| جامع الدعاء.. أحكام.. آداب.. ثمرات.. | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: جامع الدعاء.. أحكام.. آداب.. ثمرات.. الإثنين 05 أكتوبر 2020, 4:53 pm | |
| جامع الدعاء.. أحكام.. آداب.. ثمرات.. بـقلـــم: أبي أنس مَاجد إسلام البنكاني غفر الله له ولوالديه وللمسلمين.
إنَّ الحمدَ لله نحمَدُه، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أنّ لا إله إلاّ اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسولُه.
وعن عبد الله بن بسر، قال: جاء اعرابي، فقال: يا رسول الله! كثُرت عليَّ خلال الإسلام وشرائعه، فأخبرني بأمر جامع يكفيني، قال: "عليك بذكر الله تعالى، "قال: ويكفيني يا رسول الله! قال: "نعم ويفضل عنك".
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكر الله تعالى على كل أحيانه.
فعلى المسلم أن لا يغفل عن ذكر الله في أي حال من الأحوال ولا يعيقه شيء عنه، والحديث فيه دلالة على قراءة القرآن وذكر الله للحائض والنفساء لأنهما يدخلان في عموم الذكر.
قال النووي رحمه الله: هذا الحديث أصل في جواز ذكر الله تعالى بالتسبيح والتكبير والتحميد وشبهها من الأذكار وهذا جائز بإجماع المسلمين.
فعلى المسلم أن يغتنم شبابه قبل هرمه، وصحته قبل مرضه، وفراغه قبل انشغاله، كما قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ".
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: وسمعت شيخ الاسلام ابن تيمية قدَّس الله روحه يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الاخرة، وقال لي مرة: ما يصنع أعدائي بي، أنا جنتي وبستاني في صدري، إن رحت فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وكان يقول في محبسه في القلعة: لو بذلت ملء هذه القلعة ذهبا ما عدل عندي شكر هده النعمة، أو قال ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير ونحو هذا، وكان يقول في سجوده وهو محبوس: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ما شاء الله، وقال لي مرة: المحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى، والماسور من أسره هواه، ولما دخل الى القلعة وصار داخل سورها نظر اليه، وقال: ((فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب)).اهـ.
وعليك أخي الحبيب أن تتقرب إلى الله تعالى بالأوراد اليومية، والتي تنفعك في دنياك وآخرتك، أي ذكر الله تعالى والمراد بالذكر هنا الإتيان بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها والإكثار منها مثل الباقيات الصالحات وهي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وما يلتحق بها من الحوقلة والبسملة والحسبلة والاستغفار ونحو ذلك والدعاء بخيري الدنيا والآخرة، ويطلق ذكر الله أيضا ويراد به المواظبة على العمل بما أوجبه أو ندب إليه، كتلاوة القرآن، وقراءة الحديث، ومدارسة العلم، والتنفل بالصلاة، ثم الذكر يقع تارة باللسان، ويؤجر عليه الناطق، ولا يشترط استحضاره لمعناه، ولكن يشترط ألا يقصد معناه، ولمن إنضاف إلى النطق الذكر بالقلب فهو أكمل، فإن انضاف إلى ذلك استحضار معنى الذكر، وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى ونفي النقائص عنه ازداد كمالا، فإن وقع ذلك في عمل صالح مهما فرض من صلاة، أو جهاد، أو غيرهما ازداد كمالا، فإن صحح التوبة، وأخلص لله تعالى في ذلك، فهو أبلغ الكمال.
أسأل الله العظيم أن يجعل عملنا هذا خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعنا به "يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ". إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وكتب / أبو أنس العراقي ماجد إسلام البنكاني الجمعة 11/ جمادى الأولى /1424هـ 11/ 7 /2003م
تمهيد الدعاءُ شأنُه في الإسلام عظيمٌ، ومكانتُه فيه ساميةٌ، ومنزلتُه منه عالية، في الدعاء يجد الداعي لروحه غذاء، ولنفسه دواء، يدعم كيانها، ويقوى بنيانها، ويجعلها تتغلب على كل ما يؤثر عليها، فلا يتسرب إليها يأس، ولا يتملكها ضعف،
والدعاء، استعانة من عاجز ضعيف بقوي قادر، واستغاثة ملهوف برب رؤوف،
والدُّعاءَ أكرم شيء على الله، شرعه الله لحصول الخير ودفع الشر، فالدعاءُ سببٌ عظيم للفوز بالخيرات والبركات، وسببٌ لدفع المكروهات والشرورِ والكربات، والدعاءُ من القدَر، ومن الأسبابِ النافعة الجالبة لكلِّ خير، والدافعة لكل شرّ.
قال تعالى: ((وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)).
وقال صلى الله عليه وسلم: الدعاء هو العبادة.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ))، وقال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ))، ثم ذكر: "الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء، يا رب، يارب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له".
هذا الحديث يتحدث عن أثر الكسب الطيب في قبول العمل والدعاء، وأسباب قبول الدعاء وموانعه.
في الحديث وصف الله بالطيب والطيب هنا معناه الطاهر والمعنى أنه تعالى مقدس منزه عن النقائص والعيوب كلها، ومن أثر تلك الصفة أنه لا يقبل من الأعمال إلا ما كان طاهرا من المفسدات كلها ولا من الأموال إلا ماكان طيبا حلالا فإن الطيب يوصف به الأعمال والأقوال والاعتقادات كقوله تعالى (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ).
وقال تعالى: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ).
وقد وصف الله سبحانه المؤمنين بالطيب، فقال تعالى: ((الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون)).
فالمؤمن كله طيب قلبه، ولسانه، وجسده بما سكن في قلبه من الإيمان، وظهر على لسانه من الذكر، وعلى جوارحه من الأعمال الصالحة التي هي ثمرة الإيمان وداخلة في اسمه، وهذه الطيبات كلها يقبلها الله تعالى.
ومن أعظم أنواع العبادة الدعاء قال تعالى ((وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)).
وقال تعالى: ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)).
وثبت في السنة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "الدعاء هو العبادة".
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء ركن العبادة الأعظم لما فيه من الإعتراف والإقرار بالله، وحصول التذلل والانكسار بين يديه، وتفويض الأمر إليه في السراء والضراء، وهذه هي الثمرة التي من أجلها شرعت سائر العبادات والقربات.
وللدعاء أسباب تحصل بها الإجابة بإذن الله: 1ـ التمسك بالسنة لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين".
فالإتباع من أعظم أسباب قبول الدعاء وإجابته.
2ـ إطالة السفر وحصول التبذل في اللباس والهيئة لأن ذلك أقرب إلى التذلل والخشوع. وغير ذلك من الأحوال التي ينكسر فيها العبد ويخشع قلبه، وكلما كان العبد أخشع كان دعاؤه أسمع.
3ـ الإلحاح على الله عز وجل في الدعاء فإن الله يحب من عبده أن يكرر دعائه و يتعلق بجنابه ويظهر الإفتقار إليه.
4ـ إطابة المطعم والمشرب، فقد روي في معجم الطبراني: "يا سعد أطب مطعمك تجب دعوتك".
5ـ إخلاص القصد، وقوة اليقين بوعد الله، والثقة بموعوده، وحسن الظن به، قال رسول الله: "دعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه".
6- المحافظة على الفرائض والمداومة على النوافل وذكر الله في السراء.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة".
وقال تعالى عن يونس عليه السلام: ((فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)).
فلما كان يونس عليه السلام من الذاكرين لله قبل البلاء ذكره الله حال البلاء.
وجاء في الأثر: لما دعا بالكلمات فَقالَتِ الـمَلائِكَةُ: يا رَبّ هَذا صَوْتٌ ضَعِيفٌ مَعْرُوفٌ فِـي بِلادٍ غَرِيبَةٍ, قال: أما تَعْرَفُونَ ذلكَ؟ قالَوا يا رَبّ وَمَنْ هُوَ؟ قالَ: ذلكَ عَبْدي يُونُسُ.
السابعة: هناك موانع للدعاء تمنع من إجابته. أيها المسلمون: كم ندعو فلا يستجاب، ونلهج فلا يفتح باب، فقد صار الدعاء في حياتنا عادة من العادات، لا عبادة من أشرف العبادات، يتحرك بها اللسان تحركا آليا، وترفع الأيدي ارتفاعا شكليا، بل إن هذا اللسان الذي يردد الدعاء، طالما أكل لحوم الناس ونهش أعراضهم، طالما اغتاب ونم، وكذب وخدع، وأفسد وآذى، فأنى يستجاب له.
فهاتان اليدان المرفوعتان، ملطختان بأحوال المعاصي والسيئات، وملوثتان بأقذر الذنوب والآثام، فعلت من الفواحش، وأتت من المنكرات ما تهتز له الأرض والسموات.
عباد الله: من أعظم موانع الدعاء أكل الحرام، شرب الحرام، لبس الحرام، ((ذَكَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟!)).
ومن موانع إجابة الدعاء: 1ـ تعاطي الحرام والتوسع فيه من الطعام والشراب واللباس.
وقد دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (فأنى يستجاب له).
2ـ الاستعجال في طلب الإجابة. فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول: دعوت فلم يستجب لي".
3ـ الدعاء بالإثم أو القطيعة.
ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم).
4ـ ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذاباً منه ثم تدعونه فلا يستجيب لكم".
5- الاعتداء في الدعاء قال سبحانه: "ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ".
6- الإشراك بالله في الدعاء، ودعاؤه بأدعية مبتدعة محدثة ليس لها أصل في الشرع مخالفة للسنة. فإن الدعاء يحبط بالشرك وإن الله لا يقبل عملا على غير وفق ما شرعه لعباده، ففي الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد".
الثامنة: على العبد أَنْ يُفتَتَحَ الدُّعاءُ بحمدِ اللهِ والثَّناءِ عليهِ، والصَّلاةِ والسَّلامِ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ويُخْتَتَمَ بذلك: سمع النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته فلم يصلِّ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((عَجِلَ هَذَا))، ثم دعاه فقال له: ((إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ لِيَدْعُ بَعْدُ مَا شَاءَ)).
فيُستحب للعبد إذا دعا أن يتحلى بآداب جليلة فمن ذلك: 1ـ الطهارة فالدعاء حال التطهر أكمل حالا من غيره. 2ـ استقبال القبلة لأنها اشرف الجهات ما لم يكن في حال يقتضي خلاف ذلك كالخطيب ونحوه. 3ـ رفع اليدين فيستحب الرفع مطلقا إلا في المواضع التي لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم رفع اليدين فيها فالسنة ترك الرفع كالدعاء يوم الجمعة. 4ـ الحمد والثناء على الله في ابتداء الدعاء. 5 ـ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. 6 ـ استعمال الأدعية الجامعة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
7 ـ أن يتوسَّلَ إلى اللهِ تعالى بأسمائه الحُسنى، والتوسل بين يدي الدعاء إلى مقصوده بما يناسب ذلك ويلائمه من أسماء الله وصفاته. قال تعالى: "وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *وَمِمَنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ".
8- العزم في الدعاء وعدم تعليق السؤال بالمشيئة. قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ، وَلاَ يَقُولَنَّ: اللهُمَّ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي، فَإِنَّهُ لاَ مُسْتَكْرِهَ لَهُ)).
9- حضور القلب وإقباله على الله حال الدعاء. الخشوعُ وحُضوُر القلبِ في الدُّعاءِ، مع اليقين بالإجابة: قال تعالى: "إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ".
10- ألاَّ يتكلَّفَ السَّجْعَ في الدُّعاءِ. قال تعالى: "ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ".
وقد فُسِّر الاعتداء -في معنى الآية- بتكلُّف السَّجْع في عبارات الدعاء، أو التفصيل فيه بتكلُّفٍ، وكذلك فسُرِّ برفع الصوت به.
11- ألاَّ يستعجل الإجابة: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُستَجَبْ لِي)).
12- أن يُلِحَّ في الدُّعاءِ، ويكرِّرَه: قالت عائشةُ رضي الله عنها: ((حَتَّى إِذَا كَاَن ذَاتَ يَوْمٍ، أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ، دَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ دَعَا، ثُمَّ دَعَا...)).
13- الدعاء بصوت خافت دليل الإيمان، وأقرب إلى الإخلاص. قال تعالى: "وزكريا إذ نادى ربه نداء خفيا".
وقد ثبت في الصحيحين، عن أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه، قال: "رفع الناسُ أصواتَهم بالدعاءِ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّها الناس، اربَعُوا على أنفسِكم، فإنَّكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً، إنَّ الذي تدعونَه سميعٌ قريبٌ".
وقال الحسن البصريُّ: "لقد أدركنا أقواماً ما كان على الأرضِ من عملٍ يقدرون أن يعملوه في السرِّ فيكون علانيةً أبداً، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يُسمع لهم صوتٌ، إن كان إلاَّ همساً بينهم وبين ربِّهم عزَّ وجلَّ، وذلك أنَّ الله تعالى يقول: "ادْعُوا رَبَّك تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً".
التاسعة: للدعاء أوقات يستجاب فيها إذا تحققت الشروط وانتفت الموانع وأذن الله في ذلك، فيستحب للعبد تحريها والمواظبة عليها فإن الدعاء فيها أوكد وأحرى بالإجابة: 1 ـ في سجود الصلاة. 2 ـ الثلث الأخير من الليل. 3 ـ بين الأذان والإقامة. 4 ـ عند نزول المطر. 5 ـ أثناء السفر. 6 ـ عند التحام الصفين في القتال في سبيل الله. 7ـ آخر ساعة يوم الجمعة. 8ـ عشية عرفة. 9ـ ليلة القدر. 10- عند الفطر من الصوم.
العاشرة: التوسل إلى الله في الدعاء قسمان: الأول: توسل ممنوع وهو توسل العبد في دعائه بمنزلة المخلوق أو حقه أو جاهه كالتوسل بجاه الأنبياء أو الملائكة أو الأولياء أو الصالحين، فهذا عمل محدث ليس له أصل في الشرع، ولم يفعله السلف وهو وسيلة إلى الغلو المنهي عنه، وكل ما روي في هذا الباب باطل لا يصح منه شي كما قرره المحققون من أهل العلم، وقد منعه الأئمة ولا يصح عن أحد من المتقدمين أنه استحبه، ومن حكى خلاف ذلك فقد غلط عليهم، وإنما حكي اختلافهم فيه بين الكراهة والتحريم فهم متفقون على عدم مشروعيته واستحبابه.
ومما يجدر التنبيه عليه أن قوما من متأخري الفقهاء وسعوا الأمر في هذه المسألة أعني التوسل بجاه المخلوق ولبسوا على الناس وحكوا فيها خلافا وجعلوها من مسائل الفروع التي يسوغ فيها الاجتهاد والصواب أنه لا يعرف عن الأئمة والسلف فيها خلاف في عدم مشروعيتها بل هي مما أحدثها الناس.
الثاني: توسل مشروع وهو على أنواع: 1 ـ التوسل بأسماء الله وصفاته، قال تعالى ((وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)). 2 ـ التوسل بالإيمان والعمل الصالح، قال تعالى (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
وكما في قصة أصحاب الغار الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة فتوسلوا إلى الله بصالح عملهم من البر والعفة والأمانة ففرج الله عنهم.
وإليك القصة كما في الصحيحين: قال عليه الصلاة والسلام ((انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى آوَاهُمُ الْمَبِيتُ إِلَى غَارٍ، فَدَخَلُوا فِيهِ، فَانْحَدَرَتْ مِنَ الْجَبَلِ صَخْرَةٌ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ وَاللَّهِ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمُ: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، فَكُنْتُ لَا أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلًا وَلَا مَالًا، فَنَأَى بِي طَلَبُ الشَّجَرِ يَوْمًا، فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ غَبُوقَهُمَا فَجِئْتُهُمَا بِهِ، فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ، فَتَحَرَّجْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلًا أَوْ مَالًا، فَقُمْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدِي أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ، فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَمِّ هَذِهِ الصَّخْرَةِ، فَانْفَرَجَتِ انْفِرَاجًا لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهُ".
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَقَالَ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي ابْنَةُ عَمٍّ، كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَأَرَدْتُهَا فَامْتَنَعَتْ مِنِّي، حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ جَهِدَتْ فِيهَا، فَجَاءَتْنِي وَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا، فَفَعَلَتْ، حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا قَالَتْ: لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا، وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَتَرَكْتُ لَهَا الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَمِّ هَذِهِ الصَّخْرَةِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا".
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثُمَّ قَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ، فَأَعْطَيْتُهُمْ أُجُورَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ مِنْهُمْ وَاحِدٍ، تَرَكَ أَجْرَهُ وَذَهَبَ، فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الْأَمْوَالُ، فَارْتَفَعَتْ فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ، فَقَالَ لِي: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي، فَقُلْتُ لَهُ: كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكِ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَسْتَهْزِئْ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ، فَأَخَذَ ذَلِكَ كُلَّهُ، فَاسْتَاقَهُ وَلَمْ يَتْرُكْ لِي مِنْهُ شَيْئًا، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَمِّ هَذِهِ الصَّخْرَةِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ وَخَرَجُوا مِنَ الْغَارِ يَمْشُونَ)).
3 ـ التوسل بدعاء الرجل الصالح، كما توسل الخليفة عمر رضي الله عنه بدعاء العباس رضي الله عنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد أن يستسقي كما في صحيح البخاري.
فإنَّ الدُّعاءَ نعمةٌ كبرى، ومنحةٌ عظمى، جاد بها المولى تبارك وتعالى وامتنَّ بها على عباده؛ حيث أمرهم بالدُّعاء، ووَعَدَهم بالإجابة والإثابة.
فشأن الدُّعاء عظيمٌ، ونفعُه عميمٌ، ومكانتُه عاليةٌ في الدِّين، فما استُجْلبت النِّعَم بمثله، ولا استُدفعت النِّقم بمثله؛ وذلك أنَّه يتضمَّن توحيدَ الله وإفرادَه بالعبادة دون من سواه، وهذا رأس الأمر وأصلُ الدِّين.
فما أشدَّ حاجة العباد إلى الدُّعاء؛ بل ما أعظم ضرورتهم إليه؛ فالمسلمون -بل ومَن في الأرض كلهم جميعاً- بأمسِّ الحاجة للدُّعاء؛ ليصلوا بذلك إلى خيري الدُّنيا والآخرة.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: جامع الدعاء.. أحكام.. آداب.. ثمرات.. الإثنين 05 أكتوبر 2020, 4:56 pm | |
| تعريف الدعاء: الدعاء لغة: كلمة الدعاء في الأصل مصدر من قولك: دعوتُ الشيء أدعوه دعاءً، وهو أن تُميل الشيءَ إليك بصوت وكلام يكون منك.
قال ابن منظور: "دعا الرجلَ دعوًا ودعاءً: ناداه.
والاسم: الدعوة.
ودعوت فلانًا: أي صِحت به واستدعيته.
وأصله دعاوٌ؛ لأنه من دعوت, إلا أن الواو لما جاءت متطرّفة بعد الألف هُمزت.
ثمّ أقيم هذا المصدر مقام الاسم -أي: أطلق على واحد الأدعية-، كما أقيم مصدر العدل مقامَ الاسم في قولهم: رجلٌ عدلٌ، ونظير هذا كثير.
الدعاء شرعًا: "هو الرغبة إلى الله عز وجل".
وقد عرِّف بعدة تعريفات: فقال الخطابي: "معنى الدعاء استدعاءُ العبدِ ربَّه عزَّ وجلَّ العنايةَ، واستمدادُه منه المعونةَ، وحقيقته: إظهار الافتقار إلى الله تعالى، والتبرُّؤ من الحول والقوّة، وهو سمةُ العبودية، واستشعارُ الذلَّة البشريَّة، وفيه معنى الثناء على الله عزَّ وجلَّ، وإضافة الجود والكرم إليه".
وقال ابن منظور: "هو الرغبة إلى الله عز وجل".
فحقيقة الدعاء تعظيم الرغبة إلى الله تعالى في قضاء الحاجات الدنيوية والأخروية، وكشف الكربات، ودفع الشرور والمكروهات الدنيوية والأخروية.
والدعاء تتحقق به عبادة رب العالمين؛ لأنه يتضمن تعلق القلب بالله تعالى، والإخلاص له، وعدم الالتفات إلى غير الله عز وجل في جلب النفع ودفع الضر، ويتضمن الدعاء اليقين بأن الله قدير لا يعجزه شيء، عليم لا يخفى عليه شيء، رحمنٌ رحيمٌ، حيٌ قيومٌ، جوادٌ كريمٌ، محسنٌ ذو المعروف أبداً، لا يُحدُّ جوده وكرمه، ولا ينتهي إحسانه ومعروفه، ولا تنفد خزائن بركاته.
فلأجل هذه الصفات العظيمة وغيرها يُرجى سبحانه ويدعى، ويسأله من في السموات والأرض حاجاتهم باختلاف لغاتهم.
ويتضمن الدعاء افتقار العبد وشدة اضطراره إلى ربه، وهذه المعاني العظيمة هي حقيقة العبادة.
فما أعظم شأن الدعاء، وما أجل آثاره، ولهذا جاء في فضل الدعاء ما رواه أبو داود والترمذي من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الدعاء هو العبادة)) قال الترمذي: "حديث حسن صحيح". |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: جامع الدعاء.. أحكام.. آداب.. ثمرات.. الإثنين 05 أكتوبر 2020, 5:00 pm | |
|
معاني الدعاء في القرآن الكريم ورد الدعاء في القرآن الكريم على وجوه، منها: 1- العبادة، كما في قوله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ). وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ). 2- الطلب والسؤال من الله سبحانه، كما في قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ). وقوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُـمْ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ). 3- الاستغاثة، كما في قوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَـاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمْ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ * بَلْ إِيَّـاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ). وقوله تعالى: (وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَـدِقِينَ). 4- النداء، كما في قوله تعالى: (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ). وقوله تعالى: (إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا). 5- توحيد الله وتمجيده والثناء عليه، كما في قوله تعالى: (قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ). 6- الحثّ على الشيء، كما في قوله تعالى: (قَالَ رَبّ السّجْنُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا يَدْعُونَنِى إِلَيْهِ). وقوله تعالى: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ). 7- رفعة القدر، كما في قوله تعالى: (لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِى الدُّنْيَا وَلاَ فِى الآخِرَةِ). 8- القول، كما في قوله تعالى: (فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءهُم بَأْسُنَا إِلا أَن قَالُواْ إِنَّا كُنَّا ظَـالِمِينَ). 9- سؤال الاستفهام، كما في قوله تعالى: (ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيّنَ لَّنَا مَا هِىَ). 10- التسمية، كما في قوله تعالى: (لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُمْ بَعْضاً). وقوله تعالى: (قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأسْمَاء الْحُسْنَى). قال ابن القيم: "ليس المُراد مجرد التسمية الخالية عن العبادة والطلب، بل التسمية الواقعة في دعاء الثناء والطلب، فعلى هذا المعنى يصح أن يكون في (تَدْعُواْ)، معنى (تُسَمُّوا) فتأمله، والمعنى: أيا ما تسمّوا في ثنائكم ودعائكم وسؤالكم". 11- وقيل: ورد بمعنى العذاب، كما في قوله تعالى: (تَدْعُواْ مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى). قال المبرد: "تدعو أي: تُعذِّب"، وقال غيره: "تُناديهم واحداً واحداً بأسمائهم"، قال السمعاني: "وهو الأظهر". نوعا الدعاء والعلاقة بينهما الدعاء الذي حثَّ الله عليه في كتابه، ووعد المخلصين فيه بجزيل ثوابه، نوعان: دعاء المسألة، ودعاء العبادة. أمَّا دعاء المسألة فهو: طلب ما ينفع الداعي، وطلب كشف ما يضره ودفعه. وأمَّا دعاء العبادة فهو: التقرب إلى الله بجميع أنواع العبادة، الظاهرة والباطنة، من الأقوال والأعمال، والنيات والتروك، التي تملأ القلوب بعظمة الله وجلاله. قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي: "كل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء, والنهي عن دعاء غير الله, والثناء على الداعين، يتناول دعاء المسألة ودعاء العبادة, وهذه قاعدة نافعة؛ فإن أكثر الناس إنما يتبادر لهم من لفظ الدعاء والدعوة دعاءُ المسألة فقط, ولا يظنون دخول جميع العبادات في الدعاء, وهذا خطأ جرهم إلى ما هو شر منه". العلاقة بين النوعين: دعاء المسألة ودعاء العبادة متلازمان؛ وذلك من وجهين: الأول: من جهة الداعي: فإن دعاءه بنوعيه مبني على الخوف والرجاء. قال ابن تيمية: "وكل سائل راغب وراهب، فهو عابد للمسؤول، وكل عابد له فهو أيضاً راغب وراهب، يرجو رحمته ويخاف عذابه، فكل عابد سائل، وكل سائل عابد، فأحد الاسمين يتناول الآخر عند تجرده عنه، ولكن إذا جمع بينهما فإنه يراد بالسائل الذي يطلب جلب المنفعة ودفع المضرة بصيغ السؤال والطلب، ويراد بالعابد من يطلب ذلك بامتثال الأمر، وإن لم يكن في ذلك صيغ سؤال. والعابد الذي يريد وجه الله والنظر إليه، هو أيضا راج خائف راغب راهب، يرغب في حصول مراده، ويرهب من فواته، قال تعالى: (إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَبا). وقال تعالى: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً). ولا يتصور أن يخلو داع لله ـدعاء عبادة أو دعاء مسألةـ من الرغب والرهب، من الخوف والطمع". والثاني: من جهة المدعو: فإنه لا بد أن يكون مالكا للنفع والضر. قال ابن القيم: "كل من يملك الضر والنفع، فإنه هو المعبود حقا، والمعبود لا بد أن يكون مالكا للنفع والضر، ولهذا أنكر الله تعالى على من عبد من دونه ما لا يملك ضراً ولا نفعاً، وذلك كثير في القرآن، كقوله تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ). وقوله تعالى: (وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ). وقوله تعالى: (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). وقوله تعالى: (أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ * أُفّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ). وقوله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرهِيمَ * إِذْ قَالَ لأِبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَـكِفِين * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ). وقوله تعالى: (وَاتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ ءالِهَةً لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَمْلِكُونَ لأنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلاَ حَيَـوةً وَلاَ نُشُوراً). وقال تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُهُمْ وَلاَ يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَـافِرُ عَلَى رَبّهِ ظَهِيراً). فنفى سبحانه عن هؤلاء المعبودين من دونه النفع والضر، القاصر والمتعدي، فلا يملكونه لأنفسهم ولا لعابديهم، وهذا في القرآن كثير، بيد أن المعبود لا بد أن يكون مالكا للنفع والضر، فهو يدعى للنفع والضر دعاء المسألة، ويدعى خوفا ورجاء دعاء العبادة، فعلم أن النوعين متلازمان، فكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة، وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة".
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 05 أكتوبر 2020, 5:38 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: جامع الدعاء.. أحكام.. آداب.. ثمرات.. الإثنين 05 أكتوبر 2020, 5:02 pm | |
| حكم الدعاء وفائدته حكم الدعاء الوجوب، والدليل على ذلك: قال أهل السنَّة والجماعة: الدعاء واجبٌ، ولا يستجاب منه إلاّ ما وافق القضاء، فقد أمر الله تعالى به، وحضَّ عليه، فقال سبحانه: (ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ). وقال: (ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً). وقال: (قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبّى لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ). والآيات في الباب كثيرةٍ، ولمَّا ذكر الله تعالى جملةَ ما أمر به ذكر من بين ذلك الدعاء فقال تعالى: (قُلْ أَمَرَ رَبّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ). قال الخطابي: "فأمَّا من ذهب إلى إبطال الدعاء، فمذهبه فاسد... ومن أبطل الدعاء فقد أنكر القرآن ورده، ولا خفاء بفساد قوله، وسقوط مذهبه". قال الشوكاني: "إنه سبحانه وتعالى أمر عباده أن يدعوه، ثم قال: (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى)، فأفاد ذلك أن الدعاء عبادة, وأن ترك دعاء الرب سبحانه استكبار, ولا أقبح من هذا الاستكبار". وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لم يسأل الله يغضب عليه)). قال المناوي: "لأن تارك السؤال إما قانط وإما متكبر، وكل واحد من الأمرين موجب الغضب"، ثم نقل عن ابن القيم قوله: "هذا يدل على أن رضاه في مسألته وطاعته، وإذا رضي الرب تعالى فكل خير في رضاه، كما أن كل بلاء ومصيبة في غضبه... فهو تعالى يغضب على من لم يسأله، كما أن الآدمي يغضب على مَنْ يسأله". وقال المباركفوري: "لأن ترك السؤال تكبر واستغناء وهذا لا يجوز للعبد"، ونقل عن الطيبي قوله: "وذلك لأن الله يحب أن يسأل من فضله، فمن لم يسأل الله يبغضه, والمبغوض مغضوب عليه لا محالة". وقال الشوكاني: "في الحديث دليل على أن الدعاء من العبد لربه من أهم الواجبات, وأعظم المفروضات؛ لأن تجنب ما يغضب الله منه لا خلاف في وجوبه". فإن قال قائلٌ: ما فائدة الدعاء وقد سبق القضاء؟ فالجواب: أنَّ الله تعالى شرع الدعاءَ لتكون المعاملة فيه على معنى الترجِّي والتعلُّق بالطمع، الباعثَين على الطلب، دون اليقين الذي يقع معه طُمأنينةُ النفس، فيُفضي بصاحبه إلى ترك العمل، والإخلادِ إلى دعةِ العطلة. فإنَّ الأمرَ الدائرَ بين الظفرِ بالمطلوب،ِ وبين مخافة فوته، يحرِّك على السعيِ له والدأب فيه، واليقينُ يُسكِّن النفسَ ويريحها، كما أنَّ اليأس يُبلِّدُها ويطفئُها، والله يريد من العبد أن يكونَ معلَّقا بين الرجاءِ والخوف اللذَين هما قطبا العبودية، وليستخرج منه بذلك الوظائف المضروبة عليه، التي هي سمة كل عبد، ونصبة كل مربوب مدبر. قال ابن تيمية: "الناس قد اختلفوا في الدعاء المستعقب لقضاء الحاجات، فزعم قوم من المُبطلين، متفلسفة ومتصوفة، أنه لا فائدة فيه أصلا، فإن المشيئة الإلهية والأسباب العلوية، إمَّا أن تكون قد اقتضت وجود المطلوب، وحينئذ فلا حاجة إلى الدعاء، أو لا تكون اقتضته، وحينئذ فلا ينفع الدعاء.. وقال قوم مِمَّنْ تكلم في العلم: بل الدعاء علامة ودلالة على حصول المطلوب، وجعلوا ارتباطه بالمطلوب ارتباط الدليل بالمدلول، لا ارتباط السبب بالمسبب، بمنزلة الخبر الصادق والعلم السابق.. والصواب ما عليه الجمهور: من أن الدعاء سبب لحصول الخير المطلوب أو غيره، كسائر الأسباب المقدرة والمشروعة، وسواء سمي سببا، أو جزءا من السبب أو شرطا، فالمقصود هنا واحد، فإذا أراد الله بعبد خيرا ألهمه دعاءه والاستعانة به، وجعل استعانته ودعاءه سببا للخير الذي قضاه له". وقال ابن القيم: "وفي هذا المقام غلط طائفتان من الناس: طائفة: ظنَّت أن القدر السابق يجعل الدعاء عديم الفائدة، قالوا: فإن المطلوب إن كان قد قدر فلا بد من وصوله دعا العبد أو لم يدع، وإن لم يكن قد قدر فلا سبيل إلى حصوله دعا أو لم يدع. ولما رأوا الكتاب والسنة والآثار قد تظاهرت بالدعاء وفضله، والحث عليه وطلبه، قالوا: هو عبودية محضة، لا تأثير له في المطلوب ألبتة، وإنما تعبدنا به الله، وله أن يتعبد عباده بما شاء كيف شاء.. والطائفة الثانية: ظنت أن بنفس الدعاء والطلب ينال المطلوب، وأنه موجب لحصوله، حتى كأنه سبب مستقل، وربما انضاف إلى ذلك شهودهم أن هذا السبب منهم وبهم، وأنهم هم الذين فعلوه، وأن نفوسهم هي التي فعلته وأحدثته، وإن علموا أن الله خالق أفعال العباد وحركاتهم وسكناتهم وإراداتهم، فربما غاب عنهم شهود كون ذلك بالله ومن الله، لا بهم ولا منهم، وأنه هو الذي حركهم للدعاء، وقذفه في قلب العبد، وأجراه على لسانه.. فالأولى محجوبة عن رؤية حكمته في الأسباب، ونصبها لإقامة العبودية، وتعلق الشرع والقدر بها، فحجابها كثيف عن معرفة حكمة الله سبحانه وتعالى في شرعه وأمره وقدره.. والثانية محجوبة عن رؤية مننه وفضله، وتفرده بالربوبية والتدبير، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا حول للعبد ولا قوة له، بل ولا للعالم أجمع إلا به سبحانه، وأنه لا تتحرك ذرة إلا بإذنه ومشيئته.. وقول الطائفة الأولى: إن المطلوب إن قدر لا بد من حصوله، وإنه إن لم يقدر فلا مطمع في حصوله. جوابه أن يُقال: بقي قسم ثالث لم تذكروه، وهو أنه قدِّر بسببه، فإن وجد سببه وجد ما رتب عليه، وإن لم يوجد سببه لم يوجد، ومن أسباب المطلوب الدعاء والطلب اللذان إذا وجدا وجد ما رتب عليهما، كما أن من أسباب الولد الجماع، ومن أسباب الزرع البذر، ونحو ذلك.. وهذا القسم الثالث هو الحق.. ويُقال للطائفة الثانية: لا موجب إلا مشيئة الله تعالى، وليس ههنا سبب مستقل غيرها، فهو الذي جعل السبب سببا، وهو الذي رتب على السبب حصول المسبب، ولو شاء لأوجده بغير ذلك السبب، وإذا شاء منع سببية السبب، وقطع عنه اقتضاء أثره، وإذا شاء أقام له مانعا يمنعه عن اقتضاء أثره مع بقاء قوته فيه، وإذا شاء رتب عليه ضد مقتضاه وموجبه، فالأسباب طوع مشيئته سبحانه وقدرته، وتحت تصرفه وتدبيره، يقلبها كيف شاء".اهـ. والدعاء: هو من أعظم الطاعات والقربات إلى الله تعالى، بل أفضل من جهاد أعداء الله وإنفاق الذهب والفضة. فعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخيرٌ لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخيرٌ لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم" قالوا: بلى قال: "ذِكْر الله". أزكاها: أكثرها ثواباً وأطهرها، وأرفعها: أزيدها. فيه بيان فضل الذكر، وأنه خير من الضرب بالسيف في سبيل الله عز وجل، ونفقة الأموال في سبيل الله. قال ابن حجر رحمه الله: المُراد بذكر الله في حديث أبي الدرداء، الذكر الكامل، وهو ما يجتمع فيه ذكر اللسان، والقلب بالتفكر في المعنى، واستحضار عظمة الله تعالى، وان الذي يحصل له ذلك يكون أفضل ممن يقاتل الكفار مثلا استحضاراً لذلك، وان أفضلية الجهاد إنما هي بالنسبة إلى ذكر اللسان المجرد فمن اتفق له انه جمع ذلك كمن يذكر الله بلسانه وقلبه واستحضاره وكل ذلك حال صلاته أو في صيامه أو تصدقه أو قتاله الكفار مثلا فهو الذي بلغ الغاية القصوى والعلم ثم الله تعالى، وأجاب القاضي أبو بكر بن العربي بأنه ما من عمل صالح إلا والذكر مشترط في تصحيحه، فمن لم يذكر الله بقلبه ثم صدقته أو صيامه مثلاً فليس عمله كاملا، فصار الذكر أفضل الأعمال من هذه الحيثية، ويشير إلى ذلك حديث نية المؤمن أبلغ من عمله الحديث الأول.اهـ. وإن الدعاء يُعد من العبادة، بل هو العبادة، كما جاء ذلك في القرآن الكريم وأخبرنا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قال ابن كثير: هذا من فضله تبارك وتعالى وكرمه أنه ندب عباده إلى دعائه وتكفل لهم بالإجابة كما كان سفيان الثوري يقول: يا من أحب عباده إليه من سأله فأكثر سؤاله, ويا من أبغض عباده إليه من لم يسأله وليس أحد كذلك غيرك يا رب. رواه ابن أبي حاتم. وفي هذا المعنى يقول الشاعر: الله يغضب إن تركت سؤاله وبُنَيّ آدم حين يسأل يغضب وعن عائذ بن حبيب، عن محمد بن سعيد قال: لما مات محمد بن مسلمة الأنصاري وجدنا في ذؤابة سيفه كتاباً: باسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن لربكم في بقية أيام دهركم نفحات فتعرَّضوا له لعل دعوة أن توافق رحمة فيسعد بها صاحبها سعادة لا يخسر بعدها أبداً". وقوله عز وجل: أي عن دعائي وتوحيدي سيدخلون جهنم داخرين أي صاغرين حقيرين، كما قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن عجلان حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: "يُحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الناس يعلوهم كل شيء من الصغار حتى يدخلوا سجناً في جهنم يقال له بولس تعلوهم نار الأنيار يسقون من طينة الخبال عصارة أهل النار". وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين حدثنا أبو بكر بن محمد بن يزيد بن خنيس قال: سمعت أبي يحدث عن وهيب بن الورد حدثني رجل قال: كنت أسير ذات يوم في أرض الروم فسمعت هاتفاً من فوق رأس الجبل وهو يقول: يا رب عجبت لمن عرفك كيف يرجو أحداً غيرك يا رب عجبت لمن عرفك كيف يطلب حوائجه إلى أحد غيرك، قال: ثم ذهبت ثم جاءت الطامة الكبرى قال ثم عاد الثانية فقال يا رب عجبت لمن عرفك كيف يتعرض لشيء من سخطك يرضي غيرك قال وهيب وهذه الطامة الكبرى, قال فناديته أجني أنت أم إنسي قال بل إنسي اشغل نفسك بما يعنيك عما لا يعنيك.اهـ. وقال الطبري: وقوله: "وَقالَ رَبّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِيبْ لَكُمْ" يقول تعالى ذكره: ويقول ربكم أيها الناس لكم ادعوني، يقول: اعبدوني وأخلصوا لي العبادة دون من تعبدون من دون الأوثان والأصنام وغير ذلك أسْتَجِبْ لَكُمْ يقول: أُجِبْ دعاءكم فأعفو عنكم وأرحمكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا عليّ بن سهل, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا عمارة, عن ثابت, قال: قلت لأنس: يا أبا حمزة أبلغك أن الدعاء نصف العبادة قال: لا, بل هو العبادة كلها. وعن الأشجعي, قال: قيل لسفيان: ادع الله, قال: إن ترك الذنوب هو الدعاء. وقد قيل: إن معنى قوله: إن الذين يستكبرون عن دعائي. وعن أسباط, عن السُّدِّيِّ: إنّ الّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبادَتِي قال: عن دعائي. وعن السديّ داخِرِينَ قال: صاغرين. وقال الشيخ السعدي رحمه الله: هذا من لطفه بعباده،ونعمته العظيمة،حيث دعاهم إلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم، وأمرهم بدعائه، دعاء العبادة، ودعاء المسألة، ووعدهم أن يستجيب لهم، وتوعد من استكبر عنها فقال: أي: ذليلين حقيرين، يجتمع عليهم العذاب والإهانة، جزاء على استكبارهم. وعن النعمان بن بشير وعن البراء، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الدعاء هو العبادة". قال القاضي: إنما حكم بأن الدعاء هو العبادة الحقيقية التي تستأهل أن تسمى عبادة من حيث إنه يدل على أن فاعله مقبل بوجهه إلى اللّه معرض عما سواه لا يرجو ولا يخاف إلا منه استدل عليه بالآية فإنها تدل على أنه أمر مأمور به إذا أتى به المكلف قبل منه لا محالة وترتب عليه المقصود ترتب الجزاء على الشرط والمسبب على السبب وما كان كذلك كان أتم العبادة وأكملها.اهـ. قال الراغب: والعبودية إظهار التذلل والعبادة أبلغ منها لأنها غاية التذلل ولا يستحقها إلا من له غاية الأفعال. قال الطيبي: ويمكن حمل العبادة على المعنى اللغوي أي الدعاء ليس إلا إظهار غاية التذلل والافتقار والاستكانة، قال تعالى :"يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى اللّه واللّه هو الغني الحميد". الجملتان واردتان على الحصر وما شرعت العبادة إلا للخضوع للبارئ والافتقار إليه.اهـ. بل ويُعد الدعاء أفضل العبادة كما ثبت ذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعن أبي هريرة وعن النعمان بن بشير: "أفضل العبادة الدعاء". وننبه على حديث ضعيف منتشر بين الناس وهو لا يصح كما بين ذلك بعض علمائنا الأجلاء، وهو: "الدعاء مخ العبادة". وهو ضعيف.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: جامع الدعاء.. أحكام.. آداب.. ثمرات.. الإثنين 05 أكتوبر 2020, 6:03 pm | |
| فضل الدعاء لقد ورد في فصل الدعاء وأهميته آيات كريمة وأحاديث نبوية كثيرة. فمن فضائله العظيمة التي دلَّ عليها الكتاب والسنة: 1- أن الله تعالى أثنى على أنبيائه به، فقال تعالى: (إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خـشِعِينَ).
فأثنى سبحانه عليهم بهذه الأوصاف الثلاثة: المسارعة في الخيرات، ودعاؤه رغبة ورهبة، والخشوع له، وبيَّن أنها هي السبب في تمكينهم ونصرتهم وإظهارهم على أعدائهم، ولو كان شيء أبلغ في الثناء عليهم من هذه الأوصاف لذكره سبحانه وتعالى.
2- أنَّه سنَّة الأنبياء والمرسلين، ودأب الأولياء والصالحين، ووظيفة المؤمنين المتواضعين، قال تعالى: (أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَـفُونَ عَذَابَهُ).
وقال سبحانه: (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِـئَايَـاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَـهُمْ يُنفِقُونَ).
وهو صفة من صفات عباد الرحمن، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً) إلى قوله: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْواجِنَا وَذُرّيَّـاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً).
وهو ميزة أولي الألباب، قال تعالى: (إِنَ فِى خَلْقِ السَّمَـوتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلَـفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لاَيَـاتٍ لأوْلِى الألْبَـابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَـاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَـاواتِ وَالأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَـاطِلاً سُبْحَـانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) إلى قوله تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى).
3- أنه شأن من شؤون الملائكة الكرام، قال تعالى: (وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى الأَرْضِ أَلاَ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
وقال تعالى: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَىْء رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَاتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّـاتِ عَدْنٍ الَّتِى وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَـلَحَ مِنْ ءابَائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرّيَّـاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيّئَـاتِ وَمَن تَقِ السَّيّئَـاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
4- أنه من أفضل العبادات، قال الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُـمْ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دخِرِينَ).
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه، قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((الدعاء هو العبادة))، ثم قرأ: (وَقَالَ رَبُّكُـمْ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ...).
قال الخطابي: "معناه أنه معظم العبادة، وأفضل العبادة، كقولهم: الناس بنو تميم، والمال الإبل، يريدون أنهم أفضل الناس، أو أكثرهم عددا، أو ما أشبه ذلك، وأن الإبل أفضل أنواع الأموال وأنبلها".
قال المباركفوري: "أي هو العبادة الحقيقية التي تستأهل أن تسمى عبادة؛ لدلالته على الإقبال على الله, والإعراض عما سواه، بحيث لا يرجو ولا يخاف إلا إياه".
5- أن الله تعالى سمَّاه دينا فقال سبحانه: (فَـادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ).
6- أنه أكرم شيء على الله تعالى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس شيء أكرم على الله عز وجل من الدعاء)).
قال الشوكاني: "قيل: وجه ذلك أنه يدل على قدرة الله تعالى وعجز الداعي، والأولى أن يُقال: إن الدعاء لما كان هو العبادة, وكان مخ العبادة.. كما تقدم، كان أكرم على الله من هذه الحيثية؛ لأن العبادة هي التي خلق الله سبحانه الخلق لها، كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ). اهـ.
7- أنَّ الله تعالى أمر به وحثَّ عليه، وكذلك رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ).
وقال: (وَقَالَ رَبُّكُـمْ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ).
وقال: (فَادْعُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَـافِرُونَ).
وقال: (ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).
إلى قوله تعالى: (وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا).
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ لم يسألِ اللهَ يغضبْ عليه)).
8- أنَّ أهل الجنَّة به علَّلوا نجاتهم من عذاب النار فقالوا: (فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَـانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ).
9- أنَّ الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يُجالسَ ويُلازمَ أهلَ الدُّعاء، وأن لا يعدُوَهم إلى غيرهم بالنظر فضلا عمَّا هو فوقه، قال الله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا).
10- أنَّ الله تعالى نهى عن الإساءة إلى أهل الدعاء، تشريفاً وتكريماً لهم فقال: (وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَىْء وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مّن شَىْء فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّـلِمِينَ).
11- أن الله تعالى قريب من أهل الدعاء، قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ).
وقد جاء في سبب نزولها أن الصحابة رضي الله عنهم سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا رسول الله، ربنا قريب فنُنَاجيه؟، أم بعيد فنُنَاديه؟ فأنزل الله عز وجل هذه الآية.
قال ابن القيم: "وهذا القرب من الداعي قرب خاص، ليس قرباً عاماً من كل أحد، فهو قريب من داعيه، وقريب من عابده، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وهو أخص من قرب الإنابة وقرب الإجابة الذي لم يثبت أكثر المتكلمين سواه، بل هو قرب خاص من الداعي والعابد".
12- أنَّ من لزم الدعاء فلن يدركه الشقاء، قال الله تعالى عن زكريَّا: (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبّ شَقِيّاً).
وقال عن خليله إبراهيم: (عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاء رَبّى شَقِيّا).
13- أنَّه من صفات أهل الجنة في الجنة، قال تعالى: (دَعْواهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَءاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للَّهِ رَبّ الْعَـالَمِينَ).
14- أنَّ الدعاء كلَّه خير، فعن أبي سعيد رضي الله عنه، رفعه: ((ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلاَّ أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إمَّا أن يُعجِّل له دعوته، وإمَّا أن يدَّخرها له في الآخرة، وإمَّا أن يصرف عنه من السُّوء مثلها)).
قال ابن حجر: "كُلُّ داع يُستجاب له، لكن تتنوع الإجابة؛ فتارة تقع بعين ما دعا به، وتارة بعوضه".
15- أنَّ الله تعالى وعد بإجابة الدعاء فقال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ).
وقال: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوء).
وقال: (ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ).
16- أنه مفتاح أبواب الرحمة، وسبب لرفع البلاء قبل نزوله وبعد نزوله، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ فُتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة، وما سئل الله شيئا يُعطى أحب إليه من أن يسأل العافية، إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن الدعاء ليلقى البلاء، فيعتلجان إلى يوم القيامة)).
قال المباركفوري: "قوله: ((من فتح له منكم باب الدعاء)) أي: بأن وفق لأن يدعو الله كثيراً مع وجود شرائطه، وحصول آدابه، ((فتحت له أبواب الرحمة)) يعني أنه يجاب لمسئوله تارة، ويدفع عنه مِثله من السوء أخرى، كما في بعض الروايات: ((فتحت له أبواب الإجابة))، وفي بعضها: ((فتحت له أبواب الجنة))".
وقال في قوله: ((إن الدعاء ينفع مما نزل)): "أي من بلاء نزل بالرفع إن كان معلقاً، وبالصبر إن كان محكماً؛ فيسهل عليه تحمل ما نزل به فيُصَبِّره عليه أو يُرضيه به، حتى لا يكون في نزوله متمنياً خلاف ما كان، بل يتلذذ بالبلاء كما يتلذذ أهل الدنيا بالنعماء، ((ومما لم ينزل)) أي: بأن يصرفه عنه ويدفعه منه، أو يمدّه قبل النزول بتأييد من يخف معه أعباء ذلك إذا نزل به، ((فعليكم عباد الله بالدعاء)) أي: إذا كان هذا شأن الدعاء فالزموا يا عباد الله الدعاء".
17- أنه سبب لدفع العذاب، ومانع من موانع العقاب، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
قال ابن تيمية: "الذنوب تزول عقوباتها بأسباب... وتزول أيضا بدعاء المؤمنين، كالصلاة عليه، وشفاعة الشفيع المطاع لمن شفع فيه".
18- أنه من أعظم ما يزيد في الإيمان، ويقوي حلاوته في القلب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "من تمام نعمة الله على عباده المؤمنين أن ينزل بهم الشدة والضر وما يلجئهم إلى توحيده، فيدعونه مخلصين له الدين، ويرجونه لا يرجون أحدا سواه، وتتعلق قلوبهم به لا بغيره، فيحصل لهم من التوكل عليه والإنابة إليه وحلاوة الإيمان وذوق طعمه والبراءة من الشرك، ما هو أعظم نعمة عليهم من زوال المرض والخوف أو الجدب أو حصول اليسر وزوال العسر في المعيشة، فإن ذلك لذَّات بدنية ونعم دنيوية، قد يحصل للكافر منها أعظم مما يحصل للمؤمن، وأما ما يحصل لأهل التوحيد المخلصين لله الدين فأعظم من أن يعبر عن كنهه مقال، أو يستحضر تفصيله بال، ولكل مؤمن من ذلك نصيب بقدر إيمانه، ولهذا قال بعض السلف: يا ابن آدم، لقد بورك لك في حاجة أكثرت فيها من قرع باب سيدك، وقال بعض الشيوخ: إنه ليكون لي إلى الله حاجة فأدعوه، فيفتح لي من لذيذ معرفته وحلاوة مناجاته ما لا أحب معه أن يعجل قضاء حاجتي، خشيةَ أن تنصرف نفسي عن ذلك، لأن النفس لا تريد إلا حظها، فإذا قضي انصرفت، وفي بعض الإسرائيليات: يا ابن آدم، البلاء يجمع بيني وبينك، والعافية تجمع بينك وبين نفسك".
19- أنه يرد القضاء، فعن ثوبان مولى رسول الله أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((ولا يرد القدر إلا الدعاء)).
قال الشوكاني: "فيه دليل على أنه سبحانه يدفع بالدعاء ما قد قضاه على العبد، وقد وردت بهذا أحاديث كثيرة".
وقال: "والحاصل أن الدعاء من قدر الله عز وجل؛ فقد يقضي على عبده قضاء مقيداً بأن لا يدعوه، فإذا دعاه اندفع عنه".
وقال المباركفوري: "القضاء هو الأمر المقدر، وتأويل الحديث أنه إن أراد بالقضاء ما يخافه العبد من نزول المكروه به ويتوقاه، فإذا وُفق للدعاء دفعه الله عنه، فتسميته قضاء مجاز على حسب ما يعتقده المتوقي عنه".
وقال ابن القيم: "والصواب أن هذا المقدور قدر بأسباب، ومن أسبابه الدعاء، فلم يقدر مجرداً عن سببه، ولكن قدر بسببه، فمتى أتى العبد بالسبب وقع المقدور، ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور، وهذا كما قدر الشبع والري بالأكل والشرب، وقدر الولد بالوطء، وقدر حصول الزرع بالبذر، وقدر خروج نفس الحيوان بذبحه، وكذلك قدر دخول الجنة بالأعمال، ودخول النار بالأعمال".
20- أنه دليل على توحيد الله تعالى وإثبات ربوبيته وأسمائه وصفاته.
قال ابن عقيل: "قد ندب الله تعالى إلى الدعاء وفيه معان: الوجود والغنى والسمع والكرم والرحمة والقدرة، فإن من ليس كذلك لا يدعى". |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: جامع الدعاء.. أحكام.. آداب.. ثمرات.. الإثنين 05 أكتوبر 2020, 6:13 pm | |
| أقسام الدعاء ينقسم الدعاء إلى: 1- دعاء المسألة: وهو طلب ما ينفع، أو طلب دفع ما يضر، بأن يسأل الله تعالى ما ينفعه في الدنيا والآخرة، ودفع ما يضره في الدنيا والآخرة.
كالدعاء بالمغفرة والرحمة، والهداية والتوفيق، والفوز بالجنة، والنجاة من النار، وأن يؤتيه الله حسنة في الدنيا، وحسنة في الآخرة... إلخ.
2- دعاء العبادة: والمُراد به أن يكون الإنسان عابداً لله تعالى، بأي نوع من أنواع العبادات، القلبية، أو البدنية، أو المالية، كالخوف من الله، ومحبة رجائه، والتوكل عليه، والصلاة، والصيام، والحج، وقراءة القرآن، والتسبيح والذكر، والزكاة، والصدقة، والجهاد في سبيل الله، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر... إلخ.
فكل قائم بشيء من هذه العبادات فهو داعٍ لله تعالى.
والغالب أن كلمة (الدعاء) الواردة في آيات القرآن الكريم يراد بها المعنيان معاً؛ لأنهما متلازمان، فكل سائل يسأل الله بلسانه فهو عابد له، فإن الدعاء عبادة، وكل عابد يصلي لله أو يصوم أو يحج فهو يفعل ذلك يرد من الله تعالى الثواب والفوز بالجنة والنجاة من العقاب.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: "كل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء، والنهي عن دعاء غير الله، والثناء على الداعين، يتناول دعاء المسألة، ودعاء العبادة" انتهى.
وقد يكون أحد نوعي الدعاء أظهر قصدا من النوع الآخر في بعض الآيات.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - في قول الله عزّ وجلّ: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).
هاتان الآيتان مشتملتان على آداب نوعَيِ الدُّعاء: 1- دعاء العبادة. 2- ودعاء المسألة.
فإنّ الدُّعاء في القرآن يُراد به هذا تارةً، وهذا تارةً، ويُراد به مجموعهما؛ وهما متلازمان؛ فإنّ دعاء المسألة: هو طلب ما ينفع الدّاعي، وطلب كشف ما يضره ودفعِه،... فهو يدعو للنفع والضرِّ دعاءَ المسألة، ويدعو خوفاً ورجاءً دعاءَ العبادة؛ فعُلم أنَّ النَّوعين متلازمان؛ فكل دعاءِ عبادةٍ مستلزمٌ لدعاءِ المسألة، وكل دعاءِ مسألةٍ متضمنٌ لدعاءِ العبادة.
وعلى هذا فقوله: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فإنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذَا دَعَانِ) يتناول نوعي الدُّعاء... وبكل منهما فُسِّرت الآية. قيل: أُعطيه إذا سألني، وقيل: أُثيبه إذا عبدني، والقولان متلازمان.
وليس هذا من استعمال اللفظ المشترك في معنييه كليهما، أو استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه؛ بل هذا استعماله في حقيقته المتضمنة للأمرين جميعاً.
فتأمَّله؛ فإنّه موضوعٌ عظيمُ النّفع، وقلَّ ما يُفطن له، وأكثر آيات القرآن دالَّةٌ على معنيين فصاعداً، فهي من هذا القبيل.
ومن ذلك قوله تعالى: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ).
أي: دعاؤكم إياه، وقيل: دعاؤه إياكم إلى عبادته، فيكون المصدر مضافاً إلى المفعول، ومحل الأول مضافاً إلى الفاعل، وهو الأرجح من القولين.
وعلى هذا؛ فالمُراد به نوعا الدُّعاء؛ وهو في دعاء العبادة أَظهر؛ أَي: ما يعبأُ بكم لولا أَنّكم تَرْجُونَه، وعبادته تستلزم مسأَلَته؛ فالنّوعان داخلان فيه.
ومن ذلك قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ).
فالدُّعاء يتضمن النّوعين، وهو في دعاء العبادة أظهر؛ ولهذا أعقبه (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي) الآية، ويفسَّر الدُّعاء في الآية بهذا وهذا.
وروى الترمذي عن النّعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول على المنبر: إنَّ الدُّعاء هو العبادة، ثمّ قرأ قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) الآية.
وأمَّا قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) الآية.
وقوله: (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا) الآية.
وقوله: (وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ) الآية.
وكل موضعٍ ذكر فيه دعاءُ المشركين لأوثانهم، فالمُراد به دعاءُ العبادة المتضمن دعاءَ المسألة، فهو في دعاء العبادة أظهر...
وقوله تعالى: (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ)، هو دعاء العبادة، والمعنى: اعبدوه، وحدوه، وأخلصوا عبادته لا تعبدوا معه غيره.
وأمَّا قول إبراهيم عليه السّلام: (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاء)، فالمُراد بالسّمع ههنا ااء الطّلب، وسَمْعُ الربِّ تعالى له إثابته على الثناء، وإجابته للطلب؛ فهو سميعُ هذا وهذا.
وأمَّا قولُ زكريا عليه السّلام: (ولم أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا)، فقد قيل: إنَّه دعاءُ لسّمع الخاص، وهو سمعُ الإجابة والقبول، لا السّمع العام؛ لأنَّه سميعٌ لكل مسموعٍ، وإذا كان كذلك؛ فالدُّعاء: دعاء العبادة ودعالمسألة، والمعنى: أنَّك عودتَّني إجابتَك، ولم تشقني بالرد والحرمان، فهو توسلٌ إليه سبحانه وتعالى بما سلف من إجابته وإحسانه، وهذا ظاهرٌ ههنا.
وأمَّا قوله تعالى: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ) الآية... فهذا الدُّعاء: المشهور أنَّه دعاءُ المسألة، وهو سببُ النّزول، قالوا: كان النّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يدعو ربه فيقول مرَّةً: يا الله. ومرَّةً: يا رحمن. فظنَّ المشركون أنَّه يدعو إلهين، فأنزل اللهُ هذه الآيةَ.
وأمَّا قوله: (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ)، فهذا دعاءُ العبادة المتضمن للسؤال رغبةً ورهبةً، والمعنى: إنَّا كنَّا نخلص له العبادة؛ وبهذا استحقُّوا أنْ وقاهم الله عذابَ السّموم، لا بمجرد السّؤال المشترك بين النّاجي وغيره: فإنّه سبحانه يسأله من في السّموات والأرض، (لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا).
أي: لن نعبد غيره، وكذا قوله: (أَتَدْعُونَ بَعْلاً) الآية.
وأمَّا قوله: (وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ)، فهذا دعاءُ المسألة، يبكتهم الله ويخزيهم يوم القيامة بآرائهم؛ أنَّ شركاءَهم لا يستجيبون لهم دعوتَهم، وليس المُراد: اعبدوهم، وهو نظير قوله تعالى: (وَيَوْمَ يَقولُ نَادُوا شُرَكائِي الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فلمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ)." انتهى. والله أعلم.
فدعاء المسألة: هو أن يطلب الدَّاعي ما ينفعه، وما يكشف ضُرَّهُ.
دعاء العبادة: فهو شامل لجميع القربات الظاهرة، والباطنة لأن المتعبد لله طالب وداع بلسان مقاله ولسان حاله يرجو ربَّه قبول تلك العبادة، والإثابة عليها، فهو العبادة بمعناها الشامل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والدعاء لله وحده سواء كان دعاء العبادة، أو دعاء المسألة والاستعانة، كما قال تعالى: "وَأَنَّ الْمَسَـاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللَّهِ أَحَدًا *ً وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً * قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُو رَبِّى وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً".
وقال تعالى: "فَادْعُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَـفِرُونَ".
وقال: "فَلاَ تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَاهاً ءَاخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ".
وقال: "وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَىْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَىْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّـلِمِينَ".
وذَمَّ الذين يدعون الملائكة والأنبياء وغيرهم، فقال: "قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً".
وروي عن ابن مسعود -رضي الله عنه-: أن قوماً كانوا يدعون الملائكة؛ والمسيح، وعزيراً، فقال الله: هؤلاء الذين تدعونهم يخافون الله، ويرجونه؛ ويتقرَّبُون إليه كما تخافونه أنتم، وترجونه، وتتقرَّبُون إليه.
وقال تعالى: "وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِى الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّـاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَـنُ كَفُورًا".
وقال: "أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خلَفَآءَ الاَرْضِ أَءِلَـهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ".
وقال: "وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَـهَا ءَاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثَاماً".
والله سبحانه وتعالى يغضب إذا لم تسأله وتدعوه.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنه مَنْ لم يسئل اللهَ تعالى يغضب عليه".
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: وهذا يدل على أن رضاه في سؤاله وطاعته، وإذا رضى الرب تبارك وتعالى، فكل خير في رضاه، كما أن كل بلاء ومصيبة في غضبه، وقد ذكر الإمام أحمد في كتاب الزهد أثرا: أنا الله لا إله إلا أنا إذا رضيت باركت وليس لبركتي منتهى، وإذا غضبت لعنت ولعنتي تبلغ السابع من الولد.
وقد دل العقل والنقل والفطرة وتجارب الأمم على اختلاف أجناسها ومللها ونحلها على أن التقرب إلى رب العالمين وطلب مرضاته والبر والإحسان إلى خلقه من أعظم الأسباب الجالبة لكل خير وأضدادها من أكبر الأسباب الجالبة لكل شر فما استجلبت نعم الله واستدفعت نقمة الله بمثل طاعته، والتقرب إليه والإحسان إلى خلقه، وقد رتب الله سبحانه حصول الخيرات في الدنيا والآخرة وحصول السرور في الدنيا والآخرة في كتابه على الأعمال ترتيب الجزاء.اهـ.
وفى كتاب الزهد للإمام أحمد: عن قتادة، قال: قال مورق: ما وجدت للمؤمن مثلاً إلا رجل في البحر على خشبة فهو يدعو يا رب يا رب لعل الله عز وجل أن يُنجيه.
قال العلامة السعدي رحمه الله: ومما ينبغي لِمَنْ دعا رَبَّهُ في حصول مطلوب، أو دفع مرهوب أن لا يقتصر في قصده ونيته في حصول مطلوبه الذي دعا لأجله، بل يقصد بدعائه التقرب إلى الله بالدعاء، وعبادته التي هي أعلى الغايات، ومن كان هذا قصده في دعائه "التقرب إلى الله" فهو أكمل بكثير مِمَّنْ لا يقصد إلا حصول مطلوبة فقط، كحال أكثر الناس فهذا نقص وحرمان لهذا الفضل العظيم. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: جامع الدعاء.. أحكام.. آداب.. ثمرات.. الإثنين 05 أكتوبر 2020, 6:31 pm | |
| شروط الدعاء وواجباته لا يكون الدعاء مقبولاً عند الله تعالى إلا إذا توفّرت فيه وفي الدَّاعي جملة من الشروط، نذكرها فيما يلي: 1- الإخلاص فيه فلا يدعو إلا الله سبحانه، فإن الدعاء عبادة من العبادات، بل هو من أشرف الطاعات وأفضلِ القربات، ولا يقبل الله من ذلك إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم، قال الله تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَـجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللَّهِ أَحَداً).
وقال تعالى: (فَادْعُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَـفِرُونَ).
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: ((إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله)).
قال ابن رجب: "هذا منزع من قوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، فإن السؤال هو دعاؤه والرغبة إليه، والدعاء هو العبادة".
وقال: "واعلم أن سؤال الله عز وجل دون خلقه هو المتعين, لأن السؤال فيه إظهار الذل من السائل والمسكنة والحاجة والافتقار، وفيه الاعتراف بقدرة المسؤول على رفع هذا الضر ونيل المطلوب، وجلب المنافع ودرء المضار، ولا يصلح الذل والافتقار إلا لله وحده لأنه حقيقة العبادة".
2- الصبر وعدم الاستعجال، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دَعْوتُ فلم يُسْتَجَبْ لِي)).
وعنه أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يزال يُستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل))، قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: ((يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك، ويدع الدعاء)). ومعنى يستحسر: ينقطع.
قال ابن حجر: "وفي هذا الحديث أدب من آداب الدعاء، وهو أن يلازم الطلب، ولا ييأس من الإجابة؛ لما في ذلك من الانقياد والاستسلام وإظهار الافتقار".
وقال ابن القيم: "ومن الآفات التي تمنع أثر الدعاء أن يتعجل العبد ويستبطئ الإجابة فيستحسر ويدع الدعاء، وهو بمنزلة من بذر بذراً أو غرس غرساً فجعل يتعاهده ويسقيه، فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله".
3- أخي المسلم: هذا الشرط ركيزة ضرورية في بناء الدعاء المستجاب، وبدونه يصح الدعاء ضعيفا… واهيا…
أخي: أتدري ما هو هذا الشرط؟ انه: (التوبة من المعاصي) واعلان الرجوع الى الله تعالى.
اخي: ان اكثر اولئك الذي يشكون من عدم اجابة الدعاء افتهم المعاصي فهي خلف كل مصيبة.. قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: بالورع عما حرَّم الله يقبل الله الدعاء والتسبيح.
قال بعض السلف: لا تستبطئ الاجابة وقد سددت طرقها بالمعاصي.
اخي المسلم: ها هي المعاصي قد عمت وتطاير شررها في كل مكان. وقد غفل الغافلون.. وهم في غيهم منهمكون، ولكن اذا نزلت المصيبة صاروا يجأرون بدعاء الله تعالى فما أتعسهم وما أقل نصيبهم من اجابة الدعوات.
قيل لابراهيم بن ادهم رحمة الله: ما بالنا ندعو فلا يُستجاب لنا؟.
قال: لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه، وعرفتم الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلم تتبعوا سنته، وعرفتم القران فلم تعملوا به واكلتم نعم الله فلم تؤدوا شكرها، وعرفتم الجنة فلم تطلبوها، وعرفتم النار فلم تهربوا منها، وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه، وعرفتم الموت فلم تستعدوا له، ودفنتم الاموات فلم تعتبروا، وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس.
اخي المسلم: فالتوبة…. التوبة….. ولتنظف طريق الدعاء من الاوساخ، ليجد دعاؤك طريقه الى الاستجابة… والا كيف ترجو اخي الاجابة اذا كنت ممن يبارز ربه تعالى في ليلك ونهارك؟
اخي: ان مثل العاصي في دعائه كمثل رجل حارب ملكا من ملوك الدنيا ونابذه العداوة زمنا طويلا، وجاءه مرة يطلب إحسانه ومعروفة. فما ظنك أخي بهذا الرجل؟ اترك يدرك مطلوبة؟ كلا فانه لن يدرك مطلوبة الا اذا صفا الود بينه وبين ذلك الملك.
فذاك اخي مثل العاصي الذي يبيت ويصبح وهو في معصية الله، ثم اذا وقعت به شده يرجو من الله ان يجيب دعاءه، فاحذر اخي عاقبة المعاصي… فانك لن تسعين على إدراك الدعاء المتسجاب بشيء اقوى من ترك المعاصي.. فترك المعاصي مفتاح لباب الدعاء المتسجاب.. واعانني الله واياك لطاعته… عصمني واياك من معاصية ومساخطه…
4- وعلى الداعي أيضا أن يعلم ان من اسباب اجابة الدعاء: أن يكون الداعي ممن يحرصون على اللقمة الحلال: فلا يدخل بطنه حراما…. واذا اتصف العبد بذلك لمس اثر الاجابة في دعائة ووجد اثارا طيبة لذلك…
أخي: لقد عم البلاء بأكل الحرام او المشتبه في حله، فكان ذلك سبباً في عدم إجابة دعاء الكثيرين… فيا غافلين عن أسباب إجابة الدعاء تنبهوا الى ما يدخل جيوبكم من المال... وتنبهوا الى ما يدخل بطونكم من الطعام... ولا يقولن أحدكم: دعوتُ ولم أر إجابة للدعاء! وهو قد ملأ يده وبطنه من الحرام!!
وأتركك أخي مع هذه الوصية النبوية…. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وأن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: (يا أيها الرُّسُلُ كُلُوا من الطيبات واعملوا صالحًا إني بما تعملون عليم))، وقال: ((يا أيها الذين آمنوا كُلُوا من طيبات ما رزقناكم))، ثم ذكر الرجل يُطيلُ السَّفر، أشعث اغبر يمد يديه الى السماء يارب يارب ومطعمه حرام! ومشربه حرام! وملبسه حرام! وغذي بالحرام! فأنى يستجاب لذلك؟!)).
قال سهل بن عبد الله رحمة الله: من أكل العبد يحبس عن السماوات بسوء المطعم!.
وقال الإمام ابن رجب رحمه الله: فأكل الحلال وشربه ولبسه والتغذي به سبب موجب لإجابة الدعاء…
أخي المسلم: ولك في سلفك الصالح -رضي الله عنهم- قدوة صالحة… فهذا سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- اشتهر بإجابة الدعاء… فكان إذا دعا ارتفع دعاؤه واخترق الحجب فلا يرجع إلا بتحقيق المطلوب!.
فكان -رضي الله عنه- مثالاً حيًّا لمن أراد ان يعرف طريق إجابة الدعاء… وها هو -رضي الله عنه- يسأله بعضهم تستجاب دعوتك من بين أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: ما رفعت الى فمي لقمة إلا وأنا عالم من اين مجيئها؟! ومن أين خرجت.
أخي ذاك هو سر استجابة دعاء سعد بن أبى وقاص -رضي الله عنه- اللقمة الطيبة الحلال
أخي: فلنحاسب نفسك في أكلها وشربها وملبسها من أين هذا؟ وكيف جاء؟
فإذا كان حلالاً… فكل وأنت معافى.. وادع الله تعالى رازقك…. فأنت يومها القريب من طريق الإجابة؟.
5- حسن الظن بالله تعالى: فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فإن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه)).
وعنه أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني)).
قال الشوكاني: "فيه ترغيب من الله لعباده بتحسين ظنونهم، وأنه يعاملهم على حسبها؛ فمن ظن به خيراً أفاض عليه جزيل خيراته، وأسبل عليه جميع تفضلاته، ونثر عليه محاسن كراماته وسوابغ عطياته، ومن لم يكن في ظنه هكذا لم يكن الله تعالى له هكذا".
6- حضور القلب، وتدبر معاني ما يقول: لقوله -صلى الله عليه وسلم- فيما تقدم: ((واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه)).
قال النووي: "واعلم أن مقصود الدعاء هو حضور القلب كما سبق بيانه، والدلائل عليه أكثر من أن تحصر والعلم به أوضح من أن يذكر".
7- عدم الاعتداء في الدعاء: والاعتداء هو كل سؤال يناقض حكمة الله، أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره، أو يتضمن خلاف ما أخبر به، قال الله تعالى: (ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).
فمن ذلك: أن يسأل الله تعالى ما لا يليق به من منازل الأنبياء.
أو يتنطع في السؤال بذكر تفاصيل يغني عنها العموم.
أو يسأل ما لا يجوز له سؤاله من الإعانة على المحرمات.
أو يسأل ما لا يفعله الله، مثل أن يسأله تخليده إلى يوم القيامة، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية من الحاجة إلى الطعام والشراب، أو أن يسأله أن يطلعه على غيبه، أو يسأله أن يجله من المعصومين، أو يسأله أن يهب له ولدا من غير زوجة ولا أمة.
أو يرفع صوته بالدعاء، قال ابن جريج: من الاعتداء رفع الصوت بالدعاء.
أو يدعو مع الله تعالى غيره، قال ابن القيم: "أخبر تعالى أنه لا يحب أهل العدوان، وهم الذين يدعون معه غيره، فهؤلاء أعظم المعتدين عدواناً".
أو أن يدعو غير متضرع، بل دعاء مدل، كالمستغني بما عنده، المدل على ربه به. قال ابن القيم: "هذا من أعظم الاعتداء، المنافي لدعاء الضارع الذليل الفقير المسكين من كل جهة في مجموع حالاته، فمن لم يسأل مسألة مسكين متضرع خائف فهو معتد".
8- أن لا يشغله الدعاء عن أمر واجب أو فريضة حاضرة: كإكرام ضيف، أو إغاثة ملهوف، أو نصرة مظلوم، أو صلاة، أو غير ذلك.
9- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: ((والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، فتدعونه فلا يُستجاب لكم)).
قال أهل العلم: "لذا يمكن الجزم بأن ترك القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مانع من موانع إجابة الدعاء، فعلى كل مسلم يرغب بصدق أن يكون مُستجاب الدعوة القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب طاقته وجهده".
قُرب الله من الدَّاعي: قال تَعَالَى: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)".
أي: يحصل لهم الرشد الذي هو الهداية للإيمان والأعمال الصالحة, ويزول عنهم الغي المنافي للإيمان والأعمال الصالحة، ولأن الإيمان بالله والاستجابة لأمره, سبب لحصول العلم، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا).
هذا جواب سؤال، سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- بعض أصحابه فقالوا: يا رسول الله، أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فنزل: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) لأنه تعالى، الرقيب الشهيد، المطلع على السر وأخفى، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فهو قريب أيضا من داعيه، بالإجابة، ولهذا قال: (أجيب دعوة الداع إذا دعان).
والدعاء نوعان: دعاء عبادة، ودعاء مسألة.
والقرب نوعان: قرب بعلمه من كل خلقه، وقرب من عابديه وداعيه بالإجابة والمعونة والتوفيق.
فمن دعا ربه بقلب حاضر، ودعاء مشروع، ولم يمنع مانع من إجابة الدعاء، كأكل الحرام ونحوه، فإن الله قد وعده بالإجابة، وخصوصاً إذا أتى بأسباب إجابة الدعاء، وهي الاستجابة لله تعالى بالانقياد لأوامره ونواهيه القولية والفعلية، والإيمان به، الموجب للاستجابة، فلهذا قال: (فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) أي: يحصل لهم الرشد الذي هو الهداية للإيمان والأعمال الصالحة، ويزول عنهم الغي المنافي للإيمان والأعمال الصالحة.
ولأن الإيمان بالله والاستجابة لأمره، سبب لحصول العلم، كما قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فُرقانًا).
وروى الإمامُ أحمدُ، عن أبي موسى -رضي الله عنه-، قال: كُنَّا مع رسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- في غزوةٍ، فجَعَلْنا لا نَصْعَدُ شَرَفاً ولا نَعْلُو شَرَفاً ولا نَهبِطُ واديًا إلا رَفَعْنا أصواتَنا بالتَّكبيرِ، قال: فدَنَا منا فقال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ ولا غَائِباً، إِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا، إنَّ الَّذِي تَدْعُونَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ، يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَةَ كُنُوزِ الجَنَّةِ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّهِ".
قولُه: (ارْبَعُوا) بهمزةِ وصْلٍ وبفتحِ الباءِ الموحَّدةِ، معناه ارْفُقوا بأنْفُسِكم، واخفِضوا أصواتَكم، فإنَّ رَفعَ الصَّوتِ إِنَّما يَفعَلُه الإنسانُ لبُعدِ مَن يخاطِبُه ليَسمَعُه، وأنتم تَدْعُونَ اللَّهَ، وليس هُوَ بأصمَّ ولا غائبا، بل هُوَ سميعٌ قريبٌ. ففيه النَّدبُ إلى خفضِ الصَّوتِ بالذِّكْرِ إذا لم تَدْعُ حاجةٌ إلى رَفعِه، فإنَّه إذا خفَضَه كان أبلغَ في تَوقِيرِه وتعظيمِه، فإنْ دَعَت الحاجَةُ إلى الرَّفعِ رَفَعَ كما جاءتْ به أحاديثُ، كما في التَّلبِيةِ وغيرِها، فقد وَرَدَ الشَّرْعُ برَفعِه فيها.
وعَنْ سَلْمَانَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يَرْفَعَ إِلَيْهِ يَدَيْهِ، فَيَرُدَّهُمَا صِفْرًا)).
وعن عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا، أَوْ كَفَّ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ)).
والدعاء عبادة من أجل العبادات وأعظم الطاعات وأنفع القربات، عن النُّعْمانِ بْنِ بشيرٍ -رضي الله عنهما-، عَنِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "الدُّعاءُ هوَ العِبَادةُ".
وللدعاء آداب وشروط، يحسن بالمرء مراعاتها والاهتمام بها، لنيل المطلوب، والتقرب إلى المعبود، والحصول على الأجور، والدخول إلى جنة الخلود. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: جامع الدعاء.. أحكام.. آداب.. ثمرات.. الإثنين 05 أكتوبر 2020, 10:35 pm | |
| • آداب الدعاء ومستحباته للدعاء آداب ومستحبات ينبغي مراعاتها.
من ذلك: 1. أخي: اذا دعوت الله تعالى فلتبدأ أولاً: بحمده والثناء عليه تبارك وتعالى.. ثم بعدها: بالصلاة والسلام على النبي -صلى الله عليه وسلم-.. ثم ابدأ بعد ذلك في دعائك ومسألتك.
عن فضالة بن عبيد -رضي الله عنه-: قال: بينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاعد إذ دخل رجل فصلى: فقال: اللهم أغفر لي وارحمني، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عجلت أيها المصلي إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله، وَصَلِّ عَلَيَّ ثم ادْعُهْ".
قال: ثم صلى آخر بعد ذلك فحمد الله وصلى على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال له النبي صلى الله: "أيها المصلي ادع تُجَبْ".
2. أخي: ومن آداب الدعاء الحسنة: الوضوء… حتى تقبل على الله تعالى.. طاهراً…. متهيئًا لمناجاته ودعائه… وفي حديث ابي موسى الاشعري -رضي الله عنه-: لما استغفر النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبيد أبي عامر، دعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال: (اللهم أغفر لعبيد ابي عامر..).
3- استقبال القبلة: فعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: ((استقبل النبي -صلى الله عليه وسلم- الكعبة فدعا على نفر من قريش)).
وعن عبد الله بن زيد -رضي الله عنه- قال: ((خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى هذا المصلى يستسقي، فدعا واستسقى، ثم استقبل القبلة، وقلب رداءه)).
4- اختيار أحسن الألفاظ وأنبلها وأجمعها للمعاني وأبينها: ولا أحسن مما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة، فإن الأدعية القرآنية والأدعية النبوية أولى ما يدعى به بعد تفهمها وتدبرها؛ لأنها أكثر بركة، ولأنها جامعة للخير كله، في أشرف الألفاظ وأفضل العبارات وألطفها، ولأن الغلط يعرض كثيرا في الأدعية التي يختارها الناس، لاختلاف معارفهم، وتباين مذاهبهم في الاعتقاد والانتحال.
قال الطبراني مبينا سبب تأليفه كتاب الدعاء: "هذا الكتاب ألفته جامعاً لأدعية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حداني على ذلك أني رأيت كثيراً من الناس قد تمسكوا بأدعية سجع، وأدعية وضعت على عدد الأيام مما ألفها الوراقون، لا تروى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن أحد من التابعين بإحسان، مع ما روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الكراهية للسجع في الدعاء، والتعدي فيه، فألفت هذا الكتاب بالأسانيد المأثورة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" مقدمة كتاب الدعاء للطبراني.
وقال القاضي عياض: "أذن الله في دعائه، وعلَّم الدعاء في كتابه لخليقته، وعلَّم النبي -صلى الله عليه وسلم- الدعاء لأمته، واجتمعت فيه ثلاثة أشياء: العلم بالتوحيد، والعلم باللغة، والنصيحة للأمة، فلا ينبغي لأحد أن يعدل عن دعائه -صلى الله عليه وسلم-، وقد احتال الشيطان للناس في هذا المقام، فقيَّض لهم قوم سوء، يخترعون لهم أدعية يشتغلون بها عن الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وأشد ما في الإحالة أنهم ينسبونها إلى الأنبياء والصالحين، فيقولون: دعاء نوح، دعاء يونس، دعاء أبي بكر، فاتقوا الله في أنفسكم، لا تشغلوا من الحديث إلا بالصحيح".
وقال الغزالي: "والأولى أن لا يجاوز الدعوات المأثورة، فإنه قد يعتدي في دعائه، فيسأل ما لا تقتضيه مصلحته، فما كل أحد يحسن الدعاء".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وينبغي للخلق أن يدعوا بالأدعية المشروعة التي جاء بها الكتاب والسنة، فإنَّ ذلك لا ريب في فضله وحسنه، وأنَّه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقا".
5- التذلل والافتقار: أخي المسلم: إذا اردت لدعائك ان يصعد حقا. فتامل في حالك وقت الدعاء، هل انت ممن يدعون دعاء الراغب.. الراهب… المستكين.. الخاضع.. المتذلل الفقير الى ما عند ربه تبارك وتعالى؟،أم أنك أخي إذا دعوت دعاء غافل… لاه.
أخي: التذلل والخضوع والافتقار إلى الله أثناء الدعاء له مفعول عجيب في إجابة الدعاء، وقد غفل الكثيرون عن ذلك فتجد أحدهم إذا دعا أخرج كلمات جافة لا أثر للخضوع والتذلل فيها، وقد نسي هذا أنه يخاطب ملك الملوك.. المتفرد بالجلال والكبرياء…
قال بعضهم: أدع بلسان الذلة والافتقار لا بلسان الفصاحة والانطلاق.
اخي المسلم: ان أثر التذلل والخضوع على إجابة الدعاء سريع… مضمون الفائدة ولا يجد هذا إلا من جرَّبه… وسأقص عليك أخي نماذج تبرهن لك أن أثر التذلل على إجابة الدعاء لا يتخلّف.
قيل: أصاب الناس قحط على عهد داود -عليه السلام- فاختاروا ثلاثة من علمائهم فخرجوا حتى يستسقوا بهم، فقال أحدهم: اللهم إنك أنزلت في توراتك أن نعفو عمَّن ظلمنا، اللهم إنا ظلمنا أنفسنا فاعف عنَّا، وقال الثاني: اللهم إنك أنزلت في توراتك أن نعتق أرقاءنا، اللهم إنا أرقاؤك فأعتقنا، وقال الثالث: اللهم إنك أنزلت في توراتك أن لا نرد المساكين إذا وقفوا بأبوابنا اللهم إنا مساكينك وقفنا ببابك فلا ترد دعاءنا فَسُقُوا.
* وفي عهد عبد الرحمن الثالث: الخليفة الأموي على بلاد الاندلس، أمسكت السماء ذات مرة عن المطر، فدعا الخليفة الناس إلى الاستسقاء، وكان قاضي الجماعة يومها منذر بن سعيد رحمه الله: فبعث إليه الخليفة أن يخرج الناس إلى صلاة الاستسقاء، ولمَّا جاء رسول الخليفة إلى منذر، قال له منذر: كيف تركت مولانا؟ فقال: تركته وقد نزل عن سريره وافترش التراب، فقال منذر: أبشروا بالفرج فإنه إذا ذل جبَّارُ الأرض رحم جبَّارُ السماء، وخرج الناس بعدها للاستسقاء.. فسُقُوا.
أخي المسلم: لذلك كان أرجى الدعاء بالاستجابة ما تضمَّنَ الخضوع والتذلل والاعتراف بالذنب… وإذا اردت أخي دعاء يجمع هذه الخصال، فقد أرشدك النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيءٍ قط إلا استجاب اللهُ له".
فادع أخي بلسان الخضوع والتذلل والمسكنة… دعاء عبد فقير إلى ما عند ربه تعالى… محتاجاً إلى فضله وإحسانه… مُقِرَّاً بذنوبه… خاضعاً خضوع المُقصِّرين… يرى أنه لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، بل إن رَبَّهُ تبارك وتعالى هو مالك النفع والضُّر.. وهو تعالى الغني عن خلقة وهم الفقراء إليه سبحانه تبارك وتعالى..
أخي: أفهم هذا جيداً فإنه سِرٌ من أسرار الدعاء المُستجاب جهله الكثيرون.. فتنبَّه ولا تكن من الغافلين.
6- أن يترصَّد لدعاءه الأوقات الشريفة: كعشية عرفة من السَّنَة، ورمضان من الأشهر، وخاصة العشر الأواخر منه، وبالأخص ليلة القدر، ويوم الجمعة من الأسبوع، ووقت السَّحر من ساعات الليل، وبين الأذان والإقامة.
قال الله تعالى: (وَبِالأَسْحَـارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول عز وجل: مَنْ يدعوني فأستجيب له، مَنْ يسألني فأعطيه، مَنْ يستغفرني فأغفر له)).
وعن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه-، أنه -صلى الله عليه وسلم- قيل له: يا رسول الله، أي الدعاء أسمع؟ قال: ((جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات)).
7- أن يغتنم الحالات الفاضلة: كالسجود، ودبر الصلوات، والصيام، وعند اللقاء، وعند نزول الغيث.
قال ابن القيم: "((دبر الصلاة)) يحتمل قبل السلام وبعده، وكان شيخنا -يعني ابن تيمية- يرجح أن يكون قبل السلام، فراجعته فيه فقال: دبر كل شيء منه, كدبر الحيوان".
وقال الشيخ ابن عثيمين: "الدبر هو آخر كل شيء منه، أو هو ما بعد آخره"، ورجّح رحمه الله أن الدعاء دبر الصلوات المكتوبة يكون قبل السلام، وقال: "ما ورد من الدعاء مقيداً بدبر فهو قبل السلام، وما ورد من الذكر مقيداً بدبر فهو بعد الصلاة؛ لقوله تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَوةَ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ قِيَـاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) اهـ.
8- أن يستغلَّ حالات الضرورة والانكسار، وساعات الضيق والشدة: كالسفر، والمرض، وكونه مظلومًا.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ثلاث دعوات مُستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده)).
قال ابن رجب: "والسفر بمجرده يقتضي إجابة الدعاء... ومتى طال السفر كان أقرب إلى إجابة الدعاء؛ لأنه مظنة حصول انكسار النفس بطول الغربة عن الأوطان وتحمل المشاق، والانكسار من أعظم أسباب إجابة الدعاء".
9- رفع اليدين وبسط الكفَّين: فعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: ((دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم رفع يديه، ورأيت بياض إبطيه)).
وعن سلمان -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله حي كريم، يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين)).
ويشرع هذا الرفع في الدعاء المطلق، أما الأدعية الخاصة فإنه لا ترفع الأيدي إلا فيما رفع فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- منها، وما لم يثبت رفعه فيه فالسنة فيه عدم الرفع، اقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-.
10 - ومن الادب الحسن والذي يرجي به لصاحبه ان يستجاب دعاؤه: أن يقدم بين يدي دعاءه عملاً صالحاً كصلاة أو صيام أو صدقة… ألا ترى أخي أن الدعاء بعد الصلوات أرجي للإجابة، لأنه وقع بعد عمل صالح، وهو: (الصلاة المفروضة) وهي أرفع عمل بعد توحيد الله تعالي. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: جامع الدعاء.. أحكام.. آداب.. ثمرات.. الإثنين 05 أكتوبر 2020, 10:38 pm | |
| 11- ومن الآداب الجميلة للدعاء: أن يخفض الدَّاعي صوته إذا دعاه، فإن الدَّاعي مناج لربه تبارك وتعالى، والله تعالى يعلم السر وأخفي.. كما أن الدَّاعي إذا خفض صوته كان بذلك أكثر تأدباً وتذللاً وخضوعاً مِمَّنْ رفع صوته بالدعاء.
وقد مدح الله تعالى نبيه زكريا -عليه الصلاة والسلام- بخفض الصوت في الدعاء، فقال تعالى: (ذِكْرُ رحمة ربك عبده زكريا إذ نادى ربه نداءً خفيًا).
12 - ومِمَّا ينبغي أن تلاحظه من الآداب وأنت تدعو الله عز وجل: اختبار الاسم الذي يليق بجلاله سبحانه وتعالى.. فتدعوه بما جاء في القرآن والسُّنَّة من أسماءه الحسنى تبارك وتعالى.. ولا تتجاوز ذلك إلى الأسماء التي لم ترد في القرآن والسُّنَّة أو الأسماء التي ابتدعها المُبتدعة وأهل الأهواء.. قال تعالى (ولله الأسماء الحُسنى فادعوه بها).
قال الإمام القرطبي (رحمة الله): "سَمَّى اللهُ سبحانه اسماءه بالحُسنى، لأنها حسنة في الأسماع والقلوب، فإنها تدل على توحيده وكرمه وجوده ورحمته وأفضاله).
13- الإكثار من النوافل بعد أداء الفرائض. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله قال: مَنْ عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحَبَّ إليَّ مِمَّا افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه..)).
فلتكثر أخي من النوافل فإنها ترفع مقامك في الدنيا والآخرة أمَّا في الدنيا: فبالفوز بمحبة الله تعالي.. وهي غاية الغايات.
وإذا فزت بذلك أعانك الله تعالى على طاعته ومرضاته.. فلا تسمع إلا ما يُرضي الله، ولا تُبصر إلا ما يُرضي الله، ولا تنال بيدك إلا ما يُرضي الله، ولا تمشي برجلك إلا في مرضاته تبارك وتعالى.. ويستجيب الله دعاءك… ويُعيذك من كل شيءٍ يؤذيك… وأمَّا في الآخرة: فبالفوز برضوان الله تعالى ونعيمه الباقي…
أخي: هذه الخيرات كلها تدركها بالإكثار من النوافل، فإن أنت ضيَّعت فرصة كهذه فلتبك على عقلك البواكي.
14- التوسل إلى الله بأعمالك الصالحة التي وفقك الله إليها.. فالعمل الصالح نِعْمَ الشفيع لصاحبه في الدنيا والآخرة إذا كان صاحبه مُخلصاً فيه.
قال وهب بن منبه (رحمة الله): العمل الصالح يبلغ الدعاء، ثم تلا قوه تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه).
وقال بعضهم: يُستحب لمن وقع في شِدَّةٍ أن يدعو بصالح عمله.
أخي: وخير واعظ لك في أثر التوسل بالأعمال الصالحة تلك القصة التي قصَّها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه -رضي الله عنهم- وهي: قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة فسدَّت باب الغار الذي كانوا فيه فتوسَّل كل واحد منهم بعمل صالح عمله، فكشف الله عنهم الصخرة.
التوسل بالاعمال الصالحة لا يتحقق إلا لأهل الطاعات… الذين أضاءت أنوار الصالحات من صحائفهم.
فاؤلئك هم الذين إذا توسَّلُوا إلى الله تعالى بأعمالهم الصالحة قبل توسلهم، وكان العمل الصالح خير شفيع لهم..
قال وهب بن منبه: مثل الذي يدعو بغير عمل كمثل الذي يرمي بغير وتر.
15- ومن الأمور التي تُعِينُكَ في درب الدعاء المُستجاب: أن تدعو الله تعالى باسمه الأعظم الذي إذا دُعِيَ به أجاب…
سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يدعو وهو يقول: اللهم إني أسالك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كُفُوَاً أحد، فقال: ((والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعِيَ به أجاب وإذا سُئِلَ به أعطى)).
وسمع أيضاً مرة رجلاً يدعو: اللهم إني أسالك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت، بديع السماوات والأرض ياذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دُعِيَ به أجاب وإذا سُئِلَ به أجاب وإذا سُئِلَ به أعطى".
16- الإلحاح عليه سبحانه فيه بتكرير ذكر ربوبيته وهو أعظم ما يطلب به إجابة الدعاء، فإن الإلحاح يدل على صدق الرغبة، والله تعالى يُحِبُّ المُلِحِّينَ في الدعاء، ومن ذلك تكرير الدعاء.
فعن ابن مسعود يصف دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((وكان إذا دَعا دعا ثلاثاً)).
17- الجزم في الدعاء والعزم في المسألة فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ولكن ليعزم المسألة، وليُعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه)).
قال الشيخ عبد الرحمن آل الشيخ: "بخلاف العبد؛ فإنه قد يعطي السائل مسألته لحاجته إليه، أو لخوفه أو رجائه، فيعطيه مسألته وهو كاره، فاللائق بالسائل للمخلوق أن يعلق حصول حاجته على مشيئة المسؤول، مخافة أن يعطيه وهو كاره، بخلاف رب العالمين؛ فإنه تعالى لا يليق به ذلك لكمال غناه عن جميع خلقه، وكمال جوده وكرمه، وكلهم فقير إليه، محتاج لا يستغني عن ربه طرفة عين، وعطاؤه كلام... فاللائق بمن سأل الله أن يعزم المسألة، فإنه لا يعطي عبده شيئاً عن كراهة، ولا عن عظم مسألة".
18- الإكثار من دعاء الله تعالى في الرخاء فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: ((احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشِّدَّة...)).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ سَرَّهُ أن يستجيب الله له عند الشدائد والكُرب فليُكثر من الدعاء في الرخاء)).
قال المباركفوري: "لأن من شيمة المؤمن أن يُريِّش السهم قبل أن يرمي، ويلتجئ إلى الله قبل الاضطرار".
وقال سلمان الفارسي: إذا كان الرجل دَعَّاء في السراء، فنزلت به ضراء، فدعا الله تعالى، قالت الملائكة: صوت معروف، فشفعوا له، وإذا كان ليس بدعَّاء في السراء، فنزلت به ضراء، فدعا الله تعالى، قالت الملائكة: صوت ليس بمعروف، فلا يشفعون له.
وقال الضحاك بن قيس: اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة، إن يونس عليه الصلاة والسلام كان يذكر الله تعالى، فلما وقع في بطن الحوت قال الله تعالى: (فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبّحِينَ * لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)، وإن فرعون كان طاغياً ناسياً لذكر الله، فلما أدركه الغرق، قال: آمنت، فقال الله تعالى: (ءالئَـنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ).
19- أن يبدأ الداعي بنفسه، ثم يدعو لإخوانه المسلمين وأن يخص الوالدين، وأهل الفضل من العلماء والصالحين، ومن في صلاحه صلاح المسلمين، فعن أبي بن كعب -رضي الله عنه- ((أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا ذكر أحداً فدعا له بدأ بنفسه)).
وأرشد الله تعالى نبيه -صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك فقال: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ).
وقال تعالى عن دعاء نوح عليه السلام: (رَّبّ اغْفِرْ لِى وَلِوالِدَىَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِىَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ).
وأثنى الله تعالى على قوم كان من دعائهم: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإَيمَانِ).
وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: ((مَنْ استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة)).
20- إخفاؤه والإسرار به، فذلك أعظم إيماناً، وأفضل أدباً وتعظيماً وأبلغ في التضرع والخشوع، وأشد إخلاصاً، وأبلغ في جمعية القلب على الله في الدعاء، وأدل على قرب صاحبه من الله، وأدعى إلى دوام الطلب والسؤال، وأبعد عن القواطع والمشوشات والمضعفات، وأسلم من أذى الحاسدين.
قال الحسن: بين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفاً، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يُسمع لهم صوت، إن كان إلا همساً بينهم وبين ربهم، وذلك أن الله يقول: (ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً).
وإن الله ذكر عبداً صالحاً ورضي بفعله فقال: (إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً).
21- التواضع والتبذل في اللباس والهيئة، بالشعث والاغبرار عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((رُبَّ أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره)).
ولَمَّا خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- للاستسقاء خرج متبذلاً متواضعاً متضرعاً.
الأدعية الفاضلة من حيث حال الداعي, وهنَّ أربعٌ: 22-دعوة المسافر: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث دعوات يُستجاب لهن لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده". 23-دعوة الصائم في أي ساعة من ليل أو نهار: وعن أبي هريرة يرفعه: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويَفتَحُ لها أبواب السماء ويقول الرَّبُّ: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين". 24- دعوة المضطر: قال الله تعالى: (أمَّن يُجيبُ المضطَرَّ إذا دعَاهُ ويكشِفَ السُّوءَ). وحديث الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار فانحطت على فم الغار صخرة من الجبل أغلقت الغار عليهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالاً عملتموها صالحة لله تعالى واسألوا الله بها لعله يفرجها عنكم، فدعوا الله تعالى بصالح أعمالهم فارتفعت الصخرة فخرجوا يمشون...". 25- دعوة الإمام العادل: عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ثلاثة لا تُردُّ دعوتهم: وبدأ بـ الإمام العادل. الأدعية الفاضلة من حيث قولِ أو فعلِ الداعي, وهن سبعٌ: 26- دعوة المستيقظ من النوم إذا دعا بالمأثور: عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من تعارَّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: اللهم اغفر لي أو دعا استُجيب (له) (فإن عزم فتوضأ ثم صلى قبلت صلاته)". 27- دعوة من دعا بدعوة ذي النون: عن سعيد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "دعوة ذِي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجلٌ مسلمٌ في شيء قط إلا استجاب الله له". 28- دعوة من دعا بالاسم الأعظم: عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يدعو وهو يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، قال فقال: "والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أعْطى". 29- دعوة من أصيب بمصيبة إذا دعا بالمأثور: عن أم سلمة -رضي الله عنه-ا قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أْجُرني في مصيبتي وأَخْلِف لي خيراً منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها". قالت: فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخلف لي خيراً منه. رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. 30- دعوة الذاكر لله كثيراً: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثة لا يُردُّ دُعاؤُهم: وذكرَ منهم... الذاكر لله كثيراً... 31- دعوة عقب تلاوة القرآن: لحديثِ عمران بن حصين قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول (من قرأ القرآن فليسأل الله به فإنه سيجيء أقوام يسألون به الناس) وقد ذهبَ جماعةٌ إلى تضعيفِ الحديثِ في مقابل أن الشيخ الألباني -رحمه الله- حسَّنه كما في "الصحيحة". وعن قتادة قال: كان أنس بن مالك -رضي الله عنه- إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا. وأمَّا حديث: "ومن ختم القرآن فله دعوة مستجابة" فضعيف لا يصح. 32- دعوة عند شربِ ماء زمزم: قال رسول الله: ماء زمزم لِمَا شُرِبَ له. قال شيخ الإسلام: "وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، وَيَتَضَلَّعَ مِنْهُ، وَيَدْعُوَ عِنْدَ شُرْبِهِ بِمَا شَاءَ مِنْ الْأَدْعِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ". وقد وردَ عن كثيرٍ من السلف شربهم ماء زمزم لحاجاتٍ كثيرةٍ جداً. تَنبِيهٌ: ما يذكره أهل العلم من مواطنَ أو أماكن يُستجاب فيها الدعاء فليسَ ذلك له دليل يدلّ عليه, إنما حمله على ذلك هو رجاء الإجابةِ لفضل وعظم المكانِ أو الحال -دعوة المريض- ليس إلاَّ, وعلى هذا فكلُّ موطنٍ معظَّمٍ كالدعاءِ عندَ الكعبةِ أو الدعاءِ عند المشاعر الحرام يستحبُّ للرجل الإكثار من الدعاء, والصدق في الطلبِ.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الثلاثاء 06 أكتوبر 2020, 12:00 am عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: جامع الدعاء.. أحكام.. آداب.. ثمرات.. الإثنين 05 أكتوبر 2020, 11:48 pm | |
| • أماكن يُستجاب فيها الدعاء أوقـات وأحوال وأماكن وأوضاع يسـتجاب فيها الدعاء: * ليلة القدر.
* جوف الليل الآخر ووقت السحر.
* دبر الصلوات المكتوبات (الفرائض الخمس).
* بين الأذان والإقامة.
* ساعة من كل ليلة.
* عند النداء للصلوات المكتوبات.
* عند نزول الغيث.
* عند زحف الصفوف في سبيل الله.
* ساعة من يوم الجمعة وهي على الأرجح آخر ساعة من ساعات العصر قبل الغروب.
* عند شرب ماء زمزم مع النية الصادقة.
* السجود في الصلاة.
* عند قراءة الفاتحة واستحضار ما يُقال فيها.
* عند رفع الرأس من الركوع وقول: ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبـًا مباركًا فيه.
* عند التأمين في الصلاة.
* عند صياح الديك.
* الدعاء بعد زوال الشمس قبل الظهر.
* دعاء الغازي في سبيل الله.
* دعاء الحاج.
* دعاء المعتمر.
* الدعاء عند المريض.
* عند الإستيقاظ من النوم ليلاً والدعاء بالمأثور في ذلك: وهو قوله: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لى -أو دعا- استجيب له، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته.
* إذا نام على طهارة ثم استيقظ من الليل ودعا.
* عند الدعاء ب: لا إله إلا الله سبحانك إني كنت من الظالمين.
* دعاء الناس عقب وفاة الميت.
* الدعاء بعد الثناء على الله والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في التشهد الأخير.
* عند دعاء الله باسمه العظيم الذي إذا دعى به أجاب وإذا سأل به أعطي.
* دعاء المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب.
* دعاء يوم عرفه في عرفه.
* الدعاء في شهر رمضان.
* عند اجتماع المسلمين في مجالس الذكر.
* عند الدعاء في المصيبة بـ: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لى خيرا منها.
* الدعاء حال إقبال القلب علي الله واشتداد الإخلاص.
* دعاء المظلوم علي من ظلمه.
* دعاء الوالد لولده.
* دعاء المسافر.
* دعاء الصائم حتي يفطر.
* دعاء الصائم عند فطره.
* دعاء المضطر.
* دعاء الإمام العادل.
* دعاء الولد البار بوالديه.
* الدعاء عقب الوضوء إذا دعا بالمأثور في ذلك وهو قوله: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله"، فمن قال ذلك فتحت له أبواب الجنه الثمانية يدخل من أيها يشاء.
* الدعاء بعد رمي الجمرة الصغرى.
* الدعاء بعد رمي الجمرة الوسطي.
* الدعاء داخل الكعبة ومن صلي داخل الحجر فهو في البيت.
* الدعاء في الطواف.
* الدعاء علي الصفا.
* الدعاء على المروة.
* الدعاء بين الصفا والمروة.
* الدعاء في الوتر من ليالي العشرة الأواخر من رمضان.
* الدعاء في العشر الأول من ذي الحجة.
* الدعاء عند المشعر الحرام.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: جامع الدعاء.. أحكام.. آداب.. ثمرات.. الإثنين 05 أكتوبر 2020, 11:55 pm | |
| • شروط إجابة الدعاء: للدعاء شروط عديدة لا بد من توفرها، كي يكون الدعاء مستجاباً مقبولا عند الله. 1ـ الاستجابة لله عز وجل: لأن الله سبحانه وتعالى اشترط لإجابة الدعاء، طلب الاستجابة له سبحانه بفعل أوامره وترك نواهيه، فمن لم يستجب لربه بأن فرط في فعل الواجبات وارتكاب المحرمات فقد حرم نفسه من إجابة الدعاء، لأن الذنوب والمعاصي تمنع إجابة الدعاء.
قال بعض السلف: لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طرقها بالمعاصي.
2ـ أن لا يسأل إلا الله ولا يستعيذ ولا يستغيث إلا به: فلا يجوز أن يدعو غير الله تعالى لأن ذلك شرك به سبحانه.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله".
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: وكثيرا ما نجد أدعية دعا بها قوم فاستجيب لهم فيكون قد اقترن بالدعاء ضرورة صاحبه وإقباله على الله، أو منّة تقدمت منه جعل الله سبحانه إجابة دعوته شكرا لحسنته، أو صادف الدعاء وقت إجابة ونحو ذلك فاجيبت دعوته فيظن الظان أن السر في لفظ ذلك الدعاء فيأخذه مجردا عن تلك الأمور التي قارنته من ذلك الداعي وهذا كما إذا استعمل رجل دواءاً نافعاً في الوقت الذي ينبغي على الوجه الذي ينبغي فانتفع به فظن غيره أن استعمال هذا الدواء مجردا كاف في حصول المطلوب كان غالطا وهذا موضع يغلط فيه كثير من الناس ومن هذا قد يتفق دعاؤه باضطرار عند قبر فيجاب فيظن الجاهل أن السر للقبر ولم يعلم إن السر للاضطرار وصدق اللجاء إلى الله فإذا حصل ذلك في بيت من بيوت الله كان أفضل وأحب إلى الله.
3ـ حضور القلب: ينبغي للداعي أن يكون حاضر القلب متفهماً لما يقول، مستشعراً عظمة من يدعوه، ولا يليق بالعبد الذليل أن يخاطب ربه ومولاه بكلام لا يعيه هذا الداعي، وبجمل اعتاد تكرارها دون فهم لمعناها.
قال -صلى الله عليه وسلم-: "واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلبٍ غافلٍ لاهٍ".
4ـ عدم الاستعجال: قد يدعو الداعي، وتتأخر الإجابة لحكمة يعلمها الله تعالى فينتهز الشيطان الفرصة ويوسوس للمسلم أن يترك الدعاء، فلا ينبغي لك -يا أخي المسلم- أن تترك الدعاء، وتيأس من الإجابة بل استمر في الدعاء حتى يجيب الله تعالى دعاءك، قال -صلى الله عليه وسلم-: "يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول: دعوت فلم يستجب لي".
فيدع الدعاء عندما لا يرى أثراً للاستجابة. قال ابن قيم الجوزية: ومن الآفات التى تمنع ترتب أثر الدعاء عليه أن يستعجل العبد ويستبطي الإجابة فيستحسر ويدع الدعاء وهو بمنـزلة من بذر بذراً أو غرس غرساً فجعل يتعاهده ويسقيه فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله.
وفى البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوتُ فلم يُستجَبْ لِي".
وفي صحيح مسلم عنه: "لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بأثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل"، قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: "يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يُستجاب لي فيستحسر عند ذاك ويدع الدعاء".
وفي مسند أحمد من حديث أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل قالوا يا رسول الله كيف يستعجل قال يقول قد دعوت لربي فلم يستجب لي".
واعلم أن الدعاء عبادة كما بيّنا... فإنك إن أكثرت من الدعاء فأنت على خير عظيم سواء رأيت أثراً للإجابة أو لم تر أثراً.
5ـ إطابة المطعم والمشرب والملبس: فلا تدخل في بطنك إلا حلالاً وها هو النبي -صلى الله عليه وسلم- يخبرك عن عاقبة أكل الحرام: "ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك".
قال وهب بن منبه: "من سره أن يستجيب الله دعوته فليطب طعمته".
6ـ الدعاء بالخير: فحتى يكون الدعاء مقبولاً ومرجواً عند الله تعالى لابد أن يكون في الخير.
قال -صلى الله عليه وسلم-:"لا يزال يُستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم".
7ـ حسن الظن بالله -عز وجل-: قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يموتن أحدكم إلا وهو محسن الظن بالله".
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة".
ويستثنى من ذلك حالتان: "في عدم توفر شروط الدعاء". 1ـ دعوة المضطر: فالله تعالى يجيب المضطر إذا دعاه ولو كان مشركاً، فكيف إذا كان مسلماً عاصياً؟ بل كيف إذا كان مؤمناً تقياً؟
قال تعالى: "أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ".
المضطر: هو الذي أحوجه مرض، أو فقر، أو نازلة من نوازل الدهر إلى اللجوء والتضرع إلى الله.
روي: أن رجلاً من العباد كان مع أهله في الصحراء في جهة البادية، وكان عابداً قانتاً منيباً ذاكراً لله، قال: فانقطعت المياه المجاورة لنا وذهبت ألتمس ماء لأهلي، فوجدت أن الغدير قد جفّ، فعدت إليهم ثم التمسنا الماء يمنة ويسرة فلم نجد ولو قطرة وأدركنا الظمأ، واحتاج أطفالي إلى الماء، فتذكرت رب العزة سبحانه القريب المجيب، فقمت فتيممت واستقبلت القبلة وصليت ركعتين، ثم رفعت يدي وبكيت وسالت دموعي وسألت الله بإلحاح، وتذكرت قوله: "أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ".
قال: والله ما هو إلا أن قمت من مقامي وليس في السماء من سحاب ولا غيم، وإذا بسحابة قد توسطت مكاني ومنزلي في الصحراء، واحتكمت على المكان ثم أنزلت ماءها، فامتلأت الغدران من حولنا وعن يميننا وعن يسارنا فشربنا واغتسلنا وتوضأنا وحمدنا الله سبحانه وتعالى، ثم ارتحلت قليلاً خلف هذا المكان، وإذا الجدب والقحط، فعلمت أن الله ساقها لي بدعائي، فحمدت الله عز وجل.
وعن أصبغ بن زيد قال: مكثت أنا ومن عندي ثلاثاً لم نطعم شيئا -أي: من الجوع- فخرجت إلي ابنتي الصغيرة وقالت: يا أبتِ! الجوع! -تشكو الجوع- قال: فأتيت الميضأة - فتوضأت وصليت ركعتين، وأُلهمت دعاء دعوت به، في آخره: اللهم افتح عليّ منك رزقاً لا تجعل لأحد عليّ فيه منة، ولا لك عليّ في الآخرة فيه تبعة، برحمتك يا أرحم الراحمين! ثم انصرفت إلى البيت، فإذا بابنتي الكبيرة وقد قامت إليّ وقالت: يا أبه! جاء رجل يقول أنه عمي بهذه الصرة من الدراهم وبحمال عليه دقيق، وحمال عليه من كل شيء في السوق، وقال: أقرئوا أخي السلام وقولوا له: إذا احتجت إلى شيء فادع بهذا الدعاء، تأتك حاجتك، قال أصبغ بن زيد: والله ما كان لي أخ قط، ولا أعرف من كان هذا القائل، ولكن الله على كل شيء قدير.
وعن شقيق البلخي قال: كنت في بيتي قاعداً فقال لي أهلي: قد ترى ما بهؤلاء الأطفال من الجوع، ولا يحل لك أن تحمل عليهم ما لا طاقة لهم به، قال: فتوضأت - وكان لي صديقٌ لا يزال يقسم علي بالله إن يكن بي حاجة أعلمه بها ولا أكتمها عنه، فخطر ذكره ببالي، فلمَّا خرجت من المنزل مررت بالمسجد، فذكرت ما روي عن أبي جعفر قال: من عرضتْ له حاجة إلى مخلوق فليبدأ فيها بالله عز وجل، قال: فدخلت المسجد فصليت ركعتين، فلما كنت في التشهد، أفرغ عليَّ النوم، فرأيت في منامي أنه قيل: يا شقيق! أتدل العباد على الله ثم تنساه؟! قال: فاستيقظت وعلمت أن ذلك تنبيه نبهني به ربي، فلم أخرج من المسجد حتى صليت العشاء الآخرة، ثم تركت الذهاب لصاحبي وتوكلت على الله، وانصرفت إلى المنزل فوجدت الذي أردت أن أقصد قد حركه الله وأجرى لأهلي على يديه ما أغناهم، إن ربي سميع الدعاء.
2ـ دعوة المظلوم: قال -صلى الله عليه وسلم-: "اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب".
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ، الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ، حَتَّى يُفْطِرَ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، يَرْفَعُهَا اللَّهُ دُونَ الْغَمَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ: بِعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجراً ففجوره على نفسه".
وعندَ الترمذي: "ودعوة المظلوم يرفعها فوق الغمام، وتُفَتَّحُ لها أبواب السماء، ويقول الربُّ عز وجل: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين".
فدعاء المظلوم على من ظلمه، بأي نوع من أنواع الظلم مستجاب على كل حال.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: جامع الدعاء.. أحكام.. آداب.. ثمرات.. الثلاثاء 06 أكتوبر 2020, 12:11 am | |
| • جــوامــع الــدعــاء يستحب للعبد أن يسأل الله بكلام مختصر مفيد يدل على أكبر المعاني بأقل الألفاظ. قالت عائشة -رضي الله عنه-ا: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستحب الجوامع في الدعاء ويدع ما سوى ذلك". ومن هذه الأدعية: 1ـ "اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمت منه ومالم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبدك ونبيك، وأعوذ بك من شر ما استعاذ منه عبدك ونبيك، اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وأسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيرا".
قال بعض العلماء: هذا من جوامع الدعاء، لأنه إذا دعا بهذا فقد سأل الله من كل خير، وتعوذ به من كل شر.
2ـ "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر".
وقد جمع في هذا الحديث صلاح الدين والدنيا، والآخرة.
3ـ "اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار".
4- "اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وعافني، وارزقني".
فهذه الدعوات تجمع لك مطالب دنياك وآخرتك كما قال: "فهولاء تجمع لك دنياك وآخرتك".
تعريف الاعتداء في الدُّعاء في اللُّغة قال الراغب: أصل العَدو التَّجاوُزُ. وعن ابن سيِّده: وعدوى: ظلمه ظلماً جاوَزَ فيه القدرَ. وقيل: العدوان أسوأ الاعتداء في قوة أو فعل أو حال. ومنه قولُه تعالى: "وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا". وقوله تعالى: "بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ". أي معتدون: (لتعدى واعتدى وأعدى)، ومن الأخير: أعديتَ في منطقك: أي جُرْتَ. كما في الصِّحاح.
قال الرَّاغبُ: الاعتداءُ مجاوَزَةُ الحقّ؛ قد يكون على سبيل الابتداء؛ وهو النهي عنه، ومنه قولُه تعالى: "ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ". اهـ.
وعدا: جاوزه وتركه.
عدا فلان عدواً وعدوًّا وعدواناً: أي ظَلَمَ ظلماً جاوز فيه القدرَ. ويقال: عديته فتعدَّى: أي: تجاوز. وقولُه: فلا تعتدوها: أي لا تجاوزوها إلى غيرها. ومنه قوله: هم العادون. أي: المجاوزون ما حُدَّ لهم وأمروا به.
وأصلُ هذا كلمة: مجاوَزَة الحدّ والقدر والحق؛ يقال: تعدَّيتَ الحقَّ واعتديته وعدوته: أي جاوزتَه، وفي الحديث: "سيكون قوم يعتدون في الدعاء".
هو الخروج فيه عن الوضع الشَّرعيِّ والسُّنَّة المأثورة، وقوله: إنَّه لا يحبُّ المعتدين. المعتدون: المجاوزون ما أمروا به.
والتَّعَدِّي: مجاوَزةُ الشَّيء إلى غيره. يقال: عداه تعدية فتعدَّى: أي تجاوز.
العداء بالفتح والمدّ: الظُّلمُ وتجاوُزُ الحدّ، ومنه حديث: "سيكون قوم يعتدون في الدعاء"، وهو الخروجُ فيه عن الوضع الشَّرعيِّ والسُّنَّة المأثورة.
نخلص مما سبق أنَّ تعريفَ الاعتداء في الدُّعاء لغةً هو مجاوَزةُ الحدّ فيه.
المبحث الثَّاني تعريفُ الاعتداء في الدُّعاء في الاصطلاح: قال ابنُ القيِّم: الاعتداءُ في الدُّعاء هو كلُّ سؤال يناقض حكمةَ الله، ويتضمَّن مناقَضَة شرعه وأمره، أو يتضمَّن خلاف ما أخبر به؛ فهو اعتداءٌ لا يحبُّه الله ولا يحبُّ سائلَه، وفُسِّرَ الاعتداءُ برفع الصَّوت أيضاً في الدُّعاء؛ قال ابنُ جرير: من الاعتداء رفعُ الصَّوت في الدُّعاء، والنِّداء في الدُّعاء والصِّياح.
* قال ابنُ الجوزيّ في زاد المسير في علم التّفسير: إنَّ الاعتداءَ في الدُّعاء فيه ثلاثة أقوال: 1- أن يدعو على المؤمنين بالشَّرِّ؛ كالخزي واللَّعنة. 2- أن يسأل ما لا يستحقُّه من منازل الأنبياء. 3- إنَّه الجهر في الدُّعاء.
* وعرَّفه الكلبيُّ وابن جريح بأنَّه رفعُ الصَّوت بالدُّعاء والصِّياح. * وقيل هو اختراع دعوة لا أصل لها في الشَّرع. * وقيل الاعتداء هو أن يسأل الله ما لم تجر سنَّتُه بإعطائه أو إيجاده أو تغييره. * والاعتداء: هو تجاوُزُ الحدِّ الذي حدَّه الله لعبده في دعائه ومسألته ربَّه. * الاعتداءُ هو تجاوُزُ الحدِّ الذي حدَّه الله لعباده إلى غيره، وكلُّ ما تَجاوَزَ حدَّ شيء إلى غيره فقد تعدَّاه إلى ما جاوَزَه إليه.
نَخْلُصُ ممَّا سَبَقَ إلى أنَّ تعريفَ الاعتداء في الدُّعاء اصطلاحاً هو: تَجَاوُزُ الحدّ الشَّرعيّ في الدُّعاء معنى أو لفظاً أو أداءً وهيئةً.
وضابطُه: أن تتضمَّن هذه الأدعية معاني محرَّمةً أو مكروهةً: 1- الدُّعاء بلفظ اللَّهمَّ أُمَّني بكذا أو صلِّ عليّ ونحو ذلك: وهذه الألفاظُ وإن كان في ظاهرها لا بأس بها لكنَّها تحمل معنى سيِّئًا لا يسوَّغُ الدُّعاء به.
قال ابنُ القَيِّم: (ولا يُسَوَّغُ ولا يَحسن في الدُّعاء أن يقول العبد: اللهمَّ أُمَّني بكذا. بل هذه مستكره في اللفظ والمعنى؛ فإنَّه لا يقال: اقصدني بكذا إلَّا لمن كان يعرض له الغلط والنِّسيان فيقول: اقصدني.
وأمَّا مَن لا يفعل إلَّا بإرادته ولا يضلُّ ولا ينسى فلا يقال: اقصدني بكذا.
2- أن يكون المسؤول ممتنعاً عقلاً وعادة وله صور: كإحياء الموتى ورؤية الله في الدُّنيا أو يسأل منازل الأنبياء في الآخرة أو معجزاتهم في الدُّنيا.
وكذلك من صوره: الدُّعاء بجمال يوسف -عليه السَّلام- وبملك سليمان؛ وذلك لأنَّ يوسف أعطي شطر الحسن كما قال عليه الصَّلاة والسَّلام.
وأمَّا سليمان فلأنَّه: "قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ".
قال البغوي في تفسيره: قيل سأل ذلك ليكون آية لنبوَّته ودلالة على رسالته ومعجزة.
وكذلك الدُّعاء بتغيير لون البشرة أو الطُّول أو القصر، وأن تسأل المرأة التي بلغت سن اليأس ولداً، وكذلك التي استُئصل رحمُها، (وهنا قيد: هو أنَّه يجوز أن يسأل العبد ربَّه في مقام الاضطرار والشِّدَّة سؤالاً مطلقاً أن يكشف عنه ضرورة وقعت به فينقض الله له عادة؛ كما إذا حدث له في بادية عطش فدعا الله أن يكشف ما أصابه من الضُّرِّ مطلقاً كان ذلك جائزاً وإن كان في إجابته إيَّاه نقضُ العادة).
وكذلك صلاة الاستسقاء في غير وقتها (موسم نزول الأمطار)؛ فيصلِّي ويدعو دعاء الاستسقاء في وقت الصَّيف مع أنَّ عادةَ هذا البلد أن لا يَنـزل المطر إلَّا في الشِّتاء.
3- أن يكون على السَّائل حرجٌ مما سأل: كسؤال الخمر وغيره من المحرَّمات؛ لما تضمَّنَه سؤالُه من إتاحة الحرام، ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: "يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم".
4- أن يكون على السائل حرجٌ مما سأل: كسؤال المال والجاه والولد والعافية وطول العمر؛ للتَّفاخر والتَّكاثر والاستعانة بها على قضاء ما حرَّم الله من الشَّهوات.
5- إنَّ حاجتَه إذا عظمت يسألها الله- تعالى- سؤال مستعظم لها في ذات الله: بل يسأله الصَّغيرة والكبيرة سؤالاً واحداً؛ للحديث الذي رواه مسلم وابنُ حبَّان عن أبي هريرة: "إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة فإنه لا يتعاظم على الله شيء".
6- أن يدعو السَّائل من باب الاسترسال في الدُّعاء والعادة فقط دون العزم والنِّيَّة: كأن يدعو أن يخلِّصَه الله من معصية وهو مصرٌّ عليها ويواقعها.
7- طلب نفي ما دلَّ الشَّرع على ثبوته: كالدُّعاء للكفرة بالمغفرة ونفي تخليدهم في النار، أو الدُّعاء على المسلم الموحِّد بالخلود في النَّار.
8- طلبُ ثبوت أمر دلَّ الشَّرع على نفيه: كقولهم: (اللهم اجعلني أوَّلَ من تنشقُّ عنه الأرض يوم القيامة)، أو يسأل الله العصمة من الخطأ والذُّنوب مطلقاً لحديث "كلُّ ابن آدم خطَّاء".
9- أن يتعدَّى في الدُّعاء على مَن ظلمه؛ لاسيَّما المسلم، وله صور: * أن يدعو عليه بملابَسة معصية من المعاصي أو الكفر أو الختم بالكفر أو الرِّدَّة؛ كأن يقول مثلا: اللهم اهتك عرضه، أو: اللهم أَمتْه على غير ملَّة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
* بل المندوب إليه هو الصَّفحُ والعفوُ، وإن دعا عليه فليدع عليه بقضيَّة مثل قضية أو دونها؛ حتى لا يكون ظالماً في الزِّيادة؛ كأن يقول: اللهمَّ افعل به ما فعل بي. أو نحوه.
قال الله تعالى: "لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا".
قال ابنُ عبَّاس: لا يحبُّ الله أن يدعو أحد على أحد إلَّا أن يكون مظلوماً؛ فإنَّه قد أرخص له أن يدعو على مَن ظلمه وذلك قوله: "إلا من ظلم.. وإن صبر فهو خير له". اهـ.
وفي السُّنَّة بيان للصِّيغة التي يدعو بها على مَن ظلمه؛ فعن جابر -رضي الله عنه- قال: كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللهمَّ أصلح لي سمعي وبصري واجعلهما الوارثين مني وانصرني على مَن ظلمني وأرني منه ثأري".
أمَّا الدُّعاء بالضَّلالة والغواية فكما ذكرنا لا يجوز؛ لقوله تعالى: "ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ".
قال بعضُ السَّلَف في معنى المعتدين: (هم الذين يَدْعون على المؤمنين فيما لا يحلُّ فيقولون: اللهمَّ اخزهم، اللهمَّ العنهم).اهـ.
وقال سعيد بن جبير: (لا تدعو على المؤمنين بالشَّرِّ: اللهمَّ اخزه والعنه. ونحو ذلك؛ فإنَّ ذلك عدوان).اهـ.
وقال الحسنُ البصريُّ: (قد أرخص له أن يدعو على مَن ظلمه من غير أن يتعدَّى عليه).
يقول الإمامُ القرافيُّ: الدُّعاء على الظَّالم له أحوال: * إمَّا بعزله لزوال ظلمه فقط؛ وهذا حسن. * وثانيهما: بذهاب أولاده وهلاك أهله ونحوهم ممَّن تعلَّق به ولم يحصل منه جناية عليه، وهذا منهيٌّ عنه لأذيَّته مَن لم يمنّ عليه. * وثالثهما: الدُّعاء بالوقوع في معصية؛ كابتلائه بالشُّرب أو الغيبة أو القذف؛ فينهى عنه أيضاً؛ لأنَّ إرادةَ المعصية للغير معصية. * ورابعهما: الدُّعاء عليه بحصول مؤلمات أعظم ممَّا يستحقُّه في عقوبته؛ فهذا لا يتَّجه أيضاً؛ لقوله تعالى: "وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ". ففعلُه جائز وتركُه أحسن.
قد يشتبه على بعض الناس دليلان في ظاهرهما الدلالة على جواز الدُّعاء على الظالم بالإثم والمعصية: أحدُهما: من القرآن الكريم؛ وذلك في حكاية الله -عزَّ وجلَّ- عن موسى -عليه السَّلام- دعاءه على فرعون وقومه، وفيه: "وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ".
فالجواب عن هذا بأن يُقال: إنَّ دعاءَ موسى جاء بعد علمه بوحي من الله تعالى أنَّ قومَ فرعون لا يؤمنون ولو جاءتهم كلُّ آية ومعجزة؛ وليس فيه الدُّعاءُ مطلَقاً على كلِّ كافر أو ظالم بطمس القلب واليأس من الإيمان والتَّوبة.
يقول ابنُ كثير: "وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ"، قال ابنُ عبَّاس: أي اطبع عليها، "فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ".
وهذه الدَّعوةُ كانت من موسى -عليه السَّلام- غضباً لله ولدينه على فرعون وملئه الذين تبيَّن له أنَّه لا خيرَ فيهم، ولا يجيء منهم شيء؛ كما دعا نوح -عليه السَّلام- فقال: "رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا" انتهى.
ويقول القُرطبيُّ: وقد استشكل بعضُ النَّاس هذه الآية فقال: كيف دعا عليهم، وحكمُ الرُّسُل استدعاء إيمان قومهم؟، فالجواب: أنَّه لا يجوز أن يدعو نبيٌّ على قومه إلَّا بإذن من الله، وإعلام أنَّه ليس فيهم مَن يؤمن ولا يخرج من أصلابهم مَن يؤمن دليلُه قولُه لنوح -عليه السلام-: "أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ"؛ وعند ذلك قال: "رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا". انتهى.
ويقولُ الشَّيخُ أحمد النّفراويّ: اختُلف في جواز الدُّعاء على المسلم العاصي بسوء الخاتمة.
قال ابنُ ناجي: أفتى بعضُ شيوخنا بالجواز محتجًّا بدعاء موسى على فرعون بقوله تعالى حكايةً عنه: "رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ".
والصَّوابُ عندي أنَّه لا يجوز، وليس في الآية ما يدلُّ على الجواز؛ لأنَّه فرَّق بين الكافر الميئوس من إيمانه كفرعون، وبين المؤمن العاصي المقطوع له بالجنَّة؛ إمَّا ابتداءً أو بعد عذاب. انتهى.
الثاني: حديث جابر بن سمرة -رضي الله عنه- في قصَّة شكاية أهل الكوفة سعد بن أبي وقَّاص إلى عمر، وقيام ذلك الرَّجل في المسجد واتِّهامه لسعد بتهم عدَّة قال: (قال سعد: أما والله لأدعونَّ بثلاث: اللهمَّ إن كان عبدُك هذا كاذباً قام رياءً وسمعةً فأطل عمره، وأطل فقره، وعرِّضْه بالفتن. وكان بعدُ إذا سُئل يقول: شيخٌ كبيرٌ مفتونٌ أصابتني دعوةُ سعد. قال عبد الملك: فأنا رأيتُه بعد قد سَقَطَ حاجباه على عينيه من الكبَر، وإنَّه ليتعرَّض للجواري في الطُّرُق يغمزهنَّ).
فَظَنَّ بعضُ النَّاس أنَّ سعداً دعا عليه بالمعصية والإثم؛ ولكنَّ الصَّواب أنَّه دعا عليه بتعرُّضه للفتن والبلايا والمحن في الدِّين والدُّنيا؛ كما قال: (وعَرِّضْه للفتن).
والفتنةُ لا تعني المعصية؛ ولكنَّها تعني الشِّدَّة التي قد توقع في المعصية إن لم يَصبر عليها؛ وهذا ما حَصَلَ.
يقول الحافظ ابن حجر: (وفيه جوازُ الدُّعاء على الظالم المعيَّن بما يَستلزم النَّقصَ في دينه، وليس هو مَن طلب وقوع المعصية؛ ولكن من حيث إنَّه يؤدِّي إلى نكاية الظَّالم وعقوبته). انتهى.
ثالثا: خيرٌ من ذلك كلِّه: العفوُ وتركُ أمر الظَّالم له -سبحانه وتعالى- يوم القيامة؛ وذلك أنَّ مَن عفا عن حقِّه في الدُّنيا أخذه وافراً في الآخرة وأراح قلبَه من شوائب الحقد والغيظ.
قال -صلى الله عليه وسلم-: "يا عقبة بن عامر: صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك".
10- تحجُّرُ الدُّعاء: ومن ذلك قولُ الأعرابيّ: (اللهمَّ ارحمني ومحمَّدًا ولا ترحم معنا أحداً). فلمَّا سَلَّمَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- قال للأعرابيِّ: "لقد حجَّرتَ واسعاً". يريد رحمة الله.
11- تعليقُ الدُّعاء بالمشيئة: فعن أبي هريرة أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يَقُلْ أحدُكم: اللهمَّ اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت. ليعزم المسألة؛ فإنَّ اللهَ لا مكرهَ له".
ولمسلم: "وليعظم الرَّغبة، فإنَّ اللهَ لا يتعاظمه شيء أعطاه".
فقولُ القائل: (اللهمَّ اغفر لي إن شئت). كأنَّه يقول: لستُ محتاجاً إليك؛ إن شئتَ فاغفر لي، وإن لم تشأ فلستَ بمحتاج. وهذا فعلُ أهل التَّكبير وأهل الإعراض عن الله؛ ولهذا حُرِّمَ هذا اللَّفظ.
وقولُه: "ليعزم المسألة". هذا أحدُ أسباب المنع في الحديث؛ وهو أنَّ تعليقَه بالمشيئة يدلُّ على الفتور وضعف الهمَّة وقلَّة التعلُّق بالله تعالى؛ ولذا قال: ليعزم المسألة. أي: اسأل بعزم وقوَّة.
قوله: "فإن اللهَ لا مكرهَ له". هذا السَّبب الثَّاني؛ لأنَّ تعليقَ الدُّعاء بالمشيئة يوهم أنَّ اللهَ له مكره له، ويوهم النَّقصَ لله؛ فإنَّ اللهَ لا مكرهَ له.
12- الدُّعاء على الأهل والمال والولد والنَّفس: لأنه ضررٌ محضٌ وليس فيه مصلحة، وقد نَهَى عنه الشَّارع الحكيم؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعةً يُسأل فيها عطاءٌ فيستجيب لكم".
13- تَمَنِّي الموت: عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، قال النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَتَمَنَّيَنَّ أحدُكم الموتَ من ضُرٍّ أصابه؛ فإن كان لابدَّ فاعلاً فليقل: اللَّهمَّ أحيني ما كانت الحياةُ خيراً لي، وتَوَفَّني إذا كانت الوفاةُ خيراً لي".
وعن أبي عبيد سعد بن عبيد مولى عبد الرحمن بن أزهر أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يتمنَّى أحدُكم الموتَ؛ إمَّا محسناً؛ فلعلَّه يزداد، وإمَّا مسيئاً؛ فلعلَّه يستعتب".
قال النَّوويُّ: في الحديث التَّصريح بكراهة تَمَنِّي الموت لضُرٍّ نَزَل به من فاقة أو محنة بعدوٍّ ونحوه من مشاقِّ الدُّنيا؛ فأمَّا إذا خاف ضرًّا أو فتنةً في دينه فلا كراهةَ لمفهوم هذا الحديث؛ وقد فَعَلَه خلائق من السَّلَف.اهـ.
وأصرحُ منه في ذلك حديثُ معاذ الذي أخرجه أبو داود وصحَّحه الحاكم في القول في دُبُر كلِّ صلاة، وفيه: "وإذا أردتَ بقوم فتنةً فتوفَّني إليك غيرَ مفتون".
قال ابنُ حَجَر في تعليقه على حديث أبي عبيد: (وقد خَطَرَ لي في معنى الحديث أنَّ فيه إشارةً إلى تغبيط المحسن بإحسانه وتحذير المسيء من إساءته؛ فكأنَّه يقول: مَن كان محسناً فليترك تَمَنِّي الموت، وليستمر على إحسانه والازدياد منه، ومَن كان مسيئاً فليترك تمنِّي الموت، وليقلع عن الإساءة؛ لئلَّا يموت على إساءته؛ فيكون على خطر.
14- الدُّعاء بتعجيل العقوبة: فعن أنس -رضي الله عنه- أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- عاد رجلاً من المسلمين قد خفت فصار مثل الفرخ فقال له النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "هل كنت تدعو بشيء أو تسأله إياه؟" قال: نعم؛ كنتُ أقول: اللهمَّ ما كنتَ معاقبني به في الآخرة فعجِّله لي في الدُّنيا.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سبحان الله؛ لا تطيقه، أو لا تستطيعه؛ أفلا قلتَ: اللهمَّ آتنا في الدُّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النَّار". فدعا اللهَ له فشفاه.
عَلَّقَ على هذا الحديث الإمام النَّوويّ في شرحه على صحيح مسلم فقال: قولُه: "قد خَفَت" أي: ضعف.
وفي الحديث النَّهي عن الدُّعاء بتعجيل العقوبة، وفيه كراهية تمنِّي البلاء؛ لئلَّا يتضجَّر منه ويسخطه، وربَّما شكا.اهـ
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: جامع الدعاء.. أحكام.. آداب.. ثمرات.. الثلاثاء 06 أكتوبر 2020, 12:16 am | |
| أن يكون التَّعَدِّي في تراكيب الكلمات وفي غرابتها، أو التَّفصيل، أو التَّشقيق في العبارات والزِّيادة في الكلمات على نحو لم يكن معروفاً عند السَّلَف: 1- أن يَشتمل الدُّعاء على الشِّرك: قال تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ. ومن صوره أن يصرفَ الدُّعاء لغير الله، أو أن يدعو مع الله غيرَه؛ كأن يقول: يا رسول الله، اكشف كربتي. أو: يا عليُّ.
أو: يا جيلاني.. فلا شَكَّ أنَّه كفرٌ صريحٌ ناقلٌ من الملَّة؛ قال تعالى: إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ.
2- تصغير أسماء الله تعالى: كأن يقول: (يا رُبَيْبِي، يا حُنَيِّن، يا رحيِّم).
3- دعاء صفات الله: لأنَّ الصِّفةَ غيرُ الذَّات في مقام النِّداء؛ ولهذا إنَّما ينادى الله- جَلَّ وعلا- المتَّصف بالصِّفات.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأمَّا دعاء صفاته وكلماته فكفرٌ باتِّفاق المسلمين؛ فهل يقول مسلم: يا كلام الله اغفر لي وارحمني وأغثني، أو أعني.
أو يا علم الله أو يا قدرة الله، أو يا عزَّة الله، أو يا عظمة الله. ونحو ذلك؟! أو سمع مسلماً أو كافراً أنَّه دعا بذلك من صفات الله، أو يطلب من الصِّفة جلبَ منفعة أو دَفْعَ مَضَرَّة، أو إعانة، أو نصر، أو غير ذلك.
4- دعاءُ الله بأسماء لم تَردْ في الكتاب ولا في السُّنَّة: فمن صُوَره قولُ بعضهم: يا سبحان، يا برهان، يا سلطان؛ قال الخطَّابيُّ: (وممَّا يسمع على ألسنة العامَّة وكثير من القصّاص قولهم: يا سبحان، يا برهان، يا غفران، يا سلطان).
وكذلك قولهم: يا رب القرآن.
قال الخطَّاب: (أوَّلُ من أنكر ذلك ابنُ عبَّاس؛ فإنَّه سمع رجلاً يقول عند الكعبة: يا ربَّ القرآن. فقال له: إنَّ القرآن لا رب له؛ إنَّ كلَّ مربوب مخلوق).
5- أن يدعو بدعاء لا يعرف معنى لألفاظه: كما ذكره محمَّد بن الحسن عن شيخه أبي حنيفة قال: نَكْرَهُ أن يدعوَ الرَّجلُ فيقول: (اللهمَّ أسألك بعقد العزّ من عرشك)؛ لأنَّه ليس يَنكشف معنى هذا الدُّعاء لكلِّ أحد، ولأنَّه لا يُتصوَّر أن يستشعر الإنسانُ دعاءً لا يَفهمه؛ لذا يَنبغي للدَّاعي أن يتخيَّر من الأدعية ما يفهم معناه.
وعلى إمام المسجد والخطيب أن يتخيَّر الألفاظَ السَّهلةَ الواضحةَ المعاني؛ لأنَّ كثيراً من عوامِّ النَّاس لا يَفهم معنى الأدعية الواردة الصَّحيحة؛ فكيف بغيرها؟!
ولذا كان من المستحسن من الدَّاعية وطالب العلم وإمام المسجد والخطيب شرح الأدعية المأثورة وتبيين معناها للنَّاس؛ لكي يستشعروها أثناءَ دعائهم.
6- التَّفصيل عند الدُّعاء بأحوال البرزخ في يوم القيامة أو بأحوال الموت وسكراته: ومن صوره: (اللهمَّ ارحمنا إذا بردت القدمان وشخصت العينان ويبس منَّا اللِّسان).
وكقول بعضهم في دعائه: (اللهمَّ ارحمنا إذا يئس منَّا الطَّبيبُ وبَكَى علينا الحبيبُ...) إلخ.
7- التَّفصيل عند الدُّعاء بالجنَّة: فمن صُوَره: (اللهمَّ إنَّا نسألك الجنَّةَ في سدر مخضود وطلح منضود وظلٍّ ممدود... إلخ.
مع أنَّه كان يكفيه أن يَلتزم بجوامع الكلم ويَدَع ما سوى ذلك؛ فعن عائشة- -رضي الله عنه-ا- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستحبُّ الجوامعَ من الكلم في الدُّعاء ويَدَع ما سوى ذلك.
وقد خرَّج أبو داود عن أبي نعامة عن ابن سعد بن أبي وقَّاص أنَّه قال: سمع أبي وأنا أقول: (اللهمَّ إنِّي أسألك الجنَّةَ ونعيمَها وبهجتَها وكذا وكذا، وأعوذ بك من النَّار وسلاسلها وأغلالها وكذا وكذا. فقال: يا بنيَّ إنِّي سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "سيكون قومٌ يعتدون في الدُّعاء؛ فإيَّاك أن تكون منهم؛ إن أعطيت الجنَّة أعطيتَها وما فيها، وإن أعذتَ من النَّار أعذتَ منها وما فيها من الشَّرِّ".
8- التَّفصيلُ والاختراعُ في الدُّعاء على الكفَّار؛ ومن ذلك: اللهمَّ جمِّد الدِّماءَ في عروقهم، اللهمَّ سَكِّن ما تحرَّك في أجسادهم، وحَرِّك ما سكن منها، اللهمَّ اجعل الموتَ أغلى أمانيهم، اللهمَّ رمِّل نساءهم ويَتِّم أطفالَهم... إلخ.
ولقد كان من دعاء الخليفة الرَّاشد عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- على الكفرة قوله: (اللَّهمَّ عذِّب الكفرة الذين يصدُّون عن سبيلك ويكذِّبون رسولَك ويقاتلون أولياءك ولا يؤمنون بوعدك وخالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرُّعبَ وألق عليهم رجزَك وعذابَك إله الحقّ).
9- أن يخترعَ الدَّاعي ألفاظاً عامَّةً من عنده يدعوه بها في سجوده ويتحرَّى بها مواطنَ الإجابة. ومن صوره: (اللهمَّ افتح الباب وارفع الحجاب).
ويفرَّقُ بين هذا وبين من كانت له حاجة خاصَّة يلحُّ على الله بها.
10- السَّجعُ المتكلَّف في الدُّعاء: خصوصاً في القنوت والبحث عن غرائب الأدعية والكلمات.
والسَّجع هو: ما استوى واستقام وأشبه بعضُه بعضاً.
وقيل: السَّجعُ: الكلامُ المقفَّى، أو: هو تواطؤُ الفاصلتين من الشَّرِّ على حرف واحد.
ومن صُوره: (اللهمَّ إنَّا نسألك الأمنَ في البلد والصِّحَّة في الجسد والصَّلاح في الولد)، وكذلك قوله: (اللهمَّ إنَّا نسألك رزقاً دارًّا وعيشاً قارًّا وعملاً سارًّا).
وقد ثَبَتَ في البخاريِّ عن عكرمة عن ابن عبَّاس -رضي الله عنه- قال له: (فانظر السَّجعَ في الدُّعاء فاجتنبه؛ فإنِّي عهدتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابَه لا يفعلون إلَّا ذلك الاجتناب).
قال القرطبيُّ- رحمه الله- عند كلامه على قوله تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ: وهو أن يدعوَ بما ليس في الكتاب والسُّنَّة فيتخيَّر ألفاظاً مفقَّرةً وكلمات مسجوعةً قد وجدها في كراريس لا أصلَ لها ولا معوَّل عليها فيجعلها شعارَه ويترك ما دعا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ وكلُّ هذا يمنع من استجابة الدُّعاء.
وإنَّه لمن الحزن أن يتعدَّى في الدُّعاء بمثل هذه الأدعية المسجوعة المخترَعة؛ خصوصاً في الأوقات والأزمان الفاضلة في ليالي رمضان؛ فيفوِّت الدَّاعي على نفسه وعلى الناس إذا كان إماماً الإجابةَ في مثل هذه الفرص العظيمة، وقد يُشكل ما ورد في بعض الأدعية عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- من السَّجع؛ لذا قال ابنُ حجر في إيضاح هذا المشكل أنَّ ذلك كان يَصدر من غير قصد إليه؛ ولأجل هذا يجيء في غاية الانسجام؛ كقوله -صلى الله عليه وسلم- في الجهاد: "اللهم منـزل الكتاب، سريع الحساب، هازم الأحزاب...).
وكقوله -صلى الله عليه وسلم-: "صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده".
وكقوله: "أعوذ بك من عين لا تدمع ونفس لا تشبع وقلب لا يخشع".
وكلُّها صحيحةٌ؛ قال الغزاليُّ: (المكروهُ من السَّجع هو التَّكَلُّفُ؛ لأنَّه لا يلائم الضَّراعةَ والذِّلَّةَ؛ وإلَّا ففي الأدعية المأثورة كلمات متوازية لكنَّها غيرُ متكلِّفة. ا.هـ
11- التزامُ أدعية لا تصحُّ عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: ومن صوره: أ- (تَمَّ نورُك فهديت فلك الحمد، عظم حلمُك فعفوتَ فلك الحمد...) رواه أبو يعلى بسند ضعيف؛ لأنَّه منقطعُ الإسناد فيه فرات بن سلمان؛ لم يَلْقَ عليًّا- -رضي الله عنه-؛ فهو منقطعُ الإسناد. ب- (يا مَن لا تراه العيون ولا تخالطه الظُّنون... إلى أن قال: يعلم مثاقيل الجبال ومكاييل البحار وعدد ورق الأشجار). ج- (يا من أظهر الجميل وستر القبيح يا من لا يؤاخذ بالجريرة.. إلى قوله: نسألك يا الله أن لا تشوي خلقي بالنار). قال الذهبي في الميزان في ترجمة أحمد بن داود الصنعاني أحد رواة الحديث: أتى بخبر لا يحتمل ثم ذكره.
12- التزامُ أدعية الصَّالحين: وذلك أنَّ بعضَ الصَّالحين عَرَضَ له أمرٌ فدعا اللهَ بلفظ معيَّن فاستجاب الله دعاءَه؛ ومن ذلك: أ) ما أورده ابنُ القيِّم في الجواب الكافي عن ابن أبي الدُّنيا في كتاب المجانين في الدُّعاء عن الحسن البصريّ عن أنس أنَّ رجلاً من أصحاب النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- يكنَّى أبا معلق وكان تاجراً، فعرض له لصٌّ وأراد قتلَه وأخذ ما معه من المال، فطلب أبو معلق من اللِّصِّ أن يذرَه يصلِّي، فلما كان في آخر سجدة دعا ربَّه فقال: (يا ودود يا ذا العرش المجيد يا فعَّال لما تريد أسألك بعزِّك الذي لا يرام وبملكك الذي لا يضام وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شرَّ هذا اللِّصّ، يا مغيث أغثني). فاستجاب الله دعاءَه وصرف عنه اللِّصَّ.
قال الحسن في رواية عن أنس: مَن دعا بهذا الدُّعاء استجيب له مكروباً كان أو غير مكروب.
يقول ابن القيم في الجواب الكافي: وكثيرا ما نجد أدعية دعا بها قوم فاستجيب لهم فيكون قد اقترن بالدعاء ضرورة صاحبه وإقباله على الله أو حسنه تقدمه منه جعل الله سبحانه إجابة دعوته شكرا لحسنته أو صادف الدعاء وقت إجابة ونحو ذلك فأجيبت دعوته فيظن الظآن أن السر في لفظ ذلك الدعاء فيأخذه مجردًا عن تلك الأمور التي قارنته من ذلك الداعي، وهذا كما إذا استعمل رجل دواء نافعا في الوقت الذي ينبغي على الوجه الذي ينبغي فانتفع به فظن غيره أن استعمال هذا الدواء مجردا كافي في حصول المطلوب كان غالطا.
ب- دعاء الحسن في التَّهنئة بالمولود: (شكرت الواهب وبورك لك في الموهوب وبلغ أشدَّه ورزقت برّه). فالحديث لا يصحُّ عن الحسن البصريِّ؛ إذاً فليس من السُّنَّة التزامُ هذا الدُّعاء.
13- اللَّحنُ في ألفاظ الدُّعاء وعدم الإعراب: وقد عَدَّ صاحبُ التَّبصرة من الآداب أن يكون الدُّعاء صحيحَ اللَّفظ؛ لأنَّ اللَّحنَ يتضمَّن مواجهة الحقِّ بالخطأ. وأنشد بعضهم: ينادي ربه باللحن ليت كذاك إذا دعاه لا يجيب.
قال ابنُ الصَّلاح في فتاويه: (الدُّعاءُ الملحون ممَّن لا يستطيع غيره لا يقدح في الدُّعاء ويعذر فيه) ا.هـ.
أمَّا حديث: (إنَّ اللهَ لا يَقبل دعاءً ملحوناً) فإنَّه لا يُعرَف له أصل.
وقد سئل شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن رجل دعا دعاءً ملحوناً، فقال له الرجل: ما يقبل الله دعاء ملحوناً؟ فأجاب: مَن قال هذا القول فهو آثمٌ مخالفٌ للكتاب والسُّنَّة ولما كان عليه السَّلَفُ؛ وأمَّا مَن دعا اللهَ مخلصاً له الدِّين بدعاء جائز سمعه الله وأجاب دعاءه؛ سواءً كان معرباً أو ملحوناً، والكلام المذكور لا أصلَ له؛ بل يَنبغي للدَّاعي إذا لم تكن عادتُه الإعراب أن لا يتكلَّفَ الإعراب.
قال بعضُ السَّلَف: إذا جاء الإعراب ذهب الخشوع.
وهذه كما يكره تكلُّف السَّجع في الدُّعاء؛ فإذا وقع بغير تكلُّف فلا بأس به؛ فإنَّ أصلَ الدُّعاء من القلب، واللِّسان تابعٌ للقلب.
ومَن جَعَل همَّتَه في الدُّعاء تقويمَ لسانه أضعف توجُّهَ قلبه؛ ولهذا يدعو المضطرُّ بقلبه دعاءً يفتح عليه لا يحضره قبل ذلك؛ وهذا أمر يجيده كلُّ مؤمن في قلبه، والدُّعاءُ يَجوز بالعربيَّة وبغير العربيَّة، والله -سبحانه- يَعلم قصدَ الدَّاعي ومرادَه، وإن لم يقوِّم لسانه فإنَّه- سبحانه- يعلم ضجيجَ الأصوات باختلاف اللُّغات على تنوُّع الحاجات).
14- الدُّعاءُ بالألفاظ الأعجميَّة غير معروفة المعنى: كأن يَخترع كلمة أو دعوة أعجمية.
والدَّليلُ قولُه تعالى: قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ.
وجهُ الدِّلالة: أنَّ معناها أن أسألك ما ليس لي بجواز سؤاله علم. فدلَّ ذلك على أنَّ العلمَ بالجواز شرطٌ في جواز السُّؤال؛ فما لا يعلم جوازُه لا يجوز سؤالُه، وأكَّدَ الله تعالى ذلك بقوله: إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ.
واللَّفظُ الأعجميُّ غيرُ معلوم الجواز؛ فيكون السُّؤالُ به غيرَ جائز؛ ولذلك منع مالك الرّقى به.
15- عدم اختيار الألفاظ المناسبة أثناء الدعاء: ومن صوره: أن يقول: اللهمَّ ارحمني يا شديد العقاب، أو اللهم عليك بالكفار يا غفار يا أرحم الراحمين. وإذا أراد غشيان النساء مثلا فلا يصرح؛ بل يقول: (اللهم متعني بأعضائي وجوارحي).
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: جامع الدعاء.. أحكام.. آداب.. ثمرات.. الثلاثاء 06 أكتوبر 2020, 12:18 am | |
| 16- استبدال لفظه في الدعاء الوارد بغير الوارد: عن البراء بن عازب -رضي الله عنه-، قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل: اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة واجعلهم آخر ما تتكلم به".
قال: فردَّدتُها على النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فلمَّا بلغتُ: "اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت" قلت: "ورسولك". قال: "لا؛ وبنبيِّك الذي أرسلت". متفق عليه.
فعلى الدَّاعي إذا دعا بالمأثور أن يلتزم به ولا يخلطه بغيره.
قال النووي: اختار المازري وغيره أنَّ سببَ الإنكار أنَّ هذا ذكرٌ ودعاءٌ؛ فَيَنبغي فيه الاقتصارُ على اللَّفظ الوارد بحروفه، وقد يتعلَّق الجزاءُ بتلك الحروف، ولعلَّه أوحى إليه -صلى الله عليه وسلم- بهذه الكلمات؛ فَيَنبغي أداؤها بحروفها. وهذا القول حسن.
ويأتي في هذا السياق والمعنى دعاء الاستخارة؛ حيث ذكر جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان يعلِّمهم دعاء الاستخارة كما يعلمهم السورة من القرآن؛ لذا ذكر بعضُ أهل العلم في معنى تشبيهه بالقرآن أن يذكر ألفاظَ الدُّعاء والاستخارة كما يذكر ألفاظَ القرآن؛ سواءً بسواء؛ قال الحافظُ ابنُ حجر: (وقال ابن أبي جمرة: التَّشبيه في تحفظ حروفه وترتيب كلماته ومنع الزيادة والنقص).
17- الدعاء بلفظ اللعن: إنَّ لفظَ اللَّعن قد يُراد به نفس لفظ اللَّعن، وقد يراد به عبارات السَّبِّ والشَّتم، كما أنَّ لفظَ اللَّعن قد يراد به معناه الأصليُّ الذي هو الطَّردُ والإبعاد عن رحمة الله تعالى، وقد يراد به مُطْلَقُ السَّبِّ والشَّتم والتَّنَقُّص والدُّعاء على الشَّخص.
وهناك أنواع من اللَّعن تُخرج صاحبَها من الملَّة؛ ومن ذلك: لعن الله -سبحانه وتعالى- أو أحد من ملائكة ورسوله ودينه؛ فهذا كلُّه موجبٌ لردَّة صاحبه وكفره؛ ومن أدلَّة ذلك قولُه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية فيمن سبَّ اللهَ تعالى: (فإن كان مسلماً وَجَبَ قتلُه بالإجماع؛ لأنَّه بذلك كافرٌ مرتدٌّ وأسوأ من الكافر).
وأمَّا سبُّ نبيِّنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقد قال الإمام أحمد: (كلُّ مَن شتم النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- وانتقصه مسلماً كان أو كافراً فعليه القتل).
والحكمُ في سبِّ سائر الأنبياء كالحكم في سبِّ نبيِّنا محمَّد -صلى الله عليه وسلم- وكذلك الحكم في سبِّ الملائكة أو أحد منهم؛ ذكر ذلك القاضي عياض.
ومن أنواع اللَّعن: لعنُ المعيَّن من عصاة المسلمين.
قال ابنُ العربيّ المالكيّ: (فأمَّا العاصي المعيَّن فلا يحوز لعنُه اتِّفاقاً).
وقال شيخُ الإسلام ابن تيمية: (وأما الفاسق المعين فلا تنبغي لعنته).
وقال الغزاليُّ: (إنَّ لعنَ فاسق بعينه غيرُ جائز؛ وعلى الجملة ففي لعن الأشخاص خطرٌ فليجتنب، ولا خطرَ في السُّكوت عن لعن إبليس مثلاً فضلاً عن غيره).
وقال النَّوويّ: (وأمَّا المعيَّن فلا يجوز لعنه).
- ومن الأدلة على ذلك: 1- ما رواه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنَّ رجلاً كان على عهد النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- كان اسمُه عبد الله وكان يُلَقَّبُ حماراً، وكان يضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد جلده في الشَّراب، فأتى به يوماً فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهمَّ العنْه ما أكثر ما يؤتى به. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تلعنوه فوا الله ما علمت، إنَّه يحبُّ الله ورسوله". وفي رواية: "لا تكونوا عوناً للشَّيطان على أخيكم".
قال شيخُ الإسلام ابن تيمية: فقد نهى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عن لعنة هذا المعيَّن الذي كان يُكثر شرب الخمر معلِّلاً ذلك بأنَّه يحبُّ الله ورسوله مع أنَّه -صلى الله عليه وسلم- لعن شارب الخمر مطلقاً؛ فَدَلَّ ذلك على أنَّه يجوز أن يُلعنَ المطلق ولا تجوز لعنة المعيَّن الذي يحب الله ورسوله، ومن المعلوم أنَّ كلَّ مؤمن فلابدَّ أنَّه يحبُّ الله ورسوله.
وقال ابنُ حَجَر: يُستفاد من ذلك منعُ الدُّعاء على العاصي بالإبعاد عن رحمة الله كاللَّعن.
2- وكذلك ذكروا في إجازة لعن كلِّ مَن وقع في معصية جاء النصُّ بلعن فاعلها يفتح الباب للعن كثير من المسلمين، ويروِّض الألسنةَ والأسماع على إلف هذا الخلق المشين ويكثر التَّسابّ والتَّشاتم والتَّلاعن بين المسلمين؛ الأمر الذي يتعارض مع مقاصد الإسلام في إفشاء التَّحابب والمودَّة والبعد عن أسباب الضَّغينة والقطيعة وسوء الظَّنِّ).
3- إنَّ إطلاقَ المسلم لسانه بتعيين بعض إخوانه المسلمين باللَّعن يخرجه من عداد المؤمنين الذي ورد الثَّناء عليهم بابتعادهم عن الاتِّصاف بهذا الخلق القبيح -وهو كثرة اللَّعن- كما في الحديث: "ليس المؤمن باللعان ولا الطعان ولا الفاحش البذيء".
كما يُحرم من أن يكون شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة؛ كما في الحديث: "لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة".
وأمَّا ما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من لعن لبعض المسلمين المعيَّنين فقد ورد عنه -صلوات الله وسلامه عليه- أنَّه قال: "اللهم إنما أنا بشر فأيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له زكاة ورحمة".
وكذا وَرَدَ عند مسلم من حديث عائشة قالت: دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلان فكلَّماه بشيء لا أدري ما هو فأغضباه فلعنهما وسبَّهما، فلمَّا خرجا قلت: يا رسول الله مَنْ أصاب من الخير شيئاً ما أصابه هذان. قال: "وما ذاك"؟ قلت: لعنتَهما وسببتَهما. قال: "أوما علمت ما شارطت عليه ربي؟ قلت: اللهمَّ إنَّما أنا بشر، فأيّ المسلمين لعنتُه أو سببتُه فاجعله له زكاةً وأجراً".
وعنده أيضاً من حديث جابر بن عبد الله، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنَّما أنا بشر، وإنِّي اشترطتُ على ربِّي- عَزَّ وجَلَّ- أيّ عبد من المسلمين سببتُه أو شتمتُه أن يكون ذلك له زكاةً وأجراً".
وأخرج أيضاً حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كانت عند أمِّ سليم يتيمة- وهي أم أنس- فرأى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- اليتيمةَ فقال: "أنت هيه؟ لقد كبرت لا كبر سنُّك". فَرَجَعت اليتيمةُ إلى أمِّ سليم تبكي، فقالت أمُّ سليم: مالك يا بنيَّة؟ قالت الجارية: دعا عليَّ نبيُّ الله -صلى الله عليه وسلم- أن لا يَكبر سنِّي، فالآنَ لا يَكبر سنِّي أبداً. أو قالت: قَرْني. فخرجت أمُّ سليم مستعجلةً تلوث خمارها حتَّى لقيت رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مالك يا أمَّ سليم؟ فقالت: يا نبيَّ الله أدعوت على يتيمتي؟ قال: "وما ذاك يا أم سليم"؟ قالت: زَعَمَتْ أنَّك دعوتَ ألَّا يكبر سنُّها ولا يكبر قرنُها. قال: فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: "يا أمَّ سليم، أما تعلمين أنَّ شرطي على ربِّي أنِّي اشترطتُ على ربِّي فقلت: إنَّما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر؛ فأيّما أحد دعوتُ عليه من أمَّتي بدعوة ليس لها بأهل أن يجعلها له طهوراً وزكاةً وقربةً بها منه يوم القيامة".
18- تكثير الألفاظ بلا حاجة: والتَّطويلُ في العبارات والتَّكَلُّف في ذكر التَّفاصيل؛ كأن يقول: ربِّ ارحمني ووالدي ولعماتي ولخالاتي ولأعمامي ولأخوالي ونحو ذلك، ويكفي أن يقول اللَّهمَّ اغفر لي ولوالديَّ وللمسلمين والمسلمات.
فيدخل فيه من ذكرهم؛ لحديث عائشة- -رضي الله عنه-ا- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعجبه جوامعُ الدُّعاء ويدع ما بين ذلك".
أي يحبُّ الدُّعاء بالكلمات التي تجمع خيري الدُّنيا والآخرة، وتجمع الأغراض الصَّالحة، وقيل: هي ما كان لفظُها قليلاً ومعناها كثيراً، ويترك غير الجوامع من الدُّعاء".
وعن سعد بن أبي وقَّاص -رضي الله عنه- أنَّه سمع ابناً له يدعو وهو يقول: اللهمَّ إنِّي أسألك الجنَّةَ ونعيمها وإستبرقها ونحواً من هذا وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها. فقال: يا بنيَّ إنِّي سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يكون قوم يعتدون في الدعاء".
وإيَّاك أن تكون منهم؛ إنَّك إذا دخلتَ الجنة أعطيتَ ما فيها من الخير، وإن أعذتَ من النار أعذتَ ممَّا فيها من الشَّرِّ.
وعن عبد الله بن مغفل -رضي الله عنه- أنَّه سمع ابنَه وهو يقول في دعائه: اللهمَّ إنِّي أسألك القصر الأبيض عن يمين الدَّاخل إلى الجنَّة. فقال: (يا بنيَّ سل اللهَ الجنَّةَ وتعوَّذ به من النَّار؛ فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الدعاء والطهور".
19- الاقتصارُ على طلب الدُّنيا في دعائه واستدامته ذلك: قال ابنُ كثير: ذَمَّ الله مَن لا يسأله إلَّا في أمر دنياه وهو معرض عن أخراه؛ وذلك عند قوله تعالى: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ.
أي من نصيب ولاحظ. وتضمن هذا الذم التنفير عن التشبيه بمن هو كذلك قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف فيقولون: اللهم اجعله عام غيث وعام خصب، وعام ولاد حسن لا يذكرون من أمر الآخرة شيئا، فأنزل الله فيهم فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وكان يجيء بعدهم قوم آخرون من المؤمنين فيقولون: رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. فأنزل الله: أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ.
ولهذا مدح من يسأله للدنيا والآخرة فقال: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ فجمعت هذه الدعوة كل خير في الدنيا وصرفت كل شر فإن الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي من عافية ودار رحبة وزوجة حسنة ورزق واسع وعلم نافع وعمل صالح ومركب هنيء وثناء جميل إلى غير ذلك مما اشتملت عليه عبارات المفسرين.
وأما الحسنة في الآخرة فأعلى ذلك دخول الجنة وتوابعه من الأمن من الفزع الأكبر في العرصات وتيسير الحساب وغير ذلك من أمور الآخرة الصالحة ولهذا وردت السنة بالترغيب في هذا الدعاء ففي صحيح البخاري: عن أنس بن مالك قال كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار".
وأخرج الإمام أحمد في مسنده، عن أنس بن مالك قال: كان أكثر دعوة يدعو بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار".
أسباب وأوقات إجابة الدعاء على العبد أن يتحرى أوقات الإجابة، وأن تجتمع فيه بعض الأمور لإجابة الدعاء كالخشوع والإنكسار وحضور القلب وقت الدعاء، ما شابه ذلك.
قال ابن قيم الجوزية: وإذا اجتمع مع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب وصادف وقتاً من أوقات الإجابة الستة وهي الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان وبين الأذان والإقامة، وإدبار الصلوات المكتوبات، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلوة وآخر ساعة بعد العصر من ذلك اليوم وصادف خشوعاً في القلب وانكساراً بين يدي الرب وذلاً له وتضرعاً ورقة واستقبل الداعي القبلة وكان على طهارة ورفع يديه إلى الله تعالى وبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم ثنى بالصلوة على محمد عبده ثم قدم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار ثم دخل على الله وألح عليه في المسئلة وتملقه ودعاه رغبة ورهبة وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده وقدم بين يدي دعائه صدقة فإن هذا الدعاء لا يكاد يرد أبداً ولا سيما إن صادف الأدعية التي أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها مظنة الإجابة أو أنها متضمنة للأسم الأعظم فمنها ما في السنن وفي صحيح بن حبان من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سمع رجلا يقول: "اللهم إني أسألك باني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن كفوا أحد"، فقال: "لقد سأل الله بالأسم الذي إذا سئل به أعطي وإذا دعي به أجاب"، وفي لفظ: "لقد سألت الله باسمه الأعظم"، وفي السنن وصحيح أبي حاتم بن حبان أيضا من حديث أنس بن مالك أنه كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالسا ورجل يصلى ثم دعا فقال: "اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم"، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى"، وأخرج الحديثين أحمد في مسنده وفى جامع الترمذي من حديث أسماء بنت يزيد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وفاتحة آل عمران آلم الله لا إله إلا هو الحي القيوم". قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. اهـ.
وقال ابن قيم الجوزية أيضاً: وذكر ابن أبي الدنيا في كتاب المجانين في الدعاء عن الحسن، قال: كان رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأنصار يكني أبا مغلق وكان تاجرا يتجر بمال له ولغيره يضرب به في الآفاق، وكان ناسكا ورعا، فخرج مرة فلقيه لص مقنع في السلاح فقال له ضع ما معك فإني قاتلك، قال فما تريد؟ شأنك والمال، قال: أما المال فلي ولست أريد إلا دمك، قال: أما إذا أبيت فذرني أصلى أربع ركعات، قال: صلي ما بدا لك، فتوضأ ثم صلى أربع ركعات فكان من دعائه في آخر سجدة أن قال: يا ودود يا ذا العرش المجيد يا فعال لما تريد أسألك بعزك الذي لا يرام وبملكك الذي لا يضام وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني، يا مغيث أغثني، يا مغيث أغثني، ثلاث مرات، فإذا هو بفارس أقبل بيده حربة قد وضعها بين أذني فرسه، فلما بصر به اللص أقبل نحوه فطعنه فقتله ثم أقبل إليه، فقال: قم، فقال: من أنت؟ بابي أنت وأمي فقد أغاثني الله بك اليوم، فقال أنا ملك من أهل السماء الرابعة دعوت فسمعت لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجة، ثم دعوت بدعائك الثالث، فقيل لي دعاء مكروب فسألت الله أن يوليني قتله، قال الحسن: فمن توضي وصلى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروبا كان أو غير مكروب. اهـ.
وعن الأغر أبي مسلم، أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- وآتاه رجل فقال: يا رسول الله! كيف أقول حين أسأل ربي عز وجل؟ قال: "قل: اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني ويجمع أصابعه إلا الإبهام فإن هؤلاء تجمع دنياك وآخرتك".
(وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ). ومن هذه الأسماء ما يأتي: الله – الأول – الآخر – الظاهر – الباطن – العلي – الأعلى – المتعال – العظيم – المجيد – الكبير – السميع – البصير – العليم – الخبير – الحميد – العزيز – القدير – القادر – المقتدر – القوي – المتين – الغني – الحكيم – الحليم – العفو – الغفور – الغفار – التواب – الرقيب – الشهيد – الحفيظ – اللطيف – القريب – المجيب – الودود – الشاكر – الشكور – السيد – الصمد – القاهر – القهار – الجبار – الحسيب – الهادي – الحكم – القدوس – السلام – البر – الوهاب – الرحمن – الرحيم – الكريم – الأكرم – الرءوف – الفتاح – الرزاق – الرازق – الحي – القيوم – الرب – الملك – المليك – الواحد – الأحد – المتكبر – الخالق – الخلاق – البارئ – المصور – المؤمن – المهيمن – المحيط – المقيت – الوكيل – الكافي – الواسع – الحق – الجميل – الرفيق – الحيي – الستير – الإله – القابض – الباسط – المعطي – المقدم – المؤخر – المبين – المنان – الولي – المولى – النصير – الشافي - مالك الملك - جامع الناس - نور السماوات والأرض - والجلال والإكرام - بديع السماوات والأرض.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: جامع الدعاء.. أحكام.. آداب.. ثمرات.. الثلاثاء 06 أكتوبر 2020, 2:43 pm | |
| أبلغ الثناء على الله بالدعاء. الحمد لله رب العالمين، أعطى اللسان، وعَلَّم البيان، وخلق الإنسان، فبأي ألآء ربكما تكذبان..
لك الحمد يا من هو للحمد أهل، أهل الثناء والمجد، أحقُّ ما قال العبد وكلنا لك عبد.
لك الحمد.. من ضعيف يطلبُ نصرتَك..
لك الحمد.. من فقير يطلبُ غناك..
لك الحمد.. من ذليلٍ يطلبُ عزك..
لك الحمد.. ما دعوناك إلا حسنَ ظنٍ بك..
وما رجوناك إلا ثقةً فيك، وما خفناك إلا تصديقاً بوعدك ووعيدك.. فلك الحمد..
حمدتك ربي كلما لاح كوكبُ *** وما ناح قمري على الغصن يندبُ وشكر جزيلاً والثناء مردودٌ *** لك الحمد ما امتدت إليك المطالبُ
فهذه دمعات، وآهات، ونداءات، وتضرعات، وحاجاتٌ، إنها تضرعات المؤمن، ونداءات الصادق، وآهات المؤمل، ودمعات الوجل الخائف، وحاجات العبد الفقير..
هذه أيها المبارك: جملةٌ من جوامع الدعاء، جمعتها لنفسي المقصرة، ولكل مسلم ومسلمة، راجياً من الله النفع والتوفيق للسداد، والإخلاص في القول والعمل، كما أسأل الله جل وعز أن يبارك فيها، وأن يجعلها ذخراً لي عنده يوم أردُ عليه، إن الله ولي ذلك والقادر عليه.
وإلى المقصود.. 1 ـ "الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين، أهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين".
2 ـ "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" (البقرة: 20).
3 ـ "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين".. (البقرة: 286).
4 ـ "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب" (آل عمران: 9).
5 ـ "ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد" (آل عمران: 9).
6 ـ "رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" (آل عمران: 16).
7 ـ "رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء" (آل عمران: 38).
8 ـ "ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين" (آل عمران: 53).
9 ـ "ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين" (آل عمران: 147).
10 ـ "ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فأمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنـا يـوم القيامـة إنـك لا تخلف الميعاد".
11 ـ "ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين".
12 ـ "ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين".
13 ـ "ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين".
14 ـ "ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين".
15 ـ "ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين".
16 ـ "ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ونجنا برحمتك من القوم الكافرين".
17 ـ "ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب".
18 ـ "ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا".
19 ـ "ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين".
20 ـ "ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما".
21 ـ "ربنا هب لنا من أزواجنا وذريتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما" (الفرقان: 74).
22 ـ "ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذريتهم إنك أنت العزيز الحكيم".
23 ـ "ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا فرللذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم".
24 ـ "ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم".
25 ـ "ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير".
26 ـ "رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبنى أن نعبد الأصنام" (إبراهيم: 35).
27 ـ "رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء" (إبراهيم: 40).
28 ـ "قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي" (طه: 25 ـ 28).
29 ـ "رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين".
30 ـ "رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين".
31 ـ "رب فلا تجعلني في القوم الظالمين".
32 ـ "رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين واجعل لي لسان صدق في الآخرين" (الشعراء: 83 ـ 84).
33 ـ "رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادتك الصالحين". (النمل: 19).
34 ـ "رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي".
35 ـ "رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير".
36 ـ "رب نجني من القوم الظالمين".
37 ـ "رب انصرني على القوم المفسدين".
38 ـ "رب هب لي من الصالحين".
39 ـ "رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ" (الأحقاف: 15).
40 ـ "رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات ولا ترد الظالمين إلا تبارا" (نوح: 28).
41 ـ "قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب" (آل عمران: 26 ـ 27).
42 ـ "وقل رب زدني علماً" (طه: 14).
43 ـ "وقل رب أعوذ بك من همزات الشيطان وأعوذ بك رب أن يحضرون" (المؤمنون: 97 ـ 98).
44 ـ "وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين" (المؤمنون: 118).
45 ـ "قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة وأنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون" (الزمر: 46).
46 ـ "قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد" (الإخلاص: 1 ـ 4).
47 ـ "قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد" (الإخلاص: 1 ـ 5).
48 ـ "قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس" (الناس: 1 ـ 6).
49 ـ "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم" (متفق عليه).
50 ـ "لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، فلا شيء بعده" (متفق عليه).
51 ـ "اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض، ولك الحمد أنت قيِّم السموات والأرض، ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن، أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق، ولقاؤك الحق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت إلهي لا إله إلا أنت" (متفق عليه). |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: جامع الدعاء.. أحكام.. آداب.. ثمرات.. الثلاثاء 06 أكتوبر 2020, 2:59 pm | |
| الفرق بين الحمد والشكر اختلف أهل العلم في الحمد والشكر هل بينهما فرق؟ على قولين: القول الأول: أن الحمد والشكر بمعنى واحد، وأنه ليس بينهما فرق، واختار هذا ابن جرير الطبري وغيره.
قال الطبري رحمه الله: "ومعنى (الْحَمْدُ لِلَّهِ): الشكر خالصًا لله جل ثناؤه، دون سائر ما يُعبد من دونه...."، ثم قال رحمه الله بعد ذلك: "ولا تَمانُع (أي: اختلاف) بين أهل المعرفة بلغات العرب من الحُكْم لقول القائل: "الحمد لله شكرًا" بالصحة، فقد تبيّن -إذْ كان ذلك عند جميعهم صحيحًا- أنّ الحمد لله قد يُنطق به في موضع الشكر، وأن الشكر قد يوضع موضعَ الحمد؛ لأن ذلك لو لم يكن كذلك، لَمَا جاز أن يُقال: "الحمد لله شكرًا".
القول الثاني: أن الحمد والشكر ليسا بمعنى واحد، بل بينهما فروق، ومن تلك الفروق: 1. أن الحمد يختص باللسان، بخلاف الشكر، فهو باللسان والقلب والجوارح. 2. أن الحمد يكون في مقابل نعمة، ويكون بدونها، بخلاف الشكر لا يكون، إلا في مقابل نعمة.
قال ابن كثير رحمه الله -في معرض رده على كلام ابن جرير السابق- (1/32): "وهذا الذي ادعاه ابن جرير فيه نظر؛ لأنه اشتهر عند كثير من العلماء من المتأخرين: أن الحمد هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة والمتعدية، والشكر لا يكون إلا على المتعدية، ويكون بالجنان واللسان والأركان.
وكما قال الشاعر: أفادتكم النعماءُ مني ثلاثةً... يدي ولساني والضميرَ المُحَجَّبا
ولكنهم اختلفوا أيهما أعمّ الحمد، أو الشكر على قولين، والتحقيق أن بينهما عموماً وخصوصاً، فالحمد أعم من الشكر من حيث ما يقعان عليه؛ لأنه يكون على الصفات اللازمة والمتعدية، تقول حمدته لفروسيته، وحمدته لكرمه، وهو أخص لأنه لا يكون إلا بالقول، والشكر أعم من حيث ما يقعان عليه؛ لأنه يكون بالقول والفعل والنية، كما تقدم، وهو أخص؛ لأنه لا يكون إلا على الصفات المتعدية: لا يقال شكرته لفروسيته، وتقول شكرته على كرمه وإحسانه إليّ، هذا حاصل ما حرره بعض المتأخرين والله أعلم" انتهى.
وعلى ذلك بنى أبو هلال العسكري تفريقه بين الأمرين، قال رحمه الله: " الفرق بين الحمد والشكر: الحمد هو الثناء باللسان على الجميل، سواء تعلق بالفضائل كالعلم، أم بالفواضل كالبر، والشكر: فعل ينبئ عن تعظيم المنعم لأجل النعمة، سواء أكان نعتا باللسان، أو اعتقادا، أو محبة بالجنان، أو عملا وخدمة بالأركان.
وقد جمعها الشاعر في قوله.. (فذكر البيت السابق) فالحمد أعم مطلقا، لانه يعم النعمة وغيرها، وأخص مورداً إذ هو باللسان فقط، والشكر بالعكس، إذ متعلقه النعمة فقط، ومورده اللسان وغيره، فبينهما عموم وخصوص من وجه، فهما يتصادقان في الثناء باللسان على الإحسان، ويتفارقان في صدق الحمد فقط على النعت بالعلم مثلا، وصدق الشكر فقط على المحبة بالجنان لأجل الإحسان". انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله "مدارج السالكين": "والفرق بينهما: أن الشكر أعم من جهة أنواعه وأسبابه، وأخص من جهة متعلقاته، والحمد أعم من جهة المتعلقات، وأخص من جهة الأسباب.
ومعنى هذا: أن الشكر يكون: بالقلب خضوعا واستكانة، وباللسان ثناء واعترافاً، وبالجوارح طاعة وانقياداً.
ومتعلقه: النعم دون الأوصاف الذاتية، فلا يقال: شكرنا الله على حياته وسمعه وبصره وعلمه، وهو المحمود عليها كما هو محمود على إحسانه وعدله، والشكر يكون على الإحسان والنعم، فكل ما يتعلق به الشكر يتعلق به الحمد من غير عكس، وكل ما يقع به الحمد يقع به الشكر من غير عكس، فإن الشكر يقع بالجوارح والحمد يقع بالقلب واللسان". انتهى. والله أعلم.
وورد سؤال لموقع الاسلام سؤال وجواب: السؤال: لا أعرف ما تقصدون في تمجيد الله والثناء عليه قبل الدعاء؟
الجواب: الحمد لله المقصود بتمجيد الله والثناء عليه قبل الدعاء: هو البداءة بحمد الله تعالى وشكره، وذكر بعض أسمائه الحسنى وصفاته العلى، والاعتراف بين يديه سبحانه وتعالى بالذل والفقر إليه، لتكون هذه الكلمات تمهيدا لسؤاله عز وجل، فهو سبحانه يحب من عبده التذلل إليه، والاعتراف بعظيم نعمه وجليل فضله، فإذا قدم العبد صدق التذلل، ثم أتبعه بصدق الدعاء والمسألة، كان ذلك أدعى لإجابة الدعاء.
عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: (سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدْ اللَّهَ تَعَالَى، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَجِلَ هَذَا. ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ جَلَّ وَعَزَّ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ).
ومن أمثلة تمجيد الله والثناء عليه قبل الدعاء ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ: فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ -أَوْ لَا إِلَهَ غَيْرُكَ-). رواه البخاري (1120) ومسلم (769).
فتأمَّل كيف قدم النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبدأ بالدعاء جملاً كثيرةً، كلها حمد لله، وثناء عليه، وتمجيد له، واعتراف بالفقر إليه، وإقرار بألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، ثم بعد ذلك كله بدأ بالدعاء، وقد كان جملة واحدة فقط، وهي: فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت.
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: "فيه استحبابُ تقديم الثناء على المسألة عند كلِّ مطلوب، اقتداءً به صلى الله عليه وسلم" انتهى." فتح الباري" (3/5).
ويقول الدكتور عبد الرزاق البدر: "إنَّ من ضوابط الدعاء المهمة وآدابه العظيمة أن يقدِّم المسلم بين يدي دعائه الثناءَ على ربِّه بما هو أهلُه من نعوت الجلال، وصفات العظمة والكمال، وذكر جوده وفضله وكرَمه وعظيم إنعامه، وذلك أنَّه أبلغُ ما يكون في حال السائل والطالب ثناؤُه على ربِّه، وحمدُه له، وتمجيدُه، وذكرُ نعمه وآلائه، وجعل ذلك كلِّه بين يدي مسألته وسيلةً للقبول ومفتاحاً للإجابة.
ومَنْ يتأمّل الأدعيةَ الواردة في الكتاب والسنة يجد كثيراً منها مبدوءاً بالثناء على الله وعدِّ نِعمه وآلائه، والاعتراف بفضله وجوده وعطائه، ومن الأمثلة على ذلك الدعاءُ العظيم الذي اشتملت عليه سورة الفاتحة التي هي أعظم سور القرآن الكريم وأجلُّها (اهدنا الصراط المستقيم) فهذا الدعاءُ العظيم مبدوءٌ بالثناء على الله وحمده وتمجيده، مما هو سببٌ لقبوله، ومفتاحٌ لإجابته".
قال ابن القيم رحمه الله: ولما كان سؤال الله الهدايةَ إلى الصراط المستقيم أجلَّ المطالب، ونيلُه أشرفَ المواهب، علّم الله عبادَه كيفيةَ سؤاله، وأمرهم أن يقدِّموا بين يديه حمدَه والثناء عليه وتمجيدَه، ثمَّ ذكر عبوديتهم وتوحيدهم، فهاتان وسيلتان إلى مطلوبهم، توسلٌ إليه بأسمائه وصفاته، وتوسلٌ إليه بعبوديته، وهاتان الوسيلتان لا يكاد يُردُّ معهما الدعاء... إلى أن قال رحمه الله: وقد جَمعت الفاتحة الوسيلتين، وهما التوسلُ بالحمد والثناء عليه وتمجيده، والتوسلُ إليه بعبوديته وتوحيده، ثمَّ جاء سؤال أهم المطالب وأنجح الرغائب، وهو الهداية بعد الوسيلتين، فالداعي به حقيقٌ بالإجابة.
ومن الأمثلة على ذلك دعاء يوسف عليه السلام: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ المُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيث فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)، ودعاء أيوب عليه السلام، قال تعالى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلعَابِدِينَ)، ودعاءُ أولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعوداً وعلى جنوبهم، ويتفكرون في خلق السموات والأرض (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، ودعاءُ الملائكة: (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهْمْ عَذَابَ الجَحِيمِ)، والأمثلة على ذلك كثيرةٌ جداًّ، يطول عدُّها، فينبغي على المسلم أن يحافظ على هذا الأدب الرفيع عند سؤاله له سبحانه بأن يُثْنِيَ عليه ويَحمده ويمجّده، ويعترف بفضله وإنعامه، ثمَّ يسأله بعد ذلك ما يشاء من خَيْرَي الدنيا والآخرة " انتهى. "فقه الأدعية والأذكار" (2/203-207).
أَلْحَمْدُ للهِ الاوَّلِ بِلا أَوَّل كَانَ قَبْلَهُ، وَالاخِر بِلاَ آخِر يَكُونُ بَعْدَهُ الَّذِي قَصُرَتْ عَنْ رُؤْيَتِهِ أَبْصَارُ النَّاظِرِينَ، وَعَجَزَتْ عَنْ نَعْتِهِ أَوهامُ اَلْوَاصِفِينَ، ابْتَدَعَ بِقُدْرَتِهِ الْخَلْقَ اَبتِدَاعَاً، وَاخْتَرَعَهُمْ عَلَى مَشِيَّتِهِ اخترَاعاً، ثُمَّ سَلَكَ بِهِمْ طَرِيقَ إرَادَتِهِ، وَبَعَثَهُمْ فِي سَبِيلِ مَحَبَّتِهِ. لا يَمْلِكُونَ تَأخِيراً عَمَا قَدَّمَهُمْ إليْهِ، وَلا يَسْتَطِيعُونَ تَقَدُّماً إلَى مَا أَخَّرَهُمْ عَنْهُ، وَ جَعَلَ لِكُلِّ رُوْح مِنْهُمْ قُوتَاً مَعْلُوماً مَقْسُوماً مِنْ رِزْقِهِ لاَ يَنْقُصُ مَنْ زادَهُ نَاقِصٌ، وَلاَ يَزِيدُ مَنْ نَقَصَ منْهُمْ زَائِدٌ.
ثُمَّ ضَرَبَ لَهُ فِي الْحَيَاةِ أَجَلاً مَوْقُوتاً، وَ نَصَبَ لَهُ أَمَداً مَحْدُوداً، يَتَخَطَّأُ إلَيهِ بِأَيَّامِ عُمُرِهِ، وَيَرْهَقُهُ بِأَعْوَامِ دَهْرِهِ، حَتَّى إذَا بَلَغَ أَقْصَى أَثَرِهِ، وَ اسْتَوْعَبَ حِسابَ عُمُرِهِ، قَبَضهُ إلَى ما نَدَبَهُ إلَيْهِ مِنْ مَوْفُورِ ثَوَابِهِ أَوْ مَحْذُورِ عِقَابِهِ، لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساءُوا بِمَا عَمِلُوا، وَ يَجْزِىَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى عَدْلاً مِنْهُ تَقَدَّسَتْ أَسْمَآؤُهُ، وَتَظَاهَرَتْ ألاؤُهُ، لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ.
وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَوْ حَبَسَ عَنْ عِبَادِهِ مَعْرِفَةَ حَمْدِهِ عَلَى مَا أَبْلاَهُمْ مِنْ مِنَنِهِ الْمُتَتَابِعَةِ وَأَسْبَغَ عَلَيْهِمْ مِنْ نِعَمِهِ الْمُتَظَاهِرَةِ لَتَصرَّفُوا فِي مِنَنِهِ فَلَمْ يَحْمَدُوهُ وَتَوَسَّعُوا فِي رِزْقِهِ فَلَمْ يَشْكُرُوهُ، وَلَوْ كَانُوا كَذلِكَ لَخَرَجُوا مِنْ حُدُودِ الانْسَانِيَّةِ إلَى حَدِّ الْبَهِيمِيَّةِ، فَكَانُوا كَمَا وَصَفَ فِي مُحْكَم كِتَابِهِ: (إنْ هُمْ إلا كَالانْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا) وَالْحَمْدُ لله عَلَى مَا عَرَّفَنا مِنْ نَفْسِهِ وَأَلْهَمَنَا مِنْ شُكْرِهِ وَفَتَحَ لَنَا من أبوَابِ الْعِلْمِ بِرُبُوبِيّته وَدَلَّنَا عَلَيْهِ مِنَ الاِخْلاَصِ لَهُ فِي تَوْحِيدِهِ وَجَنَّبَنا مِنَ الالْحَادِ وَالشَّكِّ فِي أَمْرِهِ، حَمْداً نُعَمَّرُ بِهِ فِيمَنْ حَمِدَهُ مِنْ خَلْقِهِ، وَنَسْبِقُ بِـهِ مَنْ سَبَقَ إلَى رِضَاهُ وَعَفْوِهِ حَمْداً يُضِيءُ لَنَا بِهِ ظُلُمَاتِ الْبَرْزَخِ وَيُسَهِّلُ عَلَيْنَا بِهِ سَبِيلَ الْمَبْعَثِ وَيُشَرِّفُ بِهِ مَنَازِلَنَا عِنْدَ مَوَاقِفِ الاشْهَادِ يَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلىً عَنْ مَوْلىً شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ)، حَمْداً يَرْتَفِعُ مِنَّا إلَى أَعْلَى عِلِّيِّينَ فِي كِتَاب مَرْقُوم يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ، حَمْداً تَقَرُّ بِهِ عُيُونُنَا إذَا بَرِقَت الابْصَارُ وَتَبْيَضُّ بِهِ وُجُوهُنَا إذَا اسْوَدَّتِ الابْشَارُ، حَمْداً نُعْتَقُ بِهِ مِنْ أَلِيمِ نَارِ اللهِ إلَى كَرِيمِ جِوَارِ اللهِ، حَمْداً نُزَاحِمُ بِهِ مَلاَئِكَتَهُ الْمُقَرَّبِينَ وَنُضَامُّ بِـهِ أَنْبِيآءَهُ الْمُـرْسَلِيْنَ فِي دَارِ الْمُقَامَةِ الَّتِي لا تَزُولُ وَمَحَلِّ كَرَامَتِهِ الَّتِي لاَ تَحُولُ، وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي اخْتَارَ لَنَا مَحَاسِنَ الْخَلْقِ، وَأَجرى عَلَيْنَا طَيِّبَاتِ الرِّزْقِ وَجَعَلَ لَنَا الفَضِيلَةَ بِالْمَلَكَةِ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ، فَكُلُّ خَلِيقَتِهِ مُنْقَادَةٌ لَنَا بِقُدْرَتِهِ، وَصَآئِرَةٌ إلَى طَاعَتِنَا بِعِزَّتِهِ. وَالْحَمْدُ لله الَّذِي أَغْلَقَ عَنَّا بَابَ الْحَّاجَةِ إلاّ إلَيْهِ فَكَيْفَ نُطِيقُ حَمْدَهُ أَمْ مَتَى نُؤَدِّي شُكْرَهُ؟!، لا، مَتى؟ وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي رَكَّبَ فِينَا آلاَتِ الْبَسْطِ، وَجَعَلَ لَنَا أدَوَاتِ الْقَبْضِ، وَمَتَّعَنا بِاَرْواحِ الْحَياةِ، وَأثْبَتَ فِينَا جَوَارِحَ الاعْمَال، وَغَذَّانَا بِطَيِّبَاتِ الرِّزْقِ، وَأغْنانَا بِفَضْلِهِ، وَأقْنانَا بِمَنِّهِ، ثُمّ أَمَرَنَا لِيَخْتَبِرَ طاعَتَنَا، وَنَهَانَا لِيَبْتَلِيَ شُكْرَنَا فَخَالَفْنَا عَنْ طَرِيْقِ أمْرِهِ وَرَكِبْنا مُتُونَ زَجْرهِ فَلَم يَبْتَدِرْنا بِعُقُوبَتِهِ، وَلَمْ يُعَاجِلْنَا بِنِقْمَتِهِ بَلْ تَانَّانا بِرَحْمَتِهِ تَكَرُّماً، وَانْتَظَرَ مُراجَعَتَنَا بِرَأفَتِهِ حِلْماً.
وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي دَلَّنَا عَلَى التَّوْبَةِ الَّتِي لَمْ نُفِدْهَا إلاّ مِنْ فَضْلِهِ، فَلَوْ لَمْ نَعْتَدِدْ مِنْ فَضْلِهِ إلاّ بِهَا لَقَدْ حَسُنَ بَلاؤُهُ عِنْدَنَا، وَ جَلَّ إحْسَانُهُ إلَيْنَا وَ جَسُمَ فَضْلُهُ عَلَيْنَا، فَمَا هكذا كَانَتْ سُنَّتُهُ فِي التَّوْبَةِ لِمَنْ كَانَ قَبْلَنَا لَقَدْ وَضَعَ عَنَّا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ، وَلَمْ يُكَلِّفْنَا إلاّ وُسْعاً، وَلَمْ يُجَشِّمْنَا إلاّ يُسْراً وَلَمْ يَدَعْ لاَحَـد مِنَّا حُجَّةً وَلاَ عُذْراً، فَالْهَالِكُ مِنَّا مَنْ هَلَكَ عَلَيْهِ وَالسَّعِيدُ مِنَّا مَنْ رَغِبَ إلَيْهِ.
وَالْحَمْد للهِ بِكُلِّ مَا حَمِدَهُ بِهِ أدْنَى مَلائِكَتِهِ إلَيْهِ وَأَكْرَمُ خَلِيقَتِهِ عَلَيْهِ، وَأرْضَى حَامِدِيْهِ لَدَيْهِ، حَمْداً يَفْضُلُ سَآئِرَ الْحَمْدِ كَفَضْلِ رَبِّنا عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ.
ثُمَّ لَهُ الْحَمْدُ مَكَانَ كُلِّ نِعْمَة لَهُ عَلَيْنَا وَعَلى جَمِيعِ عِبَادِهِ الْمَاضِينَ وَالْبَاقِينَ عَدَدَ مَا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُهُ مِنْ جَمِيعِ الاشْيَآءِ، وَمَكَانَ كُلِّ وَاحِدَة مِنْهَا عَدَدُهَا أَضْعافَاً مُضَاعَفَةً أَبَداً سَرْمَداً إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، حَمْداً لاَ مُنْتَهَى لِحَدِّهِ وَلا حِسَابَ لِعَدَدِهِ وَلاَ مَبْلَغَ لِغَايَتِهِ وَلا انْقِطَاعَ لاَمَدِهِ، حَمْدَاً يَكُونُ وُصْلَةً إلَى طَاعَتِهِ وَعَفْوِهِ، وَسَبَباً إلَى رِضْوَانِهِ وَذَرِيعَةً إلَى مَغْفِرَتِهِ وَطَرِيقاً إلَى جَنَّتِهِ، وَخَفِيْراً مِنْ نَقِمَتِهِ، وَأَمْناً مِنْ غَضَبِهِ، وَظَهِيْراً عَلَى طَاعَتِهِ، وَحَاجِزاً عَنْ مَعْصِيَتِهِ وَعَوْناً عَلَى تَأدِيَةِ حَقِّهِ وَوَظائِفِهِ، حَمْداً نَسْعَدُ بِهِ فِي السُّعَدَاءِ مِنْ أَوْلِيَآئِهِ وَنَصِيرُ بِهِ فِي نَظْمِ الشُّهَدَآءِ بِسُيُوفِ أَعْدَائِهِ إنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيدٌ.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: جامع الدعاء.. أحكام.. آداب.. ثمرات.. الثلاثاء 06 أكتوبر 2020, 3:02 pm | |
| فوائد الإسرار بالدعاء: قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: 1ـ أنه أعظم إيمانا، لأن صاحبه يعلم أن الله يسمع الدعاء الخفي وأبلغ في الإخلاص والخضوع والخشوع. 2ـ أنه أعظم في الأدب والتعظيم، لأن المُلوك لا تُرفعُ الأصواتُ عندهم، ومَنْ رفع صوته لديهم مقتوه، ولله المثل الأعلى. 3ـ أنه دال على قرب صاحبه للقريب، لا مسألة نداء البعيد للبعيد، ولهذا أثنى اللهُ على عبده زكريا بقوله: "إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً"، فلما استحضر أن الله أقرب إليه من كل قريب أخفى دعاءه ما أمكنه".
فضل الذكر للذكر فضائل كثيرة، وفوائد عظيمة، وأجور لا تُعَدُّ ولا تُحصى عند الله تعالى يوم القيامة.
قوله تعالى: وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً: أي أول النهار وآخره.
قال الإمام الطبري رحمه الله: يقول تعالى ذكره يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله اذكروا الله بقلوبكم، وألسنتكم، وجوارحكم ذكراً كثيراً فلا تخلو أبدانكم من ذكره في حال من أحوال طاقتكم ذلك، وسبحوه بكرة.اهـ..
وقوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ: الصلاة من الله الثناء، ومن الملائكة الدعاء.
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: أي من رحمته بالمؤمنين ولطفه بهم، أن جعل من صلاته عليهم وثنائه، وصلاة ملائكته ودعائهم، ما يخرجهم من ظلمات الذنوب والجهل، إلى نور الإيمان والتوفيق والعلم والعمل، فهذا أعظم نعمة أنعم بها على عباده الطائعين، تستدعي منهم شكرها، والإكثار من ذكر الله الذي لطف بهم ورحمهم. اهـ.
فالذكر والشكر جماع السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة.
وقال ابن قيم الجوزية في تعليقه على هذه الآية: فهذة الصلاة منه تبارك وتعالى ومن ملائكته إنما هى سبب الإخراج لهم من الظلمات إلى النور، وإذا حصلت لهم الصلاة من الله تبارك وتعالى وملائكته وأخرجوهم من الظلمات إلى النور فأي خير لم يحصل لهم وأي شر لم يندفع عنهم فيا حسرة الغافلين عن ربهم ماذا حرموا من خيره وفضله وبالله التوفيق. اهـ.
وقال تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ.
والذكر خير عند الله وأرفع للرجات من إنفاق الذهب والفضة، ومن مجاهدة أعداء الله.
فعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟" قالوا: بلى قال: "ذكر الله". أزكاها: أكثرها ثواباً وأطهرها، وأرفعها: أزيدها. مليككم: أي ربكم ومالككم. وأرفعها في درجاتكم: أي منازلكم في الجنة. والورق: بكسر الراء الفضة.
فيه بيان فضل الذكر وأنه خير من الضرب بالسيف في سبيل الله عز وجل ونفقة الأموال في سبيل الله.
قال المناوي: لأن سائر العبادات من الإنفاق ومقاتلة العدو وسائل ووسائط يتقرب بها إلى اللّه تعالى والذكر هو المقصود الأسنى ورأس الذكر قول لا إله إلا اللّه وهي الكلمة العليا وهي القطب الذي يدور عليه رحى الإسلام والقاعدة التي بني عليها أركان الدين والشعبة التي هي أعلى شعب الإيمان بل هي الكل وليس غيره...
وعن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئل أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ قال: "الذاكرون الله كثيراً" قال: قلت: يا رسول الله ومن الغازي في سبيل الله؟ قال: "لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دماً لكان الذاكرون لله أفضل درجة".
وعن معاذ، عن رسول الله -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أن رجلاً سأل فقال: أي المجاهدين أعظم أجراً؟ قال: "أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا" قال: فأي الصائمين أعظم أجراً" قال: "أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا" ثم ذكر الصلاة والزكاة والحج والصدقة كل ذلك ورسول الله -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا" فقال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما: يا أبا حفص ذهب الذاكرون بكل خير فقال رسول الله -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أجل".
وعَنْ هِشَام بْن سَعِيد عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ يَا رَبّ كَيْف أَشْكُرك؟ قَالَ لَهُ رَبّه: تَذْكُرنِي وَلَا تَنْسَانِي فَإِذَا ذَكَرْتنِي فَقَدْ شَكَرْتنِي وَإِذَا نَسِيتنِي فَقَدْ كَفَرْتنِي.
قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَأَبُو الْعَالِيَة وَالسُّدِّيّ وَالرَّبِيع بْن أَنَس: إِنَّ اللَّه يَذْكُر مَنْ ذَكَرَهُ وَيَزِيد مَنْ شَكَرَهُ وَيُعَذِّبُ مَنْ كَفَرَهُ، وَقَالَ بَعْض السَّلَف فِي قَوْله تَعَالَى: "اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته".
قَالَ هُوَ أَنْ يُطَاع فَلَا يُعْصَى وَيُذْكَر فَلَا يُنْسَى وَيُشْكَر فَلَا يُكْفَر.
وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن الصَّبَّاح أَخْبَرَنَا يَزِيد بْن هَارُونَ أَخْبَرَنَا عُمَارَة الصَّيْدَلَانِيّ أَخْبَرَنَا مَكْحُول الْأَزْدِيّ قَالَ: قُلْت لِابْنِ عُمَر أَرَأَيْت قَاتِل النَّفْس وَشَارِب الْخَمْر وَالسَّارِق وَالزَّانِي يَذْكُر اللَّه وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى: "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ". قَالَ إِذَا ذَكَرَ اللَّه هَذَا ذَكَرَهُ اللَّه بِلَعْنَتِهِ حَتَّى يَسْكُت.
وَقَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ فِي قَوْله: "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ". قَالَ اُذْكُرُونِي فِيمَا أَوْجَبْت لَكُمْ عَلَى نَفْسِي
وَعَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر: اُذْكُرُونِي بِطَاعَتِي أَذْكُركُمْ بِمَغْفِرَتِي. وَفِي رِوَايَة بِرَحْمَتِي.
وَعَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله اُذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ قَالَ ذِكْر اللَّه إِيَّاكُمْ أَكْبَر مِنْ ذَكَركُمْ إِيَّاهُ.
وَفِي الْحَدِيث الصَّحِيح: "يَقُول اللَّه تَعَالَى مَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسه ذَكَرْته فِي نَفْسِي وَمَنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْته فِي مَلَإٍ خَيْر مِنْهُ".
وعَنْ أَنَس قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- " قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَا اِبْن آدَم إِنْ ذَكَرْتنِي فِي نَفْسك ذَكَرْتُك فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرْتنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُك فِي مَلَإٍ مِنْ الْمَلَائِكَة -أَوْ قَالَ فِي مَلَإٍ خَيْر مِنْهُ- وَإِنْ دَنَوْت مِنِّي شِبْرًا دَنَوْت مِنْك ذِرَاعًا وَإِنْ دَنَوْت مِنِّي ذِرَاعًا دَنَوْت مِنْك بَاعًا وَإِنْ أَتَيْتنِي تَمْشِي أَتَيْتُك هَرْوَلَة". صَحِيح الْإِسْنَاد أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ مِنْ حَدِيث قَتَادَة وَعِنْده قَالَ قَتَادَة اللَّه أَقْرَب بِالرَّحْمَةِ.
وَقَوْله: "وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ"، أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِشُكْرِهِ وَوَعَدَ عَلَى شُكْره بِمَزِيدِ الْخَيْر فَقَالَ: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ".
وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا رَوْح حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ الْفُضَيْل بْن فَضَالَة -رَجُل مِنْ قَيْس- حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاء الْعُطَارِدِيّ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا عِمْرَان بْن حُصَيْن وَعَلَيْهِ مُطَرِّف مِنْ خَزّ لَمْ نَرَهُ عَلَيْهِ قَبْل ذَلِكَ وَلَا بَعْده فَقَالَ إِنَّ رَسُول اللَّه -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ نِعْمَةً فَإِنَّ اللَّه يُحِبّ أَنْ يُرَى أَثَرُ نِعْمَتِهِ عَلَى خَلْقِهِ". وَقَالَ رَوْح مَرَّة: عَلَى عَبْده.
قال ابن كثير في قوله تعالى: ((وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ)): يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ: اُشْكُرُوا لِي أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِيمَا أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ مِنْ الْإِسْلَام وَالْهِدَايَة لِلدِّينِ الَّذِي شَرَعْته لِأَنْبِيَائِي وَأَصْفِيَائِي (وَلَا تَكْفُرُونِ): يَقُول: وَلَا تَجْحَدُوا إحْسَانِي إلَيْكُمْ, فَأَسْلُبكُمْ نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ, وَلَكِنْ اُشْكُرُوا لِي عَلَيْهَا, وَأَزِيدكُمْ فَأُتَمِّم نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ, وَأَهْدِيكُمْ لِمَا هَدَيْت لَهُ مَنْ رَضِيت عَنْهُ مِنْ عِبَادِي, فَإِنِّي وَعَدْت خَلْقِي أَنَّ مَنْ شَكَرَ لِي زِدْته, وَمَنْ كَفَرَنِي حَرَمْته وَسَلَبْته مَا أَعْطَيْته.
وَالْعَرَب تَقُول: نَصَحْت لَك وَشَكَرْت لَك, وَلَا تَكَاد تَقُول نَصَحْتُك, وَرُبَّمَا قَالَتْ شَكَرْتُك وَنَصَحْتُك.
وقال الطبري: وَأَصْل الذِّكْر التَّنَبُّه بِالْقَلْبِ لِلْمَذْكُورِ وَالتَّيَقُّظ لَهُ.
وَسُمِّيَ الذِّكْر بِاللِّسَانِ ذِكْرًا لِأَنَّهُ دَلَالَة عَلَى الذِّكْر الْقَلْبِيّ, غَيْر أَنَّهُ لَمَّا كَثُرَ إِطْلَاق الذِّكْر عَلَى الْقَوْل اللِّسَانِيّ صَارَ هُوَ السَّابِق لِلْفَهْمِ.
وَمَعْنَى الْآيَة: اُذْكُرُونِي بِالطَّاعَةِ أَذْكُركُمْ بِالثَّوَابِ وَالْمَغْفِرَة, قَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر.
وَقَالَ أَيْضًا: الذِّكْر طَاعَة اللَّه, فَمَنْ لَمْ يُطِعْهُ لَمْ يَذْكُرهُ وَإِنْ أَكْثَرَ التَّسْبِيح وَالتَّهْلِيل وَقِرَاءَة الْقُرْآن, وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ أَطَاعَ اللَّه فَقَدْ ذَكَرَ اللَّه وَإِنْ أَقَلَّ صَلَاته وَصَوْمه وَصَنِيعه لِلْخَيْرِ وَمَنْ عَصَى اللَّه فَقَدْ نَسِيَ اللَّه وَإِنْ كَثَّرَ صَلَاته وَصَوْمه وَصَنِيعه لِلْخَيْرِ).
ذَكَرَهُ أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن خُوَيْز مَنْدَاد فِي "أَحْكَام الْقُرْآن" لَهُ.
وَقَالَ أَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ: إِنِّي لَأَعْلَم السَّاعَة الَّتِي يَذْكُرنَا اللَّه فِيهَا, قِيلَ لَهُ: وَمِنْ أَيْنَ تَعْلَمهَا؟ قَالَ يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: "فَاذْكُرُونِي أَذْكُركُمْ".
وَقَالَ السُّدِّيّ: لَيْسَ مِنْ عَبْد يَذْكُر اللَّه إِلَّا ذَكَرَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ, لَا يَذْكُرهُ مُؤْمِن إِلَّا ذَكَرَهُ اللَّه بِرَحْمَتِهِ, وَلَا يَذْكُرهُ كَافِر إِلَّا ذَكَرَهُ اللَّه بِعَذَابٍ.
وَسُئِلَ أَبُو عُثْمَان فَقِيلَ لَهُ: نَذْكُر اللَّه وَلَا نَجِد فِي قُلُوبنَا حَلَاوَة؟ فَقَالَ: اِحْمَدُوا اللَّه تَعَالَى عَلَى أَنْ زَيَّنَ جَارِحَة مِنْ جَوَارِحكُمْ بِطَاعَتِهِ.
وَقَالَ ذُو النُّون الْمِصْرِيّ رَحِمَهُ اللَّه: مَنْ ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى ذِكْرًا عَلَى الْحَقِيقَة نَسِيَ فِي جَنْب ذِكْره كُلّ شَيْء, حَفِظَ اللَّه عَلَيْهِ كُلّ شَيْء, وَكَانَ لَهُ عِوَضًا مِنْ كُلّ شَيْء.
وَقَالَ مُعَاذ بْن جَبَل رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: مَا عَمِلَ اِبْن آدَم مِنْ عَمَل أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَاب اللَّه مِنْ ذِكْر اللَّه.
وَالْأَحَادِيث فِي فَضْل الذِّكْر وَثَوَابه كَثِيرَة خَرَّجَهَا الْأَئِمَّة. رَوَى اِبْن مَاجَهْ عَنْ عَبْد اللَّه بْن بُسْر أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ لِرَسُولِ اللَّه -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ شَرَائِع الْإِسْلَام قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ فَأَنْبِئْنِي مِنْهَا بِشَيْءٍ أَتَشَبَّث بِهِ, قَالَ: لَا يَزَال لِسَانك رَطْبًا مِنْ ذِكْر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ".
وَخُرِّجَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَقُول أَنَا مَعَ عَبْدِي إِذَا هُوَ ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ).
وَسَيَأْتِي لِهَذَا الْبَاب مَزِيد بَيَان عِنْد قَوْله تَعَالَى: "يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُذْكُرُوا اللَّه ذِكْرًا كَثِيرًا".
وَأَنَّ الْمُرَاد ذِكْر الْقَلْب الَّذِي يَجِب اِسْتِدَامَته فِي عُمُوم الْحَالَات.. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: جامع الدعاء.. أحكام.. آداب.. ثمرات.. الثلاثاء 06 أكتوبر 2020, 3:05 pm | |
| الذكر يكون على ثلاث حالات: 1 ـ ذكر مع جهاد، وهذا أفضل الذكر. 2 ـ جهاد بدون ذكر. 3 ـ ذكر بدون جهاد.
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: فأفضل الذاكرين المجاهدون وأفضل المجاهدين الذاكرون.
ثواب حلق الذكر والإجتماع عليه: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إن لله ملائكة فضلاً عن كتاب الناس يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تعالى تنادوا: هلموا إلى حاجتكم". قال: "فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا". قال: "فيسألهم ربهم تعالى وهو أعلم بهم ما يقول عبادي؟" قال: "يقولون: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك". قال: "فيقول: هل رأوني؟". قال: "فيقولون: لا والله ما رأوك". قال: "فيقول: كيف لو رأوني؟" قال: "فيقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادةً وأشد لك تحميداً وتمجيداً وأكثر لك تسبيحاً". قال: "فيقول: ما يسألوني؟". قال: "فيقولون: يسألون الجنة". قال: "فيقول: وهل رأوها؟". قال: "فيقولون: لا والله يا رب ما رأوها". قال: "فيقول: كيف لو أنهم رأوها؟". قال: "يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشَدَّ عليها حرصاً وأشَدَّ لها طلباً وأعظم فيها رغبةً". قال: "فيقول: فمم يستعيذون؟". قال: "فيقولون: من النار". قال: "فيقول: وهل رأوها؟". قال: "يقولون: لا والله يا رب! ما رأوها". قال: "يقول: كيف لو رأوها". قال: "يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً وأشد لها مخافةً". قال: "يقول: فاشهدكم أني قد غفرت لهم". قال:"فيقول ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجةٍ". قال: "هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم".
فيه من الفوائد: فضيلة الذكر وفضيلة مجالسه والجلوس مع أهله وإن لم يشاركهم، وفضيلة مجالسة الصالحين وبركتهم. قوله: فضلاً: قال العلماء: أنهم ملائكة زائدون على الحفظة فهؤلاء السيارة لا وظيفة لهم وإنما مقصودهم حلق الذكر. وقوله: ملائكة سيارة: معناه: سياحون في الأرض. وقوله: ويستجيرونك من نارك أي: يطلبون الأمان منها. وقوله: "هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم":
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: فهذا من بركتهم على نفوسهم وعلى جليسهم فلهم نصيب من قوله: "وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ"، فهكذا المؤمن مبارك اين حل، والفاجر مشئوم اين حل، فمجالس الذكر مجالس الملائكة، ومجالس الغفلة مجالس الشياطين وكل مضاف الى شكله واشباهه فكل امرئ يصير الى ما يناسبه. اهـ.
قالوا: وأيضاً فالله سبحانه يحب من عباده أن يسألوه جنته ويستعيذوا به من ناره فإنه يحب أن يسأل ومن لم يسأله يغضب عليه وأعظم ما سئل الجنة وأعظم ما استعيذ به من النار، فالعمل لطلب الجنة محبوب للرب مرضي له وطلبها عبودية للرب والقيام بعبوديته كلها أولى من تعطيل بعضها، قالوا وإذا خلا القلب من ملاحظة الجنة والنار ورجاء هذه والهرب من هذه فترت عزائمه وضعفت همته ووهى باعثه وكلما كان أشد طلبا للجنة وعملا لها كان الباعث له أقوى والهمة أشد والسعي أتم وهذا أمر معلوم بالذوق قالوا ولو لم يكن هذا مطلوبا للشارع لما وصف الجنة للعباد وزينها لهم وعرضها عليهم وأخبرهم عن تفاصيل ما تصل إليه عقولهم منها وما عداه أخبرهم به مجملا كل هذا تشويقا لهم إليها وحثا لهم على السعى لها سعيها. اهـ.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله ما غنيمة مجالس الذكر؟ قال: "غنيمة مجالس الذكر الجنة".
الغنيمة: هو الفوز بالشيء وحيازته، وهو مافيه من الأجر والثواب.
وقال رسول الله -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ما اجتمع قوم على ذكر فتفرقوا عنه إلا قيل لهم: قوموا مغفوراً لكم".
وعن أنس، عن رسول الله -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله عز وجل لا يريدون بذلك إلا وجهه إلا ناداهم منادٍ من السماء أن قوموا مغفوراً لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات".
وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ليبعثن الله أقواماً يوم القيامة في وجوههم النور على منابر اللؤلؤ يغبطهم الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء"، قال: فجثا أعرابي على ركبتيه فقال: يا رسول الله جلهم لنا نعرفهم قال: هم المُتحابُّون في الله من قبائل شتى وبلاد شتى يجتمعون على ذكر الله".
قوله: يغبطهم: الغِبْطَةُ بالكسر أن تتمنى مثل حال المَغْبُوطِ من غير أن تُريد زوالها عنه وليس بحسد.
وعن معاوية: أن رسول الله -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج على حلقةٍ من أصحابه فقال: "ما أجلسكم" قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ به علينا، قال: "آلله ما أجلسكم إلا ذلك" قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذلك قال: "أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة".
قال النووي: قوله: "لم أستحلفكم تهمة لكم" هى بفتح الهاء واسكانها، وهى فعلة وفعلة من الوهم والتاء بدل من الواو واتهمته به اذا ظننت به ذلك، وقوله -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إن الله عز وجل يباهى بكم الملائكة" معناه يظهر فضلكم لهم ويريهم حسن عملكم ويثنى عليكم عندهم، وأصل البهاء الحسن والجمال، وفلان يباهى بماله أي يفخر ويتجمل به على غيره ويظهر حسنه. اهـ.
وعن أبي هريرة، وأبي سعيد رضي الله عنهما قالا:قال رسول الله -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا يقعد قوم يذكرون الله عزوجل إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده".
قوله: حفتهم الملائكة: أي يطوفون بهم يدورون حولهم.
قال المناوي: أي أحاطت بهم ملائكة الرحمة والبركة إلى سماء الدنيا ورفرفت عليهم الملائكة بأجنحتهم يستمعون الذكر قيل: ويكونون بعدد القراء. وقوله: وغشيتهم الرحمة: أي علتهم الرحمة. وقوله: السكينة: حالة يطمئن بها القلب فيسكن عن الميل إلى الشهوات وعند الرعب، وغشيتهم: عمتهم.
وهي فعيلة من السكون، وذكر الصغاني في الذيل أنها بكسر السين وهي على المشهور في الرواية كما في شرح الترمذي للعراقي بالرفع جملة حالية أو السكينة مبتدأ وعليكم خبره، وفي رواية بالنصب إغراء واكتفى بالسكينة ولم يذكر الوقار للزومه لها أو هي هو فجمعه بينهما في رواية البخاري تأكيد. وقوله: وذكرهم اللّه: أثنى عليهم أو أثابهم. وقوله: فيمن عنده: من الأنبياء وكرام الملائكة.
قال النووي: وفيه فضل الاجتماع على تلاوة القرآن حتى بالمسجد.
فيه فضيلة مجالس الذكر وفضله، ومجالسة أهله، وأن من ذكر الله ذكره الله تعالى.
قال ابن قيم الجوزية: إن للذكر من بين الاعمال لذة لا يشبهها شئ فلو لم يكن للعبد من ثوابه إلا اللذة الحاصلة للذاكر والنعيم الذي يحصل لقلبه لكفي به ولهذا سميت مجالس الذكر رياض الجنة، قال مالك بن دينار: وما تلذذ المتلذذون بمثل ذكر الله عز وجل، فليس شئ من الأعمال أخف مؤنة منه ولا اعظم لذة ولا اكثر فرحة وابتهاجا للقلب. اهـ.
وعنه أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وآتاه رجل فقال: يا رسول الله! كيف أقول حين أسأل ربي عز وجل؟ قال: "قل: اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني ويجمع أصابعه إلا الإبهام فإن هؤلاء تجمع دنياك وآخرتك".
قوله: اغفر لي: أي استر ذنوبي وتجاوز عن عيوبي، وأصل الغَفْر التغطية، والمغفرة: إلباس الله تعالى العفوَ للمذنبين. وقوله: وارحمني: الرحمة هي الرقة والعطف. وعافني: الغَفْو هو التجاوزُ عن الذَّنْب وتركُ العِقَاب عليه، وأصله المَحْوُ والطَّمْسُ، فالعفو:محو الذنوب، والعافية: أن تسلم من الأسقام والبلايا. وارزقني: أي انفعني وهب لي.
وعن أبي موسى، عن النبي -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت".
وعنه عن النبي -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت".
قال الحافظ ابن حجر: إن الذي يوصف بالحياة والموت حقيقة هو الساكن لا الموطأ، وإن إطلاق الحي والميت في وصف البيت إنما يراد به ساكن البيت، فشبه الذاكر بالحي الذي ظاهره متزين بنور الحياة وباطنة بنور المعرفة وغير الذاكر بالبيت الذي ظاهره عاطل وباطنه باطل، وقيل موقع التشبيه بالحي والميت لما في الحي من النفع لمن يواليه والضر لمن يعاديه وليس ذلك في الميت.اهـ. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: جامع الدعاء.. أحكام.. آداب.. ثمرات.. الثلاثاء 06 أكتوبر 2020, 3:15 pm | |
| ثواب ذكر الله على الإطلاق وفي كل الأحوال قال الله تعالى: فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون.
فالذكر والشكر جماع السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة.
وقال تعالى: والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرةً وأجراً عظيماً.
وعن عبد الله بن بسر قال: جاء اعرابي فقال: يا رسول الله! كثُرت عليَّ خلال الإسلام وشرائعه فأخبرني بأمر جامع يكفيني قال: "عليك بذكر الله تعالى" قال: ويكفيني يا رسول الله! قال: "نعم ويفضل عنك".
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يقول الله تبارك وتعالى أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملإٍ ذكرته في ملإٍ خير منهم وإن تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً وإذا آتاني يمشي آتيته هرولة".
وعن أبي هريرة، عن النبي -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إن الله عز وجل يقول: أنا مع عبدي إذا هو ذكرني وتحركت بي شفتاه".
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يذكر الله تعالى على كل أحيانه. التسبيح: هو التنـزيه، عندما أقول: سبحان الله، أي أنزه الله عن العيب والنقص.
التحميد: الحمد والشكر مُتَقاربان، والحمد أعَمُّها, لأنّك تحمَد الإنسان على صِفاته الذَّاتيّة وعلى عطائه ولا تَشْكُره على صِفاته. هـ
ومنه الحديث: الحمدُ رأس الشُّكر, ما شَكَر اللهَ عبْدٌ لا يَحْمَده كما أنّ كلمة الإخْلاص رأسُ الإيمان.
وإنما كان رأسَ الشُّكر لأنّ فيه إظهار النعْمة والإشادة بها, ولأنه أعم منه, فهو شُكْر وزيادة. هـ.
وفي حديث الدعاء سبحانك اللهمَّ وبحمدك أي وبحمدك أبتْدِىء.
وقيل بحمدك سَبَّحت.
وقد تحذف الواو وتكون الباء للتَّسْبِيب, أو للمُلاَبسة: أي التَّسبْيح مُسبَّب بالحمد, أو ملابِس له.
ومنه حديث: لِوَاء الحمْد بِيَدِى؛ يُريد به إنْفِرَاده بالحمد يوم القيامة وشُهْرَته به على رءوس الخلق.
والعَرَبُ تَضَع اللِّواء مواضع الشُهْرة.
ومنه الحديث: وابْعَثْه المقَام المحمود الذي وَعَدْتَه أي الذي يَحمْدَه فيه جميع الخلق لتعْجيل الحساب والإراحة من طُول الوقوف.
وقيل هو: الشَّفاعة. وفي كتابه -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أمّا بعْدُ فإني أحْمَد إليك اللهَ.. أي أحْمَدُ معَك, فأقام إلى مُقام مَع، وقيل معناه أحْمَد إليك نِعمة الله بِتَحْدِيثك إيَّاها. اهـ
ومنه حديث ابن عباس أحْمَد إليكم غَسْل الإحْلِيل أي أرْضاه لكم وأتقَدّم فيه إليكم.ا هـ.
والحمد يكون في السراء والضراء. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: جاء فى الكتاب والسنة: حمد الله على كل حال وذلك يتضمن الرضا بقضائه، وفى الحديث: "أول مَنْ يُدعى إلى الجنة الحمَّادون الذين يحمدون الله فى السراء والضراء".
وروي عن النبي -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أنه كان إذا أتاه الأمر يسرُهُ قال: الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات وإذا أتاه الأمر الذى يسوءُهُ قال: الحمد لله على كل حال".
وفى مسند الإمام أحمد، عن أبي موسى الأشعرى، عن النبي -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إذا قبض ولد العبد يقول الله لملائكته أقبضتم ولد عبدى فيقولون نعم فيقول أقبضتم ثمرة فؤاده فيقولون نعم فيقول ماذا قال عبدى فيقولون حمدك واسترجع فيقول ابنوا لعبدى بيتا فى الجنة وسموه بيت الحمد"، ونبينا محمد -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو صاحب لواء الحمد وأمته هم الحمّادون الذين يحمدون الله على السراء والضراء.
والحمد على الضراء يوجبه مشهدان: أحدهما: علم العبد بأن الله سبحانه مستوجب لذلك مستحق له لنفسه فإنه أحسن كل شئ خلقه واتقن كل شئ وهو العليم الحكيم الخبير الرحيم. والثانى: علمه بأن اختيار الله لعبده المؤمن خير من اختياره لنفسه كما روى مسلم فى صحيحه وغيره عن النبى -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "والذى نفسى بيده لا يقتضى الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرًا له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له".
فأخبر أن كل قضاء يقضيه الله للمؤمن الذى يصبر على البلاء ويشكر على السراء فهو خير له قال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ.، وذكرهما فى أربعة مواضع من كتابه، فأما من لايصبر على البلاء ولا يشكر على الرخاء فلا يلزم أن يكون القضاء خيرا له.
ولهذا أجيب من أورد هذا على ما يقضى على المؤمن من المعاصى بجوابين: أحدهما: أن هذا إنما يتناول ما أصاب العبد لا ما فعله العبد كما فى قوله تعالى: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ أى من سراء، وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ، أي من ضراء وكقوله تعالى: وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.، أى بالسراء والضراء، كما قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَة، فالحسنات والسيئات يراد بها المسار والمضار ويراد بها الطاعات والمعاصى.
والجواب الثانى: إن هذا فى حق المؤمن الصبار الشكور والذنوب تنقض الايمان فاذا تاب العبد أحبه الله وقد ترتفع درجته بالتوبة، قال بعض السلف كان داود بعد التوبة خيرا منه قبل الخطيئة فمن قضى له بالتوبة كان كما قال سعيد بن جبير أن العبد ليعمل الحسنة فيدخل بها النار وان العبد ليعمل السيئة فيدخل بها الجنة وذلك انه يعمل الحسنة فتكون نصب عينه ويعجب بها ويعمل السيئة فتكون نصب عينه فيستفغر الله ويتوب اليه منها، وقد ثبت فى الصحيح عن النبي -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: "الأعمال بالخواتيم".
والمؤمن اذا فعل سيئة فان عقوبتها تندفع عنه بعشرة أسباب: أن يتوب فيتوب الله عليه فان التائب من الذنب كمن لاذنب له، أو يستغفر فيغفر له أو يعمل حسنات تمحوها فإن الحسنات يذهبن السيئات أو يدعو له إخوانه المؤمنون ويستغفرون له حيا وميتا أو يهدون له من ثواب أعمالهم ما ينفعه الله به أو يشفِّع فيه نبيه محمد أو يبتليه الله تعالى فى الدينا بمصائب تكفر عنه أو يبتليه فى البرزخ بالصعقة فيكفر بها عنه أو يبتليه فى عرصات القيامة من أهوالها بما يكفر عنه أو يرحمه أرحم الراحمين فمن أخطأته هذه العشرة فلا يلومن إلا نفسه كما قال تعالى فيما يروى عنه رسول الله -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يا عبادى إنما هى أعمالكم أحصيها لكم ثم أو فيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ الا نفسه".اهـ.
فعلى المسلم أن لا يغفل عن ذكر الله في أي حال من الأحوال ولا يعيقه شيء عنه، والحديث فيه دلالة على قراءة القرآن وذكر الله للحائض والنفساء لأنهما يدخلان في عموم الذكر.
قال النووي رحمه الله تعالى: هذا الحديث أصل في جواز ذكر الله تعالى بالتسبيح والتكبير والتحميد وشبهها من الأذكار وهذا جائز بإجماع المسلمين.
وعن الأغر أبي مسلم قال: أشهد على أبي هريرة وأبي سعيد أنهما شهدا على رسول الله -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: "لا يقعد قوم في مجلس يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده".
وعن عبد الله بن بسر، أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن أبواب الخير كثيرة ولا أستطيع القيام بكلها فأخبرني بما شئت أتشبث به ولا تُكثر علي فأنسى، وفي رواية: إن شرائع الإسلام قد كثرت علي وأنا قد كبرت فأخبرني بشيء أتشبث به: قال: "لا يزال لسانك رطباً بذكر الله تعالى".
قوله: إن شرائع الإسلام: قال الطيبي الشريعة مورد الإبل على الماء الجاري، والمراد ماشرع الله وأظهره لعباده من الفرائض والسنن.
إن شرائع الإسلام قد كثرت علي: أي غلبت علي بالكثرة حتى عجزت عنها لضعفي فأخبرني بشيء قال الطيبي التنكير في بشيء للتقليل المتضمن لمعنى التعظيم كقوله تعالى ورضوان من الله أكبر، ومعناه أخبرني بشيء يسير مستجلب لثواب كثير.
أتشبث به: أي أتعلق به وأستمسك ولم يرد أنه يترك شرائع الإسلام رأسا بل طلب ما يتشبث به بعد الفرائض عن سائر ما لم يفترض عليه.
لا يزال لسانك رطباً بذكر الله تعالى: أي طريا مشتغلا قريب العهد منه وهو كناية عن المداومة على الذكر.اهـ.
وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ألا أدلك على ماهو أكثر من ذكرك الله الليل مع النهار قول: الحمد لله عدد ما خلق، الحمد لله عدد ما أحصى كتابه والحمد لله على ما أحصى كتابه، والحمد لله عدد كل شيء، وتسبح الله مثلهن تعلمهن وعلمهن عقبك من بعدك".
قوله: الحمد لله: قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: معنى الحمد هو وصف المحمود بالكمال محبةً وتعظيماً، فإن وصفه بالكمال لا محبةً ولا تعظيماً ولكن خوفاً ورهبةً سُمِّيَ ذلك مدحاً لا حمداً، فالحمد لا بد أن يكون مقروناً بمحبة المحبوب وتعظيمه. اهـ.
عدد ما خلق: أي ما بين ما ذكر من السماء والأرض من الهواء والطير والسحاب وغيرها عدد ما هو خالق أي خالقه أو خالق له فيم بعد ذلك، أي ما هو خالق له من الأزل إلى الأبد والمراد الاستمرار.اهـ.
وعن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، عن زياد بن أبي زياد مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة أنه بلغه عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ما عمل أدمي عملاً قط أنجى له من عذاب الله من ذكر الله عز وجل".
فيه أن ذكر الله تعالى من أفضل الأعمال، وأنه ينجي من عذاب الله تعالى.
وعن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، عن زياد بن أبي زياد مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة أنه بلغه عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ما عمل أدمي عملاً قط أنجى له من عذاب الله من ذكر الله عز وجل". |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: جامع الدعاء.. أحكام.. آداب.. ثمرات.. الثلاثاء 06 أكتوبر 2020, 3:17 pm | |
| ذكر الله تعالى من أفضل الأعمال وأنه ينجي من عذاب الله تعالى. وعن أبي هريرة قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له: جُمْدان، فقال: سيروا هذا جُمْدانُ سَبقَ المفردون" قيل: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: "الذاكرون الله كثيراً والذاكرات".
قال ابن قتيبة وغيره: وأصل المفردين الذين هلك أقرانهم وأنفرودوا عنهم وبقوا يذكرون الله تعالى.
وعن الحارث الأشعري، عن النبي -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: "إن الله سبحانه وتعالى أمَرَ يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يَعملَ بها ويأمرَ بني إسرائيل أن يعملوا بها وأنه كاد أن يبطئ بها فقال له عيسى عليه السلام إن الله تعالى أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها فإمَّا أن تأمرهم وإمَّا أن آمُرَهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني أن يخسف بي وأُعذب، فجمع يحيى الناس في بيت المقدس فامتلأ المسجد وقعدوا على الشرف فقال: إن الله تبارك وتعالى أمرني بخمس كلمات أن أعملهن وآمركم أن تعملوا بهن..
أولهن: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وإن مثل مَنْ أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبداً من خالص ماله بذهب أو ورقٍ فقال له: هذه داري وهذا عملي فاعمل وأدِّ إليَّ فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟!
وإن الله أمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت.
وآمركم بالصيام فإن مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرة فيها مسك فكلهم يعجبه ريحه وإن ريح الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك.
وآمركم بالصدقة فإن مثل ذلك مثل رجل أسره العدو فأوثقوا يديه إلى عنقه وقدموه ليضربوا عنقه فقال: أنا أفتدي منكم بالقليل والكثير ففدى نفسه منهم، وآمركم أن تذكروا الله تعالى فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً حتى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله تعالى، قال النبي -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وأنا آمركم بخمسٍ الله أمرني بهن: السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع ومن ادعى دعوى الجاهلية فإنه من جثا جهنم"، فقال رجل: يا رسول الله! وإن صلى وصام؟! قال: "وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم فادعوا بدعوى الله الذي سَّماكم المسلمين المؤمنين عباد الله". جثا: الشيء المجموع.
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: فقد ذكر -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذا الحديث العظيم الشأن الذي ينبغي لكل مسلم أن يحفظه وأن يتعقله ما ينجي من الشيطان وما يحصل للعبد به الفوز والنجاة في دنياه وأخراه. أ.هـ.
وقال رحمه الله تعالى: وقوله -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وآمركم أن تذكروا الله تعالى فإن مثل ذلك مثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً حتى إذا أتى إلى حصن حصين فأحرز نفسه منهم كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله"، فلو لم يكن في الذكر إلا هذه الخصلة الواحدة لكان حقيقاً بالعبد أن لا يفتر لسانه من ذكر الله تعالى وأن لا يزال لهجاً بذكره فإنه لا يحرز نفسه من عدوه إلا بالذكر ولا يدخل عليه العدو إلا من باب الغفلة فهو يرصده فإذا غفل وثب عليه وافترسه وإذا ذكر الله تعالى خنس أي: كف وانقبض. انخس عدو الله وتصاغر وانقمع حتى يكون كالوصع فإذا ذكر الله خنس.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا سها وغفل وسوس فإذا ذكر الله تعالى خنس. أ.هـ.
الوصع: طائر أصغر من العصفور.
وعن أنس بن مالك، أن رسول الله -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا". قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: "حلق الذكر". الرتع: هو الأكل والشرب في خصب وسعة.
"إذا مررتم برياض الجنة": قال المناوي في فيض القدير: جمع روضة وهي الموضع المعجب بالزهر سميت به لاستراضة الماء السائل إليها.
"فارتعوا": أي ارتعوا كيف شئتم وتوسعوا في اقتناص الفوائد، قالوا: أي الصحابة أي بعضهم.
"وما رياض الجنة": أي ما المُراد بها "قال حلق الذكر"، بكسر ففتح جمع حلقة بفتح فسكون، وهي جماعة من الناس يستديرون لحلقة الباب وغيره والتحلق تفعل منها وهو أن يتعمد ذلك، قال الطيبي: أراد بالذكر التسبيح والتحميد، وشبه الخوض فيه بالرتع في الخصب وذلك لأن أفضل ما أعطاه الله لعباده في الدنيا الذكر وأفضل ما أعطاهم في العقبى النظر إليه سبحانه، فذكر الله في الدنيا كالنظر إليه في الآخرة فالذاكر له بلسانه مع حضور قلبه مشاهد له بسره ناظر إليه بفؤاده ماثل بين يديه ببدنه فكأنه في الجنة يرتع في رياض قال النووي: كما يستحب الذكر يستحب الجلوس في حلق أهله وقد تظاهرت على ذلك الأدلة. اهـ.
"تنبيه": قال بعضهم: الذكر هو التخلص من الغفلة والنسيان بدوام حضور القلب مع اللّه وقيل ترديد اسم المذكور بالقلب واللسان سواء في ذلك ذكر اللّه أو صفة من صفاته أو حكم من أحكامه أو فعل من أفعاله أو استدلال على شيء من ذلك أو دعاء أو ذكر رسله أو أنبيائه وما يقرب من اللّه من فعل أو سبب بنحو قراءة أو ذكر اسمه أو نحو ذلك، فالمتفقه ذاكر وكذا المفتي والمدرس والواعظ والمتفكر في عظمته تعالى والممتثل ما أمر اللّه به والمنتهي عما نهى عنه.اهـ.
عَنْ هِشَام بْن سَعِيد عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ: أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ يَا رَبّ كَيْف أَشْكُرك؟ قَالَ لَهُ رَبّه: تَذْكُرنِي وَلَا تَنْسَانِي فَإِذَا ذَكَرْتنِي فَقَدْ شَكَرْتنِي وَإِذَا نَسِيتنِي فَقَدْ كَفَرْتنِي.
قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَأَبُو الْعَالِيَة وَالسُّدِّيّ وَالرَّبِيع بْن أَنَس: إِنَّ اللَّه يَذْكُر مَنْ ذَكَرَهُ وَيَزِيد مَنْ شَكَرَهُ وَيُعَذِّبُ مَنْ كَفَرَهُ.
وَقَالَ بَعْض السَّلَف فِي قَوْله تَعَالَى: "اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته"، قَالَ: هُوَ أَنْ يُطَاع فَلَا يُعْصَى وَيُذْكَر فَلَا يُنْسَى وَيُشْكَر فَلَا يُكْفَ، قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن الصَّبَّاح أَخْبَرَنَا يَزِيد بْن هَارُونَ أَخْبَرَنَا عُمَارَة الصَّيْدَلَانِيّ أَخْبَرَنَا مَكْحُول الْأَزْدِيّ قَالَ: قُلْت لِابْنِ عُمَر أَرَأَيْت قَاتِل النَّفْس وَشَارِب الْخَمْر وَالسَّارِق وَالزَّانِي يَذْكُر اللَّه وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى: "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ" قَالَ إِذَا ذَكَرَ اللَّه هَذَا ذَكَرَهُ اللَّه بِلَعْنَتِهِ حَتَّى يَسْكُت، وَقَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ فِي قَوْله: "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ" قَالَ اُذْكُرُونِي فِيمَا أَوْجَبْت لَكُمْ عَلَى نَفْسِي، وَعَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر اُذْكُرُونِي بِطَاعَتِي أَذْكُركُمْ بِمَغْفِرَتِي وَفِي رِوَايَة بِرَحْمَتِي، وَعَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله اُذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ قَالَ ذِكْر اللَّه إِيَّاكُمْ أَكْبَر مِنْ ذَكَركُمْ إِيَّاهُ.
وَفِي الْحَدِيث الصَّحِيح: "يَقُول اللَّه تَعَالَى مَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسه ذَكَرْته فِي نَفْسِي وَمَنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْته فِي مَلَإٍ خَيْر مِنْهُ".
وقَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا عَبْد الرَّزَّاق أَخْبَرَنَا عَنْ قَتَادَة عَنْ أَنَس قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَا اِبْن آدَم إِنْ ذَكَرْتنِي فِي نَفْسك ذَكَرْتُك فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرْتنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُك فِي مَلَإٍ مِنْ الْمَلَائِكَة -أَوْ قَالَ فِي مَلَإٍ خَيْر مِنْهُ- وَإِنْ دَنَوْت مِنِّي شِبْرًا دَنَوْت مِنْك ذِرَاعًا وَإِنْ دَنَوْت مِنِّي ذِرَاعًا دَنَوْت مِنْك بَاعًا وَإِنْ أَتَيْتنِي تَمْشِي أَتَيْتُك هَرْوَلَة".
صَحِيح الْإِسْنَاد أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ مِنْ حَدِيث قَتَادَة وَعِنْده قَالَ قَتَادَة اللَّه أَقْرَب بِالرَّحْمَةِ: وَقَوْله: "وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ" أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِشُكْرِهِ وَوَعَدَ عَلَى شُكْره بِمَزِيدِ الْخَيْر فَقَالَ: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ".
وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا رَوْح حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ الْفُضَيْل بْن فَضَالَة -رَجُل مِنْ قَيْس- حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاء الْعُطَارِدِيّ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا عِمْرَان بْن حُصَيْن وَعَلَيْهِ مُطَرِّف مِنْ خَزّ لَمْ نَرَهُ عَلَيْهِ قَبْل ذَلِكَ وَلَا بَعْده فَقَالَ: إِنَّ رَسُول اللَّه -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ نِعْمَةً فَإِنَّ اللَّه يُحِبّ أَنْ يُرَى أَثَرُ نِعْمَتِهِ عَلَى خَلْقِهِ".
وَقَالَ رَوْح مَرَّة: عَلَى عَبْده.
وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ: اُشْكُرُوا لِي أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِيمَا أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ مِنْ الْإِسْلَام وَالْهِدَايَة لِلدِّينِ الَّذِي شَرَعْته لِأَنْبِيَائِي وَأَصْفِيَائِي (وَلَا تَكْفُرُونِ) يَقُول: وَلَا تَجْحَدُوا إحْسَانِي إلَيْكُمْ, فَأَسْلُبكُمْ نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ, وَلَكِنْ اُشْكُرُوا لِي عَلَيْهَا, وَأَزِيدكُمْ فَأُتَمِّم نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ, وَأَهْدِيكُمْ لِمَا هَدَيْت لَهُ مَنْ رَضِيت عَنْهُ مِنْ عِبَادِي, فَإِنِّي وَعَدْت خَلْقِي أَنَّ مَنْ شَكَرَ لِي زِدْته, وَمَنْ كَفَرَنِي حَرَمْته وَسَلَبْته مَا أَعْطَيْته.
وَالْعَرَب تَقُول: نَصَحْت لَك وَشَكَرْت لَك, وَلَا تَكَاد تَقُول نَصَحْتُك, وَرُبَّمَا قَالَتْ شَكَرْتُك وَنَصَحْتُك.
مِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر: هُمْ جَمَعُوا بُؤْسَى وَنُعْمَى عَلَيْكُمْ فَهَلَّا شَكَرْت الْقَوْم إنْ لَمْ تُقَاتِل
وَقَالَ النَّابِغَة فِي "نَصَحْتُك": نَصَحْت بَنِي عَوْف يَتَقَبَّلُوا رَسُولِي وَلَمْ تَنْجَح لَدَيْهِمْ وَسَائِلِي وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى الشُّكْر: الثَّنَاء عَلَى الرَّجُل بِأَفْعَالِهِ الْمَحْمُودَة, وَأَنَّ مَعْنَى الْكُفْر تَغْطِيَة الشَّيْء, فِيمَا مَضَى قَبْل فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إعَادَته هَهُنَا.
"فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ": أَمْر وَجَوَابه, وَفِيهِ مَعْنَى الْمُجَازَاة فَلِذَلِكَ جُزِمَ.
وَأَصْل الذِّكْر التَّنَبُّه بِالْقَلْبِ لِلْمَذْكُورِ وَالتَّيَقُّظ لَهُ.
وَسُمِّيَ الذِّكْر بِاللِّسَانِ ذِكْرًا لِأَنَّهُ دَلَالَة عَلَى الذِّكْر الْقَلْبِيّ, غَيْر أَنَّهُ لَمَّا كَثُرَ إِطْلَاق الذِّكْر عَلَى الْقَوْل اللِّسَانِيّ صَارَ هُوَ السَّابِق لِلْفَهْمِ.
وَمَعْنَى الْآيَة: اُذْكُرُونِي بِالطَّاعَةِ أَذْكُركُمْ بِالثَّوَابِ وَالْمَغْفِرَة, قَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر.
وَقَالَ أَيْضًا: الذِّكْر طَاعَة اللَّه, فَمَنْ لَمْ يُطِعْهُ لَمْ يَذْكُرهُ وَإِنْ أَكْثَرَ التَّسْبِيح وَالتَّهْلِيل وَقِرَاءَة الْقُرْآن, وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ أَطَاعَ اللَّه فَقَدْ ذَكَرَ اللَّه وَإِنْ أَقَلَّ صَلَاته وَصَوْمه وَصَنِيعه لِلْخَيْرِ وَمَنْ عَصَى اللَّه فَقَدْ نَسِيَ اللَّه وَإِنْ كَثَّرَ صَلَاته وَصَوْمه وَصَنِيعه لِلْخَيْرِ).
ذَكَرَهُ أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن خُوَيْز مَنْدَاد فِي "أَحْكَام الْقُرْآن" لَهُ.
وَقَالَ أَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ: إِنِّي لَأَعْلَم السَّاعَة الَّتِي يَذْكُرنَا اللَّه فِيهَا, قِيلَ لَهُ: وَمِنْ أَيْنَ تَعْلَمهَا؟ قَالَ يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: "فَاذْكُرُونِي أَذْكُركُمْ".
وَقَالَ السُّدِّيّ: لَيْسَ مِنْ عَبْد يَذْكُر اللَّه إِلَّا ذَكَرَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ, لَا يَذْكُرهُ مُؤْمِن إِلَّا ذَكَرَهُ اللَّه بِرَحْمَتِهِ, وَلَا يَذْكُرهُ كَافِر إِلَّا ذَكَرَهُ اللَّه بِعَذَابٍ.
وَسُئِلَ أَبُو عُثْمَان فَقِيلَ لَهُ: نَذْكُر اللَّه وَلَا نَجِد فِي قُلُوبنَا حَلَاوَة؟ فَقَالَ: اِحْمَدُوا اللَّه تَعَالَى عَلَى أَنْ زَيَّنَ جَارِحَة مِنْ جَوَارِحكُمْ بِطَاعَتِهِ.
وَقَالَ ذُو النُّون الْمِصْرِيّ رَحِمَهُ اللَّه: مَنْ ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى ذِكْرًا عَلَى الْحَقِيقَة نَسِيَ فِي جَنْب ذِكْره كُلّ شَيْء, حَفِظَ اللَّه عَلَيْهِ كُلّ شَيْء, وَكَانَ لَهُ عِوَضًا مِنْ كُلّ شَيْء.
وَقَالَ مُعَاذ بْن جَبَل رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: مَا عَمِلَ اِبْن آدَم مِنْ عَمَل أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَاب اللَّه مِنْ ذِكْر اللَّه.
وَالْأَحَادِيث فِي فَضْل الذِّكْر وَثَوَابه كَثِيرَة خَرَّجَهَا الْأَئِمَّة. رَوَى اِبْن مَاجَهْ عَنْ عَبْد اللَّه بْن بُسْر أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ لِرَسُولِ اللَّه -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ شَرَائِع الْإِسْلَام قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ فَأَنْبِئْنِي مِنْهَا بِشَيْءٍ أَتَشَبَّث بِهِ, قَالَ: (لَا يَزَال لِسَانك رَطْبًا مِنْ ذِكْر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ).
وَخُرِّجَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَقُول أَنَا مَعَ عَبْدِي إِذَا هُوَ ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ).
وَسَيَأْتِي لِهَذَا الْبَاب مَزِيد بَيَان عِنْد قَوْله تَعَالَى: ((يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُذْكُرُوا اللَّه ذِكْرًا كَثِيرًا)).
وَأَنَّ الْمُرَاد ذِكْر الْقَلْب الَّذِي يَجِب اِسْتِدَامَته فِي عُمُوم الْحَالَات. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: جامع الدعاء.. أحكام.. آداب.. ثمرات.. الثلاثاء 06 أكتوبر 2020, 4:14 pm | |
| وَاشْكُرُوا لِي. قَالَ الْفَرَّاء يُقَال: شَكَرْتُك وَشَكَرْت لَك, وَنَصَحْتُك وَنَصَحْت لَك, وَالْفَصِيح الْأَوَّل. وَالشُّكْر مَعْرِفَة الْإِحْسَان وَالتَّحَدُّث بِهِ, وَأَصْله فِي اللُّغَة الظُّهُور, وَقَدْ تَقَدَّمَ. فَشُكْر الْعَبْد لِلَّهِ تَعَالَى ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ بِذِكْرِ إِحْسَانه إِلَيْهِ, وَشُكْر الْحَقّ سُبْحَانه لِلْعَبْدِ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ بِطَاعَتِهِ لَهُ, إِلَّا أَنَّ شُكْر الْعَبْد نُطْق بِاللِّسَانِ وَإِقْرَار بِالْقَلْبِ بِإِنْعَامِ الرَّبّ مَعَ الطَّاعَات وَلَا تَكْفُرُونِ نَهْي, وَلِذَلِكَ حُذِفَتْ مِنْهُ نُون الْجَمَاعَة, وَهَذِهِ نُون الْمُتَكَلِّم. وَحُذِفَتْ الْيَاء لِأَنَّهَا رَأْس آيَة, وَإِثْبَاتهَا أَحْسَن فِي غَيْر الْقُرْآن, أَيْ لَا تَكْفُرُوا نِعْمَتِي وَأَيَادِيّ.
فَالْكُفْر هُنَا سَتْر النِّعْمَة لَا التَّكْذِيب. وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي الْكُفْر لُغَة.
قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25)). (سورة إبراهيم).
قال ابن عباس وغيره: الكلمة الطيبة هي لا إله إلا الله.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله مَن أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة مَن قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه".
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "قال موسى -صلى الله عليه وسلم- يا رب علمني شيئًا أذكرك به قال: قل: لا إله إلا الله، قال: يا رب كل عبادك يقول هذا، قال: قل: لا إله إلا الله، قال: إنما أريد شيئاً تخصني به، قال: يا موسى لو أن السموات السبع والأرضين السبع في كِفةٍ ولا إله إلا الله في كِفة مالت بهم لا إله إلا الله".
وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل". زاد جُنادَةُ: "من أبواب الجنة الثمانية أيُها شاء".
قال القرطبي في المفهم على صحيح مسلم: باب لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين، بل لا بد من استيقان القلب - هذه الترجمة تنبيه على فساد مذهب غلاة المرجئة، القائلين بأن التلفظ بالشهادتين كاف في الإيمان، وأحاديث هذا الباب تدل على فساده، بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها، ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق، والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح، وهو باطل قطعاً. أ.هـ.
وقال القاضي عياض: ما ورد في حديث عبادة يكون مخصوصاً لمَن قال ما ذكره -صلى الله عليه وسلم- وقرن بالشهادتين حقيقة الإيمان والتوحيد الذي ورد في حديثه، فيكون له من الأجر ما يرجح على سيئاته ويوجب له المغفرة والرحمة ودخول الجنة لأول وهلة. أ.هـ.
وعن محمود بن الربيع قال: قدمت المدينة فلقيت عتبان فقلت له: حديث بلغني عنك قال: أصابني في بصري بعض الشيء فبعثت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أني أحب أن تأتيني تصلي في منـزلي فأتخذه مصلى قال فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- ومَن شاء الله من أصحابه فدخل فهو يصلي في منـزلي وأصحابه يتحدثون بينهم ثم أسندوا عظم ذلك وكبره إلى مالك بن دخشم قال: ودوا أنه دعا عليه فهلك، ودوا أنه أصابه شر، فقضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصلاة وقال: "أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ "قالوا: إنه يقول ذلك وما هو في قلبه، قال: "لا يشهد أحدٌ أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار أو تطعمه"، قال أنس: فأعجبني هذا الحديث فقلت لابني: اكتبه فكتبه.
في الحديث جواز تمني هلاك أهل النفاق والشقاق ووقوع المكروه بهم.
وقال الإمام النووي -رحمه الله تعالى- في شرحه على صحيح مسلم: وفيه التبرك بآثار الصالحين.
قال العلامة ابن باز رحمه الله تعالى في تعليقه على فتح الباري (552/1): (هذا فيه نظر -أي كلام النووي- والصواب أن مثل هذا خاص بالنبي -صلى الله عليه وسلم- لِمَا جعل الله فيه من البركة وغيره لا يُقاس عليه لما بينهما من الفرق العظيم ولأن فتح هذا الباب قد يُفضي إلى الغلو والشرك كما قد وقع من بعض الناس نسأل الله العافية. أ.هـ.
"فخط لي مسجداً" أي: أعلم لي على موضع لأتخذه مسجداً أي موضعاً أجعل صلاتي فيه متبركاً بآثارك والله أعلم.
وعن البراء بن عازب -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن مَنح منحةً وِرِقٍ أو منحة لبن أو هَدى زقاقاً فهو كعِتاق نسمةٍ ومَن قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير فهو كعتق نسمةً".
وعن عمرو -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إني لأعلم كلمة لا يقولها عبدٌ حقاً من قلبه فيموت على ذلك إلا حَرُمَ على النار، لا إله إلا الله".
وعن أنس -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعاذ رديفه على الرَّحل قال: "يا معاذ بن جبل" قال: لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثاً قال: "ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صادقاً من قلبه إلا حَرَّمه الله على النار".
وعن رفاعة الجهني -رضي الله عنه- قال: أقبلنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا كنا بالكديد أو بقديد فحمد الله وقال: خيراً، وقال: "أشهد عند الله لا يموت عبدٌ يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله صدقاً من قلبه ثم يُسَدِّدُ إلا سلك في الجنة".
وفي رواية لمسلم: "مَن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حرَّم الله عليه النار".
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كنا قعوداً حول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعنا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في نفر فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بين أظهرنا فأبطأ علينا وخشينا أن يُقتطع دوننا وفزعنا فقمنا فكنت أول مَن فزع فخرجت أبتغي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-حتى أتيت حائطاً للأنصار لبني النجار فدُرت به هل أجد له باباً فلم أجد فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجةٍ والربيع الجدول فاحتفزت كما يحتفز الثعلب فدخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أبو هريرة؟" قلت: نعم يا رسول الله، قال: "ما شأنك؟" قلت: كنتَ بين أظهُرنا فقمتَ فأبطأتَ علينا فخشينا أن تُقتطع دوننا ففزعنا فكنت أول مَن فزع فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يَحتفز الثعلب وهؤلاء الناس ورائي فقال: "يا أبا هريرة!" وأعطاني نعليه وقال: "اذهب بنعلي هاتين فمَن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مُستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة". فكان أول مَن لقيتُ عمرَ فقال: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة! فقلت: هاتين نعلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثني بهما مَن لقيت يشهد ان لا إله إلا الله مُستيقناً بهما قلبه بشَّرته بالجنة قال: فضرب عمر بيده بين ثديي فخررت لاستي فقال: ارجع يا أبا هريرة فرجعت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأجهشت بكاءً، وركبني عمر، وإذا هو على أثري فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَالك يا ابا هريرة؟" قلت: عمر فأخبرته بالذي بعثني به فضرب بين ثديي ضربةً خررت لاستي قال: ارجع، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا عمر! ما حملك على ما فعلت؟" قال: يا رسول الله! بأبي وأمي أبعثتَ أبا هريرة بنعليك مَن لقي يشهد أن لا إله إلا الله مُستيقناً بها قلبه فبشِّره بالجنة؟ قال: "نعم" قال: فلا تفعل فإني أخشى أن يتكلم الناس عليها فخلهم يعملون، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فخلهم".
قوله: فزعنا فقمنا: قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: الفزع يكون بمعنى الرَّوع وبمعنى الهُبوب للشيء والاهتمام به، وبمعنى الإغاثة، قال: فتصح هذه المعاني الثلاثة أي ذعرًا لاحتباس النبي -صلى الله عليه وسلم- عنا. وقوله: "حائطًا": بستاناً وسُمي بذلك لأنه حائط لا سقف له. وقوله: الجَدول: بفتح الجيم وهو النهر الصغير. وقوله: وخشينا أن يُقتطع دوننا أي: يُصاب بمكروه من عدو إما بأسر وإما بغيره. وقوله: فاحتفزت كما يحتفز الثعلب معناه: تضامت ليسعني المدخل. وقوله لاستي: فهو اسم من أسماء الدُّبُر. وقوله: فأجهشت: بالجيم والشين المعجمة والهمزة والهاء مفتوحتان قال القاضي عياض رحمه الله: وهو أن يفزع الإنسان إلى غيره وهو متغير الوجه متهيء للبكاء ولما يبك بعد. وقوله ركبني عمر فمعناه: تبعني ومشى خلفي في الحال بلا مهلة. وقوله: بأبي وأمي معناه: أنت مفدي أو أفديك بأبي وأمي.
وقال: "ومَن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حُطت خطاياه وإن كانت مثل زَبَدِ البحر". |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: جامع الدعاء.. أحكام.. آداب.. ثمرات.. الثلاثاء 06 أكتوبر 2020, 4:17 pm | |
| بيان فضل التهليل والتسبيح: ذِكْرُ اللهِ حصنٌ حصينٌ من وسوسة الشيطان وكيده ومن مُكفرات الذنوب وذِكْرُ اللهِ قربة عظيمة إلى الله سبحانه وتعالى.
يُستحب أن يقول العبد ذلك في أول النهار متوالياً ليكون له حِرزاً في جميع نهاره وكذا في أول الليل.
وفيه سعة رحمة الله بعباده وتفضله عليهم بجزيل الثواب وغفران الذنوب.
قال القاضي عياض: أن التهليل المذكور أفضل ويكون ما فيه من زيادة الحسنات ومحو السيئات وما فيه من فضل عتق الرقاب وكونه حرزاً من الشيطان زائداً على فضل التسبيح وتكفير الخطايا لأنه قد ثبت أن مَن أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار فقد حصل بعتق رقبة واحدة تكفير جميع الخطايا مع ما يبقى له من زيادة عتق الرقاب الزائدة على الواحدة ومع ما فيه من زيادة مائة درجة وكونه حرزاً من الشيطان ويؤيده ما جاء في الحديث بعد هذا: "أن أفضل الذكر التهليلُ" مع الحديث الآخر: "أفضل ما قلته أنا والنبيون قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له." الحديث وقيل: أنه اسم الله الأعظم وهي كلمة الإخلاص والله أعلم. انتهى.
وعن أبي عياش -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن قال إذا أصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كان له عدل رقبة من ولد إسماعيل عليه السلام وكُتِبَ له عشر حسنات وحُطَّ عنه عشر سيئات ورُفِعَ له عشر درجات وكان في حِرز من الشيطان حتى يُمسي وإن قالها إذا أمسى كان مثل ذلك حتى يُصبح".
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما قال عبد: لا إله إلا الله قط مخلصاً إلا فتحت له أبواب السماء حتى يُفضي إلى العرش ما اجتنب الكبائر".
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله يستخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سِجلاً كل سِجل مثل مَد البصر ثم يقول أتُنكر من هذا شيئاً؟ أظلمكَ كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب فيقول أفَلك عذرٌ؟ فقال: لا يا رب فيقول الله تعالى بلى إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم فيُخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فيقول: أحضر وزنك فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السِّجلات؟ فقال: فإنك لا تُظلم فتوضع السِّجلات في كِفةٍ والبطاقة في كِفةٍ فطاشت السِّجلات وثَقُلَتْ البِطاقة ولا يثقل مع اسم الله شيء".
وعن أبي أيوب -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كان كعدل محرراً أو محررين".
فضل وثواب مَن قال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مئة مرة) عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأتِ أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه".
وقال: "مَن قال حين يصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في اليوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتب له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا رجلٌ عَمِلَ أكثر منه".
وفي رواية عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتب له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد أفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك ومن قال: "سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر".
وعنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأتِ أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحدٌ قال مثل ما قال أو زاد عليه"
فضل وثواب من قال كلمة التوحيد عشر مرات: "مَن قال حين يصبح عشر مرات لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كتب الله له بها عشر حسنات ومحا عنه بها عشر سيئات وكانت كعدل عشر رقاب وأجاره الله يومه من الشيطان الرجيم وإذا أمسى فمثل ذلك حتى يُصبح".
وعن أبي أيوب -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كمَن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل".
فضل وثواب التسبيح وفضله: قال الله تعالى: "فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون".
وقال تعالى: "يسبحون الليل والنهار لا يَفتُرُونَ"، والآيات في الباب كثيرة.
معنى التسبيح: التنـزيه عما لا يليق به سبحانه وتعالى من الشريك والولد والصاحبة والنقائص وسمات الحدوث مطلقاً.
وعن أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض".
وعن جابر -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن قال: سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة".
وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: يا رسول الله أي الكلام أحب إلى الله تعالى؟ قال: "ما اصطفى الله تعالى لملائكته: سبحان ربي وبحمده سبحان الله".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن قال: سبحان الله وبحمده في يوم مئة مرة حُطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر".
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم".
وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لأن أقول سبحان والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس".
وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله؟" قلت: يا رسول الله أخبرني بأحب الكلام إلى الله فقال: "إن أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده".
وفي رواية أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سُئِل: أي الكلام أفضل قال: "ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده: سبحان الله وبحمده".
وعن أبي ذر -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قال: "يُصبح على كل سُلامي من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى".
السلامي: بضم السين المهملة وتخفيف اللام وفتح الميم: المفصل. على كل سلامى: بضم السين وتخفيف اللام وأصله عظام الأصابع وسائر الكف ثم استعمل في جميع العظام البدن ومفاصله.
وعن أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها".
قال النووي -رحمه الله تعالى-: "قوله -صلى الله عليه وسلم-: وسبحان الله تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض" وسبب عظم فضلهما ما اشتملتا عليه من التنزيه لله تعالى بقوله: سبحان الله والتفويض والافتقار إلى الله تعالى بقوله: الحمد لله والله أعلم.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقة وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة وتميط الأذى عن الطريق صدقة".
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل فمَن كبَّر الله وحمد الله وهلل وسبَّح الله واستغفر الله وعزل حجراً عن طريق الناس أو شوكة أو عظماً عن طريق الناس أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر عدد الستين والثلاثمائة فإنه يُمسي يومئذ وقد زَحزح نفسه عن النار".
قال ابن القيم الجوزية -رحمه الله تعالى-: وقلت لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- يوماً سُئل بعض أهل العلم: أيُما أنفع للعبد التسبيح أو الاستغفار؟ فقال: إذا كان الثوب نقياً فالبخور وماء الورد أنفع له وإن كان دنساً فالصابون والماء الحار أنفع له، فقال لي رحمه الله تعالى: فكيف والثياب لا تزال دنسة؟أ.هـ. الوابل الطيب.
وعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أيعجز أحدكم أن يكسب في كل يوم ألف حسنة!" فسأله سائل من جُلسائه: كيف يكسب ألف حسنة؟ قال: "يُسبح مائة تسبيحة فيُكتب له ألف حسنة أو يُحط عنه ألف خطيئة".
وعن رجل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أفضل الكلام سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر".
وعن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أحب الكلام إلى الله أربع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لا يضرك بأيهن بدأت".
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقيتُ إبراهيم ليلة أُسري بي فقال: يا محمد أقرئ أُمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء, وانها قِيعان وأن غِراسها سُبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر".
قيعان: جمع قاع وهي الأرض المستوية الخالية من الشجر. غراس جمع غرس وهو: ما يستر الأرض من البذر ونحوه. ذكر الله سبب لدخول الجنة وكلما أكثر العبد من ذكر الله كثرت غراسه في الجنة.
وعن أبي سلمة راعي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: بخٍ بخٍ لخمسٍ ما أثقلهن في الميزان لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر والولد الصالح يُتوفى للمرء المسلم فيحتسبه".
وعن أبي ذر -رضي الله عنه-، أن ناساً من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- قالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم- يا رسول الله ذهب أهل الدُثور بالأجور يُصلون كما نُصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال: "أوليست قد جعل الله لكم ما تصدقون إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكرٍ صدقة وفي بُضع أحدكم صدقة"، قالوا: يا رسول الله يأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: "أرأيتم إن وضعها في حرام أكان عليه وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر".
أهل الدثور: أي أهل الأموال والدثور: بضم الدال وجمع دثر بفتحها وهو المال الكثير والبُضع: هو بضم الباء ويطلق على الجماع ويطلق على الفرج نفسه، هو الجماع وقيل الفرج نفسه.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "وفي بضع أحدكم صدقة" وفي هذا دليل على أن المباحات تصير طاعات بالنيات الصادقات فالجُماع يكون عبادة إذا نوى به قضاء حق الزوجة ومعاشرتها بالمعروف الذي أمر الله تعالى به أو طلب ولد صالح أو إعفاف نفسه أو إعفاف الزوجة ومنعها جميعاً من النظر إلى الحرام أو الفكر فيه أو الهم به أو غير ذلك من المقاصد الصالحة.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: ذهب الدُثور بالدرجات العُلى والنعيم المقيم فقال: (وما ذاك؟) فقالوا: يُصلون كما نُصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أفلا أعلمكم شيئاً تُدركون به مَن سبقكم وتسبقون به مَن بعدكم ولا يكون أحدٌ أفضل منكم إلا مَن صنع مثل ما صنعتم؟" قالوا: بلى يا رسول الله قال: "تُسبحون وتحمدون وتُكبرون دُبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين مرة فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثلة؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ذلك فضل الله يُؤتيه مَن يشاء".
وعن جويرية -رضي الله عنها-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال: "ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟" قالت: نعم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لقد قلت بعدك كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته".
وفي رواية عن أبي أمامة -رضي الله عنه-: "ألا أدلك على ما هو أكثر من ذكرك الله الليل مع النهار؟ تقول: الحمد لله عدد ما خلق، الحمد لله ملء ما خلق الحمد لله عدد ما في السموات وما في الأرض، الحمد لله عدد ما أحصى كتابه، والحمد لله على ما أحصى كتابه، والحمد لله عدد كل شيء، والحمد لله ملء كل شيء، وتسبح الله مثلهن تعلمهن وعلمهن عقبك من بعدك".
وعن أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: قال: "إن الله اصطفى من الكلام أربعاً سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فمَن قال: سبحان الله كُتب له عشرون حسنة وحُطت عنه عشرون سيئة ومَن قال: الله أكبر فمثل ذلك ومَن قال: لا إله إلا الله فمثل ذلك ومَن قال الحمد لله ربِّ العالمين من قِبَلَ نفسه كُتبت له ثلاثون حسنة وحُطت عنه ثلاثون سيئة".
التسبيح بالأصابع أفضل من السبحة: روت يسيرة إحدى المهاجرات -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس ولا تغفلن فتنسين الرحمة وأعقدن بالأنامل فإنهن مسؤلات ومستنطقات". مسؤولات مستنطقات: يعني أنهن يشهدن بذلك فكان عقدهن بالتسبيح من هذه الحيثية أولى من السبحة والحصى ويدل على جواز عد التسبيح بالنوى والحصى.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: جامع الدعاء.. أحكام.. آداب.. ثمرات.. الثلاثاء 06 أكتوبر 2020, 4:24 pm | |
| ثواب كلمة لا حول ولا قوة إلا بالله: عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أدلك على كنـز من كنوز الجنة؟" فقلت: بلى يا رسول الله قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله".
كنـز من كنوز: سمي هذه الكلمة كنزاً لنفاستها وصيانتها، ولا حول ولا قوة إلا بالله من ذخائر الجنة ومحصلات نفائسها ويحصل لقائله ثواباً نفيساً يُدَّخر له في الجنة.
قال النووي رحمه الله تعالى: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة" قال العلماء: سبب ذلك أنها كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى واعتراف بالإذعان له وأنه لا صانع غيره ولا راد لأمره وأن العبد لا يملك شيئاً من الأمر.
ومعنى الكنـز هنا: أنه ثواب مدخر في الجنة وهو ثواب نفيس كما ان الكنـز النفيس أموالكم.
وعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا ادلك على باب من أبواب الجنة" قال: وما هو؟ قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله".
وعن قيس بن سعد بن عبادة -رضي الله عنهما-، أن أباهُ دفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يخدمه قال: فأتى عليّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد صليت ركعتين فضربني برجله، وقال: "ألا أدلك على باب من أبواب الجنة" قلت: بلى، قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله".
وعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما أسري به مر على إبراهيم عليه السلام فقال: مَن معك يا جبريل؟ قال: هذا محمد فقال له إبراهيم عليه السلام: يا محمد مُر أمتك فليُكثروا من غِراس الجنة فإن تُربتها طيبة وأرضها واسعة، قال: "ما غراس الجنة؟" قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وعن مصعب بن سعد عن أبيه -رضي الله عنه- قال: جاء أعرابي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: علمني كلاماً أقوله قال: "قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله رب العالمين، لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم" قال فهؤلاء لربي فمالي؟ قال: "قل اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني".
وعن أبي مالك الأشجعي عن أبيه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُعلم مَن أسلم يقول: "اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني".
فضل الإستغفار: رغَّب الله سبحانه وتعالى بمغفرة الذنوب وما يترتب عليها من الثواب واندفاع العقاب بعد ما يتوبوا ويستغفروا الله تعالى من ذنوبهم.
قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)). (آل عمران).
والاستغفار معناه: طلب المغفرة من الله: أ ـ بمحو الذنوب. ب ـ وستر العيوب.
فوائد الاستغفار: 1ـ أنه سبب لمغفرة الذنوب. 2ـ أنه يدفع العذاب قبل نزوله: "وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ". 3ـ أنه سبب لتفريج الهموم وجلب الأرزاق ونزول الغيث. 4ـ المحافظة على سلامة القلب من آثار الذنوب.
قال سبحانه وتعالى عن نبيه نوح: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)). (سورة نوح).
قال القرطبي: فيه ثلاث مسائل: الأولى: قوله تعالى: "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ" أي سلوه المغفرة من ذنوبكم السالفة بإخلاص الإيمان. "إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً" وهذا منه ترغيب في التوبة، وقد روى حُذَيفة بن اليمان -رضي الله عنه-: عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "الاستغفار ممحاة للذنوب"، وقال الفُضيل: يقول العبد أستغفر الله، وتفسيرها أقِلْنِي.
الثانية: قوله تعالى: "يُرْسِلِ السَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً" أي يُرسل ماء السماء، ففيه إضمار. وقيل: السماء المطر، أي يرسل المطر.
قال الشاعر: إذا سقط السماءُ بأرضِ قوم عـينـاه وإن كـانـوا غِضـابـاً و"مِدْراراً" ذَا غَيْث كثير. وجزم "يُرْسِل" جواباً للأمر.
وقال مقاتل: لما كذَّبوا نوحاً زماناً طويلاً حبس الله عنهم المطر، وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة، فهلكت مواشيهم وزروعهم، فصاروا إلى نوح عليه السلام واستغاثوا به، فقال: "اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً" أي لم يزل كذلك لمَن أناب إليه.
ثم قال ترغيباً في الإيمان: "يُرْسِلِ السَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً".
قال قتادة: علم نبيّ الله -عليه السلام- أنهم أهل حرص على الدنيا فقال: هَلُمّوا إلى طاعة الله فإن في طاعة الله درك الدنيا والآخرة.
الثالثة: في هذه الآية والتي في "هود" دليل على أن الاستغفار يستنـزل به الرزق والأمطار.
قال الشعبيّ: خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى رجع، فأمطروا فقالوا: ما رأيناك استسقيتَ؟ فقال: لقد طلبت المطر بمجاديح السماء التي يُستنـزل بها المطر، ثم قرأ: "اسْتَغْفِرُوا ربَّكُمْ إنه كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِل السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً".
وقال الأوزاعيّ: خرج الناس يستسقون، فقام فيهم بلال بن سعد فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: اللهم إنا سمعناك تقول: "مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ" وقد أقررنا بالإساءة، فهل تكون مغفرتك إلا لمثلنا? اللهم اغفر لنا وارحمنا واسقنا? فرفع يديه ورفعوا أيديهم فسُقُوا.
وقال ابن صبيح: شكا رجل إلى الحسن الجدوبة، فقال له: استغفر الله. وشكا آخر إليه الفقر فقال له: استغفر الله. وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولداً، فقال له: استغفر الله. وشكا إليه آخر جفاف بستانه، فقال له: استغفر الله.
فقلنا له في ذلك؟ فقال: ما قلت من عندي شيئاً، إن الله تعالى يقول في سورة "نوح": "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً".
وقد مضى في سورة: "آل عمران" كيفية الاستغفار، وأن ذلك يكون عن إخلاص وإقلاع من الذنوب، وهو الأصل في الإجابة.اهـ.
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيوم وأتوب إليه غُفرت ذنوبه وإن كان قد فرَّ من الزحف".
في الحديث من الفوائد: تعظيم الإستغفار، وأنه يُكفر الكبائر، وفيه: فضل المدامومة على الاستغفار.
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من عبدٍ يذنب ذنباً فيُحسن الطهور ثم يقوم فيُصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر له".
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن لزم الاستغفار جعل الله له من كل هَمّ فرجاً ومن ضيقٍ مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب".
ويذكر عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن كثرت همومه وغمومه فليُكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله".
وثبت في الصحيحين: "أنها كنـز من كنوز الجنة".
وفي الترمذي: "أنها باب من أبواب الجنة".
قال النووي -رحمه الله تعالى-: "قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: للتوبة ثلاثة شروط أن يقلع عن المعصية، وأن يندم على فعلها، وأن يعزم عزماً جازماً أن لا يعود إلى مثلها أبداً، فإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فلها شرط رابع وهو: ردّ الظلامة إلى صاحبها أو تحصيل البراءة منه والتوبة أهم قواعد الإسلام وهي: أول مقامات سالكي طريق الآخرة.
وعن أبي أيوب -رضي الله عنه- أنه قال حين حضرته الوفاة: كنت كتمت عنكم شيئاً سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقاً يذنبون فيغفر لهم".
وعنه -رضي الله عنه-، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لولا أنكم لم تكن لكم ذنوب يغفرها الله لكم لجاء الله بقوم لهم ذنوب يغفرها لهم".
عن الأغر المزني -رضي الله عنه- وكانت له صُحبة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنه ليُغان على قلبي وإني لأستغفر اللهَ في اليوم مائة مرة".
الغين هنا: ما يتغشى القلب قال القاضي: قيل المراد: الفترات والغفلات عن الذكر كان شأنه الدوام عليه فإذا فتر عنه أو غفل عدَّ ذلك ذنباً واستغفر منه.
وعن على بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: كنت رجلاً إذا سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثاً نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني، وأذا حدثني من أصحابه استحلفته فإذا حلف صدقته.
وحدَّثني أبو بكر وصدق أبو بكر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من عبد يُذنب ذنباً فيُحسن الطهور، ثم يقوم فيُصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر له" ثم قرأ هذه الآية: "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم".
وروى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي مالك، عن أبيه -رضي الله عنه-، أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- وأتاه رجل، فقال: يا رسول الله! كيف أقول حين أسأل ربّي -عز وجل-، قال: قل: "اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني" ويجمع أصابعه إلا الإبهام فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك".
وعن شداد بن أوس -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، مَن قالها من النهار مُوقناً بها فمات من يومه قبل أن يُمسي فهو من أهل الجنة، ومَن قالها من الليل وهو مُوقن بها فمات قبل أن يُصبح فهو من أهل الجنة. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: جامع الدعاء.. أحكام.. آداب.. ثمرات.. الثلاثاء 06 أكتوبر 2020, 4:26 pm | |
| شرح دعاء سيد الاستغفار: هذا الدعاء جامع لمعاني التوبة كلها مع الإقرار لله بالإلوهية والإعتراف بأنه الخالق، والإقرار بالعهد الذي أخذه عليه بما وعده به الاستعاذة من شر النفس، وإضافة النعماء إلى موجدها، وإضافة الذنب إلى نفسه، واعترافه بأنه لا يقدر على ذلك إلا هو، كل هذا مسبوك ببديع المعاني وأحسن الألفاظ ولذلك سماه الرسول -صلى الله عليه وسلم- سيد الاستغفار.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قَوْلُهُ: "سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ" قَالَ الطِّيبِيُّ: لَمَّا كَانَ هَذَا الدُّعَاءُ جَامِعًا لِمَعَانِي التَّوْبَةِ كُلِّهَا اسْتُعِيرَ لَهُ اسْمُ السَّيِّدِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الرَّئِيسُ الَّذِي يُقْصَدُ فِي الْحَوَائِجِ وَيُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي الْأُمُورِ، قَوْلُهُ: "أَنْ يَقُولَ" أَيِ الْعَبْدُ وَثَبَتَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ "إِنَّ سَيِّدَ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ" وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ شَدَّادٍ "أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى سَيِّدِ الِاسْتِغْفَارِ" وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ "تَعَلَّمُوا سَيِّدَ الِاسْتِغْفَارِ".
قَوْلُهُ: "لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي" كَذَا فِي نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ بِتَكْرِيرِ أَنْتَ وَسَقَطَتِ الثَّانِيَةُ مِنْ مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ وَوَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ "مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ" وَالْبَاقِي نَحْوُ حَدِيثِ شَدَّادٍ وَزَادَ فِيهِ: آمَنْتُ لَكَ مُخْلِصًا لَكَ دِينِي، قَوْلُهُ: "وَأَنَا عَبْدُكَ" قَالَ الطِّيبِيُّ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُؤَكَّدَةً وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُقَدَّرَةً أَيْ أَنَا عَابِدٌ لَكَ وَيُؤَيِّدُهُ عَطْفُ، قَوْلِهِ: "وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ " قَوْلُهُ "وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ" سَقَطَتِ الْوَاوُ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيدُ أَنَا عَلَى مَا عَهِدْتُكَ عَلَيْهِ وَوَاعَدْتُكَ مِنَ الْإِيمَانِ بِكَ وَإِخْلَاصِ الطَّاعَةِ لَكَ مَا اسْتَطَعْتُ مِنْ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَا مُقِيمٌ عَلَى مَا عَهِدْتَ إِلَيَّ مِنْ أَمْرِكَ وَمُتَمَسِّكٌ بِهِ وَمُنْتَجِزٌ وَعْدَكَ فِي الْمَثُوبَةِ وَالْأَجْرِ وَاشْتِرَاطُ الِاسْتِطَاعَةِ فِي ذَلِكَ مَعْنَاهُ الِاعْتِرَافُ بِالْعَجْزِ وَالْقُصُورِ عَنْ كُنْهِ الْوَاجِبِ مِنْ حَقِّهِ تَعَالَى.
وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: قَوْلُهُ "وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ" يُرِيدُ الْعَهْدَ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ حَيْثُ أَخْرَجَهُمْ أَمْثَالَ الذَّرِّ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ فَأَقَرُّوا لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَأَذْعَنُوا لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَبِالْوَعْدِ مَا قَالَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ إنَّ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا وَأَدَّى مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ.
قُلْتُ -ابن حجر- وَقَوْلُهُ: "وَأَدَّى مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ" زِيَادَةٌ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي هَذَا الْمَقَامِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمُرَادَ بِالْعَهْدِ الْمِيثَاقَ الْمَأْخُوذَ فِي عَالَمِ الذَّرِّ وَهُوَ التَّوْحِيدُ خَاصَّةً فَالْوَعْدُ هُوَ إِدْخَالُ مَنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ الْجَنَّةَ.
قَالَ ابن بطال: وَفِي قَوْلِهِ "مَا اسْتَطَعْتُ" إِعْلَامٌ لِأُمَّتِهِ أَنَّ أَحَدًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِجَمِيعِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِلَّهِ وَلَا الْوَفَاءِ بِكَمَالِ الطَّاعَاتِ وَالشُّكْرِ عَلَى النِّعَمِ فَرَفَقَ اللَّهُ بِعِبَادِهِ فَلَمْ يُكَلِّفْهُمْ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا وُسْعَهُمْ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالْعَهْدِ وَالْوَعْدِ مَا فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ كَذَا قَالَ وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ الْعَهْدِ وَالْوَعْدِ أَوْضَحُ.
قَوْلُهُ: "أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ" سَقَطَ لَفْظُ لَكَ مِنْ رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَأَبُوءُ بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْهَمْزِ مَمْدُودٌ مَعْنَاهُ أَعْتَرِفُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ شَدَّادٍ: "وَأَعْتَرِفُ بِذُنُوبِي" وَأَصْلُهُ الْبَوَاءُ وَمَعْنَاهُ اللُّزُومُ وَمِنْهُ بَوَّأَهُ اللَّهُ مَنْزِلًا إِذَا أَسْكَنَهُ فَكَأَنَّهُ أَلْزَمَهُ بِهِ.
قَوْلُهُ: "وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي" أَيْ أَعْتَرِفُ أَيْضًا وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَحْمِلُهُ بِرَغْمِي لَا أَسْتَطِيعُ صَرْفَهُ عَنِّي وَقَالَ الطِّيبِيُّ: اعْتَرَفَ أَوَّلًا بِأَنَّهُ أَنْعَمَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ أَنْوَاعَ الْإِنْعَامِ ثُمَّ اعْتَرَفَ بِالتَّقْصِيرِ وَأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ بِأَدَاءِ شُكْرِهَا ثُمَّ بَالَغَ فَعَدَّهُ ذَنْبًا مُبَالَغَةً فِي التَّقْصِيرِ وَهَضْمِ النَّفْسِ قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ "أَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي" أَعْتَرِفُ بِوُقُوعِ الذَّنْبِ مُطْلَقًا لِيَصِحَّ الِاسْتِغْفَارُ مِنْهُ لَا أَنَّهُ عَدَّ مَا قَصَّرَ فِيهِ مِنْ أَدَاءِ شُكْرِ النِّعَمِ ذَنْبًا.
قَوْلُهُ: "فَاغْفِرْ لِي إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ" يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنِ اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ غُفِرَ لَهُ وَقَدْ وَقَعَ صَرِيحًا فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ الطَّوِيلِ وَفِيهِ الْعَبْدُ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ وَتَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: "مَنْ قَالَهَا مُوقِنًا بِهَا" أَيْ مُخْلِصًا مِنْ قَلْبِهِ مُصَدِّقًا بِثَوَابِهَا وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ وَمِثْلَ قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ بُشِّرَ بِالثَّوَابِ ثُمَّ بُشِّرَ بِأَفْضَلَ مِنْهُ فَثَبَتَ الْأَوَّلُ وَمَا زِيدَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ يُبَشِّرُ بِالشَّيْءِ ثُمَّ يُبَشِّرُ بِأَقَلَّ مِنْهُ مَعَ ارْتِفَاعِ الْأَوَّلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ نَاسِخًا وَأَنْ يَكُونَ هَذَا فِيمَنْ قَالَهَا وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَغْفِرُ لَهُ بِهِ ذُنُوبَهُ أَوْ يَكُونَ مَا فَعَلَهُ مِنَ الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ لَمْ يَنْتَقِلْ مِنْهُ بِوَجْهٍ مَا وَاللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ كَذَا حَكَاهُ ابْنُ التِّينِ عَنْهُ وَبَعْضُهُ يَحْتَاجُ إِلَى تَأَمُّلٍ.
قَوْلُهُ: "وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ" فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ "فَإِنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ".
وَفِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ "لَا يَقُولُهَا أَحَدُكُمْ حِينَ يُمْسِي فَيَأْتِي عَلَيْهِ قَدَرٌ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ أَوْ حِينَ يُصْبِحُ فَيَأْتِي عَلَيْهِ قَدَرٌ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ".
قَوْلُهُ: "فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ" فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ "دَخَلَ الْجَنَّةَ" وَفِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ "إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ" قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: جَمَعَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ بَدِيعِ الْمَعَانِي وَحُسْنِ الْأَلْفَاظِ مَا يَحِقُّ لَهُ أَنَّهُ يُسَمَّى سَيِّدَ الِاسْتِغْفَارِ فَفِيهِ الْإِقْرَارُ لِلَّهِ وَحْدَهُ بِالْإِلَهِيَّةِ وَالْعُبُودِيَّةِ، وَالِاعْتِرَافُ بِأَنَّهُ الْخَالِقُ، وَالْإِقْرَارُ بِالْعَهْدِ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْهِ، وَالرَّجَاءُ بِمَا وَعَدَهُ بِهِ وَالِاسْتِعَاذَةُ مِنْ شَرِّ مَا جَنَى الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِضَافَةُ النَّعْمَاءِ إِلَى مُوجِدِهَا وَإِضَافَةُ الذَّنْبِ إِلَى نَفْسِهِ، وَرَغْبَتُهُ فِي الْمَغْفِرَةِ، وَاعْتِرَافُهُ بِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا هُوَ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ الْإِشَارَةُ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الشَّرِيعَةِ وَالْحَقِيقَةِ فَإِنَّ تَكَالِيفَ الشَّرِيعَةِ لَا تَحْصُلُ إِلَّا إِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ عَوْنٌ مِنَ اللَّهِ -تَعَالَى- وَهَذَا الْقَدَرُ الَّذِي يُكَنَّى عَنْهُ بِالْحَقِيقَةِ فَلَوِ اتَّفَقَ أَنَّ الْعَبْدَ خَالَفَ حَتَّى يَجْرِيَ عَلَيْهِ مَا قُدِّرَ عَلَيْهِ وَقَامَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ بِبَيَانِ الْمُخَالَفَةِ لَمْ يَبْقَ إِلَّا أَحَدُ أَمْرَيْنِ إِمَّا الْعُقُوبَةُ بِمُقْتَضَى الْعَدْلِ أَوِ الْعَفْوُ بِمُقْتَضَى الْفَضْلِ.
أَيْضًا مِنْ شُرُوطِ الِاسْتِغْفَارِ: صِحَّةُ النِّيَّةِ وَالتَّوَجُّهُ وَالْأَدَبُ فَلَوْ أَنَّ أَحَدًا حَصَّلَ الشُّرُوطَ وَاسْتَغْفَرَ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ الْوَارِدِ وَاسْتَغْفَرَ آخَرُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْوَارِدِ لَكِنْ أَخَلَّ بِالشُّرُوطِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ إِنَّمَا يَكُونُ سَيِّدَ الِاسْتِغْفَارِ إِذَا جَمَعَ الشُّرُوطَ الْمَذْكُورَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قال اللغوي ابن منظور -رحمه الله-: غفر الغَفُورُ الغَفّارُ جلّ ثناؤه وهما من أَبنية المبالغة ومعناهما الساتر لذنوب عباده المتجاوز عن خطاياهم وذنوبهم يقال اللهمَّ اغفر لنا مَغْفرة وغَفْراً وغُفْراناً وإنك أَنت الغَفُور الغَفّار يا أَهل المَغْفِرة وأَصل الغَفْرِ التغطية والستر غَفَرَ الله ذنوبه أَي سترها والغَفْر الغُفْرانُ.
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: قال شيخ الإسلام: العارف يسير إلى الله بين مشاهدة المنة ومطالعة عيب النفس والعمل، وهذا معنى قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح من حديث بريدة رضي الله تعالى عنه سَيِّدَ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ: "اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ" فجمع في قوله -صلى الله عليه وسلم- أَبُوءُ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي مشاهدة المنة ومطالعة عيب النفس والعمل.
فمشاهدة المنة توجب له المحبة والحمد والشكر لولي النِّعم والإحسان، ومطالعة عيب النفس والعمل توجب له الذل والانكسار والافتقار والتوبة في كل وقت وأن لا يرى نفسه إلا مفلساً.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لله تسعةٌ وتسعون اسماً مَن حَفِظَها دخل الجنة وإن الله وتر يحب الوتر".
وفي رواية ابن أبي عمر "مَن أحصاها".
قال النووي رحمه الله تعالى: قوله -صلى الله عليه وسلم- (مَن أحصاها دخل الجنة) فاختلفوا في المراد بإحصائها فقال البخاري وغيره من المحققين معناه: حفظها وهذا هو الأظهر لأنه جاء مفسراً في الرواية الأخرى (مَن حفظها) وقيل: أحصاها عدها والطاعة بكل اسمها والإيمان بها لا يقتضي عملاً وقال بعضهم: المراد حفظ القرآن وتلاوته كله لأنه مستوفٍ لها وهو ضعيف والصحيح الأول.
و قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلم يسأل الله الجنة ثلاثاً إلا قالت الجنة اللهم أدخله الجنة ومَن استجار من النار قالت النار اللهم أجره من النار".
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا رأى أحدكم ما يُعجِبه في نَفسِه أو ماله، فليبرك عليه فإن العين حق".
وقال أبو سعيد -رضي الله عنه-، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان فلما نزلتا أخذهما وترك ما سواهما.
وعن رجل قال: كنت رديف النبي -صلى الله عليه وسلم- فعثرت دابته فقلت: تَعِسَ الشيطان فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقل تَعِسَ الشيطان فإنك إذا قلت ذلك تَعاظم حتى يكون مثل البيت ويقول: بقوتي، ولكن قل: بسم الله فإنك إذا قلت ذلك تصاغر حتى يكون مثل الذباب". |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: جامع الدعاء.. أحكام.. آداب.. ثمرات.. الثلاثاء 06 أكتوبر 2020, 4:29 pm | |
| أيهما افضل الاستغفار أم التحميد؟ نعرف فضل الاستغفار وحمد الله وشكره عز وجل.. وألاحظ تركيز الكثير في المنتديات والمجالس على حث الناس على الاستغفار.. فأحببت ان اكتب هذا الموضوع للتأكيد على أهمية حمد الله وشكره.
فايهما افضل؟ أولاً: اوضح ان الدعاء نوعين: النوع الأول: دعاء الثناء ويسمى دعاء العبادة: وهو عبادة الله تعالى بأنواع العبادات، من الصلاة والذبح والنذر والصيام والصدقة والحج والتسبيح والتحميد والثناء على الله عز وجل بجميل أوصافه وآلائه وأسمائه، وجميع انواع الذكر وغيرها خوفاً وطمعاً رجاء رحمته وخوف عذابه.
النوع الثاني: دعاء المسألة: وهو سؤال العبد حاجته وطلب ما ينفعه من جلب نفع أو كشف ضر.
لنرى الآن الفرق بين الاستغفار والتحميد. 1- من حيث المعنى: الاستغفار: طلب المغفرة، فهو دعاء مسألة. والحمد: ثناء على الله وطلب المزيد، فهو دعاء ثناء ودعاء مسألة "جمع بين النوعين".
اذن من هذا الوجه التحميد افضل.. ويدل لذلك قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "أفضل الدعاء الحمد لله".
2- أوقاته: الاستغفار يتأكد في اوقات: اذا اذنب العبد، وعند الفراغ من العبادة، ووقت السحر، واذا كان في مجلس او انتهى منه. الحمد: يستحب في كل وقت، ويتأكد عند تجدد النعم.
من ناحية الثواب: فضائل الاستغفار: - تغفر به الذنوب. - تنفرج به الكروب. - تكثر به الارزاق. - طوبى لمَن وجد في صحيفته استغفارًا كثيرًا.
التحميد، له فضائل كثيرة: - احب الكلام الى الله. - احب مما طلعت عليه الشمس. - تمـــلأ الميزان. - كل تحميدة صدقة. - انها من غراس الجنة. - يزيد الله عبده من النعم والخيرات: "لئن شكرتم لأزيدنكم". - يفرج الكروب ويدفع النقم: "ما يفعل اللهُ بعذابكم إن شكرتم وآمنتم". - أفضلَ مِن مائة فِرسٍ يُحمَلُ عليها في سبيل الله ((... مَن قال: الحمد الله مائةَ مرة قبلَ طلوعِ الشمسِ, وقبلَ غُروبها, كان أفضلَ مِن مائة فِرسٍ يُحمَلُ عليها في سبيل الله. - أفضل عباد الله يوم القيامة الحمَّادون. - سبب لرضوان الله -تعالى- على العبد (إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها).
الخلاصة: فالإكثار من كلا النوعين من: "الاستغفار والتسبيح والتحميد" مطلوب في كل وقت خصوصًا في الاوقات التي يتأكد فيها، لكن يظهر أن الإكثار من التسبيح والتحميد أفضل وأعظم أثرًا من الإكثار من الاستغفار وحده. والله اعلم.
"قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: للتوبة ثلاثة شروط أن يقلع عن المعصية، وأن يندم على فعلها، وأن يعزم عزماً جازماً أن لا يعود إلى مثلها أبداً، فإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فلها شرط رابع وهو: ردّ الظلامة إلى صاحبها أو تحصيل البراءة منه والتوبة أهم قواعد الإسلام وهي: أول مقامات سالكي طريق الآخرة.
وعن أبي أيوب -رضي الله عنه- أنه قال حين حضرته الوفاة: كنت كتمت عنكم شيئاً سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقاً يذنبون فيغفر لهم".
وعنه -رضي الله عنه-، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لولا أنكم لم تكن لكم ذنوب يغفرها الله لكم لجاء الله بقوم لهم ذنوب يغفرها لهم". |
|
| |
| جامع الدعاء.. أحكام.. آداب.. ثمرات.. | |
|