(34) يوكوهاما:
هي كائنة في مقاطعة “موزاسي” من جزيرة “تببن” على الشاطئ الشمالي الغربي لخليج طوكيو، وهذه المدينة قاعدة مقاطعة “كنديكانافا كا”، وكانت في سالف العصر آهلةً بالسُّكَّان الذين أغلبهم كانوا صيادين، ثُمَّ أخذت تتقادم شيئًا فشيئًا من سنة 1859 نظرًا لموقعها التجاري الحربي، حتى إنها حَلَّتْ مَحَلّ “كنديكانافا كا”، وقد مَرَّتْ عليهما حوادث زمنية كثيرة أشهرها الحادثة التي أُحْرِقت فيها وذلك سنة 1866، ثُمَّ جُدِّدَ بناؤها مرَّة ثانية وسكانها خليط من الأهالي الوطنيين، والصينيين، والأوروبيين، وكُلُّ فريق يسكن أهله في جهة مخصوصة على حسب الرابطة الجنسية، وبها كنائس كثيرة للكاثوليك، ومعابد للبروتوستانت ومستشفيات كثيرة، وهي أول مدينة في اليابان مُدَّ فيها الخط التلغرافي في 25 ديسمبر سنة 1869، وسنة 1870 مُدَّ التلغراف بينها وبين طوكيو، وفي سنة 1872 مُدَّ منها خط سِكَّةٍ حديديَّةٍ إلى طوكيو.
•••
ولَمَّا ألقتْ الباخرةُ المراسيَ بها، حمدنا الله -سبحانه وتعالى- على وصولنا بالسلأمَّة، وهناك وجدنا في انتظارنا حضرة الفاضل الحاج مخلص محمود الرُّوسِي، وكان بعث إليه حضرة المولوي السيد سليمان الصيني بخطاب يخبره فيه بقدومه إلى اليابان ويُعرِّفه فيه بانتظاره في يوكوهاما، وبعد التعارف به بواسطة السيد سليمان رأيت منه رجلًا فاضلًا، عاقلًا، كاملًا، مُهَذَّبًا، حاويًا لكل الصفات التي تُحَبِّبُ المَرْءَ إلى النفوس، وتُحِلُّهُ منها مَحَلَّ الاعتبار، وقد نزلنا في فندق بجوار الإدارة البحرية، ومكثنا يومين رَيْثُمَّا أخذْنا لأنفسنا الرَّاحَة من عناء السَّفر.

وقد أخَذَتْ هذه المدينةُ زُخْرُفَهَا من المدنية ودلائل الحضارة إلى درجة راقية خصوصًا الأنوار الكهربائية التي تسطع فيها إذا توارت الشمس بالحجاب، وشوارعها مُتَّسِعَة مفروشة بالبلاط، ولقد لاقينا من البرد فيها ما لا يطيقه إلَّا مَنْ أقام كثيرًا في هذه الأصقاع واعتاد جسمه على احتمال بردها القارص، ثُمَّ بعد يومين غادرناها على قطار السِّكَّة الحديديَّة قاصدين “طوكيو”.