منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة الروم الآيات من 41-45

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الروم الآيات من 41-45 Empty
مُساهمةموضوع: سورة الروم الآيات من 41-45   سورة الروم الآيات من 41-45 Emptyالثلاثاء 13 أكتوبر 2020, 4:48 pm

ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤١)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ظهر: بان ووضح.

والظهور: أن يُبين شيء موجود بالفعل لكنَّا لا نراه، وما دام الحق سبحانه قال: (ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ..) (الروم: 41) فلابُدَّ أن الفساد كان موجوداً، لكن أصحاب الفساد عمُّوه وجَنُّوه إلى أن فقس وفرخ في المجتمع.

والفساد لا يظهر إنما يظهر أثره، أتذكرون الزلزال الذي حدث والذي كشف الفساد والغش والتدليس بين المقاول والمهندس، وكانت المباني قائمة والفساد مستتراً إما لغفلتنا عنه، أو لتواطئنا معه، أو لعدم اهتمامنا بالأشياء إلى أن طمَّتْ المسائل، ففضح الله الأرض بالزلزال، ليكشف ما عندنا من فساد.

فإذا ازداد الغش، وانتشر وفَاقَ الاحتمال لابُدَّ أن يُظهره الله للناس، فلم يَعُدْ أحد قادراً على أن يقف في وجه الفساد، أو يمنعه؛ لذلك يتدخَّل الحق سبحانه، ويفضح أهل الفساد ويذيقهم آثار ما عملت أيديهم.

وتأتي ظهر بمعنى "الغلبة" كما في قوله تعالى: (فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ) (الصف: 14) أي غالبين.

وفي سورة التحريم: (وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ..) (التحريم: 4).

وبمعنى "العلو" في قوله تعالى: (فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً) (الكهف: 97).

فالمعنى (ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ..) (الروم: 41) أي: غلب الصلاح وعلا عليه، والكون خلقه الله تعالى على هيئة الصلاح، وأعدّه لاستقبال الإنسان إعداداً رائعاً، وللتأكد من صِدْق هذه المسألة انظر في الكون وأجناسه وأفلاكه وأجوائه، فلن ترى فساداً إلا فيما تتناوله يد الإنسان.

أما ما لا تتناوله يد الإنسان، فلا ترى فيه خللاً؛ لأن الله خلقه منسجمَ الأجناس منسجمَ التكوين: (لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (يس: 40).

فهل خلقنا الحق سبحانه وخلق اختيارنا لنفسد في الكون؟

لا.

إنما هو ابتلاء الاختيار حين ينزل عليك المنهج ويجعله قانوناً لحركتك بافعل ولا تفعل، وما لم أقُل فيه (افعل(أو (لا تفعل(فأنت حر فيه، فلا يحدث من الفعل أو من عدمه ضرر في الكون، أمّا أنا فقد قلت افعل في الذي يحصل منه ضرر بعدم فعله، وقلت لا تفعل في الذي يحصل ضرر من فعله.

فالفساد يأتي حين تُدخِل يدك في شيء وأنت تطرح قانون الله في افعل ولا تفعل، أما الصلاح فموجود وفيه مناعة يكافح بها الفساد، فإنْ علا تيار الفساد وظهر على الصلاح وغلبه بان للناس.

وعندها يُنبِّهنا الحق سبحانه بالأحداث تطرقنا وتقول لنا: انظروا إلى مَنْ خالف منهج الله ماذا حدث له؛ لذلك في أعقاب الأحداث نزداد عشقاً لله، وحباً لطاعته، وترى الناس (تمشي على العجين متلخبطه)، لكن سرعان ما يعودون إلى ما كانوا عليه من الإهمال والغفلة.

على حَدِّ قول الشاعر:
تُروِّعنا الجناَئِزُ مُقْبِلاتٍ
ونلهُو حِين تَذهَبُ مُدبراتِ
كَروْعَةِ ثُلَّةٍ لمغَارِ ذِئْبٍ
فَلما غابَ عادتْ راتعاتِ

فالحق يقول: (ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ..) (الروم: 41) أي: غلب على قانون الصلاح الذي أقام الله عليه نظام هذا الكون، الذي لو نالتْه يد الإنسان لَفسد هو الآخر، كما قال سبحانه: (وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ..) (المؤمنون: 71).

فظواهر الكون أشياء وقضايا لكل العامة، ومن الحكمة ألاّ تنالها يد الإنسان؛ لأن الله تعالى يريد للكون البقاء، ولم يأْتِ أوان انتهائه، لذلك الحق سبحانه يجعل فينا مناعة تجعلنا نقبل الفساد إلى حين، إلى أن يصل إلى درجة التشبُّع، فتتفجر الأوضاع.

فقوله: (ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ..) (الروم: 41) نتيجة لدعوته -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن كلمة (ظهر(تدل على أن شيئاً وقع، فكأنه يقول لنا: إنْ كررتم الفساد والغفلة تكرَّر ظهور الفساد، فهو يعطينا مُلخصاً لما حدث بالفعل من عداوتهم لرسول الله، ومقاطعته وعزله وإغراء السفهاء منهم للتحرش به، ثم عداوة أصحابه وإجبارهم على الهجرة إلى الحبشة حتى لا يستقر لهم قرار بمكة.

لذلك دعا عليهم رسول الله: "اللهم اشْدُد وطأتك على مُضَر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف".

فأصابهم الجَدْب والقحط، حتى رُوِي أنهم كانوا يذهبون للبحر لصيد السمك، فيبتعد عنهم ولا يستقيم لهم فيعودون كما أتوا.وهذا معنى (ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ..) (الروم: 41).

ثم يوضح الحق سبحانه سبب هذا الفساد: (بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ..) (الروم: 41) فتلحظ هنا أن الحق سبحانه لما يذكرالرحمة لا يذكر عِلَّتها، لكن يذكر عِلَّة الفساد؛ لأن الرحمة من الله سبحانه أولاً وأخيراً تفضُّل، أما الأخذ والعذاب فبَعدله تعالى؛ لذلك يُبِّين لك أنك فعلت كذا، وتستحق كذا، فالعلَّة واضحة.

هناك قضية أخرى أحب أن أوضحها لكم، وهي أن الحق سبحانه يعامل خَلْقه معاملته في الجزاء، فالله يقول: (مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا..) (الأنعام: 160).

إذن: فالحسنة الواحدة تستر عشر سيئات، وكذلك في جسم الإنسان، فيقول بعض علماء وظائف الأعضاء والتشريح: إن الكلية بها مليون خلية يعمل منها العُشْر بالتبادل، فمجموعة تعمل، والباقي يرتاح وهكذا.

فانظر كم ترتاح الخلية حتى يأتي عليها الدور في العمل.

فكأن ربنا -سبحانه و تعالى- خلق لها العشر يقوم مقام المليون؛ لذلك قالوا لو أن في أحد الدواوين عشرة موظفين، منهم واحد محسن، يستر إساءة الباقين، وكثيراً ما تلاحظ هذه الظاهرة في دواوين الحكومة، فترى غالبية الموظفين منشغلين: هذا يقرأ الجرائد، وهذا يشرب الشاي، وآخر لم يأْتِ أصلاً.

وخلف كومة من الملفات تجد موظفاً نحيلاً غارقاً في العمل، يقصده الجميع، ويتحمل هو تقصير الآخرين، ويؤدي عنهم، وبه تسير دفَّة الأمور، لكن إنْ فقدنا هذا أيضاً، فلابُدَّ أن تأتي (ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ..) (الروم: 41) إذن: إن رأيت الفساد فاعلم أنه نتيجة إهمال وغفلة فاقت كل الحدود.

وما دام الحق سبحانه قال: (بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ..) (الروم: 41) فلا بُدّ أن الفساد جاء من ناحيتهم، وبالله هل اشتكينا أزمة في الهواء مثلاً؟

لكن نشتكي تلوث الهواء بما كسبتْ أيدي الناس، أمّا حين نذهب إلى الخلاء حيث لا يوجد الإنسان، نجد الهواء نقياً كما خلقه الله.

الحق سبحانه تكفَّل لنا بالغذاء فقال: (وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا..) (فصلت: 10) لكنا نشتكي أزمة طعام..

لماذا؟

لأن الطعام يحتاج إلى عمل، ونحن تكاسلنا، وأسأنا التصرُّف في الكون، إما بالكسل والخمول عن استخراج خيرات الأرض وأقواتها، وإما بالأنانية حيث يضِنُّ الواجد على غير الواجد.

وقد قرأنا مثلاً أن أمريكا تسكب اللبن في البحر، وتعدم الكثير من المحصولات، وفي العالم أُناس يموتون جوعاً، إذن: هذه أنانية، أما التكاسل فقد حدث منا في الماضي.

وانظر الآن إلى صحرائنا التي كانت جرداء قاحلة، كيف اخضرت الآن، وصارت مصدراً للخيرات لما اهتممنا بها ويسَّرنا ملكيتها للناس، فإنْ ضنَّتْ الأرض في منطقة ما فقد جعل الله لنا سعة في غيرها، فالخالق سبحانه لم يجعل الأرض لجنس ولا لوطن، إنما جعلها مشاعاً لخَلْق الله جميعاً.

واقرأ قوله تعالى: (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا..) (النساء: 97).

ولذلك قلت في هيئة الأمم: إن في القرآن آية واحدة، لو أخذ العالم بها لضمنت له الرخاء والاستقرار والأمان، إنها قوله تعالى: (وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ) (الرحمن: 10) فالأرض كل الأرض للأنام كل الأنام، لكن الواقع خلاف ذلك، فقد وضعوا للأرض حدوداً، وأقاموا عليها الحواجز والأسوار، فإنْ أردتَ التنقّل من قطر إلى آخر تجشَّمت في سبيل ذلك كثيراً من المشاق في إجراءات وتأشيرات.. إلخ.

وكانت نتيجة ذلك أن يوجد في الكون رجال ازدحموا بلا أرض، وفي موضع آخر أرض بلا رجال، ولو حدث التكامل بين هذه وتلك لاستقامت الأمور.

إذن: الذين وضعوا الحدود والحواجز في أرض الله أخذوها لأنفسهم، فلم تَعُدْ أرض الله الواسعة التي تستقبل خَلْق الله من أي مكان آخر، إنما جعلوها أرضهم، وأخضعوها لقوانينهم هم، وتعجب حين تتأمل حدود الدول على الخريطة، فهي متداخلة، فترى جزءاً من هذه الدولة يدخل في نطاق دولة أخرى، على شكل مثلث مثلاً، أو تمتد أرض دولة في دولة أخرى على شكل لسان أو مناطق متعرجة، فماذ دُمْتم قد وضعتم بينكم حدوداً، فلماذا لا تجعلونها مستقيمة؟

وكأن واضعي هذه الحدود أرادوها بُؤراً للخلاف بين الدول، ولا يخلو هذا التقسيم من الهوى والعصبيات القبلية والجنسية والقومية والدينية، لكن لو أخذنا بقول ربنا: (وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ) (الرحمن: 10) لما عانينا كل هذه المعاناة.

وقوله تعالى: (كَسَبَتْ..) (الروم: 41) عندنا: كسب واكتسب، الغالب أن تكون كسب للحسنة، واكتسب للسيئة؛ لأن الحسنة تأتي من المؤمن طبيعة بدون تكلُّف أو افتعال، فدلَّ عليها بالفعل المجرد (كسب).

أما السيئة، فعلى خلاف الطبيعة، فتحتاج منك إلى تكلُّف وافتعال، فدلَّ عليها بالفعل المزيد الدال على الافتعال (اكتسب).

أَلاَ ترى أنك في بيتك تنظر إلى زوجتك وبناتك كما تشاء، أما الأجنبية فإنك تختلس النظرات إليها وتحتال لذلك؟

فكل حركاتك مفتعلة..

لماذا؟

لأنك تفعل شيئاً محرماً وممنوعاً، أما الخير فتصنعه تلقائياً وطبيعياً بلا تكلُّف.

كما أن الحسنة لا تحتاج منك إلى مجهود، أمّا السيئة فتحتاج إلى أنْ تُجنِّد لها كل قواك، وأن تحتاط، كالذي يسرق مثلاً، فيحتاج إلى مجهود، وإلى محاربة لجوارحه؛ لأنها على الحقيقة تأبى ما يفعل.

ومع ذلك نلحظ قوله تعالى: (بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ..) (البقرة: 81).

فجعل السيئة كَسْباً لا اكتساباً.

قالوا: لأن السيئة هنا صارت عادة عنده، وسهلت عليه حتى صارت أمراً طبيعياً يفعله ولا يبالي كالذي يفعل الحسنة، وهذا النوع والعياذ بالله أحب السيئة وعشقها، حتى أصبح يتباهى بها ولا يسترها ويتبجح بفعلها.

وهذا نسميه (فاقد)، فقد أصبح الشر والفساد حرفة له، فلا يتأثر به، ولا يخجل منه كالذي يقبل الرِّشْوة، ويفرح لاستقبالها، فإن سألته قال لك: وماذا فيها؟

أنا لا أسرق الناس.

وقوله تعالى: (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ..) (الروم: 41) الإذاقة هنا عقوبة، لكنها عقوبة الإصلاح كما تعاقب ولدك وتضر به حرصاً عليه، وسبق أن قلنا: إنه لا ينبغي أن نفصل الحدث عن فاعله، فقد يعتدي ولد على ولدك، فيجرحه فتذهب به للطبيب، فيجرحه جرحاً أبلغ، لكن هذا جرح المعتدي، وهذا جرح المداوي.

وحين يُذيق الله الإنسانَ بعض ما قدَّمت يداه يوقظه من غفلته، ويُنبِّه فيه الفطرة الإيمانية، فيحتاط للأمر ولا يهمل ولا يقصر، وتظل عنده هذه اليقظة الإيمانية بمقدار وَعْيه الإيماني، فواحد يظلّ يقظاً شهراً، ثم يعود إلى ما كان عليه، وآخر يظل سنة، وآخر يظل عمره كله لا تنتابه غفلة.

وقد أذاق اللهُ أهلَ مكة عاقبة كفرهم حتى جاعوا ولم يجدوا ما يأكلونه إلا دَمَ الإبل المخلوط بوبرها، وهو العِلْهِز.

وقوله: (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم: 41) لأن الكلام هنا في الدنيا، وهي ليستْ دار جزاء، فالحق يُذيقهم بعض أعمالهم ليلتفتوا إليه سبحانه، ويتوبوا ويعودوا إلى حظيرة الإيمان؛ لأنهم عبيده، وهو سبحانه أرحم بهم من الوالدة بولدها.

والحق سبحانه ساعة يقول (ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ..) (الروم: 41) أي: على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليُبيِّن لنا أن الرسل إنما جاءوا لإنقاذ البشرية من هذا الفساد، لكن ما دام الأمر عُلِّل فالأمر يدور مع العلة وجوداً وعدماً، فكلما ظهر الفساد حلَّتْ العقوبة، فخذوها في الكون آية من آيات الله إلى قيام الساعة.

فظهر الفساد قديماً (فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (العنكبوت: 40).

لكن هذا الأخْذ كان قبل سيدنا رسول الله في الأمم السابقة، وكان هلاك استئصال؛ لأن الرسل السابقين لم يُكلَّفوا بالمحاربة لأجل نَشْر دعوتهم، فما عليهم إلا نشر الدين وتبليغه، مع التأييد بالمعجزات، فإنْ تأبَّى عليهم أقوامهم تولَّى الحق سبحانه عقابهم، أما أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- فقد أكرمها الله بألاَّ يعاقبها بعذاب الاستئصال: (وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الأنفال: 33).

ثم سيظهر الفساد حديثاً وسيحدث العقاب.

إذن: ليست الأمة الإسلامية بِدَعاً في هذه المسألة.

ثم يقول الحق سبحانه: (قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ...).



سورة الروم الآيات من 41-45 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الروم الآيات من 41-45 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الروم الآيات من 41-45   سورة الروم الآيات من 41-45 Emptyالثلاثاء 13 أكتوبر 2020, 4:49 pm

قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (٤٢)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

السير: الانتقال من حيز مكاني إلى حيز آخر، وسبق أنْ قلنا: إن النظرة السطحية في ظاهر الأمر أن السير يكون على الأرض لا فيها؛ لأننا نسكن على الأرض لا فيها، لكن الحق سبحانه يُبصرنا بقوله: (قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ..) (الروم: 42) أن الأرض ليست هي اليابسة والماء على سطح الكرة الأرضية، أما الأرض فتشمل غلافها الجوي لذلك يدور معها وهو إكسير الحياة فيها؛ فلا حياة لها إلا به.

إذن: فهواء الأرض من الأرض، وهو أهم الأقوات للأحياء عليها، فحين يقول تعالى: (وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا..) (فصلت: 10) فالهواء داخل فيها، لذلك قال (قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ..) (الروم: 42).

وقلنا: لو أنك استقرأتَ أجناس الوجود لوجدت أنك الجنس الأعلى في الكون، وكل الأجناس تحتك تخدمك، فأنت تنتفع بالحيوان وبالنبات وبالجماد، فأدنى الأجناس في الكون وهو الجماد له مهمة يؤديها.

فأنت أيها الإنسان الذي كرَّمك الله على كل أجناس الوجود إذا لم تبحث لك عن مهمة تؤديها في الحياة، ودور تقوم به، فأنت أقل منزلةً من أدنى الأجناس وهو الجماد، إذا لم تبحث بعقلك عن شيء ترتبط به يناسب سيادتك على مَنْ دونك، فأنت أتفه من الحجر؛ لأن الحجر له مهمة يؤديها، وأنت لا مهمةَ لك.

لكن هذا الجنس الأدنى إنْ أراد سبحانه أعطاه عزة فوق السيد المخدوم وهو الإنسان، ففي فَرْض الحج يُسَنُّ لك أن تُقبِّل هذا الحجر، وتسعى جاهداً لكي تُقبِّله، وتأمل الإنسان -وهو سيد هذا الوجود- وهو يحاول أنْ يُقبِّل الحجر، ويغضب إنْ لم يتمكن من ذلك.

وتأمَّل الردَّ من دولة الأحجار على مَنْ عبدها من دون الله:
عَبَدُونَا ونَحْنُ أعبَدُ لله منَ القائمين بالأسْحارِ
اتَخِذُوا صَمْتنَا عَليْنَا دَليلاً فَغدوْنَا لَهُم وقُودَ النارِ
قَدْ تجنَّوا جَهْلاً كما قَدْ تجنَّوْه علَى ابْن مريم والحَوارِيَ
للمغَالِي جَزَاؤه والمغَالَى فيهِ تُنجِيهِ رَحْمةُ الغفَّارِ

ثم يقول سبحانه: (فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلُ..) (الروم: 42) فالسير في الأرض يكون إما للسياحة والتأمل في آيات الله في كونه، لذلك يستخدم فيها الفاء (فَٱنْظُرُواْ..) (الروم: 42) أو يسير في الأرض لطلب الرزق.

وفي آية أخرى: (قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ ثُمَّ ٱنْظُرُواْ..) (الأنعام: 11) والمعنى: سيروا في الأرض للاستثمار، وطلب القوت، وقضاء المصالح، لكن لا يفوتكم النظر والتأمل في آيات الله وفي مخلوقاته لتأخذوا منها العبرة والعظة.

ومعنى: (كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلُ..) (الروم: 42) أي الذين ظهر الفساد بينهم، فأذاقهم الله الألم بما كسبتْ أيديهم، فهذه ليست عندك وحدك، إنما حدثتْ في الأمم السابقة، كما قال سبحانه: (وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ) (الصافات: 137).

فهناك مدائن صالح والأحقاف وعاد وثمود والفراعنة.. إلخ، انظر ما حلَّ بهم بعد الحضارة والنضارة، بعد ما توصلوا إليه من علم التحنيط الذي لم يعرف العلم أسراره حتى الآن، ويضعون مع جثث الموتى حبوب القمح أو الشعير، فتظل على حالها، بحيث إذا زُرِعت بعد آلاف السنين تنبت.

إنها قدرة علمية فائقة، ومع ذلك ما استطاعت هذه الحضارة أن تحمي نفسها من الاندثار، وإذا كان القرآن قد قال عن الحضارة الفرعونية: (وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ) (الفجر: 10) فقد قال عن إرم: (ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ) (الفجر: 8).

فأيُّ حضارة هذه؟

وأين هي الآن؟

طمرتها رمال الأحقاف، ودفنتها تحت أطباق الثرى، ولا تعجب من ذلك، ففي هذه المنطقة إنْ هبَّتْ عاصفة واحدة، فإنها تغطي قافلة كاملة بجمالها ورجالها تحت الأرض، فما بالك بالعواصف منذ قرون طوال؛ لذلك نجد كل الآثار يتم التنقيب عنها حَفْراً.

إذن: فالحضارات مع عظمها لم تستطع أنْ تحمي نفسها من الزوال، وهذا دليل على وجود قوة أعلى منها تزيلها وتقضي عليها.

وقوله تعالى: (كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ) (الروم: 42) أي: أن القليل منهم لم يكُنْ مشركاً، قالوا: هذه القِلّة هم الصبيان والمجانين، ومن ليس له إرادة حرة، وإن أخذت هذه القلة مع الكثرة المشركة، فإن الله إنما أراد بهم خيراً؛ لأن مثواهم إلى الجنة بغير حساب.

لذلك لما تكلمنا عن موسى والعبد الصالح في سورة الكهف: لما قتل الخضر الغلام تعجَّب موسى، ففي المرة الأولى خرق السفينة واعتدى على مِلْك، أما في هذه المرة فقد أزهق روحاً؛ لذلك قال في الأولى: (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً) (الكهف: 71) أي: عجيباً، أما في الثانية فقال: (لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً) (الكهف: 74).

ثم بيَّن الخضر الحكمة من قتل الغلام فقال: إن له أبوين صالحين، وفي علم الله تعالى أنه سيفسد عليهما دينهما؛ لأن الفتنة تأتي الإنسان غالباً من الزوجة أو من الولد، كما قال سبحانه: (إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ..) (التغابن: 14)..

لماذا؟

لأنهما يحملانك على ما لا تطيق، ويضطرانك ربما للسرقة أو للرشوة لتوفر لهما ما يلزمهما، ولأن الفساد يأتي من ناحيتهما قال سبحانه: (مَا ٱتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً) (الجن: 3) يعني: طمئنوا عبادي، فلا أحد يؤثر على إرادتي.

إذن: فالخضر صنع الجميل بالوالدين، حيث أنقذهما من هذا الابن، وصنع أيضاً جميلاً بالغلام حيث قتله قبل سِنِّ التكليف، وجعل مصيره إلى الجنة، وربما لو تركه لكان كافراً بالله عاقاً لوالديه، وهذا كله إنما جرى بأمر الله وحكمه: (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي..) (الكهف: 82).

وكأن الحق -تبارك و تعالى- يقول لنبيه في هذه المسألة بداية من: (ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ..) (الروم: 41) ثم إنزال العقاب بهم جزاء ما عملتْ أيديهم وأجبتُك في دعوتك عليهم.

كل ذلك إنما يعني أنني أُقوِّي مركزك، ولن أتخلى عنك، وما دام الأمر كذلك فإياك أن يُؤثِّر فيك مكرهم أو تركن إلى أحد منهم ممَّنْ قالوا لك: تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، لكن يقول الحق سبحانه: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينَ ٱلْقِيِّمِ...).



سورة الروم الآيات من 41-45 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الروم الآيات من 41-45 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الروم الآيات من 41-45   سورة الروم الآيات من 41-45 Emptyالثلاثاء 13 أكتوبر 2020, 4:50 pm

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (٤٣)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

قوله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينَ ٱلْقِيِّمِ..) (الروم: 43) يعني اطمئن يا محمد، وتفرغ لعبادة الله لأنني وعدتُك بالنصر، وأجبتُك حين قُلْت: "اللهم اشْدُدْ وطأتك على مُضَر، واجعلها عليهم سنين كسنيِّ يوسف".

(فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ) (غافر: 77) يعني: مَنْ لم تَنَلْهُ عقوبة الدنيا نالته عقوبة الآخرة.

وقال: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ..) (الروم: 43) لأن الوجه محلُّ التكريم، وسيد الكائن الإنساني، وموضع العزة فيه، بدليل أن السجود والضراعة لله تعالى تكون بوضع هذا الوجه على الأرض؛ لذلك حين ترسل شخصاً برسالة أو تُكلِّفه أمراً يقضيه برِجْله، أو بيده، أو بلسانه، أو بأيِّ جارحة من جوارحه تقول له: أرجو أنْ تُبيِّض وجهي؛ لأن الوجه هو السيد.

ومن ذلك قوله تعالى: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ..) (القصص: 88) لأنك لا تعرف سمة الناس إلا بوجوههم، ومَنْ أراد أنْ يتنكر أو يُخفي شخصيته يستر مجرد عينيه، فما بالك إنْ ستر كل وجهه، وأنت لا تعرف الشخص من قفاه، ولا من كتفه، ولا من رجله، إنما تعرفه بوجهه، ويقولون: فلان وجيه القوم، أو له وجاهته في القوم، كلها من ناحية الوجه.

وما دام قد خصَّ الوجه، وهو أشرف شيء فيك، فكُلُّ الجوارح مقصودة من باب أَوْلَى فهي تابعة للوجه، فالمعنى: أقِم يدك فيما أمرك الله أن تفعل ورجلك فيما أمرك الله أنْ تسعى، وقلبك فيما أمرك الله أن تشغل به، وعينك فيما أمرك الله أن تنظر فيه.. إلخ.

يعني: انتهز فرصة حياتك (مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ..) (الروم: 43) هو يوم القيامة (لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ..) (الروم: 43) المعنى: أن الله حين يأتي به لا يستطيع أحد أنْ يسترده من الله، أو يأخذه من يده، أو يمنعه أنْ يأتي به، أو أنه سبحانه إذا قضي الأمر لا يعود ولا يرجع فيه.

فكلمة (مِنَ ٱللَّهِ..) (الروم: 43) تعطينا المعنيين، كما في قوله تعالى: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ..) (الرعد: 11) فكيف تحفظه المعقِّبات من أمر الله؟

قالوا: كونهم مُعقِّبات للحفظ أمر صادر من الله أصلاً، وبناءً على أمره تعالى بالحفظ.

وقوله: (يَوْمَئِذٍ..) (الروم: 43) يعني: في اليوم الذي لا مردَّ له من الله (يَصَّدَّعُونَ) (الروم: 43) أي: هؤلاء الذين تكاتفوا على حربك وعلى عداوتك وإيذائك، وتعصَّبوا ضدك (يَصَّدَّعُونَ) (الروم: 43) أي: ينشقُّون بعضهم على بعض، ويتفرقون، وقد وردت هذه المسألة في آيات كثيرة.

والتفريق إما إيمان وكفر أي: أشقياء وسعداء، وإما أن يكون التفريق في القوم الذين عاندوا واتبعوا أتباعهم على الشرك، فيتبرأ كل منهم من الآخر، كما قال سبحانه: (إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ..) (البقرة: 166).

ثم قال الحق ليبين لنا ذلك التفريق في الآخرة بعلّته، وعِلَّته ما حدث في الدنيا، فالله تعالى لا يظلم أحداً، فقال بعد ذلك: (مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ...).



سورة الروم الآيات من 41-45 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الروم الآيات من 41-45 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الروم الآيات من 41-45   سورة الروم الآيات من 41-45 Emptyالثلاثاء 13 أكتوبر 2020, 4:51 pm

مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (٤٤)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ما دامت القيامة أمراً لا مردَّ له من الله، فلننتبه للعواقب، ولنحسب لها حساباً، فمَنْ كفر فعليه كفره، عليه لا له، وهذه قضية تقتضي أن نقول في مقابلها: ومَنْ آمن فله إيمانه.

بعد أن بيَّن الدلائل الواضحة على واحديته في الكون، وأحديته في ذاته سبحانه، وبيَّن الأدلة الكونية بكُلِّ صورها برهاناً وحجةً، وضرب أمثالاً وتفصيلاً بعد ذلك قال: سأقول لكم أنكم أصبحتم مختارين أي: خلقتُ فيكم الاختيار في التكليف حتى لا أقهر أحداً على الإيمان بي.

وخَلْق الاختيار في التكليف بعد القهر في غير التكليف يدلُّ على أن الله تعالى لا يريد من عباده قوالب تأتمر بأمر القهر، ولكنه يريد أنْ يجذب الناس بمحبوبيتهم للواحد الأحد.

وإلا فكان من الممكن أن يخلقهم جميعاً مهتدين، وأنْ يخلقهم على هيئة لا تتمكّن من الكفر، وتسير إلى الطاعة مرغمة، كما قال سبحانه حكاية عن السماء والأرض: (أَتَيْنَا طَآئِعِينَ) (فصلت: 11) وذلك يُفسِّر لنا أمانة خَلْق الاختيار في الناس.

والحق -سبحانه وتعالى- حينما تكلم عن هذه المسألة بوضوح قال: (إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا..) (الأحزاب: 72) والإباء هنا ليس إباءَ تكبُّر على مراد الله، إنما وضعوا أنفسهم في الموضع الطبيعي، فقالوا: لا لحمل الأمانة؛ لأننا لا نأمن أنفسنا ولا نضمنها عند الأداء.

والإنسان كذلك ابن أغيار، فقد يحمل الأمانة، ويضمن أداءها في وقت التحمل، لكنه لا يضمن نفسه عند الأداء، وسبق أن مثَّلْنا لذلك بمَنْ يقبل الأمانة، ويرحب بها عند التحمل، ثم تطرأ عليه من أحداث الحياة ما يضطره لأنْ يمدَّ يده إلى هذه الأمانة وإنْ كان في نيته الأداء، لكن يأتي وقته فلا يستطيع، وآخر يُقدِّر هذه المسئولية ويرفض تحمل الأمانة، وهذا هو العاقل الذي يُقدِّر الظروف وتغيّر الأحوال.

ومعلوم أن الأمانة لا تُوثَّق، فإنْ كتبتَ وشهد عليها فإنها لم تَعُدْ أمانة، فالأمانة إذن مردُّها لاختيار المؤتمن إنْ شاء أقرَّ بها، وإنْ شاء أنكرها.

فالحق سبحانه قال حكاية عن السماوات والأرض والجبال: (فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا..) (الأحزاب: 72) لأنهم يُقدِّرون مسئوليتها، أما الإنسان فقد تعرَّض لحملها وقال: عندي عقل أفكر به، وأختار بين البدائل، وسوف أؤدي، فضمن وقت التحمل، لكنهن لا يضمن وقت الأداء، فظلم نفسه وجهل حقائق الأمور.

(وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب: 72) ظلوماً لنفسه، جهولاً بما يمكن أنْ يطرأ عليه من الأغيار.

وما دام الإنسان ابن أغيار، فإنه لا يثبت على حال؛ لذلك قلنا: إذا صعد الإنسان الجبل إلى قمته وهو ابن أغيار فليس أمامه إلا أنْ ينزل، والعقلاء يخافون أنْ تتم لهم النعمة؛ لأنه ليس بعد التمام إلا النقصان.

كما قال الشاعر:
إِذَا تَمَّ شيء بَدا نَقْصُه
ترقَّبْ زَوَالاً إذَا قِيلَ تَمّ

فإذا قلت: لماذا خلق الله الاختيار في الإنسان ولم يخلقه في الأجناس التي تخدمه من جماد ونبات وحيوان؟

نقول: كُنْ دقيقاً، وافهم أنها أيضاً خُيّرت بقوله تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا..) (الأحزاب: 72).

إذن: هذه الأجناس أيضاً خُيِّرت، لكنها اختارت اختياراً واحداً يكفيها كل الاختيارات، فقالت: نريد يا رب أنْ نكون مقهورين لكل ما تريد.

ولما كنا مختارين أعطانا الله تعالى هذه القضية: (مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ..) (الروم: 44) وكلمة (عَلَيْه(تفيد الدَّيْن والوِزْر، و (له(تفيد النفع، فإذا جئنا بالمقابل بقول: ومَنْ آمن فله إيمانه، كما في: (إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) (الانفطار: 13-14).

لكن القرآن لم يَأْت بهذا المقابل، إنما عَدَل إلى مسألة أخرى: (وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) (الروم: 44).

فلماذا؟

قالوا: لأن فائدة الإيمان أن تعتقد بوجود إله قادر واحد هو الله فتؤمن به، فإذا ما أمرك تطيع، فعِلَّة الإيمان التكليف؛ لذلك حين تبحث أيَّ تكليف إياك أنْ تنظر إلى عِلَّته فتقول: كلفني بكذا لكذا، فعِلَّة التكليف وحكمته عنده تعالى فإذا قلنا مثلاً: حكمة الصيام أنْ يشعر الغنيُّ ويذوق ألم الجوع فيعطف على الفقير، فهل يعني هذا أن الفقير المعدَم لا يصوم؟

إذن: ليست هذه حكمة الصيام، والأصوب أنْ تقول: أصوم؛ لأن الله أراد مني أن أصوم، وحكمة الصيام عنده هو.

ومثَّلنا لذلك ولله تعالى المثل الأعلى: أنت حين تشكو مرضاً أو ألماً تسأل عن الطبيب الماهر والمتخصص حتى تنتهي إليه، وعندها تنتهي مهمة عقلك، فتضع نفسك بين يديه يفحصك ويُشخِّص مرضك، ويكتب لك الدواء، فلا تعارضه في شيء، ولا تسأله لماذا كتب هذا الدواء.

فإذا سألك زائر مثلاً: لماذا تأخذ هذا الدواء؟

لا تقول: لأن من خصائصه كذا، ومن تفاعلاته كذا، إنما تقول: لأن الطبيب وصفه لي، مع أن الطبيب بشر قد يخطىء، وقد يكتب لك دواءً، أو يعطيك حقنة ترديك، ومع ذلك تُسلِّم له بما يراه مناسباً لك، فإذا كنت لا تناقش الطبيب وهو خطأ، فكيف تناقش الله فيما فرضه عليك وتطلب علَّة لكل شيء؟

ولا يناقش في عِلَل الأشياء إلا المساوى، فلا يناقش الطبيبَ إلى طبيبٌ مثله، كذلك يجب أنْ نُسلِّم لله تعالى بعلل الأشياء وحكمتها إلى أنْ يوجد مُسَاوٍ له سبحانه يمكن أنْ يناقشه.

والحق سبحانه يُبيِّن لنا عِلَّة الإيمان -لا الإيمان في ذاته- إنما ما يترتب عليه من طاعة أوامر هذا الإله، وعلى طاعة هذه الأوامر الأوامر يترتب صلاح الكون، بدليل أن الله يطلب من المؤمنين أنْ ينشروا الدعوة، وأن يُبلِّغوها، وأن يحاربوا مَنْ يعارضها ويمنعهم من نشرها.

فما شُهِر السيف في الإسلام إلا لحماية بلاغ الدعوة، فإنْ تركوك وشأنك فدَعْهم، بدليل أن البلاد التي فتحها الإسلام ظل بها أصحاب ديانات أخرى على دياناتهم، وهذا دليل على أن الإسلام لم يُرغِم أحداً على اعتناقه.

لكن ما دام الإسلام قد فتح البلاد فلابُدَّ أنْ تكون له الغَلَبة، وأنْ يسير الجميع معه في ظِلِّ منهج الله، فيكون للكافرِ ولغير ذي الدين ما لصاحب الدين.

فكأن الحق سبحانه يريد لقوانينه أنْ تحكم آمنت به أو لم تؤمن؛ لأن صلاح الكون لا يكون إلا بهذه القوانين.

إذن: فأنت حُرٌّ، تؤمن أو لا تؤمن، لكن مطلوب ممَّنْ آمن أنْ يحمي الدعوة في البلاغ، ثم يترك الناس أحراراً، مَنْ آمن فبها ونعمت، ومَنْ أبى نقول له: لك ما لنا، وعليك ما علينا.

إذن: فأصل الإيمان لصلاح الخلافة، ولا يهتم الله سبحانه بأنك تؤمن أو لا تؤمن، ما دام منهج الخلافة قائماً، وهذا المنهج يعود نفعه على المؤمن وعلى الكافر، فإذا كان الإيمان يُربِّي الإنسان على ألاّ يفعل إلا خيراً وصلاحاً، فالكافر لابُدَّ وأن يستفيد من هذا الصلاح.

وهل قال الشرع للمؤمن: لا تسرق من المؤمن؟

لا إنما أيضاً لا تسرق من الكافر.. إلخ، فالكل أمام منهج الله سواء.

وفي القرآن آية ينبغي أنْ نتنبه لها، ونعرف غير المؤمنين بها، ليعلموا أن الإيمان إنما يحمي مصلحة الناس جميعاً، إنها قوله تعالى: (إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً * وَٱسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ..) (النساء: 105-106) يعني: إنْ خطر لك أن تكون لصالح الخائن، استغفر الله من هذا(إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً) (النساء: 107) ولو كان مؤمناً به.

ولهذه الآية قصة مشهورة هي قصة اليهودي زيد بن السمين، وقد جاءه طعمة بن أبيريق -وكان مؤمناً- وقال: يا زيد خُذْ هذه الدرع أمانة عندك فقبله زيد، وإذا بالدرع مسروق قد سرقه ابن أبيريق من قتادة بن النعمان ووضعه في جوال من الدقيق، فكان على الدرع آثار الدقيق، فلما بحث ابن النعمان عن دِرْعه دَلّه أثر الدقيق على بيت ابن السمين اليهودي فاتهمه بسرقته.

ثم جاءوا به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ليحكم في أمره، فقصَّ عليه ما كان من أمر ابن أبيريق، وأنه وضعه عنده على سبيل الأمانة.

وعندها عَزَّ على المسلمين أن يسرق واحد منهم، وأن يأخذها اليهود ذِلّة في حَقِّهم، وأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- يدير الأمر في رأسه، فإنْ حكم على المسلم أخذها اليهود حجة، وإنْ حكم للمسلم كانت عيباً وسُبَّة في الدين، فأسعفه ربه بهذه الآية: (إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً) (النساء: 105) فقال: بين الناس لا بين المؤمنين فحسب.

ومعنى: (وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً) (النساء: 105) البعض يقولون: لا تخاصم الخائن حتى لا يضطهدك، إنما المراد: لا تكُنْ خصيماً لصالحه.

(وَٱسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ..) (النساء: 106) إنْ طرأتْ عليك مسألة الإسلام وصورته بين غير المسلمين؛ لأن الله في مبدأ الإصلاح لا يحب كل خوَّان أثيم.

ولو أن غير المسلمين تنبهوا إلى هذه القضية، وعلموا أن الله تعالى عدل الحكم للمؤمنين، وأعلنه لرسول الله، وقرر أن الحق هو الحق، والكل أمامه سواء المؤمن وغير المؤمن لعلموا أن الإسلام هو الدين الحق ولأقبلوا عليه، لذلك يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من عادى ذمياً فأنا خصيمه يوم القيامة".

لأنك إنْ عاديتَه واضطهدته أو هددتْه في حياته، أو في عِرْضه، أو في ماله لصارتْ حجة له في ألاَّ يؤمن، وله أنْ يقول: إذا كان هذا هو حال المؤمنين، فما الميزة في الإسلام حتى أعتنقه؟

بل من مصلحتي أنْ أبتعد عنه، لكن إنْ عاملتَه بالحق وبالخير والحسنى لعطفته إلى الإسلام، وجعلته يُؤنِّب نفسه ألاَّ يكون مسلماً.

لذلك سبق أنْ قُلْنا: إن سيدنا إبراهيم -على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام- جاءه رجل فاشتمَّ منه أنه غير مسلم، فلما سأله قال: أنا مجوسي فردَّ الباب في وجهه، فانصرف الرجل، وإذا بإبراهيم -عليه السلام- يتلقى الوحي من الله: يا إبراهيم لم تقبل أنْ تُضيِّفه لأنه على غير دينك، وأنا قبلته طوال عمره في مُلْكي وهو كافر بي.

فأسرع إبراهيم خلف الرجل حتى لحق به واسترضاه، فقال الرجل: وماذا جرى لقد طردتني ونهرتني منذ قليل؟

فقال: إن ربي عاتبني في أمرك، فقال الرجل: إنَّ رباً يعاتب أنبياءه بشأن أعدائه لحقيق أن يُعبد.

لا إله إلا الله، إبراهيم رسول الله.

إذن: نفهم من هذا أن العمل الصالح هو مطلوب الإيمان، وإذا آمنتَ بإله لتأخذ الحكم منه وأنت مطمئن أنه إله حق، فلا يهم بعد ذلك أنْ تؤمن أو لا تؤمن المهم قاعدة الصلاح في الكون وفي حركة الحياة؛ لذلك لم يقل ومَنْ آمن فله إيمانه، كأن المراد بالإيمان العمل (وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) (الروم: 44) لأنه لا يعمل صالحاً إلا إذا كان مؤمناً.

ونلحظ هنا أن الآية تتحدث عن صيغة المفرد: (مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً..) (الروم: 44) ثم يتحول إلى صيغة الجمع (فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) (الروم: 44) ولم يقُلْ: فهو يمهد لنفسه.

فلماذا؟

قالوا: لأن الذي يعمل الصالح لا يعمله لذاته، إنما له ولذريته من بعده، كما جاء في قوله سبحانه: (وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ..) (الطور: 21) إذن: ساعةَ تكلم عن الإيمان جاء بالمفرد، وساعةَ تكلم عن الجزاء جاء بصيغة الجمع.

كما أن العمل الصالح يأتي من ذات الإنسان، ويستقبله هو من غيره، وكلمة (مَنْ(هنا تصلح للمفرد وللمثنى وللجمع بنوعية، وتحل محلَّ جميع الأسماء الموصولة تقول: من جاءك فأكرمه، ومَنْ جاءتك فأكرمها، ومَنْ جاءاك فأكرمهما، ومَنْ جاءوك فأكرمهم.. إلخ.

كذلك في هذه الآية استعمل مَنْ للدلالة على المفرد، وعلى الجمع.

وتأمَّل قوله تعالى: (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ..) (النور: 61) وهل يُسلِّم الإنسان على نفسه؟

قالوا: نعم لأن المؤمنين شيء واحد، إذا سلَّمْتَ على أحدهم فكأنك سلَّمت على الجميع، وأيضاً إذا قُلْت لصاحبك السلام عليكم يردُّ عليك: وعليكم السلام، فكأنك سلَّمْتَ على نفسك.

ومعنى (يَمْهَدُونَ) (الروم: 44) مأخوذة من المهْد، وهو فراش الطفل، والطفل لا يُمَهده ولا يُسوّيه ويُهيِّئه، ولابُدَّ له من صدر حنون يُسوِّي له مهده، ويفرشه ويُعده، فكأن الذي يعمل الصالح في الدنيا يُمهِّد لنفسه فراشاً في الآخرة، كما يحكي أبو منصور بن حازم عن أبي عبد الله بن الحسين يقول: العمل الصالح يسبق صاحبه إلى الجنة ليمهد له فراشه، كما يمهد الخادم لأحدكم فراشه.

لذلك سبق أن قلنا: إن الذين يؤثرون على أنفسهم يؤثرون من الفانية ليُدَّخر لهم في الباقية، وسيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينما أُهديت له الشاة، وعاد ليسأل أم المؤمنين عائشة عنها فقال لها: "ماذا صنعت بالشاة؟" فقالت: ذهبتْ كلُّها إلا كتفها، يعني: تصدَّقَتْ بها إلا كتفها، فقال سيدنا رسول الله: "بل، بقيت كلها إلا كتفها".

وفي حديث آخر:
"يا بْن آدم، تقول: مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما لبسْتَ فأبليتَ، أو أكلتَ فأفنيتَ، أو تصدَّقْتَ فأبقيت".

والإمام علي -رضي الله عنه- يسأله أحدهم: أنا من أهل الدنيا، أم من أهل الآخرة؟

فقال الإمام: الجواب عندك أنت، فقال: كيف؟

قال: هَبْ أنه دخل عليك شخص بهدية، وآخر يطلب منك صدقة فلأيِّهما تبشُّ؟

إنْ كنت تبش لصاحب الهدية فأنت من أهل الدنيا وأن كنت تبشّ لطالب الصدقة فأنت من أهل الآخرة.

ذلك لأن الإنسان يحب ما يعمر له محبوبه، فإنْ كان من أهل الدنيا يحب ما يعمرها له، وإنْ كان من أهل الآخرة يحب مَنْ يعمر له آخرته.

ثم يعلل الحق سبحانه لماذا يمهدون لأنفسهم: (لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ...).



سورة الروم الآيات من 41-45 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الروم الآيات من 41-45 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الروم الآيات من 41-45   سورة الروم الآيات من 41-45 Emptyالثلاثاء 13 أكتوبر 2020, 4:52 pm

لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (٤٥)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وذكر هنا الإيمان فقال (لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ..) (الروم: 45) ثم (وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ..) (الروم: 45) حتى لا يظن أحد أن العمل الصالح ربما يُغني عن الإيمان.

وهذه مسألة شغلتْ كثيراً من الفلاسفة، يقولون: كيف أن الرجل الكافر الذي يعمل الصالحات لا يُجازى عليها؟

نقول له: أُجر ويُجازى على عمله الصالح لكن في الدنيا؛ لأنه لم يعمل لله، بل عمل للشهرة وللصيت، وقد أخذ منها تكريماً وشهرة وتخليداً لِذكْراه وأقيمت لهم التماثيل.. إلخ، أما جزاء الآخرة فلمَنْ عمل العمل لوجه الله خالصاً.

والقرآن يُنبِّهنا إلى هذه المسألة يقول: إياكم أنْ تُغَشُّوا بمن يعمل الأعمال للدنيا: (وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً) (الفرقان: 23).

وجاء في الحديث: "فعلتَ ليُقال وقد قيل".

نعم بنيت مسجداً، لكن كتبت عليه: بناه فلان، وشرَّف الافتتاح فلان.. إلخ فماذا تنتظر بعد ذلك، إن ربك يريد العمل الخالص لوجهه تعالى، كما جاء في الحديث: "ورجل تصدَّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما فعلت يمينه".

فقوله تعالى: (لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ..) (الروم: 45) يدل على أن العمل الصالح إنْ كان صالحاً بحقٍّ يفيد صاحبه في الدنيا، لكن لا يفيده في الآخرة إلا أن يكون صادراً عن إيمان بالله، ثم يربط الإيمان بالعمل الصالح حيث لا يغني أحدهما عن الآخر.

وقوله تعالى: (مِن فَضْلِهِ..) (الروم: 45) أي: تفضُّلاً من الله، حتى لا ينخدع أحد بعمله، ويظن أنه نجا به، وهذه المسألة موضع نقاش بين العلماء يقولون: مرة يقول القرآن (مِن فَضْلِهِ..) (الروم: 45) ومرة يقول: (ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النحل: 32) أي: أنها حق لكم بما قدَّمتم من عمل، فهل الجنة حق للمؤمنين أم فضل من الله؟

ونقول: العمل الذي يطلبه الله تكليفاً من المؤمنين به يعود على مَنْ؟

يعود على الإنسان، ولا يستفيد الله منه بشيء؛ لأن له تعالى صفات الكمال المطلق قبل أن يخلق الخَلْق.

لذلك قال في الحديث القدسي: "يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في مُلكي قدر جناح بعوضة، ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من مُلْكي قدر جناح بعوضة، ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا في صعيد واحد، فسألني كُلٌّ مسألته فأعطيتها له ما نقص ذلك مما عندي إلا كمغرز إبرة إذا غمسه أحدكم في بحر، ذلك أنِّي جَوَاد ماجد واجد، عطائي كلام، وعذابي كلام، إنما أمري لشيء إذا أردتُه أن أقول له: كُنْ فيكون".

ويقول سبحانه: (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ..) (النحل: 96).

إذن: فالأعمال التكليفية لخير الإنسان نفسه، وإنْ كانت في الظاهر تقييداً لحريته، فهو مثلاً يريد أنْ يسرق ليزيد ماله، فنأخذ على يديه، ونمنعه ونقول له: تنبَّه أننا منعناك من السرقة وأنت واحد، ومنعنا الناس جميعاً أنْ يسرقوا منك، فأنت إذن المستفيد من منهج الله، فلا تنظر إلى ما أخذه منك التكليف، ولكن انظر إلى ما أعطاك هذا التكليف من الغير.

وما دام التكليف كله في مصلحتك ولخيرك أنت، فإنْ أثابك الله عليه بعد ذلك فهو فضل من الله عليك، كما تقول لولدك مثلاً؛ إنْ تفوقتَ سأعطيك كذا وكذا مع أنه المستفيد من التفوق، فتكون الجائزة بعد ذلك فضلاً.

كذلك الحق -تبارك و تعالى- يحب عبده أنْ يتقن عمله، وأن يجتهد فيه؛ لذلك يعطيه مكافأة عليه مع أننا المستفيدون منه.

ويقول سبحانه: (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلْحَقَّ..) (النور: 25) فجعله حقاً عليه سبحانه، كما قال: (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ) (الروم: 47).

ولو بحثنا كلمة "حق" فلسفياً لوجدنا أن كل حق لك يقابله واجب على غيرك، فلا يكون حقاً لك إلا إذا كان واجباً على غيرك، فحقُّك هنا واجب إذن على الله تعالى، لكن الواجب يقتضي مُوجباً فمَنْ أوجب على الله؟

لا أحد؛ لأنه سبحانه أوجبه على نفسه.

إذن: فالحق الذي جعله لك تفضُّلاً منه سبحانه، والحق في أنه جعل لك حقاً، كالذي ليس له حق في الميراث، فيتفضل عليه واحد في التركة ويجعل له وصية يكتبها له، فتصير حقاً واجباً، له أن يطالب الورثة به شرعاً؛ لأن المورِّث تفضَّل وجعله حقاً له.

ثم يقول سبحانه: (إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ) (الروم: 45) نلحظ في الآية أنها تتحدث عن جزاء المؤمنين، فما مناسبة ذِكْر الكافرين هنا؟

قالوا: لأن الله تعالى يريد أنْ يلفت نظر عبده الكافر إلى الإيمان ومزاياه، كأنه يقول له: تعال إلى الإيمان لتنال هذا الجزاء.

ومثال ذلك -ولله المثَل الأعلى- رجل عنده ثلاثة أولاد وَعَدهم بهدية لكل مَنْ ينجح في دراسته، فجاء آخر العام ونجح اثنان، وأخذ كل منهما هديته، وتألم الوالد للثالث الذي أخفق وتمنى لو كان مثل أخويْه.

وكذلك الحق سبحانه لا يحب الكافرين؛ لأنه يحب أن يكون الخَلْق جميعاً مؤمنين لينالوا جزاء الإيمان؛ لأن الجميع عباده، وهو سبحانه أرحم بهم من الوالدة بولدها، وهم خِلْقته وصَنْعته، وهل رأيتم صانعاً حطم صنعته وكسرها، إذن: فالله تعالى حريص على عباده حتى الكافر منهم.

وجاء في الحديث القدسي: "قالت السماء: يا رب ائذن لي أن أسقط كِسَفاً على ابن آدم، فقد طَعِم خيرك، ومنع شكرك، وقالت الأرض: يا رب ائذن لي أنْ أخسف بابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك، وقالت الجبال: يا رب ائذن لي أن أخرَّ على ابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك، وقالت البحار: يا رب ائذن لي أن أُغرِق ابن آدم، فقط طَعِم خيرك ومنع شكرك.

فماذا قال الرب الخالق للجميع؟

قال: "دعوني ومن خلقتُ، لو خلقتموهم لرحمتموهم، إنْ تابوا إليَّ فأنا حبيبهم، وإنْ لم يتوبوا فأنا طبيبهم".

لذلك يفرح الله تعالى بتوبة عبده حين يعود إليه بعد إعراض، ويضرب لنا سيدنا رسول الله مثلاً لتوضيح هذه المسألة فيقول: "لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من أحدكم وقع على بعيره، وقد أضله في فلاة".

فالله لا يحب الكافرين لأنهم لم يكونوا أهلاً لتناول هذا الفضل، وما ذاك إلا لأنه سبحانه مُحِبٌّ لهم حريص على أن ينالهم خيره وعطاؤه.

ثم يقول الحق سبحانه: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ ٱلرِّيَاحَ...).



سورة الروم الآيات من 41-45 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة الروم الآيات من 41-45
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة الروم الآيات من 11-15
» سورة الروم الآيات من 16-20
» سورة الروم الآيات من 26-30
» سورة الروم الآيات من 31-35
» سورة الروم الآيات من 21-25

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: الروم-
انتقل الى: