منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 الباب السادس والخمسون: في شكوى الزمان وانقلابه بأهله والصبر على المكاره والتسلي عن نوائب الدهر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

الباب السادس والخمسون: في شكوى الزمان وانقلابه بأهله والصبر على المكاره والتسلي عن نوائب الدهر  Empty
مُساهمةموضوع: الباب السادس والخمسون: في شكوى الزمان وانقلابه بأهله والصبر على المكاره والتسلي عن نوائب الدهر    الباب السادس والخمسون: في شكوى الزمان وانقلابه بأهله والصبر على المكاره والتسلي عن نوائب الدهر  Emptyالسبت 16 نوفمبر 2019, 9:08 pm

الباب السادس والخمسون
في شكوى الزمان وانقلابه بأهله والصبر على المكاره والتسلي عن نوائب الدهر


وفيه ثلاثة فصول.

الفصل الأول:
في شكوى الزمان وانقلابه بأهله
روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال:
ما من يوم ولا ليلة ولا شهر ولا سنة إلا والذي قبله خير منه سمعتُ ذلكَ من نَبِيِّكُمْ.

وكان معاوية رضي الله تعالى عنه يقول:
معروف زماننا منكر زمان قد مضى ومنكره معروف زمان لم يأت.

وكانت ناقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العضباء لا تُسبَق فجاء أعرابي فسبقها فشقَّ ذلك على الصحابة رضي الله عنهم فقال: "إنَّ حقاً على الله أن لا يرفع شيئاً من هذه الدنيا إلا وضعه".

وحُكِيَ عن شيخ من همدان قال:
بعثني أهلي في الجاهلية إلى ذي الكلاع الحميري بهدايا فمكثت شهراً لا أصل إليه ثم بعد ذلك أشرف أشرافه من كوة فخرَّ له مَنْ حول القصر سُجُّداً ثم رأيته من بعد ذلك وقد هاجر إلى حمص واشترى بدرهم لحماً وسمطه خلف دابته.

وهو القائل هذه الأبيات:
( أف للدنيا إذا كانت كذا ... أنا منها في بلاء وأذى )
( إن صفا عيش امرئ في صحبها ... جرعته ممسيا كأس الردى )
( ولقد كنت إذا ما قيل من ... أنعم العالم عيشا قيل ذا ).

وقال يونس بن ميسرة:
لا يأتي علينا زمان إلا بكينا منه ولا يتولى عنا زمان إلا بكينا عليه.

ومن قول ذلك:
( رب يوم بكيت منه فلما ... صرت في غيره بكيت عليه ومثله )
( وما مر يوم أرتجي فيه راحة ... فأخبره إلا بكيت على أمسي ).

ومن كلام ابن الأعرابي:
( عن الأيام عد فعن قليل ... ترى الأيام في صور الليالي ).

وقال رضي الله عنه:
ما قال الناس لشيء طوبى إلا وقد خبأ له الدهر يوم سوء.

قال الشاعر:
( فما الناس بالناس الذين عهدتهم ... ولا الدار بالدار التي كنت أعهد ).

المَلِك المَيِّت:
ودخل داود عليه الصلاة والسلام غاراً فوجد فيه رجلاً ميِّتاً وعند رأسه لَوْحٌ مكتوبٌ فيه: أنا فلان ابن فلان الملك عشت ألف عام وبنيت ألف مدينة وافتضضت ألف بكر وهزمت ألف جيش ثم صار أمري إلى أن بعثت زنبيلاً من الدراهم لي في رغيف فلم يوجد ثم بعثت زنبيلاً من الجواهر فلم يوجد فدققت الجواهر واستفيتها فمِتُّ مكاني فمَنْ أصبح وله رغيف وهو يحسب أن على وجه الأرض أغنى منه أماتهُ الله كما أماتني.

عبد الرحمن بن زياد:
وذُكِرَ أن عبد الرحمن بن زياد لَمَّا وَلِيَ خُراسَانَ حاز من الأموال ما قدر لنفسه أنَّهُ إنْ عاش مائة سنة ينفق في كل يوم ألف درهم على نفسه أنه يكفيه فرؤي بعد مُدَّةٍ وقد احتاج إلى أن باع حلية مصحفه وأنفقها.

وقال هيثم بن خالد الطويل:
دخلتُ على صالح مولى منارة في يوم شاتٍ وهو جالس في قبَّة مُغَشَّاة بالسمور وجميع فروشها سمور وبين يديه كانون فضة يُبَخَّرُ فيه بالعُود ثم رأيته بعد ذلك في رأس الجسر وهو يسألُ الناسَ.

عبدة بنت مروان:
ولَمَّا قتل عامر بن إسماعيل... مروان بن محمد ونزل في داره وقعد على فرشه دخلت عليه عبدة بنت مروان فقالت: يا عامر إنَّ دهراً أنزل مروان عن فرشه وأقعدك عليه لقد أبلغ في عِظَتِكَ.

وقال مالك بن دينار:
مررتُ بقصر تضرب فيه الجواري بالدُّفوف ويقلن:
( إلا يا دار لا يدخلك حزن ... ولا يغدر بصاحبك الزمان )
( فنعم الدار تأوي كل ضيف ... إذا ما ضاق بالضيف المكان ).

ثم مررتُ عليه بعد حين وهو خرابٌ وبه عجوزاً فسألتها عمَّا كنت رأيت وسمعت فقالت: يا عبد الله إن الله يُغَيِّرُ ولا يَتَغَيَّرُ والموتُ غالبُ كل مخلوق قد والله دخل بها الحزن وذهب بأهلها الزمانُ.

وقال أبو العتاهية:
( لئن كنت في الدنيا بصيراً فإنَّما ... بلاغك منها مثل زاد المسافر )
( إذا أبقت الدنيا على المرء دينه ... فما فاته منها فليس بضائر )

وقال عبد الملك بن عمير:
رأيت رأس الحسين رضي الله عنه بين يدي ابن زياد في قصر الكوفة ثم رأيت رأس زياد بين يدي المُختار ثم رأيت رأس المختار بين يدي مصعب ثم رأيت رأس مصعب بين يدي عبد الملك... قال سفيان فقلت له كم كان بين أول الرؤوس وآخرها؟ قال اثنتا عشرة سنة.

( إن للدهر صرعة فاحذرنها ... لا تبيتن قد أمنت الشرورا )
( قد يبيت الفتى معافى فيردى ... ولقد كان آمنا مسرورا )

شعر للشافعي رضي الله تعالى عنه:
كان محمد بن عبد الله بن طاهر في قصره على الدجلة ينظر فاذا هو بحشيش في وسط الماء وفي وسطه قصبة على رأسها رقعة فدعا بها فإذا فيها مكتوب شعراً وهو للشافعي رضي الله تعالى عنه:
( تاه الأعيرج واستعلى به البطر ... فقل له خير ما استعملته الحذر )
( أحسنن ظنك بالأيام إذ حسنت ... ولم تخف سوء ما يأتي به القدر )
( وسالمتك الليالي فاغتررت بها ... وعند صفو الليالي يحدث الكدر ).
قال فما انتفع بنفسه.

وأعجب ما وُجِدَ في السِّيَرِ:
خبر القاهر أحد الخلفاء وقَلْعُهُ من المُلك وخروجه إلى الجامع في بطانة جُبَّةٍ بغير ظهارة ومَدَّ يَدَهُ يسألُ النَّاسَ بعد أن كان مُلْكُهُ لأقطار الأرض فتبارك اللهُ يُعِزُّ مَنْ يشاء ويُذِلُّ مَنْ يشاء.

محمد المهلبي:
وقيل كان لمحمد المهلبي قبل اتصاله بالسلطان حالٌ ضعيفٌ فبينما هو في بعض أسفاره مع رفيق له من أصحاب الحرث والمحراث إلا أنه من أهل الأدب إذ أنشده يقول:
( ألا موت يباع فأشتريه ... فهذا العيش ما لا خير فيه )
( ألا رحم المهيمن نفس حر ... تصدق بالوفاة على أخيه )

قال فرثى له رفيقه وأحضر له بدرهم ما سَّدَ به رمقه وحفظ الأبيات وتفرقا ثم ترقَّى المهلبي إلى الوزارة وأخنى الدَّهرُ على ذلك الرجل الذي كان رفيقه فتوصَّلَ إلى إيصال رُقعَةٍ إليه مكتوبٌ فيها:
( إلا قل للوزير فدته نفسي ... مقال مذكر ما قد نسيه )
( أتذكر إذ تقول لضنك عيش ... ألا موت يباع فأشتريه )

فلَمَّا قرأها تذكَّر فأمر له بسبعمائة درهم ووقَّع تحت رقعته:
( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة )

ثم قلده عملا يرتزق منه.

ودخل مسلمة بن زيد بن وهب على عبد الملك بن مروان فقال له: أي الزمان أدركته أفضل؟، وأي الملوك أكمل؟ فقال: أمَّا المُلوك فلم أر إلا حامداً وذامًّا وأمَّا الزمان فيرفع أقواماً ويضعُ آخرين، وكلهم يذكر أنه يبلى جديدهم ويفرق عديدهم ويهرم صغيرهم ويهلك كبيرهم.

وقال حبيب بن أوس:
( لم أبك من زمن لم أرض خلته ... إلا بكيت عليه حين ينصرم )

وقال آخر:
( يا مُعرضاً عنيَّ بوجه مدبر ... ووجوه دنياه عليه مقبلة )
( هل بعد حالك هذه من حالة ... أو غاية إلا انحطاط المنزلة )

وقال عبد الله بن عروة بن الزبير:
( ذهب الذين إذا رأوني مقبلا ... بشوا إلي ورحبوا بالمقبل )
( وبقيت في خلف كأن حديثهم ... ولغ الكلاب تهارشت في المنزل )

وقال آخر في معناه:
( يا منزلاً عبث الزمان بأهله ... فأبادهم بتفرق لا يجمع )
( أين الذين عهدتهم بك مرة ... كان الزمان بهم يضر وينفع )
( أيام لا يغشى لذكرك مربع ... إلا وفيه للمكارم مرتع )
( ذهب الذين يُعاش في أكنافهم ... وبقي الذين حياتهم لا تنفع )

وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي:
( وإني رأيت الدهر منذ صحبته ... محاسنه مقرونة ومعايبه )
( إذا سرني في أول الأمر لم أزل ... على حذر من أن تذم عواقبه )

وقال بعضهم:
( ذهب الرجال المُقتدى بفعالهم ... والمُنكرون لكل أمر مُنكر )
( وبقيت في خلف يزين بعضه ... بعضاً ليدفع معور عن معور )
( حلف الزمان ليأتينَّ بمثلهم ... حنثت يمينك يا زمان فكفر )

يُقَالُ:
إذا أدبر الأمر أتى الشر من حيث يأتي الخير.

وكان يُقَالُ:
بتقلب الدهر تعرف جواهر الرجال ويقال زمام العافية بيد البلاء ورأس السلامة تحت جناح العطب.

وقال بعضهم:
نحن في زمن لا يزداد الخير فيه إلا إدباراً والشر إلا إقبالاً والشيطان في هلاك الناس إلا طمعاً اضرب بطرفك حيث شئت هل تنظر إلا فقيراً يُكابدُ فقراً أو غنياً بَدَّلَ نعمة الله كُفراً أو بخيلاً اتخذ بحق الله وفراً أو متمرداً كان بسمعه عن سماع المواعظ وقراً؟

وقال آخر:
نحن في زمان إذا ذكرنا الموتى حييت القلوب وإذا ذكرنا الأحياء ماتت القلوب.

ويؤيد ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-:
"لا تقوم السَّاعة حتى يَمُرُّ الرَّجُلُ بقبر أخيه فيقول يا ليتني مكانه".

ويُقَالُ لا يقاوم عز الولاية بذل العزل بيت
( ما من مسيئ وإن طالت إساءته ... إلا ويكفيك يوم من مساويه )

وقال الأمين:
( يا نفس قد حق الحذر ... أين المفر من القدر )
( كل امرئ مما يخاف ... ويرتجيه على خطر )
( من يرتشف صفو الزمان ... يغص يوماً بالكدر )

وقال بعضهم:
( وقائلة ما بال وجهك قد نضت ... محاسنه والجسم بان شحوبه )
( فقلت لها هاتي من الناس واحداً ... صفا وقته والنائبات تنوبه )

وللأمير أبي علي بن منقذ:
( أما والذي لا يملك الأمر غيره ... ومَنْ هو بالسِّرِّ المُكتم أعلم )
( لئن كان كتمان المصائب مؤلماً ... لإعلانها عندي أشد وأعظم )
( وبي كل ما يبكي العيون أقله ... وإن كنت منه دائماً أبتسم )

وقال علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه:
وأيمُ الله ما كان قومٌ قط في خفض عيش فزال عنهم إلا بذنوبٍ اقترفوها لأنَّ اللهَ تعالى ليس بظلَّام للعبيد ولو أنَّ الناس حين ينزل بهم الفقر ويزول عنهم الغنى فزعوا إلى ربِّهم بصدق نيَّاتهم لرَدَّ عليهم كُلَّ شاردٍ وأصلح لهم كُلَّ فاسدٍ.

قال الشاعر:
( يقولون الزمان به فساد ... وهم فسدوا وما فسد الزمان )

وكفى بالقرآن واعظاً، قال الله تعالى:
( إنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ )
والله سبحانه وتعالى أعلم.



الباب السادس والخمسون: في شكوى الزمان وانقلابه بأهله والصبر على المكاره والتسلي عن نوائب الدهر  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

الباب السادس والخمسون: في شكوى الزمان وانقلابه بأهله والصبر على المكاره والتسلي عن نوائب الدهر  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب السادس والخمسون: في شكوى الزمان وانقلابه بأهله والصبر على المكاره والتسلي عن نوائب الدهر    الباب السادس والخمسون: في شكوى الزمان وانقلابه بأهله والصبر على المكاره والتسلي عن نوائب الدهر  Emptyالسبت 16 نوفمبر 2019, 9:17 pm

الفصل الثاني: في الصبر على المكاره ومدح التثبُّت وذَمِّ الجزع
قد مدح اللهُ تعالى الصبر في كتابه العزيز في مواضع كثيرة وأمر به وجعل أكثر الخيرات مضافاً إلى الصبر وأثنى على فاعله وأخبر أنه سبحانه وتعالى معه وحَثَّ على التثبُّت في الأشياء ومُجانبة الاستعجال فيها فمِنْ ذلك قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصَّبر والصَّلاة إنَّ اللهَ مع الصابرين ).

فبدأ بالصَّبر قبل الصَّلاة ثم جعل نفسه مع الصَّابرين دون المُصَلّين قوله تعالى: ( إنَّمَا يُوَفّى الصَّابرُونَ أجرَهُمْ بغير حسَاب )، ( وجعلناهم أئمَّة يهدون بأمرنا لَمَّا صبروا )، وقوله تعالى: ( وتمَّت كلمة ربك الحُسنى على بني إسرائيل بما صبروا )، وبالجملة فقد ذكر الله سبحانه وتعالى الصَّبر في كتابه العزيز في نيف وسبعين موضعاً وأمر نبيه به فقال تعالى: ( فاصبر كما صَبَرَ أولو العزم من الرُّسُلِ ولا تستعجل لهم ).

وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك أخبار كثيرة فمن ذلك:
وقوله عليه الصلاة والسلام: " بالصبر يتوقع الفرج "، وقوله: " الأناة من الله تعالى والعجلة من الشيطان فمَنْ هداه الله تعالى بنور توفيقه ألهمه الصبر في مواطن طلباته والتثبت في حركاته وسكناته وكثيراً ما أدرك الصابر مرامه أو كاد وفات المستعجل غرضه أو كاد ".

وقال الأشعث بن قيس:
دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فوجدته قد أثر فيه صبره على العبادة الشديدة ليلاً ونهاراً فقلت يا أمير المؤمنين إلى كم تصبر على مكابدة هذه الشدة؟

فما زادني إلا أن قال:
( اصبر على مضض الإدلاج في السَّحر ... وفي الرَّوْحِ إلى الطاعات في البكر )
( إني رأيت وفي الأيام تجربة ... للصبر عاقبة محمودة الأثر )
( وقل من جد في أمر يؤمله ... واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر )

فحفظتها منه وألزمت نفسي الصبر في الأمور فوجدت بركة ذلك.

وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: " ما يُصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا حط الله بها من خطاياه ".

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " إذا أراد الله بعبد الخير عَجَّلَ له العقوبة في الدنيا وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة ".

وقال: " إن أعظم الجزاء مع عِظَمِ البلاء وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمَنْ رَضِيَ فله الرِّضا ومَنْ سَخِطَ فله السَّخط " رواه الترمذي وقال حديث حسن.

وعن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن أنس بن مالك قال قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " الضرب على الفخذ عند المصيبة يحبط الأجر والصبر عند الصدمة الأولى وعظم الأجر على قدر المصيبة ومن استرجع بعد مصيبته جدد الله له أجرها كيوم أصيب بها ".

وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال:
احفظوا عني خمساً اثنتين واثنتين وواحدة: لا يخافن أحدكم إلا ذنبه ولا يرجو إلا ربه ولا يستحي أحد منكم إذا سُئِلَ عن شيءٍ وهو لا يعلم أن يقول لا أعلم وأعلموا أن الصبر من الأمور بمنزلة الرأس من الجسد إذا فارق الرأس الجسد فسد الجسد وإذا فارق الصبر الأمور فسدت الأمور وأيُّمَا رجل حبسه السّثلطان ظلماً فمات في حبسه مات شهيداً فإنْ ضربه فمات فهو شهيد.

وروي في الخبر لما نزل قوله تعالى: ( مَنْ يعمل سُوءً يُجْزَ بِهِ )، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كيف الفرح بعد هذه الآية؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: غفر الله لك يا أبا بكر، أليس تمرض أليس يُصيبُك الأذى أليس تحزن؟ قال: بلى يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: فهذا ما تُجزون به.

يعني جميع ما يُصيبك من سُوءٍ يكون كفارة لك وبهذا اتضح لك أن العبد لا يُدرك منزلة الأخيار إلا بالصبر على الشدة والبلاء.

وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال:
بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي عند الكعبة وأبو جهل وأصحابه جلوس وقد نحرت جزور بالأمس فقال أبو جهل لعنه الله أيكم يقوم إلى سلا الجزور فيلقيه على كتفي محمد إذا سجد فانبعث أشقى القوم فأخذه وأتى به فلما سجد وضع بين كتفيه السلا والفرث والدم فضحكوا ساعة وأنا قائم أنظر فقلت لو كان لي منعة لطرحته عن ظهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والنبي -صلى الله عليه وسلم- ساجد ما يرفع رأسه حتى انطلق انسان فأخبر فاطمة رضي الله عنها فجاءت فطرحته عن ظهره ثم أقبلت عليهم فسبَّتهم فلما قضى الصلاة رفع يديه فدعا عليهم فقال اللهم عليك بقريش ثلاث مرات فلما سمع القوم صوته ودُعاءه ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته، فقال اللهم عليك بأبي جهل وعتبة وشيبة وربيعة والوليد وأمية بن خلف، فقال علي رضي الله عنه والذي بعث محمداً بالحق رأيتُ الذين سمَّاهم صرعى يوم بدر.

وكان الصالحون يفرحون بالشدة لأجل غفران الذنوب لأن فيها كفَّارة السَّيئات ورفع الدرجات.

وروي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: " ثلاثٌ مَنْ رُزِقهُنَّ فقد رُزِقَ خَيْرَي الدنيا والآخرة: الرِّضا بالقضاء والصَّبر على البلاء والدُّعاء في الرَّخاء ".

وحُكِيَ أنَّ امرأةً من بني إسرائيل لم يكن لها إلا دجاجة فسرقها سارق فصبرت ورَدَّتْ أمرها إلى الله ولم تدع عليه، فلمَّا ذبحها السَّارق ونتف ريشها نَبَتَ جميعه في وجهه فسعى في إزالته فلم يقدر على ذلك إلى أن أتى حبراً من أحبار بني إسرائيل فشكا له، فقال لا أجِدُ لك دواءً إلا أن تدعو عليك هذه المرأة فأرسل إليها مَنْ قال لها أين دجاجتكِ؟ فقالت سُرِقَتْ، فقال لقد آذاكِ مَنْ سرقها، قالت قد فعل، ولم تدع عليه، قال وقد فجعكِ في بيضها، قالت هو كذلك، فما زال بها حتى أثار الغضب منها فدعت عليه فتساقط الرِّيشُ من وجهه، فقيل لذلك الحبر من أين علمت ذلك؟ قال لأنها لمَّا صبرت ولم تدع عليه انتصر اللهُ لها فلمَّا انتصرت لنفسها ودعت عليه سقط الريش من وجهه.

فالواجب على العبد أن يصبر على ما يُصيبه من الشِّدَّة ويحمد اللهَ ويعلم أنَّ النَّصر مع الصَّبر وأنَّ مع العُسر يُسراً وأنَّ المصائِبَ والرَّزايَا إذا توالت أعقبها الفرجُ والفرحُ عاجلاً.

ومن أحسن ما قيل في ذلك من المنظوم:
( وإذا مسك الزمان بضر ... عظمت دونه الخطوب وجلت )
( وأتت بعده نوائب أخرى ... سئمت نفسك الحياة وملت )
( فاصطبر وانتظر بلوغ الأماني ... فالرزايا إذا توالت تولت )
( وإذا أوهنت قواك وجلت ... كشفت عنك جملة وتخلت )

ولمحمد بن بشر الخارجي:
( إن الأمور إذا اشتدت مسالكها ... فالصبر يفتح منها كل ما ارتجا )
( لا تيأسن وإن طالت مطالبه ... إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا )

ولزهير بن أبي سلمى:
( ثلاث يعز الصبر عند حلولها ... ويذهل عنها عقل كل لبيب )
( خروج اضطرار من بلاد يحبها ... وفرقة أخوان وفقد حبيب )

وقال بعضهم:
( عليك باظهار التجلد للعدا ... ولا تظهرن منك الذبول فتحقرا )
( أما تنظر الريحان يشمم ناضرا ... ويطرح في البيدا إذا ما تغيرا )

ولابن نباتة:
( صبراً على نوب الزمان ... وإن أبي القلب الجريح )
( فلكل شيءٍ آخر ... إما جميل أو قبيح )

وقال أبو الأسود وأجاد:
( وإن امرؤٌ قد جرب الدهر لم يخف ... تقلب عصريه لغير لبيب )
( وما الدهر والأيام إلا كما ترى ... رزية مال أو فراق حبيب )

ومن كلام الحكماء:
ما جوهد الهوى بمثل الرأي ولا استنبط الرأي بمثل المشورة ولا حفظت النعم بمثل المواساة ولا اكتسبت البغضاء بمثل الكبر وما استنجحت الأمور بمثل الصبر.

وقال نهشل:
( ويوم كأن المصطلين بحره ... وإن لم يكن نار قيام على الجمر )
( صبرنا له صبراً جميلاً وإنما ... تفرج أبواب الكريهة بالصبر )

قال ابن طاهر:
( حذرتني وذا الحذر ... ليس يغني من القدر )
( ليس من يكتم الهوى ... مثل من باح واشتهر )
( إنما يعرف الهوى ... من على مره صبر )
( نفس يا نفس فاصبري ... فز بالصبر من صبر )

وكان يُقَالُ:
مَنْ تبصَّر تصبَّر.

وكان يُقَالُ:
إن نوائب الدهر لا تدفع إلا بعزائم الصبر.

وكان يُقَالُ:
لا دواء لداء الدهر إلا بالصبر.

ولله در القائل:
( الدَّهر أدَّبني والصَّبر ربَّاني ... والفوت أقنعني واليأس أغناني )
( وحنَّكتني من الأيام تجربة ... حتى نهيت الذي قد كان ينهاني )

وما أحسن ما قال محمود الوراق:
( إني رأيت الصبر خير معول ... في النائبات لمن أراد معولا )
( ورأيت أسباب القناعة أكدت ... بعرى الغنى فجعلتها لي معقلا )
( فاذا نبا بي منزل جاوزته ... وجعلت منه غيره لي منزلا )
( وإذا غلا شيءٌ عليَّ تركته ... فيكون أرخص ما يكون إذا غلا )

وقال بعضهم:
( إذا ما أتاك الدهر يوما بنكبة ... فافرغ لها صبرا ووسع لها صدراً )
( فإن تصاريف الزمان عجيبة ... فيوماً ترى يُسراً ويوماً ترى عسراً )

وقال بعضهم:
( وما مسني عُسْرٌ ففوضت أمره ... إلى الملك الجبار إلا تيسرا )

وما أحسن ما قيل:
( الدهر لا يبقى على حالة ... لابد أن يقبل أو يدبر )
( فان تلقاك بمكروهه ... فاصبر فان الدهر لا يصبر )

ونُقِلَ عن محمد بن الحسن رحمه الله قال:
كنتُ مُعتقلاً بالكُوفة فخرجتُ يوماً من السِّجن مع بعض الرجال وقد زاد همِّي وكادت نفسي أن تزهق وضاقت عليَّ الأرض بما رَحُبَتْ وإذا برجل عليه آثار العبادة قد أقبل عليَّ ورأى ما أنا فيه من الكآبة فقال ما حالك؟ فأخبرته القصة فقال الصبر الصبر فقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: " الصَّبرُ سَتْرُ الكُرُوبِ وعَوْنٌ على الخُطُوبِ "، وروي عن ابن عمه علي رضي الله تعالى عنه أنه قال: الصبر مطيَّة لا تدبر وسيف لا يكل...

وأنا أقول:
( ما أحسن الصبر في الدنيا وأجمله ... عند الإله وأنجاه من الجزع )
( من شد بالصبر كفا عند مؤلمه ... ألوت يداه بحبل غير منقطع )

فقلت بالله عليك زدني فقد وجدت بك راحة، فقال ما يحضرني شيءٌ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكني أقول:
( أما والذي لا يعلم الغيب غيره ... ومن ليس في كل الأمور له كفو )
( لئن كان بدء الصبر مراً مذاقه ... لقد يجتني من بعده الثمر الحلو )

ثم ذهب فسألت عنه فما وجدت أحداً يعرفه ولا رآه أحَدٌ قبل ذلك في الكوفة، ثم أخرجت في ذلك اليوم من السِّجن وقد حصل لي سرور عظيم بما سمعت منه وانتفعت به ووقع في نفسي أنه من الأبدال الصالحين قيضه الله تعالى لي يوقظني ويؤبني ويسليني.

وقيل إن رجلاً كان يُضربُ بالسياط ويُجلد جلداً بليغاً ولم يتكلم ويصبر ولم يتأوَّه، فوقف عليه بعض مشايخ الطريقة، فقال له أما يؤلمك هذا الضربُ الشديدُ؟ فقال بلى، قال لِمَ لا تصيحُ؟ فقال إن في هذا القوم الذين وقفوا عليَّ صديقاً لي يعتقد في الشجاعة والجلادة وهو يرقبني بعينه فأخشى إن ضجيت يذهب ماء وجهي عنده، ويسُوءُ ظنه بي، فأنا أصبر على شدة الضرب وأحتمله.

لأجل ذلك قال الشاعر:
( على قدر فضل المرء تأتي خطوبه ... ويحمد منه الصبر مما يصيبه )
( فمن قل فيما يلتقيه اصطباره ... لقد قل فيما يرتجيه نصيبه )

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعائشة رضي الله تعالى عنها: يا عائشة إن الله تعالى لم يرض مِنْ أولى العزم من الرُّسُلِ إلا بالصبر ولم يُكلّفني إلا ما كُلّفُوا به، فقال عز و جل: ( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ) وإنِّي والله لأصبرنَّ كما صبروا.

فإنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا صبر كما أُمِرَ أسفر وجه صبره عن ظفره ونصره وكذلك الرُّسُلُ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين الذين هم أولو العزم لَمَّا صبروا ظفروا وانتصروا، وقد اختلف أهل العلم فيهم على أقوال كثيرة، فقال مقاتل رضي الله تعالى عنه هم نوح وإبراهيم وإسحاق ويعقوب ويونس وأيوب صلوات الله عليهم، وقال قتادة هم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام.

ويُقَالُ ما الذي صبروا عليه حتى سمَّاهمُ اللهُ تعالى أولي العزم فأقول ذكر ما صبروا عليه:
أمَّا نُوحٌ عليه الصلاة والسلام:
فقد قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كان نوح عليه الصلاة والسلام يُضرب ثم يُلف في لبد ويُلقى في بيته يرون أنه قد مات ثم يعود ويخرج إلى قومه ويدعوهم إلى الله تعالى ولَمَّا أيس منهم ومن إيمانهم جاءه رجلٌ كبيرٌ يتوكّأ على عصاه ومعه ابنه فقال لابنه يا بُني انظر إلى هذا الشيخ واعرفه ولا يغرك فقال له ابنه يا أبت مكني من العصا فأخذها من أبيه وضرب بها نوحا عليه الصلاة والسلام شج بها رأسه وسال الدَّمُ على وجهه فقال رب قد ترى ما يفعل بي عبادك فإن يكن لك فيهم حاجة فاهدهم وإلا فصبِّرني إلى أن تحكم فأوحى الله تعالى إليه ( إنه لن يؤمن من قومك إلا مَنْ قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون واصنع الفلك ) قال يارب وما الفُلك؟ قال بيتٌ من خشب يجري على وجه الماء أنجي فيه أهل طاعتي وأغرق أهل معصيتي، قال يارب وأين الماء؟ قال أنا على كل شيء قدير، قال يارب وأني الخشب؟ قال اغرس الخشب فغرس السَّاج عشرين سنة وكَفَّ عن دُعائهم وكفُّوا عن ضربه إلا أنهم كانوا به فلَمَّا أدرك الشجر، أمَرَهُ رَبُّهُ فقطعها وجفّفَها وقال يا رب كيف اتخذ هذا البيت؟ قال اجعله على ثلاث صور، وبعث الله له جبريل فعلّمه، وأوحي الله تعالى اليه أنْ عَجِّل بعمل السفينة فقد اشتد غضبي على مَنْ عصاني، فلمَّا فرغت السفينة جاء أمر الله سبحانه وتعالى بانتصار نوح ونجاته وإهلاك قومه وعذابهم إلا من آمن معه، وفار التّنُّورُ وظهر الماء على وجه الأرض وقذفت السماء بأمطار كأفواه القرب حتى عظم الماء وصارت أمواجه كالجبال وعلا فوق أعلى جبل في الأرض أربعين ذراعاً، وانتقم الله سبحانه وتعالى من الكافرين ونصر نبيه نوحا عليه الصلاة والسلام.. وفي تمام قصته وحديث السفينة كلامٌ مبسوطٌ لأهل التفسير ليس هذا موضع شرحه وبسطه فهذا زبدة صبر نوح عليه الصلاة والسلام وانتصاره على قومه.

وأما إبراهيم عليه الصلاة والسلام
فإنه لَمَّا كَسَّرَ أصنام قومه التي كانوا يعبدونها لم يروا في قتله ونُصرة آلهتهم أبلغ من إحراقه فأخذوه وحبسوه ببيتٍ ثم بنوا حائزا كالحوش طول جداره ستون ذراعاً في سفح جبل عال ونادى مُنَادِ مَلِكِهِمْ أن احتطبوا لإحراق إبراهيم ومَنْ تخلّف عن الاحتطاب أحرقه فلم يتخلّف منهم أحَدٌ وفعلوا ذلك أربعين يوماً ليلاً ونهاراً حتى كاد الحطبُ يساوي رؤوس الجبال وسدُّوا أبواب ذلك الحائز وقذفوا فيه النار فارتفع لهبها حتى كان الطائر يَمُرُّ بها فيحترق من شدة لهبها ثم بنوا بُنياناً شامخاً وبنوا فوقه منجنيقاً ثم رفعوا إبراهيم على رأس البُنيان فرفع إبراهيم عليه الصلاة والسلام طرفه الى السَّماء ودعا الله تعالى وقال: ( حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيل ) وقيل كان عمره يومئذ ستة وعشرين سنة فنزل إليه جبريل عليه الصلاة والسلام وقال يا إبراهيمُ ألك حاجة؟ قال أمَّا إليك فلا، فقال جبريل سَلْ رَبَّكَ، فقال حسبي من سؤالي علمه بحالي، فقال الله تعالى: ( يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وسَلَامًا عَلَى إبْرَاهِيمَ ) فلَمَّا قذفوه فيها نزل معه جبريل عليه الصلاة والسلام فجلس به على الأرض وأخرج اللهُ له ماءً عذباً، قال كعب ما أحرقت النار غير أكتافه، وأقام في ذلك الموضع سبعة أيام، وقيل أكثر من ذلك، ونَجَّاهُ اللهُ تعالى ثم أهلك نمرود وقومه بأخس الأشياء وانتقم منهم وظفر إبراهيم عليه الصلاة والسلام بهم فهذه ثمرة صبره على مثل هذه الحالة العظمى ولم يجزع منها وصبر وفوَّض أمره إلى الله تعالى في ذلك وتوكَّل عليه ووثق به، ثم جاءته قصَّة ذبح ولده وأمره الله تعالى بذلك فقابل أمره بالتسليم والامتثال وسارع إلى ذبحه من غير إهمال ولا إمهال وقصته مشهورة وتفاصيل القصة في كتب التفسير مسطورة ظهر صدقه ورضاه ومبادرته الى طاعة مولاه وصبره على ما قدَّره وقضاه، عوَّضه الله تعالى عن ذبح ولده أن فداه واتخذه خليلاً من بين خلقه واجتباه.

وأما الذبيحُ صلوات الله وسلامه عليه فإنه صبر على بلية الذّبح وتلخيصها:
أن الله تعالى لما ابتلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام بذبح ولده قال إني أريد أن أقرب قرباناً، فأخذ ولده والسكين والحبل وانطلق فلما دخل بين الجبال قال ابنه أين قربانك يا أبت؟ قال إن الله تعالى قد أمرني بذبحك فانظر ماذا ترى ( قَالَ يَا أبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) يا أبت أشدد وثاقي كي لا أضطرب وأجمع ثيابك حتى لا يصل إليها رشاش الدَّم فتراه أمي فيشتد حزنها وأسرع إمرار السكين على حلقي ليكون أهون للموت عليَّ وإذ لقيت أمِّي فاقرأ السلام عليها فأقبل إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام على ولده يُقَبِّلْهُ ويبكي ويقول نِعْمَ العَوْنُ أنت يا بُنَيِّ على ما أمر الله تعالى.

قال مجاهد:
لَمَّا أمَرَّ السِّكِّينَ على حلقه انقلبت السكين فقال يا أبت اطعن بها طعناً، وقال السدي جعل الله حلقة كصحيفة من نحاس لا تعمل فيها السكين شيئاً فلما ظهر فيهما صدق التسليم نودي أن يا إبراهيم هذا فداء ابنك فأتاه جبريل عليه السلام بكبش أملح فأخذه وأطلق ولده وذبح الكبش فلا جرم أن جعل الذبيح نبياً بصبره وامتثاله لأمره.

وأما يعقوب عليه الصلاة والسلام:
فإنه لما ابْتُلِيَ بفراق ولده وذهاب بصره واشتداد حزنه قال:( فصبرٌ جميلٌ ) وكذلك يوسف صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين لَمَّا ابتلاه الله تعالى بإلقائه فى ظلمة الجُبِّ وبيعه كما تُباعُ العبيد وفراقه لأبيه وإدخاله السجن وحبسه فيه بضع سنين وأنه تلقى ذلك كله بصبره وقبوله فلا جرم أورثهما صبرهما جمع شملهما واتساع القدرة بالملك في الدنيا مع ملك النبوة في الآخرة.

وأما أيوب عليه الصلاة والسلام:
فإنه ابتلاه الله تعالى بهلاك أهله وماله وتتابع المرض المزمن والسقم المهلك حتى أفضى أمره إلى ما تضعف القوى البشرية من حمله ولنذكر شيئاً مُختصراً من ذلك وهو: أنَّ مَلِكَاً من مُلوك بني إسرائيل كان يظلم الناس فنهاه جماعة من الأنبياء عن الظلم وسكت عنه أيوب عليه الصلاة والسلام فلم يكلمه ولم ينهه لأجل خيل كانت له في مملكته فأوحى الله تعالى إلى أيوب عليه الصلاة والسلام تركت نهيه عن الظلم لأجل خيلك لأطيلن بلاءك فقال إبليس لعنه الله يارب سلطني على أولاده وماله فسلطه فبث إبليس مردته من الشياطين فبعث بعضهم إلى دوابه ورعاتها فاحتملوها جميعاً وقذفوها في البحر وبعث بعضهم إلى زرعه وجنَّاته فأحرقوها وبعث بعضهم إلى منازله وفيها أولاده وكانوا ثلاثة عشر ولداً وخدمه وأهله فزلزلوها فهلكوا ثم جاء إبليس إلى أيوب عليه الصلاة والسلام وهو يُصَلِّي فتمثل له في صورة رجل من غلمانه فقال يا أيوب أنت تصلي ودوابك ورعاتك قد هبَّت عليها ريح عظيمة وقذفت الجميع في البحر وأحرقت زرعك وهدمت منازلك على أولادك وأهلك فهلك الجميع ما هذه الصلاة؟ فالتفت إليه وقال الحمد لله الذي أعطاني ذلك كله ثم قبله مني ثم قام إلى صلاته فرجع إبليس ثانيا فقال يارب سلطني على جسده فسلطه فنفخ في إبهام رجله فانتفخ ولا زال يسقط لحمه من شدة البلاء إلى أن بقي أمعاؤه تبين وهو مع ذلك كله صابرٌ مُحتسبٌ مُفوضٌ أمرهُ إلى الله تعالى وكان الناس قد هجروه واستقذروه وألقوه خارجاً عن البيوت من نتن ريحه وكانت زوجته رحمة بنت يوسف الصديق قد سلمت فترددت إليه متفقدة فجاءها إبليس يوماً في صورة شيخ ومعه سخلة وقال لها ليذبح أيوب هذه السخلة على إسمي فيبرأ فجاءته فأخبرته فقال لها إن شفاني الله تعالى لأجلدنك مائة جلدة تأمريني أن أذبح لغير الله تعالى فطردها عنه فذهبت وبقي ليس له من يقوم به فلما رأى أنه لا طعام له ولا شراب ولا أحد من الناس يتفقده خر ساجداً لله تعالى وقال: ( وأيُّوبَ إذْ نَادَى رَبَّهُ إنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأنْتَ أرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) فلمَّا علم الله تعالى منه ثباته على هذه البلوى طول هذه المُدَّة وهي على ما قيل ثمان عشرة سنة وقيل غير ذلك وإنه تلقى جميع ذلك بالقبول وما شكا إلى مخلوق ما نزل به عاد الله تعالى بألطافه عليه فقال تعالى: ( فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا ) وأفاض عليه من نِعَمِهِ ما أنساه بلوى نقمه ومنحه من أقسام كرمه أن أفتاه في يمينه تحلّة قَسَمِهِ ومدحه في نص الكتاب فقال تعالى: ( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ العَبْدُ إنَّهُ أوَّابٌ ).

فلو لم يكن الصبر من أعلى المراتب وأمنى المواهب لما أمر الله تعالى به رسله ذوي الحزم وسمَّاهم بسبب صبرهم أولى العزم وفتح لهم بصبرهم أبواب مُرادهم وسؤالهم ومنحهم من لدنه غاية أمرهم ومأمُولهم ومُرامهم فما أسعد مَنْ اهتدى بهُداهُم واقتدى بهم وإن قصر عن مداهم.

وقيل:
العُسْرُ يعقبهُ اليُسْرُ والشِّدَّةُ يعقبها الرَّخاءُ والتَّعبُ يعقبه الرَّاحة والضِّيقُ يعقبه السِّعة والصَّبر يعقبه الفرج وعند تناهي الشِّدَّة تنزل الرَّحمة والمُوَفّقُ مَنْ رزقه صبراً وأجراً والشَّقِيُّ مَنْ ساق القدر إليه جزعاً ووزراً.

ومِمَّا َشَّنَف السَّمع من نجع هذه الإشارة وأتحف النفع في نهج هذه العبارة:
ما روي عن الحسن البصري رضي الله تعالى عنه قال كنت بواسط فرأيت رجلاً كأنه قد نبش من قبر فقلت ما دهاك يا هذا؟ فقال أكتم عليَّ أمري، حبسني الحجَّاجُ منذ ثلاث سنين فكنت في أضيق حال وأسوأ عيش وأقبح مكان وأنا مع ذلك كله صابرٌ لا أتكلم فلمَّا كان بالأمس أخرجت جماعة كانوا معي فضُرِبَتْ رِقَابُهُمْ وتحدَّث بعض أعوان السِّجن أن غداً تُضربُ عُنُقِي فأخذني حُزنٌ شديدٌ وبكاءٌ مُفرطٌ وأجرى الله تعالى على لساني فقلت: إلهي اشتد الضُّرُّ وفُقِدَ الصَّبْرُ وأنت المُستعانُ، ثم ذهب من الليل أكثره فأخذتني غشية وأنا بين اليقظان والنائم إذ آتاني آتٍ فقال لي: قُمْ فَصَلِّ ركعتين وقل: يا مَنْ لا يشغله شيءٌ عن شيءٍ يا مَنْ أحاط عِلْمُهُ بما ذرأ وبرأ وأنت عالم بخفيَّات الأمُور ومُحْصِي وساوسَ الصُّدُور وأنت بالمنزل الأعلى وعِلْمُكَ مُحِيطٌ بالمنزل الأدنى تعاليت علواً كبيراً يا مُغِيثُ أغِثْنِي وفُكَّ أسْرِي واكشف ضُرِّي فقد نفذ صبري، فقمت وتوضأت في الحال وصلّيتُ ركعتين وتلوتُ ما سمعته منه ولم تختلف عليَّ منه كلمة واحدة فما تَمَّ القولُ حتى سقط القيد من رجلي ونظرت إلى أبواب السِّجن فرأيتُها قد فُتِحَتْ فقمتُ فخرجتُ ولم يُعارضني أحَدٌ فأنا والله طليق الرَّحمن وأعقبني الله بصبري فرجاً وجعل لي من ذلك الضيق مخرجاً ثم ودَّعَنِي وانصرف يقصد الحجاز.

وفيما يروى عن الله تعالى أنه أوحى إلى داود عليه الصلاة والسلام: يا داود مَنْ صبر علينا وصل إلينا.

وقال بعض الرواة:
دخلت مدينة يُقَالُ لها دقار فبينما أنا أطوف في خرابها إذ رأيتُ مكتوباً بباب قصر خربٍ بماءِ الذَّهب واللازورد هذه الأبيات:
( يا من ألح عليه الهم والفكر ... وغيرت حاله الأيام والغير )
( أما سمعت لما قد قيل في مثل ... عند الإياس فأين الله والقدر )
( ثم الخطوب إذا أحداثها طرقت ... فاصبر فقد فاز أقوام بما صبروا )
( وكل ضيق سيأتي بعده سعة ... وكل فوت وشيك بعده الظفر )

ولَمضّا حُبِسَ أبو أيوب في السِّجن خمس عشرة سنة ضاقت حيلته وقَلَّ صَبْرُهُ فكتب إلى بعض إخوانه يشكو إليه طول حبسه وقلة صبره فَرَدَّ عليه جواب رقعته يقول:
( صبراً أبا يوب صبر مبرح ... وإذا عجزت عن الخطوب فمن لها )
( إن الذي عقد الذي انعقدت به ... عقد المكاره فيك يملك حلها )
( صبراً فإن الصبر يعقب راحة ... ولعلها أن تنجلي ولعلها )

فأجابه أبو أيوب يقول:
( صبَّرتني ووعظتني وأنا لها ... وستنجلي بل لا أقول لعلها )
( ويحلها مَنْ كان صاحب عقدها ... كرماً به إذ كان يملك حلها )

فما لبث بعد ذلك أياماً حتى أطْلِقَ مُكَرَّمَاً وأنشدوا:
إذا ابتليت فثق بالله وارض به ... إن الذي يكشف البلوى هو الله )
( اليأس يقطع أحيانا بصاحبه ... لا تيأسن فإن الصانع الله )
( إذا قضى الله فاستسلم لقدرته ... فما ترى حيلة فيما قضى الله )



الباب السادس والخمسون: في شكوى الزمان وانقلابه بأهله والصبر على المكاره والتسلي عن نوائب الدهر  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

الباب السادس والخمسون: في شكوى الزمان وانقلابه بأهله والصبر على المكاره والتسلي عن نوائب الدهر  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب السادس والخمسون: في شكوى الزمان وانقلابه بأهله والصبر على المكاره والتسلي عن نوائب الدهر    الباب السادس والخمسون: في شكوى الزمان وانقلابه بأهله والصبر على المكاره والتسلي عن نوائب الدهر  Emptyالسبت 16 نوفمبر 2019, 9:20 pm

الفصل الثالث من هذا الباب في التَّأسِّي في الشِّدَّة والتَّسَلِّي عن نوائب الدَّهر
قال الثوري رحمه الله تعالى:
لم يفقه عندنا مَنْ لم يعد البلاء نعمة والرخاء مصيبة.

وقيل:
الهموم التي تعرض للقلوب كفارات للذنوب

سمع حكيمٌ رَجُلاً يقول لآخر لا أراك الله مكروهاً، فقال له الحكيم كأنك دعوت عليه بالموت فإن صاحب الدنيا لابد أن يرى مكروهاً.

وتقول العرب:
ويلٌ أهون من ويلين.

وقال ابن عيينة:
الدنيا كلها غموم فما كان فيها من سرور فهو ربح.

وقال العتبي:
إذا تناهى الغَمُّ إنقطع الدَّمْعُ بدليل أنك لا ترى مضروباً بالسِّياطِ ولا مُقَدَّمَاً لضرب العُنق يبكي.

وقيل:
تزوج مُغن بنائحة فسمعها تقول اللهم أوسع لنا في الرزق فقال لها يا هذه إنما الدنيا فرح وحزن وقد أخذنا بطرفي ذلك فإن كان فرح دعوني وإن كان حزن دعوك.

وقال وهب بن منبه:
إذا سلك بك طريق البلاء سلك بك طريق الأنبياء.

وقال مطرف:
ما نزل بي مكروه قط فاستعظمته إلا ذكرت ذنوبي فاستصغرته.

وعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما يرفعه: " يَوَدُّ أهلُ العافية يومَ القيامةِ أنَّ لحومهم كانت تُقرض بالمقاريض لِمَا يرون من ثواب الله تعالى لأهل البلاء ".

وروى أبو عتبة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " إذا أحَبَّ اللهُ عبداً ابتلاه فإذا أحبَّهُ الحُبَّ البالغ اقتناه قالوا وما اقتناه؟ قال لا يترك له مالاً ولا ولداً ".

ومَرَّ موسى عليه الصلاة والسلام برجل كان يعرفه مُطِيعاً لله عز وجل قد مزَّقت السِّبَاعُ لحمه وأضلاعه وكبده مُلقاةٌ على الأرض فوقف متعجباً فقال أيْ رَبِّ عبدك ابتليته بما أرى فأوحَى اللهُ تعالى إليه أنه سألني درجة لم يبلغها بعمله فأحببتُ أن أبتليه لأبلّغه تلك الدرجة.

وكان عروة بن الزبير صبوراً حين ابتلي حكي أنه خرج إلى الوليد ابن يزيد فوطئ عظماً فما بلغ إلى دمشق حتى بلغ به كل مذهب فجمع له الوليد الاطباء فأجمع رأيهم على قطع رجله فقالوا له اشرب مُرقداً فقال ما أحِبُّ أن أغفل عن ذكر الله تعالى فأحمى له المنشار وقطعت رجله فقال ضعوها بين يدي ولم يتوجع ثم قال لئن كنت ابتليت في عضو فقد عوفيت في أعضاء فبينما هو كذلك إذ أتاه خبر ولده أنه أطلع من سطح على دواب الوليد فسقط بينها فمات فقال الحمد لله على كل حال لئن أخذت واحداً لقد أبقيت جماعة.

وقدم على الوليد وفد من عبس فيهم شيخ ضرير فسأله عن حاله وسبب ذهاب بصره فقال: خرجت مع رفقة مسافرين ومعي مالي وعيالي ولا أعلم عبسياً يزيدُ ماله على مالي فعرسنا في بطن وادٍ فطرقنا سيل فذهب ما كان لي من أهل ومال وولد غير صبي صغير وبعير فشرد البعير فوضعت الصغير على الأرض ومضيت لآخذ البعير فسمعت صيحة الصغير فرجعت إليه فإذا رأس الذئب في بطنه وهو يأكل فيه فرجعت إلى البعير فحكم وجهي برجليه فذهبت عيناي فأصبحت بلا عينين ولا ولد ولا مال ولا أهل، فقال الوليد إذهبوا إلى عُروة ليعلم أنَّ في الدنيا من هو أعظم مصيبة منه.

وقيل:
الحوادث الممضة مكسبة لحظوظ جليلة.. إمَّا ثوابٌ مُدخرٌ أو تطهيرٌ من ذنبٍ أو تنبيهٍ من غفلةٍ أو تعريفٍ لقدر النِّعمة.

قال البحتري يُسَلّي محمد بن يوسف على حبسه:
( وما هذه الأيام إلا منازل ... فمن منزل رحب إلى منزل ضنك )
( وقد دهمتك الحادثات وإنما ... صفا الذهب إلا بريز قبلك بالسبك )
( أما في نبي الله يوسف أسوة ... لمثلك محبوس عن الظلم والإفك )
( أقام جميل الصبر في السجن برهة ... فآل به الصبر الجميل إلى المُلك )

وقال علي بن الجهم لما حبسه المتوكل:
( قالوا حبست فقلت ليس بضائري ... حبسي وأي مهند لا يغمد )
( والشمس لولا أنها محجوبة ... عن ناظريك لما أضاء الفرقد )
( والنار في أحجارها مخبوءة ... لا تصطلى إن لم تثرها الأزند )
( والحبس ما لم تغشه لدنية ... شنعاء نعم المنزل المتودد )
( بيت يجدد للكريم كرامة ... ويزار فيه ولا يزور ويحمد )
( لو لم يكن في الحبس إلا أنه ... لا تستذلك بالحجاب الأعبد )
( غر الليالي باديات عود ... والمال عارية يعار وينفد )
( ولكل حي معقب ولربما ... أجلى لك المكروه عما يحمد )
( لا يؤيسنك من تفرج نكبة ... خطب رماك به الزمان الأنكد )
( كم من عليل قد تخطاه الردى ... فنجا ومات طبيبه والعود )
( صبراً فإن اليوم يعقبه غد ... ويد الخلافة لا تطاولها يد )

قال وأنشد اسحاق الموصلي في إبراهيم بن المهدي حين حُبِسَ:
( هي المقادير تجري في أعنتها ... فاصبر فليس لها صبر على حال )
( يوماً تُريكَ خسيس الأصل ترفعه ... إلى العلاء ويوماً تخفض العالي )

فما أمسى حتى وردت عليه الخُلَعُ السَّنِيَّة من المأمون رضي الله عنه.

وقال إبراهيم بن عيسى الكاتب في إبراهيم بن المدني حين عُزِلَ:
( ليهن أبا إسحاق أسباب نعمة ... مجددة بالعزل والعزل أنبل )
( شهدت لقد منوا عليك وأحسنوا ... لأنك يوم العزل أعلى وأفضل )

وقال آخر:
( قد زاد ملك سليمان فعاوده ... والشمس تنحط في المجرى وترتفع )

وقال أبو بكر الخوارزمي لمعزول:
الحمد لله الذي ابتلى في الصغير وهو المال وعافى في الكبير وهو الحال.

( ولا عار إن زالت عن الحر نعمه ... ولكن عاراً أن يزول التجمل )

وقيل:
المال حظ ينقص ثم يزيد وظِلٌ ينحسر ثم يعود.

وسُئِلَ بزرجمهر عن حاله في نكبته فقال:
عوَّلت على أربعة أشياء أولها أني قلت القضاء والقدر لابد من جريانهما، الثاني أني قلت إن لم أصبر فما أصنع؟، الثالث أني قلت قد كان يجوز أن يكون أعظم من هذا، الرابع أني قلت لعل الفرج قريب.

والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.



الباب السادس والخمسون: في شكوى الزمان وانقلابه بأهله والصبر على المكاره والتسلي عن نوائب الدهر  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الباب السادس والخمسون: في شكوى الزمان وانقلابه بأهله والصبر على المكاره والتسلي عن نوائب الدهر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الباب الثاني والخمسون: في ذكر الفقر ومدحه
» الباب السادس والخمسون: في أنواع المعاملات الجارية بين الناس
» ما معنى لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر
» الباب السابع والخمسون ما جاء في اليُسر بعد العُسر والفرج بعد الشِّدَّة والفرح والسُّرور ونحو ذلك مِمَّا يتعلّق بهذا الباب
» الباب السابع والخمسون: من شيء محذوف

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: اســتراحــــة الـمنتـــدى الأدبيــــة :: المستطرف في كل فن مستظرف-
انتقل الى: