منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة إبراهيم الآيات من 21-25

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

سورة إبراهيم الآيات من 21-25 Empty
مُساهمةموضوع: سورة إبراهيم الآيات من 21-25   سورة إبراهيم الآيات من 21-25 Emptyالأربعاء 18 ديسمبر 2019, 6:17 am

وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (٢١)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

والبروز أن يظهر شيء كان خفياً.

ويُقال "رجل بارز" أي: مرموق وقَيْد الأبصار، ولا تُفتَح الدنيا إلا عليه، ويُقال "امرأة بارزة" أي: امرأة تختلط بالرجال وغير مُستترة.

 ويقول سبحانه: (وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً) (الكهف: 47).

أي: سيرى كُلٌّ منا كُلّ الأرض في اليوم الآخر وهي مكتملة؛ لا جزء منها فقط كما يحدث في حياتنا الدنيوية؛ ذلك أن الحق سبحانه قد قال لنا: (فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ) (ق: 22).

ويُقال أيضاً "فرس بارز" وهو ما يطلق على الحصان الذي يفوز عند التسابق مع غيره؛ ولا يستطيع فرس آخر أنْ يسبقه؛ لذلك فهو فرس تراه العين أثناء السباق بوضوح.

 ونعلم أن الخيْلَ في لحظات السباق تثير أثناء تسابقها غباراً -أي: تراباً يُضبِّب المرئيات- فلا يرى أحد تفاصيل الموقع الذي تجري فيه الخيول؛ أما إذا ظهر فرس يسبق الجميع فلا خيول أخرى قريبة منه تثير غباراً يمنع رؤيته بارزاً واضحاً.

 وهنا يقول الحق سبحانه: (وَبَرَزُواْ للَّهِ جَمِيعاً..) (إبراهيم: 21).

ولقائل أن يسأل: وهل كانت هناك أشياء خافية عنه سبحانه ثم برزت؟

ونقول: إنه سبحانه مُنزَّه أن تَخْفى عنه خافية في الأرض أو السماء أو الكون كله، ولكن المقصود هنا أنهم يبرزون عند أنفسهم، ويرون وجودهم واضحاً أمام الحق سبحانه وهم مِنْ قَبْل كانوا: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَىٰ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) (النساء: 108).

وكانوا قد ظَنُّوا أنهم قادرون على أن يخفوا عن ربهم ما كانوا يفعلون؛ ويُبيِّتون ويمكرون؛ ونجدهم يوم القيامة مفضوحين أمام خالقهم؛ حُكْمهم في ذلك حُكْم كل الخَلْق.

أو: برز كل واحد منهم أمام نفسه، ورأى نفسه أمام الله.

 ونعلم أنه سبحانه قد خلق الخَلْق على لونين؛ لونٍ مقهور فيه الإنسان، ولا إرادةَ له: ولَوْنٍ مُخيّر فيه الإنسان، ونسبة ما منح فيه الإنسان الاختيار قليل، إذا ما قيس بما ليس له في اختيار.

 وقد شاء الحق سبحانه ذلك؛ لأنه علم أزلاً أن الإنسان الذي تعوّد على أنْ يتمرّد على الله؛ فهو يُوضِّح له: أنت قد أَلِفْتَ التمرد وقَوْل "لا"، وقد تُجاهِر بالكفر، وتحارب من أجله، وتريد أن تخرج عن مرادات الحق؛ فَإنْ كنت صادقاً في أن هذا الخروج ذاتيّ فيك؛ فتمرّد على القهريات التي تنتابك.

ويعلم الإنسان بالتجربة أنه غَيْرُ قادر على ذلك؛ فلا الفقيرَ يستطيع أن يثرَى دون مشيئة الله؛ والمريض لا يستطيع أن يشفى دون مشيئة الله؛ والضعيف لا يستطيع أن يقوى ضد إرادة الله.

وكل هذا يدل على أن ملكية الله لك لا تزال بالقهر فيك؛ وسيأتي يوم يسلب منك الاختيار.

(لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ) (غافر: 16).

وأنت تبرز بكُلِّ تكوينك لحظتها أمام نفسك، وتجد الحق سبحانه أمامك.

وأنت إما أن تكون بارزاً بكل تكويناتك أمام نفسك لحظة وقوفك أمام خالقك، أو يكون المقصود بقوله الحق وقوف كل الخَلْق أمامه بارزين، سواء أكانوا تابعين أو متبوعين.

 ولحظتها سنجد قوله الحق مُطبقاً.

(فَقَالَ ٱلضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا..) (إبراهيم: 21).

وهكذا نرى أن هناك حواراً بين اثنين من البشر؛ نوع مستكبر، وهم القادة السادة الذين يُلْقون أوامرهم؛ لِيُنفِّذها الضِّعاف، ثم يُفاجأ الضعاف التابعون أن رؤوسهم تساوتْ في اليوم الآخر مع هؤلاء الأقوياءالجبابرة؛ ويروْنَ ما ينتظرهم جميعاً من عذاب؛ فيسأل الضعاف أهلَ الجبروت: (فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ) (إبراهيم: 21).

وهؤلاء المستكبرون سبق لهم أن استكبروا على هؤلاء الضِّعاف بما لهم من قوة وسيادة، أو استكبروا على الرسل إيماناً كما أوضح الحق سبحانه في موقع آخر من القرآن: (وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (الزخرف: 31).

وفي هذا القوْل استكبارٌ على الإيمان، وكأنهم يُعدِّلون على الله -والعياذ بالله- مشيئته وواسع علمه الذي يختار به الرسل.

أو: أنهم قد استكبروا على أنفسهم فلم يؤمنوا؛ أو: أنهم قد استكبروا على الأتباع بما لهم من جاه ونفوذ فلم يقدر الأتباع على مخالفتهم؛ لذلك يقول لهم الأتباع لحظة تساوي الرؤوس: (فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ) (إبراهيم: 21).

وهذا تقريع وخِزْي وفضيحة للتابع.

ونعلم أن الحق سبحانه قال في موقع آخر من القرآن على لسان التابعين: (رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِيلاْ * رَبَّنَآ آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ ٱلْعَذَابِ وَٱلْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً) (الأحزاب: 67-68).

وقد عرض الحق سبحانه هذه المسألة علينا لنتعلم من البداية كيف يكون ميزان التبعية؟ وإياك أن تتبع في أمر إلا إذا اقتنعتَ أنه يأتي لك بخير، وأنه يدفع عنك الشر، ولينتبه كل منا جيداً ولا يعطي زمام قيادة حركة الحياة إلا عن بينة.

 وليتذكر كل منا قوله الحق: (كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ) (الحشر: 16).

فحين يأتيك أمر مخالف لمنهج الله؛ عليك أن تُعْلي منهج الله فوق كل أمر.

وقد أوضح لنا الحق سبحانه ذلك كي ننتَبه جيداً فلا نُلْقي زمام أمورنا لمن نتبع إلا برويّة وبحكمة؛ أيدلُّنا على خير أم يدلُّنا على شر؛ وهل يستطيع أن يدرأَ عنا الشر، وأن يُنجِينا من الإصابة بمكروه؟ فليكُنْ كُلٌّ مِنَّا على بينة من أمره، وقد قال الحق سبحانه في سورة الرحمن: (فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) (الرحمن: 16).

والآلاء هي النعم؛ ومن أَرْقى النعم هي تلك القيم التي أوضحها لنا الحق سبحانه لنسير على هُدَاها في الحياة الدنيا كي لا نُقبِل على الحياة بجهالة؛ بل بتوضيح وتبيان لكل شيء.

وهكذا يجب أن يتصرف التابع مع المتبوع كي لا يقف في موقف الخزي المشترك بين الاثنين في يوم الحساب؛ حيث يقول التابعون للمتبوعين: (إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ..) (إبراهيم: 21).

وهذا القَوْل القرآني يتكلم به ربُّ العالمين؛ وكُلُّ حرف فيه لهدف ومعنى.

 وقوله: (مِنْ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ..) (إبراهيم: 21).

يعني أنهم لن يقدروا أنْ يُخفِّفوا ولو جزءً بسيطاً من عذاب الله، وكأنهم يُسهّلونها عليهم، فيطلبون منهم أن يتحمّلوا؛ أو أنْ يُخففوا عنهم ولو جزءً بسيطاً من العذاب.

والمثَلُ على ذلك حين يطلب إنسان من آخر جنيهاً؛ فيقول له: ليس معي غيره، فيردُّ الطالب: إذنْ أعطني بعضاً منه، وكأنه يطلب ولو رُبْعه أو عشرة قروش منه.

هكذا قال الذين اتبعوا لمن اتبعوهم؛ فماذا يكون الرد من هؤلاء الذين تأبَّوْا على الله إيماناً به؛ ها هم يردُّون على مَنْ سألوهم أنْ يُخفِّفوا ولو جزءاً قليلاً من العذاب: (قَالُواْ لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ) (إبراهيم: 21).

وهكذا يتكشّف كذبهم؛ فهم يدَّعُون أن معنى الهداية هو أنْ يهبَهُم اللهُ الإيمان؛ مُتنَاسين أن معنى الهداية هو الدلالة المُوصِّلة إلى الغاية.

 ولنَا في قول الحق سبحانه ما يُوضِّح المعنى: (وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى) (محمد: 17).

فمَنْ يُقبِل على الإيمان بصدر مُنشرح يجد كُلّ سُبل الخير أمامه؛ أما مَنْ كفر فكيف يهديه الله، وهو قد استحبّ العمى على الهُدى؟ لن يجد بطبيعة الحال أيَّة هداية.

 ويقول الكافرون ذلك لِمَن اتبعوهم في يوم الحشر؛ ذلك أنهم يروْنَ رَأْي العين أن الجنةَ حَقٌّ؛ والنار حَقٌّ، والحساب حَقٌّ؛ لذلك يعترفون أمام مَنِ اتبعوهم في الدنيا بأن الحقَّ سبحانه لو أخذ بيدهم في الحياة الدنيا إلى الإيمان لَقْدناكم إلى هذا الإيمان؛ وهم في ذلك أصحاب رأي مغلوط.

وذلك قولهم: (لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ..) (إبراهيم: 21).

ونعلم أن الإنسان إذا ما وقع في مأزق أقوى من قدراته: ولا فجْوة فيه للنجاة؛ فهو يستقبل هذا المأزق بأحد استقبالين؛ الاستقبال الأول: أن يجزعَ ويتضرعَ؛ والاستقبال الثاني: أنْ يصمدَ ويصبرَ.

وهنا نجد الكافرين يقولون: (سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ) (إبراهيم: 21).

أي: أنهم سواء جَزِعوا وتضرَّعوا أو صبروا وصمدوا فلن يُنجيهم الله مِمَّا هم فيه؛ فلا مَهْرب ولا مَنْجى.

و "حاص" في المكان أي: ذهب إلى هنا أو هناك، ولا يجد راحة؛ ونجد في تعبيرنا العاميّ ما يُصوّر ذلك وهو قولنا "فلان حايص" أي: لا يجد مكاناً يرتاح فيه.

ولذلك يقال: "نَبَتْ بهم الأرض"؛ أي: أن كُلَّ مكان في الأرض يرفضهم؛ ويشرح الحق سبحانه هذه القضية فيقول: (حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ) (التوبة: 118).

وهكذا نرى مَن نَبت بهم الأرض؛ إنما لا تسعهم أنفسهم أيضاً بل تضيق عليهم؛ ونسمع مِمَّنْ يُنكّل بهم الحق في الحياة الدنيا مَنْ يقول: "أنا لا أطيق نفسي”.

وهذا ما يحدث بالفعل لبعض من الناس في لحظات الضيق؛ فتضيق ذات أيٍّ منهم عن حَمْل ذاته، وكأن الواحدَ منهم له ذاتان؛ وكأن الواحد منهم له صورتان؛ الصورة التي تُزيِّن الشهوة؛ وحين تزيد عن الحَدِّ يعود إلى صورة كَارِه الشهوة؛ وهو لا يسعَدُ في الحالتين؛ عشق الشهوة وكراهيتها.

ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: (وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ...).



سورة إبراهيم الآيات من 21-25 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

سورة إبراهيم الآيات من 21-25 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة إبراهيم الآيات من 21-25   سورة إبراهيم الآيات من 21-25 Emptyالأربعاء 18 ديسمبر 2019, 6:18 am

وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٢)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وهنا نجد تصعيداً للحوار؛ فبعد أنْ كان من المتبوعين والتابعين؛ نجد هذا الارتقاء في الحوار ليكون بين الشيطان وبين البشر.

ونلحظ أن الحق سبحانه هنا بالحال الذي يدور فيه الحوار وهو انقضاء الأمر؛ حيث تقرَّر الوَضْع النهائي لكل شيء؛ ولا نقاشَ في أيّ أمر، ولا فرصة للتراجع عما حدثَ.

وقضاءُ الأمر يعني أن يذهب كل إنسان إلى مصيره، فمَنْ كان من أهل الجنة دخلها؛ ومَنْ كان من أهل النار دخلها؛ فقد وصلتْ الأمور الى حَدِّها النهائي الذي لا تتغير من بعده.

 ويفضح الشيطان نفسه فيقول: (إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ..) (إبراهيم: 22).

ووَعْد الله حَقٌّ، لأنه وَعْد مِمَّنْ يملك؛ أما وَعْد الشيطان فقد اختلف؛ لأنه وَعْد بما لا يملك؛ لذلك هو وَعْد كاذب؛ لأن الحق سبحانه هو الأمر الثابت الذي لا يتغير.

وحين تَعِد أنت -الإنسان- إنساناً آخر بخير قادم؛ فهل تضمن أنْ تُواتيك ظروفك على أن تُحقِّق له هذا الأمر؟

ولذلك يوصينا الحق سبحانه أن نقول "إن شاء الله" وبذلك نردّ الوَعْد لله؛ فهو وحده الذي يمكنه أنْ يَعِدَ ويُنفِّذ ما يعِد به.

 وعلى الواحد منا أنْ يحميَ نفسه من الكذب، وأن يقول "إن شاء الله" فإنْ لم تستطع أنْ تحققَ ما وعدت به تكون قد حميتَ نفسك من أنْ تُلِقي اتهاماً بالكذب.

ونجد الشيطان وهو يقول في الآخرة: (وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ..) (إبراهيم: 22).

ذلك أن وَعْده باطل؛ والباطل لَجْلج، وحين تحكم به الآن تُثبت لك الوقائع عكسه، وتجعلك لا تصدق ما حكمتَ به.

ولذلك نجد الحق سبحانه يوضح لنا المسافة بين الحق والباطل فيقول: (فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ) (الرعد: 17).

وهكذا يحاول الشيطان أن يُبرِّيء نفسه رغم عِلْمه أنه قد وعد، وهو لا يملك إنفاذ ما وعد به؛ ولذلك يحاول أن يلصق التهمة بِمَنْ اتبعوه مثله مثل أولئك الذين قالوا: (لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ) (إبراهيم: 21).

فيقول الشيطان من بعد ذلك: (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي) (إبراهيم: 22).

والسلطان -كما نعلم- إما سلطانَ قَهْر أو سلطانَ إقناع.

وسلطان القَهْر يعني أن يملك أحدٌ من القوة ما يقهر به غيره على أنْ يفعلَ ما يكره، بينما يكون كارهاً للفعل.

أما سلطان الحجة فهو أن يملك منطقاً يجعلك تعمل وفق ما يطلبه منك وتحب ما تفعل، وهكذا يعترف الشيطان للبشر يوم الحشر الأعظم؛ ويقول: أريد أنْ أناقشكم؛ هل كان لي سلطان قَهْريّ أقهركم به؟ هل كان لي سلطان إقناع أقنعكم به على اتباع طريقي؟ لم يكن لي في دنياكم هذه ولا تلك، فلا تتهموني ولا تجعلوني "شماعة" تُعلِّقون عليّ أخطاءكم؛ فقد غويتُ من قبلكم وخالفتُ أمر ربي؛ ولم يكن لي عليكم سلطان سوى أن دعوتُكم فاستجبتم لي.

وكل ما كان لي عندكم أنِّي حرَّكْتُ فيكم نوازع أنفسكم، وتحرَّكت نوازع أنفسكم من بعد ذلك لِتُقبِلوا على المعصية.

 إذن: فالشيطان إما أنْ يُحرِّك نوازع النفس؛ أو يترك النفس تتحرك بنوازعها إلى المعصية؛ وهي كافية لذلك.

وسبق أنْ أوضحتُ كيف تُعْرف المعصية، إن كانت من الشيطان تسويلاً استقلالياً أو تسويلاً تبعياً؛ فإنْ وقفتْ النفس عند معصية بعينها؛ وكلما أبعدها الإنسان تُلِح عليه؛ فهذا هو ما تريده النفس من الإنسان حيث تطلب معصية بعينها.

أما نَزْغ الشيطان فهو أن ينتقل الشيطان من معصية إلى أخرى محاولاً غواية الإنسان؛ إنْ وجده رافضاً لمعصية ما؛ انتقل بالغواية إلى غيرها؛ لأن الشيطان يريد الإنسان عاصياً على أيِّ لَوْن؛ فالمهم أنْ يعصي فقط؛ لذلك يحاول أن يدخل الإنسان من نقطة ضعفه؛ فإنْ وجده قوياً في ناحية اتجه إلى أخرى.

 ويعلن الشيطان أنه ليس المَلُوم على ذلك: (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ..) (إبراهيم: 22).

فالملُوم هنا هو مَنْ أقبل على المعصية؛ لا مَنْ أغوى بها.

 ويستمرالحق سبحانه في فَضْح ما يقوله الشيطان لمَنْ أغواهم في اليوم الآخر: (مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ..) (إبراهيم: 22).

هذا هو قَوْل الشيطان الذي سبق وأنْتعالى على آدم لحظة أنْ طلب منه الحق سبحانه أن يسجدَ له مع الملائكة؛ ولكن الموقف هنا هو التساوي بين الذين أغواهم وبينه؛ فهو يعلن أنه لن ينفعهم وهم لن ينفعونه.

 والمُصْرِخ من مادة الصُّراخ من صرخ، وهو رَفْع الصوت بغرض أن يسمعه غيره؛ ولا يطلب مَنْ يصرخ شيئاً آخر غير المعونة فلو أن أحداً عثر على كنز تحت قدميه فلن يصرخ؛ بل يتلفَّت حوله ليرى: هل هناك مَنْ رآه أم لا؟ أما إنْ هاجمه أسد فلا بُدَّ أن يصرخ طالباً النجاة، وهكذا يكون الصراخ له مَأْرب طَلبِ المعونة؛ وهذا لا يتأتَّى إلا ممَّنْ يخاف من مُفزِع.

و "مُصرِخ" يدل على الفعل "أصرخ"، وهو فعل دخلت عليه ما يُسمّى في اللغة "همزة الإزالة”.

والمثل هو كلمة "معجم" أي: الذي يدلُّك على معنى للفظ لِيُزيلَ إبهامه؛ فيقال "أعجم الكتاب" أي: أزال إبهامه، وهذه الهمزة التي دخلتْ تُوضِّح إزالة العُجْمة عن الكلمة.

 والمثل أيضاً على هذه الهمزة؛ هو كلمة "عتب" أي: لامه، وحين تدخل عليها الهمزة تصبح "أعتب" أي: أزال ما به عَتَب.

ونجد في دعائه -صلى الله عليه وسلم- قوله الشريف: "لك العُتْبى حتى ترضى".

أي: إذا كُنتَ يا ربّ تعتب عليَّ في أيِّ شيء؛ فأنا أدعوك أن تُزيل هذا العتب.

وهكذا نجد أن الإزالة تأتي مرة بإضافة الهمزة؛ ومرة تأتي بالتضعيف؛ مثل قولنا "مرَّض الطبيب مريضه" أي: أزال عنه -بإذن من الله- مرضه.

إذن: "مُصْرخ" هو مَنْ يُزيل صراخ آخر؛ فكأن هناك مَن استغاث؛ فجاءه مَنْ يُغيثه.

وهكذا يعلن الشيطان في اليوم الآخر أنه ومَنْ أغواهم في مأزق؛ وأنه غَيْر قادر على إزالة سبب هذا المأزق؛ ولا هُمْ بقادرين على إزالة سبب مأزقه؛ ولن يُغيث أحدهما الآخر.

ويضيف: (إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ..) (إبراهيم: 22).

فأنتم أشركتموني مع الله في الطاعة؛ حين استسلمتُم لغوايتي؛ ولم تكونوا من عباد الله المُخْلصين الذين أقسمتُ أنا بعزة الله ألاَّ أُغويهم؛ وكل منكم نفذ ما أغويته به؛ فناديتكم واستجبتُم؛ وناداكم الله فعصيتُم أو كفرتم.

وصِرْتم مِثْلي، فقد سبق لي أن أمرني الله وعصيتُ.

ويقول الحق سبحانه ما يجيء على لسان الشيطان لمَنْ كفر وعصى: (إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (إبراهيم: 22).

وهذه قضية عامة، قضية الكفر في القمة، فكمَا أطعتُم الشيطان وجعلتموه شريكاً لله؛ فها هو الشيطان يُخبركم بتقدير هذا الموقف؛ بأنه شِرْك بالله؛ وهو يعلن الكفر بهذا؛ لأن يوم الحشر قد جاء؛ وتحقق فيه قول الله له: (فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ * إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ) (الحجر: 37-38).

وكان الشيطان من قبل اليوم المعلوم -وهو اليوم الآخر- يندسُّ ويُوسِوس وينزغ؛ أما في ذلك اليوم فقد برز كل شيء من إنس وجن وكل الكائنات أمام الواحد القهار، ولم يَعُدْ هناك ما يَخْفى عن العين.

وهذا ما خدعوا به أنفسهم، وظنُّوا أنهم قادرون على أن يُخفوا ما فعلوه عن أعْيُن الله؛ ولذلك نجد الحديث القدسي يقول: "يا بني آدم، إنْ كنتم تعتقدون أَنِّي لا أراكم، فالخَلل في إيمانكم، وإن كنتم تعتقدون أَنِّي أراكم فَلِم جَعَلْتموني أهونَ الناظرين إليكم".

وأنت في حياتك اليومية لا تجد مَنْ يسرق من آخر وجهاً لوجه: ولا أحد يحرق بيت أحدٍ أمام عينيه؛ فإنْ كنتم يا معشر البشر لا تفعلون ذلك مع بعضكم البعض؛ فكيف تفعلون ذلك مع خالقكم؛ فتعصونه.

وإنْ شككتُم أنه لا يراكم فالخلل في إيمانكم؛ وإنْ كنتم تعتقدون أنه يراكم فلا تجعلوه أهونَ الناظرين إليكم، لأنه لو نظر إليك إنسان فأنت لا تجرؤ على أن تصنع له ما يكرهه.

 ولذلك يقول الشيطان معترفاً ومُقِراً بأن الظالمين لهم عذاب أليم، والظلم في القمة هو الشرك بالله: (إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان: 13).

وحين نقرأ ذلك إما أنْ نأخذه على أنه إقرار من الشيطان؛ أو نفهمه على أن الشيطان قد قال: (إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ..) (إبراهيم: 22).

 ويقول الحق سبحانه بعدها تلك القضية العامة: (إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (إبراهيم: 22).

فبعد أن تكلم سبحانه عن بروز الخَلْق والكائنات؛ ثم الحوار بين الضعفاء والسادة؛ ثم الحوار بين الشيطان وبين أهل الكفر والمعصية؛ يأتي بالقضية النهائية في الحكم: (إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (إبراهيم: 22).

والمناسبات توحي بمقابلاتها؛ لتكون النفس مُتشوِّقة ومُتقبِّلة لهذا المقابل؛ مثل قول الحق سبحانه: (إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ) (الانفطار: 13).

ويأتي بعدها بالمقابل لها: (وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) (الانفطار: 14).

فكما جاء بمقابل الأشقياء؛ لا بُدّ أن يفتح القلوب لتنعم بسعادة مصير وجزاء الذين سُعِدوا بالإيمان.

 لذلك يقول الحق سبحانه: (وَأُدْخِلَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ...).



سورة إبراهيم الآيات من 21-25 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

سورة إبراهيم الآيات من 21-25 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة إبراهيم الآيات من 21-25   سورة إبراهيم الآيات من 21-25 Emptyالأربعاء 18 ديسمبر 2019, 6:20 am

وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ (٢٣)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وهنا جاء الفعل، ويمكن نسبته إلى ثلاث جهاتٍ.

ولكل جهة مَلْحظ؛ فمرّة يُسنَد الفعل لله سبحانه، ومرّة يُنسب الفعل للملائكة الذين يتلقوْن الأمر من الله بإدخال المؤمنين الجنة؛ ومرّة للمؤمنين الذين يدخلون الجنة بإذن الله.

فالله أدخلهم إذْناً؛ والملائكة المُوكَّلون فتحوا أبواب الجنة لهم؛ والمؤمنون دخلوا بالفعل.

 وهكذا يكون لكُلٍّ مَلْحظ.

 وهناك قراءة أخرى للآية توضح ذلك: "وأُدْخِلُ الذين آمنوا وعملوا الصالحات الجنة" والمتكلم هنا هو الله.

ونلحظ أن الله قال هنا: (وَأُدْخِلَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ..) (إبراهيم: 23).

لكي تضم كلمة "أدخل" أنه سبحانه أذن بدخولهم؛ لأنه قال في نفس الآية: (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) (إبراهيم: 23).

وأن الملائكة المُكلّفين بذلك فتحوا لهم أبوابها.

والمؤمنون دخلوها كل ذلك بإذن الله.

 ونلحظ أن كُلَّ الكلام هنا عن الجنات؛ فما هي الجنات؟

ونقول: إن الجنة في أصل اللغة هي السّتْر، ومنها الجنون أي: سَتْر العقل، والمادة هي: الجيم والنون، والجنة تستر مَنْ فيها بما فيها من أشجار كثيرة بحيث مَنْ يمشي فيها لا يظهر؛ لأن أشجارها تستره.

 أو: أن مَنْ يدخلها يجلس فيها ولا يراه أحد؛ لأن كل خير فيها لا يُلجئه أن يخرج منها.

وتُطلق الجنات على ما في الدنيا أيضاً؛ والحق سبحانه هو القائل: (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ) (البقرة: 266).

ولنا أن نعرف أن الجنةَ غَيْر المساكن التي في الجنة؛ لأن الحق سبحانه يقول: (وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) (التوبة: 72).

والجنة -ولله المثَل الأعلى- هي الحديقة الواسعة؛ وهذا الاتساع مُوزّع على كل مَرْأى عَيْن.

والإنسان -بعجائب تكوينه- يُحِب أن يتخصص في مكان مرة؛ ويحب أن ينتشر في مكان مرة أخرى؛ فيستأجر شقة أو يبني لنفسه بيتاً مستقلاً "فيللا" وفي البيت أو الفيللا يحب الإنسان أن تكون له حجرة خاصة لا يدخلها غيره.

 والإنسان يُقيّم الأشياء على هذا الأساس؛ فينظر مَنْ يرغب في شراء قطعة أرض ليبني عليها بيتاً؛ أهي تُطِلّ على حارة أم على شارع؟

وهل سيستطيع أنْ يعلوَ بالبناء إلى عدة أدوار أم لا؟

وهل سيخصص قطعة من الأرض كحديقة أم لا؟

فإنْ كانت الأرض تُطِل على الفضاء، فحساب المتر ليس بالثمن المدفوع فيه؛ ولكن بقيمة ما يتيحه من اتساع أُفق وفضاء من مزارع أو على البحر مثلاً، حيث لن يتطفلَ عليك أحدٌ في هذا المكان.

 والجنات بهذا الشكل التقريبي؛ هي أماكن مُتسعة، وكل مَنْ يدخلها له فيها مساكن طيبة، تلك الجنات تجري من تحتها الأنهار.

ومَنْ يدخلونها.

 (خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ..) (إبراهيم: 23).

ذلك أن الإنسان يحب التنعُّم؛ ولكن كل تنعُّم في الدنيا هناك ما يُنغِّصه، وهل يدوم أم لا يدوم؟ وكل مِنّا رأى أُناساً عاشت في نعيم؛ ثم نُزِع منها بحكم الأغيار؛ أو تركوه بحكم الموت.

أما جنة الله ونعيمها فالأمر مختلف؛ ذلك أن النعيم هناك لا يفوتُك ولا تفوته؛ لأنه على قَدْر إمكانات ربِّك.

 ونلحظ أن قول الحق سبحانه: (خَالِدِينَ فِيهَا..) (إبراهيم: 23).

يُوضِّح أن الخلودَ في الجنة دائمٌ بإذن من الله.

 ويتابع سبحانه: (تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ) (إبراهيم: 23).

والتحية هو ما يواجه به الإنسان أخاه إثباتاً لسروره بلقائه؛ ولذلك تأتي التحية على مقدار السرور؛ فمرّة تكون التحية بمجرد رَفْع اليد دون مُصَافحة؛ وقد لا تكتفي بذلك في حالة ازدياد المعزَّة التي لصاحبك عندك؛ فتصافحه؛ وقد تأخذه في أحضانك، وهكذا ترتقي في التحية، وهي إعلانُ السرورِ باللقاء.

وتحيةُ الجنة هي السلام؛ لأن السلام أمنُ كل إنسان؛ سلامٌ مع نفسك؛ فلا تُكدِّرها بحديث النفس الذي يندم على ما فات؛ أو الحُلْم بعمل قادم، فالسلام في الجنة لن تجد فيه مُنغِّصاتٍ من الماضي أو الحاضر أو المستقبل؛ وتنسجم مع كل ما حولك في الكون؛ الجماد؛ النبات؛ البشر؛ الملائكة.

ولذلك قال الحق سبحانه تذييلاً لهذه الآية: (تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ) (إبراهيم: 23).

وهذه أفضلُ نعمة، وهي الحياة في سلامٍ وأَمْن، وبعد ذلك تدخُل الملائكة عليهم مصداقاً لقول الحق سبحانه: (وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ) (الرعد: 23-24).

ثم يُلقَّون السلام الأعلى من الله؛ وهو القائل: (سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ) (يس: 58).

وبعد أن شرح الحق سبحانه أحوال أهل القُرْب والسعادة، وأهل البُعْد والشقاء، أراد عز وجل أن يضرب لنا مثلاً يوضح فيه الفارق بين منهج السعداء الذين عاشوا بمنهج الله، ومنهج الأشقياء الذين اتبعوا مناهج شتى غير منهج الله، فقال سبحانه: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ * تُؤْتِيۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا...).



سورة إبراهيم الآيات من 21-25 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

سورة إبراهيم الآيات من 21-25 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة إبراهيم الآيات من 21-25   سورة إبراهيم الآيات من 21-25 Emptyالأربعاء 18 ديسمبر 2019, 6:29 am

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٥)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

والمَثَل هو الشيء الذي يوضح بالجلي الخفي.

وأنت تقول لصديق لك: هل رأيتَ فلاناً؟

فيقول لك: لا لم أرَه؛ فتقول له: إنه يُشبه صديقنا علان.

وهكذا توضح أنت مَنْ خَفِي عن مُخَيلة صديقك بمَنْ هو واضح الصورة في مُخَيلته.

والحق -سبحانه وتعالى- يضرب لنا الأمثال بالأمور المُحسَّة، كي ينقل المعاني إلى أذهاننا؛ لأن الإنسان له إلْفٌ بالمحُسِّ؛ وإدراكات حواسه تعطيه أموراً حسية أولاً، ثم تحقق له المعاني بعد ذلك.

ويقول الحق سبحانه: (إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا) (البقرة: 26).

وقد قال الكافرون: أيضرب الحق مثلاً ببعوضة؟

ذلك أنهم لم يعرفوا أن البعوضة لها حياة، وفيها حركة كأيِّ كائن؛ وتركيبها التشريحي يتشابه مع التركيب التشريحي لكل الأحياء في التفاصيل؛ ويؤدي كل الوظائف الحيوية المطلوبة منه.

ولا أحدَ غير الدارسين لعلم الحشرات يمكن أن يعرف كيف تتنفس، أو كيف تهضم طعامها؛ ولا كيفية وجود جهاز دمويّ فيها؛ أو مكان الغُدد الخاصة بها؛ وهي حشرة دقيقة الصنع.

وهو سبحانه ضرب الأمثال الكثيرة لِيُوضِّح الأمر الخفيّ بأمر جَليّ.

ومن بعد ذلك ينتشر المثَل بين الناس.

ونقول: إن كلمة "ضرب" مثلها مثل "ضرب العملة"، وكان الناس قديماً يأتون بقطع من الفضة أو الذهب ويُشكِّلونها بقدْر وشَكلْ مُحدّد لِتدُل على قيمة ما، وتصير بذلك عُمْلة متداولة، ويُقَال -أيضاً "ضُرِب في مصر" أي: اعتمد وصار أمراً واقعاً.

وكذلك المثَل حين ينتشر ويصبح أمراً واقعاً.

والمثل الذي يضربه الحق سبحانه هنا هو الكلمة الطيبة؛ ولها أربع خصائص: (كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ..) (إبراهيم: 24).

أي: تعطيك طِيباً تستريح له نفسُك؛ إما منظراً أو رائحة أو ثماراً؛ أو كُل ذلك مجتمعاً؛ فقوله: (كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ..) (إبراهيم: 24).

يُوحي بأن كُلّ الحواس تجد فيها ما يُريحها؛ وكلمة "طيبة" مأخوذة من الطِّيب في جميع وسائل الإحساس.

فالخاصية الأولى، أنها شجرة طيبة، أما الخاصية الثانية فهي أن أصلها ثابت، كإيمان المؤمن المحب، والثالثة أن فروعها في السماء، وهذا دليل أيضاً على ثبات الأصل وطيب منبتها.

 أما الخاصية الرابعة فهي أن تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، أي: فيها عطاء المدد الذي لا يعرف الحد ولا العدد، وهي تدل على صفات المؤمنين المحبين.

 وبما أنها شجرة طيبة؛ فهي كائن نباتيّ لا بُدّ لها من أن تتغذَّى لتحفظ مُقوِّمات حياتها.

ومُقوِّمات حياة النبات توجد في الأرض، فإنْ كانت الشجرة مُخَلْخَلة وغير ثابتة فهي لن تستطيع أن تأخذ غذاءها.

ولذلك يقول الحق سبحانه عن تلك الشجرة: (أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ..) (إبراهيم: 24).

وكلنا نظن أن الشجرة تأخذ غذاءها من الجذور فقط؛ ولكن الحقيقة العلمية تؤكد أن الشجرة تأخذ خمسة بالمائة من غذائها عَبْر الجذور؛ والباقي تأخذه من الهواء، وكلما كان الهواء نظيفاً فالشجرة تنمو بأقصى ما فيها من طاقة حتى تكاد أن تبلغ فروعها السماء.

أما إنْ كانت البيئة غيرَ نظيفة ومُلوّثة؛ فالهواء يكون غيرَ نظيف بما لا يسمح للشجرة أن تنمو النمو المناسب؛ فتمُرُّ الأغيار غير المناسبة على الشجرة، فلا تستخلص منها الغذاء المناسب، ولا تنمو النمو المناسب.

اللهم إلا إذا نزل عليها المطر فيغسل أوراقها.

إذن: فقول الحق سبحانه: (أَصْلُهَا ثَابِتٌ..) (إبراهيم: 24).

يعني: أنها تأخذ من الأرض.

وقوله: (وَفَرْعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ..) (إبراهيم: 24).

يُبيِّن أنها تأخذ من أعلى.

ويتابع سبحانه: (تُؤْتِيۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ..) (إبراهيم: 25).

والأُكُل هو ما يُؤْكل ويُتمتَّع به، ولكنّا لا نأخذ المعنى هنا على ما يُؤْكَل بالفم فقط؛ ذلك أن هناك أشجاراً ونباتات طيبة؛ لأن مزاجَ الكون العام يتطلبها؛ فالظل مثلاً يُستفاد منه؛ وكذلك هناك أشجار يتفاعل وجودها مع الأثير؛ ويأخذ منها رائحة طيبة.

والمثل في ذلك: الطفل البدويّ الذي شاهد نخيل جيرانه مثمراً بالبلح، ولكن النخلة التي يملكونها غير مثمرة، وتساءل: لماذا؟

وذهب ليقطعها، فلحقه والده ومنعه من ذلك، وقال له: إن نخلتنا هي الذكر الذي يُنتج اللقاح اللازم لبقية النخيل كي تثمر.

ولذلك فأنا لا أوافق المفسرين الذين ذهبوا إلى تفسير قوله الحق: (كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ..) (إبراهيم: 24).

بأنها مثل شجرة التفاح وغيرها من الأشجار المثمرة؛ ذلك أن كل شجرة حتى ولو كانت شجرة حَنْظل فهي طيبة بفائدتها التي أودعها الحق إياها؛ فشجرة الحنظل نأخذ منها دواءً -قد يكون مرير الطَّعْم- لكنه يشفي بعضاً من الأمراض بإذن الله.

ذلك أن كل ما هو موصوف بشجرة له مهمة طيِّبة في هذا الكون.

وقَوْل الحق سبحانه: (تُؤْتِيۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ..) (إبراهيم: 25).

يدلُّنا على أن هناك قدراً مشتركاً بين الشجر كله؛ مثمراً بما نراه من فاكهة أو غير ذلك.

وقد نبّهنا العِلْم الحديث إلى أن كل خُضْرة إنما تُنَقِّي الجو بما تأخذ منه من ثاني أوكسيد الكربون، وبما تضيف لنا من أوكسجين؛ وتستمر الخضرة في ذلك نهاراً؛ وتقلب مهمتها بإرسال ثاني أوكسيد الكربون ليلاً وامتصاص الأوكسجين، وكأنها مُبَرْمجة على فَهْم أن النهار يقتضي الحركة.

ويحتاج الكائن الحي فيه إلى المزيد من وقود الحركة وهو الأوكسجين؛ والإنسان أثناء الحركة يستهلك كمية كبيرة من الأوكسجين؛ ونجد مَنْ يصعد سُلّماً ينهج لأن رئتيه تحاولان امتصاص أكبر قَدْرٍ من الأوكسجين ليؤكسد الدم، وينتج الطاقة اللازمة للصعود.

وهكذا نجد كل خُضْرة إنما تقوم بوظائف محددة لها سلفاً من قِبلَ الخالق الأعلى.ولذلك اختلف العلماء عند تفسير: (تُؤْتِيۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ إبراهيم: 25).

فمنهم مَنْ قال: إن "الحين" يُطلْق على اللحظة؛ مثل قول الحق سبحانه: (فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ) (الواقعة: 83-84).

وقال مُفسِّر آخر: إن "الحين" يُقصد به الصباح والمساء، والحق سبحانه هو القائل: (فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) (الروم: 17).

وأقول: فلننتبه إلى أن "الحين" هو الوقت الذي يحين فيه المقدور؛ فإذا كان الحين هو لحظةَ بلوغ الرُّوح إلى الحُلْقوم؛ فهذه اللحظة هي المراد بـ "الحين" هنا، وإذا كان المقصود بها زمناً أطول من ذلك؛ صباحاً أو مساء؛ فهذا الزمن ينسحب عليه معنى الحين.والحق سبحانه هو القائل: (وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّاءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ) (البقرة: 177).

والبأس يعني الحرب؛ ومُدة الحرب قد تطول.وكذلك يقول الحق سبحانه: (وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ) (الأعراف: 24).

وهكذا يكون معنى "الحين" هنا هو الأجل غير المُسمّى الذي يمتد إلى أن تتبدّل الأرضُ غيرَ الأرض والسماء غير السماء.

إذن: فلا يوجد توقيت مُحدد المدة يمكن أن نُحدد به معنى "حين”.ويذيل الحق سبحانه الآية الكريمة التي نحن بصدد خواطرنا عنها بقوله: (وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (إبراهيم: 25).

وضَرْب المثل معناه إيقاع شيء صغير لِيدل على شيء كبير؛ أو بشيء جليّ لِيدل على شيء خفيّ؛ لِيُقرِّب المعنويات إلى وسائل الإدراكات الأولى، وهي مُدْركات الحِسِّ من سمع وبصر وبقية وسائل الإدراك.

وحين تأتي المعاني التي تناسب الطموح العقلي؛ فالإنسان يتجاوز مرحلة الحِسِّ إلى المعلومات المعنوية؛ فيقربها الحق سبحانه بأن يضرب لنا الأمثال التي توصل لنا المعنى المطلوب إيصاله.

والحق سبحانه لا يستحي -كما قال- أنْ يضربَ مثلاً بالبعوضة وما فوقها.

والبعض من المستشرقين يقول: ولماذا لم يَقُلْ "وما تحتها"؟

ونقول لِمَنْ يقول ذلك: أنت لم تفهم اللغة العربية؛ لذلك لم تستقبل القرآن بالمَلَكة العربية؛ ذلك أن المَثل يُضرَب بالشيء الدقيق؛ وما فوق الدقيق هو الأدقُّ.

والحق سبحانه يضرب لنا المَثل للحياة الدنيا، وهي الحياة التي من لَدُن خَلْق الله للإنسان؛ ذلك أنه كانت هناك أجناسٌ أخرى قبل الإنسان، وهو سبحانه هنا يُوضِّح لنا بالمثَل ما يخص الحياة من لحظة خَلْق آدم إلى أنْ تقومَ الساعة، وهو يطويها -تلك الحياة الطويلة العريضة التي تستغرق أعمال أجيالٍ- ويعطيها لنا في صورة مَثَلٍ موجز، فيقول لنا: (وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ ٱلرِّياحُ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً) (الكهف: 45).

وهكذا يطوي الحق سبحانه الحياة كلها في هذا المثل من ماء ينزل ونبات ينمو لينضج ثم تذروه الرياح.

وأيضاً يقول الحق سبحانه: (ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً) (الحديد: 20).

وهكذا يطوي الحق سبحانه الحياة الدنيا بطُولها وعَرْضها في هذا المَثل البسيط لنرى ما يُوضِّح لنا المعاني الخفية في صورة مُحسَّة بحيث يستطيع العقل الفطري أن يُدرِك ما يريده الله منها.

ونعلم أن المُحسَّات تدرك أولاً بعض الأشياء؛ ثم ترتقي إلى مرتبة التخيُّل؛ ثم يأتي التوهُّم؛ فمراحل الإدراك للأشياء الخفية هي الحِس أولاً؛ ثم التخيل ثانياً؛ ثم التوهم ثالثاً.

والتخيُّل هو أن تجمع صورة كلية ليس لها وجود في الخارج؛ وإنْ كانت مُكوَّنة من مادة وأشياء موجودة في هذا الخارج.

والمَثل على ذلك هو قول الشاعر الذي أراد أنْ يصف الوَشْم على يد حبيبته، فقال:
خوض كأنَّ بَنانَها في نَقْشهِ الوَشْم المُزرد
سَمكٌ من البِلَّور فيشَبَكٍ تكوَّن من زَبرجَدِ

وحين تبحث في الصورة الكلية لتلك الأبيات من الشعر؛ لن تجدها موجودة في الواقع؛ ولكن الشاعر أوجدها من مُكوِّنات ومُفْردات موجودة في الواقع؛ فالسمك موجود ومعروف؛ والبِلَّور موجود ومعروف؛ وكذلك الشَّبك والزبرجد، وقام الشاعر بنسج تلك الصورة غير الموجودة من أشياء موجودة بالفعل، وهذا هو الخيال الذي يُقرِّب المعنى.

والتوهمُّ يختلف عن الخيال؛ فإذا كان التخيُّل هو تكوين صورة غير موجودة في الواقع من مفردات موجودة في هذا الواقع؛ فالتوهُّم هو صورة غير موجودة في الواقع، ومُكوَّن من مفردات غير موجودة في الواقع.

والحق سبحانه يقول لنا عن الجنة: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ) (الزخرف: 71).

ويشرح الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذلك بمذكرة تفسيرية، فيقول: "فيها مَا لا عَيْنٌ رأتْ، ولا أذن سمعتْ، ولا خَطَر على قَلْب بشر".

والعَيْن وسيلة إدراك وحِسٍّ؛ وكذلك الأذن، أما ما لا يخطر على القلب فهو ليشرحه الخيال أو الوَهْم.

وهكذا نعلم لماذا يضرب الله لنا الأمثال؛ لِيُوجِز لنا ما يشرح ويُوضِّح بأشياء قريبة من الفهم البشري.

وأنت حين تريد أن تكتب لصديق؛ فقد تُمسِك الورقة والقلم وتُدبِّج رسالة طويلة؛ ولكن إنْ كنتَ تملك وقتك فستحاول أن تُركِّز كل المعاني في كلمات قليلة.

وكلنا يذكر ما كتبه سعد زغلول زعيم ثورة 1919 المصرية لواحد من أصدقائه بعد أن سطَّر له رسالة في خمس صفحات؛ وأنهاها: "إني أعتذر عن الإطالة في الخطاب، فلم يكُنْ عندي وقت للإيجاز" وذلك لأن مَنْ يُوجِز إنما يضع معاني كثيرة في كلمات قليلة.

وحين طلب أحد القادة المسلمين النُّصْرة من خالد بن الوليد؛ وكان القائد الذي يطلب المساعدة مُحَاصَراً؛ وأرسل لخالد بن الوليد كلمتين اثنتين "إيَّاك أريد"، وهكذا اختصر القائد المُحاصر ما يرغب إيصاله إلى مَنْ يُنجده، بإيجاز شديد.

والشاعر يقول:
إذَا أرادَ الله نَشْرَ فَضِيلَة طُوِيَتْ أتاحَ لَهَا لِسَانَ حَسُودِ
لَوْلاَ اشتِعالُ النَّارِ فِيمَا جَاورَتْمَا كَان يُعْرَف طِيِبُ عَرْفِ العوُدِ

أي: أنه إذا كانت هناك فضيلة مكتومة نسيها الناس؛ فالحقُّ سبحانه يتيح لها لسانَ حاسدٍ حاقد لِيثُرثر ويُنقِّب؛ لتظهر وتنجلي؛ مثلما يُوضَعُ خشب العود -وهو من أَرْقَى ألوان البخور- في النار، فينتشر عِطْره بين الناس.

وهكذا ضرب الشاعر المَثَل لِيُوضِّح أمراً ما للقارئ أو السامع.

ويقول الشاعر ضارباً المَثل أيضاً:
وإذَا امْرؤٌ مدحَ امْرءاً لِنَوالِه وأَطَالَ فِيه فقدْ أطَالَ هِجَاءَهُ
لَوْ لَمْ يُقدِّر فيه بُعْد المُسْتقَى عند الوُرودِ لَمَا أطالَ رِشَاءَهُ

والمقاييس العادية تقول: إن المرء حين يمدح أحداً لفترة طويلة، فهذا يعني الرِّفْعة والمجد للممدوح.

ولكن حين يقرأ أحدٌ قول هذا الشاعر قد يتعجَّب ويندهش، ولكنه يتوقف عند قول الشاعر أن الماء لو كان قريباً في البئر؛ لأخرجه العطشان بدلو مربوط بحبل قصير؛ ولكن إنْ كان الماء على بُعْد مسافة في البئر فهذا يقتضي حبلاً طويلاً لينزل الدلو إلى الماء.

وهذا يعني أن طول المدح إنما يُعبِّر عن فظاظة الممدوح الذي لا يستجيب إلا بالثناء الطويل؛ ولو كان الممدوح كريماً حقاً لاكتفى بكلمة أو كلمتين في مدحه.

وهكذا يكون ضَرْبُ المثل توضيحاً وتقريباً للذهن.

وهنا قال الحق سبحانه: (وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (إبراهيم: 25).

والتذكر معناه أن شيئاً كان معلوماً بالفطرة؛ ولكن الغفلة طرأتْ؛ فيأتي المَثَلُ ليُذكِّر بالأمر الفطريّ.

وبعد أن ضرب الحق سبحانه المثل بالكلمة الطيبة بياناً لحال أهل القُرْب من الله والود معه واتباع منهجه، أراد انْ يذكُرَ لنا المقابل، وهو حال الأشقياء الذين أعرضوا عن الله، وعن منهجه، فيقول -سبحانه وتعالى-: (وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ...).



سورة إبراهيم الآيات من 21-25 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة إبراهيم الآيات من 21-25
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة إبراهيم الآيات من 31-35
» سورة إبراهيم الآيات من 01-05
» سورة إبراهيم الآيات من 26-30
» سورة إبراهيم الآيات من 06-10
» سورة إبراهيم الآيات من 11-15

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: إبراهيم-
انتقل الى: