صِدْقُهُ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-:
•    وهو الذي جاء بالصدق من عند ربِّه، فكلامه صدقٌ، وسنَّته صدقٌ، ورضاه صدقٌ، وغضبه صدقٌ، ومدخله صدقٌ، ومخرجه صدقٌ، وضحكه صدقٌ، وبكاؤه صدقٌ، ويقظته صدقٌ، ومنامه صدقٌ، وكلامه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- كلُّه حقٌ وصدقٌ وعدلٌ.

•    لم يعرف الكذب في حياته جادًّا أو مازحًا، بل حرَّم الكذب، وذمَّ أهله، ونهى عنه.

    وكلُّ قوله وعمله وحاله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- مبنيٌ على الصدق، فهو صادقٌ في سلمه وحربه، ورضاه وغضبه، وجدِّه وهزله، وبيانه وحكمه.

•    صادقٌ مع القريب والبعيد، والصَّديق والعدو، والرجل والمرأة.

    صادقٌ في نفسه ومع الناس، في حضره وسفره، وحلِّه وإقامته، ومحاربته ومصالحته، وبيعه وشرائه، وعقوده وعهوده ومواثيقه، وخطبه ورسائله.

•    فهو الصادق المصدوق، الذي لم يُحفظ له حرفٌ واحدٌ غيرُ صادقٍ فيه، ولا كلمةٌ واحدةٌ خلاف الحقِّ، ولم يخالف ظاهره باطنه، بل حتى كان صادقًا في لحظاته ولفظاته وإشارات عينيه، وهو الذي يقول -لما قال له أصحابه: ألا أشرت لنا بعينك في قتل الأسير؟!: "إنَّه لا ينبغي لنبيٍّ أن يكون له خائنة أعينٍ" (34).

    فهو الصادق الأمين في الجاهلية قبل الإسلام والرسالة، فكيف حاله بالله بعد الوحي والهداية ونزول جبريل عليه السلام، ونبوَّته، وإكرام الله له بالاصطفاء والاجتباء والاختيار؟!

•    شهد له أعدى أعدائه بالصدق والأمانة؛ فهذا النَّضر بن الحارث، شيطانٌ من شياطين قريش، وممن كان يؤذي رسول الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وينصب له العداء؛ يقول لقومه: يا معشر قريشٍ، إنّه والله قد نزل بكم أمرٌ ما أتيتم له بحيلة بعد؛ قد كان محمّدٌ فيكم غلامًا حدثًا؛ أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثًا، وأعظمكم أمانةً؛ حتّى إذا رأيتم في صدغيه الشّيب، وجاءكم بما جاءكم به؛ قلتم ساحرٌ!! لا والله، ما هو بساحرٍ... (35).

ومثل هذا قاله الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة، وغيرهما من ألدِّ أعدائه وأشدِّهم كرهًا وبغضًا له (36).

•    ولقد كانت هيئته -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- تدل أبلغ دلالة على مبلغ مكانته من الصدق ورسوخ قدمه فيه؛ يدرك ذلك كل من صفت فكرته وتجرَّد عن هواه؛ فهذا الحَبر عبد الله ابن سلامٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يقول: لمَّا قدم رسول الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- المدينة انجفل النَّاس إليه، وقيل: قدم رسول الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-... فجئت في النَّاس لأنظر إليه؛ فلمَّا استثبتُّ وجه رسول الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- عرفت أنَّ وجهه ليس بوجه كذَّابٍ... (37)، فلم يسعه -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بعد ذلك إلا أن يعلن إسلامه ويتبرأ من كيد يهود.

لو لم تكن فيه آياتٌ مبينةٌ
كانت بديهته تُنبِيك بالخبر
(38)

فلقد كان صدقه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- تنبئ عنه جوارحه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قبل أن تنبئ عنه أقواله وأحواله؛ فاستقر في قلوب أصحابه رضي الله عنهم، وقد رأوا وجهه الشريف، وخبروا أقواله وأحواله كلَّها؛ فوجدوها كلَّها صدقًا وعدلاً؛ فاستيقنوا أنه الصادق في نفسه، المصدوق فيما يجيء به عن ربِّه عزَّ وجلَّ.

وصدق الله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
***