الكَوْنُ تحت سيطرة مركزية
كتبها: ايرل تشستر ريكس
عالم الرياضيات والفيزياء
حاصل على درجة الماجستير من جامعة واشنطن - محاضر بجامعة جنوب كاليفورنيا سابقاً - أستاذ مساعد الطبيعة في كلية جورج ببردين - عضو الجمعية الرياضية الأمريكية.

المُشَارَكَة:
كثيراً ما تكون الأفكار والمُعتقدات الشائعة خاطئة مُضلّلة، فهنالك اعتقاد شائع بأن العلوم تشبه عجوزاً متحدثاً لديه عن كل سؤال جواب.

والواقع أن العلوم تشبه شاباً كثير الأسئلة والتفكير والبحث، ويحاول أن يُسَجِّلَ ملاحظات مُنظّمَة عن كل شيء، ولا يقنع بما وصل إليه من النتائج في البحث عن الحقيقة.

ومن المُعتقد كذلك أن العلوم تتبع طريقاً مستقيماً في الاستدلال والتفكير والواقع أن العلوم تشبه إنبات العِنَبِ المُتسلّق الذي يحاول دائماً أن يمتد إلى أعلى ولكنه لا يستطيع أن يسلك طريقاً مستقيماً، فيلتف ويدور حول الأشياء.

وعلى ذلك فإن الطريق الذي تسلكه العلوم والاتجاه الذي يسير فيه لابد أن يكون مرناً قابلاً للتعديل والتغيير كلما دعت إلى ذلك الظروف.

أمَّا الدراسات الرياضية، وأنا من المُشتغلين بها، فإنها تشبه شعاعاً هادياً من الضوء يُضيءُ السَّبيل أمام العلوم، ولكن اتجاه هذا الشعاع لابد أن يتغيَّر دائماً لكي يسير في نفس الاتجاه الذي تسلكه العلوم.

فمن المُتَّفق عليه في الطريقة العلمية عند المُفاضلة بين فرضين أو نظريتين أن نأخذ بأبسطهما إذا كان قادراً على توضيح جميع الحقائق، وقد استخدم هذا المبدأ للمُفاضلة بين الفرضين اللذين يقول أحدهما بأن الأرض هي مركز هذا الكون، ويقول الآخر بأن الشمس هي مركز المجموعة الشمسية.

وقد فُضِّلَ هذا الفرض الأخير على الأول بسبب ما يترتب على الأخذ بالفرض الأول من تعقيدات وصعوبات.

وبرغم ما للعلوم من قيود وحُدُود، فلنظرياتها ونتائجها فوائد لا تُحصى، وكذلك الحال بالنسبة لموقف العلوم من كشف أسرار هذا الكون والدلالة على خالقها.

فدراسة الظواهر الكونية دراسة بعيدة عن التَّحَيُّزِ وتتَّسِمُ بالعدل والإنصاف قد أقنعتني بأن لهذا الكون إلهاً، وأنه هو الذي يسيطر عليه ويوجهه، أي أن هنالك سيطرة مركزية هي سيطرة الله تعالى وقوته التي تُوَجِّهُ هذا الكون.

وهنالك من الأدلة ما يوضح أن بعض الظواهر التي تبدو مُتباعدة، تقوم على أساس مشترك من التفسير، ويتضح ذلك من قوانين كولمب عن تجاذب الشحنات وتنافرها.

فقد تتضح لي أن هذه القوانين تشبه إلى حد كبير قوانين التجاذب والتنافر بين قطبين مغناطيسيين، بل إنها تتشابه إلى حَدٍّ كبير مع قوانين نيوتن عن الجاذبية العامة.

ففي كل حال من الحالات الثلاث السَّابقة، تتناسب القوة تناسباً طردياً مع حاصل ضرب الشحنتين أو قوة القطبين المغناطيسيين أو الكتلتين، كما إنها تتناسب عكسياً مع مربع المسافة.

حقيقة هنالك بعض الفروق، فمن ذلك مثلاً أنه بينما تتجاذب الكتلتإن فإن الشحنتين أو القطبين يتنافران، ومن ذلك أيضاً أنه بينما تسير الموجات الكهرو مغناطيسية بسرعة الضوء، فإن التجاذب الأرضي ينتقل بسرعة لا نهائية، ولكن هذه الفروق تشير إلى الاختلافات في طبيعة الأشياء وتدفعنا نحو دراسة الموضوع بصورة أشمل.

وهنالك ظواهر عديدة تَدُلُّ على وحدة الغرض في هذا الكون وتشير إلى أن نشأته والسيطرة عليه لابد أن تَتِمَّ على يد إلَهٍ واحِدٍ لا آلهة مُتعدِّدَة.

ويُحدِّثُنَا علماء الأحياء عن توافق متشابه فيما يتعلّق بتركيب الكائنات الحيَّة ووظائفها، فالأجسام الطبيعية تؤدِّي وظائفها على أكمل وجه وأتم صورة.

خُذْ مثلاً الكُرات الدموية الحمراء التي بجسم الإنسان، تجد أن شكلها وحجمها يتناسبإن إلى أقصى حَدٍّ مع الوظائف التي خُلِقَتْ من أجلها.

وينطبق هذا على سائر الأعضاء والأجزاء ودقائق الجسم.

فإذا ذهبنا إلى عالم الحشرات فقد يكفينا أن نفحص خليَّة النَّحل لكي تستولي علينا روعة الدِّقة والكمال والتشابه العجيب بين عيونها.

وكل خليَّة من ملايين الخلايا الموجودة في سائر أنحاء العالم مُصَمَّمَةٌ بصورة هندسية وبدقة رائعة وتُنَاسِبُ العمل الذي خُلِقَتْ من أجله إلى أقصى الحُدود.

وليست خلايا النَّحل إلا مَثَلٌ من آلاف الأمثلة التي نستطيع أن نضربها لبيإن الرَّوعة والإتقان والتوافق في كل ما هو طبيعي.

فإذا كان كُلُّ ذلك وغيره مما لا يُحصى، لا يدل على وجود إلَهٍ مُدَبِّرٍ يُسَيِطِرُ على هذا الكَوْنِ ويُوَجِّهَهُ، فليت شعري كي أستطيع بعد ذلك أن أنتسب إلى دائرة العُلماء والمُشتغلين بالعلوم؟

إنني أجد بوصفي من المُشتغلين بالعلوم أن النتائج التي وَصَلْتُ إليها بدراستي العلميَّة عن الله والكَوْنِ تتفقُ كل الاتفاق مع الكُتُب المُقدَّسة، التي أؤمن بها وأعتقد في صدق ما جاءت به عن نشأة الكون وتوجيه الله له، وقد يرجع ما نشاهده أحياناً من التَّعارُض بين ما تَوَصَّلتْ إليه العلوم وبين ما جاء في هذه الكُتُب المقدسة إلى نقص في معلوماتنا.

فقد أشار الإنجيل مثلاً إلى أن قدماء المصريين، كانوا يستخدمون القش في صناعة الطوب.

وهو رأي لم تؤيده دراسة الحفريات المصرية.

ولكن علماء الآثار ما لبثوا أن اكتشفوا أن القشَّ كان يعطن أولاً في المخامر ثم يؤخذ بعد ذلك فيُخلط بالطين ويدخل في صناعة الطوب ليزيد من صلابته.

فعلينا اذن أن نتريَّثَ عندما نجد بعض التَّعارُضِ بين ما تُحَدِّثُنَا عنه العلوم وبين ما يُحَدِّثُنَا عنه الدِّين حتى تتبيَّنَ لنا الحقيقة.

والنظريات الحديثة التي تُفَسِّرُ نشأة الكَوْنِ والسَّيطرة عليه بصورة تُخَالِفُ ما جاء في الكُتُب السَّماوية، تعجز عن تفسير جميع الحقائق وتَزُجُّ بنفسها في ظُلُمَاتِ اللبس والغموض، وإنني شخصياً أؤمِنُ بوجود الله وأعتقد في سيطرته على هذا الكون.