أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: قصة تحويل القبلة (فلنولينك قبلة ترضاها) الثلاثاء 31 مارس 2020, 11:54 pm | |
| قصة تحويل القبلة (فلنولينك قبلة ترضاها)
عندما فُرضت الصلاة على المسلمين و الرسول -صلى الله عليه وسلم- فى رحلة الإسراء و المعراج، كانت قبلتهم نحو البيت المقدس وظل المسلمون طيلة العهد المكّي يتوجّهون في صلاتهم إلى بيت المقدس؛ امتثالاً لأمر الله سبحانه وتعالى، الذي أمر باستقبالها، وجعلها قبلةً للصلاة. وفي تلك الأثناء كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم– يمتثل الحكم الإلهي وفي فؤاده أمنية كبيرة طالما ظلّت تراوده، وتتمثّل في التوجّه إلى الكعبة بدلاً من بيت المقدس، ذلك لأنها قبلة أبيه إبراهيم -عليه السلام- وهو أولى الناس به، وأوّل بيتٍ وضع للناس للناس، ولحرصه على أن تتميّز الأمَّةُ الإسلامية في عبادتها عن غيرها من الأمم التي حرَّفت وبدَّلت ويدلُّ على ذلك قول البراء بن عازب رضي الله عنه: "وكان يُحِبُّ أن يوجّه إلى الكعبة" رواه البخاري.
وما كان لرسول الله –صلى الله عليه وسلم– وهو العبد المأمور أن يخالف أمر ربّه، بيد أنه استطاع الجمع بين رغبته في التوجّه إلى الكعبة وعدم مخالفة الأمر بالتوجّه إلى بيت المقدس بأن يصلّي أمام الكعبة ولكن متّجها إلى الشمال، بأن كان يستقبل القبلة من الركن اليمانى فيكون متوجها نحو الكعبة وفى نفس الوقت نحو البيت المقدس كما يدلّ عليه الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنه حيث قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي وهو بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه" رواه أحمد.
ثم أذن الله بالهجرة، ووصل المسلمون إلى المدينة، وبُنيت المساجد، وشرع الأذان، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لم ينس حبّه الأوّل للكعبة، ويحزنه ألا يستطيع استقبال القبلتين جميعاً كما كان يفعل في مكّة، وكان شأنه بين أن يخفض رأسه خضوعاً لأمر ربّه وأن يرفعه أملاً في إجابة دعوته، ويصف القرآن الكريم حال النبي –صلى الله عليه وسلم– بقوله: (قد نرى تقلب وجهك في السماء) (البقرة: 144) وفي منتصف شعبان، وبعد مرور ستة عشر شهراً من استقبال بيت المقدس، نزل جبريل عليه السلام بالوحي إلى النبي –صلى الله عليه وسلم– ليزفّ البشرى بالتوجّه إلى جهة الكعبة، قال تعالى: (فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره) (البقرة: 144).
ويحدّث الصحابي الجليل البراء بن عازب رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أول ما قدم المدينة نزل على أخواله من الأنصار، وأنه صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبَل البيت، وأنه صلّى -أول صلاة صلاها- صلاة العصر، وصلى معه قومٌ، فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قِبَل مكة فداروا كما هم قِبَل البيت، رواه البخاري.
وعلى الرغم من انتشار الخبر وذيوعه، إلا أنّه تأخّر عن أهل قباء حتى صلاة الصبح، فجاء إليهم رجل فقال: "أنزل الله على النبي -صلى الله عليه وسلم- قرآنا أن يستقبل الكعبة فاستقبِلُوها"، فتوجَّهوا إلى الكعبة، رواه البخاري.
ولأنّ نسخ الأحكام لم يكن معهوداّ عند المسلمين من قبل، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: "...فأول ما نسخ من القرآن القبلة"، رواه النسائي.
لذلك كرَّرَ اللهُ الأمرَ بها تأكيداً وتقريراً ثلاث مرّات: الأولى في قوله تعالى: (فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره) (البقرة: 144).
والثانية في قوله تعالى: (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون) (البقرة: 149).
والثالثة في قوله تعالى: (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم) (البقرة: 150).
وقد تباينت ردود أفعل الناس تجاه هذا الحادث غير المألوف، أما المؤمنين فلم يترددوا لحظة عن التحوّل طاعةً لله ورسوله، فامتدحهم الله تعالى، وبيّن لهم أن هذه الحادثة إنما كانت اختبارا للناس وامتحاناً لهم كما قال تعالى: (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله) (البقرة: 143).
وأظهر بعض المسلمين القلق على من لم يكتب الله له شرف الصلاة إلى الكعبة ممن مات قبلهم، وخافوا من حبوط أعمالهم، وقالوا: يا رسول الله كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس،؟ فأنزل الله: (وما كان الله ليضيع إيمانكم) (البقرة: 143). -يعني صلاتكم- رواه الترمذي وأصله في الصحيح. وأمَّا اليهود فقد عابوا على المسلمين رجوعهم عن بيت المقدس إلى الكعبة، وقابلوا ذلك بالسخرية والاستهجان، واستغلّوا ذلك الحدث بدهاءٍ ليمرّروا من خلاله الشكوك والتساؤلات طعناً في الشريعة وتعميةً لحقائقها، وقد حذّر الله سبحانه وتعالى المسلمين وأخبرهم بموقف اليهود قبل وقوعه فقال: (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) (البقرة: 142).
وهكذا تحقّق للمسلمين فضل التوجّه إلى القبلتين جميعاً، واستطاعوا أن يجتازوا هذا الامتحان الإلهي، وبذلك نالوا شهادة الله: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) (البقرة: 143)، وكان ذلك التحوّل إيذاناً بنهاية الشرك وسقوط رايته، وأصبحت الكعبة قبلةً للمسلمين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
|
|