منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة لقمان الآيات من 26-30

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة لقمان الآيات من 26-30 Empty
مُساهمةموضوع: سورة لقمان الآيات من 26-30   سورة لقمان الآيات من 26-30 Emptyالأربعاء 28 أكتوبر 2020, 3:30 pm

لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٦)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

بعد أن سجَّل الله تعالى عليهم اعترافهم وشهادتهم بأنه سبحانه خالق السماوات والأرض، أراد سبحانه أنْ يُبيِّن لنا أن السماوات والأرض ظرف لما فيهما، وفيهما أشياء كثيرة، منها ما نعرفه، ومنها ما لا نعرفه، والمظروف دائماً أغلى من المظروف فيه، فما في (المحفظة) من نقود عادة أغلى من المحفظة ذاتها، وما في الخزانة من جواهر وأموال أو أوراق هامة أنفَسُ من الخزانة وأهمّ.

لذلك قلنا: إياك أنْ تجعل كتاب الله حافظة لشيء هام عندك؛ لأنه أغلى من أيِّ شيء فينبغي أنْ نحفظه، لا أنْ نحفظ فيه.

وكأن في الآية إشارة إلى أنهم كما أقرُّوا لله تعالى بخَلْق السماوات والأرض ينبغي أنْ يُقروا كذلك بأن له سبحانه ما فيهما، وهذه مسألة عقلية يهتدي إليها كل ذي فكر سليم، فما دامت السماوات والأرض لله، فله ما فيهما، وهَبْ أن لك قطعة أرض تمتلكها، ثم عثرتَ فيها على شيء ثمين، إنه في هذه الحالة يكون مِلكك شرعاً وعقلاً.

وينبغي للعاقل أنْ يتأمل هذه المسألة: لله تعالى ما في السماوات وما في الأرض، ومن هذه الأشياء الإنسان الذي كرَّمه الله، وجعله سيداً لجميع المخلوقات وأعلى منها، بدليل أنها مُسخَّرة لخدمته: الحيوان والنبات والجماد، فهل يصح أن يكون الخادم أعظم من سيده أو أطول عمراً منه؟

فعلى العاقل أن يتأمل هذه المسألة، وأن يستعرض أجناس الكون ويتساءل: أيكون الجماد الذي يخدمني أطول عمراً مني؟

إذن: لا بد أن لي حياة أخرى تكون أطول من حياة الشمس والقمر وسائر الجمادات التي تخدمني، وهذا لا يكون إلا في الآخرة حيث تنكدر الشمس، وتتلاشى كل هذه المخلوقات ويبقى الإنسان.

إذن: أنت محتاج لما في الأرض ولما في السماء من مخلوقات الله، وبه وحده سبحانه قوامها مع أنه سبحانه غنيٌّ عنها لا يستفيد منها بشيء، فالله سبحانه خلق ما هو غنيٌّ عنه؛ لذلك يقول: (إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ) (لقمان: 26) لأنه سبحانه بصفات الكمال خلق، فلم يزِدْه الخلق صفة كمال لم تكُنْ له، فهو مُحْيٍ قبل أنْ يوجد مَنْ يُحييه، مُعِزٌّ قبل أنْ يوجد من يعزه.

وقلنا: إنك لا تقول فلان شاعر لأنك رأيته يقول قصيده؛ بل لأنه شاعر قبل أن يقولها، ولولا أنه شاعر ما قال.

فمعنى: (إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ..) (لقمان: 26) أي: الغني المطلق؛ لأن له سبحانه كل هذه الملْك في السماوات والأرض، بل جاء في الحديث القدسي أن السماء والأرض بالنسبة لملْك الله تعالى كحلقة ألقاها مُلْقٍ في فلاة، فلا تظن أن مُلْك الله هو مجرد هذه المخلوقات التي نعلمها، رغم ما توصَّل إليه العلم من الهندسة وحساب المسافات الضوئية.

فالله سبحانه هو الغنيُّ الغِنَى المطلق؛ لأنه خلق هذا الخَلْق وهو غني عنه، ثم أعطاه لعبيده وجعله في خدمتهم، فكان من الواجب لهذا الخالق أن يكون محموداً (إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ) (لقمان: 26) وحميد فعيل بمعنى محمود، وهو أيضاً حامد كما جاء في قوله تعالى: (فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) (البقرة: 158) لكن، شاكر لمن؟

قالوا: إذا كان العبد يشكر ربه، وقد علَّمه الله: أن الذي يحيِّيك بتحية ينبغي عليك أنْ تُحيِّيَه بأحسن منها، فربُّك يعاملك هذه المعاملة، فإنْ شكرْتَهُ يزدك، فهذه الزيادة شُكْر لك على شُكْرك لربك.أي: مكافأة لك.

ثم يقول الحق سبحانه: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ... ).



سورة لقمان الآيات من 26-30 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة لقمان الآيات من 26-30 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة لقمان الآيات من 26-30   سورة لقمان الآيات من 26-30 Emptyالأربعاء 28 أكتوبر 2020, 3:31 pm

وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

قوله تعالى (مِن شَجَرَةٍ..) (لقمان: 27) مِنْ: هنا تفيد العموم أي: من بداية ما يُقال له شجرة، وفرق بين أنْ تقول: ما عندي مال، وما عندي من مال، فالأولى لا تمنع أن يكون عندك القليل من المال الذي لا يُعتدُّ به، أمّا (من مال) فقد نفيت جنس المال قليله وكثيره.

وتقول: ما في الدار أحد.

وربما يكون فيها طفل مثلاً أو امرأة، أمّا لو قلْتَ: ما في الدار من أحد، فهذا يعني خُلوها من كل ما يُقال له أحد.

والشجرة: هي النبات الذي له ساق، وقد تشابكتْ أغصانها، ومن ذلك قوله تعالى: (فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ..) (النساء: 65).

أما النبات الذي ليس له ساق فهو العُشْب أو النجم الذي ينتشر على سطح الأرض، خاصة بعد سقوط الأمطار، وهذا لا تُؤخذ منه الأقلام، إنما من الشجرة ذات الغصون والفروع.

وقد ذكر القرآن الكريم هذين النوعين في كلام معجز، فقال سبحانه: (ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) (الرحمن: 5-6) فالشمس والقمر: (بِحُسْبَانٍ) (الرحمن: 5) أي: حساب دقيق محكم؛ لأن بهما حساب الزمن: (وَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) (الرحمن: 6) أي: في خضوع لله تعالى وكلمة النجم هنا يصح أنْ تُضاف إلى الشمس والقمر، ويصح أنْ تضاف للشجر، فهو لفظ يستخدم في معنى، ويؤدي معنى آخر بضميمة ضميره.

وقد تنبه الشاعر إلى هذه المسألة، فقال:
أُرَاعِي النجْمَ في سَيْرِى إليكُمُ ويرعَاهُ مِنَ البَيْدا جَوادِي

فهو ينظر إلى نجم السماء ليهتدي به في سيره، ويرعى جواده نَجْم الأرض، ومن ذلك أيضاً كلمة العين، فتأتي بمعنى الذهب والفضة، وبمعنى الجاسوس، وبمعنى عين الماء، وبمعنى العين المبصرة.

ومعنى: (وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ..) (لقمان: 27) أي: يُعينه ويساعده إنْ نفد ماؤه.

ولك هنا أن تسأل: لماذا جعل الإمداد للماء، ولم يجعله للشجر؟

قالوا: لأن القلم الواحد يكتب بحبر كثير لا حَصْر له، فالحبر مظنة الانتهاء، كما أن الشجر ينمو ويتجدد، أما ماء البحر فثابت لا يزيد.

واقرأ أيضاً في هذه المسألة: (قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً) (الكهف: 109).

والعدد سبعة هنا (سَبْعَةُ أَبْحُرٍ..) (لقمان: 27) لا يُراد به العدد، إنما يراد به الكثرة كما في قوله تعالى: (سَبْعَ سَمَاوَاتٍ..) (الطلاق: 12) فهذه في مجرتنا الشمسية، فما بالك بالسماوات في المجرات الأخرى، وقد علمنا أن السماء هي كل ما علاك فأظلك.

إذن: يرد العدد سبعة على سبيل الكثرة، والعرب كانوا يعتبرون هذا العدد نهاية للعدد؛ لأن العدد معناه الأرقام التي تبين المعدود، فهناك فرق بين العدد والمعدود، ولما تبينّا هذا الفرق استطعنا أنْ نرد على المستشرقين في مسألة تعدد الزوجان، فالعدد يعني 1، 2، 3، 4، 5 أما المعدود، فما يميز هذه الأعداد.

والرسول -صلى الله عليه وسلم- حينما أراد أن يُنهي التعدد المطلق للزوجات لما أنزل الله عليه أنْ يأمر الناس أن مَنْ معه أكثر من أربع زوجات أنْ يُمسك أربعاً منهن ويفارق الباقيات.

وكان عند رسول الله في هذا الوقت تسع زوجات لم يشملهُنَّ هذا الحكم، فقالوا: لماذا استثنى الله محمداً من هذا الحكم؟

وكيف يكون عنده تسع، وعند امته أربع؟

ولم يفطنوا إلى مسألة العدد والمعدود: هل استثنى الله تعالى رسوله في العدد، أم في المعدود؟

نقول: استثناه في المعدود؛ لأنه تعالى خاطب نبيه في آية أخرى: (لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ..) (الأحزاب: 52) ففرض على رسول الله أنْ يقتصر على هؤلاء، لا يزيد عليهن، ولا يتزوج بعدهن حتى لو مُتْنَ جميعاً.

إذن: لم يستثنه في العدد، وإلا لكان من حقِّه إذا ماتت واحدة من زوجاته أنْ يتزوج بأخرى، وإنْ مُتْن جميعاً يأتي بغيرهن.

ولك أن تقول: ولماذا جعل الله الاستثناء في المعدود لا في العدد؟

قالوا: لأن زوجات غير النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا طلَّقها زوجها لها أن تتزوج بغيره، لكن زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- أمهات للمؤمنين ومحرمات عليهم، فإنْ طلَّق رسول الله إحدى زوجاته بقيت بلا زواج.

لذلك أُمِر رسول الله أنْ يمسك زوجاته التسع، شريطة ألاَّ يزيد عليهن، في حين يُباح لغيره أن يتزوج بأكثر من تسع، بشرط ألاَّ يبقى معه أكثر من أربع، وعليه، فهذا الحكم ضيَّق على رسول الله في هذه المسألة في حين وسَّع على أمته.

ونعلم أنَّ معظم زوجات النبي كُنَّ كبيرات في السِّن، وبعضهن كُنَّ لا إرْبة لهن في مسألة الرجل، لكنهن يحرصن على شرف الانتساب لرسول الله، وعلى شرف كَوْنهن أمهات المؤمنين؛ لذلك كانت الواحدة منهن تتنازل عن قَسمْها في البيتوتة لضرتها مكتفية بهذا الشرف.

إذن: التفريق بين العدد والمعدود خلَّصنا من إفك المستشرقين، ومن تحاملهم على رسول الله واتهامهم له بتعدد الزوجات، وأنه -صلى الله عليه وسلم- وسَّع على نفسه وضيَّق على أمته.

ومسألة العدد والمعدود هذه مسألة واسعة حيّرت حتى الدارسين للنحو، فلا إشكالَ في العدد واحد والعدد اثنان؛ لأننا نقول في المفرد المذكر: واحد والمؤنث: واحدة.

وللمثنى المذكر: اثنان، وللمؤنث: اثنتان.

فالعدد يوافق المعدود تذكيراً وتأنيثاً، لكن الخلاف يبدأ من العدد ثلاثة، حيث يذكَّر العدد مع المعدود المؤنث، ويُؤنَّث مع المعدود المذكَّر، فمن أين جاء هذا الاختلاف؟

قالوا: لاحظ أن التذكير هو الأصل؛ ولذلك احتاج التأنيث إلى علامة، أما المذكَّر وهو الأصل فلا يحتاج إلى علامة، تقول: قلم.

وتقول: دواة.

فاحتاجت إلى علامة للتأنيث فهي الفرع والمذكر هو الأصل.

وتعالَ إلى الأعداد من ثلاثة إلى عشرة، تقول: ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة... إلخ فالعدد نفسه مبنيٌّ على التاء، وليست هي تاء التأنيث، لأنها أعداد مجردة بلا معدود، فإذا أردنا تأنيث هذا العدد وبه تاء لا نضيف إليه تاءً أخرى، إنما نحذف التاء فيكون الحذف هو علامة التأنيث ويبقى العدد مع المذكر على الأصل بالتاء.

فما حكاية العدد سبعة بالذات؟

قالوا: إن العدد واحد هو الأصل في الأعداد؛ لأن العدَّ ينشأ من ضم واحد إلى آخر، فواحد هو الخامة التي تتكون منها الأعداد فتضم واحداً إلى واحد وتقول: اثنان وتضم إلى الاثنين واحداً، فيصير العدد ثلاثة.. وهكذا.

ومعلوم أن أقلَّ الجمع ثلاثة، والعدد إما شفع وإما وتر، الشفع هو الذي يقبل القسمة على الاثنين، والوتر لا يقبل القسمة على الاثنين، والله تعالى يقول: (وَٱلشَّفْعِ وَٱلْوَتْرِ) (الفجر: 3) فبدأ بالشفع وأوله الاثنان ثم الثلاثة، وهي أول الوتر، أما الواحد فقد تركناه لأنه كما قلنا الخامة التي يتكون منها جميع الأعداد.

وما دام الله تعالى قال: (وَٱلشَّفْعِ وَٱلْوَتْرِ) (الفجر: 3) فالاثنان أول الشفع، والثلاثة أول الوتر، وأربعة ثاني الشفع، وخمسة ثاني الوتر، وستة ثالث الشفع، وسبعة ثالث الوتر.

وقلنا: إن الجمع أقلُّه ثلاثة، فاعتبرت العرب العدد سبعة أقصى الجمع وتراً وزوجاً، وانتهت عند هذا العدد، فإذا أرادوا العدَّ أكثر من ذلك أتوْا بواو يسمونها واو الثمانية، وقد سار القرآن الكريم في أحكام العدد هذه على ما سارت عليه العرب.

واقرأ إنْ شئت هذه الآيات: (وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا..) (الزمر: 71).

أما في الجنة فيقول سبحانه: (وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى ٱلّجَنَّةِ زُمَراً حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا..) (الزمر: 73).

فما الفرق بين الآيتين؟

ولماذا جاءت الواو في الثانية، ولم تُذْكر في الأولى؟

قالوا: لأن: (فُتِحَتْ..) (الزمر: 71) في الأولى جواب شرط، وهذا الجواب كانوا يُكذِّبونه وينكرونه.

والشرط تأسيس: (حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا..) (الزمر: 71) ماذا حدث؟

(فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا..) (الزمر: 71) إنما هل كان المؤمنون المتقون الذين يذهبون إلى الجنة يُكذِّبون بهذا اليوم؟

إذن فـ: (فُتِحَتْ..) (الزمر: 71) هنا لا تكون جواباً؛ لأنهم يعلمون يقيناً أنها ستفتح، أما الجواب فسيأتي في: (وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَـالُواْ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ فَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ) (الزمر: 73-74).

ولما كانت أبواب النار سبعة لم يذكر الواو، أما في الجنة فذكر الواو، لأن أبوابها ثمانية.

كذلك اقرأ قول الله تعالى ولاحظ متى تستخدم الواو: (عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً) (التحريم: 5).

تجد الواو قبل الثمانية، ذلك لأن العرب تعتبر السبعة منتهى العدد بما فيه من زوج وفرد.

وقوله تعالى: (وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ..) (لقمان: 27) أي: يُجعل مِداداً لكلمات الله (مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ ٱللَّهِ..) (لقمان: 27) كلمات الله هي السبب في إيجاد المقدورات العجيبة؛ لأن الله تعالى يقول: (إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) (يس: 82) فكل مراد من شيء سببه كن.

وهنا عجيبة ينبغي أنْ نتأملها: فالله تعالى يقول للشيء وهو لم يُخْلق بعد (كن)، كأن كل الأشياء موجودة في الأزل ومكتوبة، تنتظر هذا الأمر (كن)، فتبرز إلى الوجود، كما يقول أهل المعرفة: أمور يبديها ولا يبتديها.

إذن: (كَلِمَاتُ ٱللَّهِ..) (لقمان: 27) هي كن وكل مرادات الله في كونه، ما علمنا منه وما سنعلم، وما لم نعلم إلا حين تقوم الساعة.

ألم يَقُلْ في العجيب من أمر عيسى عليه السلام: (وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ..) (النساء: 171) والمعنى أنه لم يُخلق بالطريق الطبيعي في خَلْق البشر من أب وأم، إنما خَلِق بهذه الكلمة (كن).

لماذا؟

لأن الله تعالى يريد أنْ يثبت لنفسه طلاقة القدرة في الإيجادات وأنه سبحانه يخلق كما يشاء، فمرة يخلق بلا أب وبلا أم، كما خلق آدم عليه السلام، ومرة يخلق بأم دون أب كما خلق عيسى عليه السلام، ومرة يخلق بأب وأم، ويخلق بأب دون أم كما خلق حواء.إذن: القسمة العقلية موجودة بكل وجوهها.

إذن: مع طلاقة القدرة لا اعتبارَ للأسباب، فأنت إنْ أردتَ أنْ تكوِّن مثلاً قطرة الماء، فعليك أن تأتي بالأكسوجين والأيدروجين بطريقة معينة ليخرج لك الماء وإلا فلا، أما الخالق -عز وجل- فيخلق بالأشياء وبدون شيء، لأن الأشياء بالنسبة لله تعالى ليست فاعلة بذاتها، وإنما هي فاعلة بمراد الله فيها.

ثم يقول سبحانه: (إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (لقمان: 27) والعزيز هو الذي يَغلب ولا يُغلب ويَقْهر ولا يُقهر، ولا يستدرك أحد على فعله حتى لو كان مخالفاً لعقله هو، وتأمل معنى العزة، وكيف وردت في هذا الموقف من قوله تعالى لسيدنا عيسى عليه السلام: (وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ) (المائدة: 116) إلى أن يقول: (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ) (المائدة: 118).

والمنطق العقلي يقتضي أن نقول في عرف البشر: فإنك أنت الغفور الرحيم، فالمقام مقام مغفرة، لكن عيسى عليه السلام يأتي بها، لا من ناحية الغفران والرحمة، وإنما من ناحية طلاقة القدرة والعزة التي لا يستدرك عليها أحد.

(فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ) (المائدة: 118) والمعنى: لو قال الناس لماذا غفرتَ لهم مع أنهم قالوا كذا وكذا؟

فالإجابة أنني أنا العزيز الذي أغلب ولا أُغلب، ولا يستدرك أحد على حكمي، إذن: ذيَّل الآية بالعزة لعزة الله تعالى في خَلْقه.

ثم يقول الحق سبحانه: (مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ...).



سورة لقمان الآيات من 26-30 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة لقمان الآيات من 26-30 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة لقمان الآيات من 26-30   سورة لقمان الآيات من 26-30 Emptyالأربعاء 28 أكتوبر 2020, 3:32 pm

مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

الحق سبحانه و تعالى يؤكد دائماً على قضية البعث والقيامة، ويريد سبحانه أنْ ينصب للناس في حركة حياتهم موازين الجزاء؛ لأن كل عمل لا توجد فيه موازين للجزاء يعتبر عملاً باطلاً، ولا يمكن أنْ يستغني عن الجزاء ثواباً وعقاباً إلا مَنْ كان معصوماً او مُسخَّراً، فالمعصوم قائم دائماً على فِعْل الخير، والمسخّر لا خيارَ له في أنْ يفعل أو لا يفعل.

إذن: إذا لم يتوفر مبدأ الجزاء ثواباً وعقاباً في غير هذين لابُدَّ أنْ يوجد فساد، إذا لم يُثب المختار على الفعل، ويعاقب على الترك اضطربت حركة الحياة، حتى في المجتمعات التي لا تؤمن بإله وضعت لنفسها هذا القانون، قانون الثواب والعقاب.

والحق -سبحانه و تعالى- يعطينا مثالاً لهذا المبدأ في قوله تعالى من قصة ذي القرنين: (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً * فَأَتْبَعَ سَبَباً) (الكهف: 84-85).

أراد الحق سبحانه أن يبين أن الرجل الممكّن في الأرض له مهمة، هذه المهمة هي شكر الله على التمكين ولا يكون إلا بإقامة ميزان العدالة في الكون: (حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ..) (الكهف: 86) أي: في رأي العين، وإلا فهي لا تغرب أبداً، إنما تغرب عن جماعة في مكان، وتشرق على جماعة في مكان آخر.

(وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) (الكهف: 86).

ولا يُفوَّض إنسان في أنْ يُعذِّب أو يتخذ الحسنى إلا إذا كانت لديه مقاييس وميزان العدالة، وقد قال الله عنه: (وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) (الكهف: 84) أي: نعمة وميزاناً لتوزيع هذه النعمة، فلم تقتصر نعمة الله عليه في أنه صاحب سلطان وجبروت، إنما عنده المقوِّمات الحياتية، وعنده ميزان العدالة الذي يضبط استطراق النِّعَم في الكون كله.

فالذي خُيِّر في أنْ يفعل أو لا يفعل أراد أنْ يبين منهجه في أنه لم يأخذ الاختيار وسيلة لتثبيت الأهواء؛ لذلك قال بعدها: (قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً) (الكهف: 87) هذا هو العقاب: (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً ٱلْحُسْنَىٰ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً) (الكهف: 88) أي: بعد أنْ ينال ثوابه، نعطيه فوق ذلك حوافز تشجعه، ونقيم له حفلة تكريم لنغري غيره بأن يسلك مسلكه.

إذن: فقضية الثواب والعقاب أمر لازم، وإذا كان هذا في الأمور الحياتية الجزئية، فهو أَوْلى في أمور الدين والقيم التي تسيطر على كل موازين الحياة، لابُدَّ من وقت للثواب وللعقاب، وإلا استشرى الظلم واغتال الناس، وقضى عليهم وأخذ منهم كل مُتع الحياة، فانتفع بذلك المفسد، وخاب كل مَن التزم بدين الله وقيم منهجه.

لذلك تجد الحق -تبارك و تعالى- يؤكد دائماًَ على مسألة البعث والقيامة والحساب، وترى أعداء الدين يحاولون أنْ يُشككوا في هذه القضية، وأنْ يُزحزحوا الناس عن الإيمان بها بطرق شتى.

فالفلاسفة لهم في ذلك دور، وللملاحدة دور، ولأهل الكتاب دور؛ لذلك تجد التوراة مثلاً تكاد تخلو من إشارة عن اليوم الآخر، وهذا أمر غريب لا يمكن تصوره في كتاب ودين سماوي ومنهج حياة.

وما ذلك إلا لأن أهل التوراة أرادوا أنْ يُزحزحوا الناس عن أمور عدة ليثبتوا لأنفسهم سلطة زمنية مادية، حتى إنهم طمعوا في أنْ يرتقوا بهذه السلطة حتى يصلوا إلى الله تعالى، كما حكى القرآن عنهم: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً..) (البقرة: 55).

ولما أنزل الله عليهم المنَّ، وهو مادة حُلْوة كطعم القشدة جعلها تتساقط عليهم، وأنزل عليهم السلوى، وهي طيور مثل السمان تنزل عليهم جاهزة مُعدَّة للتناول رفضوا عطية الله لهم، وطعامه الذي أُعدَّ من أجلهم، وقالوا: بل نريد طعاماً نصنعه بأيدينا، وقالوا: (لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ..) (البقرة: 61)، فقال لهم: (ٱهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ..) (البقرة: 61).

وما دام الأمر بالنسبة لهؤلاء مادياً فلابُدَّ أنْ يزحزح نفسه عن الآخرة وعن القيامة والحساب، لذلك راحوا يُشكِّكون فيها، أما الفلاسفة فقالوا: حين يبعث الله إنساناً بعد الموت وقد تحللتْ أعضاؤه وصارت تراباً، ثم غرست في هذا المكان شجرة فتغذتْ من هذا التراب، وأكل إنسان آخر من ثمارها وانتقلتْ إليه بعض خلايا وجزئيات الأول، فإذا كان هناك بعث أتُبعت هذه الجزئيات مع الأول أم مع الآخر؟

فإنْ كانت مع الأول فهي نقص في الآخر والعكس.

هذه هي شبهة الفلاسفة.

وقد تخبَّط الفلاسفة هذا التخبُّط؛ لأنهم لم يفطنوا إلى شيء في الوجود يعطي قيماً للغيبيات، وقد أوضحنا هذه المسألة فقلنا لهم: لو أن إنساناً يزن مائة كيلو مثلاً أصيب بمرض أفقده أربعين كيلو من وزنه، فماذا يعني هذا النقص بالنسبة للشخص نفسه؟

هذه المسألة يتحكم فيها أمران: الغذاء والإخراج، ففي فترة النمو يكون الداخل للجسم أكثر من الخارج، أما في فترة الشيخوخة مثلاً فالخارج أكثر، فإنْ توازن الأمران كانت حالة من الثبات لا يزيد فيها الشخص ولا ينقص، وهي فترة الثبات.

فالشخص الذي نقص من وزنه أربعون كيلو، ثم شفاه الله وعادت إليه عافيته حتى زاد وزنه وعاد إلى حالته الطبيعية، فهل تغيَّر الشخص حال نقصان وزنه؟

وهل تغيَّر حال عودته إلى طبيعته؟

أم ظلت الشخصية والذاتية هي هي؟

إذن: المسألة في تكوين الجسم ليست ذرات وجزيئات، إنما هي شخصية معنوية خاصة وإنْ تكوَّنت من جزيئات المادة وهي الستة عشر عنصراً التي تكوِّن جسم الإنسان، والتي تبدأ بالأكسوجين وتنتهي بالمنجنيز، وهي نفس العناصر المكوِّنة لتربة الأرض التي نأكل منها، وهذه العناصر بنسب تختلف من شخص لآخر.

والحق سبحانه و تعالى يقول: (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ٱلأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ) (ق: 4) يعني: نعرف ما نقص من كل إنسان: كذا في الحديد، وكذا من الأكسوجين، وكذا من الفسفور.. إلخ.

إذن: حين يبعث الله الإنسان بعد الموت يبعث هذه الشخصية المعنوية بهذه الأجزاء المعروفة، فيأتي الشخص هو هو.

ومن القضايا التي أثاروها في مسألة البعث ولالتباسات التي يحاولونها يقولون: الله تعالى يخلق الإنسان في مدة تسعة أشهر، أو ستة أشهر، يمر خلالها بعدة مراحل: نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظاماً، ثم يكسو هذه العظام لحماً، هذا للإنسان الواحد، فكم تستغرق إعادة خَلْق البشر من لَدُن آدم عليه السلام حتى قيام الساعة؟

ونقول: لقد ذكرتم كيفية خَلْق سلالة الإنسان والتي تستغرق تسعة أو ستة أشهر، لكن لم تذكروا خَلْق الأصل، وهو آدم عليه السلام، وقد خلقه الله على هيئته وصورته التي كان عليها، فلم يكُنْ صغيراً وكبر، إنما خُلِق كبيراً مستوياً كاملاً، ثم نُفِخت فيه الروح.

ثم إن عناصر الفعل هي: الفعل، والفاعل، والمنفعل، يُضاف إليها الزمن الذي سيتم فيه الفعل، فأنا أريد أنْ أنقل هذه (الحملة) من هنا إلى هناك فنقلنا فعل، وأنا الفاعل، والحملة هي المنفعل ثم الزمن الذي يستغرقه الحدث، والزمن يعني توزيع جزئيات الحدث على جزئيات الزمن فإذا أردت أن تخيط ثوبا بطريقة يدوية فإنه يأخذ منك وقتاً طويلاً، فإن خِطَّه بالماكينة أخذ وقتاً أقلّ بكثير.

إذن: فزمن الفعل يتناسب مع قوة الفاعل، وتذكرون أنه في الماضي كانت الشوارع تضاء بمصابيح الزيت، وكان لكل منطقة عامل يصعد إلى سلم إلى كل فانوس ليشعله، أما الآن فتستطيع أن تنير مدينة بأكملها بضغطة زر واحد.

إذن: كلما زادتْ القوة قلَّ الزمن.

فتعال إذن إلى مسألة البعث والإعادة بعد الموت: أهي بقوتك أنت لتحسبها بما يناسب قوتك وقدرتك؟

إنها بقوة الله عز وجل، والله لا يعالج الأمور كما نفعل ولا يزاولها، إنما يفعل سبحانه بكُنْ.

إذن: فالفعل بالنسبة لله تعالى لا يحتاج إلى زمن تُوزَّع فيه جزئيات الفعل على جزئيات الزمن.

ولمَ تستبعد هذا في حقَّ الله تعالى، وقد أعطاك ربك طرفاً منه رغم قدرتك المحدودة؟

ألستَ تجلس في مثل هذا المجلس فترانا جميعاً مرة واحدة في نظرة واحدة، كذلك تسمع الجميع دفعة واحدة؟

ألستَ تقوم بمجرد أن تريد أنْ تقوم، وتنفعل جوارحك لك بمجرد أنْ يخطر الفعل على بالك؟

أتفكر أنت في العضلات التي تحركتْ والإشارات التي تمتْ بداخلك لتقوم من مجلسك؟

وقد سبق أنْ أوضحنا هذه المسألة حين قارنَّا حركة الإنسان في سلاستها وطواعية الجوارح لمراد صاحبها بحركة الحفار مثلاً، فهو لا يؤدي حركة إلا بالضغط على زر خاص بها.

فإذا كنت أنت أيها العبد تنفعل لك جوارحك وأعضاؤك بمرادك في الأشياء، فهل تستبعد في حق الله أنْ يفعل بكلمة كُنْ؟

كيف وأنت ذاتك تفعل بدون أنْ تقولها؟

مجرد الإرادة منك تفعل ما تريد.

فإنْ قلتَ: كيف يفعل الحق سبحانه بكلمة كُنْ، وأنا أفعل بدون أنْ أقولها؟

نقول: نعم أنت تفعل بدون كُنْ؛ لأن الأشياء ليست منفعلة لك أنت، إنما هي مُسخَّرة بكُنْ الأولى حين قال الله لها كوني مُسخَّرة لإرادته، إذن: أنا أفعل بدون كُنْ؛ لأنها ليست في مقدوري أنا، فكأن كُنْ الأولى من الله تعالى هي كُنْ لنا جميعاً.

وبهذا الفهم استطعنا تفسير حادثة الإسراء والمعراج، واستطعنا الرد على منكريها، فالله يقول: (سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى..) (الإسراء: 1).

فلما سمع الكفار بالحادثة أنكروها وقالوا: كيف ونحن نضرب إليها أكباد الإبل شهراً؟

نعم أنتم تضربون إليها أكباد الإبل شهراً؛ لأن فعلكم يحتاج إلى زمن ومزاولة نوزع فيها جزئيات الفعل على جزئيات الزمن، أمَّا محمد فلم يقُلْ سريتُ، فيكون في الفعل كأحدكم إنما قال: أُسرِي بي.

إذن: فهو محمول على قدرة أخرى، فالفعل لا يُنسب إليه إنما إلى حامله إلى الله، وقلنا: كلما زادتْ القوة قلَّ الزمن، فإذا كانت القوة قوة الحق -تبارك و تعالى- فلا زمن؛ لذلك يقول سبحانه في مسألة الخلق والإعادة: (مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ..) (لقمان: 28).

فالأمر يسير على الله؛ لأن خَلْق النفس الواحدة وخَلْق جميع الأنفس يتم بكُنْ، فالمسألة لا تحتاج إلى تسعة أو ستة أشهر.

وضربنا مثلاً لتوضيح هذه المسألة بصناعة الزبادي مثلاً، فأنت تأتي باللبن وتضع عليه المادة المعروفة وتتركه في درجة حرارة معينة فيتحول تلقائياً إلى الزبادي الذي تريده، فهل جلستَ أمام كل علبة تُحوِّلها بنفسك، أم أنك عملت العملية المعروفة في هذه الصناعة، ثم تركت هذه المواد تتفاعل بذاتها؟

كذلك شاء الله تعالى أنْ يوجد الإنسان جنيناً في بطن أمه، وأن تجري عليه أمور النمو بطبيعتها، إذن: خَلْق الإنسان لا يقاس بالنسبة لله تعالى بالزمن، وقد حَلَّ لنا الإمام علي كرم الله وجهه هذه القضية حينما سُئِل: كيف يحاسب الله الناس جميعاً من لَدُن آدم عليه السلام إلى قيام الساعة في وقت واحد؟

فقال: يحاسبهم جميعاً في وقت واحد، كما أنه يرزقهم جميعاً في وقت واحد؛ لأنه سبحانه لا يشغله شأن عن شأن.

ثم يذيل الحق سبحانه هذه الآية بقوله تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (لقمان: 28) سميع وبصير صيغة مبالغة من السمع والبصر، وقلنا: إنك وأنت العبد المخلوق تستطيع أن ترى هذا الجمع مرة واحدة في نظرة واحدة، وكذلك تسمعه، فما بالك بسَمْع الله تعالى وبصره؟

ثم يقول الحق سبحانه: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ...).



سورة لقمان الآيات من 26-30 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة لقمان الآيات من 26-30 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة لقمان الآيات من 26-30   سورة لقمان الآيات من 26-30 Emptyالأربعاء 28 أكتوبر 2020, 3:33 pm

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

هذه آيات كونية واضحة مرئية للجميع: للمؤمن وللكافر، للطائع وللعاصي، فالحق سبحانه يوزع لنا الوقت بين ليل ونهار، لكنه ليس توزيعاً متساوياً (ميكانيكياً)، بحيث يكون كل منهما أربعاً وعشرين ساعة ثابتة على التقدير الجبري كما يقولون؛ لذلك نرى اليوم ينقص مثلاً عن الأربع وعشرين ساعة عدة دقائق تُضاف إلى زمن الليل أو العكس.

لذلك قالوا من أيام بطليموس: السنة 365 يوماً وخمس ساعات، وخمس وخمسون دقيقة، واثنتا عشرة ثانية بالدقة.

بعدها انتهوا إلى أنَّ السنة 365 يوماً وربع يوم عن طريق الجبر، فكل ثلاث سنين نجبر الرابعة، ويقولون: سنة بسيطة، وسنة كبيسة أي: طويلة، فالتي تقبل القسمة على أربعة سنة كبيسة، لذلك نجد شهر فبراير في هذه السنة 29 يوماً، ذلك لنعوض اليوم.

وكلمة يوم تعني الليل والنهار، لكن القسمة بينهما ليست متساوية، فالحق -تبارك و تعالى- بصنعته الحكيمة أراد أنْ يُوزع الحرارة والبرودة على كل مناطق المعمورة، ويعطي لكل منطقة ما تحتاجه لتنبت أرضها، وتعطينا نحن مقومات حياتنا، بدليل أن من النباتات ما لا ينمو إلا في الصيف، ومنها ما لا ينمو إلا في الشتاء، كذلك في الاعتدال الربيعي والاعتدال الخريفي.

لذلك، عرفنا أخيراً أن الخالق سبحانه جعل لمحور الأرض ميلاً بمقدار 23.5 درجة عن مستوى مدارها فهي إذن غير مستوية، ففي فصل الشتاء يكون القسم الكبير منها مواجهاً لليل، والآخر مواجهاً للنهار، فتجد ليل الشتاء أطول من ليل الصيف وأبرد منه، ويبلغ ليل الشتاء أقصى ما يمكن من الطول وهو 12 ساعة فهي شهر كيهك، حتى أن الفلاحين يقولون في كيهك (كياك صباحك مساك قوم من نومك حضر عشاك).

ومقابل ذلك في فصل الصيف، فكأن ميل محور الأرض سرٌّ من أسرار هندسة هذا الكون، ففي الحادي والعشرين من حزيران (يونيو) يبدأ الانقلاب الصيفي، وفي الثالث والعشرين من كانون الأول (ديسمبر) يبدأ الانقلاب الشتوي، ثم الاعتدال الربيعي في الحادي والعشرين من آذار (مارس)، والاعتدال الخريفي في الثاني والعشرين من أيلول (سبتمبر).

وفي الاستواء الربيعي والاستواء الخريفي تجد أن الليل مساو للنهار، وجوّهما معتدل لا حر ولا برد.

فقول الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ..) (لقمان: 29) يعني: لا تظن أن الليل والنهار قسمة متساوية؛ لأن الله تعالى بحكمته يُدخل جزءاً من الليل في النهار، أو جزءاً من النهار في الليل، فيزيد في أحدهما، وينقص من الآخر لحكمة أرادها سبحانه و تعالى لصالح الإنسان، وإمداداً له بمقوِّمات حياته، لتعلم أن ما يطرأ على الليل أو النهار من تغيير الأشياء لها مناط في الحكمة الإلهية العليا.

وحين نُقسِّم اليوم إلى ليل ونهار -وهي قسمة كما قلنا ليست رتيبة ولا متساوية- فإن لليل مهمة في الحياة وللنهار مهمة، كما بيِّن لنا سبحانه: (وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ لِبَاساً *وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً) (النبأ: 10-11).

معنى اللباس أن تسكن فيه وتكِنّ وتستر نفسك؛ لذلك عرفنا فيما بعد أن الضوء أثناء النوم أمر غيرَ صحي، وفهمنا قول رسول الله: "أطفئوا المصابيح إذا رقدتم".

والحق سبحانه يوضح لنا هذه المسألة في قوله تعالى: (وَٱلضُّحَىٰ * وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ) (الضحى: 1-2) ويقول: (وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ * وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ) (الليل: 1-2) ليبين لك أن لكل منهما مهمة في حركة حياتك، فالنهار للحركة، والليل للسكون، وعليك ألا تخلط بين هاتين المهمتين دون داع، وقد استثنينا من هذه القاعدة مَنْ تحتم عليهم طبيعة عملهم أنْ يعملوا بالليل ويرتاحوا بالنهار.

والخالق عز وجل جعل في حركة الليل والنهار أسراراً وعجائب ينبغي أن نتنبه إليها بمعطيات العلم، ومن حكمة الخالق سبحانه أنْ جعل لكل سر في الكون ميلاداً يولد فيه، ونثر أسرار كونه على خَلْقه ولم يُظهرها لجيل واحد، وإلا لو كشف القرآن كل أسراره للأمة الأمية التي عاصرتْ نزوله لانصرفتْ عن الدعوة الجديدة بتكذيب هذه القضايا التي لم تصدقها العقول حتى في العصر الحديث ورغم تقدم العلوم، فمثلاً لما قال العلماء بكروية الأرض ودورانها حول الشمس لم نصدق هذه الحقائق حتى جاءتنا الصور الفضائية التي تؤكد ذلك.

وقلنا: إن ميلاد سِرٍّ من أسرار الكون قد يصادف بحثاً من البشر، فيأتي السر ويظهر على أنه نتيجة لهذا البحث، وإلا أظهره الله للناس بالمصادفة رحمة بهم وتفضُّلاً عليهم؛ لذلك نجد أن معظم الاكتشافات جاءت صدفة، لم يَسْعَ إليها البشر، ولم يذهبوا إليها بمقدمات.

والقرآن الكريم حين يتحدث عن الليل والنهار يقول كلاماً عاماً يفهمه كل معاصر لمرحلة من مراحل التقدم العلمي: (وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ..) (الإسراء: 12).

ويقول: (وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً) (الفرقان: 62) ومعنى خلفة يعني: يخالف أحدهما الآخر ويأتي بعده، وهذا صحيح الآن، فنحن نرى الليل يخلف النهار، والنهار يخلف الليل، لكن كيف نتصور هذه المسألة في بَدْء الخَلْق؟

لو أن البداية كانت بخَلْق الأرض مواجهة للشمس، فالنهار إذن أولاً ليس خِلْفة لشيء قبله، ثم تغيب الشمس فينشأ الليل ليكون خِلْفة للنهار، وفي المقابل إن وجدت الأرض غير مقابلة للشمس، فالليل هو الأول ليس خِلْفة لشيء قبله.

إذن: لا يحل لنا هذه المسألة إلا قوله تعالى: (وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً..) (الفرقان: 62) أي: من بداية الخَلْق وهما خِلْفة، وهذا لا يتأتى ولا يسوغ إلا إذا كانت الأرض مكوَّرة، بحيث يكون الجزء المقابل للشمس منها مكوِّناً للنهار، والجزء الآخر لليل في وقت واحد، فلما تحركت الأرض في دورانها صار كل منها خِلْفة للآخر، إذن: معطيات القرآن يهضمها العقل، ولا يعارضها أبداً.

تذكرون في الثلاثينيات وبالتحديد عام 1928 فسروا السماوات السبع بأنها الكواكب السبعة السيارة التي تدور حول الشمس، ذلك ليقربوا العلم للناس، ويشاء الله -سبحانه و تعالى- أن يكتشفوا بعدها (نبتون) ثم (بلوتو) فصاروا تسعة كواكب، وأظهر الله لهم فساد هذا التأويل.

وفي الكون عجائب كثيرة نعرفها حتى عن طريق الكفار، وكأن الله سخَّر حتى الكافر ليُثبت إيمان المؤمن، فإذا كنا قد عرفنا اليوم عندنا على الأرض، وأنه ليل ونهار يُكوِّنان أربعاً وعشرين ساعة، فماذا يعني اليوم بالنسبة للكواكب الأخرى؟

لما عرفوا أفلاك الكواكب الأخرى التي تدور حول الشمس وجدوا أقربها للشمس عطارد، ثم الزهرة، ثم الأرض، ثم المريخ، ثم المشتري، ثم زحل، ثم نبتون، ثم بلوتو، وهو أبعد الكواكب عن الشمس.

ومن عجائب اليوم في هذه الكواكب أن يوم الزهرة مثلاً 244 يوماً بيومنا نحن، أما العام فيساوي 225 يوماً بيومنا، فكأن يوم الزهرة أطول من عامها، كيف؟

قالوا: لأن المدار مختلف عن مدار الأرض، فاليوم نتيجة دورة الكوكب حول نفسه، والعام نتيجة دورة الكوكب حول الشمس.

وقوله تعالى: (وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ..) (لقمان: 29) ولك أن تلحظ دقة الأداء القرآني في الانتقال من الفعل المضارع (يُولِجُ..) (لقمان: 29) إلى الماضي (سَخَّرَ..) (لقمان: 29) ففي الكلام عن حركة الليل والنهار قال (يُولِجُ..) (لقمان: 29) ولما تكلم عن الشمس والقمر قال: (سَخَّرَ..) (لقمان: 29).

لماذا؟

قالوا: لأن التسخير تم مرة واحدة، ثم استقر على ذلك، أما إيلاج الليل في النهار، وإيلاج النهار في الليل فأمر مستمر يتكرر كل يوم، فناسبه المضارع الدالّ على التكرار.

وقوله تعالى: (كُلٌّ يَجْرِيۤ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى..) (لقمان: 29) أي: إلى غاية محدودة؛ لذلك نسمي العمر النهائي: الأجل.

والمراد بالأجل المسمى يوم القيامة، فكأن الخالق سبحانه ضمن لنا استمرار الشمس والقمر إلى قيام الساعة، فاطمئنوا.

ثم أيُّ عظمة هذه في كوكب مضيء ينير العالم كله منذ خلقه الله وإلى قيام الساعة، دون صيانة ودون قطعة غيار؛ ذلك لأنه مبني على التسخير القهري الذي يمنع الاختيار، فليس للشمس أنْ تمتنع عن الشروق وكذلك القمر، ومن العظمة في الألوهية هذه الرحمانية الرحيمة التي تحتضن الجميع المؤمن بها والكافر.

وفي هذه الآية ورد التعبير بلفظ (إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى..) (لقمان: 29) وفي مواضع أخرى ورد بلفظ: (لأَجَلٍ مُّسَمًّـى..) (الرعد: 2) باللام بدلاً من إلى، وكذلك في سورتي فاطر (13) والزمر (5)، ولكل من الحرفين معنى (إِلَىٰ أَجَلٍ..) (لقمان: 29) تعطينا الصورة لمشية الشمس والقمر قبل وصولهما الأجل، إنما: (لأَجَلٍ مُّسَمًّى..) (فاطر: 13) أي: الوصول المباشر للأجل.

وكما أن لليل مهمة وللنهار مهمة، كذلك للشمس مهمة، وللقمر مهمة بيَّنها الله في قوله: (هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً..) (يونس: 5).

وفي موضع آخر قال سبحانه: (تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً) (الفرقان: 61) فالضياء للشمس فيه نور وحرارة، على خلاف نور القمر الذي يناسب حالماً لا حرارة فيه.

ومن عجائب أمر القمر أننا كُنَّا نحسبه قطعة من اللؤلؤ مضيئة في السماء، حتى إن الشعراء درجوا على تشبيه المحبوبة بالقمر، ولو عرفوا حقيقة القمر التي عرفناها نحن اليوم ما صحَّ منهم هذا التشبيه، فقد أطلعنا العلم أن القمر ما هو إلا حجارة وجسم معتم لا يضيء بذاته، إنما يعكس فقط ضوء الشمس.

لذلك لَمَّا شبَّه أحد الشعراء محبوبته بالقمر أنكرتْ عليه هذا الشبه:
شبَّهْتُها بالبدْرِ فَاسْتضْحكتْ وقابَلَتْ قَوْلِي بالنُّكْر

أي: تكلفت الضحك.

وَسفَّهَتْ قوْلي وقَالَتْ متَى
سَمُجْتُ حتى صِرْتُ كالبدْرِ

ولك أن تسأل فمن أين عرفت سماجة البدر، وأنه حجارة لا جمالَ فيها؟

تجيب هي حين تقول:
البَدْرُ لاَ يرنُو بعيْن كَما أَرْنُو ولاَ يَبْسِمُ عن ثَغْر
ولاَ يُميط المرْطَ عن نَاهدٍ ولا يشدُّ العقد في نَحْر
مَنْ قَاسَ بالبَدْر صَفائي فَلا زَالَ أَسِيراً في يَدِي هَجْري

إذن: فحقيقة القمر التي عرفناها أخيراً آية من آيات الله الظاهرة والباطنة في الكون أطلعنا الله عليها بسلطان العلم، فلما تيسَّر للبشر الصعود إلى سطحه عرفنا أنه جسم مُعْتم، وصخور لا تنير بذاتها، إنما تعكس أشعة الشمس، فتصل إلينا هادئة حالمة، وكأن القمر كما يقولون: (يصنع من الفسيخ شربات).

ومن حكمة الخالق سبحانه في خَلْق الشمس والقمر أن تكون الشمس ميزاناً لمعرفة اليوم، والقمر لمعرفة الشهر، وهو الأصل في التكليفات، لأن له شكلاً مميزاً في أول الشهر على خلاف الشمس؛ لذلك يقول سبحانه: (هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ..) (يونس: 5).

وتتجلى عظمة التكليف الإلهي وارتباطه بالقمر في فريضة الحج مثلاً، بحيث يتنقل موعد الحج على مدار العام كله، فمرة يأتي في الصيف، وأخرى في الشتاء.. إلخ مما يُيسِّر للحجاج ما يناسب كلاً منهم من الجو الملائم، ويقطع الأعذار في التخلف عن أداء هذه الفريضة.

إذن: بالتوقيت القمري يأتي الحج في كل أوقات السنة؛ لذلك قال البعض: إن ليلة القدر دائرة في العام كله إذا ما قارنا التوقيت الشمسي بالتوقيت القمري، فإنِ اتفقنا على أن ليلة القدر في السابع والعشرين من رمضان، فإنها ستوافق أول يناير مثلاً، وفي العام التالي توافق الثاني، ثم الثالث وهكذا..

وهذا من رحمة الله تعالى بعباده..

ثم يقول سبحانه: (وَأَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (لقمان: 29) وما دام أنه سبحانه خبير بما تعملون، فهو الذي يهييء لكم صلاح العمل بخبرته وحكمته وقدرته وقيوميته؛ لذلك شرع لكم الأعمال التي تنظم حركة حياتكم وحركة عبادتكم؛ لذلك نجد رمضان مثلاً يدخل بالليل فنقول هذه الليلة من رمضان، أما يوم عرفة فيدخل بيومه لأنه يوم مجموع له الناس.

وقوله: (وَأَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (لقمان: 29) معطوفة على (أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ..) (لقمان: 29) فالتقدير: وألم تر أن الله بما تعملون خبير.

ثم يقول الحق سبحانه: (ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ...).



سورة لقمان الآيات من 26-30 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة لقمان الآيات من 26-30 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة لقمان الآيات من 26-30   سورة لقمان الآيات من 26-30 Emptyالأربعاء 28 أكتوبر 2020, 3:34 pm

ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٣٠)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

قوله تعالى: (ذَلِكَ..) (لقمان: 30) إشارة إلى ما تقدم ذِكْره من دخول الليل في النهار، ودخول النهار في الليل، وتسخير الشمس والقمر، ذلك كله (ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ..) (لقمان: 30) فكل ما تقدم نشأ عن صفة من صفات الله وهو الحق، والحق هو الشيء الثابت الذي لا يتغير، فكأن ناموس الكون بكل أفلاكه وبكل المخلوقات فيه له نظام ثابت لا يتغير؛ لأن الذي خلقه وأبدعه حق (بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ..) (لقمان: 30).

وما دام الله تعالى هو (الحق) فما يدَّعونه من الشركاء هم الباطل (وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلْبَاطِلُ..) (لقمان: 30)، فلا يوجد في الشيء الواحد حَقَّان، فإنْ كان أحدهما هو الحق فغيره هو الباطل، فالحق واحد ومقابله الباطل.

وأيُّ باطل أفظع من عبادتهم للأصنام واتخاذها آلهة وشركاء مع الله عز وجل؟

كيف وهي حجارة صوَّروها بأيديهم وأقاموها ليعبدوها من دون الله، والحجارة جماد من جمادات الأرض، والجماد هو العبد الأول لكل المخلوقات، عبد للنبات، وعبد للحيوان، وعبد للإنسان؛ لأنه مُسخّر لخدمة هؤلاء جميعاً.

فكيف بك وأنت الإنسان الذي كرَّمك ربك وجعل لك عقلاً مفكراً تتدنى بنفسك وترضى لها أنْ تعبد أدنى أجناس الوجود، وتتخذها شريكاً مع الله، وأنت ترى الريح إذا اشتدتْ أطاحتْ باللات أو بالعزى، وألقتْه على الأرض، وربما كُسرت ذراعه، فاحتاج لمن يصلح هذا الإله، إذن (وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلْبَاطِلُ..) (لقمان: 30).

لذلك؛ قلنا في الحروب التي تنشب بين الناس: إنها لا تنشب بين حقين؛ لأن الحقيقة لا يوجد فيها حقَّان، إنما هو حق واحد، والآخر لابُدَّ أن يكون باطلاً، أو تنشأ بين باطلين، أما نشأتها بين حق وباطل فإنها في الغالب لا تطول؛ لأن الباطل زهوق.

والعاقبة لابُدَّ أنْ تكون للحق ولو بعد حين، أما الباطل فإنه زَهُوق، إنما تطول المعركة إنْ نشبت بين باطلين، فليس أحد الطرفين فيها أهلاً لنصرة الله، فتظل الحروب بينهما حتى يتهالكا، وتنتهي مكاسب طغيان كل منهما، ولا يردهما إلا مذلَّة اللجوء إلى التصالح بعد أنْ فقدا كل شيء.

لذلك نرى هذه الظاهرة أيضاً في توزيع التركات والمواريث بين المستحقين لها، حيث ينشب بينهم الخلاف والطعن واللجوء إلى القضاء والمحامين حتى يستنفد هذا كله جزءاً كبيراً من هذه التركة، حتى إذا ما صَفَتْ مما كان بها من أموال جُمعتْ بالباطل ترى الأطراف يميلون إلى الاتفاق والتصالح وتقسيم ما بقي.

واقرأ إنْ شئت حديث رسول الله صلى الله عليهم وسلم: "مَنْ أصاب مالاً من مهاوش أذهبه الله في نهابر".

ومعنى: مهاوش يعني التهويش أو كما نقول (بيهبش) من هنا ومن هنا، وطبيعي أن يُذهِب الله هذا المال في الباطل وما لا فائدة منه.

وسبق أن أعطينا مثلاً لمصارف المال الحرام بالأب يرجع إلى بيته، فيجد ابنه مريضاً حرارته مرتفعة، فيسرع به إلى الطبيب ويصيبه الرعب، ويتراءى له شبح المرض، فينفق على ابنه المئات، أما الذي يعيش على الكفاف ويعرق في كسب عيشه بالحلال فيكفيه في مثل هذه الحالة قرص أسبرين وكوب ليمون، فالأول أصاب ماله من مهاوش، والآخر أصابه من الحلال.

فقول الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ..) (لقمان: 30) يعني: أن الحق هو الظاهر وهو الغالب، فإنْ قلتَ كيف ونحن نرى الباطل قد يعلو على الحق ويظهر عليه؟

ونقول: نعم، قد يعلو الباطل لكن إلى حين، وهو في هذه الحالة يكون جندياً من جنود الحق، كيف؟

حينما يعلو الباطل وتكون له صَوْلَة لابُدَّ أن يعض الناس ويؤذيهم ويذيقهم ويلاته، فيلتفتون إلى الحق ويبحثون عنه ويتشوقون إليه.

إذن: لولا الباطل ما عرفنا ميزة الحق، ومثال ذلك الألم الذي يصيب النفس الإنسانية فينبهها إلى المرض، ويظهر لها علتها، فتطلب الدواء، فالألم جندي من جنود الشفاء، وقلنا سابقاً: إن الكفر جندي من جنود الإيمان.

لذلك لا تحزن إنْ رأيتَ الباطل عالياً، فذلك في صالح الحق، واقرأ قول ربك عز وجل: (أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا..) (الرعد: 17) يعني: يأخذ كل وادٍ على قدره وسِعَته من الماء: (فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً..) (الرعد: 17) وهو القش والفتات الذي يحمله الماء: (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ..) (الرعد: 17) أي: مثلاً لكل منهما.

(فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً..) (الرعد: 17) يعني: مطروداً مُبْعداً من الجفوة: (وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ) (الرعد: 17).

وبعد أن بيَّن الحق سبحانه و تعالى أنه (ٱلْحَقُّ..) (لقمان: 30) وأن غيره من آلهة المشركين هم الباطل ذكر لنفسه سبحانه صفتين أخريين (وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ) (لقمان: 30) العلي الكبير يقولها الله تعالى، ويقولها رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ونقولها نحن؛ لأن الله قالها؛ ولأن النبي الصادق أخبرنا بها، لكن المسألة أن يشهد بها مَنْ كفر بالله.

لذلك يعلمنا ربنا -تبارك و تعالى- أن نحمد الله حينما يشهد الكافر لله رغم كفره به، كما ورد في الآيات السابقة: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) (لقمان: 25).

فهذه الشهادة منهم تستحق من المؤمن أن يقول: الحمد لله؛ لأنها شهادة جاءت ممَّنْ كفر بالله وكذَّب رسوله وحاربه، وأيضاً تنظر

إلى هذا الكافر الذي تأبَّى على منهج الله وكذَّب رسوله حين يصيبه مرض مثلاً، أيستطيع أنْ يتأبى على المرض كما تأبَّى على الله؟هذا الذي أَلِف التمرد على الله: أيتمرد إنْ جاءه الموت.

واقرأ قوله تعالى: (وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ..) (الإسراء: 76) أي: لا يجدون أمامهم ساعة الكرب والهلاك إلا الله؛ لأن الإنسان في هذه الحالة لا يخدع نفسه ولا يكذب عليها، بالله أرأيتم إنساناً أحاطتْ به الأمواج، وأشرف على الهلاك يدعو يقول: يا هبل؟

إذن: الله هو العلي وهو الكبير، وغيره شرك وباطل.

وسبق أن ضربنا مثلاً للإنسان، وأنه لا يغشُّ نفسه، ولا يخدعها خاصة إذا نزلتْ به ضائقة بالحلاق أو حكيم الصحة كما كانوا يطلقون عليه، فهو يداوي أهل القرية ويسخر من طبيب الوحدة الصحية، ويتهمه بعدم الخبره لكن حين مرض ولده وأحسَّ بالخطر أخذ الولد وتسلَّل به في ظلام الليل، وذهب إلى الطبيب.

فلله وحده العلو، ولله وحده الكبرياء، بدليل أن الكافر حين تضطره أمور الحياة وتُلجئه إلى ضرورة لا مخرجَ منها لا يقول إلا: يالله يا رب.

فالله هو العليُّ بشهادة مَنْ كفر به، ثم أردف صفة (العلي) بصفة (الكبير)؛ لأن العلي يجوز أنه علا بطغيان وعدم استحقاق للعلو، لكن الحق سبحانه هو العلي، وهو الكبير الذي يستحق هذا العلو.

ثم يلفتنا الحق سبحانه إلى آية أخرى من آياته في الكون: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱلْفُلْكَ...).



سورة لقمان الآيات من 26-30 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة لقمان الآيات من 26-30
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة لقمان الآيات من 01-05
» سورة لقمان الآيات من 06-10
» سورة لقمان الآيات من 11-15
» سورة لقمان الآيات من 16-20
» سورة لقمان الآيات من 21-25

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: لقمان-
انتقل الى: