القاعدة التَّاسعة: تعظيم ميثاق الزوجية من تعظيم حُرُمَاتِ الله 918
القاعدة التَّاسعة: تعظيم ميثاق الزوجية من تعظيم حُرُمَاتِ الله
أ. د. ناصـــر بن سليمـــان العمر
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين

قال الله سبحانه: "وَأَخَذنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا".

عقد الزوجية ميثاقٌ غليظٌ، ذلك الَّذي أحلَّ للرِّجال المعاشرة الزَّوجيَّة، وكيف لا يكون كذلك، وهو عقدٌ موثَّقٌ بكلام الله سبحانه في خطبة النكاح! قال سبحانه: (اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله) (1).

وهذا يُضفي على الزَّواج هيبةً واحترامًا، وينبني على ذلك الميثاق الغليظ أحد خيارين: "فَإِمسَاكُ بِمَعرُوفٍ" وهذا هو الأصلُ.

 فإذا وصلتِ الأمورُ إلى درجةٍ لا تُطاق فـ "تَسرِيحُ بِإِحسَان"، فانظرْ حتَّى التَّسريحُ والفِراق، في ظلِّ هذا الميثاق الغليظ، ينبغي أن يكون بتجمُّلٍ وإحسان.
 
إنَّ التَّعامل بين الزَّوجين، وبخاصَّةٍ معاملة الزَّوج لزوجته، لا يخلو من الظُّلم، فإذا تمعَّن الزّوج في دلالات هذا الميثاق الغليظ، وفي حقيقةِ أنَّ الله سبحانه وتعالى هو الَّذي سيحاسبه على نقض هذا الميثاق أو خالفه، فإنَّه عندئذٍ سيُراعي الله سبحانه عند كلِّ صغيرةٍ وكبيرة، وستكون هذه الرِّعايةُ من أعظم أسباب الصَّفاء بين الزوجين.

 ونقرِّب هذه الحقيقة بمثالٍ من واقع الحياة، فلو أنَّ رئيسًا في مؤسسة، عنده موظَّفٌ ينتمي إلى أسرةٍ لها مكانةٌ وشأنٌ كبيرٌ في المجتمع، أو كان والده ذا منصبٍ بارز في الدَّولة، فعندئذٍ سنلحظ بحسب العُرف العام، أنَّ هذا الرئيس سيجتهد في حُسن معاملة هذا الموظف، ويحذر من أن يوقع عليه أيَّ نوعٍ من أنواع الظُّلم، لأنه لا يأمن من عواقب ذلك.

فكأنّه يستشعر رقابةً عليا على تصرّفاته، ومن ثمّ يكون بعيدًا عن الوقوع في مثل هذا الخطأ الكبير، فكذلك هذه الزَّوجةُ الَّتي بين يديك، أنتَ أخذتَها بكلماتِ الله سبحانه؛ والله رقيبٌ عليك؛ فينبغي أن تعاملها بعدلٍ وإحسانٍ.

ومن ناحيةٍ أخرى، فإنَّ انتهاك هذا الميثاق الغليظ، من جملة حُرُماتِ اللهِ تعالى التي يجبُ تعظيمُها، كما نوَّه بذلك القرآنُ الكريم، قال تعالى: "ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّم حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَير لَّهُ عِندَ رَبِّهِ".

 وذلك يدل على أنَّك في معاملتك لأهلك بالأسلوب الحسن؛ احترامًا لهذا الميثاقِ، تكونُ في حالِ قُربٍ من الله وفي عبادة، ترجو منها ما ترجوه من التعبُّد إلى الله تعالى بأداء ما افترض، لو أنَّك استحضرت فيها صدق النِّيَّةَ، وابتغيتَ بها وجهَ اللهِ تعالى.

وينبني على كون معاملة الزوجةِ عبادةً، إضافةً إلى صدق النِّيَّة، شرطٌ مهمٌّ آخر، وهو أن يحرص الزَّوج على أن تكون عبادتُه، وفقَ ما أرادَ اللهُ تعالى، ووفقَ ما بيَّن الرَّسولُ (صلى الله عليه وسلم) في سُنَّته؛ وهنا يجد الأزواج في القرآن والسنة تشريعًا متكاملًا، يُبيِّن لهم قواعد الحياة الزّوجيّة، التي ينبغي أن يلتزموا بها عند كلِّ صغيرة وكبيرة (وإنّ لزوجك عليك حقَّا).

إذن، فمراعاة أن حُسنُ مُعاملة الزَّوجة، وأداء حُقوقها، من تعظيم حُدُود الله سبحانه، وتعظيم حُرُماته، يؤسس قاعدة راسخة للاستقرار الأُسريِّ، تحلُّ بسببها السَّكينة والرَّحمة والمَوَدَّةَ بين الزَّوجين، واللهُ أعلم.
--------------------------------------------
(1) جزء من حديث متفق عليه رواه البخاري (1974)، ومسلم (1159).


المصدر:
http: http://almoslim.net/tarbawi/287080