أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: الإنسانُ ذاتُهُ هو الدَّليل الخميس 05 ديسمبر 2019, 4:02 pm | |
| الإنسانُ ذاتُهُ هو الدَّليل كتبه: روبرت هورتون كاميرون أخصائي في الرياضيات حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة كورنل - باحث في جامعة برنستون، وفي معهد برنستون للدراسات العليا - عضو بهيئة تدريس المعهد الصناعي في ماساشوستس - أستاذ في الرياضة بجامعة منيسوتا لمدة 20 سنة - حائز على جائزة الرابطة الرياضية في أمريكا - متخصص في التحليل الرياضي والقياس.
المُشَارَكَة: إن السؤال الذي يوجهه إليَّ ناشر هذا الكتاب، يُعَدُّ في حَدِّ ذاته دليلاً على وجود الله: (هل هنالك إله؟)
سؤال ينطوي على الفكر أو التفكير؟
وأنا لا أستطيع أن أفكر في هذه القدرة دون أن أسَلّمَ بمُوجدٍ لها.
فأنا لستُ جهازاً آلياً، وتفكيري يذهب إلى أبعد ما يُمكن أن يذهب إليه عقلٌ من العقول الآلية، فالعقلُ الآليُّ الحديث وظيفته تطبيق قاعدة مُعَيَّنَة أو إيجاد علاقة مُعَيَّنَة تبعاً لأصول مُحَدَّدَة مرسومَة، أمَّا عملية التفكير فتختلف عن ذلك اختلافاً بيِّناً، فهي تستطيع أن تتقيَّد بالقواعد، كما تستطيع أن تتغافلها.
إن التفكير يتضمَّن استخدام المنطق والقُدرة على الحُكم، كما يتضمَّن تذوُّق الجمال والاستمتاع بالموسيقى والمرح وتقدير الفُكاهات والطرائف.
إن المنطق يستطيع أن يُقرِّرَ صِحَّة أحد البراهين أو خطأها.
ولكن الفكر هو الذي يبدأ المناقشة في أمر هذه البراهين ويوجهها، وهو الذي يستطيع أن يخترع النظريات الرياضية الجديدة ويقيم الدليل على صحتها، والفكر يتضمن القدرة على تحليل النفس ونقدها ومن الممكن تصميم آلة تلعب الشطرنج، ولكن هذه الآلة لن تستطيع أن تسعد بما تحققه من النجاح، أو تشمت في خسارة اللاعب الآخر أو تحزن على ما وقعت فيه من الأخطاء.
فالفكر يتضمَّن أكثر مما تستطيع الآلة والقواعد الآلية أن تحققه.
وإنني أعتبر أن تفسير السُّلوك الإنساني تفسيراً آلياً لا يستند إلى أساس لأنني أستطيع أن أفكر.
وأنا أعتقد أيضاً بوجود الله بسبب ما زوَّدني به من الانفعالات، ولكن هل أضعفت حجتي بهذا القول؟
هل اعترفت بأن إيماني لا يقوم على المنطق وأنني أؤمن لأنني أخشى إلا أكون مؤمناً؟
كلا، فطبيعتنا الانفعالية دليلٌ على حكمة الله وتدبيره، وإلا فكيف تكون حياة الإنسان بغير هذه الانفعالات؟
وكم يمكن أن يُعَمِّرَ الإنسان على سطح الأرض بغير الدَّافع الجنسي وما يتصل به من الانفعالات؟
ولماذا تنخفض نسبة وفيات الأطفال عندما يزداد حُبِّ آبائهم لهم؟
إنني أعتقد بوجود الله لأنه وهبني التمييز الأخلاقي، فالجنس البشري لديه إحساسٌ فطريٌ بما هو خطأ وما هو صواب.
وكما يقول لويس في كتابه قضية المسيحية: (قد تختلف أفكارنا ومع ذلك فإننا جميعاً ندافعُ عن حقوقنا وننشدُ العدل).
إن اعتقادي في الله يقوم أيضاً على حرية الإرادة وذكائها -الإرادة الإنسانية التي وصفت بانها العملية الشعورية الكاملة التي تقود الإنسان إلى اتخاذ قرار مُعَيَّنٍ- الإرادة التي هي أحد الأقسام الكبرى التي يقسم علماء النفس قوى العقل اليها (القوتان الأخريان هما الإدراك والشعور)، فأنا عندما أرغب أو أريد شيئاً مُعَيَّناً يتخذ عقلي قراراً به، وإرادتي هي التي تُنفذه.
ويختلف الإنسان في جميع هذه الصفات والمزايا عن سائر الكائنات الأرضية الأخرى، فهو خليفة الخالق على الأرض، ولعل هذا هو عين ما يعنيه القديس بول بقوله: (إن للإنسان نشأة مقدسة).
ويتفق ما وصلت إليه العلوم حول وجود الله مع ما جاء في الكُتُب السماوية من أن الإنسان يحصل على العلم بطريقين: البصر والبصيرة.
أمَّا البصر فهو ما نتعلمه في حياتنا، وما نكتسبه عن طريق حواسنا من الخبرة بأمور الحياة، وأمَّا البصيرة فهي ذلك النور الذي يُفرغه الله في قلوبنا فيكشف لنا به ما لم نعلم (1).
وكذلك الحال فيما يتصل بالإيمان بوجود الله، إذ لابد أن يقوم أولاً على البصر وملاحظة ظواهر كتلك التي أشرنا إليها سابقاً، ثم نلتجئ بعد ذلك إلى الله لكي يكمل إيماننا ويدعمه.
إن رجال العلوم يعتمدون على التجربة، وأنا مقتنع بوجود الله اعتقاداً يستند إلى أدلة تجريبية، ولكنها تجارب شخصية صِرْفَة، ومع ذلك فهي أقوى لدي من كل دليل، وأشد إقناعاً لي من أي برهإن رياضي.
لقد لمستُ هذا الدليل في نفسي منذ اثنتين وثلاثين سنة عندما كنت بحجرتي في القسم الداخلي بجامعة كورنل يوم جاءني البرهإن وأغدق الله على قلبي نور الإيمان.
لقد أصبح الله لدي أكبر من كل ما سواه حتى أنني أرضى أن افقد كل شيء في هذا الوجود، ولا أرتدُّ إلى حالتي السابقة.
لقد كان هو سبحانه صاحب الفضل في هذا البرهان، فهو الذي أنزله على قلبي وجعلني أعتقد في وجوده. ----------------------------------------- 1- (يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذّكَّرُ إلّا أولُو الْأَلْبَابِ) سورة البقرة، آية: 269.
----------------------------------------- |
|