أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: سورة القصص الآيات من 86-88 الثلاثاء 18 أغسطس 2020, 2:38 am | |
| وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَىٰ إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ: (٨٦) تفسير الأية: خواطر مُحَمَّد متولي الشعراوي: (ت 1418 هـ)
يعني: إذا كنت تتعجَّب، أو تستبعد أنْ نَرُدَّكَ إلى بلدك؛ لأن الكُفَّارَ يقفون لك بالمرصاد، حتى أصبحت لا تُصَدِّق أنْ تعود إليها، فانظر إلى أصل الرِّسالة معك: هل كنت تُفَكِّر أو يتسامى طُمُوحُك إلى أنْ تكون رَسُولاً؟
إنه أمر لم يكُنْ في بالك، ومع ذلك أعطاك الله إياه واختارك له، فالذي أعطاك الرسالة ولم تكُنْ في بالك كيف يحرمك من أمر أنت تحبه وتشتاق إليه؟
إذن: تقوم هذه الآية مقامَ الدليل والبرهان على صِدْق: (لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ..) (القصص: 85) وفي موضع آخر يؤكد الحق سبحانه هذا المعنى، فيقول سبحانه: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآء..) (الشورى: 52) فالذي أعطاك الرسالة لا يعجز أن يحقق لك ما تريد.
وقوله تعالى: (إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ..) (القصص: 86) هذا استثناء يسمونه استثناء منقطعاً.
والمعنى: ما كنت ترجو أن يُلْقى إليك الكتاب إنما ألقيناه، وما ألقيناه إليك إلا رحمة لك من ربك.
وما دام هؤلاء الكفار عاندوك وأخرجوك، فإياك أنْ تلين لهم: (فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً لِّلْكَافِرِينَ) (القصص: 86) أي: معيناً لهم مسانداً، وكانوا قد اقترحوا على رسول الله أن يعبد آلهتهم سنة، ويعبدون إلهه سنة، فحذره الله أنْ يُعينهم على ضلالهم، أو يجاريهم في باطلهم، لذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يناصر ظالماً أو مجرماً، حتى إن كان من أتباعه.
وسبق أن ذكرنا في تأويل قوله تعالى: (إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً) (النساء: 105) قصة اليهودي زيد بن السمين لما جاءه المسلم طُعْمة بن أبيريق، وأودع عنده دِرْعاً له، وكان هذا الدرع مسروقاً من آخر اسمه قتادة بن النعمانَ، فلما افتقده قتادة بحث عنه حتى وجده في بيت اليهودي، وكان السارق قد وضعه في كيس للدقيق، فدلَّ أثر الدقيق على مكان الدرع فاتهموا اليهودي بالسرقة، ولما عرفوا حقيقة الموقف أشفقوا أن ينتصر اليهودي على المسلم، خاصة وهم حديثو عهد بالإسلام، حريصون على ألاّ تُشوه صورته.
لذلك شرحوا لرسول الله هذه المسألة، لعله يجد لها مخرجاً، فأدار رسول الله المسألة في رأسه قبل أنْ يأخذ فيها حُكْماً؛ وعندها نزل الوحي على رسول الله: (إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ..) (النساء: 105) أي: جميع الناس، المؤمن والكافر: (بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً) (النساء: 105) أي: تخاصم من أجلهم ولصالحهم: (وَٱسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً) (النساء: 106) أي: مما خطر ببالك في هذه المسألة.
وفي بعض الآيات نجد في ظاهرها قسوة على رسول الله وشدة مثل: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ) (الحاقة: 44-46).
وكل ما يكون في القرآن من هذا القبيل لا يُقصد به سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إنما الحق سبحانه يريد أن يعطي للأمة نموذجاً يلفت أنظارهم، وكأنه تعالى يقول لنا: انتبهوا فإذا كان الخطاب لرسول الله بهذه الطريقة، فكيف يكون الخطاب لكم؟
كأن يكون عندك خادم يعبث بالأشياء حوله، فتُوجِّه الكلام أنت إلى ولدك: والله لو عبثتَ بشيء لأفعلنَّ بك كذا وكذا، فتوجِّه الزجر إلى الولد، وأنت تقصد الخادم، على حَدِّ المثل القائل: (إياك أعني واسمعي يا جارة).
لذلك يقول بعض العارفين: مَا كان في القُرآن مِنْ نِذَارةٍ إلى النبيِّ صَاحبِ البشَارةِ فكُنْ لَبيباً وافْهَم الإشَارةَ إيّاك أعني واسْمعِي يَا جَارة
يعني: اسمعوا يا أمة مُحَمَّد، كيف أخاطبه، وأُوجِّه إليه النذارة، مع أنه البشير.
ثم يقول الحق سبحانه: (وَلاَ يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ ٱللَّهِ بَعْدَ...). |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة القصص الآيات من 86-88 الثلاثاء 18 أغسطس 2020, 2:39 am | |
| وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: (٨٧) تفسير الأية: خواطر مُحَمَّد متولي الشعراوي: (ت 1418 هـ)
قوله تعالى: (وَلاَ يَصُدُّنَّكَ..) (القصص: 87) أي: لا يصرفنَّك ولا يمنعنَّك المُشركون: (عَنْ آيَاتِ ٱللَّهِ..) (القصص: 87) أي: قراءتها وتبليغها للناس، وقوله: (وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ) (القصص: 87) هذا أيضاً داخل في: (إيَّاك أعني واسمعي يا جارة) لأن رسول الله أبعد ما يكون عن الشِّرك، وليس مظنَّةً له. |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة القصص الآيات من 86-88 الثلاثاء 18 أغسطس 2020, 2:40 am | |
| وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ: (٨٨) تفسير الأية: خواطر مُحَمَّد متولي الشعراوي: (ت 1418 هـ)
قوله تعالى: (وَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ..) (القصص: 88) كسابقتها؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس مظنة أن يدعو مع الله إلهاً آخر: (لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ..) (القصص: 88) أي: لا معبودَ بحق إلا هو.
ولو كان معه سبحانه وتعالى آلهة أخرى لواجهوه: (قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً) (الإسراء: 42) أي: سَعَوْا إليه لينازعوه الألوهية، أو ليتقرَّبوا إليه.
(كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ..) (القصص: 88) الوجه في عُرْفنا ما به المواجهة في الإنسان، وكل شيء يصف به الحق سبحانه نفسه علينا أنْ نصفه سبحانه به، بناءً على وصفه في إطار قوله سبحانه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ..) (الشورى: 11).
فالحق سبحانه له وجه، لكن ليس ككل الوجوه، وهكذا في كل الصفات التي يشترك فيها الحق سبحانه مع الخَلْق، وأنت آمنتَ بوجود الله، وأن وجوده ذاتي، ليس كوجودك أنت.
وقوله: (كُلُّ شَيْءٍ..) (القصص: 88) كلمة شيء يقولون: إنها جنس الأجناس يعني: أي موجود طرأ عليه الوجود يسمى: (شيء) مهما كان تافهاً ضئيلاً.
وقد تكلم العلماء في: أيطلق على الله تعالى أنه شيء لأنه موجود؟
قالوا: ننظر في أصل الكلمة: (شيء) من شاء شيئاً، فالشيء شاءه غيره، فأوجده؛ لذلك لا يُقال لله تعالى شيء؛ لأنه سبحانه ما شاءه أحد، بل هو سبحانه موجود بذاته.
وفي آية أخرى يقول تعالى في عمومية الشيء: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ..) (الإسراء: 44) يعني: كل ما يُقال له شيء موجود سبق وجوده عدم، إلا يسبح بحمد الله، البعض قال: هو تسبيح دلالة على موجدها، وليس تسبيح مقالة حقيقية، لكن قوله سبحانه: (وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ..) (الإسراء: 44) يدل على أنه تسبيح حقيقي، فكل شيء يُسبِّح بلغته وبما يناسبه.
وقد أثبت الله تعالى منطقاً للطير وتسبيحاً للجبال، ولو فهمتَ لغة هذه الأشياء لأمكنك أنْ تعرف تسبيحها، لكن كيف نطمع في معرفة لغات الحجر والشجر، ونحن لا نفهم لغات بعضنا، فإذا لم تكن تعرف مثلاً الإنجليزية، أتعرف ماذا يقول المتحدث بها لو سبّح بها الله وهو بشر مثلك يتكلَّم بنفس طريقتك وبنفس الأصوات؟
لذلك يقولون في معجزاته -صلى الله عليه وسلم-: سبَّح الحصى في يده، والصواب أن نقول: سمع رسول الله تسبيح الحصى في يده، وإلاَّ فالحصى يُسبِّح في يد رسول الله، ويُسبِّح في يد أبي جهل.
ومن ذلك أيضاً حنين الجذع لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ثم ألم يقل الحق سبحانه: (وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ..) (النحل: 68).
ألم يَقُلْ عن الأرض: (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا) (الزلزلة: 5)؟
ألم يُثبت للنملة كلاماً؟
ألم يكلم الهدهد سليمانَ -عليه السلام-، وفهم منه سليمانُ؟
إذن: لكل جنس من المخلوقات لغته التي يفهمها أفراده عن بعض: (كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ..) (النور: 41) وإنْ شاء الله أطلع بعض خَلْقه على هذه اللغات، وأفهمه إياها.
ومعنى: (هَالِكٌ..) (القصص: 88) البعض يظن أن الهلاك خاصٌّ بما فيه روح كالإنسان والحيوان، لكن لو وقفنا عند قوله تعالى: (لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ..) (الأنفال: 42).
إذن: فالهلاك يقابله الحياة، فكل شيء يهلك كانت له حياة تناسبه، وإنْ كنا لا نفهم إلا حياتنا نحن، والتي تذهب بخروج الروح.
ومعنى: (إِلاَّ وَجْهَهُ..) (القصص: 88) أي: إلا ذاته تعالى، ولم يقُلْ: إلا هو؛ لأنه تعالى ليس شيئاً، وللوجه هنا معنى آخر، كما نقول: فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجه الله يعني: فعلت والله في بالي، فالمعنى: كل شيء هالك، إلا ما كان لوجه الله، فلا يهلك أبداً؛ لأنه يبقى لك وتنال خيره في الدنيا وثوابه في الآخرة.
ثم يقول سبحانه: (لَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (القصص: 88) أي: له الحكم في الآخرة يوم يقول: (لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ..) (غافر: 16) لكن لماذا خصَّ الملك يوم القيامة، وهو سبحانه له الملْك الدائم في الدنيا وفي الآخرة؟
قالوا: لأن هناك مُلْكاً في الدنيا، يُملِّكه لخَلْقه، كما قال سبحانه في النمرود: (أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ..) (البقرة: 258) وقال سبحانه: (تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ..) (آل عمران: 26).
إذن: فالملْك مُلْك الله، وهو سبحانه الذي يُملِّك خَلْقه في الدنيا دنيا الأسباب، لكن في الآخرة تُنزع الملكية من أيِّ أحد إلا لله وحده.
حتى إرادة الإنسان على جوارحه تُسلَب منه، فتشهد عليه بما كان منه في الدنيا.
وإنْ أردتَ أن تعرف الآن صِدْق هذه المسألة فانظر إلى الأمور القدرية التي تجري عليك، كالمرَض وكالموت وغيرها، هل تستطيع أن تتأبى عليها؟
ثم يقول سبحانه: (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (القصص: 88) أي: للحساب في الآخرة؛ لأن الله تعالى لم يخلقنا عَبثاً، ولن يتركنا هملاً، بل لا بد من الرجوع إليه ليحاسب كلاً منكم على ما قدَّم، وما دُمْتم قد عرفتم ذلك، فعليكم أن تحترموا المرجع إلى الله، وتنظروا ماذا طلب منكم.
والمُتَتَبِّعُ لهذا الفعل في القرآن يجد أنه جاء مَرَّةً مبنياً للمجهول: (تُرجعون) وهو للكافر الذي تأبَّى على الله، فنقول له: ستُرجع إلى الله، وتٌقذف في النار غَصباً عنك، ورَغْماً عن أنفك، فإنْ تأبَّيْتَ على الله في الدنيا، فلن تتأبَّى عليه في الآخرة، ويأتي مبنياً للمعلوم: (ترجعُون) وهو للمؤمن الذي يشتاق لثواب الآخرة فيتهافت بنفسه ويُقبل عليه. |
|