(56) الحج:
أمَّا الحَجُّ فقد أفضنا فيه الكلام أزيد من غيره، وكنَّا نرى القوم معجبين بفضيلة الحَجِّ أكثر من غيره؛ لأننا بيَّنا لهم أن الشارع لما وجد المُسْلِمين الذين تجمعهم جامعة الدِّين هم كأفراد العائلة الواحدة كما قال تعالى: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ"، وكما قال عليه الصلاة والسلام: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا”.

وكان من شأن أفراد العائلة أن يتزاوروا ويتعهَّد بعضهم بعضًا، فرض الحج ليجتمع المُسْلِمون من كُلِّ جنس في مكان واحد، فيتعارف التركي بالصيني، والهندي بالرومي، والعربي بالإفرنجي، والمصري بالسوري، والمغربي باليمني وهلم جرًّا، ويتبادلون فيما بينهم التعارف والتوادد، ويسأل كُلُّ واحد الآخر عن أحوال بلاده وما فيها من أنواع الحضارة، والمدنية، والتجارة والزراعة وغير ذلك، وبهذا يكون المُسْلِمون كلهم كأنهم مجموعون في هذا المحل؛ إذ كل واحد يمثِّل أمته وبلاده.

وفيما كُنَّا نُبَيِّنُ لهم أنَّ الحَجَّ هو من أقوى الأسباب لتأييد الجامعة الإسلامية التي تتخوَّف منها أوروبا، وكذلك كنا نشرح لهم الحكم المودعة في المناسك كالطواف والفداء والوقوف بعرفة والنزول من منى وغير ذلك.

وفيما عدا كل هذا كنَّا نتكلم بإسهاب عن الرسالة زيادة عمَّا تقدَّم وكيف بدأت الدعوة الإسلامية، وكيف أن هذا الرسول الأمي يجيء بكتاب هو جامع لكُلِّ سعادة الأمم في الدنيا والدِّين.

وأيضًا كنا نشرح لهم الآداب الدِّينية في التحية والسلام والمعاملات بين الناس، وما في الحدود الشرعية من القَوَد كالقتل والجلد والقطع إلى غير ذلك من النصائح والمواعظ التي جاء بها القرآن الكريم.

والذي أراه أن اليابانيين لو كانوا يعرفون اللغة العربية معرفة جيدة ما كانوا يحتاجون في إسلامهم إلى مبشِّرين أو مندوبين، بل كانوا يعتنقون الدِّين الإسلامي بمجرد اطلاعهم على الكتب المؤلفة في هذا الموضوع.