(18) زيارتي لسمو باي تونس:
أرَدْتُ زيارة صاحب السمو محمد باشا الناصر باي تونس الأفخم، فقصدتُ السراي المُقيم فيها، وهي في ضواحي مدينة تونس بمحلٍّ يُقالُ له سيدي أبي سعيد بالمرسي وهو يبعد عن تونس بمقدار نصف ساعة، والوصول إليها بطريق السكة الحديدية كما يذهب أحدُنا من العاصمة إلى المطرية عن طريق خطها الحديدي، ولَمَّا وصلْتُ إلى السَّراي بعثتُ بكارت إلى ديوان التشريفات وبعد قليلٍ حَضَرَ إليَّ أحَدُ مُعايني الحضرة العلية كما يلقبونه بذلك في تونس، ولَمَّا تقابلنا لقيني بكُلِّ حفاوةٍ دَلَّتْ على كرم أخلاقه، وأدب نفسه، وربما كانت هذه الحفاوة دليلًا على كرم أخلاق سيده، وبعد تبادل التحية أخبرته بأني أريد أن أتشرَّف بمقابلة سمو الباي فعرَّفني أن ذلك غير ممكن؛ لأنه لا يُصرَّح للأغراب بأن يقابلوا سموَّه إلَّا بعد أن يُعرَضُ الأمر على الحكومة، فالذي يريد المقابلة من الأغراب يذهب أولًا إلى السفارة الفرنسوية، ويُطلِعُ السفير على الغرض الذي لأجله يريد مقابلة سمو الباي، وحينئذٍ يكون للحكومة حقُّ التصريح بالمقابلة أو منعها، أمَّا أهل تونس فإنهم يقابلون سموه أنَّى شاءوا بغير إذن من السفير، ولا توضيح للأغراض التي يريدون محادثته فيها.

فأسِفْتُ جدًّا على هذه الحالة، ودَعَوْتُ اللهَ سبحانه وتعالى أن يأخذ بيد أمراء المُسْلِمين في كُلِّ بقاع الأرض، ولا داعي إلى ذكر المُعايِن الذي أخبرني بذلك لأنه يجوز أن تنتقم منه فرنسا، وبعد ذلك ذهبتُ من السَّراي وودَّعتُ هذا الرجل، وقد عرفت رجلًا فاضلًا من الحاشية وهو السيد عثُمَّان التركي أحد معايني الحضرة العلية كمثل سابقه.