المطعم ليأكل (السندوتش) الجاهز، ثم يعود إلى عمله.

هكذا يعيش المجتمع المادي، فالذي لا يعمل فيه يموت من الجوع، والحمد لله أن شبابنا تنبهوا إلى أهمية العمل وتخلَّوْا عن الطفولة التي كانوا يعيشون فيها حتى الثلاثين، وهم عَالَة على الأبوين.

والحق سبحانه هنا يُعلِّمنا الأدب مع رسول الله، ويجعله لنا قدوة، فهو -صلى الله عليه وسلم- عاش عيشة الكفاف مطعماً وملبساً ومسكناً، فليس عنده إلا عدة حجرات، لكل زوجة من زوجاته حجرة واحدة، فليس لديه حجرة صالون أو استقبال، فلابُدَّ أن تتعلم الأمة آداب الدخول وآداب الزيارة في مثل هذه الحالة، وخاصة مع رسول الله في بيوته.

فقال سبحانه: (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ..) (الأحزاب: 53) كلمة (بيوت) جمع بيت، وهو ما أُعِدَّ للبيتوتة أي: للمبيت فيه، والمبيت في الأغلب الأعَمِّ لليل، فهو محل السكون والبيات، أما النهار فهو محلُّ الحركة، ولا بد للإنسان بعد التعب والجهد أن يأوي بالليل إلى مكان يستريح فيه ويفيء إليه؛ لذلك سُمِّي البيت سكناً، كذلك سُمِّيت الزوجة سكناً للسبب نفسه.

فالبيت مسكن لإيواء القالب وراحته، والمرأة سَكَن لإيواء القلب وراحة النفس، فكلاهما ينبغي أن يكون مصدراً للراحة.

والبيت يُجمع على بيوت إنْ أردنا المسكن، ويجمع على أبيات إنْ أردنا البيت الشعري، وسُمِّي الشعر بيتاً عند العرب وهم أمة فصاحة وبيان؛ لأنه تأوي إليه المعاني، كما نأوي نحن إلى بيوتنا ونسكن فيها، كذلك المعاني تسكن بيت الشعر، فيصير البيت نفسه حكمة.

لذلك يقول أحمد شوقي رحمه الله: لا يزال الشعر عاقلاً -يعني: لا زينة له من قولهم المرأة العاقل أي: التي لا زينة لها- ما لم تُزيِّنه الحكمة، فهو بدونها هراء لا فائدة منه.

ولا تزال الحكمة شاردة حتى يؤويها بيت من الشعر يُحفظ ويُتداول على مَرِّ العصور، كما نستشهد نحن الآن بأبيات المتنبي والمعري وشوقي.. إلخ.

والبيتوتة في كل شيء بحسبها، فالذين يعملون بالنهار بيتوتهم بالليل، والذين يعملون بالليل بيتوتهم بالنهار، وإنْ كان الأصل في البيات أن يكون ليلاً، وإياك أنْ تشغل إنساناً وقت بيتوته سواء أكانت بالليل أو بالنهار، فوقت العمل للعمل، ووقت السكن للسكن.

لذلك فإن أهل الحكمة عندنا في الفلاحين يقولون: (مَنْ يحرس) يعني: بالليل (لا يحرث) يعني: بالنهار؛ لأن الإنسان إنِ انشغل وقت راحته لا يجيد عمله ولا يتقنه.

بصرف النظر، أكان وقت الراحة في الليل أو في النهار، فأنت مثلاً حين تتأمل البلاد التي تشرق فيها الشمس ثلاثة أشهر أو ستة أشهر، وتغيب أيضاً ثلاثة أشهر أو ستة أشهر، هل نتصور أن يعمل أهل هذه البلاد طوال الثلاثة أشهر، وينامون ثلاثة أشهر؟

لا إنما يُقسِّمون هذه الفترة في ليل أو نهار إلى فترات: فترة للعمل، وفترة للراحة.

لذلك تجد من عظمة القرآن أنْ يحتاط لمثل هذه الأمور، فيقول سبحانه: (مِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱبْتِغَآؤُكُمْ مِّن فَضْلِهِ..) (الروم: 23) فالنوم يكون بالليل، ويكون أيضاً بالنهار لمن تستدعي طبيعة عمله أن يعمل بالليل.

والبيت يكون على قدر إمكانات صاحبه، المهم أنْ يكون له مكان يأوي إليه ويستريح فيه، مهما قَلَّ، حتى لو كان مكاناً ضيِّقاً على قَدْر ما يسع الإنسان أنْ يضع جنبه على الأرض، فإنْ كان فيه مُتَّسع فبها ونِعْمت، وعلى طارق البيت أنْ يراعي مدى البيتوتة لمن يطرق عليه.

وكما يتفاوت الناس في البيوت، كذلك يتفاوتون في ترف الحياة وأسباب الراحة في البيت على حسب الإمكانات، وما دامت الراحة على قدر الإمكانات، فينبغي أنْ يتحلَّى كلٌّ بالرضا، وأنْ يربط بين عمله ودَخْله وبين ترف حياته، فقبل أنْ تفرض لنفسك حياة مترفة، افرض لها أولاً عملاً مترفاً بنفس المستوى، بحيث توفر منه إمكانات هذا الترف.

وكما يقول المثل (على قدر لحافك مِدّ رجليك) فإذا كانت إمكاناتك لا تفر لك إلا الكفاف، فلتكُنْ راضياً به، وإنْ تمردَّتَ وطلبْتَ المزيد فلتتمرد أولاً على نفسك، ولتعمل العمل الذي يوفر لك ما تتطلع إليه.

وآفة الناس في اقتصادهم أنْ يحددوا مستوى الحياة أولاً، ثم يرغمون دخولهم وإمكاناتهم على هذا المستوى، فيحدث العجز، ولا تفي الإمكانات بالمتطلبات، إنما الواجب أنْ أُحدِّد مستوى حياتي على ضوء دَخْلي وإمكاناتي، وبذلك يعيش الإنسان سعيداً مرتاحاً لا يرهقه شيء، ولا يفوتنا ونحن نتحدث عن الدخول والإمكانات أنْ نراعي الحلال في الكسب وفي الإنفاق.

وإذا كانت البيوت وأسباب الراحة فيها بحَسْب إمكانات أصحابها، فينبغي أنْ تكون أحوالهم النفسية أيضاً على قدر إمكاناتهم حتى لا يمتلىء قلب الفقير حِقْداً على صاحب النعمة.

إذن: لابُدَّ لنا أن نتحلَّى بالرضا، وأنْ نقنع بما في أيدينا، ومَنْ يدريك لعل صاحب النعمة هذا ورثها، وإنْ كان لم يتعب هو فيها فقد تعب أباؤه وأجداده، وسبق أن قلنا: إن الذي يعرق عشر سنين من حياته يرتاح بقية عمره، والذي يعرق عشرين سنة يُريح أولاده، والذي يعرق ثلاثين يُريح أحفاده، ومَنْ ذا الذي عرق وكدَّ ولم يجد ثمرة عرقه؟

فمَنْ أراد أنْ يعيش محترماً مكرماً حال شيخوخته فليعمل في شبابه وحال قدرته، وليعرق قبل أنْ يأتيه يوم لا يجد فيه هذه القدرة؛ لذلك يراعي سيدنا رسول الله هذا المعنى في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أعْطوا الأجير حقه قبل أنْ يجفَّ عرقه".

أما الذين يتسكعون في الشوارع أو على القهاوي فليسوا أهلاً لهذه الحياة الكمرية حال شيخوختهم، كذلك العامل الذي لا يعطي للعمل حقه، أو لا يتقنه، أو يجلس يراقب صاحب العمل يتحيَّن الفرصة لإضاعة الوقت.

ومعلوم أن القرش إذا اكتسبه صاحبه دون وجه حق كان وبالاً عليه وفساداً لحاله؛ لأنه لم يعرق به.

واقرأ إنْ شِئْتَ قول سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أصاب مالاً من مهاوش، أذهبه الله في نهابر".

والمهاوش هي الطرق غير المشروعة لجمع المال، وهو نفس المعنى الذي نقصده حين نقول مثلاً: فلان جمع هذا المال من (الهَبْش) أو (النتش)، والنهابر هي الأبواب التي تُفتح لصرف هذا المال فيما لا فائدة منه.

وكثيراً ما نرى بعض الناس دخولهم ورواتبهم كبيرة، ومع ذلك يعيشون عيشة الفقراء، لا ترى عليهم ولا على أولادهم أثراً لهذه النعمة.

والناس يختلفون في نظرتهم إلى النعمة في أيدي الآخرين فقويُّ الإيمان ساعة يرى النعمة في يد غيره لا يحسده عليها، إنما يرى أنها فَضْل الله على عباده، وتراه يدعو لصاحب النعمة بالبركة، ويقول: والله إنه يستحق هذه النعمة وأكثر منها؛ لأنه جَدَّ واجتهد.

المؤمن يقول: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، اللهم بارك له وأعطني من نعمك، المؤمن يرى في نعمة الدنيا نموذجاً مُصغَّراً لنعمة الآخرة، فيقول: هذا ما أعدَّه البشر لأنفسهم، فكيف بما أعدَّه الله لخَلْقه؟

عندها يتراءى له نعيم الجنة، فيُقبل عليها بقلب يملؤه الإيمان واليقين، وهذه النظرة للنعمة عند الآخرين تسمى غِبْطة.

أما غير المؤمن -والعياذ بالله- فيحقد على صاحب النعمة، ويراه غير أَهْل لها، ويتمنى زوالها من عنده، ويحسده عليها، وهذا كله دليل على ضَعْف الإيمان والاعتراض على أقدار الله في خَلْقه.

ونُسمِّي المساجد بيوت الله، وسُمِّي المسجد بيت الله؛ لأنه جُعِل خصيصاً لكي نقابل فيه الله حينما نسمع نداء الصلاة؛ لذلك حذرنا رسول الله أنْ نُدخِل الدنيا معنا بيوت الله، فحذَّر أنْ تُعقد الصفقات في المساجد، أو تُنشَد فيها الضالة، ولا أدلَّ على ذلك من قوله -صلى الله عليه وسلم- لمن عقد صفقة تجارية في بيت الله: "لا بارك اللهُ لك في صفقتك".

وقال لمن نشد ضالته في المسجد: "لا ردَّ اللهُ عليك ضالَّتك".

لأن الإنسان يعيش طوال وقته للدنيا، فلا يجوز أن يأخذها معه حتى في وقت الصلاة، فوقت الصلاة للقاء الله، وهذا الوقت لا يعطل حركة حياتك، إنما يعطيك شحنة إيمانية تُقوِّيك على متابعة حركة حياتك، وسبق أن قلنا: إن هذه الشحنة أشبه بشحنة البطارية، فهل يقال لمن أخذ البطارية ليشحنها أنه عطَّل البطارية؟

كذلك أنت صَنْعة الله وخِلْقته، وما بالك بصنعة تُعرض على صانعها كل يوم خمس مرات، أيصيبها عطب بعد ذلك؟

وكذلك أنت حين تعرض نفسك على ربك، تأخذ من هذا اللقاء شحنة إيمان ويقين، وتتخلَّص من همومك ومشاكلك.

لذلك كان سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلما حَزَبَه أمر فزع إلى الصلاة، ففي الصلاة ترمي بنفسك وترمي بهمومك ومشاكلك في (أحضان) ربك؛ لأنه سبحانه أعطى الكون أسباباً، فإذا عزَّتْ عليك الأسباب ولم تُفِدْكَ بشيء فاترُكْ الأسباب، والجأ إلى المسبِّب سبحانه وقلنا: إن المسجد بيت الله باختيار الخَلْق، أما بيت الله الحرام فهو بيت الله باختيار الله؛ لذلك جعله الله قِبْلة كل البيوت، فإذا ما زُرْته ولو مرة واحدة أصلح حياتك كلها.

نعود إلى بيوت النبي -صلى الله عليه وسلم- وما ينبغي أنْ يتحلى به المؤمنون من أدب في دخولها، وما يجب أنْ يُراعَي في دخول هذه البيوت بالذات؛ لأن لها طبيعة خاصة تناسب مهمة صاحبها -صلى الله عليه وسلم-.

(يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ..) (الأحزاب: 53) يعني: لا تتهجَّموا عليها؛ لأنها ضيِّقة وليستْ فيها سعة للاستقبال في كل الأوقات، والإذن هنا مُقيَّد بالطعام (إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ..) (الأحزاب: 53).

وحتى إذا دُعِيتَ إلى طعام رسول الله لا تذهبْ إليه قبل وقته، فإذا كان الغداء مثلاً الساعة الثانية، فلا تذهب أنت الساعة العاشرة؛ لأنه لا يليق أن تشغل رسول الله وله في بيته مهمات يجب ألاّ ينشغلَ عنها، مهام مع ربه، ومهام مع أهل بيته، وهذا معنى: (غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ..) (الأحزاب: 53) أي: نضج الطعام واستوائه وإعداده، والفعل (إِنَي) على وزن رضا، وفي لغة: أني أنيا مثل: رمي رمياً.

وهنا تحذير للمؤمنين إذا دُعُوا إلى طعام رسول الله أنْ يدخلوا بيوته ينتظرون نُضْج الطعام، إنما عليهم ألاَّ يدخلوا إلا بعد نُضْج الطعام وإعداده، بحيث يقول لهم تفضلوا الطعام (وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُواْ..) (الأحزاب: 53) فالطعام جاهز ومُعَدٌّ (فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنْتَشِرُواْ..) (الأحزاب: 53) فكما نهاهم في أوَّليّة الطعام عن انتظار نُضْجه، كذلك نهاهم في آخريته عن عدم الجلوس بعده، إنما ينبغي عليهم إذا أكلوا أنْ ينتشروا.

والانتشار: أنْ يأخذ الشيء حيِّزاً أوسع من حجمه، والانتشار يُعينك على تحقيق الغاية، ألسْنَا ننشر الملابس بعد غَسلْها؟

لماذا؟

لأن نَشْر الغسيل يساعد على جفافه، ولو تركْتَه في حيِّزه الضيق لاحتاج أسبوعاً لكي يجفَّ، إذن: في الانتشار فائدة.

وسبق أنْ أوضحنا هذه الظاهرة بكوب الماء إذا تركْتَه مثلاً وسافرتَ لمدة شهر، فإنك ستعُود فتجده كما هو لم ينقص إلا القليل، لكن إنْ سكبْتَه في أرض الحجرة فسوف يجفّ قبل أنْ تخرج منها.

فقوله تعالى هنا (فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنْتَشِرُواْ..) (الأحزاب: 53) أي تفرَّقوا؛ لأن المكان الذي أنتم فيه في بيت النبي ضيِّق، إذن: ليذهب كُلٌّ إلى عمله، وماذا يُراد من المؤمن بعد أنْ تناول طعامه؟

أنْ يسعى في مناكب الأرض، لا أنْ يجلس خاملاً عَالةً على غيره، وتأمل أيضاً قول الله تعالى في سورة الجمعة: (فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ..) (الجمعة: 10).

إذن: أمر الحق سبحانه عباده المؤمنين بالانتشار؛ لأن له هدفاً وغايةً، فالهدف السعي وطلب الرزق، وماذا بعد أنْ تناولتهم طعامكم؟

أيليق بكم أنْ تقعدوا مثل (تنابلة السلطان) في بيت رسول الله، وأنتم تعلمون أنه يعيش عَيِشَة الكفاف في كل شئون حياته؟

ومن معاني الانتشار: السياحة، وهي مأخوذة من سَاح الماء إذا فَاض، وأخذ حيِّزاً أكبر، والانتشار أو السياحة ينبغي أنْ تكون مُنظمة كما تنتشر نقطة الماء على القماش، فتحدث فيه دائرة منتظمة.

كذلك في انتشاركم في الأرض للسعي في طلب الرزق يجب أنْ يكون بنظام معين، بحيث لا يحدث تكدُّس في مكان أو زحام، في حين يخلو مكان آخر لا يجد مَنْ يعمره، ويستنبط خيراته.

والسياحة في الأرض أو الانتشار فيها، الله تعالى يريده مِنَّا لغايتين: الأولى: الضرب في الأرض وابتغاء رزق الله وفضله، كما قال الحق سبحانه و تعالى: (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ..) (المزمل: 20).

والضرب في الأرض ليس مجرد الانتشار فيها، إنما المراد العمل والكفاح واستخراج خيراتها؛ لأن الخالق سبحانه نثر القوت في أنحاء الأرض بالتساوي، ونثر فيها الخيرات؛ لذلك كل يوم تعطينا الأرض جديداً من نِعَم الله، كنا لا نعرف من خيرات الأرض إلا الزراعة، فلما تقدَّمَتْ العلوم والاكتشافات وتطوَّرت أدواته عرفنا المعادن والبترول والكنوز المطمورة في أرض الله، وكل أثر كنزيٍّ في الأرض لا نستخرجه ولا نعرفه إلا بالضرب في الأرض، وسبق أن قلنا: الضرب إيقاع شيء بقوة.

كنا نتعجَّب من الناس الذين يسكنون البوادي والصحراء ونشفق عليهم، كيف يعيشون في هذا الجَدْب والقَحْط؟

ولماذا لا يتركون هذا المكان إلى غيره؟

والآن وبعد الاكتشافات البترولية صاروا هم أغنى الناس وتأتيهم كل خيرات الدنيا تحت أقدامهم.

لماذا؟

لأنهم تمسَّكوا بأرضهم وبلادهم وصبروا عليها، حتى آن الأوان لجني خيراتها، ولو أنهم يئسوا منها ما نالوا كل هذا الخير.وسبق أنْ أوضحنا أن خيرات الأرض متساوية، وشبهناها بقطاع طولي في البطيخة مثلاً، وإنْ تعددت ألوان هذه الخيرات واختلفت من مكان لآخر.

والأخرى: أن تكون السياحة للاعتبار والتأمل في آيات الله في كونه، فبالتنقل والسير في الأرض أرى آيات ليست موجودة في بيئتي، وفي ذلك يقول تعالى: (قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِىءُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلآخِرَةَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (العنكبوت: 20) ويقول سبحانه في موضع آخر: (قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ ثُمَّ ٱنْظُرُواْ..) (الأنعام: 11).

والمعنى أن السَّيْر في الأرض لابتغاء الرزق ينبغي أنْ يصاحبه نظر وتأمُّل لآيات الله.

ثم يقول سبحانه: (وَلاَ مُسْتَئْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي ٱلنَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ ٱلْحَقِّ..) (الأحزاب: 53) أي: لا ينبغي أنْ تجلسوا بعد الطعام للحديث، وتجعلوها (سهراية) في بيت رسول الله، وهذا النهي كان له سبب وحادثة وقعتْ، فنزلت هذه الآية.

سيدنا رسول الله لم يُولِم وليمة في عُرْس من أعراسه إلا لزينب بنت جحش، فذبح -صلى الله عليه وسلم- شاة، وأعدَّ لهم الحَيْس، وهو التمر المخلوط بالزبد والسمن، ثم يوضع عليه اللبن الحامض أو الرايب.

فلما أكل الناس جلسوا يتحدثون، انتظر رسول الله أنْ يقوموا وينصرفوا، فلم يَقُمْ منهم أحد، وحياؤه -صلى الله عليه وسلم- يمنعه أنْ يقول لهم: قوموا، فأراد -صلى الله عليه وسلم- أنْ يُظهِر لهم أنه يريد أنْ يقوم، وقام فعلاً وخرج، فلم يقُم منهم أحد ووجَد -صلى الله عليه وسلم- آخرين جالسين بالخارج، فعاد إلى مجلسه، فشعر القوم بما يريده رسول الله فانصرفوا.

يقول سيدنا أنس: فجئتُ فأخبرتُ رسول الله أنهم انطلقوا، فجاء -صلى الله عليه وسلم- ودخل، فذهبت لأدخل وراءه، فألقى الحجاب بيني وبينه - يعني: لا أحد يدخل حتى أنت.

ومعنى: (إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي ٱلنَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ..) (الأحزاب: 53) لأنه -صلى الله عليه وسلم- يريد أنْ تنصرفوا، لكن يمنعه حياؤه، وهذا لأن المكان ضيِّق، ورسول الله في يوم عُرْس، وليس من المناسب الجلوس عنده.

(وَٱللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ ٱلْحَقِّ..) (الأحزاب: 53) لذلك قالوا: حَسْب الثقلاء أن الله لم يحتملهم.

هكذا حدثتنا الآية في صدرها عن: آداب الدخول، وآداب الاستئذان، وآداب الأكل، وآداب الجلوس عند رسول الله.

ثم تحدَّثنا بعد ذلك عن الآداب التي يجب أنْ يتحلَّى بها المؤمنون في علاقتهم بزوجاته -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ..) (الأحزاب: 53).

المتاع: أواني البيت التي لا تتيسَّر للجميع، فعادة ما يكون في الشارع أو الحارة بيت أو بيتان مَسْتوران، عندهم مثل هذه الأشياء: ماجور العجين، أو المنخل، أو الغربال، أو الهون.. إلخ.

ومثل هذه الأشياء عادة لا تتوفر للفقير، فيذهب إلى جاره فيستعيرها منه، وهذا ما قال الله فيه: (أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ * فَذَلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ * وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ * ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ * وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ) (الماعون: 1-7).

فالمتاع هو الماعون، وهو أدوات البيت التي يستعيرها منك جارك غير القادر على توفيرها في بيته.

إذن: الحق سبحانه في حين جعل للمؤمنين أدباً خاصاً مع رسول الله في الدخول عليه أو الأكل في بيته والجلوس عنده، لم يمنع الانتفاع بما عنده -صلى الله عليه وسلم- من متاع البيت، ومتاع البيت يُطلَب بأنْ تطرق الباب على أهله تقول: أعطونا كذا وكذا، وعادة ما تُسْأل المرأة لأنها ربةُ البيت والمسئولة عن هذا المتاع، فإذا طلبتُم شيئاً من زوجات النبي فاطلبوه من وراء حجاب (ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ..) (الأحزاب: 53).

سبق أنْ قُلْنا: إن المشاعر والإدراكات والمواجيد والعقائد التي تستقرُّ في النفس، هذه المظاهر الشعورية تتكون على مراحل ثلاث: آلة تدرك، ووجدان يستقبل، إما بالمحبة، وأما بالكراهية، ثم نفس تنزع، ومثَّلْنا لذلك بالوردة تراها في البستان جميلة نضرة، وتشُمُّ رائحتها زكية عطرة، فهذا إدراك بحاسة البصر وحاسة الشم، نتج عنه إعجاب ومواجيد، يترتب عليها أنْ تمدَّ يدك لتقطفها، وهذا هو النزوع.

والشرع لا يتدخل، لا في الإدراك، ولا في الوجدان، إنما يتدخل في النزوع، فَلَك أنْ ترى جمال الودرة كما تشاء، ولك أنْ تشمَّ عبيرها، لكن إن امتدَّتْ يدُكَ إليها قُلْنا لك: قف: أَهِي حَقٌّ لك؟

إنْ كانت حقك فَخُذْهَا، وإلا فهي مُحرَّمة عليك لأنها ليَستْ مِلْكك، وليس في هذا حَجْراً على حريتك؛ لأن الذي قيَّد حريتك في الاعتداء على مال الغير قيَّد حرية الآخرين في الاعتداء عليك، فأعطاك قبل أنْ يأخذ منك إذن: فالشرع في صالحك أنت.

نقول: الشرع لا يتدخل إلا عند مرحلة النزوع، إلا في علاقة الرجل بالمرأة والنظر إلى جمالها، فإنه يتدخل فيها من بدايتها، فيحظر عليك مجرد الإدراك، لأنك حين ترى جمال المرأة، وربما كانت أجمل من امرأتك أو لم يسبق لك الزواج، فإنك تُعجب بها.

وهذا الإعجاب لابُدَّ أنْ يدعوك إلى النزوع، فكيف تنزع في هذه الحالة؟

والنزوع في هذه المسألة له شروط: أولها أنْ تأتيه من باب الحلال، فإنْ لم تكُنْ قادراً على باب الحلال، فإما أنْ تعفَّ نفسك، وإما أنْ تعربد في أعراض الآخرين، لذلك تدخَّل الشرع في هذه المسألة من أولها، ولم يتركك حتى تقع في المحظور وتنزع فيما لا يحلُّ لك؛ لأن المرأة الجميلة لا شكَّ تهيج في الرجل معاني خاصة.

وفي ذلك يقول الشاعر:
سُبْحانَ مَنْ خَلَق الجَماَلَ والانْهِزَام لِسَطْوتِهِ
وَلَذَاكَ يأمْرنَا بغَضِّ الطَّرْف عنه لَرحمتِهِ
من شاء يطْلبه فلا إلاّ بطُهْر شريعتِه
وبذَا يدُوم له التمتُّعهَاهُنَا وبجنَّتِهِ

أما الذي يدَّعي أن نظره إلى جمال المرأة لا يترك فيه هذا الأثر فهو مخالف للطبيعة، حتى وإنْ كان متزوجاً، وإياك أنْ تظن أن امرأة تُغني بجمالها عن جمال في سواها؛ لذلك يقولون: النساء كالخمر، كل مليحة بمذاق، فمهما كانت زوجتك جميلة، وفيها كل المواصفات التي تعجبك فسوف تجد في غيرها الجديد مما ليس فيها.

إذن: من رحمة الله بك أنْ لا تدخل في هذه المسألة من أول مراحلها، فحرَّم مجرد النظر.

وإذا كان هذا في المعنى العام للناس، فكيف يكون مع زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد قال تعالى مخاطباً المؤمنين (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ..) (الأحزاب: 53) أي بالنظر إلى زوجاته؛ لأن النظر إدراك يتبعه أنْ تجد في نفسك شيئاً، صحيح أنت لا تستطيع أنْ تُقدِم؛ لأنهن أمهات المؤمنين، إنما سينشغل قلبك، ومجرد خواطر القلب هنا إيذاء لسيدنا رسول الله، بدليل أنه قال بعدها: (وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ..) (الأحزاب: 53).

ورُوِي أن رجلاً رأى السيدة عائشة قبل الحجاب فانبهر بها، فقال: والله إنْ مات رسول الله لأتزوجنَّ هذه الحميراء، وإنْ كان كفَّر عن هذه القَوْلة وحَجَّ ماشياً، وأعتق الرقاب، ليغفر الله له هذه الجرأة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

فمعنى (ذٰلِكُمْ..) (الأحزاب: 53) أي: أمرنا بأنْ تسألوهنَّ من وراء حجاب، وهذا الأمر احتياط للطرفين (أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ..) (الأحزاب: 53) لقلوبكم أولاً، ولقلوبهن ثانياً.

وقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ..) (الأحزاب: 53) أي: لا ينبغي ولا يكون، وهذا يعني أنَّ شيئاً لم يحدث، بل مجرد الخاطر يُعَدُّ إيذاءً؛ لأنه في حق مَنْ؟

في حق رسول الله.

وقوله: (وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً..) (الأحزاب: 53) هذا تكريم لرسول الله ولأزواجه ليس في مدة حياته فحَسْب، إنما حتى بعد مماته؛ لأنهُنَّ أمهات للمؤمنين، وليس لأحد أنْ يتزوج منهن بعد رسول الله.

ومعلوم أن للزوجة بالنسبة لزوجها خصوصية، فعادةً في طبيعة التكوين الإنساني ترى الرجل عنده ألوان من الخير، فإنْ كان صاحب أريحية لا يمنعك شيئاً تتطلبه أو تستعيره منه، يعطيك من ماله، من متاع بيته، يعيرك سيارته.. إلخ.

إلا ما يتعلق بالمرأة، فإنه يغار حتى من مجرد أنْ تنظر إليها، ليس ذلك وهي في حوزته ومِلْكه، إنما حتى لو كان كارهاً لها، حتى لو طلقها يغار عليها أن تتزوج بآخر.

إذن المرأة هي المتاع الوحيد الذي يحتل هذه المنزلة، وينال هذا الحفظ وهذه الرعاية..

لماذا؟

لأنها وعاء النَّسْل، وكأن الله تعالى يريد للأمة كثرة النسل شريطة أنْ يكون من طُهْر وعِفَّة ونقاء، فوضع في قلب الرجل حُبَّها والغيرة عليها.

لذلك، تأمل هذا الوصف الذي وصف الله به الأنصار لما استقبلوا المهاجرين، وأفسحوا لهم في أملاكهم وفي بيوتهم، فوصفهم الله وصفاً أرقى ما يُوصف به مكان في مكين.

فقال سبحانه: (وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ..) (الحشر: 9) فكأنهم يسكنون في الإيمان(مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ..) (الحشر: 9).

وما استحق الأنصارُ هذا الوصفَ من الحق سبحانه إلا لإيثارهم إخوانهم المهاجرين وبَذْل شيء لم يبذله أحد قبلهم، حيث كان الواحد منهم يعرض على أخيه المهاجر أنْ يُطلِّق له إحدى زوجاته ليتزوجها، وهذه هي المسألة التي تثبت أن إيمانَ هؤلاء طغى على كل ما عداه، وصار أحبَّ شيء إليهم حتى من المرأة، ومن الغيرة عليها.

وقوله تعالى: (إِنَّ ذٰلِكُمْ..) (الأحزاب: 53) أي: ما سبق أنْ ذُكِر من سؤال أمهات المؤمنين من وراء حجاب، وألاَّ تؤذوا رسول الله، أو تنكحوا أزواجه من بعده، كل هذا (كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيماً) (الأحزاب: 53) وكيف يُؤْذَي رسولُ الله، وهو ما جاء إلا ليحمينا من الإيذاء في الدنيا في الآخرة.

ثم يقول الحق سبحانه: (إِن تُبْدُواْ شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ...).



سورة الأحزاب الآيات من 51-55 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الأحزاب الآيات من 51-55 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الأحزاب الآيات من 51-55   سورة الأحزاب الآيات من 51-55 Emptyالأربعاء 09 ديسمبر 2020, 1:18 pm

إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (٥٤)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

فكأن في الآية إشارة تحذير: إياكم أنْ تسرقكم خواطركم في هذه المسألة؛ لأن ربكم لا تخفى عليه خافية، ولا يعزُبُ عن علمه شيء، وإنْ كانت الخواطر والهواجس لا يُحاسب عليها المرء، إلا أنها محظورة منهي عنها، إنْ كانت في حَقِّ رسول الله.لقد ورد في الحديث الشريف: "مَنْ هَمَّ بسيئة فلم يعملها كُتبت له حسنة".

هذا في الأمور العامة، أما إنْ تعلَّق الأمر برسول الله فلا؛ لأن مراد الحق سبحانه أنْ يُوفِّر طاقة رسول الله للمهمة التي أُرسِل بها، وألاَّ يشغله عنها شاغل، وأيُّ مهمة أعظم من مهمة هداية العالم كله، ليس في زمنه -صلى الله عليه وسلم-، وإنما منذ بعثته وحتى قيام الساعة.

وقوله تعالى: (إِن تُبْدُواْ شَيْئاً..) (الأحزاب: 54) أي: أيّ شيء مهما كان (أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (الأحزاب: 54) وعليم صيغة مبالغة في العلم؛ لأن عِلْم الله تعالى عِلْم أزليٌّ ليس مُتجدِّداً بتجدُّد الحدث، فالله يعلم قبل الفعل وأثناء الفعل وبعده.

لذلك قلنا: إن الزمن عندنا نحن ماض وحاضر ومستقبل، أما بالنسبة للحق سبحانه فليس هناك ماض ولا حاضر ولا مستقبل؛ لذلك يتكلم سبحانه عن المستقبل وكأنه ماض.

واقرأ مثلاً: (أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ..) (النحل: 1) وأتى فعل ماض ومع ذلك قال بعده(فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ..) (النحل: 1) والاستعجال لا يكون إلا لشيء لم يَأْتِ وقته، فكأن (أتى) معناها بالنسبة لكم سيأتي، أما بالنسبة للحق سبحانه فإنه أتى بالفعل؛ لأن الزمن كله في علم الله سواء.

ومعنى: (فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (الأحزاب: 54) أي: كان وما يزال عليماً؛ لأنه سبحانه ما دام كان عليماً، وهو سبحانه لا تتأتى فيه الأغيار، فهو سبحانه عليم فيما مضى ولا يزال؛ لأنه لا يتغير، فكان هنا لا تعني أن علمه تعالى نتيجة لحدثكم الذي أحدثتموه، إنما هو سبحانه عالم قبل أنْ يحدث منكم.

وهذه الآية من الآيات التي وقف عندها المستشرقون؛ ليستدركوا كما يظنون على كلام الله؛ لأنهم دائماً يتهموننا أننا ننظر إلى القرآن بقداسة، وأنه كلام الله فلا نُعمل فيه عقولنا، وأنهم حين يُدقِّقون في القرآن ويتجرَّأون على البحث فيه يجدون فيه مآخذ - على حَدِّ زعمهم.

ووَجْه اعتراضهم في قوله تعالى: (إِن تُبْدُواْ شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (الأحزاب: 54) ومثله: (وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ) (النور: 29).

يقولون: إذا كان الله يمتنُّ بعلم ما نُخفي، فما الميزة وما العظمة في علم ما نبدي؟

نقول: إياك حين تقرأ كلام الله أنْ تُحكِّم فيه عقلك قبل أنْ تؤمن أنه صادر من الله تعالى، وأن هذا كلامه سبحانه، وعندها أَدِرْ المسألة في عقلك وابحثها حتى تصل إلى الحكمة ووجه الإعجاز فيها.

فقوله تعالى (إِن تُبْدُواْ..) (الأحزاب: 54) الله لا يخاطب فرداً، إنما يخاطب جمهرة الناس، والإبداء من الجمهرة لا يمكن لك أن تحدد مصدر الفعل فيه، بحيث تردُّ كلَّ صوت، وكلَّ حركة إلى صاحبها.

وسبق أنْ مثَّلنا لذلك بالمظاهرة مثلاً التي تختلط فيها الأصوات وتعلوا الهتافات، وسمعنا مثلاً مَنْ ينادي بسقوط فلان، أنستطيع في هذه الحالة أنْ نحدد صاحب هذا الهتاف؟

لا، لا نستطيع بسبب اختلاط وتداخل الأصوات، مع أنه جَهْر أعلنه صاحبه بأعلى صوته وأبداه على الملأ، ومع ذلك لا تستطيع أنت تحديده.

أما الحق سبحانه، فيعلم الصوت، ويعلم صاحبه، ويعلم أثره ونتيجته، ويريد كل كلمة، بل وكل نَفَس إلى صاحبه، فالذين يحاولون التستُّر والاستخفاء في جمهرة الناس عليهم أنْ يحذروا إنْ شوَّشوا على الخَلْق، واستْخفوا منهم، فلن يستخفوا من الله، فالله لا تشتبه عليه اللغات، ولا تختلط عليه الأصوات.

ثم يقول الحق سبحانه: (لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِيۤ آبَآئِهِنَّ...).



سورة الأحزاب الآيات من 51-55 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الأحزاب الآيات من 51-55 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الأحزاب الآيات من 51-55   سورة الأحزاب الآيات من 51-55 Emptyالأربعاء 09 ديسمبر 2020, 1:18 pm

لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (٥٥)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

بعد أنْ نزلت آية الحجاب: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ..) (الأحزاب: 53) اشتكى أقارب أمهات المؤمنين وقالوا: حتى نحن يا رسول الله؟

فأنزل الله هذه الآية.

(لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِيۤ آبَآئِهِنَّ..) (الأحزاب: 55).

ومعنى (لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ..) (الأحزاب: 55) أي: لا حرجَ ولا إثمَ أنْ يدخل عليهن هؤلاء المذكورون؛ لأن مكانتهم من المرأة معلومة، ولا يُخْشَى من دخولهم عليها، وهم: الأب، والابن، والأخ، وابن الأخ، وابن الأخت.

والكلام في (وَلاَ نِسَآئِهِنَّ..) (الأحزاب: 55) وهي مضاف ومضاف إليه، والإضافة في اللغة تأتي بمعانٍ ثلاثة: بمعنى (مِنْ) مثل أردب شعير يعني: من شعير، وبمعنى (في) مثل (مكر الليل) أي: في الليل، وتأتي بمعنى (اللام) مثل مال زيد يعني لزيد، واللام هنا للملكية أو للاختصاص، فمعنى مال زيد يعني: مِلْك لزيد، وتقول: لجام الفرس، فاللجام ليس مِلْكاً للفرس، إنما يختص به.

فهنا كلمة (نِسَآئِهِنَّ..) (الأحزاب: 55) تأتي بمعنى (من) وبمعنى اللام أي: نساء لَهُنَّ، أو نساء منهن، ولا تأتي هنا بمعنى (في) إذن: فالمُراد نساء منهن يعني: من قرابتهن أو نسائهن يعني: التابعين لهن مثل الخدم شريطة أنْ يكُنَّ مؤمنات؛ لأن المؤمنة هي المؤتمنة على المؤمنة، أما الكتابية أو الكافرة فلا يصح أنْ تقوم على خدمة المؤمنة؛ لأنها ربما تَصِفُها لقومها.

لذلك نلحظ دقة التعبير هنا في عدم ذِكْر الأعمام والأخوال؛ لأن العم أو الخال -رغم أنه في منزلة الوالد- إلا أنه قد يصف البنت لابنه، فإنْ كان العم أو الخال ليس له ولد، فالعلة مفقودة، ويجوز التساهل معهما -إذن- في الدخول على المرأة، وإبداء الزينة أمامهما.

وقوله تعالى: (وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ..) (الأحزاب: 55) قلنا: إن مِلْك اليمين يأتي من الأسرى في حرب مشروعة، وقد باشرتَ أَسْره بنفسك، بمعنى أنه لم يكُنْ حراً، ثم أُخِذ وبيع على أنه عبد، ثم بعد الأَسْر يمكن أن تأخذ مِلْك اليمين بأنْ تشتريه، أو تأخذه إرثاً، أو تأخذه هِبة، ومِلْك اليَمين قد يكون من النساء فتدخل في نسائهن، أو يكون من الصبيَان الذين لم يبلغوا مبلغ الرجال.

كما قال سبحانه في موضع آخر: (أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآءِ..) (النور: 31).

ويدخل في ذلك أيضاً التابعون الذين يعملون في البيت كالبوابين والسائقين والطباخين.. إلخ، والشرع يتساهل مع هؤلاء؛ لأن العرف الاجتماعي يأبى أنْ تنشأ علاقة بين هؤلاء وبين أهل البيت، فهؤلاء التابعون يعملون في البيوت، وبها نساء وبنات جميلات، لكن كم من هؤلاء تجرّأ على أنْ ينظر إلى سيدته؛ ذلك لأن المركز الاجتماعي جعل بينهما حاجزاً.

ثم يقول سبحانه: (وَٱتَّقِينَ ٱللَّهَ..) (الأحزاب: 55) كأن الحق سبحانه يقول: لقد بينتُ لكُنَّ الحكم في الدخول على المرأة، وبينتُ الأنواع التي لا جناحَ عليكُنَّ في دخولهم، والحارس عليكُنَّ في هذا تقواكُنَّ لله، فتقوى الله هي التي تحملك على طاعته، وتمنعك من الخروج عنها، ويكفي بعد الأمر بالتقوى أنْ تعلم (إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ..) (الأحزاب: 55) وما يزال (عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) (الأحزاب: 55).

ثم يقول الحق سبحانه: (إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ...).



سورة الأحزاب الآيات من 51-55 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة الأحزاب الآيات من 51-55
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة الأحزاب الآيات من 46-50
» سورة الأحزاب الآيات من 41-45
» سورة الأحزاب الآيات من 31-35
» سورة الأحزاب الآيات من 36-40
» سورة الأحزاب الآيات من 66-70

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: الأحزاب-
انتقل الى: