الفصل السابع: أصل الإنسان
هناك طرُقٌ عِدَّةٌ للبحث في أصل الإنسان.

وأنَّ مُتابعة هذه الطرُق ليُحدِثُ اضطراباً لكثيرين من ذوي الآراء الجامدة، فمن الآراء ما يقول بأنَّ الإنسان قد جاء عن طريق عملية تطوُّر من الشرارة الأصلية للحياة.

وهذا هو الأساس الذي تقوم عليه فكرة التطوُّر كلها.

وهناك رأيٌ آخر يقول بأنَّ الله في حكمته قد أودع الحياة على الأرض، وخلق الإنسان كما هو أو كما كان، كاملاً.

وثمَّة رأيٌ يقول بأنَّ العناية الإلهية لا تقف، ولكنها انتجت الحياة بكل أطوارها بسلسلة من الخلق.

على أنَّ هناك رأياً آخر يقول بأنَّ الحياة التي انتهت إلى الإنسان كانت نتيجة سعيدة لمزيج حَدَثَ مُصادفة من المواد الكيمويَّة، بما فيها الماء.. ويمكنُ القولُ بأنه مع الإيمان بوجود الخالق، فإنَّهُ قد شاءت إرادتُهُ أنْ يخلقَ من العناصر الأصليَّة للأرض شيئاً تكون له حياة، ويبلغ في النهاية إلى تطور في المُخِّ يسمحُ بإيداعه الذَّكاء.

ويمكن القول بأنَّ اللهَ تعالى قد شاءَ أنْ يمنح هذا الذَّكاء سيادةً وسيطرةً على جميع الكائنات الحيَّة الأخرى وعلى كائناتٍ أخرى كثيرةٍ عاطلةٍ من الحياة.

وأياً ما تختر لنفسك من هذه الآراء، فإنَّ من الواضح أنَّ الإنسان لم يوجد كإنسان منذ بدأت الحياة ولكنه تطوَّر فيما بعد إلى ما هو عليه الآن، وعلى أي حال لم يظهر كإنسان، إلا بعد ان عجزت كل أشكال الحياة الكائنات الأخرى عن إيجاد جهاز بالغ التعقيد كالعقل البشري.

وإذا فرضنا أنَّ الإنسان بدأ مع ظهور الحياة الأولى، فإن وجوده يرجع إلى 400 مليون سَنَةٍ أو أكثر.

أمَّا إذا قبلنا النظرية الثانية، فإنَّهُ يكون قد وجد بعد ذلك، أو في أي وقت نتيجة للمشيئة الإلهيَّة.

أمَّا إذا قبلنا الفرض الثالث، فإنَّنَا لا يُمكننا أنْ نُحدِّدَ تاريخاً لأول وجوده كإنسان إلا بما يرجع لنا ملايين عِدَّة من السِّنين.

وقد أمكن تتَّبُع تاريخ الإنسان كإنسان، بالأدلَّة الكافية لإقناع العُلماء، لمدة مليون سنة مضت، ولكن هذا حَدٌ أدنى مُتفقٌ عليه.

أمَّا قبل ذلك فإنَّ تطوره -مهما يكن الحيوان الذي تطوَّر منه- يرجع إلى قِدَمٍ لا يصل إليه حُسْبَانَ البشر.

ويوجد في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي بنيويورك حِصَانٌ أثريٌ ذو ثلاثة أصابع، وهو حيوانٌ صغيرٌ كان لا ريب سريع العدو.

ولا شكَّ أنَّه كان حِصَاناً، غير أنَّ تطوره إلى الحصان الجليل الحالي الذي يجري على ما نُسَمِّيهِ حافراً تطوَّر من إصبع، قد تطلّب ملايين السِّنِين.

فإذا اتَّخذنا من ذلك مَعْلَماً للطريق، فلنُقَدِّر إذنْ الزَّمن الذي تطلّبه الإنسانُ حتى تطوَّرت يداه وعيناه وذهنه، وبذا صار حيواناً طفيفاً ورفعه ذلك إلى كيانه الحالي.

والآنْ نعُود فنقتبس التقلبات التي مَرَّ بها هذا المخلوق الصغير الأعزل من وسائل الدِّفاع، وإنْ يكُنْ حقاً سريع الحركة فإنَّهُ مُعرَّضٌ للخطر من كل مخلوق يأكُلُ اللحم، ومن كُلِّ زاحفٍ سامٍّ، ومن كل جسم يُحْدِثُ المرض.

وكان عليه أنْ يعني بصغاره زمناً طويلاً من عجزهم، فإنَّ أطفال الإنسان تُولدُ عديمة الحَوْلِ والحيلة، وهي تأتي تِبَاعاً وبذا قد يُصبحُ عِدَّةَ أطفال عاجزين، في حاجةٍ إلى الغذاءِ والوقايةِ في وقتٍ واحدٍ.

وهذا يُضاعف عجيبة بقاءِ الإنسان في خلال الدُّهُور!

فقد عاش خلال تغيُّراتٍ كالعصر الثَّلجي وفي كل طور آخر من أطوار الحياة المَحرُومَة الوقاية.

وهذا ينطبق طبعاً على جميع الحيوانات الأخرى.

وإنَّهُ لَمِنْ مُعجزات العِنَايَة الإلهيَّة أن استطاعت هذه المخلوقات أنْ تثبُت أمام تلك الظروف.

ومن جهةٍ أخرى فإنَّ أنواعاً لا عدد لها كانت قد ولدت ثم انقطعت عن الوجود.

وليست عظام (الديناصورات) (1) إلا دليلاً واحداً يُثبِتُ به عُلمَاءِ الجيولوجيا (علم طبقات الأرض) أنَّهُ وجدت في الماضي حيوانات غريبة قُدِّرَ لها الفشلُ فعَفَى عليها النِّسيان.

وكان ذلك أيضاً مثال ملايين من الحشرات والأسماك والطيور وأنواع أخرى عديدةٍ من مخلوقاتٍ شَتَّى.

ولعل (الحمَامَ المُسافِرَ) (2) كان في وقتٍ ما أكثر عدداً من البشر، ولكن آخر واحدةٍ منهُ ماتت في عهدنا، وانقرضت سُلالتُهُ الفاخرة كما انقرض (البطريق) العظيم و (الدودو) (3).

وتجد عُلمَاء الآثار في إظهارهم لتطوُّر الإنسان، يتَّخذُون من سِعَةِ المُخِّ في جُمجُمَتِهِ مِفْتَاحاً لِتَقَدُّمِهِ.

وقد حَلَّتْ أجْنِاسٌ ولا تزال تَحِلُّ، محل أخرى، ويبدو أنَّ الجنس الأبيض هو في الذُّرْوَةِ في الوقت الحاضر.

أفيأتي الزَّمَنُ بالإنسان المُمْتَاز (السُّوبرمَان) الذي ينسل ذُرِّيَّةً من نَوْعِهِ تملأ الأرض على رحبها؟

إنَّ العظام في جُمجُمَةِ الطفل يفرقها غُضرُوفٌ يُتِيحُ لِمُخِّهِ مزيداً من النِّمُوِّ، وقد يستمر ذلك في طور الشَّباب إذا كان ثمَّة حاجة إلى مثل هذا التَّوَسُّع.

ولكن الواقع أنَّنَا نصبح ذوي أدمغة صلبة.

وقْتٌ بَاكِرٌ..

ويحسُنُ بنا ألّا نُغلِقَ عُقُولَنَا دون الحقيقة قبل الأوان!.
---------------------------------------
(1) – الديناصورات:
 جمع ديناصور، وهو الحيوان الهائل الذي وجد مدفوناً تحت أطباق الثلوج، وانقرض من الحياة منذ زمن طويل.
(المُتَرْجِمْ).
(2) - نوعٌ من الحمام كان موطنه أمريكا الشمالية، وكان ذا رأس صغير ومنقار قصير وذيل طويل وجناحين طويلين مُدَبَّبَيْنِ.
(المُتَرْجِمْ).
(3) - الدودو: طائر مُنقرضٌ من فصيلة الحمام.
(المُتَرْجِمْ).
---------------------------------------