كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (١٠٥)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
القوم: هم الرجال خاصة، وسُمُّوا قوماً؛ لأنهم هم الذين يقومون بأهم الأشياء، ويقابل القوم النساء، كما جاء شرح هذا المعنى في قوله سبحانه: (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ..) (الحجرات: 11).
فالرجال هم القوم؛ لأنهم يقومون بأهم الأمور، وعليهم مدار حركة الحياة، والنساء يستقبلْنَ ثمار هذه الحركة، فينفقونها بأمانة ويُوجِّهونها التوجيه السليم.
والشاعر العربي أوضح هذا المعنى بقوله:
وَمَا أَدْرِي ولسْتُ إخَاَلُ أدْرِي أَقْوْمٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِسَاءُ
ونفهم أيضاً هذه القِوامة للرجل من قَوْل الله تعالى حينما وعظ آدم وحذَّره من الشيطان: (إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ..) (طه: 117) وحسب القاعدة نقول: فتشقيا.
لكن الحق -تبارك وتعالى- يقول: (فَتَشْقَىٰ) (طه: 117) أنت يا آدم وحدك في حركة الحياة، فالرجل يتحمل هذه المشقة ويكرم المرأة أن تُهَان أو تشقى، لكن ماذا نفعل وهي تريد أن تُشقِي نفسها؟! ونلحظ أن الآية تقول: (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ ٱلْمُرْسَلِينَ) (الشعراء: 105) كيف وهم ما كذّبوا إلا رسولهم نوحاً عليه السلام؟
وكانوا مؤمنين قبله بآدم وإبراهيم مثلاً.
قالوا: لأن الرسل عن الله إنما جاءوا في أصول ثابتة في العقيدة وفي الأخلاق لا تتغير في أي دين؛ لذلك فمن كذَّب رسوله فكأنه كذَّب كل الرسل، ألاَ ترى أن من أقوال المؤمنين أن يقولوا: (قُلْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (آل عمران: 84).
وقال تعالى: (آمَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ..) (البقرة: 285).
فإنْ قُلْتَ: فماذا عن اختلاف المناهج والشرائع من نبي لآخر؟
نقول: هذه اختلافات في مسائل تقتضيها تطورات المجتمعات، وهي فرعيات لا تتصل بأصل العقائد والأخلاق الكريمة.
لذلك نجد هذه لازمة في كُلِّ مواكب الرسالات، يقول: المرسِلِين، المرسَلِين؛ لأن الذي يُكذِّب رسوله فيما اتفق فيه الأجيال من عقائد وأخلاق، فكأنه كذّب جميع المرسلين.