أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: سورة الرعد الآيات من 41-43 السبت 07 ديسمبر 2019, 8:01 am | |
| أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (٤١) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
و (يَرَوْاْ) هنا بمعنى "يعلموا"، ولم يَقُلْ ذلك؛ لأن العلم قد يكون عِلْماً بغيب، ولكن "يروا" تعني أنهم قد علموا ما جاء بالآية عِلْم مشهد ورؤية واضحة، وليس مع العين أَيْن.
وإذا جاء قول الحق سبحانه ليخبرنا بأمر حدث في الماضي أو سيحدث في المستقبل؛ ووجدنا فيه فعل الرؤية؛ فهذا يعني أننا يجب أن نؤمن به إيمان مَشْهدٍ، لأن قوله سبحانه أوثق من الرؤية، وعلمه أوثق من عينيك.
وسبق أن قال الحق سبحانه لرسوله: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ) (الفيل: 1).
ونعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد وُلِد في عام الفيل، ولا يمكن أن يكون قد رأى ما حدث لأصحاب الفيل، ولكنه صَدَّق ما جاء به القول الحق وكأنه رؤيا مَشْهدية.
وقال الحق سبحانه: (أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً) (الفرقان: 45).
وحين يُعبِّر القرآن عن أمر غيبي يأتي بفعل "يرى" مثل قوله الحق: (وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ) (السجدة: 12).
وحين يتكلم القرآن عن أمر معاصر يقول: (أَفَلاَ يَرَوْنَ) (الأنبياء: 44).
وهنا يقول الحق سبحانه: (أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا..) (الرعد: 41).
وهذا قول للحاضر المعاصر لهم.
وتعريف الأرض هنا يجعلها مجهولة، لأننا حين نرغب في أن نُعرِّف الأرض؛ قد يتجه الفكر إلى الأرض التي نقف عليها؛ وبالمعنى الأوسع يتجه الفكر إلى الكرة الأرضية التي يعيش عليها كل البشر.
وقد تُنسَبُ الأرض إلى بقعة خاصة وقع فيها حَدَثٌ ما؛ مثل قول الحق سبحانه عن قارون: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ) (القصص: 81).
ويقول الحق سبحانه عن الأرض كلها: (وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ) (النور: 55).
وبطبيعة الحال هم لن يأخذوا كل الأرض، ولكن ستكون لهم السيطرة عليها.
وسبحانه يقول أيضاً: (فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ) (الأعراف: 73).
وهكذا نفهم أن كلمة "الأرض" تطلق على بُقعة لها حَدث خاص، أما إذا أُطلقتْ؛ فهي تعني كل الأرض، مثل قول الحق سبحانه: (وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ) (الرحمن: 10).
ومثل قوله تعالى لبني إسرائيل: (وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ) (الإسراء: 104).
مع أنه قد قال لهم في آية أخرى: (ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ) (المائدة: 21).
فبعد أنْ حَدَّد لهم الأرض بموقع معين عاد فأطلق الكلمة، ليدل على أنه قد شاء ألاَّ يكون لهم وَطَن، وأنْ يظلُّوا مُبعْثرين، ذلك أنهم رفضوا دخول الموقع الذي سبق وأنْ حَدَّده لهم وقالوا: (إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا) (المائدة: 24).
ولذلك قال الحق سبحانه في موقع آخر: (وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً) (الأعراف: 168).
أي: جعلنا كل قطعة بما تحويه من تماسك متفرقة عن القطعة الأخرى، وهذا هو حال اليهود في العالم؛ حيث يُوجَدُونَ في أحياء خاصة بكل بلد من بلاد العالم؛ فلم يذوبوا في مجتمع ما.
وقوله الحق هنا: (أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا..) (الرعد: 41).
مُوجَّه إلى قريش، فقد كانت لهم السيادة ومركزها مكة، ثم من بعد ذلك وجدوا أن الموقف يتغيَّر في كُلِّ يوم عن اليوم الآخَرِ؛ ففي كل يوم تذهب قبيلة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المدينة لِتعلِنَ إسلامها وتبايعه.
وهكذا تنقص أمام عيونهم دائرة الكفر، إلى أن أعلنوا هم أنفسهم دخولهم في الإسلام.
وهكذا شاء الحق سبحانه أن نقصتْ أرضُ الكفر، وازدادتْ أرض الإيمان، ورَأَوْا ذلك بأنفسهم ولم يأخذوا عِبْرةً بما رَأَوْه أمام أعينهم من أن الدعوة مُمْتدة، ولن تتراجع أبداً، حيث لا تزداد أرض إلا بمكين فيها.
والمكين حين ينقص بموقعه من معسكر الكفر فهو يُزيد رُقْعة الإيمان؛ إلى أنْ جاء ما قال فيه الحق سبحانه: (إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً) (النصر: 1-3).
وهناك أناس مُخْلِصون لدين الله، ويحاولون إثبات أن دين الله فيه أشياء تدلُّ على المعاني التي لم تُكتشَفْ بعد، فقالوا على سبيل المثال فَوْر صعود الإنسان إلى القمر: لقد أوضح الحق ذلك حين قال: (يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ فَٱنفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ) (الرحمن: 33).
وقالوا: إنه سلطان العلم.
ولكن ماذا يقولون في قوله بعدها: (يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ) (الرحمن: 35).
فهل يعني ذلك أنه أباح الصعود بسلطان العلم كما تقولون؟
ولهؤلاء نقول: نحن نشكر لكم محاولة رَبْطكم للظواهر العلمية بما جاء بالقرآن، ولكن أين القمر بالنسبة لأقطار السماوات والأرض؟
إنه يبدو كمكان صغير للغاية بالنسبة لهذا الكون المُتَّسع، فأين هو من النجم المسمَّى بالشِّعْرى، أو بسلسلة الأجرام المُسمَّاة بالمرأة المُسلْسلَة؟
بل أين هو من المَجَرَّات التي تملأ الفضاء؟
وحين تنظر أنت إلى النجوم التي تعلوك تجد أن بينك وبينها مائة سنة ضوئية، ولو كنت تقصد أن تربط بين سلطان العلم وبين القرآن، فعليك أنْ تأخذ الاحتياط، لأنك لو كنت تنفذُ بسلطان العلم لما قال الحق سبحانه بعدها: (يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ) (الرحمن: 35).
وإنْ سألتَ: وما فائدة الآية التي تحكي عن هذا السلطان؛ فهي قد جاءتْ لأن الرسول قد أخبر القوم أنه صعدَ إلى السماء وعُرِج به، أي: أنه صُعِد وعُرِج به بسلطان الله.
وهنا يقول الحق سبحانه: (أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا..) (الرعد: 41).
وكلمة "أطراف" تدلنا على أن لكل شيء طُولاً وعَرْضاً تتحدد به مساحته؛ وكذلك له ارتفاع ليتحدد حجمه.
ونحن نعرف أن أيَّ طول له طرفان، وإنْ كان الشيء على شكل مساحي تكون أطرافه بعدد الأضلاع.
ومادام الحق سبحانه يقول هنا: (مِنْ أَطْرَافِهَا..) (الرعد: 41).
أي: من كل نقطة من دائرة المحيط تعتبر طرفاً.
ومعنى ذلك أنه سبحانه قد شاء أنْ تضيق أرض الكفار، وأنْ يُوسِّع أرض المؤمنين من كل جهة تحيط بمعسكر الكفر، وهذا القول يدل على أنه عملية مُحْدَثة، ولم تكن كذلك من قبل.
ويتابع سبحانه من بعد ذلك: (وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ..) (الرعد: 41).
أي: أن الموضوع قد بُتَّ فيه وانتهى أمره..
ونحن في حياتنا اليومية نقول: "هذا الموضوع قد انتهى؛ لأن الرئيس الكبير قد عقَّب على الحكم فيه”.
ونحن في القضاء نجد الحكم يصدر من محكمة الدرجة الابتدائية، ثم يأتي الاستئناف ليؤيد الحكم أو يرفضه، ولا يقال: إن الاستئناف قد عقَّب على الحكم الابتدائي؛ بل يُقال: إنه حكم بكذا إما تأييداً أو رَفْضاً؛ فما بالنا بحكم مَنْ لا يغفل ولا تخفى عنه خافية، ولا يمكن أن يُعقِّب أحد عليه؟
والمَثلُ في ذلك ما يقوله الحق سبحانه عن سليمان وداود عليهما السلام: (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ٱلْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً) (الأنبياء: 78-79).
وأَصْل الحكاية أن خلافاً قد حدث بسبب أغنام يملكها إنسان؛ واقتحمتْ الأغنامُ زراعةَ إنسانٍ آخر؛ فتحاكموا إلى داود -عليه السلام-؛ فقال داود: إن على صاحب الأغنام أن يتنازل عنها لصاحب الأرض.
وكان سيدنا سليمان -عليه السلام- جالساً يسمع أطراف الحديث فقال: لا.
بل على صاحب الأغنام أن يتنازل عن أغنامه لصاحب الأرض لفترة من الزمن يأخذ من لبنها ويستثمرها، وينتفع بها إلى أن يزرع له صاحب الغنم مثلَ ما أكلتْ الأغنام من أرضه.
وقال الحق سبحانه: (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ) (الأنبياء: 79).
وهذا هو الاستئناف، ولا يعني الاستئناف طَعْنَ قاضٍ في القاضي الأول؛ لكنه بَحْثٌ عن جوهر العدل؛ ولعل القضية إنْ أُعيدَتْ لنفس القاضي الأول لَحكَم نفس الحكم الذي حكم به الاستئناف بعد أن يستكشف كل الظروف التي أحاطتْ بها.
وهنا يقول الحق سبحانه: (وَٱللَّهُ يَحْكُمُ..) (الرعد: 41).
ولحظة أن يُصدِر الله حُكْماً؛ فلن يأتي له استئناف، وهذا معنى قوله الحق: (لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ..) (الرعد: 41).
وكأن هذا القول الحكيم يحمل التنبؤ بما أشار به القضاء بإنشاء الاستئناف؛ ولا أحد يُعقِّب على حُكْم الله؛ لأن المُعقِّب يفترض فيه أن يكون أيقظَ من المُعقَّب عليه؛ وعنده قدرةُ التفاف إلى ما لم يلتفت إليه القاضي الأول، ولا يوجد قَيُّوم إلا الله، ولا أحدَ بقادر على أن يعلم كل شيء إلا هو سبحانه وآفة كل حُكْم هو تنفيذه؛ ففي واقعنا اليومي نجد مَنِ استصدر حُكْماً يُعاني من المتاعب كي يُنفِّذه؛ لأن الذي يُصدِر الحكم يختلف عَمَّنْ ينفذه، فهذا يتبع جهة، وذاك يتبع جهة أخرى.
ولكن الحُكْم الصادر من الله؛ إنما يُنفَّذ بقوته سبحانه، ولا يوجد قويٌّ على الإطلاق سِوَاه، ولذلك يأتي قوله الحق: (وَهُوَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ) (الرعد: 41).
فكأن الله يُنبِّهنا بهذا القول إلى أن الحكم بالعدل يحتاج إلى سرعة تنفيذ.
ونحن نرى في حياتنا اليومية: كيف يُرْهق مَنْ له حكم بحقٍّ عادل؛ ولو أننا نُسرِع بتنفيذ الأحكام لَسادَتْ الطمأنينةُ قلوبَ أفراد المجتمع.
ونحن نجد استشراء العصبيات في الأخذ بالثأر إنما يحدث بسبب الإبطاء في نظر القضايا؛ حيث يستغرق نظر القضية والحكم فيها سنواتٍ؛ مِمَّا يجعل الحقدَ يزداد.
لكن لو تَمَّ تنفيذ الحكم فَوْرَ معرفة القاتل، وفي ظل الانفعال بشراسة الجريمة؛ لَمَا ازدادتْ عمليات الثأر ولَهدأَت النفوس.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: (وَقَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ ٱلْمَكْرُ...). |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة الرعد الآيات من 41-43 السبت 07 ديسمبر 2019, 8:02 am | |
| وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (٤٢) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
وهنا يخبر الحق سبحانه رسوله، وأيُّ سامع لهذا البلاغ يستقرئ موكب الرسالات السابقة؛ وسيجد أن كُلَّ أمة أُرسِل لها رسول مكرتْ به وكادتْ له كي تبطل دعواه، ولم ينفع أي أمة أيّ مكر مَكرتْه أو أيّ كَيْدٍ كَادَتْهُ، فكُلُّ الرسالات قد انتصرتْ.
فسبحانه القائل: (كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ) (المجادلة: 21).
وهو القائل: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ) (الصافات: 171-173).
والحق سبحانه حين يُورِد حُكْماً فبالقرآن؛ وهو الذي حفظ هذا القرآن؛ فلن تأتي أيُّ قضية كونية لتنسخ الحكم القرآني.
وأنت إذا استقرأتَ مواكب الرسل كلها تجد هذه القضية واضحة تماماً؛ كما أثبتها الحق سبحانه في القرآن المحفوظ؛ وما حفظه سبحانه إلا لوثوقه بأن الكونيات لا يمكن أن تتجاوزه.
وبالفعل فقد مكرتْ كُلُّ أمة برسولها؛ ولكن الحق سبحانه له المكر جميعاً؛ ومَكْر الله خَيْرٌ للبشرية من مَكْر كل تلك الأمم؛ ومَكْره سبحانه هو الغالب، وإذا كان ذلك قد حدث مع الرسل السابقين عليك يا رسول الله؛ فالأمر معك لابد أنْ يختلفَ لأنك مُرْسَلٌ إلى الناس جميعاً، ولا تعقيبَ يأتي من بعدك.
وكُلُّ تلك الأمور كانت تطمئنه -صلى الله عليه وسلم-؛ فلابد من انتصاره وانتصار دعوته؛ فسبحانه محيط بأيِّ مَكْر يمكره أيُّ كائن؛ وهو جَلَّ وعلاَ قادر على أنْ يُحبِط كل ذلك.
ويتابع سبحانه في نفس الآية: (يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ ٱلْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى ٱلدَّارِ) (الرعد: 42).
والحق سبحانه يعلم ما يخفى عن الأعين في أعماق الكائنات؛ خَيْر هو أو شَرّ، ويحمي مَنْ شاءَ من عباده من مَكْر الماكرين، ويُنزِل العقاب على أصحاب المَكْر السيء بالرسل والمؤمنين.
ولَسوفَ يعلم الكافرون أن مصيرهم جهنم، وبئس الدار التي يدخلونها في اليوم الآخر؛ فَضْلاً عن نُصْرة رسوله -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا وخِزْيهم فيها.
وهكذا يكونون قد أخذوا الخِزْي كجزاءٍ لهم في الدنيا؛ ويزدادون عِلْماً بواقع العذاب الذي سَيلقََوْنَهٌ في الدار الآخرة.
ويُنهي الحق سبحانه سورة الرعد بهذه الآية: (وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ...). |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة الرعد الآيات من 41-43 السبت 07 ديسمبر 2019, 8:03 am | |
| وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (٤٣) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
ونفهم من كلمة: (لَسْتَ مُرْسَلاً..) (الرعد: 43).
أن الكافرين يتوقفون عند رَفْض الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ وكأن كُلَّ أمانيهم أن يَنْفُوا عنه أنه رسولٌ اصطفاه الحق سبحانه بالرسالة الخاتمة؛ بدليل أنهم قالوا: (لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (الزخرف: 31).
ومن بعد ذلك قالوا: (ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (الأنفال: 32).
أي: أن فكرة الإرسال لرسول مقبولة عندهم، وغير المقبول عندهم هو شخص الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
ولذلك يأمر الحق سبحانه رسوله -صلى الله عليه وسلم-: (قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَابِ) (الرعد: 43).
والشهيد كما نعلم هو الذي يرجح حُكْم الحق، فإذا ما ظهر أمر من الأمور في حياتنا الدنيا الذي نحتاج إلى حُكْم فيها؛ فنحن نرفع الأمر الذي فيه خلاف إلى القاضي، فيقول: "هاتوا الشهود”.
ويستجوب القاضي الشهود ليحكمَ على ضَوْء الشهادة؛ فَما بالُنَا والشاهد هنا هو الحقُّ سبحانه؟
ولكن، هل الله سيشهد، ولِمَنْ سيقول شهادته؛ وهم غَيْرُ مُصدِّقين لكلام الله الذي نزل على رسوله -صلى الله عليه وسلم-؟
ونقول: لقد أرسله الحق سبحانه بالمعجزة الدَّالة على صِدْق رسالته في البلاغ عن الله، والمعجزة خَرْقٌ لنواميس الكون.
وقد جعلها الحق سبحانه رسالةً بين يدي رسوله وعلى لسانه؛ فهذا يعني أنه سبحانه قد شهد له بأنه صادق.
والمعجزة أَمْر خارق للعادة يُظهِرها الله على مَنْ بلغ أنه مُرْسَل منه سبحانه، وتقوم مقام القول "صدق عبدي فيما بلغ عنِّي”.
وإرادة المعجزة ليست في المعنى الجزئي؛ بل في المعنى الكُليّ لها.
والمثل في المعجزات البارزة واضح؛ فها هي النار التي أَلْقَوْا فيها إبراهيم -عليه السلام-، ولو كان القَصْد هو نجاته من النار؛ لكانت هناك ألفُ طريقة ووسيلة لذلك؛ كأنْ تُمطِر الدنيا؛ أو لا يستطيعون إلقاء القبض عليه.
ولكن الحق سبحانه يوضح لهم من بعد أن أمسكوا به، ومن بعد أن كبَّلوه بالقيود، ومن بعد أن ألقوْه في النار؛ ويأتي أمره بأن تكون النار برداً وسلاماً عليه فلا تحرقه: (قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ) (الأنبياء: 69).
وهكذا غيّر الحق سبحانه الناموس وخَرَقه؛ وذلك كي يتضح لهم صِدْق إبراهيم فيما يبلغ عن الله؛ فقد خرَق له الحق سبحانه النواميس دليلَ صحة بلاغه.
وإذا كان الحق سبحانه قد قال هنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها: (وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ..) (الرعد: 43).
وشهادة الحق سبحانه لرسوله بصدق البلاغ عنه؛ تتمثل في أنه -صلى الله عليه وسلم- قد نشأ بينهم، وأمضى أربعين عاماً قبل أن ينطق حرفاً يحمل بلاغه أو خطبة أو قصيدة، ولا يمكن أن تتأخرَ عبقرياتُ النبوغ إلى الأربعين.
وشاء الحق سبحانه أن يجري القرآن على لسان رسوله في هذا العمر ليبلغ محمد -صلى الله عليه وسلم- الناسَ جميعاً به، وهذا في حَدِّ ذاته شهادة من الله.
ويضيف سبحانه هنا: (وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَابِ) (الرعد: 43).
والمقصود بالكتاب هنا القرآن؛ ومَنْ يقرأ القرآن بإمعان يستطيع أن يرى الإعجاز فيه؛ ومَنْ يتدبر ما فيه من مَعَانٍ ويتفحَّص أسلوبه؛ يجده شهادة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أو يكون المقصود بقوله الحق: (وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَابِ) (الرعد: 43).
أي: هؤلاء الذين يعلمون خبر مَقْدِم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من التوراة والإنجيل؛ لأن نعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصفته مذكورة في تلك الكتب السابقة على القرآن؛ لدرجة أن عبد الله بن سلام، وقد كان من أحبار اليهود قال: "لقد عرفت محمداً حين رأيته كمعرفتي لابني ومعرفتي لِمُحمد أشد”.
ولذلك ذهب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال له: يا رسول الله إن نفسي مالتْ إلى الإسلام، ولكن اليهود قوم بُهَتٌ، فإذا أعلنتُ إسلامي؛ سيسبُّونني، ويلعنوني، ويلصقون بي أوصافاً ليست فيّ.
وأريد أنْ تسألهم عنِّي أولاً.
فأرسل لهم رسول الله يدعو صناديدهم وكبار القوم فيهم؛ وتوهموا أن محمداً قد يلين ويعدل عن دعوته؛ فجاءوا وقال لهم -صلى الله عليه وسلم-: "ما تقولون في ابن سلام؟" فأخذوا يكيلون له المديح؛ وقالوا فيه أحسن الكلام.
وهنا قال ابن سلام: "الآن أقول أمامكم، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله"، فأخذوا يسبُّون ابن سلام؛ فقال ابن سلام لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ألم أَقُلْ إن يهود قوم بهت؟
ونعلم أن الذين كانوا يفرحون من أهل الكتاب بما ينزله الحق سبحانه على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من وحي هم أربعون شخصاً من نصارى نجران؛ واثنان وثلاثون من الحبشة؛ وثمانية من اليمن.
ونعلم أن الذين أنكروا دعوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانوا ينهوْنَ بعضهم البعض عن سماع القرآن؛ وينقل القرآن عنهم ذلك حين قالوا: (لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) (فصلت: 26).
وهذا يعني أنهم كانوا متأكدين من أن سماع القرآن يُؤثِّر في النفس بيقظة الفطرة التي تهفو إلى الإيمان به.
أما مَنْ عندهم عِلْم بالكتب السابقة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهم يعلمون خبر بعثته وأوصافه من كتبهم.
يقول الحق سبحانه: (ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ) (البقرة: 146).
ويقول أيضاً: (فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ) (البقرة: 89).
|
|