أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: عَجَائِبُ التُّرْبَةِ الخميس 05 ديسمبر 2019, 1:00 am | |
| عَجَائِبُ التُّرْبَةِ كتبه: ديل سوارتزن دروبر إختصاصي فيزياء التربة حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة أبووا - أستاذ مساعد بجامعة كاليفورنيا - عضو جمعية علم التربة أمريكا - أخصائي في تركيب التربة وحركة الماء بها.
المُشَارَكَة: عندما يسير سكان المدن بسياراتهم في الطرقات التي تخترق الريف والمزارع نجدهم يعجبون بالمحاصيل الزراعية، وهم يعلمون أنها تخرج من الأرض، ولكنهم قلّما يُعِيرُونَ التربة التي تبنتها جانباً من الاهتمام.
وعلى نقيض ذلك يهتم الممتازون من الفلاحين والزُّراع بأنواع التربة وخواصها، ولو أننا لا نتوقع من الغالبية منهم أن يقوموا بدارسة علمية لمادة التربة التي يتوقف عليها كسبهم ومستوى معيشتهم.
والتربة عالم يفيض بالعجائب، ولكنها عجائب لا يستطيع أن يصل إلى كُنْهِهَا أو يكشف أمرها إلا العلوم والدراسة العلمية، ولذلك فإنني أحِبُّ أن أشير هنا إلى خواص التربة بإيجاز.
وقد لا يستطيع القارئ أن يتابعني بسهولة عند سرد بعض النواحي والمصطلحات الفنية، إلا أنني واثق من أنه سوف يتفق معي في أن عالم التربة مليء بالعجائب كما أنه سوف تُرِوِعَهُ تلك العلاقات المتشابهة العديدة التي لا يمكن أن تكون قد تمَّت إلا عن تصميم وإبداع، ولا شك أن ذلك سوف يقود القارئ إلى التفكير في المُبدع الأعظم.
فلننظر إلى التربة لكي نرى كيف تنتج من عوامل التعرية، وقد قسمت نواتج هذه العوامل إلى أقسام: فهنالك الطبقة المتخلفة السُّفلى تعلوها الكتل المتخلفة ثم فوق ذلك طبقة التربة.
وجميع الطبقات تنتج من عملية التفتيت والتكسير التي تسببها عوامل التعرية.
وللتربة أهمية خاصة بالنسبة لنا لأنها مصدر المواد الغذائية الهامة التي يحصل عليها النبات في أثناء نُمَوِّهِ، كما أنها ضرورية لتثبيت النباتات الأرضية فوق سطح الأرض.
فعندما تتعرَّض الصخور النارية لعوامل التفتت تزول عنها تدريجياً القواعد القابلة للذوبان في الماء مثل الكلسيوم والماجنيزيوم والبوتاسيوم، وتتبقى أكاسيد السليكون والألومونيوم والحديد مكونة الغالبية الكبرى من التربة، ولا يتم في هذه العملية انخفاض كبير في المنسوب الفسفوري، بينما يترتب عليها عادة ارتفاع في نسبة النيتروجين.
ويؤدي تحلل عناصر السليكات الأصلية بتأثير عوامل التفتت هذه إلى تكون الصلصال، ويشتمل الصلصال في المناطق المعتدلة والباردة على نسبة كبيرة من السليكات غير المتبلورة وعلى كميات ضئيلة من غير السليكات، أمَّا في المناطق الاستوائية فترتفع في الصلصال نسبة الأكاسيد الطليقة والأكاسيد المائية والألمنيوم.
ومن الخواص الهامة للصلصال قدرته على تبادل الأيونات الموجبة (الكتيونات)، إذ تمكنه هذه الخاصية من الاحتفاظ بالقواعد القابلة للذوبان واللازمة لنمو النبات ويؤدي ذلك إلى عدم انخفاض نسبة هذه المواد بالتربة انخفاضاً كبيراً أو انعداماً كُلِّياً، ومن ذلك نرى أن عمليات التفتت تؤدي من جهة إلى فقدان بعض المواد القاعدية القابلة للذوبان، ولكنها تقدم في نفس الوقت طريقة أخرى للمحافظة على هذه المواد.
ولا يتسع المُقام لتناول العناصر الغذائية الأخرى اللازمة لحياة النبات فلننظر إذن إلى مشكلة أخرى وهي كيف هيَّأ المُدَبِّرُ الأعظم الظروف المناسبة لنمو النباتات في الأحقاب الجيولوجية القديمة، وعمل على استمرار حياتها وبقائها.
فإذا سلّمنا بأن هذه النباتات القديمة كان لها نفس الاحتياجات الغذائية مثل النباتات الحالية، فلابد أن تكون القواعد القابلة للذوبان وكذلك المواد الفسفورية قد وجدت بكميات أكبر مما توجد عليه الآن.
أمَّا بالنسبة للنيتروجين فإن الوضع يختلف، فالنباتات تحتاج إلى قدر كبير من المواد النيتروجينية، ومع ذلك فإن قدرة التربة القديمة على الاحتفاظ بهذه المواد كانت ضعيفة.
فكيف كانت النباتات الأولى تحصل إذن على حاجتها من النيتروجين؟
هنالك شواهد تدل على أن الصخور النارية التي لم تتأثر بعوامل التفتت تحتوي على قدر من النتروجين النشادري.
ومن الممكن أن تكون النباتات الأولى قد استفادت من هذا المصدر.
ولكن هنالك مصادر أخرى غير ذلك، هنالك البرق مثلاً، وقد يظن كثير من الناس أن البرق ليس أكثر من وسيلة من وسائل التدمير، ولكن التفريغ الكهربائي الناتج عن البرق يؤدي إلى تكوين أكاسيد النيتروجين التي يهبط بها المطر أو الثلج إلى التربة ويستفيد منها النبات.
وتُقَدَّرُ كمية النيتروجين التي تحصل عليها التربة بهذه الطريقة في صورة نيترات بما يقرب من خمسة أرطال للفدان الواحد سنوياً، وهو ما يعادل ثلاثين رطلاً من نترات الصوديوم، وهذه كمية تكفي لبدء نمو النباتات.
ويُلاحظ أن كمية النيتروجين الذي يثبته البرق تكون في المناطق الاستوائية أكثر منها في المناطق الرطبة، وهذه بدورها تزيد على الكمية التي تتكون في المناطق الصحراوية.
ومن ذلك نرى أن النتروجين يُوَزَّعُ على المناطق الجغرافية المختلفة بصورة متفاوتة تبعاً لمدى احتياج كل منطقة منها لهذا العنصر الهام.
فمَنِ الذي دَبَّرَ كل ذلك؟
إنه المُدَبِّرُ الأعظم.
إنه الله.
وعندما نتحدث عن المُدَبِّرُ الأعظم، هل من الممكن أن نستدل بما بين النباتات والتربة من علاقات متشابكة وتوافق عجيب على وجود تدبير وغرض واضح في الطبيعة؟
إننا لا نستطيع أن نجيب على هذا السؤال دون أن نتدبَّر مقتضياته بالنسبة لدائرة العلوم كلها.
إن العلماء قد لا يستطيعون أن يتفقوا على تعريف واحد للطريقة العلمية، ولكنهم متفقون جميعاً على أن العلوم تستهدف كشف قوانين الطبيعة.
ولابد للمشتغل بالعلوم أن يُسَلِّمَ أولاً بوجود هذه القوانين حتى لا يكون متناقضاً مع نفسه.
وقد أصبح من المُحال أن ينكر أحَدٌ وجود هذه القوانين بعد اكتشف الإنسان الكثير منها في ضمن ميادين البحث ومن الطبيعي أن يتساءل الإنسان بعد كل ذلك: لماذا وُجِدَتْ هذه القوانين؟
ولماذا قامت بين الأشياء المختلفة، ومن بينها التربة والنبات، تلك العلاقات العديدة التي تتَّسِمُ بذلك التوافق الرائع بين القوانين مما يؤدي إلى تحقيق النفع والفائدة؟
إننا نعترف بأننا -وقد وصلنا إلى هذا الحَدِّ من التفكير- قد اقتربنا من الحد الفاصل بين العلوم والفلسفة.
فكيف نُفَسِّرُ كل ذلك النظام والإبداع الذي يسود هذا الكون؟
هنالك حلّان: فإمَّا أن يكون هذا النظام قد حدث بمحض المُصادفة العمياء، وهو ما لا يتفق مع المنطق أو الخبرة، وما لا يتفق في الوقت نفسه مع قوانين الديناميكا الحرارية التي يأخذ بها الحديثون من رجال العلوم.
وإمَّا أن يكون هذا النظام قد وُضِعَ بعد تفكير وتدبُّرٍ، وهو الرأي الذي يقبله العقل والمنطق.
وهكذا نرى أن العلاقة بين النبات والتربة تشير إلى حكمة الخالق وتدلُّ على بديع تدبيره.
وأنا واثق أن الأخذ بهذا الرأي سوف يثير انتقاد المُعارضين لهذا الاتجاه مِمَّنْ لا يؤمنون بوجود الحكمة أو الغرض وراء ظواهر الطبيعة وقوانينها، ومعظم هؤلاء مِمَّنْ يأخذون بالتفسيراًت الميكانيكية ويظنون أن النظريات التي يصلون إليها في تفسير ظواهر الكون تمثل الحقيقة بعينها ولكن هنالك من المسوغات ما يدعوا إلى الاعتقاد أن ما وصلنا إليه من التفسيرات والنظريات العلمية ليس إلا تفسيرات مؤقتة، وليست لها صفة الإطلاق أو الثبات، فإذا ما سلّمنا بهذا الرأي تضاءل خطر المُعارضين في غرضية الكون أو وجود غاية منه، فمِمَّا لاشك فيه أن هنالك حكمة وتصميماً وراء كل شيء سواء في السماء التي فوقنا أو الأرض التي من تحتنا.
إن إنكار وجود المُصَمِّمِ والمُبدع الأعظم يشبه في تجافيه مع العقل والمنطق ما يحدث عندما يبصر الإنسان حقلاً يموج بنباتات القمح الصفراء الجميلة ثم يُنْكِرُ في نفس الوقت وجود الفلاح الذي زرع والذي يسكن في البيت الذي يقوم بجوار الحقل.
|
|