بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ الشُّعَرَاءِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ.
هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْمَ نُوحٍ كَذَّبُوا جَمَاعَةً مِنَ الْمُرْسَلِينَ بِدَلِيلِ صِيغَةِ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ: “الْمُرْسَلِينَ” ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا كَذَّبُوا رَسُولًا وَاحِدًا وَهُوَ نُوحٌ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، بِقَوْلِهِ: إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ -إِلَى قَوْلِهِ- قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (26 \ 106 - 117).

وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا، أَنَّ الرُّسُلَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ، لَمَّا كَانَتْ دَعْوَتُهُمْ وَاحِدَةً وَهِيَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، صَارَ مُكَذِّبُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُكَذِّبًا لِجَمِيعِهِمْ، كَمَا يَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (21 \ 25) وَقَوْلُهُ: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا الْآيَةَ (16 \ 36)، وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ مُكَذِّبَ بَعْضِهِمْ مُكَذِّبٌ لِلْجَمِيعِ بِقَوْلِهِ: وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا (4 \ 150 - 151).

وَيَأْتِي مِثْلُ هَذَا الْإِشْكَالِ، وَالْجَوَابُ فِي قَوْلِهِ: كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ إِلَى آخِرِهِ (26 \ 123 - 124)، وَقَوْلِهِ: كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ (26 \ 141 - 142).

وَكَذَلِكَ فِي قِصَّةِ لُوطٍ وَشُعَيْبٍ، عَلَى الْجَمِيعِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.