(89) إلى الأغنياء:
أمَّا أنتم أيُّهَا الأغنياءُ والموسرونَ، فإنكم خالفتُم سيرة كُلِّ ذوي الغنى واليسار من الأمم الأخرى، تلك السيرة التي أنتم بها أولى وأجرى؛ إذ أنتم تجهدون أنفسكم ليل نهار في كسب الدرهم والدِّينار، وتبذلون ما تجمعونه في سبيل الملاهي والعقار، ومظاهر الأبَّهَةِ والفخار، أو في لعب القمار، أو تكتنزونه خوفًا مِنَ الدَّهر، أنْ يُوقعكم في شرك الفقر، أو تُدْلُونَ به إلى الحُكَّامِ، طمعًا في رُتْبَةٍ أو نِيشَانٍ، أو يُسَاعِدَكُمْ على ظلْمِ فلان وفلان.

أمَّا هؤلاء فإنهم يبذلون أموالهم في نشر العلوم والصنائع، وغير ذلك من وجوه المنافع، وبذلك سادت الأمم الرَّاقية وارتقت بمقدار انحطاطكم في الهِمَمِ، أليس من الخُسران المُبين أنكم تمنعون زكاة المال ولا تؤدُّون شُكر المُنْعِمِ به عليكم، وتذهبون في كُلَّ صَيْفٍ من كُلِّ عام إلى أوروبا وتبدرونه ذات اليمين وذات الشمال في سبيل شهواتكم النفسية، وبعد صرف الدِّرْهَمِ والدِّينار تَفِدُونَ محتقبين الأوزار، والذلَّ والعار على حين أنكم ترون الأغنياء من الأمم الأخرى تَجُودُ بالمال للبعثات العلمية والدِّينية، وترقية العلوم العصرية، ماذا عليكم لو فتحتُمْ اكتتابًا لتأليف بعثةٍ دينيةٍ تُسافرُ إلى بلاد اليابان وتنشرُ التعاليم الدِّينية، والعقائد الإسلامية، على أنَّ المال لديكم لا يُوزنُ بالميزان، بل يُكالُ بالقفزان، هلا يوجد منكم ألف ولو على وجه التقريب يَجُودُ كُلُّ واحدٍ بنصف ما يصرفه في شهواته البهيمية؛ ليكون بذلك قد خدم دينه ووطنه ونفسه، أمَّا دِينَهُ فلأنه سعى في الدَّعوة إليه، وأمَّا وطنه فلأنه بفعله هذا يجعل الأمم الأخرى ترمُقُ المصريَّ بعين الاعتبار، وأمَّا نفسه فلأنَّه أكسبها فضيلةً من أعظم الفضائل.

هذه كلمتي قلتها وإنِّي على يقين بأنها لا تعدِمُ مُنْصِفًا، كشف اللهُ عن بصيرته حِجَابَ الضّلال، ولا تلبس عليه الحق بزور المَقَالِ، كما أنَّها لا تعدمُ مَنْ مِنْ خُلُقِهِ المُجادلة في اللهِ بغير علمٍ ولا هُدًى، واللهُ يُرْشِدُنَا إلَى الطّرِيقِ المُسْتَقِيمِ.