أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: سورة الحِجْر الآيات من 11-15 السبت 21 ديسمبر 2019, 12:34 am | |
| وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (١١) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
ونجد كلمة: (يَسْتَهْزِئُونَ) (الحجر: 11).
ونجد أن الحق سبحانه قد أوضح هذا الاستهزاء حين قالوا: (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) (الحجر: 6).
وكأن الحق سبحانه يُوضّح له أن الاستهزاء قد يزيد، وذلك دليلٌ على أنك قد بلغتَ منهم مَبْلغ الكَيْد، ولو كان كيدُك قليلاً لخفّفوا كَيْدهم؛ ولكنك جئتَ بأمر قاسٍ عليهم، وهدمْتَ لهم مذاهبهم، وهدمْتَ حتى سيادتهم وكذلك سَطْوتهم، ولم يجدوا غير الاستهزاء ليقاوموك به.
ومعنى ذلك أنهم عجزوا عن مقاومة منهجك؛ ويحاولون بالاستهزاء أن يُحققوا لك الخَور لتضعف؛ معتمدين في ذلك على أن كل إنسان يحب أن يكون كريماً في قومه ومُعززاً مُكرّماً.
وهنا يريد الحق سبحانه من رسوله أن يُوطِّن نفسه على أنه سيُستهزأ به وسيُحارب؛ وسيُؤْذَى؛ لأن المهمة صعبة وشاقَّة، وكلما اشتدت معاندتك وإيذاؤك، فاعلم أن هذه من حيثيات ضرورة مهمتك.
ولذلك نجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يتأكد من مهمته؛ أخذته زوْجه خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- عند ورقة بن نوفل؛ وعرف ورقة أنه سَيُؤذَى، وقال ورقة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ليتني أكون حياً حين يُخرِجك قومك.
فتساءل الرسول -صلى الله عليه وسلم-: أمُخرِجِيّ هُم؟
قال ورقة: نعم، لم يأت رجل بمثل ما جئتَ به إلا عُودِي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً.
وهكذا شاء الحق سبحانه أن يصحب نزول الرسالة أن يُحصِّنه ضد ما سيحصل له، ليكون عنده المناعة التي تقابل الأحداث؛ فما دام سيصير رسولاً، فليعلم أن الطريق مَحْفوف بالإيذاء، وبذلك لا يُفاجأ بوجود مَنْ يؤذيه.
ونحن نعلم أن المناعة تكون موجودة عند مَنْ وبها يستعد لمواجهة الحياة في مكان به وباء يحتاج إلى مَصْل مضاد من هذا الوباء؛ لِيقيَ نفسه منه، وهذا ما يحدث في الماديات، وكذلك الحال في المعنويات.
ولهذا يُوضِّح سبحانه هذا الأمر لرسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولتزداد ثقته في الحقِّ الذي بعثه به ربُّه، ويشتدّ في المحافظة على تنفيذ منهجه.
والاستهزاء -كما نعلم- لَوْنٌ من الحرب السلبية؛ فهم لم يستطيعوا مواجهة ما جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالجد، ولا أنْ يردّوا منهجه الراقي؛ لذلك لجئوا إلى السُّخْرية من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم تنفعهم سخريتهم في النَّيْل من الرسول، أو النَّيْل من الإسلام، وفي هذا المعنى، يقول لنا الحق سبحانه عن مصير الذين يسخرون من الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ...). |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة الحِجْر الآيات من 11-15 السبت 21 ديسمبر 2019, 12:35 am | |
| كَذَٰلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (١٢) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
و "سلك الشيء" أي: أدخله، كما نُدخِل الخيط في ثقب الإبرة.
والحق سبحانه يقول: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ) (المدثر: 42-43).
أي: ما أدخلكم في النار؛ فتأتي إجابتهم: (لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ) (المدثر: 43).
وهنا يقول الحق سبحانه: (كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ) (الحجر: 12).
أي: كما سلكنا الكفر والتكذيب والاستهزاء في قلوب شيع الأولين، كذلك نُدخِله في قلوب المجرمين.
يعني: مشركي مكّة، لأنهم أدخلوا أنفسهم في دائرة الشرك التي دعتهم إلى هذا الفعل، فنالوا جزاءَ ما فعلوا مثل ما سبق من أقوام مثلهم؛ وقد يجد من تلك القلوب تصديقاً يكذبونه بألسنتهم، مثلما قال الحق سبحانه: (وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ) (النمل: 14).
فهم أمة بلاغة ولغةٍ وبيانٍ؛ وقد أثّر فيهم القرآن بحلاوته وطلاوته؛ ولكنه العناد، وها هو واحد منهم يقول: "إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لَمُثمِر، وإن أسفله لمغدق”.
لقد قال ذلك كافر بالرسول والرسالة.
ونعلم أن الذين استمعوا إلى القرآن نوعان؛ والحق سبحانه هو القائل عن أحدهما: (وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ) (محمد: 16).
أي: أن قوله لا يعجبهم وما يتلوه عليهم لا يستحق السماع، فقال الحق سبحانه رداً عليهم: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) (فصلت: 44).
وهي مسألة -كما أقول دائماً- تتعلق بالقابل الذي يستقبل الحدث؛ إما أنْ يُصفِّي قلبه ليستقبل القرآن؛ وإما أنْ يكون قلبه -والعياذ بالله- مُمْتلِئاً بالكفر، فلا يستقبل شيئاً من كتاب الحق.
وقد حدث أن أدخل الحق سبحانه كتبه السماوية في قلوب الأقوام السابقة على رسول الله، ولكنهم لفساد ضمائرهم وظُلْمة عقولهم؛ سَخِروا من تلك الكتب، ولم يؤمنوا بها.
ويَصِف الحق سبحانه هؤلاء المجرمين بقوله: (لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ...).
|
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة الحِجْر الآيات من 11-15 السبت 21 ديسمبر 2019, 12:36 am | |
| لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (١٣) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
وهكذا يوضح الحق سبحانه أن قلوب الكَفرة لا تلين بالإيمان؛ ولا تُحسِن استقبال القرآن، ذلك أن قلوبهم مُمْتلئة بالكفر، تماماً كما حدث من الأقوام السابقة، فتلك سُنة مَنْ سبقوهم إلى الكفر.
والسُّنة هي الطريقة التي تأتي عليها قضايا النتائج للمُقدِّمات وهي أولاً وأخيراً قضايا واحدة.
ومرة نجد الحق سبحانه يقول: (سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً) (الأحزاب: 62).
ونعلم أن الإضافة تختلف حَسْب ما يقتضيه التعبير.
فـ (سنة الأولين) تعني الأمور الكونية التي قدَّرها الله لعباده.
و(سنة الله) تعني سُنّة منسوبة لله، ومن سُنَن الحق سبحانه أن يُهلك المُكذِّبين للرسل إنْ طلبوا آية فجاءتهم، ثم واصلوا الكفر.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ...). |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة الحِجْر الآيات من 11-15 السبت 21 ديسمبر 2019, 12:37 am | |
| وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (١٥) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
وهم قد طلبوا أن ينزل إليهم مَلَكٌ من السماء؛ لذلك نجد الحق سبحانه هنا يأتيهم بدليل أقوى مِمَّا طلبوا، ذلك أن نزول مَلَك من السماء هو أسهل بكثير من أن يُنزِلَ من السماء سُلَّماً يصعدون عليه، وفي هذا ارتقاء في الدليل؛ لكنهم يرتقون أيضاً في الكفر، وقالوا: إن حدث ذلك فَلَسوفَ يكون من فعل السحر.
ولو كان محمد -صلى الله عليه وسلم- ساحراً لَسحرهم، وجعلهم جميعاً مؤمنين، وعلى الرغم من أن مثْل هذا الأمر كان يجب أن يكون بدهياً بالنسبة لهم، لكنهم يتمادوْنَ في الكفر، ويقولون: إنه لو نزَّل سُلَّماً من السماء وصعدوا عليه؛ لَكانَ ذلك بفعل السحر؛ ولكانَ رسول الله هو الذي سحرهم؛ وأعمى أبصارهم، ولَجعلهم يتوهمون ذلك.
وكأن معنى هذا القول الكريم: لو ارتقينا في مطلبهم، وأنزلنا لهم سُلَّماً يصعدون به إلى أعلى؛ ليقولوا: إن الحق هو الذي بعث محمداً بالرسالة، بدلاً من أن ينزل إليهم ملك حسب مطلبهم؛ لَمَا آمنوا بل لقالوا: إن هذا من فعل سحر قام به محمد ضدهم.
وهكذا يرتقون في العناد والجحود.
ولابُدَّ أن نلحظ أن الحق سبحانه قد جاء هنا بكلمة: (فَظَلُّواْ) (الحجر: 14).
ولم يقل "وكانوا"، ذلك أن "كان" تُستخدمِ لِمُطلْق الزمن، و "ظل" للعمل نهاراً، و"أمسى" للعمل ليلاً، أي: أن كل كلمة لها وَقْت مكتوب، والمقصود من "ظَلُّوا" هنا أن الحق سبحانه لن ينزل لهم السُّلَّم الذي يعرجُون عليه إلا في منتصف النهار، ولكنهم أصرُّوا على الكفر.
لذلك قال سبحانه: (فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ) (الحجر: 14).
أي: لن نأخذهم بالليل، حتى لا يقولوا إن الدنيا كانت مظلمة ولم نر شيئاً، ولكنه سيكون في وضح النهار.
أي: أن الله حتى لو فتح باباً في السماء يصعدون منه إلى الملأ الأعلى في وضح النهار لكذَّبوا.
وبعد ذلك ينقلنا الحق سبحانه إلى الكون لِيُرينَا عجيبَ آياته، فيقول: (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي ٱلسَّمَاءِ...). |
|