(38) الاتفاق مع المُبَشِّرِينَ المُسْلِمينَ:
لَمَّا وفدنا إلى اليابان ووصلنا طوكيو شاع خبر وصولنا بين المُبَشِّرينَ المُسْلِمين والمسيحيين، وكان في طوكيو أحَدُ علماء وفضلاء مسلمي الهند يُدعَى السيد حسين عبد المنعم وهو شريف النَّسب، فجاء إلينا وأظهر لنا بِشْرًا زائدًا وارتياحًا من حُضُورِنَا إلى اليابان، وأخبَرنَا أنه قَدِمَ إلى هذه البلاد على نفقة بعض أفاضل مُسْلِمِي الهند للتبشير بالإسلام، وأنَّ له نحو الخمسة شهور وهو مُتشوِّقٌ إلى مَنْ يُعَضِّدَهُ ويُساعِدَهُ من المُسْلِمين في نشر لواء الإسلام ولم يجد أحَدًا؛ ولذلك كان يُقَاسِي مَتَاعِبَ شَتَّى شأنَ المُنفردِ في عمل جليل يحتاجُ إلى مُعِين، فاتَفقنا جميعًا على أنْ نكونَ يدًا واحدةً وأنْ نؤلِّفّ جمعية، وفعلًا تَمَّ الاتفاقُ وصار هو الخامس لنا.

وبعد هذا الاتحاد والاتفاق قرَّرْنَا أن نستأجِرَ مَحِلًّا لسُكْنانا أوَّلًا، وليكون مَحِلًّا للجمعيَّة ثانيًا، ثُمَّ بعد ذلك أخذنا نبحث على المَحِلِّ المُوافق، وفي أثناء البحث حصل التَّعارُفَ بين حضرة السيد حسين عبد المنعم وبين رجل ياباني من مشاهير التُّجَّارِ بطوكيو يُدعَى المسيو “جازنيف” وهو على جانب عظيم من الفِطْنَةِ والذكاء وطِيبِ النَّفس وكَرَمِ الأخلاق.

وصَادَفَ أنَّهُ سأل حضرة السيد حسين عن الغرض من أخذ المَنْزِلِ، فَعَرَّفَهُ بأنَّنَا مُسلِمُونَ، ونُريدُ أن نأخذ منزلًا للسُّكنَى وللجمعية فما كان من هذا الرجل الأرْيَحِيِّ إلَّا أن طلب من حضرة السيد حسين أن يقابله معنا، ولَمَّا حضر معه قابلنا بالترحيب ولَمَّا استقرَّ به المُقام طلب مِنَّا أن نشرحَ له قواعد الإسلام، ونُبَيِّنَ له أمر تفضيله على سائر الأديان، فكان حضرة السيد حسين يُتَرْجِمَ باللغة الإنكليزية ما تُقرِّرَهُ جمعيتنا، فلمَّا وقف هذا الياباني على حقيقة الدِّين الإسلامي وذاق حلاوته في قلبه فلم يلبث إلَّا أنْ قال لنا: اعتبروني من الآن في عِدَادِ المُسْلِمين، فلقنَّاه الشهادة وهنَّأنَاهُ على خروجه من الظلمات إلى نُورِ الإيمان وبذلك حصل لنا كلنا السُّرُورَ التَّام واستبشرنا بنجاح الآمال، وبعد أن أسلم قال لنا: إنِّي في استعداد تامٍّ إلى كُلِّ ما تُكلّفونني به من المصالح، كما أنِّي تَبَرَّعْتُ لكم ولجمعيتكم بمنزل هو ملك لي لا أطلب منكم أجرته ما دُمْتُمْ هنا، وهذا كله إكرامٌ لهذا الدِّين الذي باعتناقي إيَّاهُ أصبحتُ أسْعَدَ السُّعدَاءِ.

فَقَابَلْنَاهُ بالشُّكْرِ على كَرَمِهِ الحَاتِميِّ، ودَعَوْنَا له بالتوفيق وصار هذا الرجل كلِفًا بنا لا يُفارِقُنَا إلَّا في الأوقات التي يضطرُّ فيها إلى مُفارقتنا، ثُمَّ قام في الحال وأعَدَّ لنا المنزل وأحضر لنا خَادِمًا من النُّزَلَاءِ الأمريكانيين، أمَّا المنزلُ فهو دَوْرٌ وَاحِدٌ ولكنَّهُ مُزَخْرَفُ البناء، وكله مفروش بأفخر الفراش وبه صالون فسيح جعلناه مَحِلَّ انعقاد الجمعية، والمنزلُ في شارع “باليستيو” فأقمنا فيه طولَ المُدَّةِ التي أقمناها في بلاد اليابان.