(40) جَلَسَاتُ جَمْعَيِّتُنَا:
لَمَّا عقدنا أوَّلَ جَلْسَةٍ وألقى الخُطبة جناب المسيو “جازنيف”، أردفناها ببعض البيانات الواضحة عن قواعد الدِّيانَةِ الإسلامية، وعرَّفنا الحُضُورَ معنى الإسلام والغَرَضَ الذي تَرْمِي إليهِ مَبَادِئَهُ بالإجمال بصورةٍ سهلةٍ التناول على الأفهام، وبعد انفضاض الوقت المُحَدَّدِ لانعقاد الجلسة عَيَّنَّا الليلة التي تنعقد فيها الجلسة الثانية بها، ولَمَّا جاء الميعاد رأينا ازدحامًا شديدًا عن ذي قبل حتى لم يَعُدْ يوجد قَيْدَ شِبْرٍ في المكان، ولَمَّا جاء الوقت لافتتاح الجلسة أعلنَّا بافتتاحها وأخذ المسيو “جازنيف” يُلقِي عليهم ما رتَّبناهُ من البيانات والإيضاحات، وهذه مأخوذة من الكتاب والسُّنَّةِ وإجماع الأئمَّةِ بحيث لم نتعمَّق في الإيضاح، بل كان كُلُّ ما رتَّبناه من الأدلّة والبراهين والاستشهادات لا يخرج عن الأمور العقلية، وهذه البيانات كانت تُترجَم باللغة الفرنسوية والإنكليزية، وكان المسيو “جازنيف” يُلقي التي باللغة الإنكليزية على الحضور فمَنْ عَرَفَ من اليابانيين إحدى هاتين اللغتين كفى، ومَنْ لم يعرف إلَّا اليابانية تُترجَمُ له بلغته بواسطة المسيو “جازنيف” الذي أتقن اللغة الإنكليزية إتقانًا تامًّا، وكُلُّ مَنْ وَرَدَتْ عليه شُبْهَةٌ في مَوْضِعٍ كان يُرْسِلُهَا إلينا كِتَابَةً، وكُنَّا نُجِيبُ عنها كِتَابَةً أيضًا.

وبواسطة هذه الطريقة تَمَكَّنَّا من تفهيم معنى الدِّين الإسلامي، ولولا هذه الطريقة لم يعتنق الدِّين الإسلامي أحَدٌ من اليابانيين، لا سِيَّمَا وإننا كُنَّا نُفْرِغُ جُهْدَنَا في اختراع أسهل الطرُقِ وأقربها إلى الفهم حتى إنهم كانوا يدخلون في الدِّيانة الإسلامية بكثرةٍ مَادِحِي تعاليمها.

وهكذا كُنَّا نَفْعَلُ في كُلِّ جلسةٍ، وكُلّمَا زدناهم معرفةً بالدِّين الإسلامي زَادَ عددُ الذين يعتنقونه منهم، وبذلك انتشر صِيتُ جمعيَّتنا في المدينة انتشارًا عجيبًا.

وكُنَّا نسمعُ الثّنَاءَ على الإسلام من الذين اعتنقوه؛ لأنه دَلَّهُمْ على الإلَهِ الحَقّ وأخرجهم من الظلمة إلى النُّور وأوْضَحَ لَهُمُ النَّهْجَ القويم، وأنَّ تلك الشُّبَهِ وتلكَ الأجوبة عنها لو اجتمع كُلُّ المُبشِّرين من الدِّين المسيحي وفُرْضَ أنَّهَا كانت فيه لَمَا قدروا على أن يَرُدُّوا شُبْهَةً واحدةً منها، لا ِسيَّمَا الطريقة السَّهلة التي توخَّيناها في إيضاح المُبْهَمِ وحَلِّ المُعْضَلِ وزوال الالتباس ونفي الرِّيَبِ.

وليس الفَضْلُ لنا في اختيار الطريقة السَّهلة التي استعملناها في تقرير قواعد الإسلام، بل الفضلُ للسَّلفِ الصَّالح من المُسْلِمين جزاهمُ اللهُ عن الإسلام خير الجزاء.

والذي سَهَّلَ أيضًا علينا هداية القوم إلى ديننا القويم أن حالة اليابانيين الطبيعية ساعدت كثيرًا على اعتناق الإسلام؛ لأنهم قوم عندهم استعداد طبيعي لقبول كُلِّ ما يوافق العقل ونفي كُلِّ ما يخالفه مهما أثبتوه بجميع أوجه السَّفْسَطَةِ والمُوَارَبَةِ.

وأوَّلُ دليلٍ على أنَّهُمْ في استعدادٍ كَافٍ لقبُول الأوصاف الصَّحيحة حُبُّهُمْ لوطنهم هذا الحُبِّ النادر المِثَالِ؛ لأنَّ مَنْ كان هذا الشعور فيه طبيعيًّا فهو أقرَبُ إلى الهُدَى من الضلال والرُّشد من الغّيِّ.

فلَوْ كان المُسْلِمون أرسلوا وفودهم إلى اليابان قبل هذا الأوان، واستعملوا هذه الطريقة التي استعملناها لكان المُسْلِمون منهم الآن يُعَدُّونَ بالملايين لا بالألوف.
•••
أمَّا الذين اعتنقوا الإسلام على أيدينا فبلغ عددهم نحو الاثني عشر ألف رَجُلٍ، فلو كان المبشرون المُسْلِمون وفدوا إلى اليابان من زمن مديد كما بَيَّنْتُ لكان عدد المُسْلِمين أضعاف هذا العدد بكثير، ومِنَ الذين أسلموا على يدنا كثير من الحُكَّامِ والتُّجَّارِ المُعتبرين وذَوي الحيثيات، وكثير من الوسط في الأمَّة، وأوَّلُ مَنْ أسْلَمَ على يدنا جناب المسيو “جازنيف”، ثُمَّ “أترالكيبو”، و”انساتليزبو”، و”كورفاري”، وغيرهم من العظماء الذين لو كتبنا أسماءهم لاحتجنا إلى مُجلدٍ ضخم، ومنهم لم يُرِدْ تغيير اسمه الأصلي ولا تغيير اسم عائلته فعرَّفنَّاهم أن هذا لا ضرر فيه، والذين لهم زوجات تَدِينُ بالدِّين المسيحي لم يُرِدْنَ أن يًغَيِّرْنَهُ، فعرفنَّاهُمْ أيضًا أنَّ هذا جَائِزٌ في الإسلام، والذين لهم زوجاتٌ باقياتٌ على الاعتقادات الفاسدة عَرَفْنَّاهُمْ أنَّ الإسلام يَأبَى ذلك كُلَّ الإبَاءِ، مع أننا وطدنا الأمل بأن المسيحيات وغيرهن سيعتنقْنَ الدِّين الإسلامي قريبًا؛ حيث أنَّهُنَّ مُطيعاتٍ مُحِبَّاتٍ لبُعُولِهِنَّ.

هذا، وقد عقدنا جلسات جمعيتنا نحو الثُمَّاني عشرة مَرَّةً، وكُلُّ مَرَّةٍ كان يعتنقُ الإسلامَ الخلقُ الكثير كَمَا بَيَّنَا، ولَمَّا عزمنا على السَّفَرِ رَغِبَ حضرتا الفاضلين الحاج مخلص محمود، والسيد سليمان الصيني في البقاء هناك، حتى يبذلا الجُهْدَ في التَّبشير بالدِّين الإسلامي، وعرفنا أنهما سيمكُثان نحو السِّتَّة أشهر، والذي يَعْرِفُ أخَلَاقَ وعَوَائِدَ الأمَّة اليابانية ومقدار ما هُمْ عليه من ذَكَاءِ القلبِ ونور البصيرةِ، يَجْزِمُ بِأنَّهُ لا يأتِي زَمَنٌ قريبٌ حتى يُرَى منهم المُسْلِمون أضعاف المسيحيين وسُنَّةُ التدريج أيضًا تقضي بذلك.