منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة إبراهيم الآيات من 31-35

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

سورة إبراهيم الآيات من 31-35 Empty
مُساهمةموضوع: سورة إبراهيم الآيات من 31-35   سورة إبراهيم الآيات من 31-35 Emptyالأربعاء 18 ديسمبر 2019, 4:40 pm

قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (٣١)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

و (قُلْ) من الله لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وهل معنى هذا أن العباد الذين سيسمعون هذا الأمر سيقومون إلى الصلاة؟

لقد سمعه بعضهم ولم يَقُم إلى الصلاة.

إذن: مَنْ يُطِع الأمر هو مَنْ حقَّق شَرْط الإيمان، وعلينا أن ننظر إلى مُكْتنفات كلمة "عبادي" فعباد الله هم الذين آمنوا، وحين يؤمنون فهم سيُعبِّرون عن هذا الإيمان بالطاعة.

وهكذا نفهم معنى الألفاظ لتستقيم معانيها في أساليبها.

وكل خَلْق الله عبيد له؛ ذلك أن هناك أموراً قد أرادها الله في طريقة خَلْقهم، لا قدرةَ لهم على مخالفتها؛ فهو سبحانه قد قهرهم في أشياء؛ وخيَّرهم في أشياء.

ولذلك أقول دائماً للمُتمرِّدين على الإيمان بالله؛ لقد أَلِفْتم التمرّد على الله؛ ولم يَأْبَ طَبْع واحد منكم على رفض التمرّد، فإنْ كنتم صادقين مع أنفسكم عليكم أنْ تتمردوا على التنفس؛ فهو أمر لا إرادي، أو تمردوا -إن استطعتُم- على المرض وميعاد الموت، ولن تستطيعوا ذلك أبداً.

ولكنهم ألِفُوا التمرّد على ما يمكنهم الاختيار فيه.

ونسُوا أن الله يريد منهم أن يلتزموا بمنهجه؛ فإن اختار المؤمن أن يتبع منهجَ الله صار من "عباد الله"، وإنْ لم يخضع للمنهج فيما له فيه اختيار فهو من العبيد المقهورين على اتباع أوامر الله القهرية فقط.

وأنت حين تستقرئ كلمة "عباد" وكلمة "عبيد" في القرآن ستجد قول الحق سبحانه: (وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً) (الفرقان: 63).

وتتعدد هنا صفات العباد الذين اختاروا اتباع منهج الله، وستجد كلمة العبيد وهي مُلْتصقة بمَنْ يتمردون على منهج الله؛ ولن تجد وَصْفاً لهم بأنهم "عباد" إلا في آية واحدة؛ حين يخاطب الحَقُّ جَلَّ وعلا الذين أضلوا الناس؛ فيقول لهم: (أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ) (الفرقان: 17).

ونلحظ أن زمن هذا الخطاب هو في اليوم الآخر؛ حيث لا يوجد لأحد مُرْتاد مع الله؛ وحيث يسلب الحق سبحانه كل حق الاختيار من كل الكائنات المختارة.

وهكذا لا يمكن لأحد أن يطعنَ في أن كلمة "عباد" إنما تستخدم في وَصْف الذين اختاروا عبادة الله والالتزام بمنهجه في الحياة الدنيا؛ ذلك أنهم قد سَلَّموا زِمَام اختيارهم لله، وأطاعوه في أوامره ونواهيه.

ونلحظ أن قول الحق سبحانه: (قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً..) (إبراهيم: 31).

هو أمر صادر من الحق سبحانه لرسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأن المؤمنين في انتظار هذا الأمر لِيُنفّذوه فوراً، ذلك أن المؤمن يحب أن يُنفِّذ كل أمر يأتيه من الله.

 وما دُمْتَ قد أبلغتهم يا محمد هذا الأمر فسيُنفّذونه على الفور؛ وقد جاء قوله (يقيموا) محذوفاً منه لام الأمر، تأكيداً على أنهم سيصدعون لتنفيذ الأمر فوْر سماعه.

وعادة نجد أن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة في جَمْهرة آيات القرآن تأتيان متتابعتين مع بعضهما؛ لأن إقامة الصلاة تتطلب حركة، تتطلب طاقة وتأخذ وقوداً؛ والوقود يتطلب حركة ويأخذ زمناً، والزكاة تعني أن تُخرِج بعضاً من ثمرة الزمن، وبعضاً من أثر الحركة في الوقت.

ونجد الكسالى عن الصلاة يقولون: "إن العمل يأخذ كل الوقت والواحد مِنّا يحاول أن يجمع الصلوات إلى آخر النهار، ويُؤدّيها جميعها قَضاءً”.

وهم لا يلتفتون إلى أن كُلَّ فرض حين يُؤدَّى في ميعاده لن يأخذ الوقت الذي يتصورون أنه وقت كبير.

وظاهر الأمر أن الصلاة تُقلّل من ثمرة العمل، لكن الحقيقة أنها تُعطي شحنة وطاقة تحفِز النفس على المزيد من إتقان العمل؛ وكيف يُقبِل المصلى على العمل بنفس راضية؛ ذلك أنه بالصلاة قد وقف في حضرة مَنْ خلقه، ومَنْ رزقه، ومَنْ كفله.

ولذلك يخرج منها هادئاً مُطمئناً مُنتبهاً راضياً؛ وذلك كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أرحنا بها يا بلال".

والصلاة في كل فرض؛ لن تأخذ أكثر من ربع الساعة بالوضوء، وإذا نسبت وقت الصلوات كلها إلى وقت العمل ستجد أنها تأخذ نسبة بسيطة وتعطي بأكثر مِمّا أخذت.

وكذلك الزكاة قد تأخذ منك بعضاً من ثمرة الوقت لتعطيه إلى غير القادر، ولكنها تمنحك أماناً اجتماعياً فوق ما تتخيّل.

ولذلك تجد الصلاة مُرتبطة بالزكاة في آيات القرآن ببعضهما، وإقامة الصلاة هي جِمَاع القيم كلها؛ وإيتاء الزكاة جِمَاع قيام الحركات العضلية كلها.

وتعالج الصلاة شيئاً، وتعالج الزكاة شيئاً آخر؛ وكلاهما تُصلِح مكونات ماهية الإنسان؛ الروح ومقوماتها، والجسد ومقوماته.

ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: "وجُعِلَتْ قُرة عيني في الصلاة".

وحين تنظر إلى الصلاة والزكاة تجد مصالح الحياة مجتمعة وتتفرع منهما؛ ذلك أن مصالح الحياة قد جمعها -صلى الله عليه وسلم- في الأركان الخمس للدين، وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحِجّ البيت لِمَنِ استطاع إليه سبيلا.

وعرفنا من قَبْل كيف أخذت الصلاة كُل هذه الأركان مجتمعة؛ ففيها شهادة أن لا إله إلا الله، وفيها تضحية وتزكية ببعض الوقت؛ وفيها صَوْم عن كل ما تلتزم به وأنت صائم؛ وأنت تتوجه خلالها إلى قبلة بيت الله الحرام.

وهكذا نرى كيف ترتبط حركة الحياة والقيم المُصْلِحة لها بالصلاة والزكاة.

ويأمرنا الحق سبحانه في هذه الآية الكريمة بأن ننفق سراً وعلانية، وهكذا يشيع الحق الإنفاق في أمرين متقابلين؛ فالإنفاق سِراً كي لا يقع الإنسان فريسة المُبَاهاة؛ والإنفاق عَلناً كي يعطي غيره من القادرين أُسْوة حسنة، ولكي تمنع الآخرين من أنْ يتحدثوا عنك بلهجة فيها الحسد والغَيْرة مما أفاء الله عليك من خير.

ولذلك أقول: اجعل الصدقة التطوعية سِراً، واجعلها كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تعلم شمالك ما أعطتْ يمينك".

واجعل الزكاة علانية حتى يعلمَ الناس أنك تُؤدي ما عليك من حقوق الله وتكون بالنسبة لهم أُسْوة فعلية، وعِظَة عملية، واجعلوا من أركان الإسلام عِظَة سلُوكية، فنحن نرى بعضاً من القرى والمدن لا يحجّ منها أحد، لأن القادرين فيها قد أَدَّوْا فريضة الحج.

ونجد أن القادر الذي يبني مسجداً؛ يعطي القادر غيره أُسْوة ليبني مسجداً آخر، وما أنْ يأتيَ رمضان حتى يصومَ القادرون عليه؛ ويعطوا أُسْوة لصغارهم، وتمنع الاستخذاء أمام الغير، وهكذا نعلن كل تكاليف الإسلام بوضوح أمام المجتمعات كلها.

ويقول الحق سبحانه: (قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ) (إبراهيم: 31).

ومن هنا نعلم أن هناك أعمالاً يمكن أن تؤجلها، إلا الغايات التي لا توجد فيها أعواض؛ فعليك أن تنتهز الفرصة وتُنفّذها على الفور؛ ذلك أن اليوم الآخر لن يكون فيه بَيْع أو شراء، ولن يستطيع أحد فيه أن يُزكّي أو يُصلّي؛ فليست هناك صداقة أو شفاعة تُغنيك عمّا كان يجب أن تقوم به في الحياة الدنيا.

والشفاعة فقط هي ما أذن له الرحمن بها، ولذلك يأتي الأمر هنا بسرعة القيام بالصلاة وإيتاء الزكاة والإنفاق سِراً وعلانية من قبل أن يأتيَ اليوم الذي لا بَيْع فيه ولا خِلاَل.

والبيع -كما نعلم- هو مُعَارضة متقابلة؛ فهناك مَنْ يدفع الثمن؛ وهناك مَنْ يأخذ السلعة.

والخِلاَل هو المُخالّة؛ أي: الصديق الوفيّ الذي تلزمه ويلزمك.

 والشعر يُبيّن معنى كلمة "خليل" حين يقول:
لَمّا التقيْنَا قرَّب الشَّوْقُ جَهْده خليلين ذَابَا لَوْعةً وعِتابا
كأنّ خليلاً في خِلاَل خَلِيلهِ تَسرَّبَ أثناءَ العِنَاقِ وغَابَا

وهذا يوضح أن المُخالة تعني أن يتخلل كُلٌّ منهما الآخر.

وفي الآخرة لن تستطيع أن تشتري جنة أو تفتدي نفسك من النار؛ ولا مُخالَّة هناك بحيث يفيض عليك صديق من حسناته.

والحق سبحانه هو القائل: (ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ) ) (الزخرف: 67).

وبعض السطحيين يريدون أنْ يأخذوا على القرآن أنه أثبت الخُلَّة ونفاها؛ فهو القائل: (لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ) (إبراهيم: 31).

وهو القائل: (وَلاَ خُلَّةٌ) (البقرة: 254).

ثم أثبت الخُلَّة للمتقين؛ الذين لا يُزيِّن أحدهما للآخر معصية.

وهؤلاء السطحيون لا يُحسِنون تدبُّر القرآن؛ ذلك أن الخُلَّة المَنْفية -أو الخِلاَل المنفية- في الآيات هي الخِلال التي تحضُّ على المعاصي؛ وهذه هي الخِلاَل السيئة.

ونعلم أن البيع في الحياة الدنيا يكون مقابلةَ سلعةٍ بثمن؛ أما المُخالّة ففيها تكرُّم ممَّنْ يقدمها؛ وهو أمرٌ ظاهريّ؛ لأن في باطنه مُقايضة؛ فإذا قدّم لك أحدٌ جميلاً فهذا يقتضي أنْ تردّ له الجميل؛ أما التكرُّم المجرّد فهو الذي يكون بغير سابق أو لاحق.

وبعد أن بيَّن لنا الحق سبحانه السعداء وبيَّنَ الأشقياء، وضرب المَثل بالكلمة الطيبة، وضرب المثَل بالكلمة الخبيثة، يأتي من بعد ذلك بما يهيج في المؤمن فرحةً في نفسه؛ لأنه آمن بالله الذي صنع كل تلك النعم، ويذكر نعماً لا يشترك فيها مع الله أحد أبداً، فيقول: (ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ...).



سورة إبراهيم الآيات من 31-35 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

سورة إبراهيم الآيات من 31-35 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة إبراهيم الآيات من 31-35   سورة إبراهيم الآيات من 31-35 Emptyالأربعاء 18 ديسمبر 2019, 4:41 pm

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (٣٢)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

والسماء والأرض -كما نعلم- هما ظَرْفَا الحياة لنا كلنا، وقد قال الحق سبحانه: (لَخَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ) (غافر: 57).

فإذا كان الله هو الذي خلق السماوات والأرض؛ فهذا لَفْتٌ لنا على الإجمال؛ لأنه لم يَقُلْ لنا ما قاله في مواضع أخرى من القرآن الكريم بأنها من غير عَمَد؛ وليس فيها فُطور، ولم يذكر هنا أنه خلق في الأرض رواسي كي لا تميد بنا الأرض، ولم يذكر كيف قَدَّر في الأرض أقواتها، واكتفى هنا بلمحة عن خَلق السماوات والأرض.

وحين يتكلم سبحانه هنا عن خَلْق السماوات يأتي بشيء لم يدَّعه أحد على كثرة المُدَّعِين من الملاحدة؛ وذلك لتكون ألزم في الحجة للخَصْم، وبذلك كشف لهم حقيقة عدم إيمانهم؛ وجعلهم يروْنَ أنهم كفروا نتيجة لَددٍ غير خاضع لمنطق؛ وهو كفر بلا أسباب.

وحين يحكم الله حُكْماً لا يوجد لا معارض ولا منازع، فهذا يعني أن الحكم قد سلَم له سبحانه.

ولم يجترئ أحد من الكافرين على ما قاله الله؛ وكأن الكافر منهم قد أدار الأمر في رأسه، وعلم أن أحداً لم يَدَّعِ لنفسه خَلْق السماوات والأرض؛ ولا يجد مفرّاً من التسليم بأن الله هو الذي خلق السماوات والأرض.

وقول الحق سبحانه هنا: (ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ..) (إبراهيم: 32).

يُوضِّح لنا أن كلمة "الله" هنا؛ لأنها مَناطُ الصعوبة في التكليف؛ فالتكليف يقف أمام الشهوات؛ وقد تغضبون من التكليف؛ ولكنه يحميكم من بعضكم البعض، ويكفل لكم الأمان والحياة الطيبة.

ولم يَأْتِ الحق سبحانه بكلمة "رب" هنا لأنها مناطُ العطاء الذي شاءه للبشر، مؤمنهم وكافرهم.

وكلمة "الله" تعني المعبود الذي يُنِزل الأوامر والنواهي؛ وتعني أن هناك مشقات؛ ولذلك ذكر لهم أنه خلق السماوات والأرض، وأنزل من السماء ماء.

ونحن حين نسمع كلمة "السماء" نفهم أنها السماء المقابلة للأرض؛ ولكن التحقيق يؤكد أن السماء هي كُلُّ ما علاك فأظلَّك.

والمطر كما نعلم إنما ينزل من الغَيْم والسحاب.

والحق سبحانه هو القائل: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِِ) (النور: 43).

وقد عرفنا بالعلم التجريبي أن الطائرة -على سبيل المثال- تطير من فوق السحاب، وعلى ذلك فالمطر لا ينزل من السماء؛ بل ينزل مِمَّا يعلونا من غَيْم وسحاب.

أو: أنك حين تنسب النزول من السماء؛ فهذا يوضح لنا أن كل أمورنا تأتي من أعلى؛ ولذلك نجد الحديد الذي تحتضنه الجبال وينضج في داخلها؛ يقول فيه الحق سبحانه: (وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) (الحديد: 25).

وهكذا نجد أنه إما أن يكون قد نزل كعناصر مع المطر؛ أو لأن الأمر بتكوينه قد نزل من السماء.

وهنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها يتحدث الحق سبحانه عن خَلْق السماوات والأرض؛ وكيف أنزل الماء من السماء: (فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ...) (إبراهيم: 32).

والثمرات هي نتاج ما تعطيه الأرض من نباتات قد تأكل بعضاً منها؛ وقد لا تأكل البعض الآخر؛ فنحن نأكل العنب مثلاً، ولكنا لا نأكل فروع شجرة العنب، وكذلك نأكل البرتقال؛ ولكنا لا نأكل أوراق وفروع شجرة البرتقال.

ويتابع سبحانه: (وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ..) (إبراهيم: 32).

والتسخير معناه قَهْر الشيء ليكون في خدمة شيء آخر.

وتسخير الفُلْك قد يثير في الذهن سؤالاً: كيف يُسخِّر الله الفلك، والإنسان هو الذي يصنعها؟

ولكن لماذا لا يسأل صاحب السؤال نفسه: ومن أين نأتي بالأخشاب التي نصنع منها الألواح التي نصنع منها الفُلْك؟

ثم مَنِ الذي جعل الماء سائلاً؛ لتطفو فوقه السفينة؟ ومَنِ الذي سيَّر الرياح لتدفع السفينة؟ كل ذلك من بديع صنُعْ الله سبحانه وكلمة "الفلك" تأتي مرة ويُراد بها الشيء الواحد؛ وتأتي مرة ويُراد بها أشياء؛ فهي تصلح أن تكون مفرداً أو جمعاً.

والمثل هو قول الحق سبحانه: (وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ) (البقرة: 164).

وكذلك قال في قصة نوح -عليه السلام-: (وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا) (هود: 37).

وبعض العلماء يقولون: إذا عاد ضمير التأنيث عليه؛ تكون جَمْعاً؛ وإذا عاد عليها بالتذكير تكون مفرداً.

ولكنِّي أقول: إن هذا القول غَيْر غالب؛ فسبحانه قد قال عن سفينة نوح وهي مفرد: (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا) (القمر: 14).

ولم يَقُل: "يجري بأعيننا"، وهكذا لا يكون التأنيث دليلاً على الجمع.

ويتابع سبحانه: (وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلأَنْهَارَ..) (إبراهيم: 32).

ونفهم بطبيعة الحال أن النهر عَذْب الماء؛ والبحر ماؤه مالح.

وسبحانه قد سخَّر لنا كل شيء بأمره، فهو الذي خلقَ النهر عَذْب الماء، وجعل له عُمْقاً يسمح في بعض الأحيان بمسير الفلك؛ وأحياناً أخرى لا يسمح العمق بذلك.

وجعل البحر عميقَ القاع لِتمرُق فيه السفن، وكل ذلك مُسخَّر بأمره، وهو القائل سبحانه: (إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ٱلرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ) (الشورى: 33).

أي: أنه سبحانه قد يشاء أن تقف الرياحُ ساكنة؛ فتركد السفن في البحار والأنهار.

ومن عجائب إنباءات القرآن أن الحق سبحانه حينما تكلم عن الريح التي تُسيِّر الفلك والسفن؛ قال الشكليون والسطحيون "لم نعد نُسيِّر السفن بالرياح بل نُسيِّرها بالطاقة”.

ونقول: فلنقرأ قوله الحق: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (الأنفال: 46).

و "ريحكم" تعني: قوتكم وطاقتكم؛ فالمراد بالريح القوة المطلقة؛ سواء جاءت من هواء، أو من بخار، أو من ماء.

وهذه الآية -التي نحن بصدد خواطرنا عنها- نزلت بعد أن أعلمنا الحق سبحانه بقصة السعداء من المؤمنين؛ والأشقياء الكافرين؛ فكانت تلك الآية بمثابة التكريم للمؤمنين الذين قدروا نعمة الله هذه؛ فلمَّا علموا بها آمنوا به سبحانه وكرمتهم هذه الآية لصفاء فطرتهم التي لم تُضبَّب، وتكريم للعقل الذي فكّر في الكون، ونظر فيه نظرة اعتبار وتدبُّر ليستنتج من ظواهر الكون أن هناك إلهاً خالقاً حكيماً.

وفي الآية تقريع للكافر الذي استقبل هذه النعم، ولم يسمع من أحد أنه خلقها له؛ ولم يخلقها لنفسه، ومع ذلك يكابر ويعاند ويكفر بربِّ هذه النعم.

وأول تلك النعم خَلْق السماوات والأرض؛ ثم إذا نظرتَ لبقية النعم فستجدها قد جاءتْ بعد خَلْق السماوات والأرض؛ وشيء من تلك النعم مُتَّصل بالسماء؛ مثل السحاب، وشيء متصل بالأرض مثل الثمرات التي تخرجها.

إذن: فالاستقامة الأسلوبية موجودة بين النعمة الأولى وبين النعمة الثانية.

ثم قال بعد ذلك: (وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ..) (إبراهيم: 32).

فما هي المناسبة التي جعلتْ هذا الأمر يأتي بعد هذين الأمرين؟

لأن الفُلْك طريقها هو البحار ومسارها في الماء.

وقد قال الحق سبحانه أنه خلق السماوات والأرض.

ومدلول الأرض ينصرف على اليابسة كما ينصرف على المائية، ومن العجيب أن المائية على سطح الكرة الأرضية تساوي ثلاثة أمثال اليابسة؛ ورُقْعة الماء بذلك تكون أوسعَ من رقعة التراب في الأرض.

 وما دام الحق سبحانه قد قال إنه أخرج من الأرض ثمراً هي رِزْق لنا، فلابُدَّ من وجود علاقة ما بين ذلك وتلك، فإذا كانت البحار تأخذ ثلاثة أرباع المساحة من الأرض؛ فلابُدَّ أن يكون فيها للإنسان شيء.

وقد شرح الحق سبحانه ذلك في آيات أخرى؛ وأوضح أنه سخَّر البحر لنأكل منه لحماً طرياً؛ وتلك مُقوِّمات حياة، ونستخرج منه حلية نلبسها؛ وذلك من تَرِف الحياة.

ونرى الفلك مواخر فيه لنبتغي من فضله سبحانه وبذلك تكون هناك خيرات أخرى غير السمك والحلي؛ ولكنها جاءت بالإجمال لا بالتفصيل؛ فربما لم يكُنِ الناس قادرين في عصر نزول القرآن على أنْ يفهموا ويعرفوا كل ما في البحار من خيرات؛ ولا تزال الأبحاثُ العلمية تكشف لنا المزيدَ من خيرات البحار.

وحين نتأمل الآن خيرات البحار نتعجب من جمال المخلوقات التي فيه.

إذن: فقوله: (لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ) (الإسراء: 66).

هو قَوْل إجمالي يُلخِّص وجود أشياء أخرى غير الأسماك وغير الزينة من اللؤلؤ والمرجان وغيرها، ونحن حين نرى مخلوقاتِ أعماق البحار نتعجَّب من ذلك الخَلْق أكثر مما نتعجَّب من الخَلْق الذي على اليابسة، ومن خَلْق ما في السماء.

وهكذا يكون قوله الحق: (لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ) (الإسراء: 66).

من آيات الإجمال التي تُفصِّلها آيات الكون؛ فبعضٌ من الآيات القرآنية تُفسرها الآيات الكونية، ذلك أن الحق سبحانه لو أوضح كل التفاصيل لَمَا صدَّق الناس -على عهد نزول القرآن- ذلك.

وعلى سبيل المثال حين تكلَّم سبحانه عن وسائل المواصلات؛ قال: (وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) (النحل: 8).

وقوله تعالى: (وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) (النحل: 8).

أدخل كُلّ ما اخترعنا نحن البشر من وسائل المواصلات؛ حتى النقل بالأزرار كالفاكس وغير ذلك.

وحينما يتكلم سبحانه عن البحار؛ إنما يُوضِّح لنا ما يُكمِل الكلام عن الأرض.

(وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ..) (إبراهيم: 32).

ولو فَطِن الناس لقالوا عن السفن "جمال البحار"؛ ما داموا قد قالوا عن الجمل إنه "سفينة الصحراء"؛ ولكنهم أخذوا بالمجهول لهم بالمعلوم لديهم.

وإياك أن تقول: أنا الذي صنعتُ الشراع؛ وأنا الذي صنعتُ المركب من الألواح، ذلك أنك صنعتَ كل ذلك بقواك المخلوقة لك من الله، وبالفكر الموهوب لك من الله؛ ومن المادة الموهوبة لك من الله، فكلُّها أشياء جاءتْ بأمر من الله.

وهنا يقول سبحانه: (وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلأَنْهَارَ) (إبراهيم: 32).

والنهر ماؤه عادة يكون عَذْباً ليروي الأشجار التي تُنِتج الثمار.

والأشجار عادة تحتاج ماء عَذْباً.

وهكذا شاء الله أن يكون ماء البحار والمحيطات مخزناً ضخماً للمياه؛ يحتل ثلاثة أرباع مساحة الكرة الأرضية، وهي مساحة شاسعة تتيح فُرْصة لعمليات البَخْر؛ التي تُحوِّل الماء بواسطة الحرارة إلى بخار يصعد إلى أعلى ويصير سحاباً؛ فيُسقِط السحابُ الماءَ بعد أن تخلص أثناء البَخْر من الأملاح وصار ماء عَذْباً؛ تروى منه الأشجار التي تحتاجه، وتنتج لنا الثمار التي نحتاجها، وكأن الأملاح التي توجد في مياه البحار تكون لِحفْظها وصيانتها من العطب.

ونعلم أن معظم مياه الأنهار تكون من الأمطار، وهكذا تكون دورة الماء في الكون؛ مياه في البحر تسطع عليها الشمس لِتُبخِّرها؛ لتصير سحاباً؛ ومن بعد ذلك تسقط مطراً يُغذي الأنهار؛ ويصب الزائد مرة أخرى في البحار.

ويتابع سبحانه: (وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ...).



سورة إبراهيم الآيات من 31-35 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

سورة إبراهيم الآيات من 31-35 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة إبراهيم الآيات من 31-35   سورة إبراهيم الآيات من 31-35 Emptyالأربعاء 18 ديسمبر 2019, 4:43 pm

وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (٣٣)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

والشمس آية نهارية؛ والقمر آية ليلية، والماء الذي نشربه له علاقة بالشمس والتي تُبخِّره من مياه البحار؛ ونروي به أيضاً الأرض التي تنتج لنا الثمار؛ أما البحار فحساب كُلِّ ما يجري فيها يتم حسب التقويم القمري.

وهل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلم كل ذلك وهو النبي الأمي؟

طبعاً لم يكن ليعلم، بل أنزل الحق سبحانه عليه القرآن؛ يضمُّ حقائق الكون كلها.

وقول الحق سبحانه عن الشمس والقمر: "دائبين" من الدَّأب، والدُّؤوب هو مرور الشيء في عمل رتيب، ونقول "فلان دَءُوب على المذاكرة" أي: أنه يبذل جَهْداً مُنظّماً رتيباً لتحصيل مواده الدراسية، ولا يبُدد وقته.

وكذلك الشمس والقمر اللذان أقام الحق سبحانه لهما نظاماً دقيقاً.

وعلى سبيل المثال نحن نحسب اليوم بأوله من الليل ثم النهار؛ ونقسم اليوم إلى أربع وعشرين ساعة؛ ولذلك قال الحق سبحانه: (ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) (الرحمن: 5).

وقال أيضاً: (وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً) (الأنعام: 96).

أي: أنك أيها الإنسان ستجعل من ظهور واختفاء أيٍّ منهما حساباً.

وقد جعلهما الحق سبحانه على دقة في الحركة تُيسِّر علينا أن نحسبَ بهما الزمن، فلا اصطدامَ بينهما، ولكلِّ منهما فَلَك خاص وحركة محسوبة بدقة فلا يصطدمان.

ولا يُشْبِهان بطبيعة الحال الساعات التي نستخدمها وتحتاج إلى ضبط.

وكلما ارتقينا في صناعة نجد اختراعاتنا فيها تُقرِّبنا من عُمْق الإيمان بالخالق الأعلى.

وفي نفس الآية يقول الحق سبحانه: (وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ) (إبراهيم: 33).

وبما أن الشمس آية نهارية؛ والقمر آية ليلية، والنهار يسبق الليل في الوجود بالنسبة لنا.

كان مُقْتضى الكلام أن يقول: سخر لكم النهار والليل.

ولكن الحق سبحانه أراد أن يُعلمنا أن القمر وهو الآية الليلية؛ ويسطع في الليل؛ والليل مخلوق للسكون؛ لكن هذا السكون ليس سبباً لوجود الإنسان على الأرض؛ بل السبب هو أن يتحرك الإنسان ويستعمر الأرض ويكِدّ ويكدح فيها.

لذلك جعل استهلال الشمس أولاً والقمر يستمد ضَوْءَه منها؛ ثم جاء بخبر الليل وخبر النهار، فكأن الله قد اكتنفَ هذه الآية بنوريْن.

النور الأول: من الشمس.

والنور الثاني: من القمر، كي يعلَم الإنسانُ أن حياته مُغلفة تغليفاً يتيح له الحركة على الأرض، فلا تظننّ أيها الإنسانُ أن الأصل هو النوم!

ذلك أنه سبحانه قد خلق النوم لترتاح؛ ثم تصحو لتكدح.

ونلحظ أن كلمة "التسخير" تأتي للأشياء الجوهرية، وتأتي للمُسخَّرات أيضاً، فالحيوان مُسخَّر لنا، وكذلك النبات والسماء مُسخَّرة بما فيها لنا، أما الليل والنهار فهما نتيجتان لجواهر؛ هما الشمس والقمر؛ والليل والنهار مُسبَّبان عن شيئين مُباشرين هما: الشمس والقمر.

والتسخير -كما نعلم- هو منع الاختيار.

وإذا ما سَخَّر الحق سبحانه شيئاً فلنعلم أنه مُنضبط ولا يتأتّى فيه اختلال، ولكن الكائن غير المُسخّر هو الذي يتأتى فيه الاختلال؛ ذلك أنه قد يسير على جَادَّة الصواب، أو قد يُخطيء.

وفي مسألة التسخير والاختيار تَعِب الفلاسفة في دراستها؛ وذهبت المذاهب الفلسفية -وخصوصاً في ألمانيا- إلى مذهبين اثنين ظاهرهما التعارض؛ ولكنهما يسيرانِ إلى غايةٍ واحدة وهي تبريرُ الإلحاد.

وكان من المقبول أن يكونَ مذهبٌ يُبرر الإلحاد، وأنْ يبررَ الآخرُ الإيمانَ، ولكن شاء فلاسفة المذهبين أنْ يُبرروا الإلحاد.

وقال فلاسفة أحد المذهبين: أنتم تقولون إن الكون تُديره قوة قادرة حكيمة؛ وأن كُلّ ما فيه منضبط بتصرفات محسوبة ودقيقة.

ولكن الواقع يقول: إن هناك بعضاً من المخالفات التي نراها في الكائنات، والمثل هو تلك الشذوذات التي في الإنسان -على سبيل المثال- فهناك القصير أكثر من اللازم؛ وهناك الطويل أكثر من اللازم؛ وهناك مَنْ يولد بعين واحدة؛ وهناك مَنْ يولد بذراع عاجز؛ ولو أن القوة التي تدير الكون حكيمة لَمَا ظهرتْ أمثال تلك الشذوذات.

ونرد على صاحب تلك النظرية قائلين: وإذا لم يكُنْ هناك إلهٌ، أتستطيع أن تقول لنا الحكمة من وراء وجود تلك الشذوذات؟

فأنت تدفع الحكمة عن الخالق الذي نؤمن به؛ فهل تستطيع أنت إثباتَ الحكمة لغيره؟

طبعاً لن يستطيع أنْ يردَّ عليك؛ لأن كلامه مردود.

ثم نأتي للمدرسة المقابلة التي تقول: إن النظام الموجود بالكون يدل على أنه لا يوجد له خالق؛ فهو نظام ثابت آليّ؛ ولا يوجد إلهٌ قادرٌ على أن يقلب آلية هذا الكون.

وهكذا كانت هاتان المدرستان مختلفتين؛ ومتعارضتين؛ ولكنهما يؤديان إلى الإلحاد.

ونرد على المدرستين قائلين: يا مَنْ تأخذ ثبات النظام دليلاً على وجود إله؛ فهذا الثبات موجود في الكون الأعلى.

ويا مَنْ تأخذ الشذوذ دليلاً على وجود خالق؛ فهو موجود في الكائنات الأدنى؛ ولو حدث الشذوذ في الكائنات الأعلى لَفسدتِ السماوات والأرض.

وقد شاء الحق سبحانه أن يوجد الشذوذ لوجه في الأفراد؛ فواحد يكون شاذاً؛ والباقي الغالب يكون سليماً.

وهكذا يكون الشذوذ في الأفراد غيرَ مانع لقضية وجود خالق أعلى، وإذا أردت ثبات النظام فانظر إلى الكون الأعلى؛ كي تعلم أنه لا يوجد للإنسان مَدْخل في هذا الأمر.

وهكذا نجد أن الحق سبحانه قد سخّر لنا الليل والنهار؛ وهما من الأعراض الناتجة عن تسخير الشمس والقمر؛ وكلاً من الشمس والقمر دائبين، يمشي كل منهما في حركته مشياً لا تنقطع فيه رتابة العادة.

ونضبط أوقاتنا على هذا النظام الرتيب الدقيق، فنحدد -على سبيل المثال- أوائل الفصول ومواسم الزراعة؛ ومواقيت الصلاة.

وإذا نظرتَ إلى أيِّ اختلال قد ينشأ من بعض الظواهر؛ فاعلم أن ذلك قد نشأ من تدخُّل الإنسان المُخْتار المُسْتخلفَ في الأرض؛ والمثال هو مشكلة ثُقْب طبقة الأوزون الموجودة في الغلاف الجوي، والتي قد نشأت من تجاربنا التي نلهث فيها من أجل تحسين حياتنا على الأرض.

ولكننا ننظر إلى التجربة بأفْق محدود، ونفصل النظرة الجزئية عن النظرة الكلية المطلوب منا أنْ ننظرَ بها لكُل ما يحيط بنا في الكون؛ فنتسبب بهذا اللهْث في التجارب في إفساد الكثير من أسرار حياتنا على الأرض؛ حتى بِتْنَا نشكو من اضطراب الجو بَرْداً وصقيعاً؛ وحراً فوق الاحتمال.

وذلك بتدخّل الإنسان المختار فيما لا يجب أنْ يتدخلَ فيه إلا بعد أن يدرسَ كل جوانبه.

واقرأ إن شئت قول الحق سبحانه: (ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ) (الروم: 41).

ولذلك لابُدَّ من دراسة المُقدّمات والنتائج جيداً قبل أن نُضخِّم من تجاربنا التي قد تضر البشر؛ ولذلك أيضاً أقول: إن علينا أن ندرس الآثار الجانبية لكل اختراع علمي كي نحميَ البشر من سيئات تلك الآثار الجانبية.

ولنتذكر قول الحق سبحانه: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) (الإسراء: 36).

ولعل ما نعيش فيه من مُشْكِلات تتعلق بالجو والصحة هو نتيجة تدخُّلنا بغير علم مكتمل؛ وهذا يؤكد لنا حكمة الخالق الأعلى؛ ذلك أننا لمّا خرجنا بالمُخْترعات العلمية وانبهرنا بفائدتها السطحية؛ ظننا أن في ذلك مكسباً كبيراً؛ ولكنه كان وبالاً في بعض الأحيان نتيجة الآثار الجانبية.

ولذلك لم يَقُلِ الحق سبحانه: "بما اكتسبت أيدي الناس" بل قال: (بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ) (الروم: 41).

وفي الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها يقول الحق سبحانه: (وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ) (إبراهيم: 33).

وهكذا نعلم أن تعاقب ظهور الشمس والقمر؛ يُسبِّب تعاقبَ مجيء الليل والنهار.

ولا يعني ظهور الشمس وسطوعها أن القمر غير موجود؛ فهو موجود، ولكن ضوء الشمس المُبهِر يمنعك من أنْ تراه، ولكن هناك أوقات يمكنك أن ترى فيها الشمس والقمر معاً.

أما الليل والنهار فهما يتتابعان كل منهما خَلْف الآخر.

والحق سبحانه هو القائل: (وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱللَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً) (الفرقان: 62).

أي: أنهما لا يأتيان معاً أبداً؛ فالليل في بلد ما يقابله نهار في بلد آخر.

وهكذا أثبتَ لنا الدأبَ في الحركة؛ فكُلٌّ منهما يأتي عَقِب الآخر؛ وقد جعل الحق سبحانه ذلك من أول لحظة في الخَلْق؛ وكانا لحظة الوجود خِلفْة، كل منهما يأتي من بعد الآخر؛ فكأن الكون حين خلقه الله؛ وجعل الشمس في مواجهة الأرض، صار الجزء المواجه للشمس نهاراً؛ والجزء غير المواجه لها صار ليلاً.

ثم دارت الأرض؛ ليأتي الجزء الذي كان غير مُواجِه للشمس؛ في مواجهتها؛ فصار ليلاً، وذهب الجزء الذي كان في مواجهتها، ليكون مكان الجزء الآخر فصار ليلاً، وهكذا شاء سبحانه أن يكون كل منهما خَلْف الآخر.

وهكذا تكلم الحق سبحانه عن حَصْر بعضٍ من نعمه الكلية علينا نحن العباد، سماء، وأرض، وماء ينزل، وثمرات تنبت من الأرض، وكذلك سخَّر لنا الشمس والقمر، والليل والنهار، وهذا ما يُسمَّى تعديد لبعض النعم.

ونجد واحداً من الصالحين يقول عن نعم الله "أَعد منها ولا أعددها”.

فكأن الله ينبهنا إلى أصول النظام الكوني الأعلى، ثم فتح المجالِ لِنعَمٍ أخرى لن يستطيع أحد أنْ يُحصِيها.

لذلك يقول سبحانه من بعد ذلك: (وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ...).



سورة إبراهيم الآيات من 31-35 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

سورة إبراهيم الآيات من 31-35 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة إبراهيم الآيات من 31-35   سورة إبراهيم الآيات من 31-35 Emptyالأربعاء 18 ديسمبر 2019, 4:44 pm

وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٤)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

نعم، أعطانا الحق سبحانه مما نسأل وقبل أن نسأل، وأعدَّ الكون لنَا من قبل أنْ نوجد.

إذن: فسبحانه قد أعطانا من قبل أنْ نسألَ؛ وسبقت النعمة وجود آدم -عليه السلام-، واستقبل الكونُ آدم، وهو مُعَدٌّ لاستقباله.

وإذا نظرتَ للفرد مِنّا ستجد أن نِعَم الله عليه قد سبقتْ من قبل أن نعرف كيف نسأله، والمثل هو الجنين في بطن أمه.

وهنا قال الحق سبحانه: (وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ..) (إبراهيم: 34).

يعني: أنه قد أعطاك ما تسأله وما لم تسأله، نطقت به أو لم تنطق، ولو بحديث النفس أو خواطر خافية، وأنك قد تقترح وتطلب شيئاً فهو يعطيه لك.

وقد يسأل البعض من باب الرغبة في التحدي -ولله المثل الأعلى- نجد بعض البشر مِمَّنْ أفاء الله عليهم بجزيل نعمه؛ ويقول الواحد منهم: قُلْ لي ماذا تطلب؟

وقد حدث معي ذلك ونحن في ضيافة واحد مِمَّنْ أكرمهم الله بكريم عطائه، وكنا في رحلة صحراوية بالمملكة العربية السعودية، وقال لي: أطلب أي شيء وستجده بإذن الله حاضراً.

وفكرتُ في أن أطلب ما لا يمكن أن يوجدَ معه، وقلت: أريد خيطاً وإبرة، فما كان ردّه إلا "وهل تريدها فتلة بيضاء أم حمراء؟”.

وإذا كان هذا يحدث من البشر؛ فما بالُنَا بقدرة الله على العطاء؟

ومن حكمة الله سبحانه أنه قال: (وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ..) (إبراهيم: 34).

ذلك أن وراء كل عطاءٍ حكمةً، ووراء كل مَنْعٍ حكمة أيضاً، فالمنع من الله عين العطاء، فالحقّ سبحانه مُنزَّه عن أن يكون مُوظّفاً عندك، كما أن الحق سبحانه قد قال: (وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ) (الإسراء: 11).

ولذلك قال: (وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ..) (إبراهيم: 34).

أي: بعض مِمّا سألتموه، ذلك أن هناك أسئلة حمقاء لا يُجيبكم الله عليها؛ مثل قول أي امرأة يعاندها ابنها "يسقيني نارك" هذه السيدة؛ لو أذاقها الله نارَ افتقاد ابنها؛ ماذا سوف تفعل.

إذن: فمِنْ عظمته سبحانه أنْ أعطانا ما هو مُطابِق للحكمة؛ ومنَع عنّا غَيْر المطابق لحكمته سبحانه، فالعطاء نعمة، والمَنْع نعمة أيضاً، ولو نظر كُلٌّ منا لعطاء السَّلْب؛ لَوجد فيه نعماً كثيرة.

ويقول سبحانه: (سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ) (الأنبياء: 37).

لذلك فلا يقولن أحدٌ: "قد دعوتُ ربي ولم يَستجِب لي" وعلى الإنسان أن يتذكَّر قَوْل الحق سبحانه: (وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً) (الإسراء: 11).

فهو سبحانه مَنْ يملك حكمة العطاء وحكمة المنع.

ولا أحدَ مِنّا يستطيع أنْ يعُدّ نِعَم الله.

والعَدُّ -كما نعلم- هو حَصْرٌ لمفردات جَمْع أو جزئيات كُلٍّ.

ويعلم أهل العلم بالمنطق - ونسميهم المَنَاطِقة - أن هناك "كُليّ" يقابله "جُزئيّ، وهناك "كُل" يقابله "جزء.

والمَثل على "الكُليّ" الإنسان؛ حيث إننا جميعاً مُكوّنين من عناصر متشابهة؛ ومفرد البشر يختلف باختلاف الأسماء؛ أما ما يُسمَّى "كل" فالمثَل عليه هو الكُرسي، وهو مُكّون من مواد مختلفة كالخشب والمسامير والغِرَاء، ولا يمكن أن نطلق على الخشب فقط كلمة كرسي؛ وكذلك لا نستطيع أن نُسمِّي "المسامير" بأنها كراسي.

وعلى هذا نكون قد عرفنا أن حقيقة الكُلّي أن مفرداته متطابقة؛ وإن اختلفت أسماؤها، لكن حقيقة الكُلِّ أن مفرداته غير متشابهة، وتختلف في حقيقتها.

وإذا أردتَ أنْ تُحصِي الكُليّ فأنت تنطق أسماء الأفراد كأن تقول: محمد وأحمد وعلي؛ وهذا ما يُسمّى عداً، وهكذا نفهم أن العَدَّ هو إحصاءُ جزئيات الكلي، أو إحصاء أجزاء الكُلِّ.

ونعلم أنهم قد سَمَّوْا العَدَّ إحصاءً؛ لأنهم كانوا يعدُّون الأشياء قديماً بالحصَى؛ وأُطلِقت كلمة الإحصاء على مُطْلق العَدِّ حساباً للأصل، وعرف عدد أجزاء الكلي أو الكل.

وكان الإنسان في العصور القديمة يَعُد -على سبيل المثال- إلى رقم "مائة"، ثم يحسب كل مائة بحصاة واحدة؛ فإذا تجمّع لديه عَشْر حصوات عرف أن العدد قد صار ألفاً، ومن هنا جاءت كلمة الإحصاء، وفي كثير من أمور عصرنا المتقدم؛ ما زِلْنا نُسمّي بعض الأشياء بمُسمّيات قديمة؛ فنحسب قوة السيارة بقوة الحصان.

وأنت إذا نظرتَ إلى قول الحق سبحانه: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا..) (إبراهيم: 34).

ستجد الكثير من المعاني، ولكن مَنْ يحاولون التصيُّد للقرآن يقولون: إن هذا أمر غَيْر دقيق؛ فما دام قد حدث العَدّ؛ فكيف لا يتم الإحصاء؟ وهؤلاء ينسوْنَ أن المقصود هنا ليس العدّ في ذاته؛ ولكن المقصود هو إرادة العدِّ.

ولو وُجِدت الإرادة فليس هناك قدرة على استيعاب نعم الله، ومن هنا لا نرى تعارضاً في آيات الله، وإنما هو نسق متكامل، فأنت لا تُقبِل على عَدِّ أمر إلا إذا كان غالبُ الظن أنك قادرٌ على العَدِّ، وذلك إذا كان في إمكان البشر، ولكن نعم الله فوق طاقة مقدور البشر.

والمثَل أيضاً على مسألة إرادة الفعل يمكن أن نجده في قوله الحق: (يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ) (المائدة: 6).

ونحن لا نغسل وجوهنا لحظة أن نقومَ بالصلاة؛ ولكننا نغسلها ونستكمل خطوات الوضوء حين يُؤذّن المؤذن ونمتلك إرادة الصلاة، فكأن القول هنا يعني: إذا أردتُم القيام إلى الصلاة فافعلوا كذا وكذا.

ونعلم أن ذِكْر الشيء بسببه كأنه هو؛ ولذلك يُقال: إذا كان الآذان قد أذّن في المسجد؛ وأنت خارج من منزلك بقصد الصلاة؛ فلا تجري لتلحق بالإمام وتُدرك الصلاة؛ لأنك في صلاة من لحظة أنْ توضأْتَ وخرجتَ من بيتك للصلاة؛ وإياك أنْ تفعلَ حركة تتناقض مع الصلاة، وادخل المسجد بسكينة ووقار لتؤدي الصلاة مع الإمام.

وحين نتأمل قول الحق سبحانه: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا..) (إبراهيم: 34).

ستجد أن العادة في اللغة هي استعمال "إن" في حالة الأمر المشكوك فيه، أما الأمر المتُيقّن فنحن نستخدم "إذا" مثل قوله الحق: (إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ) (النصر: 1).

وقد جاء الحق سبحانه هنا بأسلوب الشك حين قال: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا...) (إبراهيم: 34).

ذلك أن العاقل يعلم مُقدّماً أنه سيعجز عن إحصاء نِعَم الله.

وكلنا يعلم أن هناك علماً اسمه "الإحصاء" وله أقسام جامعية متخصصة.

وعلى الرغم من التقدم وصناعة الحاسب الآلي "الكمبيوتر" لم يستطع أحدٌ ولم يُقبِل أحدٌ على إحصاء نِعَم الله في الكون، ذلك أن العدَّ والإحصاء يقتضي كُليّاً له أفراد، أو كُلاً له أجزاء.

وأنت إنْ نظرتَ إلى أيّ نعمة من نعم الله؛ قد تظنها نعمة واحدة؛ ولكنك إنْ فصَّلْتَ فيها ستجدها نِعَماً مُتعدِّدة وشتّى، وهكذا لا يوجد تناقض في قوله الحق: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا..) (إبراهيم: 34).

وأنت إنْ أخذتَ نعمة المياه ستجدها نِعَماً متعددة؛ فهي مُكونّة من عناصر، كل عنصر فيها نعمة؛ وإن أَخذتَ نعمة الأرض ستجد فيها نِعَماً كثيرة مطمورة، وهكذا تكون كل نعمة من الله مطمور فيها نِعمَ متعددة، ولا تُحْصَى.

وحين تنظر في قول الحق سبحانه: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا..) (إبراهيم: 34).

تجد ثلاثة عناصر؛ هي المُنعِم؛ والنعمة التي حكَم الحق سبحانه أنك لن تحصيها، وأن خَلْقه لم يضعوا أنوفهم في أنْ يعدّوا تلك النعمة، فهي لا تحصى لأنها ليست مظنّة الإحصاء؛ ولا يقبل عاقلٌ أن يحصيها.

والعنصر الثالث هو المُنْعَم عليه، وهو الإنسان الذي قد يعجز عن إحصاء نعم رئيسه من البشر عليه - فما بالك بنعم الله التي لا تحصى، وكمالاته التي لا تُحدّ، وعطائه الذي لا ينفد؟

ولله المثل الأعلى، فهو المنزّه عن المثل.

ثم يأتي قول الحق سبحانه: (إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (إبراهيم: 34).

وهنا في سورة إبراهيم نجد قوله الحق مبيناً ظلم الإنسان لنفسه وكفره بالنعمة، وفي كفره للنعمة كفر بالمنعم يقول -سبحانه وتعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ) (إبراهيم: 28-29).

وهؤلاء هم مَنِ ارتكبوا مظالم بالنسبة لعقيدة الوحدانية والإيمان بالله، والإنسان هو المُنْعَم عليه؛ وما كان يصحّ أن يرى كل تلك النعم ثم يكفر بها، وكان من العدل أن يعطي الحق لصاحبه، ولكن بعضاً من البشر بدَّلوا نعمة الله كفراً؛ وهكذا صاروا مِمَّنْ يُطلَق على كل منهم أنه ظلوم في الحكم؛ وأنه كفّار؛ لجحوده بالنعمة ونكرانه عطاء الخالق للمخلوق.

والظلم كما نعرف هو أن تنقل الحق من صاحبه إلى غير صاحبه؛ وإنْ لم تؤمن بالله تكون قد أخذتَ حق الإله في الوجود، وإنْ كنتَ تؤمن بشركاء؛ فأنت تنقل بذلك حقاً من الله إلى غيره وهذا ظلم القمة.

وانظر إلى قول الحق سبحانه في سورة النحل: (وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ وَٱلْنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ٱلْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلامَاتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ * أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ * وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) (النحل: 12-18).

فهل هناك إرادة أو قدرة تستطيع أن تحصي عطاءات الله التي فوق العَدِّ والحدِّ؟ ففي الآيات السابقة وغيرها إعجاز وعجز، وما دام هناك عجز فالكمال عنده لا يتناهى.

إن بعضاً مِمَّنْ يستدركون على القرآن يقولون: كيف يقول القرآن مرة: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (إبراهيم: 34).

ثم يقول في آية أخرى: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) (النحل: 18).

ونردُّ على هؤلاء: أنتم لم تنظروا إلى السياق الذي جاء في كل آية، وعَمِيَتْ بصيرتكم عن معرفة أن سياقَ الآية -التي نحن بصدد خواطرنا عنها- قد جاء فيها ذِكْر النِّعم وذكر الجحود والكفران بالنعم؛ وهذا ناشىء عن ظُلْم الإنسان لنفسه بالظُّلْم العظيم.

وفي آية سورة النحل جاء بِذكْر النعم، ورغم ظُلْمنا إلا أن رحمته سبحانه وَسِعَتْنا، ولم يمنع عنَّا ما أسبغه علينا من نِعَم، وكأنه سبحانه يُوضِّح لنا: إياكم أنْ تستحُوا أنْ تسألوني شيئاً؛ وإنْ كنتم قد ظلمتُم وكفرتُم في أشياء، فظُلْمكم يقابله غفران مِنّى، وكافريتكم يقابلها مني رحمة، وهكذا لا يوجد تعارضٌ بين الآيتين؛ بل كُل تذييل لكل آية مناسبٌ لها، ففي الآية الأولى يعاملنا الله بعدله، وفي الآية الثانية يعاملنا الله بفضله.

ونلحظ أن الحق سبحانه قد قال هنا: (إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (إبراهيم: 34) ونعلم أن هناك أناساً قد آمنوا بالله وبنعمه، ويشكرون الله عليها، فكيف يَصِف الحق سبحانه الإنسان بأنه ظَلوم كفَّار؟ ونقول: إن كلمة "إنسان" إذا أُطلِقتْ من غير استثناء فهي تنصرف إلى الخُسْران والحياة بلا منهج؛ ودون التفات للتفكير في الكون.

والحق سبحانه حين أراد أن يُوضِّح لنا ذلك قال: (وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ) (العصر: 1-2).

ولذلك جاء سبحانه بالاستثناء بعدها، فقال: (إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ) (العصر: 3).

ويقول سبحانه من بعد ذلك: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ...).



سورة إبراهيم الآيات من 31-35 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

سورة إبراهيم الآيات من 31-35 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة إبراهيم الآيات من 31-35   سورة إبراهيم الآيات من 31-35 Emptyالأربعاء 18 ديسمبر 2019, 4:45 pm

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (٣٥)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وحين يقول سبحانه (إذ) أي "اذكر" ويقول من بعد ذلك على لسان إبراهيم (رَبّ) ولم يَقُلْ "يا الله" ذلك أن إبراهيم كان يرفع دعاءه للخالق المربِّي، لذلك قال "ربّي" ولم يَقُل "يا الله" لأن عطاءَ الله تكليفٌ، وأمام التكليف هناك تخيير في أن تفعل ولا تفعل، مثل قوله سبحانه: (وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ) (البقرة: 43).

أما عطاء الربوبية فهو ما يقيم حياة المُصلِّين وغير المُصلِّين.

ولم تَأْتِ مسألة إبراهيم هنا قَفْزاً؛ ولكِنّا نعلم أن القرآن قد نزل، وأول مَنْ سيسمعه هُم السادة من قريش؛ الذين تمتَّعوا بالمهابَةِ والسيادة على الجزيرة العربية؛ ولا يجرؤ أحد على التعرُّض لقوافلها في رِحْلَتَيْ الشتاء والصيف؛ لليمن والشام؛ وهم قد أخذوا المهابة من البيت الحرام.

ولذلك تكلَّم الحق سبحانه عن النعمة العامة لكل كائن موجود تنتظر أُذنه نداء الإسلام؛ وبعد ذلك يتكلم الحق سبحانه عن النعم التي تخصُّهم؛ لذلك قال: (رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ آمِناً..) (إبراهيم: 35).

وقد وردتْ هذه الجملة في سورة البقرة بأسلوب آخر، وهو قول الحق سبحانه: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً) (البقرة: 126).

والفرق بين "البلد" و "بلداً" يحتاج مِنّا أن نشرحه، فـ "بلداً" تعني أن المكان كان قَفْراً؛ ودعا إبراهيم أن يصبحَ هذا المكانُ بلداً آمناً أي: أن يجد مَن يقيمون فيه، يُجدّدون حاجاتهم ومتُطلباتهم؛ وتكون وسائل الرزق فيه مُيسَّرة، ودعاؤه أيضاً شمل طلب الأمن، أي: ألاّ يوجد به ما يُهدّد طمأنينة الناس على يومهم العاديّ ووسائل رزقهم.

وأجاب الحق سبحانه دعاء إبراهيم فصار المكان بلداً؛ وجعله سبحانه آمناً أماناً عاماً؛ لأن الإنسان في أيّ بُقْعة من بقاع الأرض لا يتخذ مكاناً يجلس فيه ويقيم ويتوطّن إلا إذا ضمن لنفسه أسباب الأمن من مُقوّمات حياة ومن عدم تفزيعه تفزيعاً قوياً، وهذا الأمن مطلوب لكل إنسان في أيّ أرض.

وقد دعا إبراهيم -عليه السلام- هذا الدعاء وقت أنْ نزلَ هذا المكان، وكان وادياً غير ذي زرع؛ ولا مُقوّمات للحياة فيه؛ فكان دعاؤه هذا الذي جاء ذِكْره في سورة البقرة.

أما هنا فقد صار المكان بلداً؛ وكان الدعاء بالأمن لثاني مرة؛ هي دعوة لأمن خاص؛ ففي غير هذا المكان يمكن أن تُقطع شجرة؛ أو يصْطاد صَيْد؛ ولكن في هذا المكان هناك أَمْنٌ خاصّ جداً؛ أمنٌ للنبات ولكُلّ شيء يوجد فيه؛ فحتى الحيوان لا يُصَاد فيه؛ وحتى فاعل الجريمة لا يُمَسّ.

وهكذا اختلف الدعاء الأول بالأمن عن الدعاء الثاني؛ فالدعاء الأول: هو دعاء بالأمن العام؛ والدعاء الثاني: هو دعاء بالأمن الخاص؛ ذلك أن كل بلد يوجد قد يتحقق فيه الأمن العام؛ ولكن بلد البيت الحرام يتمتع بأمنٍ يشمل كل الكائنات.

ويقول بعض من السطحيين: ما دام الحق قد جعل البيت حَرَماً آمِناً؛ فلماذا حدث ما حدث من سنوات من اعتداء على الناس في الحرم؟

ونقول: وهل كان أمْن الحرم أمراً "كونياً"، أم تكليفاً شرعياً؟

إنه تكليف شرعي عُرْضة أنْ يُطاع، وعُرضة أن يُعصى.

وقوله سبحانه: (وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً) (آل عمران: 97).

يعني أن عليكم أيُّها المُتبِّعون لدين الله أنْ تُؤمِّنوا مَنْ يدخل الحرم أنهم في أمن وأمان، وهناك فارق بين الأمر التكليفيّ والأمر الكونيّ.

ويقول سبحانه على لسان إبراهيم: (وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ) (إبراهيم: 35).

وهو قَوْل يحمل التنبؤ بما حدث في البيت الحرام على يد عمرو ابن لُحَيٍّ الذي أدخل عبادة الأصنام إلى الكعبة، وهو قَوْل يحمل تنبؤاً من إبراهيم -عليه السلام- ولقائل أنْ يسألَ: وكيف يدعو إبراهيم بذلك، وهو النبي المعصوم؟

كيف يطلب من الحق أن يُجنِّبه عبادة الأصنام؟

وأقول: وهل العصمة تمنع الإنسان أن يدعوَ ربه بدوام ما هو عليه؟

إننا نتلقى على سبيل المثال الأمر التكليفي منه سبحانه: (يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ) (النساء: 136).

وهو أَمرْ بالمداومة.

والحق سبحانه قد قال على لسان رسوله شعيب -عليه السلام-: (قَدِ ٱفْتَرَيْنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا ٱللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّنَا.) (الأعراف: 89).

وفي هذا القول ضراعة إلى المُنعِم علينا بنعمة الإيمان؛ وفي هذا القول الكريم أيضاً إيضاحٌ لطلاقة قدرة الحق سبحانه ونلحظ أن الحق سبحانه قد قال هنا: (وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ) (إبراهيم: 35).

والصنم غير الوثن، فالمُشكَّل بشكل إنسان هو الصنم؛ أما قطعة الحَجَرِ فقد والتي خَصَّها بعضٌ من أهل الجاهلية بالعبادة فهو الوثن.

وهناك مَنْ أراد أنْ يخرج بِنَا من هذا المأزِق؛ فقال: إن الكفر نوعان.

شرك جَلي؛ وشرك خفيّ.

والشرك الجليّ أن يعبدَ الإنسانُ أيّ كائن غير الله؛ والشرك الخفيّ أن يُقدّس الإنسانُ الوسائطَ بينه وبين الله، ويعطيها فوق ما تستحق، وينسب لها بعضاً من قدرات الله.

ودعاء إبراهيم -عليه السلام- أن يُجنِّبه وبنيه أنْ يعبدوا الأصنامَ يقتضي مِنّا أن نفهم معنى كلمة أبناء؛ ذلك أن إبراهيم قصد بالدعاء بنية الذين يَصِلُون إلى مرتبة الرسالة والنبوة مثله؛ ذلك أننا نعلم أن بعضاً من بنية قد عبدوا الأصنام والأوثان.

ومعنى كلمة "أبناء" أوضحه سبحانه في مواطن أخرى.

ونبدأ من قوله: (وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) (البقرة: 124).

أي: بعد أن أخبر الله إبراهيم، وكلّفه بالمهام التي كلفه الله -سبحانه وتعالى- بها على وجه التمام؛ أمّنه الحق على أن يكون إماماً؛ فقال سبحانه: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً) (البقرة: 124).

أي: أن حيثية الإمامة هي أداء إبراهيم -عليه السلام- لكل مهمة بتمامها وبدِقّة وأمانة، وإذا كان هذا هو دستورَ الله في الخَلْق؛ فلا بُدّ لنا من أن نتخلَّقَ بأخلاق الله.

وعلينا ألا نختار أيَّ إنسان لأية مهمة ليكون إمامها، إلا أنْ كان كُفْءً لها ويُحسِن القيام بها.

ولنتذكر قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا ضُيِّعَتِ الأمانةُ فانتظِر الساعة".

قال السائل له عن موعد قيام الساعة: وكيف إضاعتها؟ قال: "إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".

ذلك أن إسناد أيّ أمر لغير أهله إنما هو إفساد في الوجود، لأن الأصل في إسناد أيّ أمر لأي إنسان أن يكون بهدف أن يقومَ بالأمر كما يجب، فإذا كان الاختيار سيئاً؛ فسيكون هذا الإنسان أُسْوة في السوء؛ وتنتقل منه عدوى عدم الإتقان إلى غيره؛ ويتفشَّى السوء في المجتمع، أما إذا تولى الأمر مَنْ هو أَهْلٌ له فالموقف يختلف تماماً، فوضع الإنسان في مكانه اللائق، تعتدل به موازين العدل، وفي اعتدال الميزان استقرار للزمان والمكان والإنسان.

والمَثلُ على ذلك: أن الأولاد الذين تربَّوْا في السعودية؛ ورأَوْا أن يد السارق تُقطع؛ لم نجد منهم مَنْ يسرق؛ لأنهم تربَّوْا على أن السارق تُقطع يده، وفهموا أن الحق سبحانه لحظة أنْ يضعَ عقوبة قاسية؛ فليس هذا إذْنٌ بأن تقع الجريمة؛ بل ألاَّ تقعَ الجريمة.

وحين يتساءل مَنْ يدَّعُون التحضرُّ: كيف يقول القرآن: (لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ) (البقرة: 256).

وحين تجدون مَنْ يخرج عن الدين تقبضون عليه، وينادي البعض بإعدامه؟

ولهؤلاء أقول: وهل هذا الأمر يُحسب على الإسلام أم لصالح الإسلام؟

إنه لصالح الإسلام، ذلك أن مِثْل هذا الحرص على كرامة الدين يُهيِّب الناس أنْ يدخلوا الدين إلا بعد الإقناع المؤدي لليقين، واليقين هو الوصول إلى الدين الحقّ مصحوباً بدليل.

يقول الحق سبحانه: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ) (فصلت: 53).

بهذا نعلم أن دخول الإسلام سيُكلّفه حياته لو أراد أنْ يخرجَ منه، لأنه خرج من اليقين الذي دخله بالدليل.

وحين دعا إبراهيم -عليه السلام- ربه: (رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ آمِناً وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ) (إبراهيم: 35).

كان قد نجح في اختبار الله له، ونجح في أداء ما أُسنِد إليه تماماً؛ وشاء له الحق سبحانه أن يكون إماماً، واستشرف إبراهيم -عليه السلام- أن تكون الإمامة في ذريته؛ فقال: (وَمِن ذُرِّيَّتِي) (البقرة: 124).

فجاءه الجواب من الحق سبحانه: (لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ) (البقرة: 124).

وهكذا أوضح الحق سبحانه أن بُنوه الأنبياء ليست بنوة لَحْم ودم؛ بل بُنُوة اتباع واقتداء، وكلنا نعلم أن الحق سبحانه قد قال لنوح عن ابنه: (فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) (هود: 46).

ونعلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد قال عن سلمان الذي كان فارسياً: "سلمان منا آل البيت".

وفي هذا تأكيد على أن بنُوّة الأنبياء هي بنُوّة اتباعٍ واقتداء.

ويستكمل الحق سبحانه دعاء إبراهيم -عليه السلام-؛ فنجد وَعْي خليل الرحمن بما تفعله عبادة الأصنام: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً...).



سورة إبراهيم الآيات من 31-35 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة إبراهيم الآيات من 31-35
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة إبراهيم الآيات من 26-30
» سورة إبراهيم الآيات من 01-05
» سورة إبراهيم الآيات من 06-10
» سورة إبراهيم الآيات من 21-25
» سورة إبراهيم الآيات من 11-15

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: إبراهيم-
انتقل الى: