منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة الإسراء الآيات من 006-010

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة الإسراء الآيات من 006-010 Empty
مُساهمةموضوع: سورة الإسراء الآيات من 006-010   سورة الإسراء الآيات من 006-010 Emptyالسبت 11 يناير 2020, 11:22 pm

ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (٦)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

الخطاب في هذه الآية مُوجَّه لبني إسرائيل، والآية تمثل نقطة تحوُّل وانقلاب للأوضاع، فبعد أن تحدثنا عنه من غلبة المسلمين، وأن الله سلّطهم لتأديب بني إسرائيل، نرى هنا أن هذا الوضع لم يستمر؛ لأن المسلمين تخلَّوْا عن منهج الله الذي ارتفعوا به، وتَنصَّلوا من كَوْنهم عباداً لله، فدارت عليهم الدائرة، وتسلّط عليهم اليهود، وتبادلوا الدور معهم؛ لأن اليهود أفاقوا لأنفسهم بعد أن أدبهم رسول الله والمسلمون في المدينة، فأخذوا ينظرون في حالهم وما وقعوا فيه من مخالفات.

ولابُدّ أنه قد حدث منهم شبه استقامة على منهج الله، أو على الأقل حدث من المسلمين انصراف عن المنهج وتنكُّب للطريق المستقيم، فانحلَّتْ الأمور الإيمانية في نفوس المسلمين، وانقسموا دُوَلاً، لكل منها جغرافياً، ولكل منها نظام حاكم ينتسب إلى الإسلام، فانحلّتْ عنهم صِفَة عباد الله.

فبعد قوتهم واستقامتهم على منهج الله، وبعد أن استحقوا أن يكونوا عباداً لله بحق تراجعت كِفتهم وتخلَّوْا عن منهج ربهم، وتحاكموا إلى قوانين وضعية، فسلَّط عليهم عدوهم ليؤدّبهم، فأصبحتْ الغلبة لليهود؛ لذلك يقول تعالى: (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ) (الإسراء: 6).

و (ثُمَّ) حرف عطف يفيد الترتيب مع التراخي، على خلاف الفاء مثلاً التي تفيد الترتيب مع التعقيب، ومن ذلك قوله تعالى: (ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ) (عبس: 21-22).

فلم يَقُل الحق سبحانه: فرددنا، بل (ثُمَّ رَدَدْنَا).

ذلك لأن بين الكَرَّة الأولى التي كانت للمسلمين في عهد رسول الله، وبين هذه الكَرَّة التي كانت لليهود وقتاً طويلاً.

فلم يحدث بيننا وبينهم حروب لعدة قرون، منذ عصر الرسول إلى أن حدث وَعْد بلفور، الذي أعطى لهم الحق في قيام دولتهم في فلسطين، وكانت الكَرَّة لهم علينا في عام 1967، فناسب العطف بـ "ثم" التي تفيد التراخي.

والحق سبحانه يقول: (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ) (الإسراء: 6).

أي: جعلنا لبني إسرائيل الغَلَبَة والقوة والنصر على المسلمين وسلّطناهم عليهم؛ لأنهم تخلوْا عن منهج ربهم، وتنازلوا عن الشروط التي جعلتْهم عباداً لله.

و(الكَرَّة) أي: الغلبة من الكَرِّ والفَرِّ الذي يقوم به الجندي في القتال، حيث يُقِدم مرة، ويتراجع أخرى.

وقوله تعالى: (وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) (الإسراء: 6).

وفعلاً أمدّهم الله بالمال حتى أصبحوا أصحاب رأس المال في العالم كله، وأمدّهم بالبنين الذين يُعلِّمونهم ويُثقّفونهم على أعلى المستويات، وفي كل المجالات.

ولكن هذا كله لا يعطيهم القدرة على أن تكون لهم كَرَّة على المسلمين، فهم في ذاتهم ضعفاء رغم ما في أيديهم من المال والبنين، ولابُدَّ لهم لكي تقوم لهم قائمة من مساندة أنصارهم وأتباعهم من الدول الأخرى، وهذا واضح لا يحتاج إلى بيان منذ الخطوات الأولى لقيام دولتهم ووطنهم القومي المزعوم في فلسطين، وهذا معنى قوله تعالى: (وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) (الإسراء: 6).

فالنفير مَنْ يستنفره الإنسان لينصره، والمراد هنا الدول الكبرى التي ساندتْ اليهود وصادمتْ المسلمين.

وما زالت الكَرَّة لهم علينا، وسوف تظل إلى أنْ نعود كما كُنَّا، عباداً لله مُسْتقيمين على منهجه، مُحكِّمين لكتابه، وهذا وَعْد سيتحقّق إنْ شاء الله، كما ذكرتْ الآية التالية: (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا...).



سورة الإسراء الآيات من 006-010 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة الإسراء الآيات من 006-010 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الإسراء الآيات من 006-010   سورة الإسراء الآيات من 006-010 Emptyالسبت 11 يناير 2020, 11:23 pm

إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (٧)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وما زال الخطاب مُوجّهاً إلى بني إسرائيل، هاكم سُنّة من سنن الله الكونية التي يستوي أمامها المؤمن والكافر، وهي أن مَنْ أحسن فله إحسانه، ومَنْ أساء فعليه إساءته.

فها هم اليهود لهم الغَلبة بما حدث منهم من شبه استقامة على المنهج، أو على الأقل بمقدار ما تراجع المسلمون عن منهج الله؛ لأن هذه سُنّة كونية، مَنِ استحق الغلبة فهي له؛ لأن الحق سبحانه وتعالى مُنزّه عن الظلم، حتى مع أعداء دينه ومنهجه.

والدليل على ذلك ما أمسى فيه المسلمون بتخليهم عن منهج الله.

وقوله تعالى: (إِنْ أَحْسَنْتُمْ) (الإسراء: 7).

فيه إشارة إلى أنهم في شَكٍّ أنْ يُحسِنوا، وكأن أحدهم يقول للآخر: دَعْكَ من قضية الإحسان هذه.

فإذا كانت الكَرَّة الآن لليهود، فهل ستظل لهم على طول الطريق؟

لا.

لن تظل لهم الغَلبة، ولن تدوم لهم الكرّة على المسلمين، بدليل قول الحق سبحانه وتعالى: (فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ) (الإسراء: 7).

أي: إذا جاء وقت الإفسادة الثانية لهم، وقد سبق أنْ قال الحق سبحانه عنهم: (لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ..) (الإسراء: 4) وبينّا الإفساد الأول حينما نقضوا عهدهم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المدينة.

وفي الآية بشارة لنا أننا سنعود إلى سالف عهدنا، وستكون لنا يقظة وصَحْوة نعود بها إلى منهج الله وإلى طريقه المستقيم، وعندها ستكون لنا الغَلبة والقوة، وستعود لنا الكَرَّة على اليهود.

وقوله تعالى: (لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ) (الإسراء: 7).

أي: نُلحق بهم من الأذى ما يظهر أثره على وجوههم؛ لأن الوجه هو السِّمة المعبّرة عن نوازع النفس الإنسانية، وعليه تبدو الانفعالات والمشاعر، وهو أشرف ما في المرء، وإساءته أبلغ أنواع الإساءة.

وقوله تعالى: (وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ) (الإسراء: 7) أي: أن المسلمين سيدخلون المسجد الأقصى، وسينقذونه من أيدي اليهود.

(كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ) (الإسراء: 7).

المتأمل في هذه العبارة يجد أن دخولَ المسلمين للمسجد الأقصى أول مرة كان في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، ولم يكن الأقصى وقتها في أيدي اليهود، بل كان في أيدي الرومان المسيحيين.

فدخوله الأول لم يكُنْ إساءةً لليهود، وإنما كان إساءة للمسيحيين، لكن هذه المرة سيكون دخول الأقصى، وهو في حوزة اليهود، وسيكون من ضمن الإساءة لوجوههم أن ندخل عليهم المسجد الأقصى، ونُطهِّره من رِجْسهم.

ونلحظ كذلك في قوله تعالى: (كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ) (الإسراء: 7) أن القرآن لم يقُلْ ذلك إلا إذا كان بين الدخولين خروج.

إذن: فخروجنا الآن من المسجد الأقصى تصديق لِنُبوءَة القرآن، وكأن الحق سبحانه يريد أنْ يلفتنا: إنْ أردتُمْ أنْ تدخلوا المسجد الأقصى مرة أخرى، فعودوا إلى منهج ربكم وتصالحوا معه.

وقوله تعالى: (فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ) (الإسراء: 7).

كلمة الآخرة تدلُّ على أنها المرة التي لن تتكرر، ولن يكون لليهود غَلَبة بعدها.

وقوله تعالى: (وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً) (الإسراء: 7).

يتبروا: أي: يُهلكوا ويُدمِّروا، ويُخرِّبوا ما أقامه اليهود وما بنَوْهُ وشيَّدوه من مظاهر الحضارة التي نشاهدها الآن عندهم.

لكن نلاحظ أن القرآن لم يقُلْ: ما علوتُم، إنما قال (مَا عَلَوْاْ) ليدل على أن ما أقاموه وما شيدوه ليس بذاتهم، وإنما بمساعدة مَنْ وراءهم من أتباعهم وأنصارهم، فاليهود بذاتهم ضعفاء، لا تقوم لهم قائمة، وهذا واضح في قَوْل الحق سبحانه عنهم: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ..) (آل عمران: 112).

فهم أذلاء أينما وُجدوا، ليس لهم ذاتية إلا بعهد يعيشون في ظِلِّه، كما كانوا في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المدينة، أو عهد من الناس الذين يدافعون عنهم ويُعاونونهم.

واليهود قوم منعزلون لهم ذاتية وهُويّة لا تذوب في غيرهم من الأمم، ولا ينخرطون في البلاد التي يعيشون فيها؛ لذلك نجد لهم في كل بلد يعيشون به حارة تسمى "حارة اليهود"، ولم يكن لهم ميْلٌ للبناء والتشييد؛ لأنهم كما قال تعالى عنهم: (وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً..) (الأعراف: 168).

كل جماعة منهم في أمة تعيش عيشة انعزالية، أما الآن، وبعد أنْ أصبح لهم وطن قومي في فلسطين على حَدِّ زعمهم، فنراهم يميلون للبناء والتعمير والتشييد.

ونحن الآن ننتظر وَعْد الله سبحانه، ونعيش على أمل أن تنصلح أحوالنا، ونعود إلى ساحة ربنا، وعندها سينجز لنا ما وعدنا من دخول المسجد الأقصى، وتكون لنا الكرّة الأخيرة عليهم، سيتحقق لنا هذا عندما ندخل معهم معركة على أسس إسلامية وإيمانية، لا على عروبة وعصبية سياسية، لتعود لنا صِفَة العباد، ونكون أَهْلاً لِنُصْرة الله تعالى إذن: طالما أن الحق سبحانه قال: (فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ) (الإسراء: 7).

فهو وَعْد آتٍ لا شَكَّ فيه، بدليل أن هذه العبارة جاءت بنصِّها في آخر السورة في قوله تعالى: (وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً) (الإسراء: 104).

والمتأمل لهذه الآية يجد بها بشارة بتحقُّق وَعْد الله، ويجد أن ما يحدث الآن من تجميع لليهود في أرض فلسطين آية مُُرادة لله تعالى ومعنى الآية أننا قُلْنا لبني إسرائيل من بعد موسى: اسكنوا الأرض وإذا قال لك واحد: اسكُنْ فلابُدَّ أن يُحدد لك مكاناً من الأرض تسكن فيه فيقول لك: اسكن بورسعيد.       

اسكن القاهرة.       

اسكن الأردن.

أما أن يقول لك: اسكن الأرض!!

فمعنى هذا أن الله تعالى أراد لهم أنْ يظلُّوا مبعثرين في جميع الأنحاء، مُفرَّقين في كل البلاد، كما قال عنهم: (وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً..) (الأعراف: 168).

فتجدهم منعزلين عن الناس منبوذين بينهم، كثيراً ما تُثار بسببهم المشاكل، فيشكو الناس منهم ويقتلونهم، وقد قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ..) (الأعراف: 167).

وهكذا سيظل اليهود خميرة عكننة ونكَدٍ بين سكان الأرض إلى يوم القيامة، وهذه الخميرة هي في نفس الوقت عنصر إثارة وإهاجة للإيمان والخير؛ لأن الإسلام لا يلتفت إليه أهله إلا حين يُهَاج الإسلام، فساعة أنْ يُهَاجَ تتحرك النزعة الإيمانية وتتنبّه في الناس.

إذن: فوجود اليهود كعنصر إثارة له حكمة، وهي إثارة الحيوية الإيمانية في النفوس، فلو لم تُثَر الحيوية الإيمانية لَبهتَ الإسلام.

وهذه هي رسالة الكفر ورسالة الباطل، فلوجودهما حكمة؛ لأن الكفر الذي يشقى الناس به يُلفِت الناس إلى الإيمان، فلا يروْنَ راحة لهم إلا في الإيمان بالله، ولو لم يكُنْ الكفر الذي يؤذي الناس ويُقلق حياتهم ما التفتوا إلى الإيمان.

وكذلك الباطل في الكون بعض الناس ويُزعجهم، فيلتفتون إلى الحق ويبحثون عنه.

وبعد أن أسكنهم الله الأرض وبعثرهم فيها، أهاج قلوب أتباعهم من جنود الباطل، فأوحَوْا إليهم بفكرة الوطن القومي، وزيَّنُوا لهم أولى خطوات نهايتهم، فكان أن اختاروا لهم فلسطين ليتخذوا منها وطناً يتجمعون فيه من شتى البلاد.

وقد يرى البعض أن في قيام دولة إسرائيل وتجمّع اليهود بها نكايةً في الإسلام والمسلمين، ولكن الحقيقة غير هذا، فالحق سبحانه وتعالى حين يريد أن نضربهم الضربة الإيمانية من جنود موصوفين بأنهم: (عِبَاداً لَّنَآ..) (الإسراء: 5).

يلفتنا إلى أن هذه الضربة لا تكون وهم مُفرّقون مُبعْثرون في كل أنحاء العالم، فلن نحارب في العالم كله، ولن نرسل عليهم كتيبة إلى كل بلد لهم فيها حارة أو حي، فكيف لنا أن نتتبعهم وهم مبعثرون، في كل بلد شِرْذمة منهم؟

 إذن: ففكرة التجمُّع والوطن القومي التي نادى بها بلفور وأيَّدتْها الدول الكبرى المساندة لليهود والمعادية للإسلام، هذه الفكرة في الحقيقة تمثل خدمة لقضية الإسلام، وتُسهِّل علينا تتبعهم وتُمكّننا من القضاء عليهم؛ لذلك يقول تعالى: (فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً) (الإسراء: 104).

أي: أتينا بكم جميعاً، نضمُّ بعضكم إلى بعض، فهذه إذن بُشرى لنا معشر المسلمين بأن الكَرَّة ستعود لنا، وأن الغلبة ستكون في النهاية للإسلام والمسلمين، وليس بيننا وبين هذا الوعد إلا أن نعود إلى الله، ونتجه إليه كما قال سبحانه: (فَلَوْلاۤ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ) (الأنعام: 43).

والمراد بقوله هنا: (وَعْدُ ٱلآخِرَةِ) (الإسراء: 7).

هو الوعد الذي قال الله عنه: (فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ) (الإسراء: 7).

ثم يقول الحق سبحانه: (عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا...).



سورة الإسراء الآيات من 006-010 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة الإسراء الآيات من 006-010 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الإسراء الآيات من 006-010   سورة الإسراء الآيات من 006-010 Emptyالسبت 11 يناير 2020, 11:24 pm

عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (٨)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

و (عَسَى) حَرْف يدلّ على الرجاء، وكأن في الآية إشارةً إلى أنهم سيظلون في مذلّة ومَسْكنة، ولن ترتفع لهم رأس إلا في ظِلِّ حبل من الله وعَهْد منه، وحبل من الناس الذين يُعاهدونهم على النُّصْرة والتأييد والحماية.

وقوله: (رَبُّكُمْ) (الإسراء: 8).

انظر فيه إلى العظمة الإلهية، ورحمة الرب سبحانه الذي ما يزال يخاطب الكافرين الملحدين المعاندين لرسوله، وهو آخر رسول يأتي من السماء، ومع ذلك كله يخاطبهم بقوله: (رَبُّكُمْ) (الإسراء: 8).

لأن الربّ هو المتولّي للتربية والمتكفّل بضمان مُقوّمات الحياة، لا يضنّ بها حتى وإنْ كان العبد كافراً، فالكلُّ أمام عطاء الربوبية سواء: المؤمن والكافر، والطائع والعاصي.

الجميع يتمتع بِنعَم الله: الشمس والهواء والطعام والشراب، فهو سبحانه لا يزال ربَّهم مع كل ما حدث منهم.

وقوله تعالى: (أَن يَرْحَمَكُمْ) (الإسراء: 8).

والرحمة تكون للإنسان إذا كان في موقف يستحق فيه الرحمة، واليهود لن تكون لهم دولة، ولن يكون لهم كيان، بل يعيشون في حِضْن الرحمة الإيمانية الإسلامية التي تُعطي لهم فرصة التعايش مع الإسلام معايشة، كالتي كانت لهم في مدينة رسول الله، يوم أن أكرمهم وتعاهد معهم.

وقد وصلتْ هذه المعايشة لدرجة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أراد أنْ يقترضَ لا يقترض من مسلم، بل كان يقترض من اليهود، وفي هذا حكمة يجب أنْ نعيهَا، وهي أن المسلم قد يستحي أن يطالب رسول الله إذا نسى مثلاً، أما اليهودي فسوف يُلِحّ في طلب حقِّه وإذا نسى رسول الله سَيُذكّره.

لذلك كان اليهود كثيراً ما يجادلون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويُغالطونه مِرَاراً، وقد حدث أن وفَّى رسول الله لأحدهم دَيْنه، لكنه أنكره وأتى يطالب به من جديد، وأخذ يراجع رسول الله ويغالطه وينكر ويقول: ابْغِني شاهداً.

ولم يكن لرسول الله شاهد وقت السداد، وهكذا تأزّم الموقف في حضور أحد الصحابة، واسمه خزيمة، فهَبَّ خزيمة قائلاً: أنا يا رسول الله كنت شاهداً، وقد أخذ هذا اليهودي دَيْنه، فسكت اليهودي ولم يرد ولم يجادل، فَدل ذلك على كذبه.

ويكاد المريب أن يقول: خذوني.

لكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما اختلى بخزيمة بعد أن انصرف الدائن قال: يا خزيمة ما حملك على هذا القول، ولم يكن أحد معنا، وأنا أقضي لليهودي دَيْنه؟ فضحك خزيمة وقال: يا رسول الله أَأُصدِّقُك في خبر السماء، وأُكذِّبك في عِدّة دراهم؟ فَسُرَّ رسول الله من اجتهاد الرجل، وقال: "مَنْ شهد له خزيمة فحَسْبه“.

ثم يُهدِّد الحق سبحانه بني إسرائيل، فيقول: (وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا) (الإسراء: 8).

إنْ عُدتُّم للفساد، عُدْنا، وهذا جزاء الدنيا، وهو لا ينجيكم من جزاء الآخرة، فهذه مسألة وتلك أخرى حتى لا يفهموا أن العقاب على الذنوب في الدنيا يُبرّئهم من عذاب الآخرة.

فالعقوبة على الذنب التي تُبرّئ المذنب من عذاب الآخرة ما كان في حِضْن الإسلام، وإلاَّ لاَسْتوى مَنْ أقيم عليه الحدّ مع مَنْ لم يُقمْ عليه الحد.

فلو سرق إنسان وقُطِعَتْ يده، وسرق آخر ولم تُقطع يده، فلو استَووْا في عقوبة الآخرة، فقد زاد أحدهما عن الآخر في العقوبة، وكيف يستوي الذي قُطِعَتْ يده.

وعاش بِذلّتها طوال عمره مع مَنْ أفلت من العقوبة؟ هذا إنْ كان المذنب مؤمناً.

أما إذا كان المذنب غير مؤمن فالأصل الذي بنينا عليه هذا الحكم ضائع لا وجودَ له، وعقوبة الدنيا هنا لا تُعفي صاحبها من عقوبة الآخرة؛ لذلك يقول تعالى بعدها: (وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً) (الإسراء: 8).

(جَعَلْنَا) فِعْل يفيد التحويل، كأن تقول: جعلت العجين خبزاً، وجعلت القطن ثوباً، أي: صيَّرْتُه وحوَّلْتُه.

فماذا كانت جهنم أولاً فيُحوّلها الحق سبحانه حصيراً؟ قوله تعالى: (جَعَلْنَا) في هذه الآية لا تفيد التحويل، إنما هي بمعنى خَلَقْنا، أي: خلقناها هكذا، كما نقول: سبحان الذي جعل اللبن أبيض، فاللبن لم يكن له لون آخر فحوَّله الله تعالى إلى البياض، بل خلقه هكذا بداية.

ومعنى: (حَصِيراً) (الإسراء: 8).

الحصير فراش معروف يُصنع من القَشِّ أو من نبات يُسمى السَّمُر، والآن يصنعونه من خيوط البلاستيك، وسُمِّي حصيراً، لأن كلمة حصير مأخوذة من الحَصْر، وهو التضييق في المكان للمكين، وفي صناعة الحصير يضمُّون الأعواد بعضها إلى بعض إلى أنْ تتماسكَ، ولا توجد مسافة بين العود والآخر.

لكن لماذا نفرش الحصير؟ نفرش الحصير؛ لأنه يحبس عَنّا القذَر والأوساخ، فلا تصيب ثيابنا.

إذن: الحصر معناه المنع والحبس والتضييق.

والمتتبع لمادة (حصر) في القرآن الكريم يجدها بهذه المعاني، يقول تعالى: (فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَٱحْصُرُوهُمْ..) (التوبة: 5) أي: ضَيِّقوا عليهم.

وقال تعالى في فريضة الحج: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ..) (البقرة: 196) أي: حُبِسْتم ومُنِعْتم من أداء الفريضة.

إذن: فقوله تعالى: (وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً) (الإسراء: 8).

أي: تحبسهم فيها وتحصرهم، وتمنعهم الخروج منها، فهي لهم سجن لا يستطيعون الفرار منه؛ لأنها تحيط بهم من كل ناحية، كما قال تعالى: (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا..) (الكهف: 29).

فلا يستطيعون الخروج، فإنْ حاولوا الخروج رُدُّوا إليها، كما قال تعالى: (كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا..) (السجدة: 20).

وفي قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً) (الإسراء: 8).

إشارة إلى أنهم كانوا إذا أجرموا في الدنيا يحتمُون في أنصارهم وأتباعهم من الأقوياء، ويدخلون في حضانة أهل الباطل، أما في الآخرة فلن يجدوا ناصراً أو مدافعاً.

يقول تعالى: (مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) (الصافات: 25-26).

وبعد أن تكلّم الحق سبحانه عن الإسراء بالرسول الخاتم الرحمة، وجَعْله آيةً يمكن إقامة الدليل عليها، حيث خرق له الناموس في أمور يعلمها قومه، فإذا جاءت آية المعراج وخرَق له الناموس فيها لا يعلمه القوم كان أَدْعى إلى تصديقه.

ثم أوضح الحق سبحانه أن عبودية محمد -صلى الله عليه وسلم- لربه هي التي أعطتْه هذه المنزلة، وكذلك كان نوح -عليه السلام- عبداً شكوراً، فهناك فَرْق بين عبودية الخَلْق للخالق، وعبودية الخَلْق للخَلْق؛ لأن العبودية للخَلْق مذمومة، حيث يأخذ السيد خيْر عبده، أما العبودية لله فالعبد يأخذ خَيْر سيده.

ثم تحدَّث الحق سبحانه عن بني إسرائيل، وما وقعوا فيه من إفساد في الأرض، فأعطانا بذلك نماذج للأعمال لمن أحسن ولمن أساء، وكُلٌّ له عمله دون ظُلْم أو جَوْر.

لذلك ينقلنا السياق القرآني إلى بيان المنهج الإلهي المنزّل من السماء ليوضح عبودية الإنسان لربه، وكيف يكون عبداً مُخْلِصاً لله تعالى، فيقول الحق سبحانه: (إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ...).



سورة الإسراء الآيات من 006-010 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة الإسراء الآيات من 006-010 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الإسراء الآيات من 006-010   سورة الإسراء الآيات من 006-010 Emptyالسبت 11 يناير 2020, 11:25 pm

إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (٩)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

فمَنْ كان يريد الأُسْوة الطيبة في عبودية الرسول لربه، هذه العبودية التي جعلتْه يسرى به إلى بيت المقدس، ثم يصعد به إلى السماء، ومَنْ كان يريد أن يكون مثل نوح في عبوديته لربه فأكرم ذريته من أجله، فعليه أنْ يسيرَ على دَرْبهم، وأنْ يقتديَ بهم في عبوديتهم لله تعالى، وليحذر أن يكون مثل اليهود الذين أفسدوا في الأرض مرتين.

والذي يرسم لنا الطريق ويُوضِّح لنا الحق من الباطل هو القرآن الكريم: (إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (الإسراء: 9).

قول الحق تبارك وتعالى: (إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ) (الإسراء: 9).

هل عند نزول هذه الآية كان القرآن كله قد نزل، ليقول: إن هذا القرآن؟ نقول: لم يكن القرآن كله قد نزل، ولكن كل آية في القرآن تُسمّى قرآناً، كما قال تعالى: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ) (القيامة: 18).

فليس المراد القرآن كله، بل الآية من القرآن قرآن.

ثم لما اكتمل نزول القرآن، واكتملتْ كل المسائل التي تضمن لنا استقامة الحياة، قال تعالى: (ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً..) (المائدة: 3).

فإن استشرف مُسْتشرف أنْ يستزيد على كتاب الله، أو يأتي بجديد فليعلم أن منهج الله مُنزَّه عن النقص، وفي غِنىً عن زيادتك، وما عليك إلا أن تبحث في كتاب الله، وسوف تجد فيه ما تصبو إليه من الخير.

قوله: (يَِهْدِي) (الإسراء: 9).

الهداية هي الطريق الموصِّل للغاية من أقرب وَجْه، وبأقل تكلفة.

وهو الطريق المستقيم الذي لا التواءَ فيه، وقلنا: إن الحق سبحانه يهدي الجميع ويرسم لهم الطريق، فمن اهتدى زاده هُدى، كما قال سبحانه: (وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ) (محمد: 17).

ومعنى: (أَقْوَمُ) (الإسراء: 9).

أي: أكثر استقامة وسلاماً.

هذه الصيغة تُسمّى أفعل التفضيل، إذن: فعندنا (أقوم) وعندنا أقل منه منزلة (قَيّم) كأن نقول: عالم وأعلم.

فقوله سبحانه: (إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (الإسراء: 9).

يدل على وجود (القيّم) في نُظم الناس وقوانينهم الوضعية، فالحق سبحانه لا يحرم البشر من أن يكون لهم قوانين وشرائع حينما تعضُّهم المظالم ويشْقُون بها، فيُقنّنون تقنينات تمنع هذا الظلم.

ولا مانع من ذلك إذا لم ينزل لهم منهج من السماء، فما وضعوه وإنْ كان قَيّماً فما وضعه الله أقوم، وأنت لا تضع القيم إلا بعد أن تُعضَّ بشيء مُعوج غير قيّم، وإلا فماذا يلفتُك للقيم؟

أما منهج السماء فإنه يضع الوقاية، ويمنع المرض من أساسه، فهناك فَرْق بين الوقاية من المرض وبين العلاج للمرض، فأصحاب القوانين الوضعية يُعدّلون نُظمهم لعلاج الأمراض التي يَشْقَون بها.

أما الإسلام فيضع لنا الوقاية، فإن حَدثْت غفلة من المسلمين، وأصابتهم بعض الداءات نتيجة انصرافهم عن منهج ربهم نقول لهم: عودوا إلى المنهج: (إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (الإسراء: 9).

ولتوضيح أن منهج الحق سبحانه أقوم نروي ما حدث معنا في مدينة "سان فرانسيسكو" فقد سألنا أحدُ المستشرقين عن قول الحق تبارك وتعالى: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ) (التوبة: 32).

وفي آية أخرى يقول: (هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ) (التوبة: 33).

فكيف يقول القرآن: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ..) (التوبة: 33).

في حين أن الإسلام محصور، وتظهر عليه الديانات الأخرى؟

فقلتُ له: لو تأملتَ الآية لوجدت فيها الردّ على سؤالك، فالحق سبحانه يقول: (وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ) (التوبة: 32).

ويقول: (وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ) (التوبة: 33).

إذن: فالكافرون والمشركون موجودون، فالظهور هنا ليس ظهور اتّباع، ولم يقُل القرآن: إن الناس جميعاً سيؤمنون.

ومعنى الظهور هنا ظهور حُجّة وظهور حاجة، ظهور نظم وقوانين، ستضرهم أحداث الحياة ومشاكلها إلى التخلّي عن قوانينهم والأخذ بقوانين الإسلام؛ لأنهم وجدوا فيها ضَالّتهم.

فنظام الطلاق في الإسلام الذي كثيراً ما هاجموه وانتقدوه، ورأوا فيه ما لا يليق بالعلاقة الزوجية، ولكن بمرور الزمن تكشفت لهم حقائق مؤلمة، وشقي الكثيرون منهم لعدم وجود هذا الحل في قوانينهم، وهكذا ألجأتهم مشاكل الحياة الزوجية لأنْ يُقنِّنوا للطلاق.

ومعلوم أن تقنينهم للطلاق ليس حُباً في الإسلام أو اقتناعاً به، بل لأن لديهم مشاكل لا حََّل لها إلا بالطلاق، وهذا هو الظهور المراد في الآيتين الكريمتين، وهو ظهور بشهادتكم أنتم؛ لأنكم ستلجأون في حل قضاياكم لقوانين الإسلام، أو قريباً منها.

ومن هذه القضايا أيضاً قضية تحريم الربا في الإسلام، فعارضوه وأنكروا هذا التحريم، إلى أن جاء "كِنز" وهو زعيم اقتصادي عندهم، يقول لهم: انتبهوا، لأن المال لا يؤدي وظيفته كاملة في الحياة إلا إذا انخفضتْ الفائدة إلى صفر.

سبحان الله، ما أعجب لجَجَ هؤلاء في خصومتهم مع الإسلام، وهل تحريم الربا يعني أكثر من أن تنخفض الفائدة إلى صفر؟ إنهم يعودون لمنهج الله تعالى رَغْماً عنهم، ومع ذلك لا يعترفون به.

ولا يخفى ما في التعامل الربوي من سلبيات، وهل رأينا دولة اقترضت من أخرى، واستطاعت على مَرّ الزمن أنْ تُسدد حتى أقساط الفائدة؟ ثم نراهم يغالطوننا يقولون: ألمانيا واليابان أخذت قروضاً بعد الحرب العالمية الثانية، ومع ذلك تقدمت ونهضت.

نقول لهم: كفاكم خداعاً، فألمانيا واليابان لم تأخذ قروضاً، وإنما أخذت معونة لا فائدة عليها، تسمى معونة (مارشال).

وأيضاً من هذه القضايا التي ألجأتهم إليها مشاكل الحياة قضية ميراث المرأة، فلما عَضَّتهم قَنَّنُوا لها.

فظهور دين الله هنا يعني ظهورَ نُظم وقوانين ستضطرهم ظروف الحياة إلى الأخذ بها، وليس المقصود به ظهور اتّباع.

إذن: فمنهج الله أقوم، وقانون الحق سبحانه أعظم من قوانين البشر وأَهْدى، وفي القرآن الكريم ما يُوضّح أن حكم الله وقانونه أقوم حتى من حكم رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

وهذا في قصة مولاه "زيد بن حارثة"، وزيد لم يكن عبداً إلى أن خطفه بعض تجار الرقيق وباعوه، وانتهى به المطاف إلى السيدة خديجة -رضي الله عنها- التي وهبتْه بدورها لخدمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

فكان زيد في خدمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أن علم أهله بوجوده في مكة فأتوا ليأخذوه، فما كان من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إلا أن خَيَّره بين البقاء معه وبين الذهاب إلى أهله، فاختار زيد البقاء في خدمة رسول الله وآثره على أهله.

فقال -صلى الله عليه وسلم-: "فما كنت لأختار على مَنِ اختارني شيئاً“.

وفي هذه القصة دليل على أن الرقَّ كان مباحاً في هذا العصر، وكان الرقّ حضانةَ حنانٍ ورحمة، يعيش فيها العبد كما يعيش سيده، يأكل من طعامه، ويشرب من شرابه، يكسوه إذا اكتسى، ولا يُكلّفه ما لا يطيق، وإنْ كلّفه أعانه، فكانت يده بيده.

وهكذا كانت العلاقة بين محمد -صلى الله عليه وسلم- وبين زيد؛ لذلك آثره على أهله، وأحب البقاء في خدمته، فرأى رسول الله أن يُكافئ زيداً على إخلاصه له وتفضيله له على أهله، فقال: "لا تقولوا زيد بن حارثة، قولوا زيد بن محمد“.

وكان التبني شائعاً في ذلك الوقت.

فلما أراد الحق سبحانه أنْ يُحرِّم التبني، وأنْ يُحرِّم نسبة الولد إلى غير أبيه بدأ برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: (ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ..) (الأحزاب: 5).

والشاهد هنا: (هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ..) (الأحزاب: 5).

فكأن الحكم الذي أنهى التبني، وأعاد زيداً إلى زيد بن حارثة هو الأقسط والأعدل، إذن: حكم الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يكن جَوْراً، بل كان قِسْطاً وعدلاً، لكنه قسط بشري يَفْضُله ما كان من عند الحق سبحانه وتعالى وهكذا عاد زيد إلى نسبه الأصلي، وأصبح الناس يقولون "زيد ابن حارثة"، فحزن لذلك زيد، لأنه حُرِم من شرف الانتساب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعوَّضه الله تعالى عن ذلك وساماً لم يَنَلْه صحابي غيره، هذا الوسام هو أن ذُكِر اسمه في القرآن الكريم، وجعل الناس يتلونه، ويتعبدون به في قوله تعالى: (فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا..) (الأحزاب: 37).

إذن: عمل الرسول قسط، وعمل الله أقسط.

قوله تعالى: (يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (الإسراء: 9).

لأن المتتبع للمنهج القرآني يجده يُقدّم لنا الأقوم والأعدل والأوسط في كل شيء.

في العقائد، وفي الأحكام، وفي القصص.

ففي العقائد مثلاً، جاء الإسلام ليجابه مجتمعاً متناقضاً بين مَنْ ينكر وجود إله في الكون، وبين مَنْ يقول بتعدُّد الآلهة، فجاء الإسلام وَسَطاً بين الطرفين، جاء بالأقوم في هذه المسألة، جاء ليقول بإله واحد لا شريك له.

فإذا ما تحدّث عن صفات هذا الإله سبحانه اختار أيضاً ما هو أقوم وأوسط، فللحق سبحانه صفات تشبه صفات البشر، فَلَه يَدٌ وسمع وبصر، لكن ليست يده كيدنا، وليس سمعه كسمعنا، وليس بصره كبصرنا: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ) (الشورى: 11).

وبهذا المنهج الحكيم خرجنا مما وقع فيه المشبِّهة الذين شبّهوا صفات الله بصفات البشر، وخرجنا مما وقع فيه المعطّلة الذين أنكروا أن يكون لله تعالى هذه الصفات وأوّلوها على غير حقيقتها.

وكذلك في الخلق الاجتماعي العام، يلفتنا المنهج القرآني في قوله تعالى: (وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) (يوسف: 105).

يلفتنا إلى ما في الكون من عجائب نغفل عنها، ونُعرِض عن تدبُّرها والانتفاع بها، ولو نظرنا إلى هذه الآيات بعين المتأمل لوجدنا فيها منافع شتى منها: أنها تُذّكرنا بعظمة الخالق سبحانه، ثم هي بعد ذلك ستفتح لنا الباب الذي يُثري حياتنا، ويُوفّر لنا ترف الحياة ومتعتها.

فالحق سبحانه أعطانا مُقوّمات الحياة، وضمن لنا برحمته ضروريات البقاء، فمَنْ أراد الكماليات فعليه أنْ يُعمِل عقله فيما أعطاه الله ليصل إلى ما يريد.

والأمثلة كثيرة على مشاهدات متأملة في ظواهر الكون، اهتدى بها أصحابها إلى اكتشافات واختراعات خدمت البشرية، وسَهَّلَتْ عليها كثيراً من المعاناة.

فالذي اخترع العجلة في نقل الأثقال بنى فكرتها على ثِقل وجده يتحرك بسهولة إذا وُضع تحته شيء قابل للدوران، فتوصل إلى استخدام العجلات التي مكَّنَتْهُ من نقل أضعافْ ما كان يحمله.

والذي أدخل العالم عصر البخار استنبط فكرة البخار، وأنه يمكن أن يكون قوةً مُحرِّكة عندما شاهد القِدْر وهو يغلي، ولاحظ أن غطاءه يرتفع إلى أعلى، فاهتدى إلى استخدام البخار في تسيير القطارات والعربات.

والعالِم الذي اكتشف دواء "البنسلين" اهتدى إليه عندما شاهد طبقة خضراء نسميها "الريم" تتكون في أماكن استخدام الماء، وكان يشتكي عينه، فعندما وصلت هذه المادة إلى عينه ربما مصادفة، لاحظ أن عينه قد برئت، فبحث في هذه المسألة حتى توصّل إلى هذا الدواء.

إلى غير ذلك من الآيات والعجائب في كون الله، التي يغفل عنها الخَلْق، ويمرُّون عليها وهم معرضون.

أما هؤلاء العلماء الذين أثروا حياة البشرية بنظرتهم الثاقبة، فقد استخدموا عقولهم في المادة التي خلقها الله، ولم يأتوا بشيء من عند أنفسهم؛ لأن الحق سبحانه حينما استخلف الإنسان في الأرض أعدَّ له كُلَّ متطلبات حياته، وضمن له في الكون جنوداً إنْ أعمل عقله وطاقته يستطيع أن يستفيد منها، وبعد ذلك طلب منه أن يعمر الأرض: (هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا..) (هود: 61).

والاستعمار أنْ تجعلها عامرة، وهذا الإعمار يحتاج إلى مجهود، وإلى مواهب متعددة تتكاتف، فلا تستقيم الأمور إنْ كان هذا يبني وهذا يهدم، إذن: لا بد أنْ تُنظّم حركة الحياة تنظيماً يجعل المواهب في الكون تتساند ولا تتعاند، وتتعاضد ولا تتعارض.

ولا يضمن لنا هذا التنظيم إلا منهج من السماء ينزل بالتي هي أقوم، وأحكم، وأعدل، كما قال تعالى في آية أخرى: (ٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَٱلْمِيزَانَ..) (الشورى: 17).

وإنْ كان الحق سبحانه وتعالى قد دعانا إلى النظر في ظواهر الكون، والتدبُّر في آيات الله في كونه، والبحث فيها لنصل إلى أسرار ما غُيّب عنا، فإنه سبحانه نهانا أن نفعل هذا مع بعضنا البعض، فقد حرَّم علينا التجسُّس وتتبُّع العورات، والبحث في أسرار الآخرين وغَيْبهم.

وفي هذا الأدب الإلهي رحمة بالخلق جميعاً؛ لأن الله تعالى يريد أن يُثري حياة الناس في الكون، وهَبْ أن إنساناً له حسنات كثيرة، وعنده مواهب متعددة، ولكن له سيئة واحدة لا يستطيع التخلّي عنها، فلو تتبعتَ هذه السيئة الواحدة فربما أزهدتْك في كل حسناته، وحرمتْك الانتفاع به، والاستفادة من مواهبه، أما لو تغاضيت عن هذه السيئة فيه لأمكنك الانتفاع به.

وهَبْ أن صانعاً بارعاً في صنعته وقد احتجْتَه ليؤديَ لك عملاً، فإذا عرفت عنه ارتكاب معصية ما، أو اشتهر عنه سيئة ما لأزهدك هذا في صَنْعته ومهارته، ولرغبت عنه إلى غيره، وإنْ كان أقلّ منه مهارة.

وهذا قانون عام للحق سبحانه وتعالى، فالذي نهاك عن تتبُّع غيب الناس، والبحث عن أسرارهم نهاهم أيضاً عن تتبُّع غَيْبك والبحث عن أسرارك؛ ولذلك ما أنعم الله على عبيده نعمةً أعظمَ من حِفْظ الغيب عنده هو؛ لأنه ربّ، أما البشر فليس فيهم ربوبية، أمر البشر قائم على العبودية، فإذا انكشف لأحدهم غَيْبُ أخيه أو عيبٌ من عيوبه أذاعه وفضحه به.

إذن: فالحق تبارك وتعالى يدعونا إلى أن نكون طُلَعة في استنباط أسرار الكون والبحث عن غيبه، وفي الوقت نفسه ينهانا أن نكون طُلَعة في تتبّع أسرار الناس والبحث عن غيبهم؛ لأنك إنْ تتبعتَ غيب الناس والتمسْتَ عيوبهم حرمْتَ نفسك من مصادر يمكن أنْ تنتفع بها.

فالحق سبحانه يريد في الكون حركة متبادلة، وهذه الحركة المتبادلة لا تنشأ إلا بوجود نوع من التنافس الشريف البنّاء، التنافس الذي يُثري الحياة، ولا يثير شراسة الاحتكاك، كما قال تعالى: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَافِسُونَ..) (المطففين: 26).

كما يتنافس طالب العلم مع زميله المجدّ ليكون مِثْله أو أفضل منه، وكأن الحق سبحانه يعطينا حافزاً للعمل والرُّقي، فالتنافس المقصود ليس تنافس الغِلِّ والحقد والكراهية، بل تنافس مَنْ يحب للناس ما يحب لنفسه، تنافس مَنْ لا يشمت لفشل الآخرين.

وقد يجد الإنسان هذا الحافز للمنافسة حتى في عدوه، ونحن نرى الكثير منا يغضب وتُثَار حفيظته إنْ كان له عدو، ويراه مصدر شرٍّ وأذى، ويتوقع منه المكروه باستمرار.

وهو مع ذلك لو استغل حكمة الله في إيجاد هذا العدو لا تنفع به انتفاعاً لا يجده في الصديق، لأن صديقك قد يُنافقك أو يُداهنك أو يخدعك.

أما عدوك فهو لك بالمرصاد، يتتبع سقطاتك، ويبحث عن عيوبك، وينتظر منك كَبْوة ليذيعها ويُسمّع بك، فيحملك هذا من عدوك على الاستقامة والبعد عما يشين.

ومن ناحية أخرى تخاف أن يسبقك إلى الخير، فتجتهد أنت في الخير حتى لا يسبقك إليه.

وما أجمل ما قاله الشاعر في هذا المعنى:
عِدَايَ لَهُمْ فَضْلٌ عليَّ ومِنَّةٌ فَلاَ أبعَدَ الرحْمَنُ عَنّي الأعَادِياَ
هُمُو بحثُوا عَنْ زَلّتي فَاجْتنبْتُها وهُمْ نَافَسُـوني فاكْتَسبْتُ المعَالِيا

وهكذا نجد لكل شيء في منهج الله فائدة، حتى في الأعداء، ونجد في هذا التنافس المثمر الذي يُثري حركة الحياة دليلاً على أن منهج السماء هو الأقوم والأنسب لتنظيم حركة الحياة.

أيضاً لكي يعيش المجتمع آمناً سالماً لا بُدّ له من قانون يحفظ توازنه، قانون يحمي الضعيف من بطش القوي، فجاء منهج الله تعالى لِيُقنّن لكل جريمة عقوبتها، ويضمن لصاحب الحق حَقّه، وبعد ذلك ترك الباب مفتوحاً للعفو والتسامح بين الناس.

ثم حذَّر القوي أنْ تُطغيه قوته، وتدعوه إلى ظلم الضعيف، وذكّره أن قوته ليست ذاتية فيه، بل هي عَرَضٌ سوف يزول، وسوف تتبدل قوته في يوم ما إلى ضَعْف يحتاج معه إلى العون والمساعدة والحماية.

وكأن الحق تبارك وتعالى يقول لنا: أنا أحمي الضعيف من قوتك الآن، لأحمي ضعفك من قوة غيرك غداً.

أليس في هذا كله ما هو أقوم؟ ونقف على جانب آخر من جوانب هذه القوامة لمنهج الله في مجال الإنفاق، وتصرُّف المرء في ماله، والمتأمل في هذا المنهج الأقوم يجده يختار لنا طريقاً وسطاً قاصداً لا تبذيرَ فيه ولا تقتير.

ولا شك أن الإنسان بطبعه يُحب أن يُثري حياته، وأن يرتقي بها، ويتمتع بترفها، ولا يُتاح له ذلك إنْ كان مُبذّراً لا يُبقي من دخله على شيء، بل لا بُدّ له من الاعتدال في الإنفاق حتى يجد في جعبته ما يمكنه أن يُثري حياته ويرتقي بها ويُوفّر لأسرته كماليات الحياة، فضلاً عن ضرورياتها.

جاء هذا المنهج الأقوم في قول الحق تبارك وتعالى: (وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً) (الفرقان: 67).

وفي قوله تعالى: (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً) (الإسراء: 29).

فللإنسان في حياته طموحات تتتابع ولا تنتهي، خاصة في عصر كثُرت فيه المغريات، فإنْ وصل إلى هدف تطلع لما هو أكبر منه، فعليه إذن ألاّ يُبدّد كل طاقته، وينفق جميع دَخْله.

وكما نهى الإسلام عن التبذير نهى أيضاً عن البُخْل والإمساك؛ لأن البُخْل مذموم، والبخيل مكروه من أهله وأولاده، كما أن البُخْل سبب من أسباب الركود والبطالة والكساد التي تصيب المجتمع، فالممسك لا يتعامل مع المجتمع في حركة البيع والشراء، فيسهم ببُخْله في تفاقم هذه المشاكل، ويكون عنصراً خاملاً يَشْقى به مجتمعه.

إذنْ: فالتبذير والإمساك كلاهما طرف مذموم، والخير في أوسط الأمور، وهذا هو الأقوم الذي ارتضاه لنا المنهج الإلهي.

وكذلك في مجال المأكل والمشرب، يرسم لنا الطريق المعتدل الذي يحفظ للمرء سلامته وصحته، ويحميه من أمراض الطعام والتُّخْمة، قال تعالى: (وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ) (الأعراف: 31).

فقد علَّمنا الإسلام أن الإنسان إذا أكل وشرب على قَدْر طاقة الوقود الذي يحتاجه جسمه لا يشتكي ما يشتكيه أصحاب الإسراف في المأكل والمشرب.

والمتأمل في حال هؤلاء الذين يأكلون كلّ مَا لَذَّل وطاب، ولا يَحْرمون أنفسهم مما تشتهيه، حتى وإن كان ضاراً، نرى هؤلاء عند كِبَرهم وتقدُّم السِّنِّ بهم يُحْرمون بأمر الطبيب من تناول هذه الملذّات، فترى في بيوت الأعيان الخادم يأكل أطيب الطعام ويتمتع بخير سيده، في حين يأكل سيده أنواعاً محددة لا يتجاوزها، ونقول له: لأنك أكلتها وأسرفتَ فيها في بداية الأمر، فلابُدَّ أنْ تُحرَم منها الآن.

وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "كُلُوا واشربوا وتصدقوا، والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة".

وأيضاً من أسباب السلامة التي رسمها لنا المنهج القرآني، ألاَّ يأكل الإنسان إلا على جوع، فالطعام على الطعام يرهق المعدة، ويجرُّ على صاحبه العطب والأمراض، ونلاحظ أن الإنسان يجد لذة الطعام وحلاوته إذا أكل بعد جوع، فمع الجوع يستطيب كل شيء ولو كان الخبز الجاف.

وهكذا نجد المنهج الإلهي يرسم لنا الطريق الأقوم الذي يضمن لنا سلامة الحياة واستقامتها، فلو تدبرْتَ هذا المنهج لوجدته في أيِّ جانب من جوانب الحياة هو الأقوم والأنسب.

في العقائد، في العبادات، في الأخلاق الاجتماعية العامة، في العادات والمعاملات، إنه منهج ينتظم الحياة كلها، كما قال الحق سبحانه: (مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَابِ مِن شَيْءٍ) (الأنعام: 38).

هذا المنهج الإلهي هو أَقْوم المناهج وأصلحها؛ لأنه منهج الخالق سبحانه الذي يعلم مَنْ خلق، ويعلم مَا يصلحهم، كما قلنا سابقاً: إن الصانع من البشر يعلم صَنْعته، ويضع لها من تعليمات التشغيل والصيانة ما يضمن لها سلامة الأداء وأمن الاستعمال.

فإذا ما استعملْتَ الآلة حَسبْ قانون صانعها أدَّتْ مهمتها بدقة، وسَلِمتْ من الأعطال، فالذي خلق الإنسان أعلم بقانون صيانته، فيقول له: افعل كذا ولا تفعل كذا: (أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ) (الملك: 14).

فآفة الناس في الدنيا أنهم وهم صَنْعة الحق سبحانه يتركون قانونه، ويأخذون قانون صيانتهم من أمثالهم، وهي قوانين وضعية قاصرة لا تسمو بحال من الأحوال إلى قانون الحق سبحانه، بل لا وَجْهَ للمقارنة بينهما.

إذن: لا تستقيم الحياة إلا بمنهج الله عز وجل.

ثم يقول تعالى: (وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) (الإسراء: 9).

فالمنفذ لهذا المنهج الإلهي يتمتع باستقامة الحياة وسلامتها، وينعم بالأمن الإيماني، وهذه نعمة في الدنيا، وإنْ كانت وحدها لكانت كافية، لكن الحق سبحانه وتعالى يُبشِّرنا بما هو أعظم منها، وبما ينتظرنا من نعيم الآخرة وجزائها، فجمع لنا ربنا تبارك وتعالى نَعيمَيْ الدنيا والآخرة.

نعيم الدنيا لأنك سِرْتَ فيها على منهج معتدل ونظام دقيق، يضمن لك فيها الاستقامة والسلام والتعايش الآمن مع الخَلْق.

ومن ذلك قول الحق سبحانه: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة: 38).

وقوله تعالى في آية أخرى: (فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ) (طه: 123).

ويقول تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (النحل: 97).

وفي الجانب المقابل يقول الحق سبحانه: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ أَعْمَىٰ * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ) (طه: 124-126).

فكما أن الحق تبارك وتعالى جمع لعباده الصالحين السائرين على منهجه خيري الدنيا والآخرة، ففي المقابل جمع لأعدائه المعرضين عن منهجه عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، لا ظُلْماً منه، فهو سبحانه مُنَزَّه عن الظلم والجَوْر، بل عَدْلاً وقِسطاً بما نَسُوا آيات الله وانصرفوا عنها.

ومعنى: (يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ) (الإسراء: 9).

وعمل الصالحات يكون بأن تزيد الصالح صلاحاً، أو على الأقل تُبقِي الصالح على صلاحه، ولا تتدخل فيه بما يُفسده.

وقوله: (أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) (الإسراء: 9).

نلاحظ هنا أن الحق سبحانه وصف الأجر بأنه كبير، ولم يَأْتِ بصيغة أفعل التفضيل منها (أكبر)، فنقول: لأن كبير هنا أبلغ من أكبر، فكبير مقابلها صغير، فَوَصْف الأجر بأنه كبير يدل على أن غيره أصغر منه، وفي هذا دلالة على عِظَم الأجر من الله تعالى أما لو قال: أكبر فغيره كبير، إذن: فاختيار القرآن أبلغ وأحكم.

كما قلنا سابقاً: إن من أسماء الحق تبارك وتعالى (الكبير)، وليس من أسمائه أكبر، إنما هي وَصْف له سبحانه.

ذلك لأن (الكبير) كل ما عداه صغير، أما (أكبر) فيقابلها كبير.

ومن هنا كان نداء الصلاة (الله أكبر) معناه أن الصلاة وفَرْض الله علينا أكبر من أيّ عمل دنيويّ، وهذا يعني أن من أعمال الدنيا ما هو كبير، كبير من حيث هو مُعين على الآخرة.

فعبادة الله تحتاج إلى طعام وشراب وإلى مَلْبس، والمتأمل في هذه القضية يجد أن حركة الحياة كلها تخدم عمل الآخرة، ومن هنا كان عمل الدنيا كبيراً، لكن فَرْض الله أكبر من كل كبير.

ولأهمية العمل الدنيوي في حياة المسلم يقول تعالى عن صلاة الجمعة: (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الجمعة: 9-10).

والمتأمل في هذه الآيات يجد الحق تبارك وتعالى أمرنا قبل الجمعة أن نترك البيع، واختار البيع دون غيره من الأعمال؛ لأنه الصفقة السريعة الربح، وهي أيضاً الصورة النهائية لمعظم الأعمال، كما أن البائع يحب دائماً البيع، ويحرص عليه، بخلاف المشتري الذي ربما يشتري وهو كاره، فتجده غير حريص على الشراء؛ لأنه إذا لم يشْتَرِ اليوم سيشتري غداً.

إذن: فالحق سبحانه حينما يأمرنا بترك البيع، فتَرْك غيره من الأعمال أَوْلَى.

فإذا ما قُضِيَت الصلاة أمرنا بالعودة إلى العمل والسعي في مناكب الأرض، فأخرجنا للقائه سبحانه في بيته من عمل، وأمرنا بعد الصلاة بالعمل.

إذن: فالعمل وحركة الحياة (كبير)، ولكن نداء ربك (أكبر) من حركة الحياة؛ لأن نداء ربك هو الذي سيمنحك القوة والطاقة، ويعطيك الشحنة الإيمانية، فتُقبِل على عملك بهِمّة وإخلاص.

ثم يقول الحق سبحانه: (وأَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ...).



سورة الإسراء الآيات من 006-010 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة الإسراء الآيات من 006-010 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الإسراء الآيات من 006-010   سورة الإسراء الآيات من 006-010 Emptyالسبت 11 يناير 2020, 11:26 pm

وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٠)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وهذه الآية امتداد للآية السابقة، ومعطوفة عليها؛ لأن الله تعالى ذكر فعلاً واحداً: (وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ..) (الإسراء: 9).

ثم عطف عليه: (وأَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ) (الإسراء: 10).

إذن: فالآية داخلة في البشارة السابقة، ولكن كيف ذلك، والبشارة السابقة تُبشّر المؤمنين بأن لهم أجراً كبيراً، والبشارة إخبار بخيْر يأتي في المستقبل، فكيف تكون البشارة بالعذاب؟

قالوا: نعم، هذه بشارة على سبيل التهكُّم والاستهزاء بهم، كما قال تعالى في آية أخرى: (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (التوبة: 34).

وكما قال الحق سبحانه متهكماً: (ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ) (الدخان: 49).

وكما تقول للولد الذي أهمل فأخفق في الامتحان: مبروك عليك الفشل، أو تقول: بشِّر فلاناً بالرسوب.

وقد تكون البشارة للمؤمن بالجنة، وللكافر بالعذاب، كلاهما بشارة للمؤمن، فبشارة المؤمن بالجنة تسرُّه وتُسعده، وتجعله يستشرف ما ينتظره من نعيم الله في الآخرة.

وبشارة الكافر بالعذاب تسُرُّ المؤمن؛ لأنه لم يقع في مصيدة الكفر، وتزجر مَنْ لم يقع فيه وتُخيفه، وهذا رحمة به وإحسان إليه.

وهذا المعنى واضح في قول الحق سبحانه في سورة الرحمن: (رَبُّ ٱلْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ ٱلْمَغْرِبَيْنِ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ * فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * وَلَهُ ٱلْجَوَارِ ٱلْمُنشَئَاتُ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) (الرحمن: 17-25).

فهذه كلها نِعَم من نعَم الله تعالى علينا، فناسب أن تُذيَّل بقوله تعالى: (فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) (الرحمن: 18).

أما قوله تعالى: (يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) (الرحمن: 35-36).

فأيُّ نعمة في أنْ يُرسل الله عليهما شواظ من نار ونحاس فلا ينتصران؟ نعم، المتأمل في هذه الآية يجد فيها نعمة من أعظم نِعَم الله، ألا وهي زَجْر العاصي عن المعصية، ومسرّة للطائع.

ثم يقول الحق سبحانه عن طبيعة الإنسان البشرية: (وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ...).



سورة الإسراء الآيات من 006-010 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة الإسراء الآيات من 006-010
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة الإسراء الآيات من 001-005
» سورة الإسراء الآيات من 066-070
» سورة الإسراء الآيات من 071-075
» سورة الإسراء الآيات من 076-080
» سورة الإسراء الآيات من 081-085

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: الإسراء-
انتقل الى: