(87) كَلِمَةُ حَقٍ لَا بَأْسَ بِهَا:
إلى سمو الخديوي، إلى العُلماء، إلى الأغنياء، إنَّ الجناب الخديوي هو أكْبَرُ أمير بين أمراء المُسْلِمينَ بعد مولانا السُّلطان، بل هو سَاعِدُ الخلافة الأيْمَنِ الذي ينظرُ إليه العالم الإسلامي المُنتشر في طول البلاد وعرضها نظر الإجلال والاحترام، وإن العلماء في مصر هم مطمح أنظار مسلمي الأرض كافة؛ لأن الأزهر كما قلنا في غير موضع من هذه الرحلة هو المعهد الدِّيني الوحيد الذي يُرْسِلُ أشعة العلم إلى سائر الجهات التي يقطنها المُسْلِمون، وإنَّ الأمَّة المصرية هي الأمَّة التي حافظت على البقية الباقية من أخلاق، وعوائد، ولغة العرب، الذي نشأ الدِّين في ربوعهم، فكُلُّ أمر يهم الإسلام والمُسْلِمين يهم الجناب الخديوي والعلماء والأمَّة المصرية بنوع خصوصي لهذا الاعتبار.

ولا شك أن عقد المؤتمر الدِّيني في بلاد الشمس المُشرقة هو من الأمُور ذوات البال التي من شأن المُسْلِمين أن يجعلوها من الأهمية بمكان، والذي يذهب إلى هاتيك البلاد ويشاهد البعثات الدِّينية الأخرى المسيحية، وينظر إلى آثار أعمالها يأسف كُلَّ الأسف؛ حيث يرى مبلغ اهتمامها بأمر الدِّين المسيحي، حتى إن المبشرين يُعَدُّونَ بالمئات، ولا يُرَى مَنْ يُبِشِّرُ بالدِّين الإسلامي إلَّا نَفَرٌ يُعَدُّونَ على الأنامل ولا يتجاوزون حركات العوامل، فمَنْ لنا بِمَنْ يَضُمُّ صوته إلى صوتنا مخاطبًا أولًا سمو الأمير بقوله: يا سمو الأمير، إن الله -سبحانه وتعالى- قد وهبك من الغنى والثروة ما لم يهبْه لسواك من أمراء المُسْلِمين، وهذه الأوقاف ينمو إيرادها كُلَّ سَنَةٍ نُمُوًّا مَحسوسًا، فهل لك في أنْ تُؤَدِّي إلى الدِّين خِدْمَةً ترفعُ مِنْ ذِكْرِكَ في المَلَأِ الأعلَى وتُحَرِّكُ لسانَ كُلِّ مُسْلِمٍ بالثَّنَاءِ عليكَ؟ وهي مُمْكِنَةٌ لديكَ سهلةٌ عليكَ ألا وهيَ الجُودُ بجُزءٍ يسير من مجموع ما تستغلّهُ من كُلِّ عام في سبيل نشر لواء الإسلام في بلاد اليابان؛ إذ تُساعدُ به بعثة دينية ترسلها للتبشير به وهداية القوم إليه، يقولون يا سمو الأمير: إنَّ الناس على دين مُلُوكِهِمْ، ولا شك أنك إذا صنعت هذا اقتدى بك أغنياءُ الأمَّة، التي أنت ممثِّلٌ لها وقائدُ زمامها، فتؤلّف بدل البعثة بعثات لا سيما وأنَّ إظهارك الاهتمام بهذا الأمر يبعث في النفوس الرَّغبة في الذهاب إلى بلاد اليابان واستسهالها كُلَّ صّعْبٍ يُصادفهَا في هذا السبيل.

يقول الشاعر يا سمو الأمير:
ليس بالمغبون حظًّا
من شرى عزًّا بمال
إنما يدخر المال
لحاجات الرجال


وأيُّ عزٍّ، وأيُّ شَرَفٍ، وأيُّ فَخْرٍ بعد خدمةِ الدِّين الذي أولى بأن يُبذَل في سبيله المالُ الطارف والتالد.

يقولُ اللهُ تعالى في كتابه العزيز: "إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ"، فأيقن، ولا نخالك إلَّا موقنًا، أنك إذا صرفت درهمًا واحدًا أو دينارًا واحدًا تربحُ في مُقابلته عشرة أضعافه، بل أزْيَدَ من ذلك، واللهُ لا يُضِيعُ أجْرَ مَنْ أحْسَنَ عَمَلًا، إنَّ هذا الصوت الذي يناديك يا سمو الأمير ليس صادرًا من أحَدِ الأفراد الذين تجمعهم بك جامعة الدِّين، بل هو صَوْتُ كُلِّ مسلم عَرَفَ مركزك وأحاط علمًا بكنه منزلتك بين المُسْلِمين، فإنْ أجَبْتَ الدَّاعي وسَعَيْتَ خيرَ المَساعي فقد حقَّقتَ آمال المُسْلِمينَ فيكَ، وربحتَ ثناءهم عليك ودُعائهم لك بالرُّشد والسَّداد، هذا فضلًا عن الثواب العظيم الذي تناله من رَبِّ هذا الدِّين القويم.

إنَّ هذا الأمْرَ يا سمو الأمير ليس له أدنى تعلُّق بالسياسة ولا بشئون الحُكُومَةِ حتى يُقالَ إنَّ ظروف الأحوال تَحُولُ بين سموكم وبين اكتساب هذه المَكْرُمَةِ، وإنَّمَا هو أمْرٌ دِينِيٌ مَحْضٌ لا يُعارضُكَ فيه مُعارضٌ، ولا يُنازعكَ فيه مُنَازِعٌ، ولو كان الأمر كذلك لكان للبعثات الدِّينية الأخرى صفة سياسية وهو بخلاف الواقع.